-
الدعاية المغرضة — يمكن ان تكون مميتةاستيقظ! ٢٠٠٠ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
الدعاية المغرضة — يمكن ان تكون مميتة
«يمكن ان تكون الكذبة قد جابت نصف العالم فيما الحقيقة لا تزال تتأهب للانطلاق». — قول منسوب الى مارك توين.
«ايها الكافر الحقير!» صاحت المعلمة وهي تصفع تلميذها البالغ من العمر سبع سنوات. ثم دعت تلامذة الصف ان يقتربوا منه الواحد تلو الآخر ويبصقوا في وجهه.
المعلمة والتلميذ — نسيبها — كانا كلاهما يعرفان تماما انه ووالدَيه ليسوا من الكافرين. بالاحرى، كانوا من شهود يهوه. لكنَّ المعلمة كانت تستغل التحامل الشائع وتعزز الحقد على تلميذها. فلسنوات كان الكاهن يخبر المعلمة والتلامذة على السواء ان شهود يهوه خسيسون. وقد اتُّهم والدا الفتى تارة بأنهما شيوعيان وتارة اخرى بأنهما عميلان للاستخبارات الاميركية. ولذلك اصطف رفقاء صفه، وهم على احر من الجمر ليبصقوا في وجه ذلك «الكافر الحقير».
لقد نجا هذا الولد ليخبر قصته. لكنَّ التوفيق لم يكن دائما حليف ضحايا الدعاية المغرضة التي كانت وسيلة للقضاء على الناس الابرياء في غرف الغاز ومعسكرات الاعتقال، في الابادات الجماعية، وفي حملات التطهير العرقي. وبسبب الافتراءات المنتشرة، المتأصلة، المسلَّم بها، والقاسية، ينظر كثيرون الى الآخرين انهم اعداء لا تُعتبر ابادتهم ضرورية فحسب بل عادلة ايضا. وفي مثل هذه الحالات، برهنت الدعاية انها سلاح للابادة الجماعية.
نعم، يمكن ان تُروَّج الدعاية علنا بواسطة شعارات الحقد كالصليب المعقوف النازي، او خفية بتمريرها بخبث في نكات عديمة الذوق. وأساليبها المقنعة يستعملها دائما الدكتاتوريون، السياسيون، رجال الدين، المعلنون، المسوِّقون، الصحفيون، الشخصيات البارزة في الراديو والتلفزيون، وكلاء الاعلان، وآخرون مِمن يهمهم التأثير في تفكير الناس وسلوكهم.
طبعا، يمكن ان تُستعمل الدعاية لتحقيق اهداف اجتماعية مفيدة، كما في الحملات التي تسعى الى تخفيض حالات السكر اثناء القيادة. لكن الدعاية يمكن ايضا ان تعزز الحقد على الاقليات الدينية والعرقية او تغري الناس بشراء السجائر. يشير الباحثان انطوني پراتكانيس وإليوت ارونسون: «تنهال علينا كل يوم معلومة مقنِعة تلو الاخرى». ويضيفان: «وهذه المعلومات تقنع ليس من خلال تبادل الافكار بالحجج والمناقشة، بل من خلال الاستعمال الماكر للشعارات والتأثير في اعمق مشاعرنا الانسانية. فسواء للاسوإ او للأفضل فإن عصرنا هو عصر الدعاية».
كيف استُعملت الدعاية للتأثير في تفكير البشر وتصرفاتهم على مر القرون؟ ماذا يمكنكم فعله لحماية أنفسكم من الدعاية الخطرة؟ هل هنالك مصدر يزوِّد معلومات جديرة بالثقة؟ ستُناقَش هذه الاسئلة وأسئلة اخرى في المقالتين التاليتين.
[الصورة في الصفحة ٣]
استُعملت الدعاية لإيذاء كثيرين
-
-
التلاعب بالمعلوماتاستيقظ! ٢٠٠٠ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
التلاعب بالمعلومات
«ان استخدام الدعاية بدهاء ومواظبة يجعل الجنة تظهر للناس جهنم، والحياة الاكثر بؤسا فردوسا». — أدولف هتلر، كفاحي (بالالمانية).
مع تطوُّر وسائل الاتصال — بدءا من الطباعة حتى الراديو، التلفزيون، الهاتف، والإنترنت — يزداد تدفق سيل الرسائل المقنعة بشكل ملحوظ. وقد ادَّت هذه الثورة في وسائل الاتصال الى فيض من المعلومات، اذ تنهال على الناس افكار لا تحصى من كل حدب وصوب. ويتجاوب كثيرون مع هذا الضغط بتشرب الافكار بسرعة اكبر ويقبلونها دونما سؤال او تحليل.
ومروِّج الدعاية الحاذق يحب هذه العمليات المختصرة — وخصوصا تلك التي تتجاهل التفكير المنطقي. وتشجع الدعاية على ذلك بإثارة المشاعر، استغلال عدم الثقة، الاستفادة من الالتباس في اللغة، وتحريف قوانين المنطق. وكما يشهد التاريخ، يمكن ان تكون هذه الطرائق فعالة الى حد بعيد.
تاريخ الدعاية
فيما تتضمن اليوم كلمة «دعاية» propaganda مفهوما سلبيا اذ توحي بالطرائق الملتوية، لم تكن العبارة في الاصل تعني ذلك. فالكلمة propaganda التي تقابل «دعاية» مشتقة على ما يبدو من الاسم اللاتيني لفريق من كرادلة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية: Congregatio de Propaganda Fide (مجمع انتشار الايمان). وهذه اللجنة — التي دعيت باختصار Propaganda — اسسها البابا غريغوريوس الخامس عشر سنة ١٦٢٢ للاشراف على المرسلين. وتدريجيا، صارت الكلمة propaganda (دعاية) تشير الى اية جهود مبذولة لنشر معتقد ما.
لكنَّ مفهوم الدعاية لم يولد في القرن السابع عشر. فمنذ الازمنة القديمة، استعمل الناس كل وسيلة متوفرة لنشر الايديولوجيات او تعزيز الشهرة والسلطة. مثلا، خدم الفن اهدافا دعائية منذ ايام الفراعنة المصريين. فقد صمَّم هؤلاء الملوك اهرامهم لتعكس سلطتهم واستمراريتهم. وعلى نحو مماثل، كان للهندسة المعمارية عند الرومان هدف سياسي — تمجيد الدولة. لكنَّ كلمة «دعاية» اتخذت مفهوما سلبيا عموما في الحرب العالمية الاولى، عندما بدأت الحكومات تلعب دورا فاعلا في صوغ المعلومات التي كانت تبثها وسائل الاعلام عن الحرب. وخلال الحرب العالمية الثانية، برهنت اعمال أدولف هتلر وجوزيف ڠوبلز انهما من ارباب الدعاية.
بعد الحرب العالمية الثانية، اصبحت الدعاية بشكل متزايد وسيلة رئيسية في ترويج السياسة الوطنية. وقد شنت الكتلتان الغربية والشرقية على السواء الحملات الدعائية بكل ما اوتيتا من قوة لتكسبا تأييد الحشود الضخمة للشعوب المحايدة. فكان كل وجه من اوجه الحياة والسياسة في هذه البلدان يُستغل لأهداف دعائية. وفي السنوات الاخيرة، تجلت البراعة المتزايدة في اساليب الدعاية من خلال الحملات الانتخابية، وكذلك في الدعايات التي تطلقها شركات التبغ. وقد استُخدم مَن يُعتبرون خبراء وغيرهم من القياديين ليصفوا التدخين بأنه صحي ومثير عوض إظهار حقيقة خطره على الصحة العامة.
اكاذيب، اكاذيب!
طبعا انَّ اسهل حيلة يستعملها مروِّج الدعاية هي الاكاذيب الواضحة. تأملوا مثلا في الاكاذيب التي كتبها مارتن لوثر سنة ١٥٤٣ عن مجموعة من الاوروپيين غير المسيحيين: «لقد سمَّموا الآبار، قاموا بالاغتيالات، خطفوا الاولاد . . . انهم يلسعون ويؤذون اذ هم مملوؤون حقدا، اعداء لدودون، محبون للانتقام، افاع خبيثة، قتلة، وأولاد ابليس». وعلى ماذا حث الذين يدَّعون المسيحية؟ «اضرموا النار في . . . مدارسهم . . . ولتُدمَّر منازلهم تدميرا كليا حتى لا يبقى منها شيء».
ويذكر علماء الاجتماع ان الدعايات التي تبث الحقد لا ترتكز بتاتا على اعمال المجموعة المكروهة او على معرفة واقعية عن حقيقة مَن يكرهه الشخص المتعصب. فالعدو يمثِّل كل ما هو غير مرغوب فيه وحسب. فيجب ان يُكره او حتى يُباد — على حد قول مروِّج الدعاية.
التعميم
وتستعمل الدعاية وسيلة اخرى ناجحة جدا ألا وهي التعميم. فالتعميم يعتِّم على وقائع مهمة في المسائل الحقيقية المطروحة، ويُستعمل مرارا للحطّ من قدر فرق كاملة من الناس. مثلا، غالبا ما تُسمع في بعض البلدان الاوروپية هذه العبارة: «الغجر [او الاجانب] هم سارقون». لكن هل هي صحيحة؟
يقول المحرر ريخاردوس سوميريتس ان مثل هذه النظرة سببت في احد البلدان نوعا من «الذعر الناتج من رهاب الاجانب وفي اغلب الاحيان العنصرية». لكن تبرهن ان مرتكبي الاعمال المخلة بالقانون في ذلك البلد هم من ابناء البلد ومن الاجانب على حدٍّ سواء. مثلا، يذكر سوميريتس ان الاستطلاعات اظهرت انه في اليونان «٩٦ من اصل كل ١٠٠ جريمة اقترفها [يونانيون]». ويضيف: «ان اسباب النشاط الاجرامي ليست ‹عنصرية› بل اقتصادية واجتماعية». وهو ايضا يلوم وسائل الاعلام «على بث رهاب الاجانب والتمييز العنصري بشكل منظَّم».
نعوت قبيحة
بعض الاشخاص يهينون الذين يخالفونهم في الرأي بمهاجمة شخصيتهم او دوافعهم عوض التركيز على الوقائع. والنعوت القبيحة تُلصق بالشخص، او الفريق، او الفكرة صفة سلبية من السهل تذكرها. ويأمل مَن يطلق هذه النعوت ان تلتصق بضحاياه. وإذا نبذ الناس الشخص او الفكرة على اساس النعوت السلبية عوض وزن البراهين بأنفسهم، تكون الخطة قد نجحت.
مثلا، في السنوات الاخيرة يكتسح شعور قوي مناهض للبدع بلدانا كثيرة في اوروپا وأمكنة اخرى. وتحرك هذه النزعة المشاعر، ترسم صورة لعدو مترصد، وتعزِّز التحاملات الموجودة اصلا على الاقليات الدينية. وغالبا ما تصبح كلمة «بدعة» شعارا. كتب الپروفسور الالماني مارتن كريله سنة ١٩٩٣: «صارت كلمة ‹بدعة› مرادفا لكلمة ‹هرطوقي›، والهرطوقي في المانيا اليوم، كما في الازمنة السابقة، [يُحكم عليه بالموت] — إن لم يكن حرقا . . . فبتدمير ثقة الناس به، نبذه، وتدميره اقتصاديا».
ويذكر معهد تحليل الدعاية ان «النعوت القبيحة لعبت دورا قويا جدا في تاريخ العالم وفي تطوُّر شخصيتنا. فقد دمرت السمعات الحسنة، . . . أرسلت [الناس] الى السجن، واستفزت الناس الى حد دفعهم الى شن الحروب وذبح رفيقهم الانسان».
استغلال العواطف
رغم ان المشاعر لا مكان لها في استعراض الوقائع والحجج، فهي تلعب دورا حاسما في الاقناع. والاعلاميون الخبراء يقومون بالمناشدات العاطفية، فيستغلون المشاعر بمهارة تضاهي مهارة فنان يعزف على آلة موسيقية.
مثلا، الخوف هو شعور يمكن ان يشل القدرة على اصدار حكم عادل. وكما في حالة الغيرة، يمكن استغلال الخوف. والصحيفة الكندية ذا ڠلوب آند ميل (بالانكليزية) عدد ١٥ شباط (فبراير) ١٩٩٩ ذكرت ما يلي عن حادث جرى في موسكو: «عندما انتحرت ثلاث فتيات في موسكو في الاسبوع السابق، ذكرت وسائل الاعلام الروسية فورا انهن كن من الاتباع المتعصبين لشهود يهوه». لاحظوا كلمة «متعصبين». ومن الطبيعي ان يخاف الناس منظمة دينية متعصبة يُزعم انها تقود الاحداث الى الانتحار. فهل كان لهؤلاء الفتيات المسكينات اية علاقة بشهود يهوه؟
أضافت صحيفة ذا ڠلوب آند ميل: «اعترفت الشرطة لاحقا ان الفتيات لا علاقة لهن [بشهود يهوه]. لكن بحلول ذلك الوقت كانت قناة تلفزيونية في موسكو قد هاجمت الطائفة مرة اخرى، بإخبار المشاهدين ان شهود يهوه تعاونوا مع أدولف هتلر في المانيا النازية — رغم ان الوقائع التاريخية تشهد ان آلافا منهم كانوا ضحايا معسكرات الموت النازية». وهكذا فالصورة التي كونها الاشخاص المضلَّلون، وربما الخائفون، توحي ان شهود يهوه هم اما مذهب انتحاري او متعاونون مع النازيين.
والحقد هو شعور قوي يستغله مروِّجو الدعايات. واللغة المبطنة فعالة جدا في اثارته. ويبدو ان هنالك قائمة لا نهاية لها من الكلمات الرديئة التي تعزِّز وتستغل الحقد على فرق دينية، عرقية، او عنصرية معينة.
ويستغل بعض مروِّجي الدعايات الكبرياء. وغالبا ما يمكننا ان نلاحظ كيفية اثارة كبرياء المرء باستخدام عبارات مثل: «اي شخص ذكي يعرف ان . . .» او «شخص بثقافتك لا يمكن إلّا ان ينتبه الى . . .». وإثارة الكبرياء هي استغلال خوفنا من الظهور كأغبياء. والخبراء بالاقناع يدركون ذلك تماما.
الشعارات والرموز
الشعارات هي عبارات مبهمة تُستعمل عادة للتعبير عن المواقف او الاهداف. وبسبب غموضها، تسهل الموافقة عليها.
مثلا، اثناء الازمات او النزاعات الوطنية، يمكن ان يستعمل الزعماء الذين يهيِّجون الجماهير شعارات مثل: «وطني دائما على حق»، «الوطن الام، الدين، العائلة»، او «الحرية او الموت». لكن هل يحلِّل معظم الناس بعناية القضايا الحقيقية التي تكمن وراء الازمة او النزاع؟ ام انهم يقبلون فقط ما يقال لهم؟
ذكر ونستون تشرتشل وهو يكتب عن الحرب العالمية الاولى: «اشارة واحدة تكفي لتحويل هذه الحشود من مزارعين وعمال مسالمين الى جماهير قوية يمزق واحدهم الآخر اشلاء». وذكر ايضا ان معظم الناس، عندما يُقال لهم ما يجب ان يفعلوه، يتجاوبون دون تفكير.
ولدى مروِّج الدعاية ايضا الكثير جدا من الشعارات والرموز التي يستعملها لنقل رسالته — تحية بـ ٢١ طلقة، تحية عسكرية، او راية. وحب الوالدين يمكن ان يُستغل ايضا. وهكذا تكون الشعارات مثل وطن الاسلاف، الوطن الام، او الكنيسة الام وسائل فعالة في ايدي المقنع الحاذق.
ان فن الدعاية البارع يمكن ان يشل الفكر، يحول دون التفكير السليم والتمييز، ويكيِّف الافراد ليعملوا ككتلة. فكيف تستطيعون حماية انفسكم؟
[النبذة في الصفحة ٨]
ان فن الدعاية البارع يمكن ان يشل الفكر ويحول دون التفكير السليم
-