مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • سن٠٧ ص ٦٦-‏١٧٥
  • جنوب افريقيا

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • جنوب افريقيا
  • الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٧
  • العناوين الفرعية
  • مناظر خلَّابة
  • البذور القليلة تنمو
  • التقدم الثيوقراطي خلال سنوات الحرب
  • محاربون شجعان في سبيل الحق
  • زرع البذار في مجموعة عرقية اخرى
  • التقدم الثيوقراطي في الاوقات الصعبة
  • المزيد من التوسع
  • مكتب فرع جديد
  • نموّ كبير خلال سنوات الحرب
  • تقدم العمل رغم الرقابة على المطبوعات
  • فوائد التدريب الثيوقراطي
  • تزويد المساعدة الحبية
  • قدَّموا تضحيات كبيرة
  • اول محفل دائري
  • تجاوب مشجِّع في المجتمعات الهندية
  • المحبة والصبر ينتجان ثمرا
  • مشروع مهم
  • المحافظة على الوحدة المسيحية تحت نظام الأپارتيد
  • قنبلة زرقاء تعزِّز النمو
  • حياد الاخوة تحت الامتحان
  • العالم المسيحي والحياد
  • استقامة الاخوة السود
  • المقاومة في المدارس
  • مشاكل اخرى في المدارس
  • المحافل وسياسة التمييز العنصري
  • عقد محفل رغم التحامل
  • تأسيس جمعية شرعية
  • تغييرات جذرية في الطباعة
  • التخطيط مسبقا لمزيد من النمو
  • سدّ حاجة اساسية
  • روح التضحية بالذات
  • الآخرون ايضا يلاحظون
  • سدّ الحاجة الى قاعات ملكوت في افريقيا
  • تأثيرات التغيير السياسي
  • نمو بذار الحق في قلوب الناس
  • ‏«أطيلي حبالك»‏
  • مواقع ملائمة لبناء قاعات المحافل
  • لم تفرِّقهم القوانين البشرية
  • تغيير يفيد الناس في الحقل
  • تقدم عمل الترجمة
  • زرع بذار الحق في حقل الصمّ
  • ثمر الملكوت في البلدان الاخرى
  • الآمال المستقبلية
الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٧
سن٠٧ ص ٦٦-‏١٧٥

جنوب افريقيا

اذا سرت في شارع مكتظ في احدى مدن جنوب افريقيا،‏ وتأملت في وجوه المارة،‏ تلاحظ تنوُّعا كبيرا في لون بشرتهم يجمع ما بين السواد الداكن والبياض الناصع.‏ وتسمع نتفا من الاحاديث التي تدور بينهم بمختلف اللغات مختلطة بضجيج السيارات.‏ وفيما تشق طريقك بمحاذاة باعة الفواكه والتحف والثياب،‏ تظلِّلك المباني الشاهقة من الشمس المحرقة.‏ وإذا شئت،‏ بإمكانك ان تتوقف وتقصّ شعرك على الرصيف.‏

من الصعب جدا ان تميِّز ابناء جنوب افريقيا الاصليين بين هذه المجموعة المتنوعة من السكان الذين يزيد عددهم على ٤٤ مليون نسمة.‏ فالافارقة السود الاصليون الذين يشكِّلون نحو ٧٥ في المئة من السكان يشتملون على قبائل الزولو،‏ الكوزا،‏ السوتو،‏ الپِدي،‏ والتسوانا،‏ بالاضافة الى جماعات اصغر.‏ اما البيض فيشكِّلون بشكل رئيسي السكان الذين يتكلمون اللغة الانكليزية والافريقانية.‏ ويتألفون من المتحدِّرين من المستوطنين الهولنديين الذين قدِموا في اواسط القرن السابع عشر وتَبِعهم الهوڠونوت الفرنسيون،‏ بالاضافة الى المستوطنين الانكليز الذين وصلوا الى البلاد في اوائل القرن التاسع عشر.‏

توجد هنا ايضا جالية هندية كبيرة.‏ وهم متحدِّرون من العمّال الذين اتوا ليشتغلوا في حقول قصب السكر في مقاطعة ناتال (‏الآن كوازولو-‏ناتال)‏.‏ وبسبب هذا المزيج من العروق والحضارات،‏ أُطلق على جنوب افريقيا هذا اللقب الملائم:‏ «دولة قوس قزح».‏

أدّت الاضطرابات التي حدثت في الماضي بين المجموعات العرقية الى شجب المجتمع الدولي لسياسة الفصل العنصري (‏الأپارتيد)‏.‏ وبدأ في السنوات الاخيرة الترويج لإلغاء هذه السياسة وتقليد السلطة لحكومة تُنتخَب ديموقراطيا.‏

واليوم،‏ يمكن لكل العروق ان تختلط بحرية.‏ فبإمكان الجميع ان يرتادوا اي مكان عام كالسينما او المطعم،‏ وباستطاعة اي شخص من اي عرق ان يسكن حيث يريد اذا كان يملك المال.‏

ولكن بعدما ولَّت افراح التغيير،‏ أُثيرت التساؤلات:‏ الى اي حد ستتمكن الحكومة الجديدة من تصحيح اخطاء سياسة الفصل العنصري؟‏ وكم من الوقت سيستغرق ذلك؟‏ بعد مضي اكثر من عقد،‏ لا تزال الحكومة تواجه مشاكل خطيرة مثل الجريمة المتزايدة،‏ البطالة بنسبة ٤١ في المئة،‏ وإصابة ما يُقدَّر بخمسة ملايين شخص بفيروس الأيدز.‏ فأدرك كثيرون ان الحكومات البشرية عاجزة عن حلّ هذه المشاكل والتفتوا الى مصدر آخر طلبًا للحلّ.‏

مناظر خلَّابة

بالرغم من المشاكل التي تعانيها جنوب افريقيا،‏ لا يزال جمالها الطبيعي يفتن السيّاح.‏ وبين الاماكن الكثيرة التي تجذب السيّاح الشواطئ المشمسة،‏ سلاسل الجبال المهيبة،‏ ودروب التنزُّه في الجبال.‏ وفي المدن،‏ تجد المطاعم والمحلات التجارية المصنَّفة بين الافضل في العالم.‏ وما يزيد من جاذبية هذا البلد هو مناخه المعتدل.‏

لكنّ السيّاح يقصدون جنوب افريقيا ليتمتعوا برؤية الحياة البرية بأشكالها المتنوعة.‏ فهذا البلد يأوي نحو ٢٠٠ نوع من الثدييات،‏ ٨٠٠ نوع من الطيور،‏ و ٠٠٠‏,٢٠ نوع من النباتات المزهرة.‏ ويتوافد الناس على محميات الحيوانات البرية،‏ كحديقة كروڠر الوطنية المشهورة.‏ فهناك تستطيع ان ترى «الكبار الخمسة» من طرائد افريقيا:‏ الفيلة،‏ الكركدَّنات،‏ الاسود،‏ النمور،‏ والجواميس.‏

اما زيارة احدى الغابات المحلية العديدة في جنوب افريقيا فهي اختبار يستحيل نسيانه.‏ ففي جوّ السكون المخيِّم عليها،‏ تتمتع بمشهد السرخسيّات والأُشْنات والازهار الرائعة،‏ فضلا عن الطيور والحشرات الأخّاذة بألوانها وجمالها.‏ وسيتملّكك العجب دون شك حين ترفع ناظريك وترى شجرة الراتينجية السوداء الرائعة التي نمت من بذرة صغيرة جدا الى شجرة عملاقة.‏ فطول بعض هذه الاشجار قد يبلغ ٥٠ مترا وعمرها ألف سنة.‏

ولكن منذ قرن،‏ يُزرع وينمو في هذا البلد نوع آخر من البذار.‏ وهو بشارة ملكوت اللّٰه التي تُزرَع في قلوب الناس.‏ وقد شبَّه المرنم الملهم الاشخاص الذين يتجاوبون مع هذه البشارة بالأشجار الكبيرة حين كتب:‏ «البار كالنخل يزهر،‏ كالأرز في لبنان ينمو».‏ (‏مزمور ٩٢:‏١٢‏)‏ وهؤلاء الابرار سيعيشون حياة اطول من اشجار الراتينجية السوداء المعمِّرة لأن يهوه يعدهم بحياة الى الابد.‏ —‏ يوحنا ٣:‏١٦‏.‏

البذور القليلة تنمو

خلال القرن التاسع عشر،‏ لم ينعم البلد بالاستقرار بسبب النزاعات السياسية والحروب.‏ لكنَّ اكتشاف الالماس والذهب في النصف الثاني من ذلك القرن كان له تأثير كبير على الاوضاع في البلاد.‏ يوضح أليستر سپاركس في كتاب ذاكرة جنوب افريقيا (‏بالانكليزية)‏:‏ «بين ليلة وضحاها،‏ حوَّل هذا الاكتشاف جنوب افريقيا من بلد زراعي الى بلد صناعي،‏ وجذب القرويين الى المدينة وغيَّر حياتهم».‏

عام ١٩٠٢،‏ وصلت اولى بذور حق الكتاب المقدس الى جنوب افريقيا بين امتعة رجل دين من هولندا.‏ فقد احتوى احد صناديقه على بعض مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما عُرف شهود يهوه آنذاك.‏ ثم وصلت هذه المطبوعات الى ايدي فرانس آيْبِرْسُن وسْتوفِل فُوري في بلدة كليركسدورپ.‏ فأدرك هذان الرجلان ان ما قرآه هو الحق وابتدآ يشهدان للآخرين.‏ وكانت النتيجة ان اكثر من ٨٠ فردا من عائلة فُوري (‏اي خمسة اجيال متتالية)‏ وعددا من ابناء عائلة آيْبِرْسُن صاروا خداما منتذرين ليهوه.‏ واليوم يخدم احد افراد عائلة فُوري في بيت ايل في جنوب افريقيا.‏

عام ١٩١٠ اتى وليم و.‏ جونستون،‏ الذي كان على الارجح في اوائل ثلاثيناته،‏ من غلاسكو في اسكتلندا الى جنوب افريقيا ومعه تعليمات بتأسيس مكتب فرع لتلاميذ الكتاب المقدس.‏ وكان هذا الاخ شخصا رزينا يُعتمد عليه.‏ وقد تألف مكتب الفرع الذي اسَّسه من غرفة صغيرة في احد مباني دوربان.‏ وتولى هذا الفرع مسؤولية الاشراف على عمل الكرازة في مقاطعة شاسعة جدا،‏ تقريبا كل افريقيا الواقعة جنوبي خط الاستواء.‏

في تلك السنوات الباكرة،‏ افرخت بذور البشارة اولا في مجتمعات البيض،‏ وتوفَّرت مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس بالهولندية والانكليزية فقط.‏ وبعد سنوات،‏ تُرجمت بعض المطبوعات الى اللغات المحلية.‏ وبمرور الوقت تقدَّم العمل في الحقول الاربعة:‏ البيض،‏ السود،‏ الملوَّنون،‏a والهنود.‏

وبحسب التقارير،‏ أُحرز من سنة ١٩١١ فصاعدا بعض التقدُّم في مجتمعات السود في البلد.‏ فعندما عاد يوهانس تشانڠي الى مسقط رأسه في نْدْوِيدْوِي،‏ قرب دوربان،‏ كان يعرف حق الكتاب المقدس.‏ فراح يخبر الآخرين به ويعقد دروسا منتظمة في الكتاب المقدس مع فريق صغير،‏ مستعملا مجلدات دروس في الاسفار المقدسة بالانكليزية.‏ وكما يتضح،‏ صار هذا الفريق اول جماعة سوداء في جنوب افريقيا.‏

لفت هذا الفريق انتباه رجال الدين المحليين.‏ فأخذ اعضاء من الكنيسة المنهجية الويزلية يحققون معهم ليروا إن كانوا يلتصقون بتعاليم الكنيسة.‏ فأجابوا انهم يعلِّمون ما هو موجود في الكتاب المقدس.‏ وبعد مناقشات كثيرة،‏ حُرم اعضاء هذا الفريق كنسيًّا.‏ وقد اتصل الاخ جونستون بهذا الفريق وزارهم بانتظام لعقد الاجتماعات ومنح المساعدة.‏ ومع ان تلاميذ الكتاب المقدس كانوا قليلي العدد،‏ إلّا انهم انجزوا الكثير في عمل الكرازة.‏ فقد اظهر تقرير سنة ١٩١٢ انهم وزَّعوا ٨٠٨‏,٦١ نشرات.‏ وفي نهاية سنة ١٩١٣،‏ كانت ١١ صحيفة في جنوب افريقيا تنشر بأربع لغات عظات ت.‏ ت.‏ رصل،‏ احد تلاميذ الكتاب المقدس الذين تولّوا القيادة.‏

التقدم الثيوقراطي خلال سنوات الحرب

على غرار شعب اللّٰه حول العالم،‏ كانت سنة ١٩١٤ مهمة جدا بالنسبة الى الفريق الصغير من خدام يهوه في جنوب افريقيا.‏ فكثيرون توقَّعوا ان ينالوا مكافأتهم السماوية في ذلك الوقت.‏ كتب الاخ جونستون في التقرير السنوي الذي ارسله الى المركز الرئيسي العالمي في بروكلين،‏ نيويورك:‏ «في التقرير السنوي الاخير،‏ عبَّرتُ عن رجائي ان ارسل التقرير السنوي التالي الى المركز الرئيسي وراء الحجاب [في السماء].‏ وهذا الرجاء لم يتحقق».‏ لكنه اضاف:‏ «شهدت السنة الفائتة نشاطا لم يسبق له مثيل في تاريخ عمل الحصاد في افريقيا».‏ وهكذا ادركت الغالبية ان هنالك المزيد من العمل للقيام به وفرحوا لأنهم سيساهمون فيه.‏ وقد عكس تقرير سنة ١٩١٥ الزخم المتزايد في الخدمة اذ كشف عن توزيع ١٤١‏,٣ نسخة من دروس في الاسفار المقدسة،‏ ما يقارب ضعف العدد الذي وُزِّع في السنة التي سبقتها.‏

كان ياپي تِرون،‏ وهو محام مقتدر،‏ احد الذين وجدوا الحق في ذلك الوقت.‏ فقد قرأ مقالة في احدى صحف دوربان تشير الى مطبوعات اصدرها تلاميذ الكتاب المقدس قبل عقود.‏ وهذه المقالة اظهرت ان الحوادث التي تجري منذ سنة ١٩١٤ أُنبئ بها في سلسلة الكتب دروس في الاسفار المقدسة التي توضح نبوة الكتاب المقدس.‏ كتب ياپي:‏ «اردت من كل قلبي ان احصل على هذه الكتب،‏ ففتَّشت عنها في كل المكتبات لكن دون جدوى.‏ وأخيرا،‏ حصلت على مجموعة منها بعدما راسلت مكتب الفرع في دوربان.‏ ويا للحقائق الالهية التي كُشفت لي!‏ وكم فرحت حين فهمت ‹الامور المخفية› المسجَّلة في الكتاب المقدس!‏».‏ وفي النهاية اعتمد ياپي وراح يخبر الآخرين بغيرة عن حق الكتاب المقدس حتى موته المبكر بسبب المرض في سنة ١٩٢١.‏

في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩١٤،‏ عُقد في جوهانسبورغ اول محفل كوري لتلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم في جنوب افريقيا.‏ وكان عدد الحضور ٣٤ شخصا اعتمد ١٦ منهم.‏

وعام ١٩١٦،‏ عُرضت «رواية الخلق المصوَّرة» ولقيت تجاوبا كبيرا من الناس في كل انحاء البلد.‏ ذكرت صحيفة كَيب أرغوس:‏ «ان النجاح الذي لاقته هذه السلسلة الرائعة من افلام الكتاب المقدس برهن انها مشروع يستحق الجهود التي بُذلت لإنتاجه،‏ كما اظهر ان جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم تتحلى ببصيرة نافذة لأنها عرضت هذه السلسلة في البلد».‏ لم يُرَ على الفور تأثير هذه «المسرحية المصوَّرة» في الحقل،‏ إلّا انها جذبت حشدا كبيرا من الناس وقدَّمت شهادة جيدة في منطقة شاسعة وفي وقت قصير.‏ فقد سافر الاخ جونستون مسافة ٠٠٠‏,٨ كيلومتر تقريبا في كل انحاء البلد من اجل عرضها.‏

وعلى غرار ما حدث في كل انحاء العالم،‏ سبَّب موت الاخ رصل في تلك السنة توقُّفا مؤقتا عن عمل الكرازة في جنوب افريقيا.‏ فقد استاء البعض من التغييرات التي وجب القيام بها بعد موته وأحدثوا انشقاقات في جماعاتهم.‏ على سبيل المثال،‏ ترك الاكثرية في دوربان الجماعة وعقدوا اجتماعاتهم الخاصة داعين انفسهم «معشر تلاميذ الكتاب المقدس».‏ ولم يبقَ في الجماعة الاصلية إلا ١٢ شخصا معظمهم من الاخوات.‏ وهذا الامر وضع احد المراهقين المعتمدين حديثا،‏ هنري ميردِل،‏ في وضع محرج.‏ فقد انضم ابوه الى المعارضين فيما بقيت امه في الجماعة الاصلية.‏ ولكن بعدما فكَّر هنري جيدا في المسألة وصلَّى الى اللّٰه،‏ قرَّر ان يبقى في الجماعة.‏ وكما هي الحال دائما،‏ فإن هذا الفريق الذي انفصل عن الجماعة لم يدم طويلا.‏

عام ١٩١٧،‏ نُقل مكتب الفرع من دوربان الى كَيب تاون.‏ وشهدت تلك الفترة زيادة مستمرة في عدد الناشرين.‏ فقد قُدِّر انه وُجد آنذاك بين ٢٠٠ و ٣٠٠ تلميذ للكتاب المقدس من اصل اوروبي،‏ بالاضافة الى عدد من الجماعات المزدهرة بين السكان السود.‏

اخبر مكتب فرع جنوب افريقيا في سنة ١٩١٧:‏ «رغم عدم توفر المطبوعات باللغات المحلية،‏ فإن فَهْم هؤلاء الاخوة المحليين للحق امر غير عادي.‏ لذلك لا يسعنا إلا ان نقول:‏ ‹انه عمل الرب وهو عجيب في اعيننا›».‏ وقد اتى بعض الاخوة من نياسالَند (‏الآن ملاوي)‏ للعمل في جنوب افريقيا،‏ فساعدوا كثيرين في حقل السود على الصيرورة تلاميذ للكتاب المقدس.‏ وكان بينهم جيمس ناپْيير وماكوفي نْڠولو.‏

محاربون شجعان في سبيل الحق

في تلك السنوات الباكرة،‏ دافع الفريق الصغير من المبشِّرين عن الحق بكل شجاعة.‏ ففي نيلْسْتروم الواقعة في مقاطعة الترانسڤال الشمالية (‏الآن مقاطعة ليمپوپو)‏،‏ قرأ تلميذان في المدرسة كراس ماذا تقول الاسفار المقدسة عن الهاوية؟‏.‏ وفرحا جدا عندما عرفا الحقيقة عن الموتى.‏ كان احدهما بول سميثb الذي قال:‏ «حدث اضطراب شديد في نيلْسْتروم كما لو ان اعصارا ضربها،‏ اذ رحنا نحن التلميذين نعلن بوضوح ان عقائد الكنيسة غير صحيحة.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى اخذ الجميع يتحدثون عن هذا الدين الجديد.‏ وطبعا،‏ قام رجال الدين بدورهم المعهود:‏ تشويه سمعة شعب اللّٰه واضطهادهم.‏ ففي عظاتهم الاسبوعية ركَّزوا طوال اشهر وحتى سنوات على هذا ‹الدين الباطل›».‏ رغم ذلك،‏ تشكَّل بحلول سنة ١٩٢٤ فريق صغير في نيلْسْتروم يتألف من ١٣ ناشرا نشيطا.‏

عام ١٩١٧،‏ كان پيت دو ياهِر يدرس اللاهوت في الجامعة في ستيلينبوش.‏ وكان احد رفاقه الطلاب يقرأ مطبوعات يصدرها تلاميذ الكتاب المقدس ويتحدث الى الناس عنها.‏ أقلق ذلك السلطات الكنسية فطلبوا من پيت ان يتحدث الى هذا الطالب ويدعوه الى حضور درس اسبوعي في الكتاب المقدس تنظِّمه جمعية التلاميذ المسيحيين.‏ لكنّ النتيجة لم تكن كما توقعت السلطات،‏ فقد قَبِل پيت الحق.‏ ثم ترك الجامعة بعد ان دار بينه وبين اساتذته جدال عقيم حول النفس والهاوية وعقائد اخرى.‏

رُتِّب لاحقا لمناظرة بين پيت ودكتور في اللاهوت في الكنيسة المُصلَحة الهولندية اسمه دوايت سنايمان،‏ وكان عدد الحاضرين ٥٠٠‏,١ تلميذ.‏ وصف الاخ آيتي سْميت وقائع الجلسة قائلا:‏ «دحض پيت الحجج التي قدَّمها هذا الدكتور المثقَّف حول كل نقطة وبرهن من الاسفار المقدسة ان الكنيسة تتبنَّى عقائد غير مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وقد اوجز احد التلامذة وجهة نظره الخاصة بهذه الكلمات:‏ ‹لولا قناعتي المسبقة ان پيت دو ياهِر على خطإ،‏ لأقسمت انه على صواب لأنه برهن كل شيء بآ‌يات من الكتاب المقدس›».‏

زرع البذار في مجموعة عرقية اخرى

زار الاخ جونستون بلدة فرانسهوك الصغيرة الواقعة قرب ستيلينبوش وتحدث الى بعض سكانها الملوَّنين.‏ وقبل ذلك بسنوات،‏ ترك آدم فان ديمِن،‏ استاذ محلي،‏ الكنيسة المُصلَحة الهولندية وشكَّل فريقا دينيا صغيرا.‏ فزاره الاخ جونستون وقدَّم له المطبوعات،‏ فأخذ بعضا منها له ولأصدقائه ايضا.‏

قَبِل فان ديمِن الحق هو وبعض اصدقائه وأخبروا الآخرين بنشاط عن الامور التي تعلَّموها.‏ فشكَّل ذلك اساسا جيدا لنشر بشارة الملكوت بين الشعب الملوَّن.‏ وفي هذه الاثناء،‏ تعلَّم ڠ.‏ أ.‏ دانيالز (‏١٧ سنة)‏ الحق وكرَّس بقية حياته لخدمة يهوه.‏

في السنوات اللاحقة،‏ قام اخ آخر من السكان الملوَّنين اسمه دايڤيد تايلور بنشر حق الكتاب المقدس بغيرة في هذا الحقل.‏ وقد بدأ هذا الاخ يدرس الحق مع تلاميذ الكتاب المقدس بعمر ١٧ سنة.‏ وفي سنة ١٩٥٠،‏ عُيِّن ناظر دائرة وفُوِّض اليه ان يزور كل الجماعات الملوَّنة والفِرَق المنعزلة في البلد التي بلغ عددها آنذاك ٢٤.‏ ولإنجاز هذا التعيين كان عليه ان يتنقل كثيرا بالقطار والباص.‏

التقدم الثيوقراطي في الاوقات الصعبة

عام ١٩١٨،‏ عُيِّن الاخ جونستون للاشراف على عمل الكرازة بالملكوت في اوستراليا،‏ وطُلب من هنري أنكيتيل ان يخدم ناظرا للفرع في جنوب افريقيا.‏ كان أنكيتيل في السابق عضوا في الهيئة التشريعية في مقاطعة ناتال لكنه كان آنذاك متقاعدا عن العمل.‏ ومع انه لم يكن في سن الشباب،‏ فقد انجز تعيينه على اكمل وجه طوال السنوات الست التالية.‏

بالرغم من سنوات الحرب العنيفة والتعديلات التنظيمية،‏ استمر النمو في عدد التلاميذ اذ تجاوب كثيرون بحماس مع حق الكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ في سنة ١٩٢١،‏ لاحظ كريستيان ڤنتر،‏ المشرف على طاقم من العمّال لصيانة السكك الحديدية،‏ قطعة من الورق عالقة تحت قضيب للسكة الحديدية.‏ وكانت هذه الورقة نشرة من اصدار تلاميذ الكتاب المقدس.‏ فقرأها وذهب مسرعا الى صهره،‏ أبراهام سيليَرْز،‏ وقال له:‏ «أبراهام،‏ اليوم وجدت الحق!‏».‏ ثم حصل الرجلان على المزيد من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس ودرساها بدأب.‏ وصارا كلاهما شاهدين منتذرين وساعدا كثيرين على تعلُّم الحق.‏ واليوم،‏ اكثر من مئة شخص من اولادهما وأحفادهما هم شهود ليهوه.‏

المزيد من التوسع

بحلول سنة ١٩٢٤،‏ شُحنت مطبعة الى كَيب تاون وأُرسل اخوان من بريطانيا لتقديم المساعدة.‏ كان هذان الاخوان توماس والدر الذي اصبح ناظر الفرع وجورج فيلپسc الذي خلفه بعد عدة سنوات.‏ وقد خدم الاخ فيلپس في هذا العمل حوالي ٤٠ سنة وكان له دور رئيسي في تقدُّم وتوطيد عمل الملكوت في جنوب افريقيا.‏

وعام ١٩٣١،‏ نال عمل التبشير زخما اضافيا نتيجة القرار الذي تبنّى الاخوة بموجبه الاسم شهود يهوه.‏ وقد صدر آنذاك كراس الملكوت،‏ رجاء العالم الذي احتوى على النص الكامل لهذا القرار.‏ وجرى توزيع هذا الكراس في كل انحاء البلد.‏ كما بُذل جهد خصوصي لتقديم نسخة منه لكل رجل دين وسياسي ورجل اعمال بارز في المقاطعة.‏

مكتب فرع جديد

عام ١٩٣٣،‏ استؤجر مبنى اكبر في كَيب تاون ونُقل اليه مكتب الفرع.‏ وبقي هذا المبنى يُستخدم كمكتب فرع حتى سنة ١٩٥٢.‏ وقد بلغ عدد اعضاء عائلة بيت ايل آنذاك ٢١ شخصا.‏ وكانوا يسكنون في بيوت الاخوة ويذهبون كل يوم الى المكتب والمطبعة.‏ وقبل البدء بأعمالهم،‏ كانوا يجتمعون كل صباح في غرفة تبديل الملابس في المطبعة ليناقشوا الآية اليومية،‏ وبعدها يتلون الصلاة الربانية بصوت واحد.‏

سكن البعض في منازل بعيدة جدا بحيث لم يتمكنوا من الذهاب اليها لتناول الغداء.‏ لذلك كانوا يُعطون شِلنا وستة بنسات (‏١٥ سنتا جنوب افريقي)‏ لشراء وجبة طعام.‏ وكان هذا المبلغ من المال يتيح لهم ان يشتروا من مقهى محطة السكة الحديدية طبقا من البطاطا المهروسة مع قطعة صغيرة من السجق،‏ او رغيفا من الخبز وبعض الفواكه.‏

عام ١٩٣٥،‏ أُرسل الى فرع كَيب تاون عامل بارع في الطباعة اسمه أندرو جاك.‏ كان الاخ أندرو اسكتلنديا نحيل الجسم ذا وجه بشوش،‏ وقد خدم سابقا كامل الوقت في دول البلطيق الثلاث:‏ ليتوانيا،‏ لاتفيا،‏ وأستونيا.‏ بعد وصوله الى جنوب افريقيا،‏ جلب أندرو المزيد من المعدات الطباعية.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى صارت المطبعة التي يشغِّلها تعمل بأقصى سرعتها.‏ وسنة ١٩٣٧ رُكِّبت اول مطبعة اوتوماتيكية،‏ الفرونتكس.‏ وقد انتجت طوال اكثر من ٤٠ سنة ملايين النماذج وأوراق الدعوات،‏ فضلا عن المجلات باللغة الافريقانية.‏

خدم أندرو بقية حياته في بيت ايل في جنوب افريقيا.‏ وكان مثالا حسنا لعائلة بيت ايل حتى عندما تقدَّم في السن،‏ اذ كان يشترك بانتظام في كل اوجه خدمة الحقل.‏ وفي عام ١٩٨٤،‏ انهى هذا الاخ الممسوح الامين مسلكه الارضي عن عمر ٨٩ سنة،‏ بعد ٥٨ سنة من الخدمة المخلصة ليهوه.‏

نموّ كبير خلال سنوات الحرب

لم يكن للحرب العالمية الثانية تأثير كبير في جنوب افريقيا كما في اوروبا،‏ مع ان كثيرين من مواطني جنوب افريقيا شاركوا في المعارك التي دارت في افريقيا وإيطاليا.‏ فخلال هذه الفترة،‏ شهدت البلاد حملات تروِّج للحرب بهدف نيل الدعم الشعبي وتجنيد المزيد من الشبان.‏ وبالرغم من الروح الوطنية المتقدة،‏ شهدت نهاية سنة الخدمة ١٩٤٠ ذروة جديدة من ٨٨١ ناشرا،‏ زيادة ٧‏,٥٨ في المئة على ذروة السنة الماضية التي بلغت ٥٥٥ ناشرا.‏

وفي كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٣٩،‏ صدرت مجلة التعزية (‏الآن استيقظ!‏‏)‏ لأول مرة بالافريقانية.‏ وكانت ايضا اول مجلة يطبعها شهود يهوه في جنوب افريقيا.‏ في تلك الفترة،‏ كانت الحروف الطباعية تُنضَّد باليد،‏ عملية تجري ببطء شديد.‏ وبعد وقت قصير،‏ اتُّخذ القرار ان تصدر برج المراقبة بالافريقانية.‏ ولم يعرف الاخوة آنذاك كم كان قرارهم في حينه لأنهم لم يدركوا ما كان سيجري في اوروبا.‏ وقد ركَّبوا آلة لينوتيپ وآلة لطيّ الورق.‏ وفي ١ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٠ صدر اول عدد من هذه المجلة.‏

قبل هذا الوقت،‏ كان فرع هولندا يزود جنوب افريقيا بمجلة برج المراقبة بالهولندية من اجل القراء الافريقانيين،‏ وذلك لأن الافريقانية والهولندية لغتان متشابهتان.‏ ولكن في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٠،‏ اجتاح هتلر هولندا وأُقفل فجأة الفرع هناك.‏ فبدأ طبع برج المراقبة بالافريقانية في جنوب افريقيا،‏ وهكذا لم يخسر الاخوة اية اعداد من هذه المجلة.‏ بل ازداد توزيع المجلات بحيث بلغ ٠٠٠‏,١٧ مجلة كل شهر.‏

تقدم العمل رغم الرقابة على المطبوعات

نتيجة الضغط من رجال دين العالم المسيحي وخوف الحكومة من موقفنا الحيادي،‏ صادرت سلطات رقابة المطبوعات سنة ١٩٤٠ نسخ المشتركين في مجلتَي برج المراقبة و التعزية.‏ وصدر اعلان رسمي يحظِّر هاتين المطبوعتين.‏ فراحت السلطات تصادر شحنات المجلات والمطبوعات الآتية عبر البحار فور وصولها.‏

رغم ذلك،‏ بقي الاخوة يحصلون على الطعام الروحي في حينه.‏ فقد كانت تصل دائما بطريقة او بأخرى نسخة من برج المراقبة بالانكليزية الى مكتب الفرع،‏ وهناك تُنضَّد وتُطبع.‏ كتب جورج فيلپس:‏ «اثناء الحظر،‏ لمسنا .‏ .‏ .‏ اروع دليل على عناية يهوه الحبية وحمايته لشعبه.‏ فنحن لم نخسر اي عدد من برج المراقبة.‏ في احيان كثيرة لم نكن نحصل إلا على نسخة واحدة من العدد كانت تصلنا إما عن طريق احد المشتركين الساكنين في روديسيا الشمالية او الجنوبية [اليوم زامبيا وزمبابوي] او في افريقيا الشرقية البرتغالية [اليوم موزمبيق] او في مزرعة منعزلة في جنوب افريقيا،‏ وإما من خلال زائر مسافر على متن باخرة توقفت مؤقتا في كَيب تاون».‏

في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤١،‏ صادرت سلطات رقابة المطبوعات كل البريد المرسَل من مكتب الفرع دون ان تقدِّم اي تفسير لذلك.‏ وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ اصدر وزير الداخلية امرا بمصادرة كل مطبوعات الجمعية في البلد.‏ فأتى قسم التحرّيات الجنائية عند الساعة العاشرة من صباح احد الايام الى مكتب الفرع ومعه شاحنات لأخذ كل المطبوعات.‏ فتحقَّق الاخ فيلپس من المذكّرة ورأى انها غير قانونية البتة.‏ فالكتب لم تكن مدرجة بالاسم،‏ وهو مطلب تورده جريدة الحكومة الرسمية.‏

عندئذ طلب الاخ فيلپس من شرطة التحرّيات الجنائية ان ينتظروا بعض الوقت.‏ فاتّصل بمحامٍ وتقدَّم بطلب عاجل الى المحكمة العليا للحصول على قرار يمنع وزير الداخلية من مصادرة المطبوعات.‏ فاستُجيب طلبه وحصل الاخوة عند الظهر على قرار يُبطِل امر الوزير،‏ فغادرت الشرطة فارغة اليدين.‏ وبعد خمسة ايام،‏ رجع الوزير عن الامر الذي اصدره وسدَّد رسوم الاجراءات القانونية.‏

استمرت المعركة القانونية المتعلقة بحظر مطبوعاتنا عدة سنوات.‏ فراح الاخوة يخبئون المطبوعات في بيوتهم.‏ ورغم حصولهم على اعداد اقل لاستعمالها في الحقل،‏ فقد استعملوها بحكمة اذ كانوا يعيرون الكتب للذين يريدون ان يدرسوا الكتاب المقدس.‏ وفي تلك الفترة قَبِل كثيرون الحق.‏

نحو نهاية سنة ١٩٤٣،‏ عُيِّن وزير داخلية جديد.‏ فقدَّم الاخوة طلبا لرفع الحظر،‏ ونجحت محاولتهم هذه المرة.‏ فرُفع الحظر في اوائل سنة ١٩٤٤ وتسلَّم مكتب الفرع مخزون المطبوعات الكبير الذي صادرته السلطات.‏

وهل نجح مقاومو العبادة الحقة في محاولاتهم لإيقاف عمل الكرازة بالملكوت؟‏ تشير الارقام في سنة الخدمة ١٩٤٥ ان يهوه بارك الخدمة المخلصة لشعبه الامين،‏ وتقدَّم العمل بشكل لم يسبق له مثيل.‏ فقد وزَّع ٩٩١‏,٢ ناشرا ٢٦٤‏,٣٧٠ مطبوعة وعقدوا ٧٧٧‏,٤ درسا في الكتاب المقدس.‏ وهي زيادة كبيرة جدا مقارنة بذروة عدد الناشرين التي بلغت ٨٨١ ناشرا سنة ١٩٤٠.‏

فوائد التدريب الثيوقراطي

افتُتحت سنة ١٩٤٣ مدرسة دُعيت «منهج في الخدمة الثيوقراطية» (‏الآن مدرسة الخدمة الثيوقراطية)‏.‏ وقد زوَّدت الاخوة بتدريب فعّال أهَّل كثيرين منهم للصيرورة خطباء عامّين.‏ كما ساعدت عددا اكبر من الناشرين ليكونوا بارعين في خدمة الحقل.‏ وفي سنة ١٩٤٥،‏ صار هنالك عدد كبير من الخطباء المدرَّبين.‏ فبدأ الاخوة بحملة لدعوة الناس الى الاجتماعات العامة مستخدمين لافتات وأوراق دعوة كُتبت عليها عناوين الخطابات.‏

كان پيت ڤِنْتْسِلd آنذاك فاتحا في سن الشباب.‏ يقول متذكرا تلك السنوات الباكرة:‏ «نُقلنا انا ورفيقي في الفتح فرانس مولر الى فيرينيغِنْغ.‏ وقبل البدء بالحملة لدعوة الناس الى الاجتماعات العامة في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤٥،‏ رحت استعد لاثنين من الخطابات الاربعة التي كانت ستُلقى على الحضور.‏ فكنت انزل الى النهر عند الظهر وألقي خطابي على النهر والاشجار طوال ساعة من الوقت.‏ وبقيت اتمرَّن على هذا النحو شهرا كاملا حتى شعرت بالثقة اللازمة لأخاطب حضورا من الناس».‏ وعند إلقاء الخطاب الاول في فيرينيغِنْغ،‏ بلغ عدد المهتمين الذين حضروا ٣٧ شخصا.‏ وكان هؤلاء اساس الجماعة التي تشكَّلت لاحقا في تلك المنطقة.‏

بعد سنوات عديدة من الخدمة كناظر جائل،‏ دُعي پيت وزوجته لينا الى بيت ايل.‏ وهو الآن عضو في لجنة الفرع،‏ ولا يزال غيورا في الخدمة وتلميذا مجتهدا للكتاب المقدس.‏ اما زوجته لينا فقد ماتت في ١٢ شباط (‏فبراير)‏ ٢٠٠٤،‏ بعد ٥٩ سنة في خدمة يهوه كامل الوقت.‏

تزويد المساعدة الحبية

حدث تطور آخر بتوجيه من المركز الرئيسي في بروكلين.‏ فقد عُيِّن رجال دُعوا خداما للاخوة،‏ تسمية سابقة لنظار الدوائر.‏ وكان هؤلاء رجالا عزّابا يتمتعون بصحة جيدة ونشاط كبير يمكّنهم من اتمام المهام الكثيرة الموكلة اليهم.‏

في البداية،‏ زار هؤلاء الاخوة الجماعات الكبيرة لمدة يومين او ثلاثة والفِرَق الصغيرة لمدة يوم واحد.‏ وهكذا كانوا دائمي الترحال،‏ مستقلِّين في اكثر الاحيان وسائل النقل العامة كالقطارات والباصات في الاوقات غير الملائمة.‏ وأثناء زياراتهم،‏ كانوا يراجعون باعتناء سجلات الجماعات.‏ لكنّ هدفهم الرئيسي كان قضاء الوقت في خدمة الحقل مع الاخوة وتدريبهم على هذا العمل.‏

كان خِيرْت نيل احد الذين عُيِّنوا خداما للاخوة سنة ١٩٤٣.‏ وقد عرف الحق سنة ١٩٣٤ حين كان استاذا في مقاطعة الترانسڤال الشمالية.‏ وساعد العديد من الناشرين على التقدم روحيا،‏ ولا يزال كثيرون يتذكرون خدمته الامينة.‏ كان الاخ نيل طويلا ونحيلا وجديّ الملامح.‏ وقد دافع عن الحق بغيرة،‏ واشتهر بذاكرته القوية.‏ كما اعرب عن محبة عميقة للناس.‏ فكان يكرز من السابعة صباحا حتى السابعة او الثامنة مساء دون ان يتوقف ليأخذ قسطا من الراحة.‏ وأثناء عمله كناظر جائل،‏ كان يركب القطارات في اي وقت من النهار او الليل،‏ يقضي اياما قليلة مع الجماعة حسب عدد افرادها،‏ ثم ينتقل الى جماعة اخرى.‏ وقد واصل هذا النمط عينه اسبوعا بعد اسبوع.‏ وفي سنة ١٩٤٦،‏ دُعي الى بيت ايل للعمل كمترجم الى اللغة الافريقانية،‏ واستمر يخدم هناك بأمانة حتى موته سنة ١٩٩١.‏ وكان آخر الاخوة الممسوحين الذين خدموا في بيت ايل في جنوب افريقيا.‏ فبين سنتَي ١٩٨٢ و ١٩٨٥،‏ انهى جورج فيلپس،‏ أندرو جاك،‏ وجيرالد ڠارارد مسلكهم الارضي بأمانة.‏

قدَّموا تضحيات كبيرة

يقدِّر شهود يهوه خدمات النظار الجائلين وزوجاتهم الذين يقدِّمون تضحيات كبيرة في سبيل تقوية الجماعات روحيا.‏ على سبيل المثال،‏ قال لوك دْلادْلا الذي عُيِّن ناظر دائرة سنة ١٩٦٥ وهو يخدم الآن كفاتح عادي:‏ «عمري اليوم،‏ في سنة ٢٠٠٦،‏ ٨١ سنة وعمر زوجتي ٦٨ سنة،‏ لكننا لا نزال نستطيع صعود ونزول الجبال وعبور الانهار لنشر البشارة في مقاطعتنا.‏ لقد قضينا اكثر من ٥٠ سنة في خدمة الحقل».‏

عام ١٩٥٤،‏ عُيِّن أندرو ماسوندو ناظر دائرة.‏ قال:‏ «سنة ١٩٦٥،‏ عُيِّنت في بوتسوانا،‏ وكان تعييني شبيها بالخدمة الارسالية.‏ وفي تلك الفترة،‏ كان البلد يعاني من المجاعة بسبب عدم هطول الامطار طوال ثلاث سنوات.‏ وقد اختبرنا انا وزوجتي جورجينا ما يعنيه ان يأوي المرء الى الفراش من دون عشاء ويذهب صباحا الى خدمة الحقل من دون فطور.‏ وغالبا ما تناولنا وجبة واحدة فقط،‏ هي وجبة الغداء.‏

‏«عندما عدت الى جنوب افريقيا،‏ عُيِّنت ناظر كورة ودرَّبني في هذا العمل أرنست پانداتشوك.‏ قال لي في كلماته الوداعية:‏ ‹لا تترفَّع على الاخوة،‏ بل كُن كسنبلة القمح التي تنحني عندما تنضج لأنها تحمل ثمرا كثيرا›».‏

اول محفل دائري

في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٧،‏ عُقد في دوربان اول محفل دائري في جنوب افريقيا.‏ يصف مِلتون بارتلِت،‏ متخرِّج من الصف الخامس لجلعاد وأول مرسل في جنوب افريقيا،‏ الانطباع الذي تركه فيه الاخوة الذين حضروا هذا المحفل:‏ «تأثرت كثيرا حين رأيت الشهود السود.‏ فقد كانوا نظفاء،‏ هادئين،‏ انيقي المظهر،‏ مخلصين،‏ متشوقين الى تعلُّم المزيد عن الحق،‏ وتوّاقين الى الاشتراك في خدمة الحقل».‏

ومع ازدياد اهتمام السكان السود بالحق،‏ بُذلت جهود اكبر لمساعدتهم.‏ فأول عدد من برج المراقبة صدر باللغة الزولوِية كان عدد ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٩.‏ وقد طُبع في مكتب الفرع في كَيب تاون باستخدام آلة نسخ يدوية صغيرة.‏ ومع ان هذه المجلة لم تكن ملوَّنة وجذابة كما هي اليوم،‏ لكنها زوَّدت الاخوة بالطعام الروحي الثمين.‏ وفي سنة ١٩٥٠،‏ أُنشئت صفوف لتعليم القراءة والكتابة بست لغات.‏ وبفضل هذه الصفوف،‏ استطاع مئات الاخوة والاخوات الراغبين في التعلُّم ان يقرأوا كلمة اللّٰه وحدهم.‏

وإذ تقدَّم عمل التبشير،‏ نشأت الحاجة الى اماكن ملائمة للاجتماعات.‏ فعُيِّن سنة ١٩٤٨ احد الفاتحين في سْتْراند،‏ قرب كَيب تاون،‏ ومُنح امتياز الاشراف على بناء اول قاعة ملكوت في جنوب افريقيا.‏ وقد موَّلت المشروع احدى الاخوات من البلد.‏ قال جورج فيلپس:‏ «ليتني استطيع ان اضع القاعة الجديدة على دواليب وأمرِّرها في البلد كله لأشجِّع الاخوة على بناء المزيد من القاعات».‏ وقد مرّت عدة سنوات قبل البدء ببناء قاعات الملكوت بشكل منظَّم في كل انحاء البلد.‏

تجاوب مشجِّع في المجتمعات الهندية

بين سنتَي ١٨٦٠ و ١٩١١،‏ أُبرمت عقود عمل مع عمّال من الهند.‏ فأتوا ليشتغلوا في حقول قصب السكر في ناتال.‏ وبعد انتهاء هذه العقود استقرّ كثيرون منهم في البلد،‏ مشكِّلين جالية هندية كبيرة يبلغ عدد افرادها الآن اكثر من مليون نسمة.‏ وفي اوائل خمسينات القرن العشرين،‏ نما الاهتمام بحق الكتاب المقدس في المجتمعات الهندية.‏

وُلد ڤيلو نايكر سنة ١٩١٥،‏ وهو الابن الرابع في عائلة هندوسية متدينة تضمّ تسعة اولاد.‏ وقد عمل والداه في مزرعة لقصب السكر.‏ كانت دروس الكتاب المقدس التي تلقّاها في المدرسة تثير اهتمامه،‏ وعندما بلغ سن الحداثة،‏ اعطاه احد الاشخاص كتابا مقدسا.‏ فراح يقرأ فيه كل يوم وأكمله في اربع سنوات.‏ كتب:‏ «اعجبتني كثيرا متى ٥:‏٦‏.‏ فعندما قرأت هذه الآية ادركت ان اللّٰه يفرح اذا كان الانسان متعطشا الى الحق والبرّ».‏

وأخيرا التقى ڤيلو احد الشهود وابتدأ يدرس الكتاب المقدس.‏ وهو من الهنود الاوائل في جنوب افريقيا الذين اعتمدوا سنة ١٩٥٤.‏ كان المجتمع الهندوسي حيث يسكن ڤيلو آنذاك في أكتونڤيل بمقاطعة ڠوتنڠ يقاوم بشدة شهود يهوه،‏ حتى ان شخصا بارزا هدَّده بالقتل.‏ كما انه خسر عمله كمدير مصبغة بسبب موقفه الثابت الى جانب حق الكتاب المقدس.‏ ومع ذلك استمر يخدم يهوه بأمانة حتى مماته سنة ١٩٨١.‏ وقد انتج مثاله الحسن ثمرا وافرا،‏ فأكثر من ١٩٠ عضوا من عائلته من اربعة اجيال متتالية (‏بمن فيهم اقرباؤه بالزواج)‏ يخدمون يهوه الآن.‏

كان ڠوپال كوپسامي بعمر ١٤ سنة عندما سمع لأول مرة عن الحق من ڤيلو زوج عمته.‏ يذكر:‏ «مع ان ڤيلو لم يعقد معي درسا في الكتاب المقدس،‏ فقد كان يتحدَّث الينا انا وبعض الاحداث الآخرين عن حقائق الكتاب المقدس.‏ وبما انني هندوسي،‏ كان هذا الكتاب غير مألوف لي.‏ لكنّ القليل الذي قرأته فيه بدا منطقيا جدا.‏ وذات يوم،‏ رأيت ڤيلو ذاهبا الى درس الكتاب الجَماعي،‏ فسألته اذا كان بإمكاني ان اذهب معه،‏ فوافق على طلبي.‏ ومنذ ذلك الحين احضر الاجتماعات بانتظام.‏ اردت ايضا ان ازيد معرفتي للكتاب المقدس،‏ فذهبت الى المكتبة العامة ووجدت بعض مطبوعات شهود يهوه.‏ ومع ان عائلتي قاومتني كثيرا،‏ لكنني كنت اتذكَّر دائما كلمات المزمور ٢٧:‏١٠‏:‏ ‹إن تركني ابي وأمي،‏ فيهوه يضمّني›.‏ واعتمدت سنة ١٩٥٥ بعمر ١٥ سنة».‏

ڠوپال هو الناظر المشرف في الجماعة التي يخدم فيها الآن مع زوجته سوسيلا.‏ وقد ساعدا نحو ١٥٠ شخصا على الصيرورة خداما منتذرين ليهوه.‏ وعندما سُئل الاخ ڠوپال كيف انجزا ذلك،‏ اوضح قائلا:‏ «كان يسكن في منطقتنا عدد كبير من اعضاء عائلتنا،‏ فكرزت لهم وتجاوب عدد منهم مع الحق.‏ وبما انني كنت ازاول مهنة حرة،‏ فقد كان بمقدوري ان اصرف المزيد من الوقت في الخدمة.‏ فضلا عن ذلك،‏ خدمت كفاتح اربع سنوات كرزت خلالها باجتهاد ولاحقت بدأب كل اهتمام وجدته».‏

المحبة والصبر ينتجان ثمرا

تخرَّجت دورين كيلڠور وإيزابيلا إيليراي من مدرسة جلعاد سنة ١٩٥٦ و ١٩٥٧ على التوالي.‏ وخدمتا ٢٤ سنة بين السكان الهنود في تشاتسوِرث،‏ احدى ضواحي دوربان.‏

وصفت دورين الخدمة في هذه المقاطعة قائلة:‏ «كان علينا ان نتحلّى بالصبر،‏ فالبعض لم يسمعوا قط بآ‌دم وحواء.‏ وبشكل عام،‏ الشعب الهندوسي مضياف جدا.‏ فمن العيب ان يبقى الزوار واقفين عند عتبة الباب.‏ لذلك كانوا يقولون لنا:‏ ‹اشربوا فنجان شاي واذهبوا›،‏ مما يعني اننا مضطرون الى شرب الشاي في كل بيت.‏ فكرهت انفسنا الشاي.‏ وعندما كان احد الهنود يتخلّى عن معتقداته الدينية المترسِّخة ويصير عابدا ليهوه كنا نعتبر ذلك اعجوبة».‏

روت إيزابيلا هذا الاختبار:‏ «اثناء الكرازة،‏ تحدثت الى رجل وقدَّمت له المجلات.‏ وكانت زوجته داريشني قد وصلت لتوِّها من الكنيسة فاشتركت معنا في الحديث وابنها بين ذراعيها.‏ وبعد ان تمتعنا بمناقشة شيِّقة،‏ رتَّبتُ ان ازورهما ثانية.‏ ومع انني زرت داريشني مرات عديدة،‏ لكنني لم اجدها قط.‏ ولاحقا،‏ اخبرتني ان قسّ كنيستها قال لها ان تغادر البيت في الاوقات التي ازورها فيها،‏ لأن ذلك سيجعلني اظن انها غير مهتمة.‏ ورغم انني سافرت الى انكلترا لزيارة عائلتي،‏ لم أنسها قط.‏ وعندما عدت الى جنوب افريقيا ذهبت لرؤيتها.‏ فأرادت ان تعرف اين كنت،‏ وقالت لي:‏ ‹كنت متأكدة انك ظننت اني لست مهتمة.‏ انا سعيدة جدا برؤيتك مرة اخرى›.‏ وبدأت تدرس الكتاب المقدس مع ان زوجها لم ينضم اليها.‏ وقد كانت تلميذة مجتهدة للكتاب المقدس واعتمدت في الوقت المناسب.‏

‏«كانت معتقداتها الدينية تفرض على المرأة المتزوجة ان ترتدي حلية ذهبية تُعلَّق بخيط اصفر يُربط حول العنق،‏ وتُدعى «تالي».‏ ويُفتَرض ألا تنزعها المرأة إلا اذا مات زوجها.‏ حين ارادت داريشني ان تشترك في عمل الكرازة،‏ ادركت انه عليها نزع الـ‍ «تالي» من عنقها.‏ وعندما سألتني ماذا ينبغي ان تفعل،‏ نصحتها ان تسأل زوجها اولا وترى ردّ فعله،‏ فسألته لكنه لم يقبل.‏ فقلت لها ان تتحلّى بالصبر وتنتظر قليلا ثم تسأله حين يكون في مزاج جيد.‏ وفي آخر الامر،‏ وافق زوجها على طلبها.‏ لقد شجَّعْنا تلاميذنا للكتاب المقدس ان يكونوا لبقين ويظهروا الاحترام للتعاليم الهندوسية ويتخذوا في الوقت نفسه موقفهم الى جانب حق الكتاب المقدس.‏ وهكذا تجنبوا جرح مشاعر اصدقائهم وأقربائهم،‏ الذين بدورهم تقبَّلوا بسهولة ان يغيِّر تلاميذ الكتاب المقدس دينهم».‏

عندما سُئلت إيزابيلا ودورين ماذا ساعدهما على الاحتمال سنوات كثيرة في العمل الارسالي،‏ اجابت دورين:‏ «نمَّينا محبة للناس.‏ وشغلنا انفسنا بتعييننا وتمتعنا به كاملا».‏ وأضافت إيزابيلا:‏ «اقمنا صداقات حميمة مع كثيرين.‏ وقد حزنّا كثيرا لأننا سنترك تعييننا.‏ لكنّ صحتنا ساءت،‏ فقبلنا بشكر الدعوة اللطيفة الى الخدمة في بيت ايل».‏ لقد ماتت إيزابيلا في ٢٢ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٠٠٣.‏

على نحو مماثل،‏ وجد المرسلون الآخرون الذين خدموا في تشاتسوِرث ان تقدمهم في السن يعيقهم عن الاستمرار في تعييناتهم والاهتمام في الوقت نفسه ببيت المرسلين،‏ فعُيِّنوا ايضا في بيت ايل.‏ وهم إريك وميرتل كوك،‏ مورين ستاينبرڠ،‏ ورون ستيڤنز الذي توفي منذ فترة من الوقت.‏

مشروع مهم

عندما قام ناثان نور ومِلتون هنشل،‏ اللذان كانا يخدمان في المركز الرئيسي في بروكلين،‏ بزيارة جنوب افريقيا سنة ١٩٤٨،‏ تقرَّر شراء عقار لبناء بيت ايل ومطبعة في إلَنْسْفونْتايْن،‏ قرب جوهانسبورغ.‏ وفي سنة ١٩٥٢ انتهى العمل في المشروع.‏ فتمكن اعضاء عائلة بيت ايل لأول مرة من السكن معا تحت سقف واحد.‏ ورُكِّبت معدات اضافية للطباعة بما في ذلك طابِعة مستوية.‏ فجرى اصدار برج المراقبة بثماني لغات و استيقظ!‏ بثلاث لغات.‏

وعام ١٩٥٩،‏ جرى توسيع بيت ايل والمطبعة.‏ فكان المبنى الاضافي اكبر من المبنى الاصلي.‏ ورُكِّبت مطبعة تيمسون جديدة،‏ اول مطبعة دوّارة في الفرع.‏

دعا الاخ نور اربعة اخوة شبان من كندا لينتقلوا الى جنوب افريقيا من اجل تقديم المساعدة في الطِّباعة،‏ وهم:‏ بيل مكليلَن،‏ دنيس ليتش،‏ كِن نوردِن،‏ وجون كيكوت.‏ فوصلوا الى جنوب افريقيا في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٥٩.‏ ولا يزال بيل مكليلَن وزوجته مارِلين يخدمان في بيت ايل في جنوب افريقيا،‏ في حين يخدم جون كيكوت وزوجته لورا في بيت ايل في بروكلين بنيويورك.‏ اما كِن نوردِن ودنيس ليتش فقد بقيا في جنوب افريقيا وتزوَّجا وربَّيا عائلة.‏ وما زالا يساهمان الى حد كبير في تقدُّم مصالح الملكوت.‏ ويخدم ولدا كِن كلاهما في بيت ايل في جنوب افريقيا.‏

استُخدم بيت ايل الموسَّع والمعدات الجديدة بشكل كامل لسدّ الحاجة المتزايدة في البلد.‏ ففي سنة ١٩٥٢،‏ تجاوز عدد الناشرين ٠٠٠‏,١٠ شخص.‏ وعام ١٩٥٩،‏ وصل هذا الرقم الى ٧٧٦‏,١٦ ناشرا.‏

المحافظة على الوحدة المسيحية تحت نظام الأپارتيد

لكي نفهم المشاكل التي واجهها الاخوة في ظل نظام الأپارتيد (‏سياسة الفصل العنصري)‏،‏ من المساعد ان نعرف كيف طُبِّق هذا النظام.‏ فقد سمح القانون للسود،‏ البيض (‏الذين من اصل اوروبي)‏،‏ الملوَّنين (‏ذوي العرق المختلط)‏،‏ والهنود ان يعملوا في المباني نفسها في المدن كالمعامل والمكاتب والمطاعم.‏ ولكن في الليل،‏ لزم ان يعود كل فريق عرقي الى الضاحية المخصصة له.‏ وهكذا أبقى القانون مناطق سكن كل عرق منفصلة الواحدة عن الاخرى.‏ ووجب ان تكون في كل المباني مراحيض وغرف طعام للبيض وأخرى لغيرهم من العروق.‏

عندما بُني اول فرع في إلَنْسْفونْتايْن،‏ لم تسمح السلطات للاخوة السود والملوَّنين والهنود ان يسكنوا في المباني نفسها مع الاخوة البيض.‏ وآنذاك كان معظم اعضاء بيت ايل من البيض لأن الحصول على رخصة للعمل في المدينة كان صعبا على الذين من عروق اخرى.‏ رغم ذلك،‏ كان في بيت ايل ١٢ اخا وأختا من السود والملوَّنين،‏ وأغلبهم مترجمون الى اللغات المحلية.‏ وقد منحت الحكومة الاخوة رخصة ليبنوا خلف المبنى السكني الرئيسي مبنى منفصلا عنه ضمّ خمس غرف لإيواء هؤلاء الاخوة.‏ لكنّ هذه الرخصة سُحبت لاحقا عندما تشدَّدت الحكومة في تطبيق قوانين سياسة التمييز العنصري.‏ فكان على الاخوة الذكور ان ينتقلوا الى اقرب منطقة سكنية للافريقيين على بعد نحو ٢٠ كيلومترا ويمكثوا في مسكن للرجال.‏ اما الاختان الافريقيتان فسكنتا في بيتين للشهود في المنطقة نفسها.‏

لم يسمح القانون ايضا لأعضاء بيت ايل هؤلاء بتناول الطعام مع اخوتهم البيض في غرفة الطعام الرئيسية،‏ وكان مفتِّشون من المجلس البلدي المحلي يراقبون المكان ليتأكدوا ان لا احد يخالف القانون.‏ لكنّ الاخوة البيض لم يتحملوا الفكرة ان يتناول كل فريق الطعام على حدة.‏ لذلك استبدلوا زجاج النوافذ الشفاف في غرفة الطعام بزجاج أغبش لكي تتمكن العائلة كلها من تناول وجباتها معا دون اي ازعاج.‏

عام ١٩٦٦،‏ اضطر جورج فيلپس الى مغادرة بيت ايل بسبب تدهور صحة زوجته ستيلّا.‏ فعُيِّن هاري أرنوت ناظرا للفرع،‏ وهو اخ مقتدر خدم في هذا التعيين طيلة سنتين.‏ ومن سنة ١٩٦٨ فصاعدا،‏ خدم فرانس مولرe ناظرا للفرع ولاحقا منسِّقا للجنة الفرع.‏

قنبلة زرقاء تعزِّز النمو

صدر كتاب الحق الذي يقود الى الحياة الابدية في المحفل الكوري عام ١٩٦٨.‏ وبسبب تأثيره الايجابي الكبير في الحقل،‏ عُرف هذا الكتاب بالقنبلة الزرقاء.‏ وقبل صدوره،‏ كان قسم الشحن يرسل كل سنة الى الجماعات نحو ٠٠٠‏,٩٠ كتاب،‏ اما في سنة الخدمة ١٩٧٠ فقد ارسل ٠٠٠‏,٤٤٧ كتاب.‏

عام ١٩٧١،‏ زار الاخ نور مرة اخرى جنوب افريقيا.‏ وفي تلك الفترة،‏ كان بيت ايل قد صار من جديد اصغر من ان يؤوي العائلة التي بلغ عدد افرادها ٦٨ عضوا.‏ لذلك خُطِّط لتشييد مبان اضافية،‏ فقدَّم بعض الاخوة خدماتهم طوعا وتبرع آخرون بالمال.‏ وانتهى عمل البناء في ٣٠ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٢.‏ ثم أُضيف مبنى آخر سنة ١٩٧٨.‏ فكانت هذه التوسيعات بمثابة تشجيع للاخوة وتأكيد على دعم يهوه لهم،‏ وخصوصا لأنهم كانوا يواجهون آنذاك ضغطا متزايدا من السلطات الحكومية.‏

حياد الاخوة تحت الامتحان

انسحبت جنوب افريقيا من الكومنولث البريطاني وصارت جمهورية في ايار (‏مايو)‏ ١٩٦١.‏ وفي هذه الفترة،‏ شهدت البلاد اضطرابات سياسية وأعمال عنف شديدة.‏ فحاولت الحكومة السيطرة على الوضع بإذكاء روح القومية،‏ الامر الذي اثار المتاعب لشهود يهوه في السنوات اللاحقة.‏

لم يُطلب من شهود يهوه لسنوات كثيرة ان يؤدّوا الخدمة العسكرية.‏ ولكن في اواخر ستينات القرن العشرين،‏ تغيَّر الوضع حين تورطت البلاد اكثر فأكثر في العمليات العسكرية في ناميبيا وأنغولا.‏ فقد نصَّت القوانين الجديدة ان يؤدِّي كل شاب ابيض يتمتع بصحة جيدة الخدمة العسكرية.‏ والاخوة الذين رفضوا تأدية هذه الخدمة حُكم عليهم بالسجن ٩٠ يوما في زنزانات الثكنات العسكرية.‏

كان مايك ماركس بين فريق من الاخوة الذين أُمروا بأن يرتدوا البدلة العسكرية ويضعوا الخوذة على رؤوسهم.‏ يتذكَّر:‏ «رفضنا ارتداء البدلة العسكرية لأننا لم نُرِد ان نُعتبر جزءا من الجيش.‏ فأمر الضابط المسؤول الذي كان برتبة نقيب بأن نُجرَّد من بعض الحقوق،‏ نوضع في سجن انفرادي،‏ ونُحرَم من حصص الطعام».‏ وعنى ذلك عدم تمكُّن الاخوة من كتابة وتسلُّم الرسائل،‏ استقبال الزوّار،‏ او امتلاك المطبوعات ما عدا الكتاب المقدس.‏ واقتضت عقوبة الحرمان من حصص الطعام —‏ التي تُفرض عادة على السجناء الذين لا سبيل الى اصلاحهم —‏ تزويد الاخوة بالماء ونصف رغيف خبز في اليوم على مدى يومين ثم الحصص العادية التي تُعطى للجيش على مدى سبعة ايام يليها الماء والخبز يومين آخرين،‏ وهكذا دواليك.‏ ولكن حتى الوجبات المدعوة عادية،‏ كانت غالبا غير كافية ورديئة النوعية.‏

بُذلت كل الجهود لكسر استقامة الاخوة.‏ فوُضع كل واحد منهم في زنزانة صغيرة.‏ وفي احدى الفترات،‏ لم يُسمَح لهم ان يستحمّوا بالمِرَشّ،‏ بل أُعطي كل واحد دلوا لاستعماله كمرحاض وآخر للاغتسال.‏ ولكن في آخر الامر،‏ سُمح لهم ثانية باستعمال المِرَشّ.‏

يتذكر كيث ويڠيل:‏ «بعدما استحممنا بالمياه الباردة في يوم من ايام الشتاء،‏ اخذ الحراس فُرُشنا وحراماتنا ولم يسمحوا لنا بارتداء ثيابنا المدنية.‏ فلم نلبس سوى قميص داخلي وسروال قصير،‏ ونمنا على منشفة رطبة على الارض الاسمنتية الشديدة البرودة.‏ وفي الصباح،‏ اندهش الرقيب الاول حين رآنا سعداء وفي صحة جيدة.‏ واعترف ان إلهنا اعتنى بنا خلال تلك الليلة القارسة».‏

كان يُحكَم على الاخوة بالسجن مدة ٩٠ يوما.‏ وقبيل انتهائها،‏ كانوا يُحاكمون ثانية لأنهم لم يرتدوا البدلة ولا تدرَّبوا مع السجناء العسكريين الآخرين،‏ وهكذا يعودون من جديد الى السجن.‏ وقد اخبرتهم السلطات بوضوح انها عازمة على الاستمرار في اصدار الاحكام ضدهم حتى يبلغوا الـ‍ ٦٥ من العمر،‏ السن التي لا يعودون فيها مؤهَّلين للخدمة العسكرية.‏

ولكن في عام ١٩٧٢،‏ تغيَّر القانون بعد ضغط شعبي وسياسي قوي.‏ فصار الاخوة يُحكَمون مرة واحدة بالسجن مدة تساوي مدة التدريب العسكري التي تراوحت في البداية بين ١٢ و ١٨ شهرا.‏ ثم زيدت الى ثلاث سنوات وأخيرا الى ست سنوات.‏ ومع الوقت اجرت السلطات بعض التنازلات،‏ فسُمح للاخوة بعقد اجتماع واحد في الاسبوع.‏

لم ينسَ الاخوة اثناء وجودهم في السجن العسكري وصية يسوع التي تأمرهم ان يقوموا بعمل التلمذة.‏ (‏متى ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ فراحوا يتكلمون مع السجناء الآخرين،‏ مع المسؤولين،‏ ومع كل شخص يحتكّون به.‏ ولفترة وجيزة،‏ سُمح لهم ايام السبت بعد الظهر ان ينشروا البشارة بكتابة الرسائل.‏

وذات يوم،‏ امرت السلطات العسكرية الشهود الـ‍ ٣٥٠ ان يتناولوا طعامهم مع السجناء العسكريين الآخرين البالغ عددهم ١٧٠ سجينا.‏ فكان ذلك السجن المقاطعة الوحيدة التي يبلغ فيها عدد الشهود ضعف غير الشهود.‏ ولكن سرعان ما قرَّرت السلطات ان يتناول الاخوة طعامهم وحدهم.‏

العالم المسيحي والحياد

كيف كان ردّ فعل كنائس العالم المسيحي حيال الخدمة العسكرية الالزامية؟‏ اصدر مجلس كنائس جنوب افريقيا قرارا في تموز (‏يوليو)‏ سنة ١٩٧٤ يعلن فيه اعتراضه بسبب الضمير على الخدمة العسكرية الالزامية.‏ لكنّ هذا القرار لم يكتفِ بعرض المسألة من الناحية الدينية،‏ بل احتوى ايضا مضامين سياسية واضحة.‏ فالقرار أيَّد الاعتراض بسبب الضمير على اساس ان الجيش يدافع عن «مجتمع ظالم ومتحيِّز» ويخوض بالتالي حربا غير عادلة.‏ لكنّ الكنائس الافريقانية وغيرها من الكنائس لم توافق على قرار مجلس كنائس جنوب افريقيا.‏

فقد ايَّدت الكنيسة المُصلَحة الهولندية الحكومة في مساعيها العسكرية.‏ ورفضت قرار مجلس الكنائس على اساس انه يخالف روما الاصحاح ١٣‏.‏ وثمة فريق آخر عارض موقف المجلس هو الكهنة الملحَقون بقوات الدفاع الجنوب افريقية،‏ الذين انتمى بعضهم الى كنائس هي اعضاء في هذا المجلس.‏ وفي بيان مشترك،‏ استنكر كهنة الكنائس التي تتكلم الانكليزية القرار،‏ وأعلنوا قائلين:‏ «نحن .‏ .‏ .‏ نحضّ كل عضو في كنائسنا وخصوصا الشبان ان يشتركوا شخصيا في الدفاع عن البلد».‏

فضلا عن ذلك،‏ لم تتخذ كلٌّ من الكنائس الاعضاء في المجلس موقفا واضحا من الحياد.‏ يعترف كتاب الحرب والضمير في جنوب افريقيا ‏(‏بالانكليزية)‏:‏ «معظم [الكنائس] .‏ .‏ .‏ لم تعلن موقفها من المسألة بوضوح،‏ فكيف لها ان تشجِّع اعضاءها على الاعتراض بسبب الضمير؟‏!‏».‏ ويُظهِر هذا الكتاب ان ردّ فعل الحكومة القوي ازاء قرار المجلس بالاضافة الى القوانين الصارمة جعلت الكنائس تتردَّد في التمسك بقناعاتها.‏ يقول:‏ «ان المحاولات الهادفة الى جعل الكنيسة تتخذ خطوات حازمة لدعم موقفها باءت بالفشل».‏

وبالتباين،‏ يعترف هذا الكتاب:‏ «معظم الذين سُجنوا لأنهم اعترضوا على الخدمة العسكرية الالزامية بسبب الضمير كانوا من شهود يهوه».‏ ويضيف:‏ «ركَّز شهود يهوه على حق الانسان في رفض كل الحروب بسبب الضمير».‏

كان موقف الشهود دينيا بحتا.‏ صحيح انهم يعترفون بأن «السلطات الكائنة موضوعة في مراكزها النسبية من قِبَل اللّٰه»،‏ لكنهم يحافظون على حيادهم السياسي.‏ (‏روما ١٣:‏١‏)‏ فولاؤهم الرئيسي هو ليهوه الذي يُظهِر في كلمته الكتاب المقدس ان عبّاده الحقيقيين لا يشتركون في الحروب.‏ —‏ اشعيا ٢:‏٢-‏٤؛‏ اعمال ٥:‏٢٩‏.‏

بعد سنوات عديدة من سَجن الاخوة بسبب حيادهم المسيحي،‏ بدا واضحا ان شهود يهوه لن يتخلّوا عن موقفهم ليتجنبوا المعاملة القاسية.‏ فضلا عن ذلك،‏ اكتظت السجون العسكرية بالسجناء وراحت وسائل الاعلام تندِّد بما يحصل فيها.‏ فضغط بعض المسؤولين الحكوميين على السلطات المعنية لكي ترسل الاخوة الى سجون مدنية.‏

لكنّ بعض المسؤولين العسكريين الذين يقدِّرون الشهود لم يوافقوا على ذلك لأنهم يحترمون اخوتنا الشبان بسبب مقاييسهم الادبية الرفيعة.‏ فإذا أُرسل الاخوة الى سجون مدنية،‏ فسيُدوَّن في سجلهم العدلي انهم مجرمون.‏ كما انهم سيتواجدون مع اسوإ العناصر في المجتمع وسيتعرَّضون لخطر الاغتصاب.‏ لذلك صُنعت الترتيبات ليقوموا بخدمات اجتماعية في الدوائر الحكومية التي لا صلة لها بالجيش.‏ وعندما تغيَّر المناخ السياسي في البلد في تسعينات القرن العشرين،‏ أُلغيت الخدمة العسكرية الالزامية.‏

اي اثر تركه السجن مدة طويلة في اخوتنا الشبان هؤلاء خلال هذه المرحلة المهمة من حياتهم؟‏ كثيرون صنعوا سجلا حسنا من الخدمة الولية ليهوه واغتنموا هذه الفرصة بحكمة لدرس كلمة اللّٰه والنمو روحيا.‏ يقول كليف وليمز:‏ «شكَّل وجودي في السجن العسكري نقطة تحوُّل في حياتي.‏ فالدليل الواضح على حماية يهوه وبركته في هذه الفترة دفعني الى صرف المزيد من الوقت في تعزيز مصالح الملكوت.‏ وبعيد اطلاق سراحي عام ١٩٧٣،‏ انخرطت في الفتح العادي وفي السنة التالية ذهبت الى بيت ايل ولا ازال اخدم هناك».‏

قال ستيڤن ڤنتر،‏ الذي كان بعمر ١٧ سنة حين أُرسل الى السجن العسكري:‏ «كنت ناشرا غير معتمد ومعرفتي للحق محدودة.‏ لكن الدعم الروحي الذي نلته من مناقشات الآية اليومية —‏ التي كنا نجريها في الصباح ونحن ننظف الارض —‏ والاجتماعات المنتظمة ودرس الكتاب المقدس الذي عقده معي اخ اكثر خبرة ساعدتني على احتمال الوضع.‏ صحيح انني مررت ببعض الاوقات العصيبة،‏ لكنَّ ما يذهلني الآن هو انني بالكاد اتذكرها!‏ وفي الواقع،‏ قد تكون السنوات الثلاث التي قضيتها في السجن افضل سنوات حياتي.‏ فما اختبرته ساعدني على الانتقال من الحداثة الى الرجولة.‏ وعندما تعرَّفت بيهوه جيدا اندفعت الى الانخراط في الخدمة كامل الوقت».‏

ادّى سَجن اخوتنا ظلما الى نتائج ايجابية.‏ كتب ڠيدِيِن بينادي،‏ الذي زار الاخوة في السجن العسكري:‏ «حين اتذكر الماضي ادرك كم كانت شهادة الاخوة فعّالة».‏ فاحتمال اخوتنا والتقارير الاخبارية الكثيرة عن محاكماتهم والعقوبات التي أُنزلت بهم خلَّفت سجلا لا يُمحى حول موقف شهود يهوه الحيادي.‏ وهذا السجل كان له اثر كبير في الجنود والمسؤولين في الجيش وفي البلد ككل.‏

استقامة الاخوة السود

خلال السنوات الاولى من حكم نظام الأپارتيد،‏ لم يواجه الاخوة السود امتحانات الحياد نفسها التي واجهها الاخوة البيض.‏ على سبيل المثال،‏ لم يُستدعَ السود الى الخدمة العسكرية.‏ ولكن عندما بدأت الاحزاب السياسية السوداء تقاوم سياسة التمييز العنصري،‏ واجه الاخوة السود امتحانات قاسية.‏ فالبعض قُتلوا او ضُربوا،‏ وهرب آخرون بعدما أُحرقت بيوتهم وممتلكاتهم،‏ وكل ذلك لأنهم رفضوا التخلّي عن حيادهم.‏ نعم،‏ كانوا عاقدي العزم على اطاعة وصية يسوع ‹ألّا يكونوا جزءا من العالم›.‏ —‏ يوحنا ١٥:‏١٩‏.‏

فرضت بعض الاحزاب السياسية على كل شخص في منطقتها ان يشتري بطاقة الحزب.‏ وقام ممثِّلون عن هذه الاحزاب بزيارة الناس في بيوتهم وطلب المال منهم لشراء الاسلحة،‏ او لتسديد نفقات المآ‌تم التي أُقيمت لرفقائهم الذين ماتوا في المعارك مع قوات الامن البيض.‏ رفض الاخوة السود باحترام دفع المال،‏ فاتُّهموا بالتجسُّس لحكومة التمييز العنصري.‏ فضلا عن ذلك،‏ هوجم بعض الاخوة والاخوات اثناء اشتراكهم في خدمة الحقل واتُّهموا بالترويج لمصالح الافريقانيين البيض.‏

خُذْ على سبيل المثال إلايجا دْلودْلو،‏ الذي تخلَّى عن مهنة واعِدة في الرياضة ليصير واحدا من خدام يهوه المنتذرين.‏ فقبل اسبوعين من الانتخابات الديموقراطية التي كانت ستُجرى لأول مرة في جنوب افريقيا،‏ اشتد التوتر بين مجموعات السود المتنافسة.‏ في هذه الاثناء،‏ قررت الجماعة التي ينتمي اليها إلايجا ان تغطي مقاطعة معيّنة لها نادرا ما تُخدم،‏ وتقع هذه المقاطعة على بُعد عدة كيلومترات.‏ فعُيِّن إلايجا الذي كان قد اعتمد منذ شهرين ليخدم هناك مع صبيَّين هما ناشران غير معتمدَين.‏ وأثناء تكلُّمه مع امرأة عند الباب،‏ تصدّى لهم فريق من الاحداث ينتمي الى احدى الحركات السياسية.‏ وسأل قائدُهم الذي كان يحمل بيده سوطا جلديا ثخينا:‏ «ماذا يجري هنا؟‏».‏

اجابت ربة المنزل:‏ «نحن نتحدث عن الكتاب المقدس».‏

فتجاهلها وقال بغضب لإلايجا ورفيقَيه:‏ «انتم الثلاثة انضموا الينا.‏ فالوقت الآن ليس للكتاب المقدس بل للمحاربة من اجل حقوقنا».‏

اجابه إلايجا بجرأة:‏ «لا يمكننا الانضمام اليكم لأننا نخدم يهوه».‏

عندئذ دفع الرجل إلايجا وبدأ يضربه بالسوط.‏ وراح يصرخ مع كل ضربة:‏ «انضم إلينا!‏».‏ بعد الضربة الاولى لم يعد إلايجا يشعر بالألم.‏ وقد استمدّ القوة من كلمات الرسول بولس ان جميع المسيحيين الحقيقيين «سيُضطهدون».‏ —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١٢‏.‏

اخيرا تعب الرجل وتوقف عن الضرب.‏ وبعد قليل،‏ انتقده احد المهاجمين قائلا ان إلايجا ليس من مجموعتهم،‏ مما ادَّى الى انقسام الفريق.‏ فراحوا يتقاتلون فيما بينهم،‏ وتلقَّى القائد ضربة قوية بسوطه الخاص.‏ في هذه الاثناء،‏ هرب إلايجا ورفيقاه.‏ إلا ان هذا الامتحان قوَّى ايمان إلايجا،‏ واستمر يتقدم روحيا ويخدم ككارز شجاع بالبشارة.‏ واليوم،‏ إلايجا هو رب عائلة وشيخ في جماعته.‏

اعربت اخواتنا السوداوات ايضا عن شجاعة كبيرة في وجه الضغط الذي اختبرنه للتوقف عن الكرازة.‏ تأمل في مثال فلورا ماليندا.‏ فابنتها المعتمدة،‏ ماكي،‏ ماتت حرقا على يد حشد من المراهقين الرعاع لأنها حاولت ان تدافع عن اخيها الذي رفض الانضمام الى حركتهم السياسية.‏ لكنَّ فلورا لم تدع هذه الفاجعة تنغِّص عيشها،‏ بل استمرت في الكرازة بكلمة اللّٰه لجيرانها.‏ وذات يوم،‏ امرها ممثِّلون من الحركة السياسية التي تسبَّبت بقتل ابنتها ان تنضم اليهم،‏ وإلا فلن تسلم من العواقب.‏ فهبّ جيرانها لمساعدتها موضحين انها غير منحازة سياسيا،‏ بل هي منشغلة بمساعدة الناس على درس الكتاب المقدس.‏ فأدَّى ذلك الى جدال بين هؤلاء الناشطين،‏ وقرَّروا أخيرا ان يدَعوها وشأنها.‏ وخلال كل ذلك الوقت العصيب،‏ استمرت فلورا بأمانة تخدم كفاتحة عادية وهي لا تزال حتى الآن تقوم بهذا العمل.‏

يصف فاتح عادي ما حدث له ذات يوم وهو ذاهب بالباص الى مقاطعته.‏ فقد دفعه احد الشبان الناشطين سياسيا وسأله لماذا يحمل مطبوعات من اصدار الافريقانيين ويبيعها للسود.‏ يوضح الاخ ما حدث بعد ذلك:‏ «امرني ان ارمي المطبوعات من نافذة الباص.‏ ولأنني رفضت،‏ صفعني على وجهي وأطفأ سيجارته على خدِّي.‏ غير اني لم انبس بكلمة.‏ ثم انتزع مني حقيبة المطبوعات ورماها من النافذة.‏ كما انتزع ربطة عنقي قائلا انها لباس الرجل الابيض.‏ واستمر يهينني ويسخر بي قائلا ان رجلا مثلي يجب ان يُحرق حيًّا.‏ لكنّ يهوه انقذني منه لأنني استطعت ان انزل من الباص دون ان يَلحق بي اذى اضافي.‏ ولم يثنني هذا الاختبار عن مواصلة الكرازة».‏

تسلَّم فرع جنوب افريقيا رسائل كثيرة من الشهود والجماعات تخبر عن استقامة الاخوة السود.‏ وإحدى هذه الرسائل اتت من شيخ في جماعة في كوازولو-‏ناتال.‏ تقول الرسالة:‏ «نكتب اليكم لنُعلِمكم بوفاة اخينا العزيز موسِس نياموسُوَا.‏ فقد كان يعمل في تلحيم وتصليح السيارات.‏ وذات يوم،‏ طلبت منه مجموعة سياسية ان يلحم بنادقهم المحلية الصنع فرفض طلبهم.‏ ثم في ١٦ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٢،‏ اثناء تجمُّع سياسي لهم،‏ نشب قتال بينهم وبين المنتمين الى المجموعة المعارضة لسياستهم.‏ وفي طريق عودتهم من المعركة مساء ذلك اليوم نفسه،‏ التقوا الاخ موسِس الذي كان ذاهبا الى مركز التسوُّق،‏ فقتلوه هناك بحِرابهم.‏ وماذا كانت حجتهم؟‏ قالوا:‏ ‹قُتل رفاقنا في المعركة لأنك رفضت تلحيم بنادقنا›.‏ ومع ان ذلك كان صدمة كبيرة جدا للإخوة،‏ ولكننا سنواصل خدمتنا».‏

المقاومة في المدارس

نشأت المشاكل في مدارس المناطق المخصصة لغير البيض لأن اولاد الشهود لم يشتركوا في الصلوات والتراتيل الدينية اثناء الاجتماعات الصباحية.‏ اما في مدارس التلامذة البيض فلم يشكِّل ذلك اية مشكلة.‏ ولم يكن على الوالدين الا ان يبعثوا برسالة يوضحون فيها موقفهم،‏ فيُعفى اولادهم من هذا الواجب.‏ لكنّ رفض الاشتراك في الطقوس الدينية في مدارس السود اعتُبر تحدِّيا للسلطة المدرسية.‏ فالاساتذة لم يعتادوا هذا النوع من الرفض.‏ وحين كان الوالدون يأتون الى المدرسة ويوضحون موقفهم،‏ كان الاساتذة يقولون انهم لن يستثنوا اولاد الشهود من الاشتراك في الطقوس الدينية.‏

وأصرَّت السلطات المدرسية ان يحضر اولاد شهود يهوه الاجتماعات الصباحية لأن الاعلانات المتعلقة بالمدرسة تُلقى في هذا الوقت.‏ فكان الاولاد يحضرون،‏ لكنهم يقفون هادئين اثناء التراتيل والصلوات من دون ان يشتركوا فيها.‏ وكان بعض المعلِّمين يسيرون بمحاذاة صفوف التلامذة ليتحققوا إن كان الاولاد يغمضون اعينهم اثناء الصلوات ويرتِّلون التراتيل الدينية.‏ ومن المفرح ان اولاد الشهود حافظوا بشجاعة على استقامتهم،‏ مع ان البعض منهم كانوا صغارا جدا.‏

بعد ان طُرد من المدارس عدد كبير من الاولاد،‏ قرَّر الاخوة ان يلجأوا الى المحكمة.‏ وفي ١٠ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٧٦،‏ اصدرت المحكمة العليا في جوهانسبورغ قرارا يتعلق بقضية مهمة شملت ١٥ تلميذا وتلميذة في مدرسة واحدة.‏ وذكر نص القرار:‏ «أقرّ المدَّعى عليهم .‏ .‏ .‏ بحق اولاد اصحاب الدعوى في الامتناع عن الاشتراك في الصلوات والتراتيل،‏ وأقرّوا .‏ .‏ .‏ ايضا ان تعطُّلهم عن الدراسة وطردهم .‏ .‏ .‏ يخالفان القانون».‏ لقد شكَّل هذا القرار انتصارا قانونيا،‏ وأخيرا حُلَّت هذه المسألة في كل المدارس.‏

مشاكل اخرى في المدارس

واجه كثيرون من اولاد الشهود في المدارس المخصصة للبيض امتحانا مختلفا ادَّى الى طردهم من المدرسة.‏ فقد ارادت حكومة التمييز العنصري ان تهيِّئ الاحداث البيض لدعم ايديولوجيتها.‏ فوضعت موضع العمل سنة ١٩٧٣ برنامجا يُدعى إعداد الشبيبة.‏ وقد شمل هذا البرنامج التدريب على المشية العسكرية،‏ الدفاع عن النفس،‏ ونشاطات وطنية اخرى.‏

فأجرى بعض الوالدين الشهود استشارات قانونية ورفعوا المسألة الى وزير التربية،‏ ولكن دون جدوى.‏ فقد ادّعى الوزير ان برنامج إعداد الشبيبة هو برنامج تثقيفي محض.‏ وراحت الحكومة تشوِّه سمعة شهود يهوه في هذه القضية.‏ لكنَّ بعض مدراء المدارس كانوا متسامحين،‏ فأعفوا الاولاد من اوجه البرنامج التي تخالف الاسفار المقدسة.‏ اما غيرهم من المدراء فقد طردوا الاولاد من المدرسة.‏

استطاع قليلون من الوالدين المسيحيين ان يضعوا اولادهم في مدارس خاصة بسبب النفقات الباهظة.‏ ورتَّب البعض ان يتعلم اولادهم بالمراسلة.‏ اما الشهود الذين هم اساتذة فقد علَّموا اولادهم في البيت.‏ رغم ذلك،‏ لم يُكمِل كثيرون من الاولاد تعليمهم الثانوي الاساسي.‏ إلا انهم استفادوا من تدريب الاسفار المقدسة في البيت وفي جماعاتهم.‏ (‏اشعيا ٥٤:‏١٣‏)‏ حتى ان عددا منهم انخرط في الخدمة كامل الوقت.‏ وسُرَّ هؤلاء الاحداث الشجعان بالاحتمال تحت المحن،‏ واضعين كامل ثقتهم في يهوه.‏ (‏٢ بطرس ٢:‏٩‏)‏ ومع الوقت تغيَّر المناخ السياسي في البلد،‏ ولم يعد يُطرد اولادنا بسبب رفض الاشتراك في النشاطات الوطنية.‏

المحافل وسياسة التمييز العنصري

تطلبت قوانين البلد ان تُعقَد محافل منفصلة لكل مجموعة عرقية.‏ وأول محفل اجتمعت فيه كل العروق في مكان واحد هو المحفل الذي عُقد على صعيد البلد في مدرَّج ويمبلي بجوهانسبورغ عام ١٩٥٢.‏ وآنذاك،‏ زار الاخوان نور وهنشل جنوب افريقيا وقدَّما خطابات في هذا المحفل.‏ وإذعانًا لقوانين التمييز العنصري،‏ وجب ان تجلس المجموعات العرقية كلٌّ على حدة.‏ فجلس البيض في الجانب الغربي،‏ السود في الجانب الشرقي،‏ والملوَّنون والهنود في الجانب الشمالي.‏ كما وجب ان يبقوا منفصلين بعضهم عن بعض حتى في الكفيتيريا.‏ وبالرغم من هذه القيود،‏ كتب الاخ نور عن ذلك المحفل:‏ «من المفرح اننا اجتمعنا كلنا في الملعب نفسه لنقدِّم العبادة ليهوه في زينة مقدسة».‏

في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٧٤،‏ كان هنالك ثلاثة محافل في منطقة جوهانسبورغ،‏ واحد للسود وواحد للملوَّنين والهنود وآخر للبيض.‏ ولكن صُنع ترتيب خصوصي لليوم الاخير من المحفل،‏ فقد رتَّب الاخوة ان تجتمع في فترة بعد الظهر كل العروق معا في مدرَّج راند بجوهانسبورغ.‏ فتدفق على المدرَّج ٤٠٨‏,٣٣ اشخاص.‏ وكم كانت مناسبة مبهجة!‏ فجميع الاخوة من كل العروق جلسوا معا وعاشروا واحدهم الآخر بحرية.‏ فضلا عن ذلك،‏ كان بين الحضور كثيرون من اوروبا،‏ الامر الذي جعل هذا المحفل مناسبة لا تُنسى.‏ ولكن كيف استطاع الاخوة فعل ذلك؟‏ لقد حجز منظِّمو المحفل مدرَّجا أُعِدّ خصوصا للأحداث الدولية التي تشمل مختلف العروق،‏ دون ان يكونوا على علم بذلك اثناء الحجز.‏ وهكذا لم تكن هنالك حاجة الى إذن للاختلاط معا في هذه الفترة.‏

عقد محفل رغم التحامل

قبل سنوات،‏ صُنعت الترتيبات لعقد محفل على صعيد البلد في جوهانسبورغ.‏ لكنّ ممثِّلا عن الحكومة من العاصمة الادارية پريتوريا قام بزيارة مكاتب الحكومة في جوهانسبورغ التي تعالج شؤون البانتو (‏السكان السود)‏ ولاحظ من خلال المحاضر ان شهود يهوه حجزوا موفولو پارك لعقد محفل للاخوة السود.‏

فأخبر الحكومة في پريتوريا بالامر.‏ وعلى الفور،‏ قامت وزارة شؤون البانتو بإلغاء الحجز بحجة اننا لسنا «دينا معترفا به».‏ وكان الاخوة البيض قد حجزوا في الوقت نفسه ميلنِر پارك شُو غراوندز في وسط جوهانسبورغ لعقد محفلهم،‏ والاخوة الملوَّنون يونيون ستاديوم في الضواحي الغربية للمدينة.‏

ذهب أخَوان من بيت ايل لمقابلة ممثِّل الحكومة،‏ وصدف انه كان سابقا رجل دين في الكنيسة المُصلَحة الهولندية.‏ فذكر له الاخوان اننا نعقد محافلنا منذ سنوات في موفولو پارك،‏ وأن الاخوة البيض والاخوة الملوَّنين سيعقدون محفلهم،‏ فلِمَ يُحرَم اخوتنا السود من حق الاجتماع معا؟‏ لكنه لم يغيِّر رأيه.‏

وبما ان موفولو پارك يقع في الجانب الغربي من جوهانسبورغ،‏ فقد قرَّر هذان الاخوان ان يحاولا الترتيب لعقد المحفل في الجانب الشرقي من المدينة،‏ حيث توجد ايضا مناطق كبيرة للسود.‏ وقابلا المدير المسؤول عن شؤون البانتو،‏ لكنهما لم يخبراه انهما اجتمعا بممثِّل الحكومة في پريتوريا.‏ وحين سألاه عن مكان لعقد المحفل،‏ تعامل معهما بلطف ورتَّب ان يُعقَد المحفل في واتڤيل ستاديوم.‏ وبخلاف موفولو پارك،‏ ضمّ واتڤيل ستاديوم صفوفا من المقاعد تتسع لعدد كبير من الحضور.‏

أُعلم جميع الاخوة على الفور بتغيير الموقع،‏ وعُقد المحفل دون اية عراقيل او تدخُّل من السلطات في پريتوريا.‏ وكان عدد الحضور نحو ٠٠٠‏,١٥ شخص.‏ وبقي الاخوة لسنوات يعقدون محافلهم في واتڤيل ستاديوم دون اية مشاكل.‏

تأسيس جمعية شرعية

في ٢٤ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٨١ تأسست بناءً على توجيهات الهيئة الحاكمة جمعية شرعية تألفت من ٥٠ عضوا،‏ ودُعيت «شهود يهوه في جنوب افريقيا».‏ وقد ساهمت هذه الجمعية بعدة طرائق في تعزيز المصالح الروحية.‏

مثلا،‏ حاول الاخوة في الفرع طوال سنوات ان يحصلوا على ترخيص يخوِّل بعض الشهود إجراء مراسم الزواج.‏ يتذكر فرانس مولر:‏ «في كل مرة،‏ كان المسؤولون في الحكومة يرفضون طلبنا بحجة ان ديننا ليس شرعيا ووضعه غير مستقر في البلد.‏ ولذلك لن يمنحونا ترخيصا لإجراء مراسم الزواج».‏

فضلا عن ذلك،‏ كان من المستحيل الحصول على رخصة لبناء قاعات ملكوت في مناطق السود دون ان يكون الشهود جمعية شرعية.‏ فقد كانت الحجة التي تذرعت بها السلطات لدى رفضها طلب الاخوة:‏ «لستم دينا معترفا به».‏

لكن بُعيد تأسيس الجمعية،‏ مُنح الاخوة ترخيصا بعقد مراسم الزواج.‏ وسُمح لهم ايضا ببناء قاعات الملكوت في مناطق السود.‏ والآن،‏ هنالك اكثر من ١٠٠ شيخ يعقدون مراسم الزواج في قاعات الملكوت،‏ اي دون ان يُجري الرفيقان مسبقا في المحكمة مراسم الزواج المدني.‏

تغييرات جذرية في الطباعة

مع مرور الوقت،‏ كانت اساليب الطباعة تتغير بسرعة ومعدات الطباعة تصير عتيقة الطراز.‏ كما ان قطع الغِيار اصبحت نادرة وغالية جدا.‏ لذلك قرَّر الاخوة ان الوقت قد حان للانتقال الى التنضيد التصويري بواسطة الكمبيوتر وطباعة الأوفست.‏ فاشتروا اجهزة كمبيوتر لتجميع المعلومات والتنضيد التصويري.‏ وعام ١٩٧٩،‏ رُكِّبت مطبعة أوفست دوَّارة (‏TKS)‏ كانت هبة سخية من فرع اليابان.‏

وبما ان شهود يهوه ينتجون مطبوعاتهم بلغات كثيرة،‏ فقد ادركوا مسبقا كم سيستفيدون اذا طوَّروا نظامهم الخاص للتنضيد التصويري.‏ فبدأ الاخوة في بروكلين،‏ نيويورك،‏ العمل عام ١٩٧٩ على تطوير نظام دُعي لاحقا نظام التنضيد التصويري الالكتروني المتعدِّد اللغات (‏MEPS)‏.‏ ورُكِّبت اجهزة الـ‍ MEPS في جنوب افريقيا عام ١٩٨٤.‏ وهكذا باستعمال الكمبيوتر في الترجمة والتنضيد التصويري،‏ صار بإمكان الشهود ان يصدروا المطبوعات بلغات عديدة في آن واحد.‏

التخطيط مسبقا لمزيد من النمو

في اوائل ثمانينات القرن العشرين،‏ لم يعد مجمَّع بيت ايل في إلَنْسْفونْتايْن يسدّ الحاجات المتزايدة في الحقل.‏ لذلك جرى شراء ارض في مدينة كْروجَرْزْدورپ،‏ التي تبعد عن جوهانسبورغ مسافة ٣٠ دقيقة بالسيارة.‏ وقد بلغت مساحة هذه الارض ٨٧ هكتارا،‏ وهي منطقة جميلة تكثر فيها التلال ويمرّ عند طرفها جدول ماء عذب.‏ فترك كثيرون من الاخوة اشغالهم ليعملوا في مشروع البناء هذا،‏ كما استخدم آخرون ايام عطلتهم لتقديم المساعدة.‏ وأتى بعض المتطوعين من بلدان اخرى،‏ مثل نيوزيلندا والولايات المتحدة.‏ وانتهى البناء بعد ست سنوات من العمل.‏

في تلك الفترة،‏ كان لا يزال صعبا على الاخوة ان يحصلوا على اذن للشهود السود،‏ ومعظمهم من المترجمين،‏ بالمكوث في بيت ايل.‏ فقد مُنح الإذن لعشرين شخصا فقط،‏ ولكن لزم ان يُبنى لهم مسكن منفصل.‏ وبمرور الوقت،‏ صارت الحكومة اكثر تساهلا في تطبيق سياسة التمييز العنصري واستطاع الاخوة من جميع العروق ان يسكنوا معا في بيت ايل.‏

فرحت العائلة كثيرا ببيت ايل الجديد الجميل وبغرفه الفسيحة الحسنة التصميم.‏ فقد تألف من ثلاثة طوابق يزيِّن واجهتها الآجر الاحمر وتحيط بها الحدائق الجميلة.‏ عندما ابتدأ عمل البناء في كْروجَرْزْدورپ،‏ كان عدد الشهود النشاطى في جنوب افريقيا ٠٠٠‏,٢٨.‏ وبحلول وقت التدشين،‏ في ٢١ آذار (‏مارس)‏ ١٩٨٧،‏ ازداد العدد الى ٠٠٠‏,٤٠.‏ مع ذلك،‏ تساءل البعض إن كان من الضروري ان يُشيَّد هذا البناء الضخم.‏ فأحد الطوابق في القسم المخصص للمكاتب لم يكن يُستعمل،‏ وأحد اجنحة السكن كان شاغرا.‏ فقد اخذ الاخوة في الاعتبار النمو المستقبلي،‏ وكانوا على ثقة بأن هذه المنشآ‌ت الجديدة ستسدّ الحاجة.‏

سدّ حاجة اساسية

نشأت حاجة ملحة الى المزيد من قاعات الملكوت بسبب ازدياد عدد الجماعات.‏ فالاخوة في المناطق التي يتألف معظم سكانها من السود كانوا يعقدون اجتماعاتهم في ظروف غير ملائمة.‏ فقد استخدموا المرائِب والمخازن والاسطبلات،‏ فضلا عن غرف الصفوف في المدارس،‏ حيث كانوا يجلسون على مقاعد مصممة للاولاد الصغار.‏ وكان عليهم ايضا ان يحتملوا الفرق الدينية الاخرى التي كانت تستخدم الصفوف في المدرسة نفسها.‏ فقد كانت هذه الفرق ترتِّل بأصوات عالية وتقرع الطبول محدثةً ضجة تصمّ الآذان.‏

في اواخر ثمانينات القرن العشرين،‏ اخذت لجان البناء الاقليمية تجرِّب طرائق بناء جديدة لتسريع العمل على تشييد قاعات الملكوت.‏ وفي سنة ١٩٩٢،‏ تطوع ١١ شاهدا كنديا خبيرا بمشاريع البناء السريع لتقديم المساعدة في بناء قاعة ملكوت مزدوجة —‏ مبنى من طابقين —‏ في هيلبْرو بجوهانسبورغ.‏ وبفضل ما يملكه هؤلاء الشهود من خبرة،‏ ساعدوا الاخوة المحليين على تطوير مهاراتهم وتحسين طرائق البناء التي يتّبعونها.‏

وعام ١٩٩٢،‏ شُيِّدت اول قاعة ملكوت بطريقة البناء السريع في ديپْكْلوف،‏ سُوِيتو.‏ وقد كان الاخوة منذ سنة ١٩٦٢ يحاولون الحصول على عقار لبناء قاعة في هذه المنطقة.‏ ومنهم الاخ زِكَرايا سِديبي الذي حضر تدشين هذه القاعة في ١١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٢.‏ قال بابتسامة عريضة:‏ «حين كنا في سن الشباب،‏ اعتقدنا اننا لن نتمكن من حيازة قاعة ملكوت.‏ ومع انني الآن في سن التقاعد،‏ صار لدينا اخيرا قاعة ملكوت،‏ وهي اول قاعة تُبنى خلال ايام في سُوِيتو».‏

يوجد اليوم ٦٠٠ قاعة ملكوت في البلدان التي يشرف عليها فرع جنوب افريقيا.‏ وهذه القاعات هي مراكز لعبادة يهوه النقية.‏ ولكن لا تزال هنالك حاجة الى بناء قاعات ملكوت لنحو ٣٠٠ جماعة يتألف كل منها من ٣٠ ناشرا او اكثر.‏

تعمل ٢٥ لجنة بناء اقليمية تحت اشراف مكتب الفرع،‏ وتقدِّم المساعدة العملية للجماعات التي تريد بناء قاعة.‏ وبإمكان الجماعات ان تحصل على قروض بدون فائدة لتمويل مشاريع بناء قاعاتها الخاصة.‏ يساعد پيتر بَت في بناء قاعات الملكوت منذ اكثر من ١٨ سنة،‏ وهو عريف لجنة البناء الاقليمية في ڠوتنڠ.‏ وقد قال ان معظم الاخوة في هذه اللجان هم ارباب عائلات ولديهم اعمال دنيوية ايضا،‏ ومع ذلك يضحّون بفرح بالكثير من وقتهم من اجل اخوتهم.‏

وأوضح عضو آخر في لجان البناء الاقليمية،‏ ياكوپ راوتِنباخ،‏ ان اعضاء اللجان غالبا ما يعملون في الموقع خلال كامل فترة البناء.‏ فضلا عن ذلك،‏ انهم يشتركون في كل اعمال التخطيط التي تسبق البدء بالعمل.‏ ويصف الاخ ياكوپ بحماس السعادة وروح التعاون بين العمال المتطوعين.‏ فهم يدفعون المال من حسابهم الخاص لكي يذهبوا الى موقع البناء الذي يكون احيانا على بُعد مسافة طويلة.‏

وقال ياكوپ ان اخوة كثيرين يتبرعون بفرح بوقتهم ومواردهم لعمل بناء قاعات الملكوت،‏ وقدَّم هذا المثال:‏ «ترتِّب اختان في الجسد لديهما شركة نقل خاصة ان تُنقَل حاوية معداتنا البالغ طولها ١٣ مترا الى مواقع البناء في كل انحاء البلد —‏ حتى في البلدان المجاورة —‏ وهما تفعلان ذلك منذ سنة ١٩٩٣.‏ يا له من تبرع سخي!‏ وعندما ترى شركات كثيرة نتعامل معها العمل الذي نقوم به،‏ تندفع الى مساعدتنا من خلال تقديم التبرعات او الحسومات».‏

بعد التخطيط الجيد وتنظيم فِرَق العمل،‏ غالبا ما يبني الاخوة القاعة في ثلاثة ايام،‏ مما يساهم في كسب احترام كثيرين من المشاهدين.‏ ذات مرة،‏ وقبيل نهاية اليوم الاول من العمل في احد المواقع،‏ اقترب من الاخوة رجلان كانا قد اكثرا من شرب الكحول في احد البارات المجاورة.‏ وأوضحا لهم انهما يسيران عادة في ارض خالية من البناء ليذهبا الى بيتهما،‏ اما الآن فهناك قاعة في الارض.‏ وسألاهم عن الطريق الذي يجب ان يسلكاه لأنهما تائهان.‏

روح التضحية بالذات

ان التغييرات السياسية التي حدثت في اوائل تسعينات القرن العشرين لم تجلب السلام والاستقرار.‏ بل على العكس،‏ ادَّت الى اندلاع الكثير من اعمال العنف بشكل لم يسبق له مثيل.‏ فقد كان الوضع معقدا جدا والناس يرتكبون العنف لأسباب كثيرة يعود معظمها الى المنافسة السياسية والاستياء من الوضع الاقتصادي.‏

رغم ذلك،‏ استمر عمل بناء قاعات الملكوت.‏ وكان المتطوعون من عروق مختلفة يدخلون مناطق السود برفقة الاخوة المحليين.‏ ولكن ذات يوم،‏ هاجم الرعاع الغاضبون بعض المتطوعين.‏ فأثناء بناء احدى القاعات في سُوِيتو عام ١٩٩٣،‏ قام حشد من الرعاع العنفاء برشق ثلاثة اخوة من البيض بالحجارة.‏ وكان هؤلاء الاخوة في طريقهم الى موقع القاعة على متن شاحنة محمَّلة بمواد البناء.‏ فتكسَّرت نوافذ الشاحنة كلها وأُصيب الاخوة بجروح.‏ إلا انهم استطاعوا مواصلة القيادة والوصول الى الموقع.‏ وهناك أسرع بهم الاخوة المحليون الى المستشفى عبر طريق اكثر امانا.‏

لم يؤجَّل العمل في المشروع.‏ ففي نهاية الاسبوع التالي،‏ عمل المئات من كل العروق في الموقع بعد اتخاذ تدابير احتياطية.‏ كما اشترك الفاتحون المحليون في شهادة الشوارع في المقاطعة المحيطة بموقع القاعة لتحذير الاخوة المتطوعين لدى ملاحظة اية مشكلة.‏ وبعد ايام قليلة،‏ تعافى الاخوة الثلاثة الذين تأذّوا وعاودوا عملهم في القاعة.‏

تقدِّر الجماعات العمل الدؤوب والتضحيات التي يقوم بها الاخوة المتطوعون للعمل في بناء قاعات الملكوت.‏ مثلا،‏ ساعد الزوجان فاني وإلاين سْميت لأكثر من ١٥ سنة ٤٦ جماعة على بناء قاعاتها،‏ وغالبا ما قطعا مسافات طويلة على حسابهما الخاص.‏

كتبت احدى الجماعات في كوازولو-‏ناتال رسالة الى لجنة البناء الاقليمية تقول فيها:‏ «ضحَّيتم براحة الليل،‏ بالوقت الممتع مع عائلاتكم،‏ بالاستجمام،‏ وبأمور كثيرة لتأتوا الى هنا وتبنوا قاعة لنا.‏ فضلا عن ذلك،‏ نحن نعلم انكم ضحَّيتم ايضا بمبالغ كبيرة من مالكم الخاص لإنجاح المشروع.‏ فليذكركم يهوه ‹بالخير›.‏ —‏ نحميا ١٣:‏٣١‏».‏

يتأثر الجيران بشكل ايجابي عندما يكون للجماعة قاعة ملكوت خاصة بها.‏ والتعليق التالي الذي كتبته احدى الجماعات هو مجرد عيِّنة عما يحصل في جماعات اخرى.‏ وقد جاء فيه:‏ «بعد بناء قاعة الملكوت ازداد عدد الحضور كثيرا،‏ بحيث اضطررنا ان نقسم الجماعة الى فريقين اثناء الخطاب العام ودرس برج المراقبة.‏ وستتشكَّل عما قريب جماعة اخرى».‏

يصعب احيانا على بعض الجماعات الصغيرة في الارياف ان تموِّل بناء قاعة.‏ لكنّ كثيرين يجدون طرائق لجمع الاموال.‏ ففي احدى الجماعات،‏ باع الاخوة بعض الخنازير التي يملكونها.‏ وعندما احتاجوا الى المزيد من المال،‏ باعوا ثورا وحصانا.‏ ثم باعوا ١٥ خروفا،‏ بالاضافة الى ثور وحصان آخرَين.‏ فضلا عن ذلك،‏ تبرعت احدى الاخوات بكل الدهان واشترت اخرى السجاد،‏ كما دفعت اخت ثالثة ثمن الستائر.‏ وأخيرا،‏ بيع ثور وخمسة خِرفان لتسديد ثمن الكراسي.‏

كتبت احدى الجماعات في ڠوتنڠ بعد الانتهاء من بناء وتجهيز قاعتهم:‏ «بعد بناء القاعة،‏ بقينا اسبوعين على الاقل نذهب اليها بعد خدمة الحقل لنتأمل فيها.‏ فلم نستطع الذهاب الى البيت دون رؤية قاعتنا اولا».‏

الآخرون ايضا يلاحظون

غالبا ما يلاحظ المجتمع الجهود التي يبذلها شهود يهوه لكي تكون اماكن عبادتهم ملائمة.‏ فقد تسلَّمت الجماعة في أومْلازي،‏ كوازولو-‏ناتال،‏ رسالة تقول جزئيا:‏ «ان ‹جمعية حافِظوا على جمال دوربان› تقدِّر الجهود التي تبذلونها للمحافظة على نظافة المنطقة وتشجِّعكم ايضا على الاستمرار في فعل ذلك.‏ فعملكم الجاد هو ما جعل هذا المكان جميلا.‏ تكرِّس جمعيتنا نفسها لحضّ الناس على عدم رمي القمامة وإبقاء بيئتنا نظيفة.‏ فنحن نؤمن ان النظافة تعزِّز الصحة في المنطقة.‏ لهذا السبب نمدح مواطنينا حين يحافظون على نظافة منطقتنا.‏ نشكركم لأنكم مثال جيد للآخرين.‏ ونشجعكم على مواصلة العمل الذي تقومون به للمحافظة على نظافة أومْلازي».‏

كتبت ايضا احدى الجماعات:‏ «عندما اقتحم لص قاعتنا الجديدة،‏ تصدّى له الجيران الساكنون بالقرب من القاعة.‏ وقالوا انه يخرِّب ‹كنيستهم› لأنها المبنى الديني الوحيد في الجوار.‏ وضربوه قبل ان يسلِّموه الى الشرطة».‏

سدّ الحاجة الى قاعات ملكوت في افريقيا

عام ١٩٩٩،‏ اعدَّت هيئة يهوه ترتيبا لبناء قاعات ملكوت في البلدان ذات الموارد المحدودة.‏ وأُنشئ في فرع جنوب افريقيا «مكتب قاعات ملكوت اقليمي» لتنظيم عمل البناء في عدد من البلدان الافريقية.‏ فأُرسل ممثِّل عن المكتب الى كل فرع لمساعدة الاخوة على إنشاء «مكتب بناء قاعات الملكوت».‏ وهذا المكتب مسؤول عن شراء الارض وتنظيم «فِرَق بناء قاعات الملكوت».‏ كما أُرسل ايضا خدام امميون لتقديم المساعدة وتدريب الاخوة المحليين.‏

انشأ «مكتب جنوب افريقيا الاقليمي» ٢٥ مكتبا لبناء قاعات الملكوت في افريقيا،‏ وهذه المكاتب تهتم ببناء قاعات الملكوت في ٣٧ بلدا.‏ ومنذ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٩،‏ بُنيت ٢٠٧‏,٧ قاعات في البلدان التي تستفيد من هذا الترتيب.‏ وفي اواسط سنة ٢٠٠٦،‏ كانت هنالك حاجة الى بناء ٣٠٥‏,٣ قاعات ملكوت اخرى في هذه البلدان.‏

تأثيرات التغيير السياسي

تسبَّب الاستياء المتزايد من السياسة العنصرية للحكومة السابقة بحدوث اضطرابات وأعمال عنف كثيرة في البلد.‏ وكان لذلك تأثير مباشر في بعض الشهود.‏ ففي مناطق السود دارت معارك ضارية ولقي كثيرون حتفهم.‏ غير ان معظم الاخوة مارسوا الحذر وواصلوا خدمتهم ليهوه بأمانة خلال ذلك الوقت العصيب.‏ ولكن في احدى الليالي،‏ أُلقيت قنبلة بنزين على منزل احد الاخوة فيما كان هو وعائلته نياما،‏ إلا انهم تمكنوا من الهرب والنجاة بأنفسهم.‏ كتب الاخ لاحقا رسالة الى الفرع يقول فيها:‏ «ايماننا انا وعائلتي اقوى الآن.‏ صحيح اننا خسرنا جميع ممتلكاتنا المادية،‏ لكننا صرنا اقرب الى يهوه وشعبه.‏ لقد ساعدَنا الاخوة ماديا.‏ ونحن نتطلع بشوق الى نهاية نظام الاشياء هذا ونشكر يهوه على فردوسنا الروحي».‏

في ١٠ ايار (‏مايو)‏ ١٩٩٤ ادَّى اول رئيس اسود للبلد،‏ نِلسون مانديلا،‏ قَسَم الرئاسة وتولّى مقاليد الحكم.‏ وكانت المرة الاولى التي يُنتخب فيها الرئيس ديموقراطيا ويُسمح للسود بالانتخاب.‏ فانتشرت روح القومية وسادت البلاد بهجة عارمة.‏ فشكَّل ذلك للبعض من اخوتنا تحدِّيا من نوع آخر.‏

فمن المؤسف ان بعض شهود يهوه خالفوا مبدأ الحياد المسيحي.‏ لكنّ معظم شعب يهوه بقوا حياديين.‏ وكثيرون ممن سايروا ادركوا بعدئذ خطأهم وأعربوا عن توبة اصيلة وتجاوبوا مع التشجيع المؤسس على الاسفار المقدسة.‏

نمو بذار الحق في قلوب الناس

ان بناء المزيد من قاعات الملكوت هو دليل على بركة يهوه،‏ لكنّ الدليل الاقوى هو نمو بذار الحق في قلوب الناس.‏ (‏٢ كورنثوس ٣:‏٣‏)‏ فالناس من مختلف الخلفيات ينجذبون الى الحق.‏ تأمل في بعض الامثلة.‏

سُجن رالسون مولاودزي سنة ١٩٨٦ وحُكم عليه بالاعدام بسبب ارتكابه جريمة قتل.‏ وأثناء وجوده في السجن،‏ عثر على عنوان الفرع في احدى كراساتنا.‏ فبعث برسالة يطلب فيها المساعدة على تعلُّم حق الكتاب المقدس.‏ فسُمح للأخ لِس لي (‏فاتح خصوصي)‏ بزيارته،‏ وابتدأ يدرس معه الكتاب المقدس.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى ابتدأ رالسون يتحدث الى السجناء الآخرين وإلى الحراس عما يتعلمه،‏ واعتمد في السجن في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٠.‏ وفي الوقت الحاضر،‏ يقوم اعضاء الجماعة المحلية بزيارته بانتظام.‏ ويُسمح له بالخروج من زنزانته ساعة في اليوم.‏ فيقضي هذا الوقت في الكرازة للسجناء الآخرين.‏ وقد ساعد ثلاثة اشخاص على التقدم نحو المعمودية،‏ وهو يعقد الآن درسَين في الكتاب المقدس.‏ وقد خُفِّفت عقوبة الاعدام الى السجن المؤبَّد مع احتمال إخلاء سبيله ضمن شروط معينة.‏

اما غيره ممّن انجذبوا الى الحق فكانوا من خلفية مختلفة كليا.‏ فالسيدة كْويني روسّو مثلا هي امرأة مهتمة حضرت درس الكتاب الجَماعي وطلبت بعد ذلك من ناظر درس الكتاب ان يزور ابنها البالغ من العمر ١٨ سنة.‏ وكان هذا الشاب يستعد لامتحان في التعليم المسيحي.‏ وقد دارت مناقشة شيِّقة بينه وبين الاخ،‏ وبدأ يحضر الاجتماعات مع امه.‏ ثم طلبت الام من الاخ ان يزور زوجها جاني الذي اراد ان يطرح بعض الاسئلة.‏ وكان زوجها شيخا في الكنيسة المُصلَحة الهولندية ورئيسا لمجلس الكنيسة.‏ فتحدث الاخ الى الزوج ووافق على درس الكتاب المقدس.‏

كان المحفل الكوري سينعقد في ذلك الاسبوع،‏ فدعا الاخ كْويني الى حضور المحفل.‏ وكم اندهش حين اتت هي وجاني وحضرا الايام الاربعة كلها!‏ فتأثر جاني كثيرا ببرنامج المحفل وبالمحبة بين الشهود.‏ وبدأ ابنهما البالغ من العمر ١٨ سنة وابنهما الاكبر،‏ وهو شماس في الكنيسة،‏ يحضران درس الكتاب المقدس.‏

وقد استقالوا جميعا من الكنيسة وشرعوا على الفور يحضرون الاجتماعات.‏ وحضروا ايضا اجتماعا لخدمة الحقل.‏ فأوضح احد الاخوة لجاني انه لا يستطيع الاشتراك في خدمة الحقل مع الشهود لأنه ليس مؤهَّلا بعد ليكون ناشرا غير معتمد.‏ فأجاب والدموع تنهمر على وجهه انه لم يعد يستطيع السكوت بعد ان وجد الحق الذي قضى حياته يبحث عنه.‏

كان للزوجَين روسّو ابن آخر عمره ٢٢ سنة،‏ وهو طالب في اللاهوت في السنة الثالثة.‏ فبعث جاني برسالة الى ابنه يطلب منه العودة الى المنزل لأنه لن يدفع في ما بعد اقساط دراسته.‏ وبعد ثلاثة ايام من عودة هذا الابن،‏ اشترك جاني وثلاثة من ابنائه في العمل مع الجماعة ليوم واحد في مجمَّع بيت ايل في كْروجَرْزْدورپ.‏ وإذ تأثر هذا الابن بما رآه في بيت ايل،‏ وافق ان يحضر درس الكتاب المقدس مع اخوَيه.‏ وبعد فترة من الدرس،‏ قال انه تعلَّم عن الكتاب المقدس في شهر واحد اكثر مما تعلَّمه في سنتين ونصف في الجامعة.‏

وأخيرا اعتمدت العائلة كلها.‏ والآن،‏ يخدم الاب كشيخ في الجماعة،‏ وبعض ابنائه شيوخ او خدام مساعدون.‏ وواحدة من ابنتيه فاتحة عادية.‏

‏«أطيلي حبالك»‏

رغم ان الاخوة اخذوا في الاعتبار النمو المستقبلي وبنوا اماكن اضافية في بيت ايل،‏ فقد نشأت الحاجة الى المزيد من المباني بعد ١٢ سنة فقط من تدشين المجمّع في كْروجَرْزْدورپ.‏ (‏اشعيا ٥٤:‏٢‏)‏ فخلال تلك الفترة،‏ ازداد عدد الناشرين بنسبة ٦٢ في المئة في جنوب افريقيا وفي البلدان التي يشرف عليها الفرع.‏ فتمَّ بناء مخزن وثلاثة ابنية سكنية جديدة فضلا عن توسيع المغسل ومبنى المكاتب،‏ وأُضيفت غرفة طعام ثانية.‏ وفي ٢٣ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٩،‏ دُشنت كل هذه الابنية التي أُضيفت الى بيت ايل وكُرِّست ليهوه.‏ وقد قدَّم محاضرة التدشين الاخ دانيال سيدليك من الهيئة الحاكمة.‏

ومؤخرا،‏ أُضيف الى المطبعة مبنى جديد مساحته ٠٠٠‏,٨ متر مربع اتَّسع لمطبعة جديدة متطورة جدا (‏MAN Roland Lithoman)‏.‏ وتسلّم الفرع ايضا آلات تقص المجلات،‏ تعُدّها،‏ وتجمعها رزما.‏ وقدَّم فرع المانيا الى فرع جنوب افريقيا خط تجليد يمكِّنه من انتاج كتب مقدسة وكتب اخرى ورقية الغلاف لكافة انحاء افريقيا السوداء.‏

مواقع ملائمة لبناء قاعات المحافل

خطّط الاخوة لبناء العديد من قاعات المحافل بسبب الحاجة الماسة اليها.‏ فبُنيت القاعة الاولى في إيكنهوف،‏ جنوب جوهانسبورغ،‏ وتمّ تدشينها سنة ١٩٨٢.‏ وبُنيت قاعة اخرى للمحافل في بلڤيل،‏ كَيب تاون،‏ وقدّم مِلتون هنشل محاضرة التدشين سنة ١٩٩٦.‏ وفي سنة ٢٠٠١،‏ انتهى بناء قاعة اخرى في ميدراند الواقعة بين پريتوريا وجوهانسبورغ.‏

قاوم الجيران في البداية مشروع البناء في ميدراند،‏ لكنهم غيّروا موقفهم بعدما تعرّفوا بالاخوة ورأوا ما يفعلونه.‏ فقد قدَّم احد الجيران صناديق من الفواكه والخضر مرة كل اسبوعين طوال اكثر من سنة.‏ حتى ان بعض الشركات اندفعت الى تقديم التبرعات.‏ فقدَّمت احداها السماد مجانا من اجل الحدائق.‏ وأرادت شركة اخرى ان تساهم في المشروع فأعطت الاخوة شيكا بقيمة ٠٠٠‏,١٠ راند (‏نحو ٥٧٥‏,١ دولارا اميركيا)‏.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ تبرع الاخوة بسخاء لبناء قاعة المحافل هذه.‏

بدت القاعة جميلة وحسنة التصميم.‏ لكنّ جمالها الحقيقي،‏ كما اشار الاخ ڠاي پيرس (‏عضو في الهيئة الحاكمة)‏ اثناء خطاب التدشين،‏ يكمن في استخدامها لإكرام إلهنا العظيم يهوه.‏ —‏ ١ ملوك ٨:‏٢٧‏.‏

لم تفرِّقهم القوانين البشرية

طوال سنوات،‏ كان من الصعب ايجاد مواقع ملائمة لعقد المحافل في مناطق السود.‏ ففي مقاطعة ليمپوپو،‏ كان الاخوة يعيشون في منطقة محظورة على البيض عُرفت بالمحمية.‏ ولم يقدر ناظر الكورة،‏ الاخ كوري سيخرس،‏ ان يحصل على إذن بدخول تلك المنطقة،‏ وبالتالي لم يتمكن من ايجاد موقع لعقد المحفل.‏

وذات يوم،‏ طلب الاخ سيخرس من رجل لديه مزرعة متاخمة للمحمية ان يأذن للاخوة بعقد المحفل في ارضه.‏ فرفض الرجل طلب الاخ،‏ لكنه سمح له ان يركن مقطورته هناك.‏ وأخيرا،‏ عقد الاخوة المحفل في فسحة خالية من الاشجار في الدغل ضمن المحمية.‏ وكانت هذه الفسحة متاخمة لأرض المُزارع ولا يفصل بينهما سوى سياج من الاسلاك الشائكة.‏ فركن الاخ سيخرس مقطورته في ارض المُزارع قرب الفسحة وقدَّم خطاباته من هناك.‏ وكان السياج هو الفاصل بين الاخوة و «المنبر».‏ وهكذا حضروا برنامج المحفل،‏ وتمكَّن الاخ سيخرس من مخاطبتهم دون ان يخالف القانون.‏

تغيير يفيد الناس في الحقل

اوصت الهيئة الحاكمة بأن تتبع كل الجماعات في جنوب افريقيا،‏ ابتداء من سنة ٢٠٠٠،‏ ترتيب توزيع المطبوعات مجانا على جميع الاشخاص الذين يُظهرون اهتماما حقيقيا.‏ وكان الناشرون سيشجعون هؤلاء الاشخاص على تقديم تبرع زهيد لعملنا التبشيري العالمي النطاق.‏

وقد تبين مع الوقت ان ترتيب التبرع الطوعي هذا مفيد للناس في الحقل وللإخوة ايضا.‏ ففي السابق،‏ لم يكن كثيرون من الاخوة قادرين على شراء المطبوعات لدرس برج المراقبة والكتاب الجَماعي.‏ وفي بعض الجماعات التي تتألف من ١٠٠ ناشر،‏ لم يكن يملك سوى ١٠ اشخاص تقريبا نسخا من برج المراقبة.‏ اما الآن فالجميع لديهم نسخهم الخاصة.‏

وفي السنوات الاخيرة،‏ ازداد العمل كثيرا في قسم التصدير في بيت ايل.‏ ففي ايار (‏مايو)‏ ٢٠٠٢،‏ أُرسل ما مجموعه ٤٣٢ طنا من المواد الى دول افريقية اخرى.‏ وكان معظمها مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏

والآن،‏ تُخزَّن في فرع جنوب افريقيا المطبوعات للفروع في زامبيا،‏ زمبابوي،‏ ملاوي،‏ وموزمبيق.‏ ويشمل ذلك كل المطبوعات بمختلف اللغات التي يتكلمها الناس في تلك الدول.‏ وتُوضّب طلبات كل جماعة وتوضع في شاحنات،‏ مما يتيح نقلها مباشرة الى الشاحنات الخاصة بالفروع التي تسلِّمها بدورها الى المستودعات.‏

ومنذ البدء باتِّباع ترتيب التبرعات،‏ ازداد جدا الطلب على المطبوعات.‏ فقد قفز انتاج المجلات الشهري في جنوب افريقيا من مليون مجلة الى ٤‏,٤ ملايين مجلة.‏ وازدادت كمية المطبوعات المطلوبة بحيث وصل وزنها الى ٨٠٠‏,٣ طن في السنة،‏ مقارنة مع ٢٠٠ طن سنة ١٩٩٩.‏

بالاضافة الى ذلك،‏ يهتمّ فرع جنوب افريقيا بإرسال مواد البناء الى دول افريقية اخرى.‏ كما انه ينظِّم عمل الاغاثة ومنح المساعدات للاخوة المحتاجين.‏ فقد قُدِّمت مرارا المساعدة للشهود الذين هربوا من بيوتهم في ملاوي وسكنوا في المخيمات نتيجة الاضطهاد المرير.‏ وأُرسلت مؤن الاغاثة الى أنغولا التي ضربها جفاف شديد سنة ١٩٩٠.‏ كما أُرسلت شاحنات محملة بالطعام واللباس لسد حاجة كثيرين من الاخوة الذين ألمَّ بهم الفقر نتيجة الحرب الاهلية في ذلك البلد.‏ وفي سنة ٢٠٠٠،‏ قُدِّمت المساعدات للشهود في موزمبيق بعد الفيضان الجارف الذي شهده البلد.‏ وتمّ ارسال اكثر من ٨٠٠ طن من الذرة الصفراء الى الاخوة في زمبابوي الذين عانوا من الجفاف الشديد خلال سنة ٢٠٠٢ وأوائل سنة ٢٠٠٣.‏

تقدم عمل الترجمة

لدى فرع جنوب افريقيا قسم كبير للترجمة.‏ فمنذ عدة سنوات،‏ جرى توسيعه ليلبّي الحاجة المتزايدة الى ترجمة الكتاب المقدس.‏ والآن،‏ هنالك ١٠٢ مترجم يعملون على انتاج المطبوعات بـ‍ ١٣ لغة.‏

وفي الوقت الحاضر،‏ صار الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد متوفرا بسبع لغات محلية.‏ قال احد الاخوة عن الكتاب المقدس بالتشوانية:‏ «انه كتاب سهل الفهم تستسيغه العين والاذن.‏ أودّ ان اشكر يهوه وهيئته الموجهة من الروح على تغذيتنا روحيا».‏

استخدم الاخوة التكنولوجيا الحديثة بهدف مساعدة المترجمين.‏ فقد طلبت الهيئة الحاكمة من بعض الاخوة في المركز الرئيسي في بروكلين ان يعملوا على تطوير برامج كمبيوتر تسهّل عمل المترجمين.‏ ثم طُلب من فرع جنوب افريقيا ان يساعد في هذا المجال.‏ فكانت النتيجة برنامجا للترجمة دُعي «نظام برج المراقبة للترجمة».‏ وفي الوقت الحاضر،‏ يستخدم المترجمون حول العالم هذا البرنامج.‏

لم يحاول الاخوة إعداد برامج كمبيوتر تقوم بعمل الترجمة الفعلي —‏ الامر الذي فعلته بعض الشركات الدنيوية ولاقت نجاحا محدودا —‏ بل كثَّفوا جهودهم لتزويد ادوات مساعدة للمترجمين.‏ مثلا،‏ زُوِّد المترجمون بترجمات للكتاب المقدس على الكمبيوتر.‏ وصار بإمكانهم ايضا إعداد قواميسهم الالكترونية الخاصة واستعمالها في الترجمة.‏ وتبين ان هذه القواميس نافعة جدا بسبب افتقار بعض اللغات المحلية الى قواميس تفي بالغرض.‏

زرع بذار الحق في حقل الصمّ

يحاول الناشرون ايصال رسالة الملكوت الى كل الناس،‏ بمن فيهم الصمّ.‏ ورغم ان التواصل مع هؤلاء الاشخاص صعب جدا،‏ لكنّ النتائج مفرحة.‏ ففي ستينات القرن العشرين،‏ ابتدأت جُون كاريكاس تدرس الكتاب المقدس مع سيدة صمّاء.‏ وتقدّمت السيدة هي وزوجها الاصمّ ايضا واعتمدا رمزا الى انتذارهما.‏

ومنذ ذلك الحين،‏ ازداد عدد الصمّ الذين قبلوا الحق،‏ وتشكَّلت فرق للصمّ في مدن عديدة في كل انحاء البلد.‏ وقد اعتاد الاخوة على وجود قسم للغة الاشارات في المحافل.‏ وكم يتأثر المرء حين يرى الصمّ يرنمون بلغة الاشارات و «يصفِّقون» مع باقي الحضور ملوِّحين بأيديهم في الهواء!‏

تأسس الفريق الاول للصمّ في جماعة بريكستون في جوهانسبورغ تحت اشراف الاخ جورج،‏ زوج جُون،‏ الذي يخدم شيخا في الجماعة.‏ وتمّ تعليم لغة الاشارات للاخوة الراغبين في الجماعة،‏ بمن فيهم بعض خدام بيت ايل.‏ واليوم،‏ هنالك جماعة وخمس فرق تستعمل لغة الاشارات في المقاطعة التي يهتم بها فرع جنوب افريقيا.‏

ثمر الملكوت في البلدان الاخرى

يشرف فرع جنوب افريقيا على عمل البشارة في خمسة بلدان اخرى.‏ وما يلي لمحة موجزة عن تقدُّم هذا العمل في تلك الحقول.‏

ناميبيا:‏

يمتد هذا البلد من المحيط الاطلسي الى الحدود الغربية لبوتسوانا.‏ وعقب الحرب العالمية الاولى،‏ وُضعت ناميبيا تحت وصاية جنوب افريقيا بطلب من عصبة الامم.‏ ثم نالت استقلالها سنة ١٩٩٠ بعد الكثير من الاضطرابات وسفك الدماء.‏ ورغم ان البلاد في معظمها قاحلة وقليلة السكان،‏ هنالك اماكن ذات جمال طبيعي خلاب تزخر بالحياة البرية والنباتات النادرة.‏ فصحراء ناميب مثلا،‏ تجذب العديد من الزائرين الذين يصابون بالذهول حين يرون التنوع في الحياة البرية التي صمدت في وجه العوامل الطبيعية القاسية.‏ وبالاضافة الى المناظر الطبيعية الرائعة،‏ تتميز ناميبيا بالمجموعات المتنوعة من السكان الذين يتكلمون اللغات التسع المحكية في البلد.‏

بدأ الشهود ينشرون رسالة الملكوت في ناميبيا سنة ١٩٢٨.‏ ففي تلك السنة،‏ ارسل فرع جنوب افريقيا بالبريد كمية كبيرة من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس الى اناس لا يمكن الوصول اليهم شخصيا.‏ وفي هذه الاثناء،‏ عرف برنهارت باد،‏ الذي صار لاحقا اول مسيحي منتذر في ناميبيا،‏ الحق بطريقة فريدة.‏ فقد اشترى بيضا مغلفا بصفحات من احدى مطبوعاتنا،‏ وقرأها بنهم دون ان يعرف مصدرها.‏ وكانت احدى البيوض مغلفة بالصفحة الاخيرة من مطبوعة يرد فيها عنوان فرع المانيا.‏ فكتب الى هذا الفرع طالبا المزيد من المطبوعات،‏ ومع الوقت اعتنق الحق.‏ وقد قال ناظر دائرة زار لاحقا جماعة برنهارت انه خلال كل تلك السنوات حتى موته،‏ لم يتقطع ولا شهرا واحدا عن الخدمة.‏

عام ١٩٢٩،‏ أُرسلت الفاتحة ليني تِرون الى ونْدْهوك عاصمة ناميبيا.‏ وقد شهدت في كل المدن الرئيسية،‏ مسافرة بالقطار وبالعربات التي تنقل البريد.‏ فوزعت في غضون اربعة اشهر ٣٨٨‏,٦ كتابا وكراسا باللغات الافريقانية،‏ الالمانية،‏ والانكليزية.‏ ورغم ان الفاتحين كرزوا دوريا في ناميبيا،‏  إلّا انهم لم يبقوا فيها لملاحقة الاهتمام.‏ لكنّ الوضع تغيَّر سنة ١٩٥٠ عندما وصل بعض المرسلين.‏ ومنهم ڠَس اريكسون،‏ فْرِد هايهرست،‏ وجورج كوت،‏ الذين صنعوا سجلا رائعا من الخدمة الامينة حتى موتهم.‏

بحلول سنة ١٩٥٣،‏ كان هنالك في البلد ثمانية مرسلين،‏ منهم دِك وولدرون وزوجته كارالي.‏f وكان على هذين الزوجين تحمّل المقاومة الشديدة من رجال دين العالم المسيحي بالاضافة الى السلطات المحلية.‏ ورغم انهما ارادا نشر رسالة الكتاب المقدس بين السكان الاصليين،‏ لم يُسمح لهما بالدخول الى المناطق التي يقطنها السود دون إذن من السلطات.‏ وقد حاول دِك الحصول على إذن ولكن دون جدوى.‏

وبعد ولادة ابنتهما سنة ١٩٥٥،‏ اضطر الزوجان وولدرون الى ترك الخدمة الارسالية،‏ لكنّ دِك واصل الخدمة كفاتح فترة من الوقت.‏ وأخيرا في سنة ١٩٦٠ حصل على إذن بالدخول الى كاتوتورا،‏ منطقة مخصصة للسود.‏ يتذكّر قائلا:‏ «اظهر الناس هناك اهتماما كبيرا».‏ وبعد وقت قصير،‏ كان كثيرون من كاتوتورا يحضرون الاجتماعات.‏ والآن بعد اكثر من ٥٠ سنة،‏ لا يزال دِك وكارالي يخدمان بأمانة في ناميبيا.‏ وقد ساهما مساهمة قيّمة في تقدّم مصالح الملكوت في هذا الحقل.‏

كان ايصال حقائق الكتاب المقدس الى المجموعات العرقية المتعددة في ناميبيا تحدِّيا كبيرا.‏ فمطبوعات الكتاب المقدس لم تكن متوفرة باللغات المحلية مثل الكوانڠالية،‏ والندونڠية،‏ والهريرية.‏ في البداية،‏ ترجم اشخاص من السكان المحليين المتعلمين الذين يدرسون الكتاب المقدس بعض النشرات والكراسات تحت اشراف شهود من البلد.‏ ثم درست إستِر بورمان التي كانت آنذاك فاتحة خصوصية اللغة الكوانيامية،‏ وتمكّنت مع الوقت من تكلم هذه اللغة بالاضافة الى لغة محلية اخرى.‏ وقامت هي وإينا نيكْوَايا،‏ اخت تتكلم اللغة الندونڠية،‏ بترجمة برج المراقبة.‏ فكان جزء منها يصدر بالكوانيامية والجزء الآخر بالندونڠية،‏ اللغتين اللتين تستعملهما غالبية السكان في مدينة اوڤامبولَند.‏

عام ١٩٩٠،‏ أسس الاخوة في ونْدْهوك مكتبا للترجمة مجهَّزا بكل ما يلزم،‏ وازداد عدد المترجمين.‏ والآن،‏ تُترجم المطبوعات بالهريرية والكوانڠالية والخويخويڠواب والمْبوكوشو،‏ بالاضافة الى اللغتين اللتين ذُكرتا آنفا.‏ ويشرف على هذا المكتب اندريه بورمان وستيڤن جانسِن.‏

ناميبيا هي المنتِج الرئيسي للألماس.‏ وقد اشارت الى ذلك مجلة برج المراقبة عدد ١٥ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٩ في مقالة بعنوان:‏ «ثمة جواهر حية في ناميبيا!‏».‏ كما شبَّهت هذه المقالة المستقيمي القلوب «بأحجار كريمة حية».‏ وذكرت انه رغم التقدم الذي حققه الاخوة في عمل التبشير،‏ هنالك بعض المناطق حيث لا يزال عمل البشارة في بدايته.‏ ووجَّهت الدعوة التالية:‏ «هل انتم في وضع يمكِّنكم من الخدمة حيث الحاجة اعظم الى منادين بالملكوت غيورين؟‏ اذًا،‏ اعبروا الى ناميبيا وأعينونا على ايجاد وصقل المزيد من الاحجار الكريمة الروحية».‏

كان التجاوب مشجعا.‏ فقد جرى استلام ١٣٠ رسالة استفسار من بلدان مختلفة مثل المانيا،‏ اوستراليا،‏ واليابان،‏ بالاضافة الى بعض دول اميركا الجنوبية.‏ ونتيجة ذلك،‏ قام ٨٣ شاهدا بزيارة ناميبيا وبقي منهم هناك ١٨ شخصا،‏ وبينهم ١٦ فاتحا عاديا عُيِّن البعض منهم لاحقا فاتحين خصوصيين.‏ وتبين ان الروح التي اظهرها هؤلاء العمال المتطوعون كانت معدية.‏ فحتى الآن،‏ يتلقى مكتب الفرع رسائل استفسار عن الدعوة التي وردت في مجلة برج المراقبة.‏ ومنذ سنة ١٩٨٩،‏ يخدم وليَم وإلِن هايندل كمرسلَين في شمالي ناميبيا.‏ وقد تعلَّما اللغة الندونڠية التي يتكلمها الأوڤامبو الذين يعيشون في تلك المنطقة.‏ واحتمالهما وعملهما الدؤوب في هذه المقاطعة الفريدة جلبا لهما مكافآ‌ت سخية.‏ يذكر وليَم:‏ «رأينا بعض الصبيان الذين كنا ندرس معهم الكتاب المقدس يكبرون ويصيرون رجالا ناضجين روحيا.‏ ويخدم البعض منهم كشيوخ وخدام مساعدين في الجماعة.‏ وكم نعتز بهم عندما نراهم يلقون الخطابات في المحافل الدائرية والكورية!‏».‏

في السنوات الاخيرة،‏ أُرسل عدد من المتخرجين من مدرسة تدريب الخدام الى ناميبيا،‏ وقد ساهموا كثيرا في تنمية الاهتمام وخدمة الجماعات.‏ وفي سنة ٢٠٠٦،‏ بلغ عدد الناشرين في ناميبيا ٢٦٤‏,١ ناشرا،‏ بزيادة ٣ في المئة على السنة السابقة.‏

ليسوتو:‏

ليسوتو بلد صغير يبلغ عدد سكانه ٤‏,٢ مليون نسمة،‏ وتحيط به جنوب افريقيا من جميع الجهات.‏ وهو يقع في قلب جبال دْراكنزبَرْغ التي يتمتع المتسلقون الاقوياء بجمالها الطبيعي الخلاب.‏

رغم ان الاوضاع في ليسوتو كانت هادئة في الغالب،‏ فقد نال هذا البلد حصته من الاضطرابات السياسية.‏ ففي سنة ١٩٩٨،‏ ادَّت النزاعات حول الانتخابات الى نشوب قتال بين الجيش والشرطة في العاصمة مازيرو.‏ يتذكّر ڤييُو كْويسمين،‏ الذي كان هو وزوجته سيرپا يخدمان كمرسلَين هناك:‏ «من المفرح ان عددا قليلا من الاخوة تأذّوا خلال القتال.‏ وقد نُظِّمت اعمال الاغاثة وقُدِّمت المساعدات للذين يفتقرون الى الوقود والمواد الغذائية الاساسية.‏ فأدى ذلك الى تعزيز روابط الوحدة في الجماعة،‏ بالاضافة الى ازدياد عدد الحضور في الاجتماعات في كل انحاء البلد».‏

يعتمد اقتصاد ليسوتو بشكل رئيسي على الزراعة.‏ وبسبب هذا الاقتصاد الضعيف،‏ يهاجر عدد كبير من الرجال الى جنوب افريقيا حيث يعملون في المناجم.‏ ورغم فقر هذه المملكة الجبلية من الناحية المادية،‏ الا انها تتمتع بغنى روحي وافر اذ يتجاوب اشخاص كثيرون مع حق الكتاب المقدس.‏ مثلا في سنة ٢٠٠٦،‏ بلغ عدد المنادين بالملكوت ١٠١‏,٣ شخص،‏ بزيادة ٢ في المئة على السنة التي سبقتها.‏ والآن،‏ يخدم في مازيرو ستة مرسلين هم:‏ الزوجان هوتينڠر،‏ الزوجان نُڠراين،‏ والزوجان پاريس.‏

خدم آيبِل موديبا كناظر دائرة في ليسوتو بين سنة ١٩٧٤ وسنة ١٩٧٨.‏ وهو يخدم الآن مع زوجته ريبيكا في بيت ايل في جنوب افريقيا.‏ يروي آيبِل بأسلوبه الهادئ بعض ذكرياته عن ليسوتو قائلا:‏ «لم يكن هنالك طرقات في اغلبية المناطق الريفية،‏ فكنت اسير احيانا طوال سبع ساعات لأصل الى فريق من الناشرين المنعزلين.‏ وغالبا ما كان الاخوة يزوِّدونني بحصانين،‏ الاول لأمتطيه والثاني لأضع عليه امتعتي.‏ كما كنا نحمل احيانا آلة لعرض الصور المنزلقة مع بطارية بقوة ١٢ ڤُلطا.‏ وإذا فاض النهر،‏ كنا ننتظر عدة ايام حتى ينخفض مستواه.‏ وفي بعض القرى،‏ كان الزعيم يدعو جميع القرويين الى سماع الخطاب العام.‏

‏«كان على البعض ان يسيروا ساعات كثيرة لحضور الاجتماعات.‏ لذلك كانوا يمكثون اثناء اسبوع زيارة ناظر الدائرة عند الاخوة الساكنين قرب قاعة الملكوت،‏ مما جعل الزيارة مناسبة خصوصية.‏ وفي الامسيات،‏ كانوا يجتمعون معا ويسردون الاختبارات ويرنمون ترانيم الملكوت.‏ وفي اليوم التالي يذهبون الى خدمة الحقل».‏

يخدم پيرْأُولا وبيرڠيتّا نُڠراين كمرسلَين في مازيرو منذ سنة ١٩٩٣.‏ تروي بيرڠيتّا هذا الاختبار الذي يُظهر دور المجلات الفعّال في مساعدة الآخرين:‏ «سنة ١٩٩٧،‏ ابتدأت ادرس مع امرأة تدعى ماپاليسا.‏ وسرعان ما ابتدأت هذه المرأة تحضر الاجتماعات.‏ ولكن بعد مدة،‏ لم اعد اجدها في البيت وقت الدرس،‏ فقد كانت تختبئ منا في اغلب الاحيان.‏ فأوقفتُ الدرس معها ولكنني بقيت اشملها بجولتي لتوزيع المجلات.‏ وبعد سنوات،‏ جاءت الى الاجتماع وأوضحت لي انها قرأت مقالة في برج المراقبة عن كبح الغضب.‏ وشعرَتْ ان يهوه يساعدها على حلّ مشكلتها،‏ لأنها تتشاجر دائما مع أقربائها.‏ فاستأنفتْ درسها في الكتاب المقدس،‏ ومذّاك لم تفوِّت اجتماعا.‏ وهي تشترك ايضا في خدمة الحقل بنشاط».‏

لسنوات عديدة،‏ استخدم الاخوة في ليسوتو اماكن مؤقتة كقاعات للملكوت.‏ ولكن في السنوات الاخيرة،‏ ساعد فرع جنوب افريقيا الجماعات في ليسوتو على تمويل مشاريع بناء قاعات الملكوت.‏

تقع قاعة الملكوت في بلدة موكوتلونڠ على ارتفاع ٠٠٠‏,٣ متر تقريبا،‏ وهي اعلى قاعة في افريقيا.‏ ولكن لبناء هذه القاعة،‏ اتى بعض العمال المتطوعين من اماكن بعيدة كأوستراليا وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الاميركية.‏ وقد ساهم في تمويل المشروع الاخوة في مقاطعة كوازولو-‏ناتال في جنوب افريقيا،‏ كما انهم زوَّدوا الشاحنات لنقل المعدات والمواد اللازمة الى موقع البناء.‏ وبما ان اساليب العيش في البلدة كانت بدائية جدا،‏ فقد اضطر العمال المتطوعون ان يجلبوا معهم فُرُشهم وأغطيتهم ومعدات الطبخ.‏ وأُكملت القاعة في غضون عشرة ايام.‏ وثمة اخ مسن من البلدة،‏ وُلد سنة ١٩١٠،‏ كان يأتي الى الموقع كل يوم ليراقب سير العمل.‏ فقد كان يأمل منذ صيرورته خادما ليهوه في عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ ان تُبنى قاعة في بلدته.‏ وكم فرح برؤية سير العمل في «قاعته»!‏

عام ٢٠٠٢،‏ شهدت ليسوتو مجاعة شديدة.‏ فرتَّب الاخوة لشحن دقيق الذرة والمواد الاخرى اليها وتوزيعها على الشهود في المناطق التي اجتاحها الجوع.‏ وقد جاء ما يلي في احدى رسائل التقدير:‏ «ذهلت عندما وصل الاخوة الى بيتي حاملين معهم دقيق الذرة.‏ وسألت نفسي:‏ ‹كيف عرفوا ما احتاج اليه؟‏›.‏ ثم شكرت يهوه على المساعدة التي لم اتوقعها قط.‏ لقد قوّى ذلك ايماني بيهوه اللّٰه وهيئته،‏ وأنا مصمم على خدمته من كل النفس».‏

بوتسوانا:‏

يضمّ هذا البلد جزءا كبيرا من صحراء كالاهاري،‏ ويبلغ عدد سكانه اكثر من ٧‏,١ مليون نسمة.‏ وفي العموم،‏ مناخ هذا البلد حار وجاف.‏ وتكثر فيه الحدائق العامة ومحميات الحياة البرية التي تجذب الزوَّار.‏ وتشتهر دلتا اوكاڤانغو ذات المناظر الخلابة بالهدوء التام ووفرة الحياة البرية.‏ وللتنقل في هذه الدلتا،‏ تُستخدَم وسيلة تقليدية تُدعى الموكورو،‏ وهو عبارة عن زورق يُصنع بتجويف جذع شجرة من الاشجار المحلية.‏ وتتمتع بوتسوانا باقتصاد مزدهر،‏ والسبب الرئيسي هو تعدين الألماس.‏ فمنذ اكتشاف الألماس في صحراء كالاهاري سنة  ١٩٦٧،‏ صارت بوتسوانا من الدول الرئيسية المصدِّرة للألماس في العالم.‏

يبدو ان رسالة ملكوت اللّٰه وصلت للمرة الاولى الى بوتسوانا سنة ١٩٢٩،‏ عندما كرز احد الاخوة هناك لأشهر قليلة.‏ وفي سنة ١٩٥٦،‏ عُيِّن جوشوا تونڠوانا ناظر دائرة في بوتسوانا.‏g وهو يتذكَّر ان مطبوعات شهود يهوه كانت محظورة آنذاك.‏

يحصد المرسلون الغيورون نتائج جيدة في هذه المقاطعة المثمرة.‏ فبلايك وڠوِن فريزبي وتيم وفيرجينيا كراوتش يبذلون جهدا كبيرا لتعلّم اللغة التشوانية.‏ وفي الشمال،‏ يزوِّد ڤييُو وسيرپا كْويسمين بغيرة المساعدة الروحية للسكان.‏

وفي جنوب البلد،‏ يُظهر هْيُو وكارول كورميكان روحا ارسالية غيورة.‏ يروي هْيُو:‏ «في جماعتنا اخ يُدعى إيدي عمره ١٢ سنة.‏ وقد اراد في سن مبكرة ان يتعلم القراءة كي يتمكن من الانخراط في مدرسة الخدمة الثيوقراطية والاشتراك في خدمة الحقل.‏ وحالما صار ناشرا غير معتمد،‏ صرف الكثير من الوقت في الحقل وابتدأ بدرس في الكتاب المقدس مع احد رفقاء صفه.‏ ومنذ معموديته غالبا ما يخدم كفاتح اضافي».‏

ان معظم الجماعات في بوتسوانا موجودة في العاصمة المزدهرة،‏ غابورون،‏ او بالقرب منها.‏ وتقع العاصمة في الجزء الشرقي من البلاد المكتظ بالسكان.‏ ويعيش باقي السكان في القرى التي تقع في الغرب وفي صحراء كالاهاري،‏ حيث لا تزال عائلات قليلة من شعب السان تقتات بما توفره لها الطبيعة وتصطاد الحيوانات بالقوس والنشاب.‏ ويبذل الناشرون جهدا كبيرا عند الاشتراك في الحملات الكرازية الخصوصية في المقاطعة المنعزلة،‏ اذ يقطعون آلاف الكيلومترات بُغية ايصال حقائق الكتاب المقدس الى مربِّي الماشية الرحَّل في الارياف.‏ وهؤلاء السكان مشغولون بالزراعة،‏ بناء الاكواخ بالمواد المحلية،‏ والبحث عن الحطب.‏ وليس لديهم سوى القليل من الوقت للنشاطات الاخرى.‏ ولكن عندما يأتي شخص غريب حاملا رسالة الكتاب المقدس المنعشة،‏ يوافقون بسرور على الجلوس معه على رمال الصحراء الناعمة وتبادل الاحاديث في الهواء الطلق.‏

علَّق ستيڤن روبنز،‏ واحد من ستة فاتحين خصوصيين وقتيين،‏ قائلا:‏ «الناس هنا ينتقلون دائما من منطقة الى اخرى.‏ فهم يقطعون الحدود كما نقطع نحن الشارع.‏ التقينا ذات مرة ماركس،‏ احد الاشخاص الذين درسنا معهم الكتاب المقدس،‏ على متن عبّارة فيما كنا نجتاز نهر اوكاڤانغو.‏ وفرحنا عندما اخبرنا انه اخذ عطلة من عمله كي يسافر ويخبر اصدقاءه وأقرباءه بحقائق الكتاب المقدس.‏ وهو يقضي كل اوقات فراغه في عمل التبشير».‏

يتجاوب الناس كثيرا مع عمل البشارة في بوتسوانا.‏ ففي سنة ٢٠٠٦،‏ بلغ عدد الذين اشتركوا في عمل الكرازة ٤٩٧‏,١ شخصا،‏ بزيادة ٦ في المئة على السنة الماضية.‏

سْوازيلند:‏

يبلغ عدد سكان هذه المملكة الصغيرة حوالي ١‏,١ مليون نسمة.‏ وهم يعملون بشكل اساسي في الزراعة،‏ رغم ان كثيرين من الرجال يسافرون الى جنوب افريقيا ليعملوا في مجالات اخرى.‏ وتزخر سْوازيلند بالمحميات والمناظر الطبيعية الخلابة.‏ والشعب في هذا البلد ودّي،‏ وهو لا يزال يتبع الكثير من التقاليد.‏

كان الملك السابق،‏ سوبوزا الثاني،‏ يحترم شهود يهوه ولديه الكثير من مطبوعاتنا.‏ فكل سنة،‏ كان يدعو الى مقره الملكي رجال دين وأحد شهود يهوه من اجل التحدث عن الكتاب المقدس.‏ وفي سنة ١٩٥٦،‏ تحدث الشاهد الذي دعاه الملك عن عقيدة خلود النفس بالاضافة الى استعمال ألقاب التبجيل بين القادة الدينيين.‏ وبعدما انتهى،‏ سأل الملكُ رجال الدين إن كانت الامور التي قيلت صحيحة ام لا.‏ فلم يتمكنوا من دحض ما قاله الاخ.‏

لقد اتخذ اخوتنا موقفا ثابتا في ما يتعلق بعادة الحِداد المؤسسة على عبادة الاسلاف.‏ فطرد زعماءُ القبائل شهودَ يهوه من بيوتهم في بعض انحاء سْوازيلند لأنهم رفضوا اتِّباع عادات الحِداد التقليدية.‏ لكنَّ اخوتهم الروحيين في مناطق اخرى اعتنوا بهم.‏ وقد حكمت المحكمة العليا في سْوازيلند لصالح شهود يهوه في هذه القضية،‏ وذكرت انه يجب ان يُسمح لهم بالعودة الى بيوتهم وأراضيهم.‏

جيمس ودون هوكيت هما مرسلان في إمبابان،‏ عاصمة سْوازيلند.‏ تخرَّج جيمس من جلعاد سنة ١٩٧١ وتخرَّجت دون سنة ١٩٧٠.‏ يخبر جيمس الحادثة التالية التي تُظهر كيف يضطر المرسلون احيانا ان يتكيفوا مع عادات الشعوب الاخرى:‏ «فيما كنا نخدم في مقاطعة غير معيَّنة،‏ طلب مني احد الزعماء ان ألقي خطابا عاما.‏ ودعا الناس الى الاجتماع في موقع يُشيَّد فيه احد الابنية،‏ وكانت هنالك حجارة كبيرة من الاسمنت مبعثرة في المكان.‏ وبما ان الارض رطبة،‏ فقد جلستُ على احد الحجارة وجلستْ دون بالقرب مني على الحجر ذاته.‏ فاقتربت اخت سوازية من دون وطلبت منها ان تقوم من مكانها وتجلس بالقرب منها.‏ فقالت لها دون انها مرتاحة حيث هي جالسة،‏ لكنَّ الأخت أصرّت على طلبها.‏ وفي ما بعد،‏ اوضح لنا الاخوة انه عندما يكون بعض الرجال جالسين على الارض،‏ لا يمكن للمرأة ان تجلس في مكان اعلى منهم.‏ فهذه هي العادة في المناطق الريفية».‏

زار جيمس ودون احدى المدارس بهدف التكلم مع معلمة كانت قد اظهرت اهتماما بالحق.‏ فأرسلت المعلمة تلميذا ليخبرهما ان الوقت ليس مناسبا لتتكلم معهما.‏ فقررا ان يتحدثا مع التلميذ،‏ پاتريك،‏ وسألاه ان كان يعرف سبب زيارتهما.‏ وبعد مناقشة وجيزة،‏ قدَّما له كتاب اسئلة يطرحها الاحداث —‏ اجوبة تنجح وابتدآ يدرسان معه في الكتاب المقدس.‏ كان پاتريك فتى يتيما يعيش في غرفة ملاصقة لبيت عمه.‏ وكان عليه ان يعتني بنفسه،‏ يُحضّر طعامه،‏ ويعمل بدوام جزئي ليدفع رسوم مدرسته.‏ ولاحقا احرز پاتريك تقدُّما روحيا كبيرا ثم اعتمد،‏ وهو الآن يخدم كشيخ في جماعته.‏

منذ ابتدأ الاخوة عمل التبشير في سْوازيلند في ثلاثينات القرن العشرين،‏ تجاوب كثيرون مع رسالة الملكوت.‏ ففي سنة ٢٠٠٦،‏ اشترك بنشاط ٢٩٢‏,٢ شخصا في نشر البشارة عن ملكوت اللّٰه في هذه المقاطعة،‏ وعقدوا ٩١١‏,٢ درسا في الكتاب المقدس.‏

سانت هيلانة:‏

تقع هذه الجزيرة الصغيرة غربي الساحل الجنوبي الغربي لإفريقيا،‏ ويبلغ طولها سبعة عشر كيلومترا وعرضها عشرة كيلومترات.‏ وهي تتمتع بشكل عام بمناخ معتدل ومنعش.‏ ويبلغ عدد سكانها نحو ٠٠٠‏,٤ نسمة،‏ وهم خليط من شعوب اوروبية وآسيوية وإفريقية.‏ واللغة المحكية هي الانكليزية ولكن بلهجة مميزة.‏ لا يوجد مطار في هذه الجزيرة،‏ لذلك يستخدم الناس بواخر شحن تجارية للتنقل من وإلى جنوب افريقيا وإنكلترا.‏ وفي اواسط تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ صارت الجزيرة تتلقى البث التلفزيوني عبر الاقمار الاصطناعية.‏

وصلت لأول مرة بشارة ملكوت اللّٰه الى سانت هيلانة في اوائل ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠ حين زار فاتحان الجزيرة فترة قصيرة.‏ فقَبِل توم سكيپيو،‏ وهو رجل شرطة وشمّاس في الكنيسة المعمدانية،‏ بعض المطبوعات.‏ ثم ابتدأ يخبر الآخرين بما يتعلمه،‏ وأوضح من على منبر الوعظ انه لا وجود للثالوث،‏ نار الهاوية،‏ والنفس الخالدة.‏ فطُلب منه ومن الآخرين الذين دافعوا عن حق الكتاب المقدس مغادرة الكنيسة.‏ وسرعان ما ابتدأ توم يشترك هو وفريق صغير في خدمة الحقل مستعينين بثلاثة فونوغرافات.‏ وغطوا الجزيرة سيرا على الاقدام وعلى ظهر الحمار.‏ وقد غرس توم حقائق الكتاب المقدس في قلب اولاده الستة.‏

عام ١٩٥١،‏ أُرسل يَكوبس ڤان ستادن من جنوب افريقيا ليشجع ويساعد فريق الشهود الاولياء في الجزيرة.‏ فساعدهم على الصيرورة اكثر فعالية في الخدمة ونظَّم اجتماعات الجماعة.‏ يتذكَّر جورج سكيپيو،‏h احد اولاد توم،‏ كم كان صعبا على الاخوة ان يوصِلوا الجميع الى الاجتماعات.‏ فهو يقول:‏ «كانت هنالك سيارتان فقط لدى كل الاشخاص المهتمين.‏ وكانت المنطقة وعرة وكثيرة التلال.‏ وكان عدد الطرقات الجيدة قليلا في ذلك الحين.‏ .‏ .‏ .‏ كان البعض يبدأون بالمشي في الصباح الباكر.‏ وكنت اصطحب ثلاثة اشخاص في سيارتي الصغيرة وبعد مسافة كانوا يترجلون ويتابعون الطريق سيرا على الاقدام.‏ ثم اعود،‏ اقلّ ثلاثة غيرهم مسافة معينة،‏ أُنزلهم،‏ وأعود من جديد.‏ وفي نهاية المطاف،‏ كان الجميع يصلون الى الاجتماع بهذه الطريقة».‏ ومع ان جورج متزوج ولديه اربعة اولاد،‏ فقد تمكَّن من الخدمة كفاتح طوال ١٤ سنة.‏ وثلاثة من ابنائه هم الآن شيوخ.‏

زار ياني مولر سانت هيلانة كناظر دائرة مرات قليلة في تسعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ وكانت برفقته زوجته أنِليس.‏ يقول:‏ «حين ترافق ناشرا في خدمة الحقل،‏ غالبا ما يخبرك عمن يسكن في البيت التالي وماذا سيكون رد فعله.‏ وعندما زرنا الجزيرة ووزعنا اخبار الملكوت بعنوان:‏ ‹هل سيحب كل الناس يوما ما بعضهم بعضا؟‏›،‏ غطينا الجزيرة بكاملها في يوم واحد،‏ من الساعة الثامنة والنصف صباحا حتى الثالثة بعد الظهر».‏

ويتذكر ياني بشكل خصوصي وقت وصولهما الى الجزيرة ووقت مغادرتها،‏ قائلا:‏ «عند وصول مركبنا،‏ كنا نجد معظم الاخوة مجتمعين بجانب رصيف الميناء للترحيب بنا.‏ اما يوم الرحيل فكان يوم البكاء،‏ حسبما دعاه الاخوة.‏ وقد كان كذلك بالنسبة الينا نحن ايضا،‏ وخصوصا حين كنا نراهم جميعا واقفين بجانب رصيف الميناء يلوحون بأيديهم مودعين».‏

في سنة ٢٠٠٦،‏ شارك ١٢٥ ناشرا في ايصال حق الكتاب المقدس الى جميع انحاء الجزيرة.‏ وقد بلغ عدد الحضور في الذِّكرى ٢٣٩ شخصا.‏ والجدير بالذكر ان نسبة الناشرين الى سكان الجزيرة هي الافضل في العالم،‏ اذ تبلغ واحدا الى ٣٠ من السكان.‏

الآمال المستقبلية

رغم النزاعات العرقية في جنوب افريقيا،‏ يتمتع شهود يهوه من كل العروق ‹برباط وحدة› فريد.‏ (‏كولوسي ٣:‏١٤‏)‏ وقد لاحظ الآخرون ذلك وعلّقوا عليه.‏ ففي سنة ١٩٩٣،‏ وصل زوَّار كثيرون من خارج البلاد لحضور المحافل الاممية.‏ فذهب نحو ٠٠٠‏,٢ شاهد الى المطار في دوربان ليرحبوا بالمندوبين القادمين من الولايات المتحدة واليابان.‏ ورنَّموا ترانيم الملكوت لدى وصولهم.‏ كما حيّوا واحدهم الآخر وتعانقوا بحرارة.‏ وكان بين الموجودين في المطار احد القادة السياسيين البارزين.‏ فقال لبعض الاخوة اثناء محادثة جرت بينهم:‏ «لو كانت لدينا روح الوحدة نفسها لحللنا مشاكلنا منذ زمن طويل».‏

زوّدت محافل «أعطوا المجد للّٰه» الاممية لسنة ٢٠٠٣ زخما روحيا لجميع الحاضرين.‏ وفي جنوب افريقيا،‏ عُقدت المحافل الاممية في المدن الكبرى بالاضافة الى العديد من المحافل الكورية الاصغر.‏ وقد حضر المحافل الاممية عضوان من الهيئة الحاكمة هما سامويل هيرد ودايڤيد سپلاين.‏ كما حضرها مندوبون من ١٨ بلدا.‏ وارتدى البعض زي بلدهم التقليدي،‏ مما اضفى على المحفل طابعا امميا.‏ وبلغ عدد الحضور في كل المحافل ٨٧٣‏,١٦٦ شخصا،‏ واعتمد ٤٧٢‏,٢ شخصا.‏

عبّرت جانين التي حضرت المحفل الاممي في كَيب تاون عن تقديرها لكتاب استمع الى المعلّم الكبير الذي صدر آنذاك،‏ قائلة:‏ «تعجز الكلمات عن وصف تقديري لهذه الهدية.‏ فهذا الكتاب مصمم ليبلغ قلوب اولادنا.‏ ولا شك ان يهوه يعرف حاجة شعبه،‏ ويسوع رأس الجماعة يرى الصراع الذي نعانيه في هذا العالم البعيد عن اللّٰه.‏ لذلك اشكر يهوه وخدامه هنا على الارض من كل قلبي».‏

عندما نتأمل في تاريخ شهود يهوه في جنوب افريقيا خلال القرن الماضي،‏ نبتهج بسجل احتمال وثبات اخوتنا الامناء هؤلاء.‏ ففي سنة ٢٠٠٦،‏ بلغ عدد الناشرين ٨٧٧‏,٧٨ شخصا وعدد دروس الكتاب المقدس ٩٠٣‏,٨٤ دروس.‏ كما بلغ عدد حضور الذِّكرى في تلك السنة ١٠٨‏,١٨٩ اشخاص.‏ فالدلائل تشير ان كلمات يسوع لا تزال تنطبق في هذا الجزء من الحقل العالمي:‏ «ها انا اقول لكم:‏ ارفعوا اعينكم وانظروا الحقول،‏ إنها قد ابيضت للحصاد».‏ (‏يوحنا ٤:‏٣٥‏)‏ فلا يزال هنالك الكثير من العمل للقيام به.‏ والادلة الوافرة على ارشاد يهوه تدفعنا ان نرفع اصواتنا مع اخوتنا في كل زاوية من زوايا الارض قائلين:‏ «اهتفي ليهوه هتاف انتصار يا كل الارض.‏ اخدموا يهوه بفرح».‏ —‏ مزمور ١٠٠:‏١،‏ ٢‏.‏

‏[الحواشي]‏

a استُعملت هذه الكلمة في جنوب افريقيا للاشارة الى ذوي العرق المختلط.‏

b وردت قصة حياة بول سميث في برج المراقبة عدد ١ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٨٦،‏ الصفحات ٢٢-‏٢٤‏.‏

c وردت قصة حياة جورج فيلپس في برج المراقبة عدد ١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٦،‏ الصفحات ٧١٢-‏٧١٩،‏ بالانكليزية.‏

d وردت قصة حياة پيت ڤِنْتْسِل في برج المراقبة عدد ١ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٨٦،‏ الصفحات ٩-‏١٣،‏ بالانكليزية.‏

e وردت قصة حياة فرانس مولر في برج المراقبة عدد ١ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٣،‏ الصفحات ١٩-‏٢٣‏.‏

f وردت قصة حياة الزوجين وولدرون في برج المراقبة عدد ١ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٠٠٢،‏ الصفحات ٢٤-‏٢٨‏.‏

g وردت قصة حياة جوشوا تونڠوانا في برج المراقبة عدد ١ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٣،‏ الصفحات ٢٥-‏٢٩‏.‏

h وردت قصة حياة جورج سكيپيو في برج المراقبة عدد ١ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٩،‏ الصفحات ٢٥-‏٢٩‏.‏

‏[النبذة في الصفحة ١٧٤]‏

نسبة الناشرين الى السكان في سانت هيلانة هي الافضل في العالم،‏ اذ تبلغ واحدا الى ٣٠ من السكان

‏[الاطار في الصفحتين ٦٨ و ٦٩]‏

ما هو نظام الأپارتيد؟‏

تعني كلمة «أپارتيد» حرفيا «الفصل»،‏ وأول مَن استعملها كان الحزب الوطني في جنوب افريقيا خلال الانتخابات عام ١٩٤٨.‏ ففي تلك السنة فاز هذا الحزب وتبنّت الحكومة،‏ بدعم من الكنيسة المُصلَحة الهولندية،‏ سياسة صارمة هي سياسة الفصل بين مختلف المجموعات العرقية.‏ وبما ان الدافع وراء هذه السياسة التأكيد على تفوُّق العرق الابيض،‏ فقد ادَّت الى تشريع قوانين تحكَّمت في مجالات مهمة في حياة الناس،‏ كأماكن السكن،‏ الاستخدام،‏ التعليم،‏ المرافق العامة،‏ والحقوق السياسية.‏

وصُنِّفت المجموعات العرقية الرئيسية كما يلي:‏ البيض،‏ البانتو (‏الافارقة السود)‏،‏ الملوَّنون (‏ذوو العرق المختلط)‏،‏ والآسيويون (‏الهنود)‏.‏ وأعلن انصار نظام الأپارتيد ان ابناء كل عرق يجب ان يسكنوا في مناطق مخصصة لهم،‏ دُعيت اوطانا،‏ حيث يمكنهم العيش والنمو اجتماعيا بتناغم مع حضارتهم وعاداتهم.‏ لكنّ ما بدا للبعض سهل التطبيق نظريا لم ينجح على ارض الواقع.‏ فتحت التهديد بالسلاح،‏ الغاز المسيل للدموع،‏ والكلاب الشرسة،‏ أُخرج كثيرون من السود من منازلهم وانتقلوا الى مناطق اخرى حاملين معهم مقتنياتهم الضئيلة.‏ فضلا عن ذلك،‏ كان لمعظم المرافق العامة،‏ كالمصارف ومكاتب البريد،‏ اقسام منفصلة للبيض وغير البيض.‏ ولم يُسمَح إلا للبيض بارتياد المطاعم ودور السينما.‏

بقي البيض يعتمدون على العمّال السود ذوي الاجور المتدنية في مجالَي الصناعة والاعمال المنزلية،‏ وهذا ادَّى الى تفرُّق العائلات.‏ مثلا،‏ سُمح للرجال السود بالذهاب الى المدن للعمل في المناجم او المصانع وأُعطوا مأوى في مساكن كبيرة للرجال،‏ اما زوجاتهم فلزم ان يبقين في الاوطان.‏ فمزَّق ذلك الحياة العائلية وتسبَّب بارتكاب الكثير من الفساد الادبي.‏ كما ان خَدَم المنازل السود كانوا يمكثون عادة في غرفة ضمن املاك رب عملهم.‏ ولم يُسمَح لعائلاتهم ان تسكن في الضواحي المخصصة للبيض،‏ لذلك كانت تمرّ فترات طويلة قبل ان يتمكن الوالدون من رؤية عائلاتهم.‏ ولزم ايضا ان يحمل السود بطاقاتهم الشخصية في كل الاوقات.‏

اثَّرت سياسة الفصل العنصري هذه تأثيرا سلبيا في نواح كثيرة من الحياة،‏ بما فيها التعليم والزواج والعمل وحق الملكية.‏ وفي حين عُرف شهود يهوه بانسجامهم العرقي،‏ فقد اطاعوا قوانين الحكومة ما دامت لا تمنعهم من تقديم خدمة مقدسة للّٰه.‏ (‏روما ١٣:‏١،‏ ٢‏)‏ وانتهزوا الفرص للتمتع بمعاشرة رفقائهم العبّاد من شتى العروق كلما استطاعوا ذلك.‏

ابتداءً من اواسط سبعينات القرن العشرين،‏ اجرت الحكومة عددا من الاصلاحات،‏ وبدأت تتساهل في تطبيق سياسة التمييز العنصري.‏ وفي ٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٠،‏ اعلن الرئيس ف.‏ و.‏ دي كليرك عن الخطوات التي ستُتَّخذ لإلغاء نظام الأپارتيد،‏ كالاعتراف الرسمي بالاحزاب السياسية التي يتزعمها السود وإطلاق سراح نِلسون مانديلا من السجن.‏ وفي عام ١٩٩٤،‏ انتهى نظام الأپارتيد رسميا حين انتُخبت ديموقراطيا حكومة يتألف معظم اعضائها من السود.‏

‏[الاطار/‏الخرائط في الصفحتين ٧٢ و ٧٣]‏

لمحة عن جنوب افريقيا

اليابسة:‏

تتكون المنطقة الساحلية في جنوب افريقيا من اراض ضيقة قليلة الارتفاع تتاخمها جبال عالية تمتد الى الداخل مشكِّلة هضبة شاسعة تحتل معظم البلاد.‏ وتقع اعلى نقطة في هذه الهضبة في الجهة الشرقية،‏ جهة المحيط الهندي،‏ حيث يصل ارتفاع سلسلة جبال دْراكنزبَرْغ الى ٤٠٠‏,٣ متر تقريبا.‏ وتبلغ مساحة جنوب افريقيا ٠٨٠‏,٢١٩‏,١ كيلومترا مربعا،‏ حوالي اربعة اضعاف مساحة الجزر البريطانية.‏

الشعب:‏

يبلغ عدد السكان ٤٤ مليون نسمة،‏ وهم من خلفيات متعددة.‏ وفي سنة ٢٠٠٣،‏ نشرت الحكومة نتائج احصاء ينقسم بموجبه المواطنون الى اربع مجموعات:‏ الافارقة السود (‏٧٩ في المئة)‏،‏ البيض (‏٦‏,٩ في المئة)‏،‏ الملوَّنون (‏٩‏,٨ في المئة)‏،‏ والهنود او الآسيويون (‏٥‏,٢ في المئة)‏.‏

اللغة:‏

مع ان كثيرين يتكلمون الانكليزية،‏ توجد في هذا البلد ١١ لغة رسمية.‏ واللغات الأم بحسب الاكثر شيوعا هي:‏ الزولوِية،‏ الكوزية،‏ الافريقانية،‏ السپيدية،‏ الانكليزية،‏ التشوانية،‏ السيسوتو،‏ التسونڠية،‏ السيسواتية (‏السوازية)‏،‏ الڤِندا،‏ والنديبيلي.‏

سبل العيش:‏

هذا البلد غني بموارده الطبيعية،‏ وهو اكبر منتج للذهب والپلاتين في العالم.‏ يعمل ملايين السكان في المناجم،‏ المزارع،‏ والمصانع التي تنتج الطعام،‏ السيارات،‏ الآلات،‏ الانسجة،‏ وغيرها.‏

المناخ:‏

يتمتع الطرف الجنوبي من البلد،‏ بما فيه كَيب تاون،‏ بمناخ متوسطيّ ممطر في الشتاء وجاف في الصيف.‏ اما الهضبة الداخلية فمناخها مختلف؛‏ ففي الصيف تحمل العواصف الرعدية معها برودة منعشة،‏ وفي الشتاء تكون دافئة نسبيا ومشمسة.‏

‏[الخرائط]‏

‏(‏انظر النص في شكله المنسق في المطبوعة)‏

ناميبيا

صحراء ناميب

كاتوتورا

ونْدْهوك

بوتسوانا

صحراء كالاهاري

غابورون

سْوازيلند

إمبابان

ليسوتو

مازيرو

تِياتِيانينغ

جنوب افريقيا

حديقة كروڠر الوطنية

نيلْسْتروم

بوشْبوكْريدْجْ

پريتوريا

جوهانسبورغ

كليركسدورپ

داندي

نْدْوِيدْوِي

بيترماريتسبورغ

دوربان

جبال دْراكنزبَرْغ

سْتْراند

كَيب تاون

پريتوريا

ميدراند

كْروجَرْزْدورپ

كاڠيسو

جوهانسبورغ

إلَنْسْفونْتايْن

سُوِيتو

إيكنهوف

هايدلبرغ

‏[الصور]‏

كَيب تاون

رأس الرجاء الصالح

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٨٠ و ٨١]‏

اول مرة شهدت فيها عن يهوه

عبدنغو راديبي

تاريخ الولادة:‏ ١٩١١

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٣٩

لمحة عن حياته:‏ خدم في اول جماعة للسود تأسست في بيترماريتسبورغ،‏ كوازولو-‏ناتال،‏ ومات امينا سنة ١٩٩٥.‏

وُلدت وترعرعت قرب بيترماريتسبورغ.‏ وكان والدي واعظا في الكنيسة المنهجية.‏ في اواسط ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ حصلت على بعض المطبوعات التي يصدرها شهود يهوه.‏ ومع انني وافقت على ما قرأته،‏ لم تسنح لي الفرصة ان اجتمع بهم.‏

ذات يوم،‏ اعطاني احد الجيران كراس السماء والمطهر.‏ وكم فوجئت حين قرأته!‏ فأنا لم اقرأ في حياتي معلومات كهذه.‏ وقد ساعدني هذا الكراس ان افهم ما يقوله الكتاب المقدس عن القيامة والرجاء الارضي.‏ لذلك راسلت مكتب الفرع في كَيب تاون وطلبت بعض الكتب.‏

تردَّدت في الاقتراب الى الشهود الذين كنت اراهم في المدينة.‏ فبحسب العُرف المتَّبع بين شعبنا،‏ لا يلزم ان نبادر الى الاقتراب من رجل ابيض بل ينبغي ان ننتظر حتى يقترب هو منا.‏

بعد عودتي من العمل في احدى الامسيات،‏ رأيت سيارة الشهود المجهَّزة بمكبِّر للصوت تقف خارج المبنى حيث امكث.‏ وعندما وصلت الى البوابة،‏ اقترب مني رجل متقدم في السن قوي البنية يرتدي ثيابا صيفية وعرَّفني بنفسه،‏ وكان اسمه دانيال يانسِن.‏ فعزمت في قلبي ان انتهز هذه الفرصة لأتعرَّف بالشهود،‏ لذلك طلبت ان استمع الى احدى محاضرات الاخ رذرفورد.‏ وبعد قليل،‏ اجتمع في المكان حشد كبير من الناس.‏ وعندما انتهت المحاضرة،‏ اعطاني يانسِن ميكروفونا وقال لي:‏ «أَخبِر هؤلاء الناس بالزولوِية ما ورد في هذه المحاضرة لكي يستفيدوا هم ايضا».‏

اجبت:‏ «لا استطيع ان اتذكر كل ما قاله الخطيب».‏

فقال يانسِن:‏ «قُل ما تتذكره».‏

تمتمتُ ببعض الكلمات عبر الميكروفون فيما كانت يداي ترتجفان.‏ وكانت هذه اول مرة اشهد فيها عن يهوه.‏ بعد ذلك،‏ دعاني الاخ يانسِن الى مرافقته في عمل الكرازة.‏ لكنه سألني اولا عن المعتقدات الاساسية ليتأكد انني مقتنع بكل تعاليم الكتاب المقدس،‏ وبدا راضيا عن النتيجة.‏ وقد انضممت الى فرقة (‏جماعة)‏ صغيرة من الاخوة البيض وبقيت فيها اربع سنوات،‏ وكنت الاسود الوحيد بينهم.‏ وكنا نعقد اجتماعاتنا في منزل احد الاخوة.‏

في تلك الايام،‏ كان كل ناشر منا يُزوَّد ببطاقة شهادة ليقدِّم رسالة الكتاب المقدس لصاحب البيت.‏ كما كنا نحمل معنا فونوغرافا،‏ حقيبة للمطبوعات،‏ وبعض المحاضرات المسجلة التي تبلغ مدة كل منها اربع دقائق.‏

ولتوفير الوقت،‏ كان الناشر يُبقي الفونوغراف جاهزا للتشغيل ومزوَّدا بإبرة جديدة.‏ وعندما يفتح صاحب البيت الباب،‏ يحيّيه الناشر ويقدِّم له بطاقة تعرِّفه بموضوع المحاضرة المسجَّلة،‏ ثم يشغِّل الفونوغراف.‏ وحين تتجاوز المحاضرة النصف،‏ يفتح الناشر حقيبته ليقدِّم لصاحب البيت الكتاب المناسب عند انتهاء المحاضرة.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٨٨ و ٨٩]‏

مثال في الامانة

جورج فيلپس

تاريخ الولادة:‏ ١٨٩٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩١٢

لمحة عن حياته:‏ صار فاتحا عاديا سنة ١٩١٤.‏ خدم ناظرا للفرع في جنوب افريقيا حوالي ٤٠ سنة ومات امينا سنة ١٩٨٢.‏

وُلد جورج فيلپس وترعرع في غلاسكو باسكتلندا.‏ وسنة ١٩١٤،‏ انخرط في عمل الفتح بعمر ١٦ سنة.‏ وسُجن عام ١٩١٧ بسبب محافظته على الحياد المسيحي.‏ وعام ١٩٢٤،‏ دعاه الاخ رذرفورد شخصيا الى الخدمة في جنوب افريقيا.‏ قال له:‏ «قد تخدم هناك سنة او اكثر بقليل».‏

وهذا ما قاله جورج عن انطباعه الاول لدى وصوله الى جنوب افريقيا:‏ «بالمقارنة مع بريطانيا،‏ كان هذا البلد مختلفا تماما،‏ والعمل هنا كان يجري على نطاق اصغر بكثير.‏ فآ‌نذاك،‏ لم يكن هنالك إلّا ٦ اشخاص في الخدمة كامل الوقت ونحو ٤٠ شخصا يشتركون في الكرازة من حين الى آخر.‏ وقد شملت مقاطعتنا كل المناطق الممتدة من اقصى الجنوب الى كينيا.‏ فتساءلت كيف كنا سنغطي كل هذه المقاطعة ونقدِّم شهادة فعّالة في سنة واحدة.‏ لكنني ادركت ان لا داعي الى القلق.‏ فكل ما علينا فعله هو البدء بالكرازة مستخدمين الوسائل المتوفرة،‏ ويهوه سيتكفل بالباقي.‏

«جنوب افريقيا بلد غني بتنوعه.‏ فسكانه ينتمون الى عروق مختلفة ويتكلمون لغات كثيرة.‏ ومع ان التعرف بهؤلاء الشعوب كان مفرحا جدا،‏ لكنّ تنظيم العمل في هذا الحقل الشاسع ووضع الاسس اللازمة لم يكونا بالمهمة السهلة.‏

«وعلى مرّ السنين،‏ لمست لمس اليد محبة يهوه لي،‏ اذ زوَّدني بكل حاجاتي ومنحني حمايته وإرشاده وبركته.‏ وقد تعلَّمت ان ‹التعبد للّٰه مع الاكتفاء هو وسيلة ربح عظيم›.‏ كما تعلَّمت ان البقاء في ‹ستر العليّ› يتوقف على الالتصاق بهيئة يهوه والاجتهاد في عمله وإتمامه بالطريقة التي يريدها هو».‏ —‏ ١ تيموثاوس ٦:‏٦؛‏ مزمور ٩١:‏١‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ٩٢-‏٩٤]‏

مساعدة عائلتي روحيا

يوسِفات بوسانِه

تاريخ الولادة:‏ ١٩٠٨

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤٢

لمحة عن حياته:‏ رب عائلة تعلَّم الحق اثناء عمله في جوهانسبورغ بعيدا عن مسقط رأسه في زولولند بمقاطعة كوازولو-‏ناتال.‏

وُلدت في زولولند بجنوب افريقيا عام ١٩٠٨.‏ ومع ان عائلتي كانت راضية بحياتها البسيطة في مزرعة،‏ ابتدأت بعمر ١٩ سنة اعمل كبائع في متجر في بلدة داندي.‏ وبعد فترة،‏ سمعت ان كثيرين من الشبان يجنون الكثير من المال في جوهانسبورغ،‏ مركز تعدين الذهب في جنوب افريقيا.‏ لذلك انتقلت الى هناك وعملت لسنوات في إلصاق الاعلانات.‏ ورغم ان المغريات وفرص العيش في المدينة كانت تبهرني،‏ سرعان ما ادركت ان حياة المدينة تفسد الآداب التي توارثها شعبي.‏ ومع ان شبانا كثيرين نسوا عائلاتهم التي تعيش في الارياف،‏ لم انسَ عائلتي قط،‏ بل ارسلت اليهم المال بانتظام.‏ عام ١٩٣٩،‏ تزوَّجتُ بفتاة من زولولند تُدعى كلودينا وواصلت رغم ذلك العمل في جوهانسبورغ بعيدا عن عائلتي مسافة تبلغ ٤٠٠ كيلومتر.‏ وكان معظم الشبان يفعلون الامر عينه.‏ ومع ان الانفصال عن عائلتي لفترات طويلة آلمني جدا،‏ شعرت ان من واجبي مساعدتهم على التمتع بمستوى معيشي اعلى.‏

اثناء وجودي في جوهانسبورغ،‏ قرَّرنا انا وصديق لي اسمه إلِياس ان نبحث عن الدين الحقيقي.‏ فزرنا الكنائس المجاورة لكننا لم نجد كنيسة تسدّ حاجاتنا الروحية.‏ بعد ذلك التقى إلِياس شهود يهوه،‏ وانضممنا الى اول جماعة للسود في جوهانسبورغ وحضرنا الاجتماعات بانتظام.‏ عام ١٩٤٢،‏ اعتمدت في سُوِيتو بعدما نذرت حياتي ليهوه.‏ وكلما عدت الى زولوند،‏ كنت احاول ان اخبر كلودينا بمعتقداتي،‏ لكنها كانت منشغلة جدا بنشاطات الكنيسة.‏

مع ذلك اخذت تقارن مطبوعاتنا بكتابها المقدس،‏ وتدريجيا دخل حق كلمة اللّٰه الى قلبها واعتمدت عام ١٩٤٥.‏ وأصبحت خادمة مسيحية غيورة تخبر الجيران بحق الكتاب المقدس وتغرسه في قلوب اولادنا.‏ في هذه الاثناء،‏ حظيت بامتياز مساعدة البعض على تعلُّم حق الكتاب المقدس في جوهانسبورغ.‏ وبحلول عام ١٩٤٥ صار هنالك اربع جماعات من السود في المناطق المجاورة لجوهانسبورغ،‏ وقد عُيِّنت خادم الفرقة في جماعة سْمول ماركِت.‏ وفي الوقت المناسب،‏ نلنا من الجمعية ارشادا مؤسسا على الكتاب المقدس يوصي الرجال المتزوِّجين الذين يعملون بعيدا عن منازلهم بأن يعودوا الى عائلاتهم ويمنحوا المزيد من الاهتمام لمسؤولياتهم كرؤوس للعائلات.‏ —‏ افسس ٥:‏٢٨-‏٣١؛‏ ٦:‏٤‏.‏

لذلك تركت عملي في جوهانسبورغ سنة ١٩٤٩ لأعتني بعائلتي بالطريقة التي يريدها يهوه.‏ وفي مسقط رأسي حصلت على عمل مع مراقِب للمواشي.‏ فكنت اساعد في تغطيس الماشية في حوض يحتوي على مبيد للطفيليات.‏ وقد واجهت صعوبة في إعالة عائلتي التي ضمّت ستة اولاد بالراتب الضئيل الذي تقاضيته،‏ لذلك رحت ابيع البقول والذرة التي زرعناها في ارضنا.‏ ومع ان عائلتنا لم تكن غنية ماديا،‏ فقد ادَّخرنا كنوزا روحية بسبب إصغائنا الى ارشاد يسوع المسجل في متى ٦:‏١٩،‏ ٢٠‏.‏

يتطلب الحصول على هذه الكنوز الروحية جهدا شاقا،‏ تماما كما يتطلب التنقيب عن الذهب في المناجم المحيطة بجوهانسبورغ الكثير من العمل المضني.‏ لذلك كنت اقرأ الآية اليومية مع اولادي كل مساء وأطلب من كل واحد ان يخبرني بما تعلَّمه.‏ وفي نهايات الاسابيع،‏ كنت اصطحبهم في عمل الكرازة كلًّا في دوره.‏ وأثناء سيرنا من مزرعة الى اخرى،‏ كنت اناقش معهم امورا من الاسفار المقدسة وأحاول ان اغرس في قلوبهم مقاييس الكتاب المقدس الادبية السامية.‏ —‏ تثنية ٦:‏٦،‏ ٧‏.‏

لسنوات كثيرة،‏ بقيت عائلتنا العائلة الوحيدة القادرة على استضافة النظار الجائلين.‏ فأثَّر هؤلاء الاخوة وزوجاتهم تأثيرا حسنا في اولادنا الستة ونمّوا فيهم الرغبة في الصيرورة مبشِّرين كامل الوقت.‏ والآن جميع اولادنا،‏ اي خمسة صبيان وبنت واحدة،‏ هم اشخاص راشدون وأقوياء روحيا.‏ فكم انا شاكر على ارشاد هيئة يهوه الذي شجَّع اشخاصا مثلي ان يمنحوا المزيد من الانتباه لحاجات عائلاتهم الروحية!‏ فالبركات التي نلناها تفوق كل ما يمكن للمال ان يشتريه.‏ —‏ امثال ١٠:‏٢٢‏.‏

استمر الاخ يوسِفات بوسانِه يخدم يهوه بأمانة حتى موته سنة ١٩٩٨.‏ ولا يزال اولاده الاحياء يقدِّرون كثيرا ميراثهم الروحي.‏ وواحد منهم،‏ ثيوفيلوس،‏ يخدم كناظر جائل.‏ ويمكن قراءة المزيد من التفاصيل عن حياة الاخ بوسانِه في استيقظ!‏ عدد ٨ تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٩٣،‏ الصفحات ١٩-‏٢٢‏.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحتين ٩٦ و ٩٧]‏

‏«خدمة الملكوت .‏ .‏ .‏ ساعدتني على الاقتراب الى يهوه»‏

توماس سكوسانا

تاريخ الولادة:‏ ١٨٩٤

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٤١

لمحة عن حياته:‏ تعلَّم خمس لغات لكي يساعد الناس روحيا اثناء خدمته كفاتح.‏

عام ١٩٣٨،‏ اعطاني احد الاساتذة بعض الكراريس التي يصدرها شهود يهوه.‏ كنت آنذاك واعظا في الكنيسة الويزلية في بلدة دِلماس التي تبعد نحو ٦٠ كيلومترا الى الشرق من جوهانسبورغ.‏ ولطالما اهتممت اهتماما شديدا بالكتاب المقدس.‏ لذلك عندما قرأت الكراريس،‏ لاحظت ان الكنيسة تعلِّم عقائد لا تنسجم مع ما يرد فيه.‏ فقد علَّمت الكنيسة ان النفس خالدة وأن الاشرار سيُعذَّبون في الهاوية.‏ لكنَّ الكراريس اظهرت لي عكس ذلك استنادا الى الكتاب المقدس.‏ (‏مزمور ٣٧:‏٣٨؛‏ حزقيال ١٨:‏٤‏)‏ كما اظهرت لي ان شعب اللّٰه لن يذهبوا الى السماء،‏ بل سينال معظمهم حياة ابدية على الارض.‏ —‏ مزمور ٣٧:‏٢٩؛‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠‏.‏

فرحت جدا لأنني عرفت هذه الحقائق وأردت ان ألقي موعظة عنها للرعية في كنيستي،‏ لكنّ الواعظين الآخرين رفضوا ذلك وخطَّطوا لطردي.‏ فتركت الكنيسة وبدأت اجتمع مع فريق صغير من شهود يهوه في دِلماس.‏ واعتمدت سنة ١٩٤١،‏ ثم انخرطت في عمل الفتح سنة ١٩٤٣.‏

بعد ذلك،‏ انتقلت الى روستنبورغ،‏ حيث كانت هنالك حاجة الى منادين بالملكوت.‏ ولأنني غريب عن المنطقة،‏ كان عليّ ان اقدِّم طلبا الى الزعيم المحلي للحصول على مسكن وإذن بالبقاء.‏ فطلب ان ادفع له ١٢ باوندا لقاء الإذن.‏ وبما انني لم اكن املك المال،‏ سدَّد المبلغ احد الاخوة البيض الكرماء في المدينة وساعدني ماديا لأتمكن من مواصلة خدمة الفتح.‏ وقد احرز احد الرجال الذين درست معهم تقدُّما روحيا وعُيِّن خادما للجماعة بعدما غادرت المنطقة.‏

انتقلت من روستنبورغ الى مدينة ابعد في الغرب تُدعى ليخْتنْبورغ.‏ وكان عليّ هذه المرة ان اقدِّم طلبا الى مأمور الشرطة الذي كان من البيض للبقاء في منطقة السود في هذه المدينة.‏ فرفض ان يمنحني الإذن.‏ عندئذ لجأت الى فاتح من الاخوة البيض في مدينة مافيكينغ غير البعيدة وطلبت منه المساعدة.‏ وقد زرنا معا مأمور الشرطة،‏ لكنه قال لنا:‏ «لا اريد شهود يهوه هنا.‏ فأنتم تعلِّمون انه لا توجد هاوية.‏ وإذا لم يخف الناس من نار الهاوية،‏ فكيف يفعلون الصواب؟‏».‏

بسبب هذا الرفض انتقلت الى مافيكينغ،‏ حيث لا ازال اخدم كفاتح عادي.‏ ومع ان لغتي الام هي الزولوِية،‏ قرَّرت بُعيد معرفتي الحق ان اتعلَّم الانكليزية لكي اتمكن من قراءة كل مطبوعات شهود يهوه.‏ وهذا الامر ساعدني على النموّ روحيا.‏

تعلَّمت ايضا ان اتكلم السيسوتو،‏ الكوزية،‏ التشوانية،‏ والقليل من الافريقانية لكي اكون فعّالا في الخدمة.‏ وعلى مر السنين حظيت بامتياز مساعدة كثيرين على نذر حياتهم ليهوه،‏ بمن فيهم اربعة اشخاص هم الآن شيوخ.‏ فضلا عن ذلك،‏ ساعدتني الخدمة كامل الوقت من الناحية الصحية.‏

اشكر يهوه كثيرا لأنه سمح لي ان اشيخ شيخوخة صالحة في خدمته.‏ وأنا اعترف انني لم اكتسب المعرفة وأنجح في خدمة الحقل بقوتي الخاصة بل بمساعدة روح يهوه القدس.‏ والأهم من كل شيء ان خدمة الملكوت كامل الوقت كفاتح عادي ساعدتني على الاقتراب الى يهوه وعلَّمتني الاتكال عليه.‏

أُجريت هذه المقابلة عام ١٩٨٢.‏ وقد كان الاخ سكوسانا واحدا من الممسوحين،‏ وحافظ على مسلكه الامين حتى وفاته سنة ١٩٩٢.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ١٠٠ و ١٠١]‏

اول ناظر كورة في جنوب افريقيا

مِلتون بارتلِت

تاريخ الولادة:‏ ١٩٢٣

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٣٩

لمحة عن حياته:‏ اول مرسل مدرَّب في جلعاد عُيِّن في جنوب افريقيا.‏ عمل بكدّ من اجل تقدُّم مصالح الملكوت،‏ وخصوصا في مجتمعات السود.‏

في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٦ وصل مِلتون بارتلِت الى كَيب تاون،‏ وكان اول مرسل مدرَّب في جلعاد يخدم في جنوب افريقيا.‏ وكان تعيينه البدء بالعمل الدائري والكوري،‏ وقد خدم وحده آنذاك كناظر كورة.‏ وفي السنوات اللاحقة،‏ لعب النظار الجائلون دورا كبيرا في ترويج مصالح الملكوت في جنوب افريقيا،‏ وخصوصا في مجتمعات السود.‏

احب الاخوةُ في جنوب افريقيا الاخ مِلتون كثيرا.‏ فقد كان رجلا صبورا يصغي بانتباه الى الآخرين حين يخبرونه عن مشاكلهم.‏ لذلك استطاع ان يرسل الى فرع جنوب افريقيا تقارير مفصَّلة ودقيقة عن المشاكل التي يواجهها الاخوة عموما.‏ وهذا الامر ساهم في مساعدتهم ان يطبِّقوا بشكل ادق مبادئ الكتاب المقدس المتعلقة بالسلوك وطريقة العبادة.‏

تمكَّن مِلتون من تقديم هذه المساعدة لإخوته لأنه كان معلِّما ماهرا وضليعا في الاسفار المقدسة.‏ وقد تحلَّى ايضا بالعزم والمثابرة،‏ صفتان كانتا ضروريتين ليحصل رجل ابيض على إذن من سلطات التمييز العنصري بدخول مناطق السود.‏ فالسلطات المتحاملة غالبا ما رفضت منحه الإذن.‏ فكان عليه ان يلجأ الى سلطات اعلى كالمجلس البلدي،‏ وأن ينتظر بعد ذلك حتى يعقد المجلس اجتماعه التالي ويبطل القرارات التي لم تكن لصالح الاخ مِلتون.‏ وهكذا نجح في الدخول الى معظم مناطق السود.‏

في بعض الاحيان،‏ كانت السلطات ترسل مخبِرين لسماع خطابات مِلتون لأن رجال دين العالم المسيحي اتَّهموا شهود يهوه زورًا بأنهم شيوعيون يثيرون الشغب.‏ وذات مرة،‏ أُرسل شرطي اسود للمراقبة في احد المحافل.‏ كتب مِلتون بعد نحو ٢٠ سنة قائلا:‏ «كان ذلك لصالحنا لأن الشرطي اعتنق العبادة الحقة بسبب ما سمعه في نهاية ذلك الاسبوع،‏ وهو لا يزال قويا في الايمان».‏

عندما وصل مِلتون الى البلد كشاب اعزب عمره ٢٣ سنة،‏ كان عدد الناشرين ٨٦٧‏,٣ شخصا.‏ اما بعد ٢٦ سنة من الخدمة في جنوب افريقيا،‏ فقد بلغ العدد ٠٠٥‏,٢٤ ناشرين.‏ وعام ١٩٧٣،‏ اضطر مِلتون وزوجته شيلا وابنهما جايسون البالغ من العمر سنة واحدة ان يعودوا الى الولايات المتحدة للاعتناء بوالدَي مِلتون المسنَّين.‏ وتَظهر في هذه الصفحة صورة مِلتون وشيلا في جنوب افريقيا سنة ١٩٩٩،‏ عندما حضرا تدشين مباني الفرع الجديدة.‏ وكم فَرِحا حين اجتمعا ثانية،‏ بعد غياب ٢٦ سنة،‏ بكثيرين من الاخوة والاخوات القدماء الذين يتذكرون اعمالهما الحبية!‏

‏[الصورة]‏

مِلتون وشيلا بارتلِت عام ١٩٩٩

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ١٠٧]‏

خلفية فريدة

جبلُ المائدة هو احد المعالم الأخّاذة في جنوب افريقيا،‏ وهو يشكِّل خلفية رائعة لمدينة كَيب تاون.‏ لذلك يعتبرها البعض اجمل مدينة في افريقيا.‏

في فصل الصيف،‏ تكتسي احيانا قمته المنبسطة بسحابة كثيفة جميلة أُعطيت لقبا ملائما:‏ «غطاء المائدة».‏ وتنسج الرياح الشديدة هذا الغطاء حين تصطدم بمنحدرات الجبل وترتفع الى الاعلى،‏ فتتكثَّف الرطوبة التي تحملها مشكِّلة طبقة سميكة من الغيوم تستقر على قمة جبل المائدة.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحات ١١٤-‏١١٧]‏

حافظوا على استقامتهم في السجن

مقابلة مع رووِن بْروكْس

تاريخ الولادة:‏ ١٩٥٢

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٦٩

لمحة عن حياته:‏ سُجن بسبب الحياد المسيحي من كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٧٠ الى آذار (‏مارس)‏ ١٩٧٣.‏ انخرط في الفتح العادي سنة ١٩٧٣ وذهب الى بيت ايل سنة ١٩٧٤.‏ وهو الآن عضو في لجنة الفرع.‏

صِفْ لنا الوضع في السجن العسكري.‏

كان السجن العسكري عبارة عن عدة صفوف طويلة من الغرف يضمّ كل صفَّين متقابلين منها ٣٤ زنزانة ويتوسطهما ممر تجتازه قناة لتصريف المياه.‏ وقد بلغت مساحة سجننا الانفرادي ٢ مترا في ٨‏,١ مترا.‏ وكان يُسمح لنا بالخروج من الزنزانات مرتين في اليوم:‏ في الصباح من اجل الاغتسال وحلق ذقننا وتنظيف الدِّلاء التي استخدمناها كمراحيض،‏ وبعد الظهر من اجل الاستحمام.‏ ولم يُسمح لنا بكتابة او تسلُّم الرسائل ولا بحيازة اقلام ولا كتب غير الكتاب المقدس،‏ وكانت الزيارات ممنوعة عنا.‏

قبل دخول السجن،‏ كان معظم الاخوة قد جلَّدوا كتابهم المقدس مع كتاب آخر،‏ مثل كتاب مساعد على فهم الكتاب المقدس.‏ ولم يدرك الحراس ذلك لأن هذا المجلّد الكبير كان يشبه الكتاب المقدس الافريقاني او الهولندي القديم الذي تملكه عائلاتهم.‏

هل تمكنتم من الحصول على المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس؟‏

اجل،‏ هرَّبنا المطبوعات الى السجن كلما استطعنا ذلك.‏ كنا نحفظ كل مقتنياتنا،‏ بما فيها اغراضنا الشخصية،‏ في حقائب في احدى الزنزانات الفارغة.‏ وكان الحارس يسمح لنا بالذهاب مرة في الشهر الى تلك الزنزانة لأخذ ما ينقصنا من تلك الاغراض.‏ لكنّ هذه الحقائب احتوت ايضا على بعض المطبوعات.‏

كان احدنا يلهي الحارس بالتكلم معه فيما يخبِّئ الآخر الكتاب تحت سرواله او قميصه.‏ وحين نعود الى الزنزانة،‏ نقسم الكتاب الى مَلازم لتسهل تخبئتها.‏ ثم نمرِّرها بالدور الى كل واحد منا لنتمكن جميعا من قراءتها.‏ لقد وجدنا مخابئ كثيرة،‏ فبعض الزنزانات كانت مهمَلة الى حد ان الثقوب ملأت كل جزء منها.‏

فُتِّشت زنزاناتنا بشكل مستمر،‏ وأحيانا في منتصف الليل.‏ وكان الحراس يجدون دائما بعض المطبوعات ولكن ليس كلها.‏ وغالبا ما كان احد الجنود المتعاطفين يحذِّرنا مسبقا حين يريدون اجراء عملية تفتيش.‏ فكنا نلفّ المطبوعات معا ونغلِّفها بالبلاستيك ونحشرها في انابيب الصرف.‏ وفي احد الايام،‏ فوجئنا بعد هبوب عاصفة قوية برؤية احدى هذه الرزم طافية في قناة التصريف بين الزنزانات.‏ وراح بعض السجناء العسكريين يلعبون بها وكأنها طابة كرة قدم.‏ وفجأة ظهر احد الحراس وأمرهم بالعودة الى زنزاناتهم.‏ ولم يُعِر احد الرزمة اي اهتمام اضافي،‏ الامر الذي اراحنا ومكَّننا من استعادتها حين أُخرجنا من زنزاناتنا بعد وقت قصير.‏

هل امتُحنت استقامتكم اثناء وجودكم في السجن؟‏

نعم باستمرار.‏ فالمسؤولون عن السجن حاولوا دائما كسر استقامتنا بشتى الطرائق.‏ مثلا،‏ عاملونا ذات مرة معاملة حسنة جدا.‏ فقد جلبوا لنا طعاما اضافيا وأخرجونا من زنزاناتنا لنمارس التمارين الرياضية،‏ حتى انهم سمحوا لنا ان نتمدَّد في الشمس.‏ وبعد ايام قليلة أمرونا فجأة ان نلبس البدلة العسكرية.‏ وعندما رفضنا عاملونا بقساوة كالسابق.‏

بعد ذلك،‏ امرونا ان نرتدي الخوذة العسكرية البلاستيكية.‏ وحين رفضنا،‏ غضِبَ الضابط المسؤول ولم يعد يسمح لنا ان نستحمّ بالمِرَشّ.‏ وأُعطي كل واحد منا دلوا ليغتسل في زنزانته.‏

لم يكن لدينا احذية وكانت اقدام بعض الاخوة تنزف دما.‏ لذلك صنعنا لأنفسنا احذية بجمع قطع من البطَّانيات القديمة التي استُعملت لتنظيف الارض.‏ كما اننا وجدنا سلكا نحاسيا وجعلنا احد طرفيه مسطَّحا والآخر حادا.‏ وبواسطة مسمار،‏ ثقبنا الطرف المسطَّح واستخدمنا السلك كإبرة خياطة.‏ ثم انتزعنا خيوطا من بطَّانياتنا وخِطنا تلك القطع القديمة صانعين منها احذية ليِّنة.‏

وذات مرة،‏ أُمرنا دون اي إشعار مسبق ان يدخل كل ثلاثة منا الى زنزانة واحدة.‏ ومع ان الزنزانة كانت ضيقة علينا،‏ عاد علينا هذا الوضع بالفائدة.‏ فقد رتَّبنا ان ينضم الاخوة الاضعف روحيا الى الاخوة الاكثرة خبرة.‏ وكنا نعقد جلسات للتمرُّن على دروس الكتاب المقدس وخدمة الحقل.‏ فارتفعت معنوياتنا،‏ مما اثار استياء الضابط المسؤول.‏

وحين ادرك الضابط ان خطته باءت بالفشل،‏ امر ان يُسجن كل شاهد مع سجينين من غير الشهود.‏ ومع ان اولئك السجناء أُعطوا تعليمات صارمة بعدم التحدث الينا،‏ راحوا يطرحون الاسئلة علينا.‏ وكان لدينا متسع من الوقت للشهادة.‏ نتيجة لذلك،‏ رفض واحد او اثنان من هؤلاء السجناء الاشتراك في بعض النشاطات العسكرية.‏ فما كان من الضابط إلا ان اعاد وضع كل سجين في زنزانة.‏

هل استطعتم عقد الاجتماعات؟‏

عقدنا اجتماعاتنا بانتظام.‏ كان يعلو باب كل زنزانة نافذة ذات سبعة قضبان عمودية وشبكة من الاسلاك المعدنية.‏ فربطنا طرفَي البطانية باثنين من القضبان العمودية صانعين ارجوحة صغيرة نستطيع الجلوس فيها.‏ ومن هناك استطعنا ان نرى الاخ في الزنزانة المواجهة لنا وأن نرفع صوتنا ليسمعنا الآخرون في المبنى.‏ فكنا نقرأ الآية اليومية كل يوم ونعقد درس برج المراقبة اذا كانت المجلة متوفرة.‏ كما اننا انهينا كل يوم بتقديم كلمة صلاة عامة بالتناوب.‏ حتى اننا عقدنا محفلا دائريا أعددناه نحن بأنفسنا.‏

صنعنا ترتيباتنا الخاصة للاحتفال بالذِّكرى لأننا لم نكن متأكِّدين إن كانت السلطات ستسمح لأحد الشيوخ بدخول السجن للاحتفال معنا.‏ فنقعنا القليل من الزبيب في الماء لصنع النبيذ،‏ كما جعلنا جزءا من حصتنا من الخبز مسطَّحا وجفَّفناه.‏ وفي احدى هذه المناسبات،‏ مُنحنا الاذن بالحصول على زجاجة نبيذ صغيرة وبعض الخبز الفطير من الاخوة في الخارج.‏

هل تغيَّر الوضع مع الوقت؟‏

تحسَّنت الظروف مع الوقت.‏ فقد تغيَّر القانون وأُطلق سراح فريقنا.‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ كان يُحكم على المعترضين على الخدمة العسكرية بسبب مبادئهم الدينية بالسجن مدة حدَّدها القانون من دون محاكمات اضافية.‏ ولاحقا بعد اطلاق سراح فريقنا المؤلف من ٢٢ اخا،‏ عومل اخوتنا الـ‍ ٨٨ الباقون معاملة السجناء العادية.‏ فقد سُمح بزيارتهم مرة في الشهر كما سُمح لهم بكتابة الرسائل وتسلُّمها.‏

هل وجدتم صعوبة في التكيف مع الحياة بعد إخلاء سبيلكم؟‏

اجل،‏ استلزم التكيف مع الحياة خارج السجن بعض الوقت.‏ مثلا،‏ كان الاختلاط بمجموعة كبيرة من الناس يثير اعصابنا.‏ وقد تعاطف معنا والدونا والاخوة في الجماعة وساعدونا ان نتحمل تدريجيا المزيد من المسؤوليات في جماعاتنا.‏

صحيح ان تلك الاوقات كانت عصيبة،‏ لكنها افادتنا كثيرا.‏ فامتحانات الايمان قوَّتنا روحيا وعلَّمتنا الاحتمال.‏ وأصبحنا نقدِّر الكتاب المقدس حق التقدير،‏ وتعلَّمنا اهمية قراءته والتأمل فيه كل يوم.‏ كما تعلَّمنا ان نثق بيهوه.‏ وبعد هذه التضحيات التي قمنا بها للبقاء امناء ليهوه،‏ صمَّمنا ان نستمر في اتّباع هذا النمط وأن نقدِّم له افضل ما لدينا،‏ منخرطين في الخدمة كامل الوقت إن امكن.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحات ١٢٦-‏١٢٨]‏

وثقنا بيهوه في اوقات الشدة

زِبْلون نْكومالو

تاريخ الولادة:‏ ١٩٦٠

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٥

لمحة عن حياته:‏ كان عضوا في حركة الرأس تافاري الدينية قبل ان يتعلم الحق.‏ وبُعيد معموديته انخرط في الخدمة كامل الوقت.‏ وهو يخدم الآن كناظر دائرة برفقة زوجته نوموسا.‏

بعد المساهمة في بناء بيت ايل في كْروجَرْزْدورپ،‏ عُيِّنا انا ورفيقي في الفتح لنخدم حيث الحاجة اعظم في كْواندينڠيزي قرب مدينة دوربان.‏ وبعد وصولنا بأيام قليلة،‏ ارسل فريق سياسي خمسة شبّان الى بيتنا بهدف تقصِّي الحقائق.‏ وطلبوا منا ان ندعمهم في حماية منطقتهم من فريق سياسي منافس.‏ وكان العداء بين هذين الفريقين اللذين يتكلمان الزولوِية قد تسبَّب بسفك الكثير من الدماء في تلك الناحية من جنوب افريقيا.‏ فسألناهم ماذا يظنون انه الحل لهذا العنف.‏ اجابوا ان السبب الرئيسي للعنف هو حكم الرجل الابيض.‏ فأشرنا الى بلدان اخرى في افريقيا تمزِّقها الحرب ويعاني مواطنوها الفقر.‏ ثم ذكَّرناهم بالقول المأثور:‏ «التاريخ يُعيد نفسه».‏ فوافقوا على ان الجريمة والعنف والامراض ستبقى على حالها حتى لو تولَّى السود حكم البلد.‏ بعد ذلك،‏ فتحنا الكتاب المقدس وأظهرنا لهم ان ملكوت اللّٰه هو الحكومة الوحيدة القادرة على حلّ مشاكل البشر.‏

وبعد بضع ليالٍ،‏ سمعنا حشدا من الشبان يتلون اناشيد الحرية ورأينا رجالا يطلقون النار من اسلحتهم.‏ كما كانوا يضرمون النيران في البيوت ويقتلون الناس.‏ فتملَّكنا الخوف وبدأنا نصلِّي الى يهوه ليمنحنا القوة كي لا يجعلنا التهديد او الترهيب نتثبَّط او نكسر استقامتنا.‏ وتذكَّرنا ايضا الشهداء الذين لم ينكروا يسوع في ظل ظروف مماثلة.‏ (‏متى ١٠:‏٣٢،‏ ٣٣‏)‏ وعلى الفور،‏ قرع فريق من الشبان والراشدين باب بيتنا.‏ ودون ان يلقوا علينا التحية،‏ طلبوا منا المال لشراء الإنتيليزي،‏ كلمة زولوِية تشير الى دواء يُزعَم انه يزوِّد الحماية،‏ وهو متوفر لدى الاطباء المشعوذين.‏ فتوسلنا اليهم ان يتحلّوا بالصبر وسألناهم:‏ «هل تعتقدون انه من الصواب ان يروِّج الاطباء المشعوذون القتل بواسطة السحر؟‏».‏ وسألناهم ايضا:‏ «كيف تشعرون اذا وقع احد اقربائكم الاحباء ضحية السحر؟‏».‏ فوافق الجميع ان هذا الامر رديء للغاية.‏ عندئذ فتحنا الكتاب المقدس وطلبنا من قائدهم ان يقرأ وجهة نظر اللّٰه من السحر المدوَّنة في التثنية ١٨:‏١٠-‏١٢‏.‏ وبعدما قرأ هذه الاعداد،‏ سألناهم عن رأيهم،‏ لكنهم كانوا مشدوهين.‏ فانتهزنا الفرصة وسألناهم اي مسلك يعتبرونه حكيما،‏ الاصغاء الى يهوه ام الاصغاء اليهم؟‏ فغادروا المكان دون ان ينبسوا بكلمة.‏

لقد نجونا من اخطار كثيرة مماثلة اكَّدت لنا ان يهوه الى جانبنا.‏ على سبيل المثال،‏ اتى في احدى الامسيات الى بيتنا فريق آخر يطلب افراده المال لشراء الاسلحة من اجل «حماية» السكان.‏ وتشكّوا انهم لا يشعرون بالامن بسبب الفريق السياسي المعارِض،‏ وقالوا ان الحلّ هو شنّ هجوم مضادّ عليهم بأسلحة اكثر تطورا.‏ ووضعوا امامنا خيارَين:‏ إما ان نعطيهم المال او نحصد عواقب وخيمة.‏ عندئذ ذكَّرناهم ان منظّمتهم وقَّعت ميثاقا يضمن حقوق الانسان واحترام ضمائر الآخرين.‏ وسألناهم:‏ «ألا تفضِّلون الموت على مخالفة الدستور الذي تؤيِّدونه؟‏».‏ فأجابوا بنعم.‏ فأوضحنا لهم اننا ننتمي الى هيئة يهوه،‏ وأن «دستورنا» هو الكتاب المقدس،‏ وهذا الكتاب يدين القتل.‏ وفي النهاية،‏ قال قائد الفريق لرفاقه:‏ «افهم موقف هذين الرجلين.‏ فهما يوضحان لنا انه لو كان الهدف من جمع المال تنمية وإعمار منطقتنا —‏ كبناء دار للعجزة —‏ او لو كان جيرانهما بحاجة الى المال لدخول المستشفى،‏ فهما مستعدان للتبرع به.‏ لكنهما لن يتبرَّعا لنا من اجل القتل».‏ حينئذ وقف الفريق استعدادا للرحيل،‏ فصافحناهم وشكرناهم على صبرهم.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحات ١٣١-‏١٣٤]‏

اخوات عازبات صرفن ١٠٠ سنة في الخدمة كمترجمات

يستخدم عدد من الاخوة والاخوات في عائلة بيت ايل في جنوب افريقيا عطية العزوبة ليقوموا بعمل الملكوت البالغ الاهمية.‏ (‏متى ١٩:‏١١،‏ ١٢‏)‏ وقد صرفت هؤلاء الاخوات الثلاث ما مجموعه ١٠٠ سنة في ترجمة الطعام الروحي الذي يزوِّده «العبد الامين الفطين».‏ —‏ متى ٢٤:‏٤٥‏.‏

ماريّا موليپو:‏

وُلدتُ في مقاطعة ليمپوپو في جنوب افريقيا.‏ وقد علَّمتني اختي الاكبر سنا أليت الحق وأنا بعد في المدرسة.‏ وعندما انهيت تعليمي المدرسي عرضَتْ عليّ احدى اخواتي،‏ وهي ليست من شهود يهوه،‏ ان تتكفَّل بنفقات تعليمي لمدة ثلاث سنوات في الكلية لأصير معلِّمة كفؤة.‏ فرفضت عرضها السخي لأنني اردت ان اخدم يهوه كفاتحة مع اختيَّ أليت وإليزابيث.‏ واعتمدت سنة ١٩٥٣،‏ وكنت ابلغ مطلب ساعات الفتح من حين الى آخر خلال ست سنوات،‏ قبل ان اقدِّم طلبا وأُعيَّن رسميا فاتحة عادية سنة ١٩٥٩.‏

عام ١٩٦٤،‏ دعاني الفرع في جنوب افريقيا الى العمل بدوام جزئي في ترجمة الطعام الروحي الى اللغة السپيدية.‏ فقمت بهذا العمل فيما استمررت في خدمتي كفاتحة.‏ ثم عام ١٩٦٦،‏ دُعيت الى الخدمة كعضو في عائلة بيت ايل في جنوب افريقيا.‏ لم تكن خدمة بيت ايل كما تخيَّلتها.‏ فقد افتقدت كثيرا الاشتراك في خدمة الحقل كل يوم.‏ لكنني سرعان ما عدَّلت وجهة نظري اذ اعتبرت نهايات الاسابيع،‏ من السبت بعد الظهر الى الاحد مساء،‏ وقتا اخدم فيه كفاتحة مع انني لم اتمكن من بلوغ مطلب الساعات.‏ وقد تمتعت كثيرا بخدمة الحقل في نهايات الاسابيع،‏ وغالبا ما كنت اتأخر عن موعد العشاء يوم السبت او الاحد.‏ وكم فرحت بالتعديل الذي اتاح للاخوات الاكبر سنا في بيت ايل ان يأخذن ايام السبت قبل الظهر إجازة،‏ لأنني تمكنت من استخدام هذا الوقت الاضافي في خدمة الحقل!‏

في السنوات الثماني الاولى من خدمتي في بيت ايل،‏ كانت احدى الاخوات المترجمات رفيقتي في الغرفة،‏ وكنا نقيم في بناء منفصل عن مسكن بيت ايل.‏ في البداية،‏ كانت السلطات تسمح لنا ان نسكن قرب اخوتنا البيض،‏ لكنها عام ١٩٧٤ لم تعد تسمح بذلك.‏ فاضطر المترجمون السود مثلي ان يسكنوا في المناطق المخصصة للسود.‏ فمكثت مع عائلة من الشهود في تِمبيسا،‏ وكان عليَّ ان اقطع مسافة طويلة كل يوم من وإلى بيت ايل.‏ وحين شُيِّد الفرع الجديد في كْروجَرْزْدورپ سكنت من جديد مع باقي عائلة بيت ايل لأن السلطات اصبحت اكثر تساهلا في تطبيق سياستها.‏

اشكر يهوه كثيرا لأنه مكَّنني من الاستمرار حتى هذا اليوم في خدمتي كمترجمة في بيت ايل.‏ وفي الواقع،‏ باركني يهوه كثيرا لأنني استخدمت عطية العزوبة في خدمته بحيث ان اختي الاصغر آنا اختارت ايضا ان تبقى عزباء،‏ وهي تتمتع بعمل الكرازة كامل الوقت منذ ٣٥ سنة.‏

تْسيلينڠ موتشيكيلي:‏

وُلدتُ في مدينة تِياتِيانينغ في ليسوتو.‏ كانت امي متديِّنة كثيرا وكانت تجبرنا انا وإخوتي على مرافقتها الى الكنيسة،‏ الامر الذي كنت اكرهه كثيرا.‏ ثم صارت خالتي واحدة من شهود يهوه،‏ وأخبرت امي عن ايمانها.‏ ورغم انني فرحت حين توقفت امي عن الذهاب الى الكنيسة،‏ لم اهتم بالحق لأنني احببت العالم وتسليته.‏

عام ١٩٦٠،‏ ذهبت الى جوهانسبورغ لأكمل دراستي.‏ وفيما كنت اغادر البيت،‏ توسَّلت اليّ امي قائلة:‏ «من فضلك تْسيلينڠ،‏ فتِّشي عن الشهود حين تصلين الى جوهانسبورغ وحاولي ان تصيري واحدة منهم».‏ في البداية،‏ أُعجبت كثيرا بكل اشكال التسلية الموجودة في جوهانسبورغ.‏ ولكن حين اختلطت بالناس وعرفت كيف يعيشون،‏ صدمني الفساد الادبي الجنسي الذي يمارسونه.‏ ثم تذكَّرت كلمات امي وبدأت احضر اجتماعات شهود يهوه في سُوِيتو.‏ اتذكّر انني صلَّيت في اول اجتماع حضرته:‏ «ساعِدني يا يهوه لأنني اريد ان اصير واحدة من شهودك».‏ وسرعان ما بدأت اشترك في الخدمة واعتمدت في تموز (‏يوليو)‏ من السنة نفسها.‏ وبعد إنهاء دراستي عدت الى امي في ليسوتو،‏ وكانت هي ايضا قد اعتمدت.‏

عام ١٩٦٨،‏ دعاني الفرع في جنوب افريقيا الى الخدمة كامل الوقت كمترجمة الى لغة السيسوتو.‏ ولسنوات كثيرة،‏ كنت اقوم بهذا التعيين وأنا اعيش في منزل امي.‏ وحين مررنا بظروف عصيبة ماديا،‏ اقترحتُ على عائلتي ان اتوقف عن الخدمة كامل الوقت لأحصل على عمل وأدعمهم.‏ لكنّ امي وأختي الاصغر دوپيلو،‏ وهي ايضا اخت معتمدة،‏ رفضتا ان تسمعا شيئا كهذا.‏ فهما تقدِّران كثيرا امتياز دعمي في تعييني كمترجمة كامل الوقت.‏

عام ١٩٩٠،‏ صرت جزءا من عائلة بيت ايل في جنوب افريقيا في مباني الفرع الجديدة في كْروجَرْزْدورپ،‏ حيث لا ازال احظى بامتياز العمل في الترجمة.‏ ولست نادمة على اختياري ان ابقى عزباء.‏ بل على العكس،‏ اشكر يهوه من اعماق قلبي لأنه باركني بحياة سعيدة ذات معنى.‏

نورس إنْكونا:‏

وُلدتُ في مدينة بوشْبكْريدْج شمالي شرقي جنوب افريقيا.‏ كانت امي واحدة من شهود يهوه،‏ وقد ربَّتني في الحق رغم انها كانت تعمل بدوام كامل لكي تساعد ابي في اعالة العائلة.‏ كما علَّمتني القراءة قبل ان اذهب الى المدرسة،‏ الامر الذي ساعدني على الاشتراك في عمل الكرازة في وسط الاسبوع مع اخت مسنّة كانت فاتحة عادية.‏ فقد كان نظر هذه الاخت ضعيفا،‏ لذلك كنت اساعدها في القراءة اثناء الخدمة.‏ حتى بعدما بدأت اذهب الى المدرسة،‏ بقيت اشترك معها في خدمة الحقل بعد الظهر.‏ ان معاشرة خدام يهوه كامل الوقت غرست فيّ المحبة للخدمة.‏ كما ان رؤية الناس يأخذون موقفهم الى جانب الحق جلبت لي الفرح.‏ لذلك حين بلغت العاشرة من العمر تقريبا،‏ صلَّيت الى يهوه وعبّرت له عن رغبتي في قضاء حياتي في عمل الكرازة كامل الوقت.‏ وقد اعتمدت سنة ١٩٨٣،‏ وقمت بعمل دنيوي عدة سنوات لأساهم في إعالة عائلتي ماديا.‏ ولكيلا انمي المحبة للمال،‏ امر كان سيعيقني عن بلوغ هدف الخدمة كامل الوقت،‏ طلبت من امي ان تتصرف هي براتبي.‏ وعام ١٩٨٧،‏ استقلت من عملي حين قُبل طلبي ان اخدم مع عائلة بيت ايل في جنوب افريقيا كمترجمة الى الزولوِية.‏

تجلب لي الخدمة كأخت عزباء في بيت ايل افراحا كثيرة.‏ فالتعليقات التي تُقدَّم في العبادة الصباحية تساعدني على تحسين خدمتي في الحقل.‏ كما تساعدني الخدمة جنبا الى جنب مع الرفقاء العباد ذوي الخلفيات المختلفة على تحسين شخصيتي المسيحية.‏ صحيح انني لم انجب اولادا،‏ لكن لديّ الكثير من الاولاد والاحفاد الروحيين.‏ فربما لو اخترت ان اتزوج وتكون لي عائلتي الخاصة لما حظيت بهم.‏

فيما كانت هؤلاء الاخوات العازبات الثلاث يخدمن بدأب كمترجمات في بيت ايل،‏ ساعدن ٣٦ شخصا ان يصيروا عبادا ليهوه منتذرين ومعتمدين.‏

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ١٤٦ و ١٤٧]‏

جبال رائعة الجمال

تمتد سلسلة جبال دْراكنزبَرْغ قرابة ٠٠٠‏,١ كيلومتر عبر جنوب افريقيا.‏ لكنّ الجزء الذي يشكِّل حدودا طبيعية بين كوازولو-‏ناتال وليسوتو هو الاروع في هذه السلسلة.‏ وغالبا ما يُدعى سويسرا جنوب افريقيا.‏

تجتذب القمم الوعرة في هذه السلسلة متسلِّقي الجبال المغامرين.‏ ومنها قمة سِنتينِل المهيبة،‏ قمة مونْكْس كاوْل الملساء الخطرة،‏ وقمة دِڤيلز تُوث المخيفة ذات الجروف الشديدة الانحدار.‏ ورغم ان تسلُّق هذه القمم محفوف بالمخاطر،‏ فإن بعض الممرات الشاهقة آمنة ولا يتطلب تسلُّقها معدات خصوصية.‏ وبالطبع،‏ من المهم ان يتقيد المتسلِّق بقوانين الجبال.‏ فحيازة ثياب دافئة وخيمة ومخزون من الطعام امر اساسي،‏ لأن البرد يمكن ان يكون قارسا والرياح شديدة في الليل.‏

وكل سنة يهرب الآلاف من محبّي التنزه في الجبال والمخيِّمين ومتسلِّقي الجبال من ضغط المدن وتلوُّثها ويأتون الى هنا للتمتع بهواء الجبال العليل،‏ مياهها العذبة المنعشة،‏ وعظمة مرتفعاتها المهيبة.‏

‏[الصورة]‏

رسم على الصخر خطَّه شعب البُشمان

‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ١٥٨ و ١٥٩]‏

تحررتُ من الارواحية وتعدُّد الزوجات

آيزك تْسيهلا

تاريخ الولادة:‏ ١٩١٦

تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٥

لمحة عن حياته:‏ بعد ان خيَّب العالم المسيحي أمله،‏ صار طبيبا مشعوذا وجمع ثروة طائلة قبل ان يتعرَّف بالحق.‏

ترعرع آيزك وثلاثة من اصدقائه،‏ ماتْلاباني ولوكاس وفيليب،‏ في جبال سيكوكوني التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من جنوب افريقيا.‏ وبعد ان رأى هؤلاء الشبان الاربعة الرياء بين اعضاء الكنيسة الرسولية،‏ قرّروا تركها والتفتيش عن الدين الحقيقي.‏ ومع الوقت،‏ فقدوا الاتصال بعضهم ببعض.‏

ولاحقا صار اصدقاء آيزك الثلاثة هم وزوجاتهم شهودا ليهوه.‏ ولكن ماذا حدث لآيزك؟‏ لقد اتّبع خطوات ابيه الذي كان طبيبا مشعوذا مشهورا،‏ وسعى وراء تحصيل المال.‏ فأصبح شخصا ثريا يملك مئة رأس من الماشية بالاضافة الى حساب مصرفي كبير.‏ وكما هي الحال مع الاشخاص الاثرياء في افريقيا،‏ كان لدى آيزك زوجتان.‏ وفي تلك الاثناء،‏ قرّر ماتْلاباني ان يفتش عن آيزك ويخبره كيف وجد اصدقاؤه الثلاثة السابقون الدين الحقيقي.‏

سُرَّ آيزك بلقاء ماتْلاباني من جديد،‏ وكان متشوِّقا ان يعرف لماذا صار اصدقاؤه القدامى من شهود يهوه.‏ فابتدأ يدرس الكتاب المقدس بواسطة كراسة تمتعوا بالحياة على الارض الى الابد!‏.‏ وقد رأى الصورة التي تحمل الرقم ١٧ في الطبعة المحلية،‏ ويَظهر فيها طبيب مشعوذ افريقي يرمي العظام على الارض ليكتشف الجواب عن سؤال طرحه احد زبائنه.‏ فاندهش آيزك حين علم بناءً على الآيتين في التثنية ١٨:‏١٠،‏ ١١ المشار اليهما في تلك الصفحة ان هذه الممارسات الارواحية لا ترضي اللّٰه.‏ كما انزعج حين رأى الصورة رقم ٢٥ التي يَظهر فيها رجل مع عدد من زوجاته،‏ وتحت الصورة يُشار الى ١ كورنثوس ٧:‏١-‏٤ التي توضح ان المسيحي الحقيقي لا يمكنه ان يتزوَّج بأكثر من امرأة واحدة.‏

اراد آيزك ان يطيع مبادئ الاسفار المقدسة.‏ لذلك صرف زوجته الثانية وسجّل زواجه الاول شرعيا،‏ مع انه كان بعمر ٦٨ سنة.‏ وتوقف ايضا عن ممارسة مهنته كطبيب مشعوذ ورمى العظام التي يستعملها في العِرافة.‏ وذات يوم فيما كان يدرس الكتاب المقدس،‏ جاءه زبونان من منطقة بعيدة ليدفعا له ٥٥٠ راندًا (‏ما يعادل ١٤٠ دولارا اميركيا في ذلك الوقت)‏ لأنهما كانا يَدينان له بهذا المبلغ لقاء خدماته كطبيب مشعوذ.‏ فرفض قبول المال وأخبر الرجلين عن بشارة الملكوت.‏ ثم شرح لهما انه توقف عن ممارسة مهنته السابقة،‏ وهو الآن يدرس الكتاب المقدس وينوي ان يصير من شهود يهوه.‏ وسرعان ما بلغ آيزك غايته واعتمد هو وزوجته فلورينا سنة ١٩٨٥.‏ ومنذ سنوات يخدم آيزك،‏ البالغ من العمر الآن ٩٠ سنة،‏ كشيخ في الجماعة المسيحية.‏

‏[الجدول/‏الرسم البياني في الصفحتين ١٢٤ و ١٢٥]‏

نبذة تاريخية —‏ جنوب افريقيا

١٩٠٠

١٩٠٢:‏ وصول المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس الى جنوب افريقيا.‏

١٩١٠:‏ وليم و.‏ جونستون يؤسس مكتب فرع في دوربان.‏

١٩١٦:‏ وصول «رواية الخلق المصوَّرة».‏

١٩١٧:‏ نقل مكتب الفرع الى كَيب تاون.‏

١٩٢٠

١٩٢٤:‏ شحن مطبعة الى كَيب تاون.‏

١٩٣٩:‏ اول نسخة من مجلة التعزية تُطبع بالافريقانية.‏

١٩٤٠

١٩٤٨:‏ بناء قاعة ملكوت قرب كَيب تاون.‏

١٩٤٩:‏ برج المراقبة تُطبَع بالزولوِية.‏

١٩٥٢:‏ انتهاء بناء بيت ايل في إلَنْسْفونْتايْن.‏

١٩٧٩:‏ تركيب مطبعة أوفست دوَّارة TKS.‏

١٩٨٠

١٩٨٧:‏ بناء بيت ايل جديد في كْروجَرْزْدورپ؛‏ وقد جرى توسيعه سنة ١٩٩٩.‏

١٩٩٢:‏ اول قاعة ملكوت تُشيَّد بطريقة البناء السريع في سُوِيتو.‏

٢٠٠٠

٢٠٠٤:‏ توسيع المطبعة،‏ وإنتاج المطبوعات بواسطة مطبعة من طراز MAN Roland Lithoman.‏

٢٠٠٦:‏ ذروة الناشرين ٨٧٧‏,٧٨.‏

‏[الرسم البياني]‏

‏(‏انظر المطبوعة)‏

مجموع الناشرين

مجموع الفاتحين

٠٠٠‏,٨٠

٠٠٠‏,٤٠

١٩٠٠ ١٩٢٠ ١٩٤٠ ١٩٨٠ ٢٠٠٠

‏[الجدول/‏الصور في الصفحتين ١٤٨ و ١٤٩]‏

لغات متعددة

تنتج مطبعة جنوب افريقيا مجلة برج المراقبة بـ‍ ٣٣ لغة

تنوُّع في الازياء

يمكنك ان تجد في افريقيا مجموعة منوَّعة زاهية الالوان من اللباس والحُليّ وتصاميم الاقمشة،‏ وهي تختلف باختلاف العروق التي تعيش في هذه القارة

الزولوِية

التحية:‏ ‏«سانيبونا»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٦٧٧‏,١٠

الناشرون:‏ ٠٠٠‏,٢٩

السيسوتو

التحية:‏ ‏«لوميلانڠ»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٥٥٥‏,٣

الناشرون:‏ ٥٣٠‏,١٠

السپيدية

التحية:‏ ‏«ثوبيلا»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٢٠٩‏,٤

الناشرون:‏ ٤١٠‏,٤

التسونڠية

التحية:‏ ‏«كْسيواني»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٩٩٢‏,١

الناشرون:‏ ٥٤٠‏,٢

الكوزية

التحية:‏ ‏«مولْوِيني

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٩٠٧‏,٧i

الناشرون:‏ ٥٩٠‏,١٠j

الافريقانية

التحية:‏ ‏«هالو»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٩٨٣‏,٥

الناشرون:‏ ٥١٠‏,٧

التشوانية

التحية:‏ ‏«دوميلانڠ»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٠٠٠‏,٦٧٧‏,٣

الناشرون:‏ ٠٧٠‏,٤

الڤِندا

التحية:‏ ‏«ري أ ڤوسا»‏

عدد الناطقين بها:‏ ٨٠٠‏,٠٢١‏,١

الناشرون:‏ ٤٨٠

‏[الحاشيتان]‏

i جميع الارقام تقريبية.‏

j جميع الارقام تقريبية.‏

‏[صورة تغطي كامل الصفحة ٦٦]‏

‏[الصورة في الصفحة ٧١]‏

شجرة الراتينجية السوداء

‏[الصورة في الصفحة ٧٤]‏

سْتوفِل فُوري

‏[الصورة في الصفحة ٧٤]‏

‏«دروس في الاسفار المقدسة»‏

‏[الصورة في الصفحة ٧٤]‏

جماعة دوربان مع وليم و.‏ جونستون سنة ١٩١٥

‏[الصورة في الصفحة ٧٥]‏

يوهانس تشانڠي وعائلته

‏[الصورة في الصفحة ٧٥]‏

اول مكتب فرع كان غرفة صغيرة في هذا المبنى

‏[الصورة في الصفحة ٧٧]‏

ياپي تِرون

‏[الصورة في الصفحة ٧٩]‏

هنري ميردِل

‏[الصورة في الصفحة ٧٩]‏

پيت دو ياهِر

‏[الصورة في الصفحة ٨٢]‏

هنري أنكيتيل عام ١٩١٥

‏[الصورة في الصفحة ٨٢]‏

دايڤيد وڠريس تايلور

‏[الصورة في الصفحة ٨٢]‏

هذا الكراس الذي صدر سنة ١٩٣١ احتوى على قرار تبنّي الاسم شهود يهوه

‏[الصور في الصفحة ٨٤]‏

عائلة بيت ايل سنة ١٩٣١ في كَيب تاون،‏ ويبدو بينهم جورج وستيلّا فيلپس

‏[الصورة في الصفحة ٨٧]‏

التسجيل باللغة الكوزية

‏[الصورة في الصفحة ٨٧]‏

أندرو جاك ومطبعة الفرونتكس سنة ١٩٣٧

‏[الصورة في الصفحة ٨٧]‏

اول عدد من مجلتَي «التعزية» و «برج المراقبة» بالافريقانية

‏[الصورة في الصفحة ٩٠]‏

مندوبون في المحفل في جوهانسبورغ عام ١٩٤٤

‏[الصورة في الصفحة ٩٠]‏

الاعلان عن خطاب بواسطة لافتات سنة ١٩٤٥

‏[الصورة في الصفحة ٩٠]‏

پيت ڤِنْتْسِل وفرانس مولر يحملان فونوغرافات سنة ١٩٤٥

‏[الصورة في الصفحة ٩٥]‏

خِيرْت نيل،‏ خادم للاخوة،‏ سنة ١٩٤٣

‏[الصورة في الصفحة ٩٥]‏

الشهادة في الارياف سنة ١٩٤٨

‏[الصورة في الصفحة ٩٩]‏

أندرو ماسوندو وزوجته الثانية آيڤي

‏[الصورة في الصفحة ٩٩]‏

لوك وجويس دْلادْلا

‏[الصورة في الصفحة ٩٩]‏

اول مجلة «برج المراقبة» بالزولوِية

‏[الصورة في الصفحة ١٠٢]‏

ساعد مثال ڤيلو نايكر ١٩٠ عضوا من عائلته على قبول الحق

‏[الصورتان في الصفحة ١٠٢]‏

ڠوپال كوپسامي بعمر ٢١ سنة واليوم مع زوجته سوسيلا.‏ لقد ساعدا ١٥٠ شخصا على الانتذار ليهوه

‏[الصورتان في الصفحتين ١٠٤‏،‏ ١٠٥]‏

إيزابيلا إيليراي

دورين كيلڠور

‏[الصورة في الصفحتين ١٠٨،‏ ١٠٩]‏

المبنى القديم سنة ١٩٥٢

بيت ايل في إلَنْسْفونْتايْن سنة ١٩٧٢

‏[الصور في الصفحة ١١٠]‏

اوجه بارزة للمحافل

‏(‏في الاعلى)‏ اصدار كتاب «الاولاد» عام ١٩٤٢؛‏ (‏في الوسط)‏ مرشحو المعمودية سنة ١٩٥٩؛‏ (‏في الاسفل)‏ جوقة من الاخوة الكوزيين يرحبون بالمندوبين سنة ١٩٩٨

اعتمد ٤٢٨‏,٣ شخصا السنة الماضية!‏

‏[الصورة في الصفحة ١٢١]‏

احتمل إلايجا دْلودْلو الجلد بالسوط

‏[الصورة في الصفحة ١٢٠]‏

فلورا ماليندا،‏ فاتحة عادية قُتلت ابنتها بوحشية

‏[الصورة في الصفحة ١٢٢]‏

قُتل موسِس نياموسُوَا على يد حشد من الرعاع

‏[الصور في الصفحتين ١٤٠ و ١٤١]‏

البناء السريع لقاعات الملكوت

قُدِّمت المساعدة لجماعة كاڠيسو في بناء قاعتها الجديدة

قبل البناء

اثناء البناء

بعد البناء

الاخوة في جماعة راذاندا في هايدلبرغ فرحون كثيرا بقاعتهم الجديدة

انتهى في ٣٧ بلدا افريقيًّا بناء ٢٠٧‏,٧ قاعات،‏ وهنالك حاجة الى ٣٠٥‏,٣ قاعات اخرى

‏[الصورة في الصفحة ١٤٧]‏

عائلة روسّو اليوم

‏[الصورتان في الصفحة ١٥٠]‏

قاعة المحافل في ميدراند

‏[الصورة في الصفحة ١٥٥]‏

أُرسلت مؤن اغاثة الى زمبابوي سنة ٢٠٠٢

‏[الصورة في الصفحة ١٥٥]‏

أُعدَّت برامج كمبيوتر لمساعدة المترجمين

‏[الصور في الصفحتين ١٥٦ و ١٥٧]‏

فرع جنوب افريقيا سنة ٢٠٠٦

مبنى المطبعة الجديد،‏ المباني السكنية والمكاتب،‏ وقسم الشحن

‏[الصور في الصفحتين ١٥٦ و ١٥٧]‏

لجنة الفرع

پيت ڤِنْتْسِل

لوييسو پيليسو

رووِن بْروكْس

رايموند مثالاني

فرانس مولر

پيتر دو هير

ياني ديپِرنك

‏[الصور في الصفحتين ١٦١ و ١٦٢]‏

ناميبيا

وليَم وإلِن هايندل

دِك وكارالي وولدرون سنة ١٩٥١

مكتب الترجمة في ناميبيا

‏[الصور في الصفحة ١٦٧]‏

ليسوتو

‏(‏في الاعلى)‏ آيبِل موديبا في العمل الدائري؛‏ (‏فوق)‏ بعض سكان الكهوف مجتمعون حول احد المرسلين؛‏ (‏الى اليمين)‏ پيرْأُولا وبيرڠيتّا نُڠراين

‏[الصور في الصفحة ١٦٨]‏

بوتسوانا

عائلة تونڠوانا تشهد لبائعة في  الشارع

الكرازة من كوخ الى كوخ

‏[الصورتان في الصفحة ١٧٠]‏

سْوازيلند

جيمس ودون هوكيت

الشهادة في سوق للمصنوعات الحِرَفية في إمبابان

‏[الصور في الصفحة ١٧٠]‏

سانت هيلانة

أُكملت حملة «اخبار الملكوت» في يوم واحد؛‏ (‏في الاسفل)‏ مدينة المرفإ جيمس تاون

‏[الصورة في الصفحة ١٧٥]‏

المحفل الاممي سنة ١٩٩٣

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة