مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • حاربَ الخوف والشك
    اقتد بإيمانهم
    • الرسول بطرس

      اَلْفَصْلُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

      حَارَبَ ٱلْخَوْفَ وَٱلشَّكَّ

      ١-‏٣ مَاذَا شَهِدَ بُطْرُسُ خِلَالَ يَوْمٍ زَاخِرٍ بِٱلْأَحْدَاثِ،‏ وَأَيُّ لَيْلَةٍ عَصِيبَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ؟‏

      رَاحَ بُطْرُسُ يُجَذِّفُ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ وَعَيْنَاهُ تُحَدِّقَانِ فِي ٱلْعَتَمَةِ.‏ أَتُرَاهُ يَلْمَحُ وَمِيضًا خَافِتًا فِي ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ شَرْقًا؟‏ هَلْ بَزَغَ ٱلْفَجْرُ أَخِيرًا؟‏ سَاعَاتٌ طَوِيلَةٌ مَضَتْ وَهُوَ يُصَارِعُ بَحْرَ ٱلْجَلِيلِ ٱلْهَائِجَ.‏ عَضَلَاتُ ظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ تُؤْلِمُهُ أَلَمًا شَدِيدًا،‏ ٱلرِّيَاحُ ٱلْهَوْجَاءُ تَعْبَثُ بِشَعْرِهِ،‏ وَمَوْجَةٌ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى تَلْطِمُ مُقَدِّمَةَ ٱلْمَرْكَبِ فَتَتَكَسَّرُ وَتُبَلِّلُ بُطْرُسَ بِرَذَاذِهَا ٱلْبَارِدِ.‏

      ٢ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ،‏ رَأَى بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ مُعَلِّمَهُمْ يَسُوعَ يُطْعِمُ جُمُوعًا جَائِعَةً تُعَدُّ بِٱلْآلَافِ بِمُجَرَّدِ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ.‏ فَمَا كَانَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِلَّا أَنْ أَرَادُوا تَنْصِيبَهُ مَلِكًا،‏ لٰكِنَّهُ رَفَضَ ٱلِٱنْهِمَاكَ فِي ٱلسِّيَاسَةِ.‏ وَصَمَّمَ أَيْضًا عَلَى مُسَاعَدَةِ أَتْبَاعِهِ أَنْ يَتَجَنَّبُوا مَطَامِحَ كَهٰذِهِ.‏ وَبَعْدَمَا تَمَلَّصَ مِنَ ٱلْجُمُوعِ،‏ أَلْزَمَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يَصْعَدُوا إِلَى ٱلْمَرْكَبِ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى ٱلشَّاطِئِ ٱلْمُقَابِلِ،‏ فِي حِينِ مَضَى هُوَ مُنْفَرِدًا إِلَى ٱلْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ إِلَى أَبِيهِ.‏ —‏ مر ٦:‏​٣٥-‏٤٥‏؛‏ اقرأ يوحنا ٦:‏​١٤-‏١٧‏.‏

      ٣ حِينَ ٱنْطَلَقَ ٱلتَّلَامِيذُ،‏ كَانَ ٱلْقَمَرُ ٱلَّذِي أَوْشَكَ أَنْ يَكْتَمِلَ يُزَيِّنُ كَبِدَ ٱلسَّمَاءِ.‏ أَمَّا ٱلْآنَ فَهَا هُوَ يَنْحَدِرُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا إِلَى مَبِيتِهِ خَلْفَ ٱلْأُفُقِ ٱلْغَرْبِيِّ.‏ وَلٰكِنْ رَغْمَ مُرُورِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ ٱلطَّوِيلِ،‏ لَمْ يَقْطَعْ بُطْرُسُ وَٱلْبَاقُونَ سِوَى بِضْعَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ.‏ وَوَسْطَ جَلَبَةِ ٱلرِّيَاحِ ٱلزَّائِرَةِ وَٱلْأَمْوَاجِ ٱلْهَادِرَةِ،‏ بِٱلْكَادِ ٱسْتَطَاعُوا أَنْ يَتَبَادَلُوا أَطْرَافَ ٱلْحَدِيثِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُنْكَبٌّ عَلَى ٱلتَّجْذِيفِ.‏ فِي تِلْكَ ٱلْأَثْنَاءِ،‏ كَانَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُسْتَرْسِلًا فِي تَأَمُّلَاتِهِ وَخَوَاطِرِهِ.‏

      تَعَلَّمَ بُطْرُسُ دُرُوسًا عَدِيدَةً مِنْ يَسُوعَ فِي غُضُونِ سَنَتَيْنِ،‏ وَلٰكِنْ كَانَ أَمَامَهُ شَوْطٌ طَوِيلٌ بَعْدُ

      ٤ لِمَ بُطْرُسُ قُدْوَةٌ رَائِعَةٌ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟‏

      ٤ كَثِيرَةٌ هِيَ ٱلْأَفْكَارُ ٱلَّتِي جَالَتْ فِي رَأْسِ بُطْرُسَ.‏ فَقَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ حَفَلَتَا بَٱلْأَحْدَاثِ ٱلْمُهِمَّةِ،‏ ٱلْتَقَى يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ.‏ وَمَعَ أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْهُ دُرُوسًا عَدِيدَةً،‏ كَانَ أَمَامَهُ شَوْطٌ طَوِيلٌ بَعْدُ.‏ إِلَّا أَنَّهُ أَظْهَرَ ٱسْتِعْدَادًا لِمُصَارَعَةِ عَقَبَاتٍ مِثْلِ ٱلشَّكِّ وَٱلْخَوْفِ وَٱلتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا،‏ وَهُوَ بِذٰلِكَ قُدْوَةٌ رَائِعَةٌ لَنَا ٱلْيَوْمَ.‏ فَلْنَرَ ٱلْآنَ مَا حَدَثَ مَعَهُ.‏

      ‏«وَجَدْنَا ٱلْمَسِيَّا»‏

      ٥،‏ ٦ أَيُّ حَيَاةٍ عَاشَهَا بُطْرُسُ؟‏

      ٥ لَمْ يَنْسَ بُطْرُسُ قَطُّ يَوْمَ لِقَائِهِ بِيَسُوعَ.‏ فَقَدْ أَتَاهُ أَخُوهُ أَنْدَرَاوُسُ بِبُشْرَى رَائِعَةٍ قَائِلًا:‏ «وَجَدْنَا ٱلْمَسِيَّا».‏ وَهَاتَانِ ٱلْكَلِمَتَانِ غَيَّرَتَا مَجْرَى حَيَاتِهِ تَغْيِيرًا جَذْرِيًّا.‏ —‏ يو ١:‏٤١‏.‏

      ٦ عَاشَ بُطْرُسُ فِي كَفَرْنَاحُومَ،‏ مَدِينَةٍ عَلَى ٱلضِّفَّةِ ٱلشَّمَالِيَّةِ لِبُحَيْرَةٍ عَذْبَةٍ تُدْعَى بَحْرَ ٱلْجَلِيلِ.‏ وَقَدْ تَشَارَكَ هُوَ وَأَنْدَرَاوُسُ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا،‏ ٱبْنَيْ زَبَدِي،‏ فِي مِهْنَةِ صَيْدِ ٱلسَّمَكِ.‏ وَكَانَ مُتَزَوِّجًا وَيَأْوِي حَمَاتَهُ وَأَخَاهُ أَنْدَرَاوُسَ فِي بَيْتِهِ.‏ إِنَّ إِعَالَةَ عَائِلَةٍ كَهٰذِهِ بِصَيْدِ ٱلسَّمَكِ ٱسْتَلْزَمَتْ حَتْمًا كَدًّا مُسْتَمِرًّا وَطَاقَةً كَبِيرَةً وَمَهَارَةً فِي ٱلْعَمَلِ.‏ تَخَيَّلِ ٱللَّيَالِيَ ٱلطَّوِيلَةَ ٱلَّتِي سَهِرَهَا ٱلصَّيَّادُونَ كَادِحِينَ يُلْقُونَ شِبَاكَهُمْ بَيْنَ مَرْكَبَيْنِ ثُمَّ يَسْحَبُونَ مَا عَلِقَ فِي طَيَّاتِهَا مِنْ سَمَكٍ.‏ وَتَصَوَّرْ أَيْضًا عَمَلَهُمُ ٱلْمُضْنِي نَهَارًا وَهُمْ يَفْرِزُونَ ٱلسَّمَكَ وَيَبِيعُونَهُ وَيُصْلِحُونَ ٱلشِّبَاكَ وَيُنَظِّفُونَهَا.‏

      ٧ مَاذَا سَمِعَ بُطْرُسُ عَنْ يَسُوعَ،‏ وَلِمَ كَانَ هٰذَا ٱلْخَبَرُ مُفْرِحًا؟‏

      ٧ يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَنَّ أَنْدَرَاوُسَ كَانَ مِنْ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ بُطْرُسَ ٱعْتَادَ أَنْ يُصْغِيَ إِلَى أَخِيهِ بِكُلِّ ٱهْتِمَامٍ وَهُوَ يُخْبِرُهُ بِكَلَامِ يُوحَنَّا.‏ وَذَاتَ يَوْمٍ،‏ فِيمَا كَانَ أَنْدَرَاوُسُ وَاقِفًا مَعَ يُوحَنَّا،‏ رَآهُ يُشِيرُ إِلَى يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ وَيَقُولُ:‏ «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ!‏».‏ فَصَارَ مِنْ أَتْبَاعِ يَسُوعَ عَلَى ٱلْفَوْرِ،‏ وَنَقَلَ بِحَمَاسَةٍ إِلَى أَخِيهِ بُطْرُسَ هٰذَا ٱلْخَبَرَ ٱلْمُفْرِحَ:‏ قَدْ جَاءَ ٱلْمَسِيَّا!‏ (‏يو ١:‏​٣٥-‏٤١‏)‏ فَبَعْدَ ٱلتَّمَرُّدِ فِي عَدْنٍ ٱلَّذِي حَدَثَ قَبْلَ نَحْوِ ٠٠٠‏,٤ سَنَةٍ،‏ وَعَدَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ بِمَجِيءِ شَخْصٍ مُمَيَّزٍ يَمْنَحُ ٱلْبَشَرَ رَجَاءً حَقِيقِيًّا.‏ (‏تك ٣:‏١٥‏)‏ وَٱلْآنَ ٱلْتَقَى أَنْدَرَاوُسُ هٰذَا ٱلْمُخَلِّصَ ٱلَّذِي سَيُنْقِذُ ٱلْعَالَمَ،‏ ٱلْمَسِيَّا نَفْسَهُ!‏ فَأَتَى بِأَخِيهِ بُطْرُسَ ٱلَّذِي تَلَهَّفَ هُوَ ٱلْآخَرُ لِرُؤْيَةِ يَسُوعَ.‏

      ٨ مَا مَعْنَى ٱلِٱسْمِ ٱلَّذِي أَطْلَقَهُ يَسُوعُ عَلَى بُطْرُسَ،‏ وَلِمَ يَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ؟‏

      ٨ حَتَّى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ،‏ كَانَ بُطْرُسُ مَعْرُوفًا بِٱلِٱسْمِ سِمْعَانَ.‏ لٰكِنَّ يَسُوعَ نَظَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ:‏ «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُوحَنَّا،‏ وَسَتُدْعَى صَفَا (‏ٱلَّذِي تَرْجَمَتُهُ:‏ بُطْرُسُ)‏».‏ (‏يو ١:‏٤٢‏)‏ إِنَّ ٱلِٱسْمَ «صَفَا» مَعْنَاهُ «حَجَرٌ» أَوْ «صَخْرٌ».‏ وَكَمَا يَتَّضِحُ،‏ حَمَلَتْ كَلِمَاتُ يَسُوعَ مَغْزًى نَبَوِيًّا.‏ فَقَدْ تَوَسَّمَ فِي بُطْرُسَ صِفَاتٍ شَبِيهَةً بِصِفَاتِ ٱلصَّخْرِ:‏ ثَبَاتًا وَصُمُودًا وَرَكِيزَةً دَاعِمَةً لِأَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ.‏ وَهَلْ كَانَتْ هٰذِهِ نَظْرَةَ بُطْرُسَ إِلَى نَفْسِهِ؟‏ لَا يَبْدُو ٱلْأَمْرُ كَذٰلِكَ.‏ حَتَّى إِنَّ عَدَدًا مِنْ قُرَّاءِ ٱلْأَنَاجِيلِ ٱلْيَوْمَ لَا يَرَوْنَ فِيهِ هٰذِهِ ٱلصِّفَاتِ.‏ فَهُوَ فِي نَظَرِ ٱلْبَعْضِ شَخْصِيَّةٌ مُتَقَلْقِلَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ وَمُتَرَدِّدَةٌ،‏ بِنَاءً عَلَى مَا يَكْشِفُهُ سِجِلُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏

      ٩ عَمَّ يَبْحَثُ يَهْوَهُ وَٱبْنُهُ،‏ وَلِمَ بِرَأْيِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَثِقَ بِنَظْرَتِهِمَا؟‏

      ٩ طَبْعًا،‏ كَانَتْ لَدَى بُطْرُسَ عُيُوبٌ وَضَعَفَاتٌ لَمْ يَغْفُلْ عَنْهَا يَسُوعُ.‏ لٰكِنَّهُ كَأَبِيهِ يَهْوَهَ يَتَطَلَّعُ دَوْمًا إِلَى ٱلنَّاسِ مِنْ مِنْظَارٍ إِيجَابِيٍّ.‏ فَقَدْ رَأَى فِي بُطْرُسَ إِمْكَانَاتٍ كَبِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ،‏ وَأَرَادَ مُسَاعَدَتَهُ عَلَى ٱسْتِغْلَالِهَا بِأَفْضَلِ طَرِيقَةٍ مُمْكِنَةٍ.‏ اَلْيَوْمَ أَيْضًا،‏ يُفَتِّشُ يَهْوَهُ وَٱبْنُهُ عَنِ ٱلْحَسَنَاتِ فِي شَخْصِيَّتِنَا.‏ وَمَعَ أَنَّنَا قَدْ نَسْتَخِفُّ بِقُدُرَاتِنَا وَلَا نَرَى ٱلصَّلَاحَ فِي أَنْفُسِنَا،‏ يَلْزَمُ أَنْ نَثِقَ بِنَظْرَتِهِمَا وَنَسْمَحَ لَهُمَا بِتَدْرِيبِنَا وَصَوْغِنَا أُسْوَةً بِبُطْرُسَ.‏ —‏ اقرأ ١ يوحنا ٣:‏​١٩،‏ ٢٠‏.‏

      ‏«كَفَاكَ خَوْفٌ»‏

      ١٠ مَاذَا شَهِدَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ،‏ وَلٰكِنْ مَاذَا فَعَلَ؟‏

      ١٠ يُرَجَّحُ أَنَّ بُطْرُسَ رَافَقَ يَسُوعَ فَتْرَةً مِنَ ٱلْوَقْتِ خِلَالَ جَوْلَتِهِ ٱلْكِرَازِيَّةِ ٱلَّتِي تَلَتْ لِقَاءَهُمَا.‏ لِذَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَهِدَ عَجِيبَتَهُ ٱلْأُولَى حِينَ حَوَّلَ ٱلْمَاءَ إِلَى خَمْرٍ أَثْنَاءَ وَلِيمَةِ عُرْسٍ فِي قَانَا.‏ وَٱلْأَهَمُّ أَنَّهُ سَمِعَ رِسَالَتَهُ ٱلرَّائِعَةَ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي تَمْنَحُ ٱلْأَمَلَ وَٱلرَّجَاءَ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ فَارَقَهُ وَعَادَ إِلَى مُزَاوَلَةِ مِهْنَةِ ٱلصَّيْدِ.‏ وَلٰكِنْ عِنْدَمَا ٱلْتَقَاهُ مُجَدَّدًا بَعْدَ أَشْهُرٍ،‏ دَعَاهُ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ إِلَى ٱتِّبَاعِهِ عَلَى ٱلدَّوَامِ.‏

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ إِلَى أَيِّ حَدٍّ كَدَّ بُطْرُسُ خِلَالَ إِحْدَى ٱللَّيَالِي؟‏ (‏ب)‏ بِمَ فَكَّرَ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلَى يَسُوعَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ؟‏

      ١١ كَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَعِبَ ٱللَّيْلَ كُلَّهُ فِي ٱلصَّيْدِ وَلَمْ يَتَوَفَّقْ.‏ فَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ أَنْزَلَ هُوَ وَٱلصَّيَّادُونَ ٱلشِّبَاكَ وَسَحَبُوهَا فَارِغَةً.‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ٱسْتَثْمَرَ كُلَّ خِبْرَاتِهِ وَمَهَارَاتِهِ آنَذَاكَ،‏ مُتَنَقِّلًا مِنْ مَوْقِعٍ إِلَى آخَرَ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ بَحْثًا عَنْ مَرَاعِي ٱلسَّمَكِ.‏ وَتَمَنَّى بِٱلتَّأْكِيدِ،‏ مَثَلُهُ مَثَلُ صَيَّادِينَ كَثِيرِينَ،‏ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْبُرَ غَوْرَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْمُعْتِمَةِ وَيَجِدَ أَسْرَابَ ٱلسَّمَكِ وَيَجْذِبَهَا إِلَى شِبَاكِهِ.‏ طَبْعًا،‏ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارُ سَتَزِيدُ مِنِ ٱسْتِيَائِهِ وَتَثَبُّطِهِ.‏ فَهُوَ لَمْ يَصْطَدِ ٱلسَّمَكَ مِنْ بَابِ ٱلْمُتْعَةِ وَٱلتَّسْلِيَةِ،‏ بَلْ لِكَسْبِ لُقْمَةِ ٱلْعَيْشِ.‏ وَٱلْمُؤْسِفُ أَنَّهُ عَادَ أَخِيرًا إِلَى ٱلشَّاطِئِ صِفْرَ ٱلْيَدَيْنِ.‏ وَفِيمَا كَانَ مُنْهَمِكًا فِي تَنْظِيفِ ٱلشِّبَاكِ،‏ دَنَا مِنْهُ يَسُوعُ.‏

      لَمْ يَمَلَّ بُطْرُسُ قَطُّ مِنْ سَمَاعِ يَسُوعَ يُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ،‏ مِحْوَرِ كِرَازَتِهِ

      ١٢ فِي تِلْكَ ٱلْمُنَاسَبَةِ،‏ كَانَ ٱلْجَمْعُ مُزْدَحِمًا عَلَى يَسُوعَ يَتَلَهَّفُ لِسَمَاعِ كُلِّ كَلِمَةٍ يَتَفَوَّهُ بِهَا.‏ لِذَا صَعِدَ إِلَى مَرْكَبِ بُطْرُسَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَبْتَعِدَ قَلِيلًا عَنِ ٱلْبَرِّ،‏ ثُمَّ شَرَعَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ ٱلْمُتَعَطِّشَةَ بِصَوْتٍ وَاضِحٍ.‏ وَرَاحَ بُطْرُسُ مِثْلَهُمْ يُصْغِي إِلَيْهِ بِٱنْتِبَاهٍ شَدِيدٍ.‏ فَهُوَ لَمْ يَمَلَّ قَطُّ مِنْ سَمَاعِهِ يُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ،‏ مِحْوَرِ كِرَازَتِهِ.‏ وَلَعَلَّهُ فَكَّرَ فِي ٱلِٱمْتِيَازِ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي سَيَحْظَى بِهِ لَوْ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُسَاعَدَةِ ٱلْمَسِيحِ عَلَى نَشْرِ رِسَالَةِ ٱلرَّجَاءِ هٰذِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.‏ وَلٰكِنْ مَاذَا فِي طَاقَةِ يَدِهِ أَنْ يَفْعَلَ؟‏ كَيْفَ لَهُ أَنْ يُعِيلَ عَائِلَتَهُ؟‏ لَرُبَّمَا ٱسْتَرْجَعَ فِي ذِهْنِهِ لَيْلَتَهُ ٱلطَّوِيلَةَ وَغَيْرَ ٱلْمُثْمِرَةِ ٱلَّتِي قَضَاهَا فِي ٱلْبَحْرِ.‏ —‏ لو ٥:‏​١-‏٣‏.‏

      ١٣،‏ ١٤ مَا هِيَ ٱلْعَجِيبَةُ ٱلَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ لِبُطْرُسَ،‏ وَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِهِ؟‏

      ١٣ لَمَّا فَرَغَ يَسُوعُ مِنَ ٱلْكَلَامِ،‏ قَالَ لِبُطْرُسَ:‏ «تَقَدَّمْ إِلَى ٱلْعُمْقِ،‏ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ».‏ لٰكِنَّ ٱلشَّكَّ ٱسْتَوْلَى عَلَى بُطْرُسَ فَأَجَابَ:‏ «يَا مُعَلِّمُ،‏ تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا،‏ وَلٰكِنْ بِنَاءً عَلَى طَلَبِكَ أُنْزِلُ ٱلشِّبَاكَ».‏ كَانَ بُطْرُسُ قَدِ ٱنْتَهَى لِتَوِّهِ مِنْ غَسْلِ ٱلشِّبَاكِ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ آخِرَ أَمْرٍ أَرَادَ ٱلْقِيَامَ بِهِ هُوَ إِنْزَالُهَا مُجَدَّدًا،‏ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ ٱلسَّمَكَ لَا يَقْتَاتُ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ أَذْعَنَ وَأَوْمَأَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ إِلَى شُرَكَائِهِ فِي ٱلْمَرْكَبِ ٱلْآخَرِ أَنْ يَتْبَعُوهُ.‏ —‏ لو ٥:‏​٤،‏ ٥‏.‏

      ١٤ وَحِينَ ٱبْتَدَأَ يَسْحَبُ ٱلشِّبَاكَ،‏ شَعَرَ بِثِقْلٍ كَبِيرٍ جِدًّا.‏ فَرَاحَ يَرْفَعُهَا بِكُلِّ قُوَّتِهِ وَهُوَ لَا يُصَدِّقُ مَا يَحْصُلُ.‏ وَمَا لَبِثَ أَنْ رَأَى أَعْدَادًا كَبِيرَةً مِنَ ٱلسَّمَكِ تَتَخَبَّطُ فِي طَيَّاتِهَا.‏ فَأَشَارَ بِٱنْفِعَالٍ وَحَمَاسَةٍ إِلَى شُرَكَائِهِ فِي ٱلْمَرْكَبِ ٱلْآخَرِ أَنْ يَأْتُوا لِلْمُسَاعَدَةِ.‏ وَلٰكِنْ سُرْعَانَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَرْكَبًا وَاحِدًا لَا يَكْفِي لِٱحْتِوَاءِ كُلِّ ٱلسَّمَكِ.‏ فَمَلَأُوا ٱلْمَرْكَبَيْنِ كِلَيْهِمَا حَتَّى أَخَذَا فِي ٱلْغَرَقِ،‏ وَلَمْ تَنْفَدْ بَعْدُ ٱلْكَمِّيَّةُ فِي ٱلشِّبَاكِ.‏ وَيَا لَلدَّهْشَةِ ٱلَّتِي غَمَرَتْ بُطْرُسَ!‏ فَقَدْ رَأَى ٱلْمَسِيحَ يَصْنَعُ ٱلْعَجَائِبَ مِنْ قَبْلُ،‏ لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ مَسَّتْهُ هُوَ شَخْصِيًّا.‏ فَهٰذَا ٱلرَّجُلُ قَادِرٌ حَتَّى عَلَى إِدْخَالِ ٱلسَّمَكِ إِلَى ٱلشِّبَاكِ!‏ وَإِذِ ٱعْتَرَاهُ ٱلْخَوْفُ،‏ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ لِيَسُوعَ:‏ «اِبْتَعِدْ عَنِّي يَا رَبُّ،‏ لِأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ».‏ فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَحْسَبَ نَفْسَهُ جَدِيرًا بِمُرَافَقَةِ مَنْ يَصْنَعُ عَجَائِبَ كَهٰذِهِ بِقُدْرَةٍ إِلٰهِيَّةٍ؟‏!‏ —‏ اقرأ لوقا ٥:‏​٦-‏٩‏.‏

      يسوع في المركب مع بطرس وأندراوس،‏ والمركب يبدأ بالغرق من ثقل السمك الكثير

      ‏‹يَا رَبُّ،‏ إِنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ›‏

      ١٥ كَيْفَ عَلَّمَ يَسُوعُ بُطْرُسَ أَنْ لَا أَسَاسَ لِشُكُوكِهِ وَمَخَاوِفِهِ؟‏

      ١٥ عِنْدَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ بِلُطْفٍ:‏ «كَفَاكَ خَوْفٌ.‏ مِنَ ٱلْآنَ تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ أَحْيَاءً».‏ (‏لو ٥:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ لَمْ يَكُنِ ٱلْوَقْتُ آنَذَاكَ لِيَسْتَسْلِمَ بُطْرُسُ لِلشُّكُوكِ وَٱلْمَخَاوِفِ.‏ فَلَا مُبَرِّرَ لِشَكِّهِ وَقَلَقِهِ حِيَالَ ٱلْمَسَائِلِ ٱلْيَوْمِيَّةِ،‏ كَصَيْدِ ٱلسَّمَكِ لِكَسْبِ ٱلرِّزْقِ،‏ وَلَا أَسَاسَ أَيْضًا لِمَخَاوِفِهِ بِشَأْنِ نَقَائِصِهِ وَشُعُورِهِ بِعَدَمِ ٱلْجَدَارَةِ.‏ فَيَسُوعُ كَانَ سَيَقُومُ بِخِدْمَةٍ عَظِيمَةٍ لَهَا أَبْلَغُ ٱلْأَثَرِ فِي مُسْتَقْبَلِ ٱلْبَشَرِ.‏ وَهُوَ يَخْدُمُ يَهْوَهَ،‏ ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي «يُكْثِرُ ٱلْغُفْرَانَ».‏ (‏اش ٥٥:‏٧‏)‏ لِذَا مَا مِنْ شَكٍّ أَنَّهُ سَيَهْتَمُّ بِحَاجَاتِ بُطْرُسَ ٱلْجَسَدِيَّةِ وَٱلرُّوحِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.‏ —‏ مت ٦:‏٣٣‏.‏

      ١٦ كَيْفَ تَجَاوَبَ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا مَعَ دَعْوَةِ يَسُوعَ،‏ وَلِمَ كَانَ ذٰلِكَ أَفْضَلَ قَرَارٍ يَتَّخِذُونَهُ؟‏

      ١٦ لَبَّى بُطْرُسُ دَعْوَةَ يَسُوعَ عَلَى ٱلْفَوْرِ،‏ وَكَذٰلِكَ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا.‏ يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ:‏ «أَعَادُوا ٱلْمَرْكَبَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّ،‏ وَتَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ».‏ (‏لو ٥:‏١١‏)‏ لَقَدْ وَضَعَ بُطْرُسُ ثِقَتَهُ بِيَسُوعَ وَبِٱلَّذِي أَرْسَلَهُ.‏ وَكَانَ ذٰلِكَ أَفْضَلَ قَرَارٍ يَتَّخِذُهُ عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ.‏ وَٱلْيَوْمَ،‏ يُعْرِبُ عَنْ ثِقَةٍ مُمَاثِلَةٍ كُلُّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلَّذِينَ يَتَغَلَّبُونَ عَلَى شُكُوكِهِمْ وَمَخَاوِفِهِمْ كَيْ يَخْدُمُوا يَهْوَهَ.‏ فَلْيَكُنْ هٰؤُلَاءِ عَلَى يَقِينٍ أَنَّهُ لَنْ يُخَيِّبَ أَمَلَهُمْ أَبَدًا.‏ —‏ مز ٢٢:‏​٤،‏ ٥‏.‏

      ‏«لِمَاذَا ٱسْتَسْلَمْتَ لِلشَّكِّ؟‏»‏

      ١٧ أَيَّةُ ذِكْرَيَاتٍ رَسَخَتْ فِي ذِهْنِ بُطْرُسَ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَتَيْنِ عَلَى ٱلْتِقَائِهِ بِيَسُوعَ؟‏

      ١٧ كَانَتْ قَدْ مَرَّتْ سَنَتَانِ تَقْرِيبًا عَلَى ٱلْتِقَاءِ بُطْرُسَ بِيَسُوعَ حِينَ أَبْحَرَ خِلَالَ تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ ٱلْعَاصِفَةِ فِي بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ،‏ كَمَا هُوَ مَوْصُوفٌ فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ.‏ طَبْعًا،‏ لَا نَعْرِفُ مَا رَاوَدَ فِكْرَهُ آنَذَاكَ.‏ فَكَثِيرَةٌ هِيَ ٱلذِّكْرَيَاتُ ٱلَّتِي ٱزْدَحَمَتْ فِي رَأْسِهِ.‏ لَقَدْ شَفَى يَسُوعُ حَمَاتَهُ،‏ أَلْقَى ٱلْمَوْعِظَةَ عَلَى ٱلْجَبَلِ،‏ وَأَظْهَرَ مِرَارًا مِنْ خِلَالِ تَعَالِيمِهِ وَعَجَائِبِهِ أَنَّهُ ٱلْمَسِيَّا ٱلْمُخْتَارُ مِنْ يَهْوَهَ.‏ وَمَعَ مُرُورِ ٱلْأَشْهُرِ،‏ لَا بُدَّ أَنَّ نَوْبَاتِ ٱلْخَوْفِ وَٱلشَّكِّ ٱلَّتِي كَانَتْ تَعْتَرِي بُطْرُسَ خَفَّتْ إِلَى حَدٍّ مَا.‏ حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ ٱخْتَارَهُ وَاحِدًا مِنْ رُسُلِهِ ٱلِـ‍ ١٢.‏ رَغْمَ ذٰلِكَ كُلِّهِ،‏ لَمْ يَكُنْ قَدِ ٱسْتَأْصَلَ كَامِلًا ٱلْخَوْفَ وَٱلشَّكَّ مِنْ قَلْبِهِ،‏ كَمَا ٱتَّضَحَ لَهُ لَاحِقًا.‏

      ١٨،‏ ١٩ (‏أ)‏ مَاذَا رَأَى بُطْرُسُ عَلَى مِيَاهِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ لَبَّى يَسُوعُ طَلَبَ بُطْرُسَ؟‏

      ١٨ فِي ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ،‏ أَيْ فِي وَقْتٍ مَا بَيْنَ ٱلثَّالِثَةِ فَجْرًا وَشُرُوقِ ٱلشَّمْسِ،‏ تَوَقَّفَ بُطْرُسُ فَجْأَةً عَنِ ٱلتَّجْذِيفِ وَتَسَمَّرَ فِي مَكَانِهِ.‏ فَقَدْ رَأَى شَيْئًا يَتَحَرَّكُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ ٱلْمُضْطَرِبَةِ.‏ أَهُوَ ٱنْعِكَاسُ ضَوْءِ ٱلْقَمَرِ؟‏ كَلَّا،‏ فَمَا رَآهُ كَانَ مُنْتَصِبًا وَثَابِتًا؛‏ إِنَّهُ رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى سَطْحِ ٱلْبَحْرِ!‏ وَفِيمَا ٱقْتَرَبَ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ،‏ بَدَا وَكَأَنَّهُ سَيَتَجَاوَزُ مَرْكَبَهُمْ.‏ فَظَنُّوا مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِمْ أَنَّهُ خَيَالٌ،‏ أَوْ رُؤْيَا.‏ ثُمَّ سَمِعُوهُ يَقُولُ لَهُمْ:‏ «تَشَجَّعُوا،‏ هٰذَا أَنَا.‏ لَا تَخَافُوا».‏ عِنْدَئِذٍ أَدْرَكُوا أَنَّهُ يَسُوعُ.‏ —‏ مت ١٤:‏​٢٥-‏٢٨‏.‏

      ١٩ فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ:‏ «يَا رَبُّ،‏ إِنْ تَكُنْ أَنْتَ،‏ فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى ٱلْمِيَاهِ».‏ إِنَّ رَدَّةَ فِعْلِهِ ٱلْأَوَّلِيَّةَ هٰذِهِ نَمَّتْ عَنِ ٱلشَّجَاعَةِ.‏ فَقَدِ ٱمْتَلَأَ حَمَاسَةً وَأَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ ٱلْفَرِيدَةَ مِنْ نَوْعِهَا رَغْبَةً مِنْهُ فِي تَوْطِيدِ إِيمَانِهِ.‏ لِذَا نَادَاهُ يَسُوعُ بِلُطْفٍ كَيْ يَأْتِيَ نَحْوَهُ.‏ فَنَزَلَ مِنَ ٱلْمَرْكَبِ وَدَاسَ صَفْحَةَ ٱلْمِيَاهِ ٱلْمُتَمَوِّجَةِ.‏ تَخَيَّلْ مَشَاعِرَهُ حِينَ أَحَسَّ بِمَوْطِئٍ جَامِدٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَوَقَفَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ،‏ وَتَصَوَّرْ دَهْشَتَهُ وَعَجَبَهُ وَهُوَ يَمْشِي مُتَّجِهًا إِلَى يَسُوعَ!‏ وَلٰكِنْ مَا هِيَ إِلَّا لَحَظَاتٌ حَتَّى أَتَى بِرَدَّةِ فِعْلٍ أُخْرَى.‏ —‏ اقرأ متى ١٤:‏٢٩‏.‏

      بطرس يخسر تركيزه من الخوف والشك فيما يمشي علی المياه باتجاه يسوع،‏ فيبدأ بالغرق

      ‏«لَمَّا رَأَى عَاصِفَةَ ٱلرِّيحِ خَافَ»‏

      ٢٠ (‏أ)‏ كَيْفَ خَسِرَ بُطْرُسُ تَرْكِيزَهُ،‏ وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟‏ (‏ب)‏ مَا هُوَ ٱلدَّرْسُ ٱلَّذِي عَلَّمَهُ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ؟‏

      ٢٠ وَجَبَ عَلَى بُطْرُسَ أَنْ يُرَكِّزَ بَصَرَهُ وَٱنْتِبَاهَهُ عَلَى يَسُوعَ ٱلَّذِي ٱسْتَخْدَمَ قُدْرَةَ يَهْوَهَ وَمَكَّنَهُ مِنَ ٱلْبَقَاءِ عَائِمًا عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ وَسْطَ ٱلْأَمْوَاجِ وَٱلرِّيَاحِ.‏ فَيَسُوعُ صَنَعَ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ لِأَنَّ بُطْرُسَ آمَنَ بِهِ.‏ إِلَّا أَنَّ هٰذَا ٱلتِّلْمِيذَ خَسِرَ تَرْكِيزَهُ.‏ نَقْرَأُ:‏ «لَمَّا رَأَى عَاصِفَةَ ٱلرِّيحِ خَافَ».‏ فَحِينَ رَأَى ٱلْأَمْوَاجَ تَلْطِمُ جَوَانِبَ ٱلْمَرْكَبِ وَٱلرِّيحَ تَذْهَبُ بِٱلزَّبَدِ وَٱلرَّذَاذِ،‏ أَصَابَهُ ٱلْهَلَعُ وَٱلِٱرْتِبَاكُ.‏ فَلَعَلَّهُ تَخَيَّلَ نَفْسَهُ يَغُوصُ فِي مِيَاهِ ٱلْبُحَيْرَةِ وَيَغُورُ فِي أَعْمَاقِهَا.‏ وَفِيمَا تَأَجَّجَ ٱلْخَوْفُ فِي قَلْبِهِ،‏ خَبَتْ قُوَّةُ إِيمَانِهِ.‏ فَهٰذَا ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ ٱسْمًا يَعْنِي ٱلصَّخْرَ،‏ مُتَوَسِّمًا فِيهِ ٱلْقُدْرَةَ عَلَى ٱلثَّبَاتِ وَٱلصُّمُودِ،‏ تَزَعْزَعَ إِيمَانُهُ وَرَاحَ يَغْرَقُ مِثْلَمَا يَغْرَقُ ٱلْحَجَرُ ٱلصَّغِيرُ.‏ وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ سَبَّاحًا مَاهِرًا،‏ لَمْ يَتَّكِلْ عَلَى مَقْدِرَتِهِ حِينَذَاكَ بَلْ صَرَخَ:‏ «يَا رَبُّ،‏ خَلِّصْنِي!‏».‏ فَأَمْسَكَ يَسُوعُ بِيَدِهِ لِلْحَالِ وَٱنْتَشَلَهُ.‏ وَفِيمَا هُمَا بَعْدُ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ،‏ لَقَّنَهُ دَرْسًا مُهِمًّا حِينَ قَالَ:‏ «يَا قَلِيلَ ٱلْإِيمَانِ،‏ لِمَاذَا ٱسْتَسْلَمْتَ لِلشَّكِّ؟‏».‏ —‏ مت ١٤:‏​٣٠،‏ ٣١‏.‏

      ٢١ لِمَ ٱلشَّكُّ خَطِيرٌ،‏ وَكَيْفَ نُحَارِبُهُ؟‏

      ٢١ ‹اَلِٱسْتِسْلَامُ لِلشَّكِّ›،‏ مَا أَصَحَّ هٰذِهِ ٱلْعِبَارَةَ!‏ فَٱلشَّكُّ هَدَّامٌ مُدَمِّرٌ.‏ وَإِذَا ٱسْتَسْلَمْنَا لَهُ،‏ يَتَأَكَّلُ إِيمَانُنَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَنَغْرَقُ رُوحِيًّا.‏ لِذَا يَنْبَغِي أَنْ نُحَارِبَهُ بِكُلِّ قُوَّتِنَا.‏ كَيْفَ؟‏ بِإِبْقَاءِ تَرْكِيزِنَا فِي ٱلْمَكَانِ ٱلصَّحِيحِ.‏ فَإِنْ أَمْعَنَّا ٱلتَّفْكِيرَ فِي مَا يُخِيفُنَا،‏ يُثَبِّطُنَا،‏ وَيُحَوِّلُنَا عَنْ يَهْوَهَ وَيَسُوعَ،‏ تَقْوَ شُكُوكُنَا.‏ أَمَّا إِذَا رَكَّزْنَا عَلَيْهِمَا،‏ مَا فَعَلَاهُ مِنْ أَجْلِنَا،‏ مَا يُنْجِزَانِ ٱلْآنَ،‏ وَمَا سَيُحَقِّقَانِ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ،‏ فَنَحْمِي أَنْفُسَنَا مِنَ ٱلشُّكُوكِ ٱلسَّامَّةِ.‏

      ٢٢ لِمَ يَحْسُنُ بِنَا ٱلتَّشَبُّهُ بِإِيمَانِ بُطْرُسَ؟‏

      ٢٢ عِنْدَمَا صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى ٱلْمَرْكَبِ مَعَ يَسُوعَ،‏ ٱنْحَسَرَتِ ٱلْعَاصِفَةُ وَخَيَّمَ ٱلْهُدُوءُ عَلَى بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ.‏ فَهَتَفَ هُوَ وَٱلتَّلَامِيذُ ٱلْآخَرُونَ:‏ «أَنْتَ حَقًّا ٱبْنُ ٱللّٰهِ!‏».‏ (‏مت ١٤:‏٣٣‏)‏ وَفِيمَا ٱنْبَثَقَ ٱلْفَجْرُ وَأَلْقَى ضَوْءَهُ عَلَى ٱلْبُحَيْرَةِ،‏ لَا شَكَّ أَنَّ قَلْبَهُ ٱمْتَلَأَ فَرَحًا وَٱمْتِنَانًا.‏ فَقَدْ تَعَلَّمَ أَلَّا يَدَعَ ٱلشَّكَّ وَٱلْخَوْفَ يَسْتَحْوِذَانِ عَلَيْهِ.‏ طَبْعًا،‏ كَانَ أَمَامَهُ مِشْوَارٌ طَوِيلٌ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ثَابِتًا وَرَاسِخًا كَٱلصَّخْرِ مِثْلَمَا تَوَقَّعَ يَسُوعُ.‏ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ عَاقِدَ ٱلْعَزْمِ عَلَى مُوَاصَلَةِ ٱلسَّعْيِ وَٱلنُّمُوِّ.‏ فَهَلْ لَدَيْكَ ٱلتَّصْمِيمُ عَيْنُهُ؟‏ اِسْعَ إِذًا إِلَى ٱلتَّشَبُّهِ بِإِيمَانِ بُطْرُسَ.‏

  • بقي وليا في وجه الامتحانات
    اقتد بإيمانهم
    • الرسول بطرس

      اَلْفَصْلُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

      بَقِيَ وَلِيًّا فِي وَجْهِ ٱلِٱمْتِحَانَاتِ

      ١،‏ ٢ مَاذَا تَمَنَّى بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ فِيمَا كَانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ فِي كَفَرْنَاحُومَ،‏ وَلٰكِنْ مَاذَا حَدَثَ؟‏

      رَاحَ بُطْرُسُ يُحَمْلِقُ بِقَلَقٍ فِي وُجُوهِ ٱلْحَاضِرِينَ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى يَسُوعَ يُعَلِّمُهُمْ فِي ٱلْمَجْمَعِ بِكَفَرْنَاحُومَ،‏ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْوَاقِعَةِ عَلَى ٱلشَّاطِئِ ٱلشَّمَالِيِّ لِبَحْرِ ٱلْجَلِيلِ.‏ إِنَّهَا مَكَانُ إِقَامَةِ بُطْرُسَ وَمَقَرُّ عَمَلِهِ فِي صَيْدِ ٱلسَّمَكِ وَفِيهَا يَعِيشُ ٱلْكَثِيرُ مِنْ أَصْدِقَائِهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ فِي ٱلْعَمَلِ.‏ كَمْ تَمَنَّى لَوْ أَنَّ أَبْنَاءَ مَدِينَتِهِ يَرَوْنَ يَسُوعَ كَمَا يَرَاهُ هُوَ وَيُشَاطِرُونَهُ فَرْحَتَهُ بِٱلتَّعَلُّمِ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ مِنْ أَعْظَمِ ٱلْمُعَلِّمِينَ أَجْمَعِينَ!‏ وَلٰكِنْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ،‏ يَبْدُو أَنَّ أُمْنِيَتَهُ هٰذِهِ كَانَتْ حُلْمًا بَعِيدَ ٱلْمَنَالِ.‏

      ٢ فَقَدْ كَفَّ عَدِيدُونَ عَنِ ٱلِٱسْتِمَاعِ إِلَى يَسُوعَ.‏ وَأَخَذَ ٱلْبَعْضُ يَتَذَمَّرُونَ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ،‏ مُعْتَرِضِينَ عَلَى فَحْوَى رِسَالَتِهِ.‏ لٰكِنَّ أَكْثَرَ مَا ضَايَقَ بُطْرُسَ كَانَ رَدَّ فِعْلِ عَدَدٍ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ.‏ فَوُجُوهُهُمْ مَا عَادَتْ تَعْكِسُ ٱلْفَرَحَ ٱلنَّاجِمَ عَنْ مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ مِنْ يَسُوعَ وَٱلِٱسْتِنَارَةِ بِٱلتَّعَالِيمِ ٱلْجَدِيدَةِ.‏ فَهُمْ بَدَوْا مُنْزَعِجِينَ بَلْ مُمْتَعِضِينَ.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ كَلَامَهُ فَظِيعٌ.‏ وَإِذْ لَمْ يَرْغَبُوا فِي سَمَاعِ ٱلْمَزِيدِ،‏ تَرَكُوا ٱلْمَجْمَعَ وَكَذٰلِكَ تَرَكُوا يَسُوعَ.‏ —‏ اقرأ يوحنا ٦:‏​٦٠،‏ ٦٦‏.‏

      ٣ عَلَامَ سَاعَدَ ٱلْإِيمَانُ بُطْرُسَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ؟‏

      ٣ يَا لَهُ مِنْ مَوْقِفٍ صَعْبٍ مَرَّ بِهِ بُطْرُسُ وَرُفَقَاؤُهُ ٱلرُّسُلُ!‏ فَهُوَ أَيْضًا لَمْ يَسْتَوْعِبْ كَامِلًا مَغْزَى كَلِمَاتِ يَسُوعَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ.‏ وَأَدْرَكَ حَتْمًا أَنَّهَا قَدْ تَبْدُو مُنَفِّرَةً إِذَا مَا أُخِذَتْ بِحَرْفِيَّتِهَا.‏ فَكَيْفَ تَصَرَّفَ؟‏ لَمْ تَكُنْ هٰذِهِ لَا أَوَّلَ وَلَا آخِرَ مَرَّةٍ يُمْتَحَنُ فِيهَا وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ.‏ فَلْنَرَ كَيْفَ سَاعَدَهُ ٱلْإِيمَانُ أَنْ يَتَخَطَّى ٱلتَّحَدِّيَاتِ وَيَبْقَى وَلِيًّا.‏

      بَقِيَ وَلِيًّا حَيْثُ أَخْفَقَ ٱلْآخَرُونَ

      ٤،‏ ٥ كَيْفَ كَانَتْ تَصَرُّفَاتُ يَسُوعَ تُخَالِفُ تَوَقُّعَاتِ ٱلنَّاسِ؟‏

      ٤ كَثِيرًا مَا وَجَدَ بُطْرُسُ نَفْسَهُ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِ يَسُوعَ.‏ فَأَقْوَالُ سَيِّدِهِ وَتَصَرُّفَاتُهُ كَانَتْ تُفَاجِئُ ٱلنَّاسَ وَتُخَالِفُ تَوَقُّعَاتِهِمْ فِي أَحْيَانٍ عَدِيدَةٍ.‏ فَقَبْلَ مُجَرَّدِ يَوْمٍ مِنَ ٱلْحَادِثَةِ ٱلْمَذْكُورَةِ آنِفًا،‏ أَطْعَمَ يَسُوعُ عَجَائِبِيًّا جَمْعًا يُعَدُّ بِٱلْآلَافِ.‏ وَلَمَّا أَرَادُوا تَنْصِيبَهُ مَلِكًا،‏ فَاجَأَهُمْ حِينَ ٱنْسَحَبَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَطَلَبَ مِنْ تَلَامِيذِهِ أَنْ يَأْخُذُوا مَرْكَبًا وَيُبْحِرُوا إِلَى كَفَرْنَاحُومَ.‏ وَفِيمَا رَاحَ ٱلتَّلَامِيذُ يَشُقُّونَ مِيَاهَ ٱلْبَحْرِ فِي عَتَمَةِ ٱللَّيْلِ،‏ فَاجَأَهُمْ مُجَدَّدًا عِنْدَمَا مَشَى عَلَى مِيَاهِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ ٱلْهَائِجَةِ وَلَقَّنَ بُطْرُسَ دَرْسًا مُهِمًّا فِي ٱلْإِيمَانِ.‏

      ٥ وَفِي ٱلصَّبَاحِ،‏ سُرْعَانَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّ ٱلْجُمُوعَ ٱسْتَقَلُّوا مَرَاكِبَهُمْ وَلَحِقُوا بِهِمْ.‏ وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْعُرُوا بِجُوعٍ إِلَى ٱلْحَقَائِقِ ٱلرُّوحِيَّةِ بَلْ أَرَادُوا ٱلْحُصُولَ عَجَائِبِيًّا عَلَى ٱلْمَزِيدِ مِنَ ٱلطَّعَامِ.‏ لِذٰلِكَ وَبَّخَهُمْ يَسُوعُ عَلَى تَفْكِيرِهِمِ ٱلْمَادِّيِّ.‏ (‏يو ٦:‏​٢٥-‏٢٧‏)‏ وَقَدِ ٱسْتَمَرَّ هٰذَا ٱلنِّقَاشُ فِي ٱلْمَجْمَعِ بِكَفَرْنَاحُومَ،‏ حَيْثُ خَالَفَ يَسُوعُ مَرَّةً أُخْرَى تَوَقُّعَاتِ سَامِعِيهِ فِيمَا سَعَى إِلَى تَعْلِيمِهِمْ حَقِيقَةً صَعْبَةً وَلٰكِنْ بَالِغَةُ ٱلْأَهَمِّيَّةِ.‏

      ٦ أَيُّ مَثَلٍ ٱسْتَخْدَمَهُ يَسُوعُ،‏ وَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ ٱلسَّامِعِينَ؟‏

      ٦ لَمْ يُرِدْ يَسُوعُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ ٱلنَّاسُ مَصْدَرًا لِلطَّعَامِ ٱلْجَسَدِيِّ بَلْ تَدْبِيرًا رُوحِيًّا مِنَ ٱللّٰهِ بِوَصْفِهِ ٱلشَّخْصَ ٱلَّذِي سَيَمْنَحُهُمْ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ رَجَاءَ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ.‏ وَلِإِيضَاحِ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةِ شَبَّهَ نَفْسَهُ بِٱلْمَنِّ،‏ ٱلْخُبْزِ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَيَّامَ مُوسَى.‏ وَلَمَّا ٱعْتَرَضَ ٱلْبَعْضُ،‏ ٱسْتَخْدَمَ مَثَلًا يُبَيِّنُ أَنَّ أَكْلَ جَسَدِهِ وَدَمِهِ ضَرُورِيٌّ لِنَيْلِ ٱلْحَيَاةِ.‏ عِنْدَئِذٍ،‏ ٱزْدَادَتِ ٱلِٱعْتِرَاضَاتُ حِدَّةً بِحَيْثُ قَالَ ٱلْبَعْضُ:‏ «هٰذَا ٱلْكَلَامُ فَظِيعٌ.‏ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟‏».‏ وَقَرَّرَ عَدِيدُونَ مِنْ تَلَامِيذِهِ أَنْ يَتَوَقَّفُوا عَنِ ٱتِّبَاعِهِ.‏a —‏ يو ٦:‏​٤٨-‏٦٠،‏ ٦٦‏.‏

      ٧،‏ ٨ (‏أ)‏ أَيُّ حَقِيقَةٍ لَمْ يَكُنْ بُطْرُسُ قَدْ أَدْرَكَهَا بَعْدُ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ أَجَابَ بُطْرُسُ ٱلسُّؤَالَ ٱلَّذِي وَجَّهَهُ يَسُوعُ إِلَى ٱلرُّسُلِ؟‏

      ٧ وَمَاذَا عَنْ بُطْرُسَ؟‏ لَا بُدَّ أَنَّ كَلَامَ يَسُوعَ حَيَّرَهُ هُوَ ٱلْآخَرَ.‏ فَبُطْرُسُ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ يَجِبُ أَنْ يَذُوقَ ٱلْمَوْتَ إِتْمَامًا لِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ.‏ وَلٰكِنْ هَلِ ٱنْجَرَّ وَرَاءَ أُولٰئِكَ ٱلتَّلَامِيذِ ٱلْمُتَقَلِّبِينَ ٱلَّذِينَ أَدَارُوا ظُهُورَهُمْ لِيَسُوعَ؟‏ كَلَّا،‏ فَثَمَّةَ صِفَةٌ رَائِعَةٌ مَيَّزَتْهُ عَنْهُمْ.‏

      ٨ نَظَرَ يَسُوعُ إِلَى رُسُلِهِ وَسَأَلَهُمْ:‏ «هَلْ تُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا؟‏».‏ (‏يو ٦:‏٦٧‏)‏ لَقَدْ وَجَّهَ سُؤَالَهُ إِلَى تَلَامِيذِهِ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ،‏ إِلَّا أَنَّ بُطْرُسَ هُوَ مَنْ أَجَابَ مِثْلَ عَادَتِهِ.‏ فَلَرُبَّمَا كَانَ ٱلْأَكْبَرَ بَيْنَ ٱلرُّسُلِ،‏ لٰكِنَّ ٱلْأَكِيدَ هُوَ أَنَّهُ ٱلْأَكْثَرُ صَرَاحَةً بَيْنَهُمْ.‏ فَقَلَّمَا تَرَدَّدَ كَمَا يَبْدُو فِي ٱلتَّعْبِيرِ عَمَّا يَجُولُ فِي خَاطِرِهِ.‏ وَمَا خَطَرَ فِي بَالِهِ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ هُوَ ٱلْعِبَارَةُ ٱلرَّائِعَةُ ٱلشَّهِيرَةُ:‏ «يَا رَبُّ،‏ إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟‏ عِنْدَكَ كَلَامُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ».‏ —‏ يو ٦:‏٦٨‏.‏

      ٩ كَيْفَ أَعْرَبَ بُطْرُسُ عَنِ ٱلْوَلَاءِ لِيَسُوعَ؟‏

      ٩ أَوَلَا تَمَسُّكَ كَلِمَاتُ بُطْرُسَ هٰذِهِ فِي ٱلصَّمِيمِ؟‏ إِنَّ إِيمَانَهُ بِيَسُوعَ سَاعَدَهُ عَلَى تَنْمِيَةِ صِفَةٍ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ،‏ أَلَا وَهِيَ ٱلْوَلَاءُ.‏ فَقَدْ رَأَى بِوُضُوحٍ أَنَّ يَهْوَهَ زَوَّدَ مُخَلِّصًا وَاحِدًا هُوَ يَسُوعُ،‏ وَمَا مِنْ خَلَاصٍ إِلَّا عَبْرَ تَعَالِيمِهِ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ.‏ لِذَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَفْهَمْ بَعْضَ ٱلْحَقَائِقِ،‏ أَدْرَكَ أَنَّ ٱتِّبَاعَ يَسُوعَ هُوَ ٱلسَّبِيلُ ٱلْأَوْحَدُ لِنَيْلِ رِضَى ٱللّٰهِ وَبَرَكَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ.‏

      يَلْزَمُ أَنْ نَكُونَ أَوْلِيَاءَ لِتَعَالِيمِ يَسُوعَ حَتَّى عِنْدَمَا لَا تَنْسَجِمُ مَعَ تَوَقُّعَاتِنَا وَتَفْضِيلَاتِنَا ٱلشَّخْصِيَّةِ

      ١٠ كَيْفَ نَتَمَثَّلُ ٱلْيَوْمَ بِوَلَاءِ بُطْرُسَ؟‏

      ١٠ فَهَلْ هٰذَا هُوَ شُعُورُكَ أَنْتَ أَيْضًا؟‏ مِنَ ٱلْمُؤْسِفِ أَنَّ كَثِيرِينَ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْيَوْمَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ يَسُوعَ لٰكِنَّهُمْ لَيْسُوا أَوْلِيَاءَ لَهُ.‏ فَٱلْوَلَاءُ ٱلْأَصِيلُ لِلْمَسِيحِ يَقْتَضِي أَنْ نُحِبَّ تَعَالِيمَهُ مِثْلَمَا أَحَبَّهَا بُطْرُسُ.‏ وَهٰذَا يَعْنِي أَنْ نَدْرُسَهَا،‏ نَفْهَمَ مَغْزَاهَا،‏ وَنَعِيشَ بِمُوجَبِهَا،‏ حَتَّى عِنْدَمَا لَا تَنْسَجِمُ مَعَ تَوَقُّعَاتِنَا وَتَفْضِيلَاتِنَا ٱلشَّخْصِيَّةِ.‏ فَوَحْدَهُ ٱلْوَلَاءُ يَقُودُنَا إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي وَعَدَنَا بِهَا يَسُوعُ.‏ —‏ اقرإ المزمور ٩٧:‏١٠‏.‏

      وَلِيٌّ عِنْدَ ٱلتَّأْدِيبِ

      ١١ أَيْنَ أَخَذَ يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ؟‏ (‏اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏

      ١١ بُعَيْدَ تِلْكَ ٱلْمُنَاسَبَةِ،‏ أَخَذَ يَسُوعُ رُسُلَهُ وَبَعْضَ ٱلتَّلَامِيذِ فِي رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ شَمَالًا.‏ فَفِي أَقْصَى شَمَالِ أَرْضِ ٱلْمَوْعِدِ،‏ تَلُوحُ قِمَّةُ جَبَلِ حَرْمُونَ ٱلْمُكَلَّلَةُ بِٱلثُّلُوجِ ٱلَّتِي تُرَى أَحْيَانًا مِنْ مِيَاهِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ ٱلزَّرْقَاءِ.‏ كَانَ يَسُوعُ وَمَنْ مَعَهُ يَرَوْنَ هٰذَا ٱلْجَبَلَ يَزْدَادُ شُمُوخًا كُلَّمَا ٱقْتَرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ يَشُقُّونَ طَرِيقَهُمْ عَبْرَ ٱلْمُرْتَفَعَاتِ ٱلْمُؤَدِّيَةِ إِلَى ٱلْقُرَى ٱلْمُجَاوِرَةِ لِقَيْصَرِيَّةِ فِيلِبِّي.‏b وَهُنَاكَ،‏ فِي أَحْضَانِ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ ٱلْفَاتِنِ ٱلَّذِي يُطِلُّ عَلَى مُعْظَمِ أَرْضِ ٱلْمَوْعِدِ ٱلْمُمْتَدَّةِ جَنُوبًا،‏ طَرَحَ يَسُوعُ عَلَى أَتْبَاعِهِ سُؤَالًا مُهِمًّا لِلْغَايَةِ.‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ لِمَ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَعْرِفَ مَنْ يَظُنُّ ٱلنَّاسُ أَنَّهُ هُوَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ بَرْهَنَ جَوَابُ بُطْرُسَ عَنْ إِيمَانِهِ ٱلْأَصِيلِ؟‏

      ١٢ سَأَلَ يَسُوعُ:‏ «مَنْ تَقُولُ ٱلْجُمُوعُ إِنِّي أَنَا؟‏».‏ تَخَيَّلْ بُطْرُسَ يُحَدِّقُ فِي عَيْنَيْ سَيِّدِهِ وَيَلْمُسُ مُجَدَّدًا لُطْفَهُ وَذَكَاءَهُ ٱلْحَادَّ.‏ لَقَدْ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَعْرِفَ ٱلِٱسْتِنْتَاجَاتِ ٱلَّتِي خَلَصَ إِلَيْهَا ٱلنَّاسُ مِمَّا رَأَوْهُ وَسَمِعُوهُ.‏ فَأَجَابَهُ ٱلتَّلَامِيذُ عَنْ سُؤَالِهِ مُرَدِّدِينَ بَعْضَ ٱلْآرَاءِ ٱلْخَاطِئَةِ ٱلْمُتَدَاوَلَةِ بِشَأْنِ هُوِيَّتِهِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ.‏ إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أَيْضًا هَلْ يُفَكِّرُ أَتْبَاعُهُ ٱلْأَحِمَّاءُ بِٱلطَّرِيقَةِ عَيْنِهَا.‏ لِذَا قَالَ لَهُمْ:‏ «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟‏».‏ —‏ لو ٩:‏​١٨-‏٢٠‏.‏

      ١٣ مَرَّةً أُخْرَى،‏ سَارَعَ بُطْرُسُ إِلَى ٱلْإِجَابَةِ وَعَبَّرَ بِكَلِمَاتٍ وَاضِحَةٍ وَجَرِيئَةٍ عَنْ رَأْيِ مُعْظَمِ ٱلْمَوْجُودِينَ هُنَاكَ،‏ قَائِلًا:‏ «أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ».‏ تَخَيَّلْ يَسُوعَ يَبْتَسِمُ لَهُ ٱبْتِسَامَةَ رِضًى وَيَمْدَحُهُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ.‏ ثُمَّ ذَكَّرَهُ أَنَّ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ،‏ لَا ٱلْإِنْسَانَ،‏ هُوَ ٱلَّذِي أَوْضَحَ هٰذِهِ ٱلْحَقِيقَةَ ٱلْمُهِمَّةَ لِذَوِي ٱلْإِيمَانِ ٱلْأَصِيلِ.‏ فَبِفَضْلِهِ تَمَكَّنَ بُطْرُسُ مِنْ تَمْيِيزِ إِحْدَى أَعْظَمِ ٱلْحَقَائِقِ ٱلَّتِي كَانَتْ قَدْ كُشِفَتْ حَتَّى ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ:‏ هُوِيَّةِ ٱلْمَسِيَّا،‏ أَيِ ٱلْمَسِيحِ،‏ ٱلْمَوْعُودِ بِهِ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ!‏ —‏ اقرأ متى ١٦:‏​١٦،‏ ١٧‏.‏

      ١٤ أَيَّةُ ٱمْتِيَازَاتٍ مُهِمَّةٍ وَهَبَهَا يَسُوعُ لِبُطْرُسَ؟‏

      ١٤ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ هُوَ مَنْ دُعِيَ فِي نُبُوَّةٍ قَدِيمَةٍ ٱلْحَجَرَ ٱلَّذِي سَيَرْفُضُهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ.‏ (‏مز ١١٨:‏٢٢؛‏ لو ٢٠:‏١٧‏)‏ وَبِٱلْإِشَارَةِ إِلَى نُبُوَّاتٍ كَهٰذِهِ،‏ كَشَفَ يَسُوعُ أَنَّ يَهْوَهَ سَيُؤَسِّسُ جَمَاعَةً عَلَى ٱلصَّخْرِ نَفْسِهِ ٱلَّذِي حَدَّدَ بُطْرُسُ هُوِيَّتَهُ لِلتَّوِّ أَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ.‏ بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ مَنَحَ يَسُوعُ بُطْرُسَ ٱمْتِيَازَاتٍ مُهِمَّةً فِي تِلْكَ ٱلْجَمَاعَةِ.‏ لٰكِنَّ هٰذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ كَرَّمَهُ فَوْقَ ٱلرُّسُلِ ٱلْآخَرِينَ كَمَا يَفْتَرِضُ ٱلْبَعْضُ،‏ فَهُوَ أَوْكَلَ إِلَيْهِ مَسْؤُولِيَّاتٍ أَكْثَرَ لَا غَيْرَ.‏ لَقَدْ أَعْطَاهُ ‹مَفَاتِيحَ ٱلْمَلَكُوتِ›.‏ (‏مت ١٦:‏١٩‏)‏ فَبُطْرُسُ حَظِيَ بِٱمْتِيَازِ فَتْحِ ٱلْبَابِ لِدُخُولِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ أَمَامَ ثَلَاثِ فِئَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ:‏ أَوَّلًا ٱلْيَهُودِ،‏ ثُمَّ ٱلسَّامِرِيِّينَ،‏ وَأَخِيرًا ٱلْأُمَمِ (‏غَيْرِ ٱلْيَهُودِ)‏.‏

      ١٥ لِمَ ٱنْتَهَرَ بُطْرُسُ يَسُوعَ،‏ وَمَاذَا قَالَ لَهُ؟‏

      ١٥ غَيْرَ أَنَّ يَسُوعَ ذَكَرَ لَاحِقًا أَنَّ مَنْ يُعْطَى كَثِيرًا يُطَالَبُ بِكَثِيرٍ،‏ كَلِمَاتٍ تَبَرْهَنَتْ صِحَّتُهَا فِي حَالَةِ بُطْرُسَ.‏ (‏لو ١٢:‏٤٨‏)‏ وَقَدِ ٱسْتَمَرَّ يَسُوعُ يَكْشِفُ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلْمُهِمَّةِ بِشَأْنِ ٱلْمَسِيَّا،‏ مُؤَكِّدًا مُعَانَاتَهُ ٱلْأَلَمَ وَمَوْتَهُ فِي أُورُشَلِيمَ عَمَّا قَرِيبٍ.‏ وَلَمَّا سَمِعَهُ بُطْرُسُ،‏ تَضَايَقَ وَأَخَذَهُ جَانِبًا وَٱنْتَهَرَهُ قَائِلًا:‏ «اُلْطُفْ بِنَفْسِكَ يَا رَبُّ؛‏ لَنْ تَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ أَبَدًا».‏ —‏ مت ١٦:‏​٢١،‏ ٢٢‏.‏

      ١٦ كَيْفَ قَوَّمَ يَسُوعُ بُطْرُسَ،‏ وَأَيُّ مَشُورَةٍ عَمَلِيَّةٍ تَحْمِلُهَا إِلَيْنَا كَلِمَاتُ يَسُوعَ؟‏

      ١٦ لَا شَكَّ أَنَّ بُطْرُسَ قَالَ مَا قَالَهُ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ،‏ لِذَا تَفَاجَأَ حَتْمًا بِجَوَابِ يَسُوعَ.‏ فَقَدْ أَدَارَ ظَهْرَهُ لِبُطْرُسَ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى بَاقِي ٱلتَّلَامِيذِ ٱلَّذِينَ فَكَّرُوا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ ٱلتَّفْكِيرَ نَفْسَهُ،‏ وَقَالَ:‏ «اِذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ!‏ أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي،‏ لِأَنَّكَ لَا تُفَكِّرُ تَفْكِيرَ ٱللّٰهِ،‏ بَلْ تَفْكِيرَ ٱلنَّاسِ».‏ (‏مت ١٦:‏٢٣؛‏ مر ٨:‏​٣٢،‏ ٣٣‏)‏ تَحْمِلُ كَلِمَاتُ يَسُوعَ مَشُورَةً عَمَلِيَّةً إِلَيْنَا جَمِيعًا.‏ فَمِنَ ٱلسَّهْلِ جِدًّا أَنْ نَسْمَحَ لِلتَّفْكِيرِ ٱلْبَشَرِيِّ بِأَنْ يَطْغَى عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ ٱلْإِلٰهِيِّ.‏ وَإِذَا فَعَلْنَا ذٰلِكَ،‏ وَلَوْ بِنِيَّةِ تَقْدِيمِ ٱلْمُسَاعَدَةِ،‏ فَقَدْ نُؤَيِّدُ دُونَ عَمْدٍ قَصْدَ ٱلشَّيْطَانِ لَا قَصْدَ ٱللّٰهِ.‏ وَلٰكِنْ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ بُطْرُسَ آنَذَاكَ؟‏

      ١٧ مَاذَا قَصَدَ يَسُوعُ بِمَا قَالَهُ لِبُطْرُسَ؟‏

      ١٧ طَبْعًا،‏ عَرَفَ بُطْرُسُ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَقْصِدْ حَرْفِيًّا أَنَّهُ ٱلشَّيْطَانُ إِبْلِيسُ.‏ فَهُوَ أَسَاسًا خَاطَبَهُ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ.‏ فَفِي حِينِ قَالَ لِلشَّيْطَانِ:‏ «اِذْهَبْ»،‏ ٱسْتَخْدَمَ مَعَهُ بِٱللُّغَةِ ٱلْأَصْلِيَّةِ كَلِمَاتٍ أُخْرَى يُمْكِنُ أَنْ تُنْقَلَ إِلَى:‏ «اِذْهَبْ خَلْفِي».‏ (‏مت ٤:‏١٠‏)‏ فَيَسُوعُ لَمْ يَنْبِذْ هٰذَا ٱلرَّسُولَ ٱلَّذِي تَوَسَّمَ فِيهِ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلصَّلَاحِ،‏ إِنَّمَا صَحَّحَ طَرِيقَةَ تَفْكِيرِهِ ٱلْخَاطِئَةَ وَحَسْبُ.‏ فَكَمَا يَتَّضِحُ،‏ كَانَ عَلَى بُطْرُسَ أَلَّا يَقِفَ أَمَامَ سَيِّدِهِ كَحَجَرِ عَثْرَةٍ بَلْ أَنْ ‹يَذْهَبَ خَلْفَهُ›،‏ إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ،‏ كَسَنَدٍ دَاعِمٍ لَهُ.‏

      إِنْ لَمْ نَقْبَلِ ٱلتَّأْدِيبَ بِتَوَاضُعٍ وَنَتَّعِظْ بِهِ،‏ فَلَنْ نَسْتَمِرَّ فِي ٱلِٱقْتِرَابِ مِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَأَبِيهِ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ

      ١٨ كَيْفَ أَعْرَبَ بُطْرُسُ عَنِ ٱلْوَلَاءِ،‏ وَبِأَيِّ طَرِيقَةٍ نَقْتَدِي بِهِ؟‏

      ١٨ وَهَلْ غَضِبَ بُطْرُسُ أَوِ ٱمْتَعَضَ أَوْ تَجَادَلَ مَعَ يَسُوعَ؟‏ كَلَّا،‏ بَلْ قَبِلَ ٱلتَّقْوِيمَ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ،‏ مُعْرِبًا بِذٰلِكَ عَنِ ٱلْوَلَاءِ مَرَّةً أُخْرَى.‏ وَٱلْيَوْمَ،‏ نَحْتَاجُ نَحْنُ أَتْبَاعَ ٱلْمَسِيحِ إِلَى ٱلتَّأْدِيبِ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ.‏ فَإِنْ لَمْ نَقْبَلْهُ بِتَوَاضُعٍ وَنَتَّعِظْ بِهِ،‏ فَلَنْ نَسْتَمِرَّ فِي ٱلِٱقْتِرَابِ مِنْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَأَبِيهِ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ.‏ —‏ اقرإ الامثال ٤:‏١٣‏.‏

      يسوع يدير ظهره لبطرس

      بَقِيَ بُطْرُسُ وَلِيًّا حَتَّى عِنْدَمَا نَالَ ٱلتَّأْدِيبَ

      بَرَكَاتُ ٱلْوَلَاءِ

      ١٩ أَيُّ عِبَارَةٍ تُثِيرُ ٱلدَّهْشَةَ ذَكَرَهَا يَسُوعُ،‏ وَمَاذَا رُبَّمَا تَسَاءَلَ بُطْرُسُ؟‏

      ١٩ ذَكَرَ يَسُوعُ بَعْدَ ذٰلِكَ عِبَارَةً أُخْرَى تُثِيرُ ٱلدَّهْشَةَ:‏ «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:‏ إِنَّ بَعْضًا مِنَ ٱلْقَائِمِينَ هُنَا لَنْ يَذُوقُوا ٱلْمَوْتَ أَبَدًا حَتَّى يَرَوْا أَوَّلًا ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ».‏ (‏مت ١٦:‏٢٨‏)‏ لَا شَكَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ أَثَارَتْ فُضُولَ بُطْرُسَ.‏ تُرَى مَاذَا قَصَدَ يَسُوعُ؟‏ لَرُبَّمَا تَسَاءَلَ هٰذَا ٱلتِّلْمِيذُ إِنْ كَانَ ٱلتَّقْوِيمُ ٱلْحَازِمُ ٱلَّذِي تَلَقَّاهُ لِتَوِّهِ سَيَحْرِمُهُ مِنَ ٱلِٱمْتِيَازَاتِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ بِهَا.‏

      ٢٠،‏ ٢١ (‏أ)‏ أَيُّ رُؤْيَا شَهِدَهَا بُطْرُسُ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ سَاهَمَ ٱلْحَدِيثُ بَيْنَ يَسُوعَ وَمُوسَى وَإِيلِيَّا فِي تَقْوِيمِ بُطْرُسَ؟‏

      ٢٠ وَلٰكِنْ بَعْدَ أُسْبُوعٍ تَقْرِيبًا،‏ أَخَذَ يَسُوعُ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا وَبُطْرُسَ إِلَى ‏«جَبَلٍ شَامِخٍ»،‏ رُبَّمَا جَبَلِ حَرْمُونَ ٱلَّذِي يَبْعُدُ بِضْعَةَ كِيلُومِتْرَاتٍ فَقَطْ.‏ وَيُرَجَّحُ أَنَّ ذٰلِكَ حَدَثَ لَيْلًا لِأَنَّ ٱلرِّجَالَ ٱلثَّلَاثَةَ كَانُوا يُحَارِبُونَ ٱلنُّعَاسَ.‏ وَلٰكِنْ فِيمَا رَاحَ يَسُوعُ يُصَلِّي،‏ رَأَوْا مَشْهَدًا طَيَّرَ ٱلنَّوْمَ مِنْ عُيُونِهِمْ.‏ —‏ مت ١٧:‏١؛‏ لو ٩:‏​٢٨،‏ ٢٩،‏ ٣٢‏.‏

      ٢١ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ أَمَامَهُمْ،‏ إِذْ أَضَاءَ وَجْهُهُ وَتَوَهَّجَ وَأَصْبَحَ مُنِيرًا كَٱلشَّمْسِ،‏ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ لَامِعَةً.‏ ثُمَّ تَرَاءَتْ شَخْصِيَّتَانِ إِلَى جَانِبِهِ،‏ وَاحِدَةٌ تُمَثِّلُ مُوسَى وَٱلْأُخْرَى إِيلِيَّا.‏ فَرَاحَا يَتَحَدَّثَانِ إِلَيْهِ «عَنْ رَحِيلِهِ ٱلَّذِي كَانَ مَحْتُومًا أَنْ يُتَمِّمَهُ فِي أُورُشَلِيمَ»،‏ أَيْ عَنْ مَوْتِهِ وَقِيَامَتِهِ حَسْبَمَا يَتَّضِحُ.‏ فَكَمْ كَانَ بُطْرُسُ مُخْطِئًا فِي ٱلْقَوْلِ إِنَّ يَسُوعَ لَنْ يَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ ٱلْمُؤْلِمَ!‏ —‏ لو ٩:‏​٣٠،‏ ٣١‏.‏

      ٢٢،‏ ٢٣ (‏أ)‏ كَيْفَ عَبَّرَ بُطْرُسُ عَنْ شَخْصِيَّتِهِ ٱلْحَمَاسِيَّةِ وَٱلْمُحِبَّةِ؟‏ (‏ب)‏ مَا هِيَ ٱلْبَرَكَةُ ٱلْأُخْرَى ٱلَّتِي نَالَهَا بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ؟‏

      ٢٢ شَعَرَ بُطْرُسُ بِٱنْدِفَاعٍ إِلَى ٱلْمُشَارَكَةِ بِطَرِيقَةٍ مَا فِي هٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا ٱلْمُمَيَّزَةِ،‏ وَلَعَلَّهُ تَحَمَّسَ أَنْ يُطِيلَ مُدَّتَهَا.‏ فَفِيمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا يُفَارِقَانِ يَسُوعَ،‏ هَتَفَ قَائِلًا:‏ «يَا مُعَلِّمُ،‏ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا،‏ فَلْنَنْصِبْ ثَلَاثَ خِيَامٍ:‏ وَاحِدَةً لَكَ،‏ وَوَاحِدَةً لِمُوسَى،‏ وَوَاحِدَةً لِإِيلِيَّا».‏ طَبْعًا،‏ إِنَّ هَاتَيْنِ ٱلشَّخْصِيَّتَيْنِ،‏ ٱللَّتَيْنِ مَثَّلَتَا خَادِمَيْنِ لِيَهْوَهَ مَاتَا مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ،‏ مَا كَانَتَا بِحَاجَةٍ إِلَى خِيَامٍ.‏ فَبُطْرُسُ لَمْ يَكُنْ يَعِي مَا يَقُولُ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ أَلَا تَجْذِبُكَ شَخْصِيَّةُ هٰذَا ٱلرَّجُلِ ٱلْحَمَاسِيَّةُ وَٱلْمُحِبَّةُ؟‏ —‏ لو ٩:‏٣٣‏.‏

      بطرس ويعقوب ويوحنا اثناء رؤيا التجلي

      بُورِكَ بُطْرُسُ،‏ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا،‏ بِمُشَاهَدَةِ رُؤْيَا مُشَجِّعَةٍ

      ٢٣ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ نَفْسِهَا،‏ نَالَ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا بَرَكَةً أُخْرَى.‏ فَقَدْ تَشَكَّلَتْ فَوْقَهُمْ سَحَابَةٌ وَظَلَّلَتْهُمْ وَهُمْ عَلَى ٱلْجَبَلِ.‏ ثُمَّ سَمِعُوا صَوْتًا آتِيًا مِنْهَا،‏ صَوْتَ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ قَائِلًا:‏ «هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ.‏ لَهُ ٱسْمَعُوا».‏ بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ ٱنْتَهَتِ ٱلرُّؤْيَا وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ يَسُوعَ.‏ —‏ لو ٩:‏​٣٤-‏٣٦‏.‏

      ٢٤ (‏أ)‏ كَيْفَ ٱسْتَفَادَ بُطْرُسُ مِنْ رُؤْيَا ٱلتَّجَلِّي؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ نَسْتَفِيدُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ مِنْ رُؤْيَا ٱلتَّجَلِّي؟‏

      ٢٤ حَقًّا،‏ إِنَّ رُؤْيَا ٱلتَّجَلِّي هِيَ مُكَافَأَةٌ لِبُطْرُسَ وَلَنَا نَحْنُ أَيْضًا.‏ فَبَعْدَ عُقُودٍ كَتَبَ بُطْرُسُ عَنِ ٱلِٱمْتِيَازِ ٱلَّذِي حَظِيَ بِهِ تِلْكَ ٱللَّيْلَةَ أَنْ يَرَى لَمْحَةً مُسْبَقَةً عَنْ يَسُوعَ كَمَلِكٍ سَمَاوِيٍّ مُمَجَّدٍ وَيَكُونَ ‹شَاهِدَ عِيَانٍ لِعَظَمَتِهِ›.‏ لَقَدْ ثَبَّتَتْ هٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا نُبُوَّاتٍ عَدِيدَةً فِي كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَعَزَّزَتْ إِيمَانَ بُطْرُسَ لِيَصْمُدَ فِي وَجْهِ ٱلْمِحَنِ ٱلَّتِي كَانَتْ تَنْتَظِرُهُ.‏ ‏(‏اقرأ ٢ بطرس ١:‏​١٦-‏١٩‏.‏‏)‏ وَيُمْكِنُ أَنْ تُحْدِثَ فِينَا تَأْثِيرًا مُمَاثِلًا إِذَا بَقِينَا مِثْلَ بُطْرُسَ أَوْلِيَاءَ لِيَسُوعَ ٱلَّذِي عَيَّنَهُ يَهْوَهُ سَيِّدًا عَلَيْنَا.‏ كَيْفَ؟‏ حِينَ نَتَعَلَّمُ مِنْهُ،‏ نَقْبَلُ تَأْدِيبَهُ وَتَقْوِيمَهُ،‏ وَنَتْبَعُهُ بِتَوَاضُعٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ.‏

      a يَتَّضِحُ تَقَلُّبُ رَأْيِ ٱلْحَاضِرِينَ فِي ٱلْمَجْمَعِ حِينَ نُقَارِنُ رَدَّ فِعْلِهِمْ هٰذَا حِيَالَ كَلَامِ يَسُوعَ بِمَا قَالُوهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِقِ عِنْدَمَا هَتَفُوا بِكُلِّ حَمَاسَةٍ أَنَّهُ نَبِيُّ ٱللّٰهِ.‏ —‏ يو ٦:‏١٤‏.‏

      b اِنْطِلَاقًا مِنْ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ،‏ قَطَعَ يَسُوعُ وَمَنْ مَعَهُ مَسَافَةَ ٤٨ كلم مُنْتَقِلِينَ مِنْ بُقْعَةٍ تَنْخَفِضُ نَحْوَ ٢١٠ م عَنْ سَطْحِ ٱلْبَحْرِ إِلَى مَكَانٍ يَرْتَفِعُ فَوْقَهُ ٣٥٠ م،‏ وَذٰلِكَ عَبْرَ مَنَاطِقَ تَتَمَيَّزُ بِطَبِيعَةٍ خَلَّابَةٍ.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة