-
سهر وانتظر يهوهاقتد بإيمانهم
-
-
اَلْفَصْلُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
سَهِرَ وَٱنْتَظَرَ يَهْوَهَ
١، ٢ أَيُّ مُهِمَّةٍ مُزْعِجَةٍ لَزِمَ أَنْ يُتَمِّمَهَا إِيلِيَّا، وَمَا ٱلْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْآبَ؟
تَاقَ إِيلِيَّا أَنْ يَخْتَلِيَ بِنَفْسِهِ لِيُصَلِّيَ إِلَى أَبِيهِ ٱلسَّمَاوِيِّ. وَلٰكِنْ كَيْفَ عَسَاهُ يُحَقِّقُ مُرَادَهُ وحُشُودُ ٱلنَّاسِ مُلْتَفَّةٌ حَوْلَهُ؟ فَهُمْ رَأَوْا لِتَوِّهِمْ هٰذَا ٱلنَّبِيَّ ٱلْحَقِيقِيَّ يَطْلُبُ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَلَا بُدَّ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ تَلَهَّفُوا لِنَيْلِ رِضَاهُ وَبَرَكَتِهِ. هٰذَا وَإِنَّ مُهِمَّةً مُزْعِجَةً كَانَتْ بِٱنْتِظَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى قِمَّةِ جَبَلِ ٱلْكَرْمَلِ وَيُنَاجِيَ يَهْوَهَ فِي ٱلصَّلَاةِ. فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَى ٱلْمَلِكِ أَخْآبَ.
٢ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ هٰذَيْنِ ٱلرَّجُلَيْنِ! فَأَخْآبُ ٱلْمُتَسَرْبِلُ بِحُلَّتِهِ ٱلْمَلَكِيَّةِ ٱلْفَاخِرَةِ كَانَ شَخْصًا مُرْتَدًّا جَشِعًا وَضَعِيفَ ٱلْإِرَادَةِ. أَمَّا إِيلِيَّا، بِلِبَاسِهِ ٱلرِّيفِيِّ ٱلْبَسِيطِ ٱلَّذِي يُمَيِّزُ ٱلْأَنْبِيَاءَ وَٱلْمَصْنُوعِ رُبَّمَا مِنْ جِلْدِ ٱلْحَيَوَانِ أَوِ ٱلْمَنْسُوجِ مِنْ وَبَرِ ٱلْجَمَلِ أَوْ شَعْرِ ٱلْمَاعِزِ، فَكَانَ رَجُلًا شُجَاعًا جِدًّا يَتَحَلَّى بِإِيمَانٍ رَاسِخٍ وَٱسْتِقَامَةٍ لَا تَنْثَلِمُ. وَخِلَالَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي شَارَفَ نِهَايَتَهُ، ٱنْكَشَفَ ٱلْكَثِيرُ عَنْ شَخْصِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
٣، ٤ (أ) لِمَ كَانَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ مُخْزِيًا لِأَخْآبَ وَعَبَدَةِ ٱلْبَعْلِ ٱلْآخَرِينَ؟ (ب) أَيَّةُ أَسْئِلَةٍ سَنُنَاقِشُهَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟
٣ لَقَدْ كَابَدَ أَخْآبُ وَعَبَدَةُ ٱلْبَعْلِ ٱلْآخَرُونَ ٱلْخِزْيَ وَٱلْعَارَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. فَٱلدِّيَانَةُ ٱلْوَثَنِيَّةُ ٱلَّتِي رَوَّجَهَا أَخْآبُ وَزَوْجَتُهُ ٱلْمَلِكَةُ إِيزَابِلُ فِي مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ ذَاتِ ٱلْعَشَرَةِ أَسْبَاطٍ تَلَقَّتْ صَفْعَةً قَوِيَّةً بَعْدَمَا شُهِّرَ ٱلْبَعْلُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُجَرَّدُ خُدْعَةٍ. فَهٰذَا ٱلْإِلٰهُ ٱلْعَدِيمُ ٱلْحَيَاةِ عَجِزَ عَنْ إِضْرَامِ وَلَوْ لَهَبٍ صَغِيرٍ ٱسْتِجَابَةً لِصَلَوَاتِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْـ ٤٥٠، مَعَ أَنَّهُمُ ٱهْتَاجُوا وَرَاحُوا يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ وَيَرْقُصُونَ وَيُقَطِّعُونَ أَنْفُسَهُمْ بِٱلْخَنَاجِرِ كَعَادَتِهِمْ حَتَّى سَالَ ٱلدَّمُ مِنْهُمْ. وَعَجِزَ أَيْضًا عَنْ حِمَايَتِهِمْ مِنْ عُقُوبَةِ ٱلْإِعْدَامِ ٱلَّتِي ٱسْتَحَقُّوهَا بِٱلْفِعْلِ. غَيْرَ أَنَّ بَعْلًا سَبَقَ وَأَخْفَقَ فِي مَجَالٍ آخَرَ أَيْضًا، وَكَانَ هٰذَا ٱلْإِخْفَاقُ عَلَى وَشْكِ أَنْ يَبْلُغَ ذُرْوَتَهُ. فَطَوَالَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، نَاشَدَهُ أَنْبِيَاؤُهُ كَيْ يُنْهِيَ ٱلْقَحْطَ ٱلَّذِي ٱكْتَسَحَ ٱلْأَرْضَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّكْ سَاكِنًا. بِٱلْمُقَابِلِ، كَانَ يَهْوَهُ سَيُثْبِتُ قَرِيبًا تَفَوُّقَهُ عَلَى هٰذَا ٱلْإِلٰهِ ٱلْبَاطِلِ بِإِنْهَاءِ فَتْرَةِ ٱلْقَحْطِ. — ١ مل ١٦:٣٠–١٧:١؛ ١٨:١-٤٠.
٤ وَلٰكِنْ مَتَى تَدَخَّلَ يَهْوَهُ؟ كَيْفَ تَصَرَّفَ إِيلِيَّا حَتَّى حَانَ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتُ؟ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ رَجُلِ ٱلْإِيمَانِ هٰذَا؟ لِنَأْخُذِ ٱلْأَجْوِبَةَ فِيمَا نَتَفَحَّصُ ٱلرِّوَايَةَ ٱلْمُدَوَّنَةَ فِي ٱلسِّجِلِّ. — اقرأ ١ ملوك ١٨:٤١-٤٦.
وَاظَبَ عَلَى ٱلصَّلَاةِ
٥ مَاذَا قَالَ إِيلِيَّا لِأَخْآبَ، وَهَلِ ٱتَّعَظَ هٰذَا ٱلْمَلِكُ ٱلشِّرِّيرُ بِمَا حَدَثَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ؟
٥ قَالَ إِيلِيَّا لِأَخْآبَ: «اِصْعَدْ كُلْ وَٱشْرَبْ، لِأَنَّهُ صَوْتُ دَوِيِّ وَابِلٍ مِنَ ٱلْمَطَرِ». وَلٰكِنْ هَلْ كَانَ هٰذَا ٱلْمَلِكُ ٱلشِّرِّيرُ قَدِ ٱتَّعَظَ بِمَا حَدَثَ؟ لَا تَأْتِي ٱلرِّوَايَةُ عَلَى ذِكْرِ ذٰلِكَ تَحْدِيدًا. لٰكِنَّهَا فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَا تَتَضَمَّنُ بِلِسَانِهِ تَعَابِيرَ تَدُلُّ عَلَى ٱلتَّوْبَةِ، وَلَا تَذْكُرُ أَنَّهُ ٱلْتَمَسَ ٱلْمُسَاعَدَةَ مِنَ ٱلنَّبِيِّ عَلَى طَلَبِ ٱلْغُفْرَانِ مِنْ يَهْوَهَ. فَهُوَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ «صَعِدَ . . . لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ». (١ مل ١٨:٤١، ٤٢) وَلٰكِنْ مَاذَا عَنْ إِيلِيَّا؟
٦، ٧ أَيُّ أَمْرٍ صَلَّى إِيلِيَّا بِشَأْنِهِ، وَلِمَاذَا؟
٦ تَقُولُ ٱلْحَادِثَةُ: «أَمَّا إِيلِيَّا فَصَعِدَ إِلَى رَأْسِ ٱلْكَرْمَلِ وَٱنْحَنَى إِلَى ٱلْأَرْضِ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ». لَقَدْ سَارَعَ أَخْآبُ إِلَى مَلْءِ بَطْنِهِ، أَمَّا إِيلِيَّا فَٱسْتَغَلَّ ٱلْفُرْصَةَ لِيُصَلِّيَ إِلَى أَبِيهِ ٱلسَّمَاوِيِّ. لَاحِظْ وَضْعِيَّتَهُ ٱلْمَوْصُوفَةَ فِي ٱلصُّورَةِ ٱلَّتِي تَنِمُّ عَنِ ٱلتَّوَاضُعِ وَٱلْخُشُوعِ. فَقَدْ حَنَى رَأْسَهُ كَثِيرًا حَتَّى كَادَ وَجْهُهُ يُلَامِسُ رُكْبَتَيْهِ. وَبِشَأْنِ مَاذَا كَانَ يُصَلِّي؟ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ٱلتَّخْمِينِ. فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُخْبِرُنَا فِي يَعْقُوب ٥:١٨ أَنَّهُ طَلَبَ مِنَ ٱللّٰهِ إِنْهَاءَ ٱلْقَحْطِ. وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ قَدَّمَ هٰذِهِ ٱلصَّلَاةَ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ ٱلْكَرْمَلِ.
عَكَسَتْ صَلَوَاتُ إِيلِيَّا رَغْبَتَهُ ٱلشَّدِيدَةَ فِي رُؤْيَةِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ تَتِمُّ
٧ كَانَ يَهْوَهُ قَدْ قَالَ لَهُ: «إِنَّنِي عَازِمٌ أَنْ أُعْطِيَ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ ٱلْأَرْضِ». (١ مل ١٨:١) لِذَا صَلَّى إِيلِيَّا أَنْ تَتِمَّ مَشِيئَةُ يَهْوَهَ، تَمَامًا مِثْلَمَا عَلَّمَ يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا! — مت ٦:٩، ١٠.
٨ مَاذَا يُعَلِّمُنَا مِثَالُ إِيلِيَّا عَنِ ٱلصَّلَاةِ؟
٨ فِي مِثَالِ إِيلِيَّا دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ عَنِ ٱلصَّلَاةِ. فَهَمُّهُ ٱلرَّئِيسِيُّ كَانَ إِتْمَامَ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ. لِذَا يَحْسُنُ بِنَا عِنْدَمَا نُصَلِّي أَنْ نَتَذَكَّرَ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةَ: «مَهْمَا طَلَبْنَا بِحَسَبِ مَشِيئَةِ [ٱللّٰهِ]، فَهُوَ يَسْمَعُنَا». (١ يو ٥:١٤) مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ عَلَيْنَا مَعْرِفَةَ مَشِيئَةِ يَهْوَهَ كَيْ تَكُونَ صَلَاتُنَا مَقْبُولَةً فِي نَظَرِهِ، وَهٰذَا سَبَبٌ وَجِيهٌ يَدْفَعُنَا إِلَى إِبْقَاءِ دَرْسِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ حَيَاتِنَا ٱلْيَوْمِيَّةِ. بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى ذٰلِكَ، أَرَادَ إِيلِيَّا دُونَ شَكٍّ أَنْ يَنْتَهِيَ ٱلْقَحْطُ وَيُنْهِيَ مَعَهُ ٱلْمُعَانَاةَ ٱلشَّدِيدَةَ ٱلَّتِي قَاسَاهَا شَعْبُهُ. وَلَعَلَّ قَلْبَهُ فَاضَ شُكْرًا لِيَهْوَهَ عَلَى ٱلْعَجِيبَةِ ٱلَّتِي صَنَعَهَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. نَحْنُ أَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ تَعْكِسَ صَلَوَاتُنَا شُكْرَنَا ٱلنَّابِعَ مِنَ ٱلْقَلْبِ وَٱهْتِمَامَنَا بِخَيْرِ ٱلْآخَرِينَ. — اقرأ ٢ كورنثوس ١:١١؛ فيلبي ٤:٦.
وَثِقَ بِيَهْوَهَ وَدَاوَمَ عَلَى ٱلسَّهَرِ
٩ مَاذَا طَلَبَ إِيلِيَّا مِنْ غُلَامِهِ، وَأَيُّ دَرْسَيْنِ نَتَعَلَّمُهُمَا مِنْهُ سَنَتَأَمَّلُ فِيهِمَا ٱلْآنَ؟
٩ كَانَ إِيلِيَّا مُتَأَكِّدًا أَنَّ يَهْوَهَ سَيَضَعُ حَدًّا لِلْقَحْطِ، لٰكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَتَى سَيُحَقِّقُ ذٰلِكَ. فَمَاذَا فَعَلَ فِي هٰذِهِ ٱلْأَثْنَاءِ؟ لَاحِظْ مَا تَذْكُرُهُ ٱلرِّوَايَةُ: «قَالَ لِغُلَامِهِ: ‹اِصْعَدْ وَٱنْظُرْ جِهَةَ ٱلْبَحْرِ›. فَصَعِدَ وَنَظَرَ وَقَالَ: ‹مَا مِنْ شَيْءٍ›. فَقَالَ: ‹اِرْجِعْ›، سَبْعَ مَرَّاتٍ». (١ مل ١٨:٤٣) نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِ إِيلِيَّا دَرْسَيْنِ عَلَى ٱلْأَقَلِّ: اَلثِّقَةَ بِيَهْوَهَ، وَٱلْمُدَاوَمَةَ عَلَى ٱلسَّهَرِ.
تَرَقَّبَ إِيلِيَّا بِيَقَظَةٍ وَٱنْتِبَاهٍ أَيَّ عَلَامَةٍ تَدُلُّ أَنَّ إِلٰهَهُ يُوشِكُ أَنْ يَتَدَخَّلَ
١٠، ١١ (أ) كَيْفَ أَظْهَرَ إِيلِيَّا ثِقَتَهُ بِوَعْدِ يَهْوَهَ؟ (ب) لِمَ فِي وُسْعِنَا أَنْ نَمْتَلِكَ ثِقَةً مُمَاثِلَةً؟
١٠ بِمَا أَنَّ إِيلِيَّا كَانَ وَاثِقًا بِوَعْدِ يَهْوَهَ، تَرَقَّبَ بِيَقَظَةٍ وَٱنْتِبَاهٍ أَيَّ عَلَامَةٍ تَدُلُّ أَنَّ إِلٰهَهُ يُوشِكُ أَنْ يَتَدَخَّلَ. فَبَعَثَ غُلَامَهُ إِلَى مَكَانٍ عَالٍ مُطِلٍّ لِكَيْ يُعَايِنَ ٱلْأُفُقَ عَلَّهُ يَرَى وَلَوْ إِشَارَةً وَاحِدَةً تُنْبِئُ بِهُطُولِ ٱلْمَطَرِ. لٰكِنَّ ٱلْغُلَامَ عَادَ بِجَوَابٍ لَا يُبَشِّرُ بِٱلْخَيْرِ، قَائِلًا: «مَا مِنْ شَيْءٍ». فَكَمَا يَتَّضِحُ، لَا غُيُومَ تَلُوحُ فِي ٱلْأُفُقِ وَٱلسَّمَاءُ صَافِيَةٌ. وَلٰكِنْ أَمَا تُلَاحِظُ أَمْرًا غَرِيبًا؟ لَقَدْ أَخْبَرَ إِيلِيَّا لِتَوِّهِ ٱلْمَلِكَ أَخْآبَ أَنَّهُ يَسْمَعُ «صَوْتَ دَوِيِّ وَابِلٍ مِنَ ٱلْمَطَرِ». فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هٰذَا ٱلْكَلَامَ وَلَمْ تَظْهَرْ بَعْدُ أَيُّ غَيْمَةٍ؟
١١ لَقَدْ عَلِمَ إِيلِيَّا بِوَعْدِ يَهْوَهَ. وَبِصِفَتِهِ نَبِيَّهُ وَمُمَثِّلَهُ، كَانَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ سَيُتَمِّمُ كَلِمَتَهُ. وَثِقَتُهُ هٰذِهِ كَانَتْ رَاسِخَةً جِدًّا بِحَيْثُ بَدَا وَكَأَنَّهُ يَسْمَعُ فِعْلِيًّا وَابِلَ ٱلْمَطَرِ. وَيُذَكِّرُنَا مَوْقِفُهُ هٰذَا بِمُوسَى ٱلَّذِي يَقُولُ عَنْهُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ: «بَقِيَ رَاسِخًا كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لَا يُرَى». فَهَلِ ٱللّٰهُ حَقِيقِيٌّ فِي نَظَرِكَ إِلَى هٰذَا ٱلْحَدِّ؟ إِنَّهُ يُزَوِّدُنَا بِأَسْبَابٍ وَفِيرَةٍ تَحْفِزُنَا عَلَى تَنْمِيَةِ مِثْلِ هٰذَا ٱلْإِيمَانِ بِهِ وَبِوُعُودِهِ. — عب ١١:١، ٢٧.
١٢ كَيْفَ بَيَّنَ إِيلِيَّا أَنَّهُ سَاهِرٌ وَمُتَرَقِّبٌ، وَمَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِهِ لَمَّا عَلِمَ بِظُهُورِ غَيْمَةٍ صَغِيرَةٍ؟
١٢ لَاحِظْ أَيْضًا كَمْ كَانَ إِيلِيَّا سَاهِرًا وَمُتَرَقِّبًا. فَهُوَ لَمْ يُرْجِعْ غُلَامَهُ لِيَسْتَطْلِعَ ٱلْأُفُقَ مَرَّةً أَوِ ٱثْنَتَيْنِ، بَلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ! وَلَا بُدَّ أَنَّ ٱلْغُلَامَ شَعَرَ بِٱلتَّعَبِ مِنْ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً، لٰكِنَّ إِيلِيَّا ظَلَّ يَتَرَصَّدُ عَلَامَةً وَلَمْ يَسْتَسْلِمْ. أَخِيرًا، قَالَ ٱلْغُلَامُ بَعْدَ رِحْلَتِهِ ٱلسَّابِعَةِ: «هَا سَحَابَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ رَاحَةِ يَدِ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ ٱلْبَحْرِ». تَخَيَّلْهُ يَمُدُّ ذِرَاعَهُ لِيَقِيسَ بِرَاحَةِ يَدِهِ حَجْمَ غَيْمَةٍ صَغِيرَةٍ قَادِمَةٍ مِنَ ٱلْأُفُقِ فَوْقَ ٱلْبَحْرِ ٱلْكَبِيرِ. لَعَلَّهُ لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى مَحْمَلِ ٱلْجِدِّ، لٰكِنَّ إِيلِيَّا رَأَى فِيهَا عَلَامَةً مُهِمَّةً. لِذَا أَعْطَاهُ تَوْجِيهَاتٍ مُلِحَّةً قَائِلًا: «اِصْعَدْ قُلْ لِأَخْآبَ: ‹شُدَّ وَٱنْزِلْ لِئَلَّا يُعِيقَكَ وَابِلُ ٱلْمَطَرِ!›». — ١ مل ١٨:٤٤.
١٣، ١٤ (أ) كَيْفَ نَقْتَدِي بِتَيَقُّظِ إِيلِيَّا؟ (ب) مَاذَا يَدْفَعُنَا إِلَى ٱلْعَمَلِ بِإِلْحَاحٍ؟
١٣ مَرَّةً أُخْرَى، يَرْسُمُ لَنَا إِيلِيَّا مِثَالًا جَدِيرًا بِٱلِٱقْتِدَاءِ. فَنَحْنُ أَيْضًا نَعِيشُ فِي وَقْتٍ سَيَتَّخِذُ فِيهِ ٱللّٰهُ عَمَّا قَرِيبٍ إِجْرَاءً لِإِتْمَامِ قَصْدِهِ. فَمِثْلَمَا ٱنْتَظَرَ إِيلِيَّا نِهَايَةَ ٱلْقَحْطِ، يَنْتَظِرُ خُدَّامُ ٱللّٰهِ ٱلْيَوْمَ نِهَايَةَ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْفَاسِدِ هٰذَا. (١ يو ٢:١٧) وَإِلَى أَنْ يَتَدَخَّلَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ، يَلْزَمُ أَنْ نُدَاوِمَ عَلَى ٱلسَّهَرِ كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا. فَيَسُوعُ، ٱبْنُ ٱللّٰهِ نَفْسُهُ، حَثَّ أَتْبَاعَهُ قَائِلًا: «دَاوِمُوا عَلَى ٱلسَّهَرِ، لِأَنَّكُمْ لَا تَعْرِفُونَ فِي أَيِّ يَوْمٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ». (مت ٢٤:٤٢) فَهَلْ عَنَى أَنَّ أَتْبَاعَهُ لَنْ يُدْرِكُوا أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ فِي وَقْتِ ٱلنِّهَايَةِ؟ كَلَّا، فَقَدْ أَخْبَرَنَا بِإِسْهَابٍ عَنْ أَحْوَالِ ٱلْعَالَمِ خِلَالَ ٱلْأَيَّامِ ٱلَّتِي تَسْبِقُ ٱلنِّهَايَةَ. وَيُمْكِنُ لَنَا جَمِيعًا أَنْ نُلَاحِظَ إِتْمَامَ هٰذِهِ ٱلْعَلَامَةِ ٱلْمُفَصَّلَةِ ٱلَّتِي تَسِمُ «ٱخْتِتَامَ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ». — اقرأ متى ٢٤:٣-٧.
إِذَا كَانَتْ غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ كَفِيلَةً بِإِقْنَاعِ إِيلِيَّا أَنَّ يَهْوَهَ أَوْشَكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ، فَكَمْ بِٱلْأَحْرَى عَلَامَةُ ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ تُزَوِّدُنَا بِأَسْبَابٍ أَقْوَى لِلتَّصَرُّفِ بِإِلْحَاحٍ!
١٤ إِنَّ كُلَّ وَجْهٍ مِنْ أَوْجُهِ ٱلْعَلَامَةِ لَهُوَ دَلِيلٌ قَوِيٌّ وَمُقْنِعٌ. فَهَلْ هٰذِهِ ٱلْأَدِلَّةُ كَافِيَةٌ لِتَدْفَعَنَا إِلَى ٱلْعَمَلِ بِإِلْحَاحٍ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ؟ إِنَّ مُجَرَّدَ غَيْمَةٍ صَغِيرَةٍ فِي ٱلْأُفُقِ كَانَتْ كَفِيلَةً بِإِقْنَاعِ إِيلِيَّا أَنَّ يَهْوَهَ أَوْشَكَ أَنْ يَتَصَرَّفَ. فَهَلْ خَابَ أَمَلُ هٰذَا ٱلنَّبِيِّ ٱلْأَمِينِ؟
يَهْوَهُ يَجْلُبُ ٱلرَّاحَةَ وَٱلْبَرَكَاتِ
١٥، ١٦ أَيَّةُ أَحْدَاثٍ تَبَلْوَرَتْ بِسُرْعَةٍ، وَمَاذَا رُبَّمَا تَسَاءَلَ إِيلِيَّا بِشَأْنِ أَخْآبَ؟
١٥ تُخْبِرُنَا ٱلرِّوَايَةُ: «فِي أَثْنَاءِ ذٰلِكَ أَظْلَمَتِ ٱلسَّمٰوَاتُ بِٱلسُّحُبِ وَٱلرِّيحِ، وَكَانَ وَابِلٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْمَطَرِ. فَرَكِبَ أَخْآبُ وَذَهَبَ إِلَى يِزْرَعِيلَ». (١ مل ١٨:٤٥) لَقَدْ رَاحَتِ ٱلْأَحْدَاثُ تَتَبَلْوَرُ بِسُرْعَةٍ هَائِلَةٍ. فَفِيمَا كَانَ غُلَامُ إِيلِيَّا يَنْقُلُ رِسَالَةَ ٱلنَّبِيِّ إِلَى أَخْآبَ، تَكَاثَرَتِ ٱلْغُيُومُ فِي ٱلْأُفُقِ فَأَظْلَمَتِ ٱلسَّمَاءُ وَهَبَّتْ رِيحٌ قَوِيَّةٌ. وَأَخِيرًا، سَقَطَتِ ٱلْأَمْطَارُ عَلَى إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ وَنِصْفٍ، فَتَشَرَّبَتْهَا ٱلْأَرْضُ ٱلظَّمْأَى. وَفِيمَا تَحَوَّلَتِ ٱلْأَمْطَارُ إِلَى وَابِلٍ عَظِيمٍ، فَاضَ نَهْرُ قِيشُونَ فَنَظَّفَ فِي طَرِيقِهِ ٱلْأَرْضَ مِنْ دَمِ أَنْبِيَاءِ ٱلْبَعْلِ ٱلَّذِينَ أُعْدِمُوا. وَهٰذِهِ ٱلْمُنَاسَبَةُ أَعْطَتِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ ٱلْفُرْصَةَ أَنْ يُنَظِّفُوا هُمْ أَيْضًا ٱلْأَرْضَ مِنْ عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ وَيَتَخَلَّصُوا مِنْ هٰذِهِ ٱلْوَصْمَةِ ٱلَّتِي لَطَّخَتْهُمْ.
«كَانَ وَابِلٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْمَطَرِ»
١٦ لَقَدْ أَمَلَ إِيلِيَّا دُونَ شَكٍّ أَنْ يَنْتَهِزُوا هٰذِهِ ٱلْفُرْصَةَ. وَلَعَلَّهُ تَسَاءَلَ مَا هِيَ رَدَّةُ فِعْلِ أَخْآبَ حِيَالَ هٰذِهِ ٱلْأَحْدَاثِ ٱلْمُهِمَّةِ. تُرَى هَلْ يَتُوبُ وَيَتَخَلَّى عَنْ عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ ٱلنَّجِسَةِ؟ فَبَعْدَ مَا جَرَى فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، صَارَتْ لَدَيْهِ أَسْبَابٌ قَوِيَّةٌ لِصُنْعِ هٰذِهِ ٱلتَّغْيِيرَاتِ. طَبْعًا، لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْرِفَ مَا كَانَ يَدُورُ فِي خَلَدِ أَخْآبَ آنَذَاكَ. فَجُلُّ مَا تَقُولُهُ ٱلرِّوَايَةُ أَنَّهُ «رَكِبَ . . . وَذَهَبَ إِلَى يِزْرَعِيلَ». فَهَلْ أَخَذَ عِبْرَةً مِمَّا حَدَثَ؟ هَلْ صَمَّمَ أَنْ يُغَيِّرَ طُرُقَهُ؟ تُوحِي ٱلْوَقَائِعُ ٱللَّاحِقَةُ أَنْ لَا شَيْءَ حَصَلَ مِنْ هٰذَا ٱلْقَبِيلِ. لٰكِنَّ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ قَدِ ٱنْتَهَى بَعْدُ. فَهُوَ حَمَلَ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلْأَحْدَاثِ لِأَخْآبَ وَإِيلِيَّا.
١٧، ١٨ (أ) مَاذَا حَصَلَ مَعَ إِيلِيَّا وَهُوَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى يِزْرَعِيلَ؟ (ب) لِمَ هُوَ أَمْرٌ لَافِتٌ أَنْ يَرْكُضَ إِيلِيَّا كُلَّ ٱلْمَسَافَةِ مِنَ ٱلْكَرْمَلِ إِلَى يِزْرَعِيلَ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
١٧ سَارَ نَبِيُّ يَهْوَهَ عَبْرَ ٱلدَّرْبِ نَفْسِهِ ٱلَّذِي سَلَكَهُ أَخْآبُ، دَرْبٍ طَوِيلٍ مُظْلِمٍ غَمَرَتْهُ مِيَاهُ ٱلْأَمْطَارِ. وَإِذَا بِأَمْرٍ عَجِيبٍ يَحْدُثُ.
١٨ تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ: «كَانَتْ يَدُ يَهْوَهَ عَلَى إِيلِيَّا، فَمَنْطَقَ حَقْوَيْهِ وَرَكَضَ أَمَامَ أَخْآبَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى يِزْرَعِيلَ». (١ مل ١٨:٤٦) مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ «يَدَ يَهْوَهَ» كَانَتْ عَلَى إِيلِيَّا بِطَرِيقَةٍ عَجَائِبِيَّةٍ. فَيِزْرَعِيلُ تَبْعُدُ حَوَالَيْ ثَلَاثِينَ كِيلُومِتْرًا، وَهِيَ مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ جِدًّا بِٱلنِّسْبَةِ إِلَى إِيلِيَّا ٱلَّذِي مَا عَادَ شَابًّا.a تَخَيَّلْهُ يُشَمِّرُ ثِيَابَهُ ٱلطَّوِيلَةَ عَنْ سَاقَيْهِ وَيَشُدُّهَا حَوْلَ وِرْكَيْهِ كَيْ يَتَحَرَّكَ بِسُهُولَةٍ أَكْبَرَ، ثُمَّ يَرْكُضُ بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ عَلَى طُولِ ٱلطَّرِيقِ ٱلْغَارِقَةِ فِي ٱلْأَمْطَارِ حَتَّى أَدْرَكَ ٱلْمَرْكَبَةَ ٱلْمَلَكِيَّةَ، تَخَطَّاهَا، وَسَبَقَهَا!
١٩ (أ) بِمَ تُذَكِّرُنَا ٱلْقُوَّةُ وَٱلطَّاقَةُ ٱللَّتَانِ أَعْطَاهُمَا ٱللّٰهُ لِإِيلِيَّا؟ (ب) مِمَّ كَانَ إِيلِيَّا مُتَيَقِّنًا وَهُوَ يَرْكُضُ إِلَى يِزْرَعِيلَ؟
١٩ يَا لَلْبَرَكَةِ ٱلَّتِي حَظِيَ بِهَا إِيلِيَّا! فَقَدْ عَاشَ حَتْمًا تَجْرِبَةً رَائِعَةً حِينَ شَعَرَ بِقُوَّةٍ وَحَيَوِيَّةٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى ٱلِٱحْتِمَالِ رُبَّمَا لَمْ يَخْتَبِرْهَا مِنْ قَبْلُ حَتَّى فِي أَيَّامِ شَبَابِهِ. وَتُعِيدُ هٰذِهِ ٱلْوَاقِعَةُ إِلَى ذِهْنِنَا ٱلنُّبُوَّاتِ ٱلَّتِي تُؤَكِّدُ أَنَّ ٱلْأَشْخَاصَ ٱلْأُمَنَاءَ سَيَتَمَتَّعُونَ بِٱلصِّحَّةِ ٱلْكَامِلَةِ وَيَنْبِضُونَ بِٱلْقُوَّةِ وَٱلْحَيَوِيَّةِ فِي ٱلْفِرْدَوْسِ ٱلْأَرْضِيِّ ٱلْقَادِمِ. (اقرأ اشعيا ٣٥:٦؛ لو ٢٣:٤٣) وَلَا شَكَّ أَنَّ إِيلِيَّا أَدْرَكَ وَهُوَ يَرْكُضُ عَلَى ذٰلِكَ ٱلدَّرْبِ ٱلشَّاقِّ أَنَّهُ يَنْعَمُ بِرِضَى أَبِيهِ ٱلسَّمَاوِيِّ، ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ ٱلْوَحِيدِ يَهْوَهَ.
٢٠ كَيْفَ نَسْعَى إِلَى ٱلْحُصُولِ عَلَى بَرَكَاتِ يَهْوَهَ؟
٢٠ يَتُوقُ يَهْوَهُ إِلَى إِغْدَاقِ بَرَكَاتِهِ عَلَى مُحِبِّيهِ. فَلْنَسْعَ جَاهِدِينَ إِلَى ٱلْحُصُولِ عَلَيْهَا؛ إِنَّهَا تَسْتَحِقُّ كُلَّ جُهْدٍ وَعَنَاءٍ. وَعَلَى غِرَارِ إِيلِيَّا، يَلْزَمُ أَنْ نُدَاوِمَ عَلَى ٱلسَّهَرِ مُتَفَحِّصِينَ بِعِنَايَةٍ ٱلْأَدِلَّةَ ٱلدَّامِغَةَ ٱلَّتِي تُظْهِرُ أَنَّ يَهْوَهَ سَيَضَعُ حَدًّا عَمَّا قَرِيبٍ لِأَزْمِنَتِنَا ٱلْخَطِرَةِ وَٱلْمُلِحَّةِ. نَعَمْ، لَدَيْنَا مِثْلَ إِيلِيَّا أَسْبَابٌ وَجِيهَةٌ لِنَضَعَ ثِقَتَنَا ٱلْكَامِلَةَ بِوُعُودِ يَهْوَهَ، «إِلٰهِ ٱلْحَقِّ». — مز ٣١:٥.
a بَعْدَ مُضِيِّ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، طَلَبَ يَهْوَهُ مِنْ إِيلِيَّا أَنْ يُدَرِّبَ أَلِيشَعَ ٱلَّذِي عُرِفَ لَاحِقًا بِأَنَّهُ «كَانَ يَسْكُبُ مَاءً عَلَى يَدَيْ إِيلِيَّا». (٢ مل ٣:١١) فَهُوَ عَمِلَ غُلَامًا عِنْدَ ٱلنَّبِيِّ ٱلْمُسِنِّ، مُقَدِّمًا لَهُ كَمَا يَتَّضِحُ أَيَّ مُسَاعَدَةٍ يَحْتَاجُهَا.
-
-
تعزَّى بإلههاقتد بإيمانهم
-
-
اَلْفَصْلُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
تَعَزَّى بِإِلٰهِهِ
١، ٢ مَاذَا حَصَلَ خِلَالَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلزَّاخِرِ بِٱلْأَحْدَاثِ فِي حَيَاةِ إِيلِيَّا؟
اِنْطَلَقَ إِيلِيَّا يَجْرِي تَحْتَ ٱلْأَمْطَارِ ٱلْغَزِيرَةِ وَظُلْمَةُ ٱللَّيْلِ تَشْتَدُّ. مَا زَالَ ٱلدَّرْبُ أَمَامَهُ طَوِيلًا جِدًّا إِلَى يِزْرَعِيلَ، وَهُوَ لَمْ يَعُدْ شَابًّا. رَغْمَ ذٰلِكَ، رَاحَ يَرْكُضُ مِنْ غَيْرِ كَلَلٍ، لِأَنَّ «يَدَ يَهْوَهَ» كَانَتْ عَلَيْهِ. فَقَدْ سَرَتْ فِي جَسَدِهِ طَاقَةٌ لَمْ يَشْعُرْ بِمِثْلِهَا مِنْ قَبْلُ. حَتَّى إِنَّهُ سَبَقَ ٱلْأَحْصِنَةَ ٱلَّتِي تَجُرُّ عَرَبَةَ أَخْآبَ ٱلْمَلَكِيَّةَ! — اقرأ ١ ملوك ١٨:٤٦.
٢ تَخَيَّلْ زَخَّاتِ ٱلْمَطَرِ ٱلْغَزِيرَةَ تَلْطِمُ وَجْهَ ٱلنَّبِيِّ وَهُوَ يَرْكُضُ وَيَرْكُضُ عَلَى تِلْكَ ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ، مُسْتَرْجِعًا فِي ذِهْنِهِ يَوْمَهُ ٱلْمُمَيَّزَ ٱلزَّاخِرَ بِٱلْأَحْدَاثِ. لَا شَكَّ أَنَّهُ يَوْمُ ٱنْتِصَارٍ مَجِيدٍ لِإِلٰهِهِ يَهْوَهَ وَلِلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ. فَعَلَى قِمَّةِ جَبَلِ ٱلْكَرْمَلِ ٱلَّتِي بَاتَتِ ٱلْآنَ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَرَاءَهُ مُتَوَارِيَةً خَلْفَ ٱلْغَمَامِ ٱلْكَثِيفِ، ٱسْتَخْدَمَهُ يَهْوَهُ لِيُسَدِّدَ عَجَائِبِيًّا صَفْعَةً قَوِيَّةً إِلَى عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ. فَشَهَّرَ ٱلْمِئَاتِ مِنْ أَنْبِيَاءِ ٱلْبَعْلِ ٱلْأَشْرَارِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مُجَرَّدُ خُدْعَةٍ وَأَنْزَلَ بِهِمِ ٱلْعِقَابَ ٱلَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ. ثُمَّ صَلَّى إِلَى يَهْوَهَ لِيُنْهِيَ ٱلْقَحْطَ ٱلَّذِي ٱبْتَلَى ٱلْأَرْضَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ وَنِصْفًا. وَإِذَا بِٱلْمَطَرِ يَنْهَمِرُ! — ١ مل ١٨:١٨-٤٥.
٣، ٤ (أ) لِمَ رُبَّمَا تَمَتَّعَ إِيلِيَّا بِمَعْنَوِيَّاتٍ عَالِيَةٍ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى يِزْرَعِيلَ؟ (ب) أَيُّ سُؤَالَيْنِ سَنُجِيبُ عَنْهُمَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟
٣ فِيمَا أَخَذَ إِيلِيَّا يَشُقُّ طَرِيقَهُ وَسْطَ سُيُولِ ٱلْأَمْطَارِ قَاطِعًا مَسَافَةَ ٱلثَّلَاثِينَ كِيلُومِتْرًا ٱلَّتِي تَفْصِلُهُ عَنْ يِزْرَعِيلَ، لَرُبَّمَا كَانَ يَتَمَتَّعُ بِمَعْنَوِيَّاتٍ عَالِيَةٍ وَيَسْتَبْشِرُ خَيْرًا. لَقَدْ بَدَا لَهُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ هَامَّةً. أَيُعْقَلُ أَلَّا يُغَيِّرَ ٱلْمَلِكُ أَخْآبُ مَوْقِفَهُ؟! فَبَعْدَ ٱلْعَجِيبَةِ ٱلَّتِي رَآهَا بِأُمِّ عَيْنِهِ، لَزِمَ دُونَ شَكٍّ أَنْ يَهْجُرَ عِبَادَةَ ٱلْبَعْلِ ٱلْبَغِيضَةَ، يَرْدَعَ زَوْجَتَهُ ٱلْمَلِكَةَ إِيزَابِلَ عَنِ ٱرْتِكَابِ ٱلشُّرُورِ، وَيَحُدَّ مِنِ ٱضْطِهَادِ خُدَّامِ يَهْوَهَ.
«رَكَضَ [إِيلِيَّا] أَمَامَ أَخْآبَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى يِزْرَعِيلَ»
٤ عَلَى غِرَارِ إِيلِيَّا، قَدْ نَتَبَنَّى نَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَظْرَةً مُتَفَائِلَةً إِلَى ٱلْأُمُورِ حِينَ نَرَاهَا تَسِيرُ كَمَا نَشْتَهِي، فَتَكْبُرُ آمَالُنَا وَنَخْلُصُ إِلَى ٱلظَّنِّ أَنَّ ظُرُوفَنَا تَتَحَسَّنُ، وَرُبَّمَا أَيْضًا أَنَّ مَشَاكِلَنَا ٱلْأَصْعَبَ صَارَتْ أَخِيرًا مِنَ ٱلْمَاضِي. وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِيلِيَّا قَدْ فَكَّرَ بِهٰذِهِ ٱلطَّرِيقَةِ لِأَنَّهُ ‹إِنْسَانٌ بِمِثْلِ مَشَاعِرِنَا›. (يع ٥:١٧) لٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّ جَبَلًا مِنَ ٱلْمَشَاكِلِ كَانَ بِٱنْتِظَارِهِ. فَفِي غُضُونِ سَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ، كَانَ سَيَقَعُ فَرِيسَةَ ٱلْخَوْفِ ٱلشَّدِيدِ وَيَشْعُرُ أَنَّ مَعْنَوِيَّاتِهِ فِي ٱلْحَضِيضِ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى ٱلْمَوْتَ لِنَفْسِهِ. فَمَا ٱلَّذِي حَصَلَ؟ وَكَيْفَ سَاعَدَ يَهْوَهُ نَبِيَّهُ عَلَى ٱسْتِعَادَةِ شَجَاعَتِهِ وَتَعْزِيزِ إِيمَانِهِ؟ لِنَرَ ذٰلِكَ مَعًا.
مُنْعَطَفٌ مُفَاجِئٌ فِي مَجْرَى ٱلْأَحْدَاثِ
٥ هَلْ تَعَلَّمَ أَخْآبُ أَنْ يَحْتَرِمَ يَهْوَهَ بَعْدَ ٱلْأَحْدَاثِ ٱلَّتِي شَهِدَهَا بِعَيْنِهِ عَلَى جَبَلِ ٱلْكَرْمَلِ، وَكَيْفَ نَعْرِفُ ذٰلِكَ؟
٥ حِينَ وَصَلَ أَخْآبُ إِلَى قَصْرِهِ فِي يِزْرَعِيلَ، هَلْ بَيَّنَ أَنَّ مَوْقِفَهُ تَغَيَّرَ؟ نَقْرَأُ: «أَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابِلَ بِكُلِّ مَا فَعَلَ إِيلِيَّا وَكَيْفَ قَتَلَ جَمِيعَ ٱلْأَنْبِيَاءِ بِٱلسَّيْفِ». (١ مل ١٩:١) لَاحِظْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مُطْلَقًا عَلَى ذِكْرِ يَهْوَهَ إِلٰهِ إِيلِيَّا فِيمَا رَاحَ يَسْرُدُ أَحْدَاثَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. بَلْ نَظَرَ إِلَى ٱلْعَجَائِبِ ٱلَّتِي حَصَلَتْ بِمِنْظَارٍ بَشَرِيٍّ مَحْضٍ قَائِلًا: «مَا فَعَلَ إِيلِيَّا». مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّمِ ٱحْتِرَامَ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ. وَمَاذَا عَنْ زَوْجَتِهِ ٱلْحَقُودَةِ؟ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِهَا حِيَالَ مَا سَمِعَتْهُ؟
٦ أَيُّ رِسَالَةٍ بَعَثَتْ بِهَا إِيزَابِلُ إِلَى إِيلِيَّا، وَلِمَ كَانَتْ مُرْعِبَةً؟
٦ لَقَدِ ٱسْتَشَاطَتْ إِيزَابِلُ غَيْظًا وَبَعَثَتْ بِرِسَالَةٍ إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ فِيهَا: «هٰكَذَا تَفْعَلُ ٱلْآلِهَةُ وَهٰكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مِثْلِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ غَدًا!». (١ مل ١٩:٢) يَا لَهُ مِنْ تَهْدِيدٍ يُجَمِّدُ ٱلدَّمَ فِي ٱلْعُرُوقِ! فَهِيَ أَقْسَمَتْ بِحَيَاتِهَا أَنْ تَنْتَقِمَ لِأَنْبِيَاءِ ٱلْبَعْلِ وَتَمْحُوَ إِيلِيَّا مِنَ ٱلْوُجُودِ قَبْلَ نِهَايَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي. تَخَيَّلْ إِيلِيَّا نَائِمًا فِي مَكَانٍ مُتَوَاضِعٍ فِي يِزْرَعِيلَ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ ٱلْعَاصِفَةِ، وَإِذْ بِهِ يَسْتَيْقِظُ عَلَى صَوْتِ رَسُولِ ٱلْمَلِكَةِ يَنْقُلُ إِلَيْهِ هٰذَا ٱلتَّهْدِيدَ ٱلْمُرِيعَ. فَمَا كَانَ وَقْعُ ذٰلِكَ عَلَيْهِ؟
إِيلِيَّا يَقَعُ فَرِيسَةَ ٱلتَّثَبُّطِ وَٱلْخَوْفِ
٧ كَيْفَ أَثَّرَ تَهْدِيدُ إِيزَابِلَ فِي نَفْسِ إِيلِيَّا، وَمَاذَا فَعَلَ؟
٧ فِي حَالِ ٱعْتَقَدَ إِيلِيَّا أَنَّ ٱلْحَرْبَ ضِدَّ عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ شَارَفَتْ عَلَى نِهَايَتِهَا، فَكُلُّ آمَالِهِ تَحَطَّمَتْ فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ. لَقَدْ كَانَتْ إِيزَابِلُ مَاضِيَةً فِي مُخَطَّطِهَا لَا يَثْنِيهَا شَيْءٌ. فَهِيَ سَبَقَتْ وَأَمَرَتْ بِقَتْلِ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْأُمَنَاءِ، وَيَبْدُو ٱلْآنَ أَنَّ دَوْرَهُ قَدْ حَانَ. فَكَيْفَ أَثَّرَ تَهْدِيدُهَا فِي نَفْسِهِ؟ يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَنَّهُ «خَافَ». هَلْ يُعْقَلُ أَنَّهُ رَاحَ يَتَصَوَّرُ ٱلْمِيتَةَ ٱلرَّهِيبَةَ ٱلَّتِي سَيَلْقَاهَا عَلَى يَدِهَا؟ إِذَا كَانَ قَدْ أَطَالَ ٱلتَّفْكِيرَ فِي ذٰلِكَ، فَلَيْسَ مُسْتَغْرَبًا أَنْ يَفْقِدَ شَجَاعَتَهُ. فِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ، يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ أَنَّهُ «ذَهَبَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ»، أَيْ هَرَبَ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ. — ١ مل ١٨:٤؛ ١٩:٣.
إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَتَسَلَّحَ بِٱلشَّجَاعَةِ دَوْمًا، فَعَلَيْنَا أَلَّا نُطِيلَ ٱلتَّفْكِيرَ فِي ٱلْمَخَاطِرِ ٱلَّتِي تُخِيفُنَا
٨ (أ) كَيْفَ وَقَعَ بُطْرُسُ فَرِيسَةَ ٱلْخَوْفِ مِثْلَ إِيلِيَّا؟ (ب) أَيُّ دَرْسٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ إِيلِيَّا وَبُطْرُسَ؟
٨ لَيْسَ إِيلِيَّا هُوَ رَجُلَ ٱلْإِيمَانِ ٱلْوَحِيدَ ٱلَّذِي ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ ٱلْخَوْفُ. فَبَعْدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَاجَهَ ٱلرَّسُولُ بُطْرُسُ ٱلْمُشْكِلَةَ عَيْنَهَا. فَذَاتَ مَرَّةٍ، مَنَحَهُ يَسُوعُ ٱلْقُدْرَةَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى ٱلْمَاءِ، لٰكِنَّهُ خَسِرَ شَجَاعَتَهُ وَٱبْتَدَأَ يَغْرَقُ «لَمَّا رَأَى عَاصِفَةَ ٱلرِّيحِ». (اقرأ متى ١٤:٣٠.) فَأَيُّ دَرْسٍ قَيِّمٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ مِثَالِ إِيلِيَّا وَبُطْرُسَ؟ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَتَسَلَّحَ بِٱلشَّجَاعَةِ دَوْمًا، فَعَلَيْنَا أَلَّا نُطِيلَ ٱلتَّفْكِيرَ فِي ٱلْمَخَاطِرِ ٱلَّتِي تُخِيفُنَا، بَلْ أَنْ نُرَكِّزَ عَلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ مَصْدَرِ رَجَائِنَا وَقُوَّتِنَا.
«كَفَى ٱلْآنَ يَا يَهْوَهُ!»
٩ كَيْفَ نَتَخَيَّلُ رِحْلَةَ إِيلِيَّا، وَأَيَّةُ مَشَاعِرَ سَاوَرَتْهُ خِلَالَ هُرُوبِهِ؟
٩ هَرَبَ إِيلِيَّا وَقَلْبُهُ يَرْجُفُ مِنَ ٱلْخَوْفِ فِي ٱلِٱتِّجَاهِ ٱلْجَنُوبِيِّ ٱلْغَرْبِيِّ مُجْتَازًا نَحْوَ ١٥٠ كلم إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، مَدِينَةٍ تَقَعُ قُرْبَ حُدُودِ يَهُوذَا ٱلْجَنُوبِيَّةِ. فَتَرَكَ غُلَامَهُ هُنَاكَ وَٱنْطَلَقَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ بِمُفْرَدِهِ، سَائِرًا «مَسِيرَةَ يَوْمٍ» حَسْبَمَا يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ. تَخَيَّلْهُ يَبْدَأُ رِحْلَتَهُ عِنْدَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ لَا مُؤَنَ مَعَهُ وَلَا حَاجِيَّاتِ. فَيُحَاوِلُ جَاهِدًا ٱجْتِيَازَ تِلْكَ ٱلْأَرْضِ ٱلْوَعِرَةِ ٱلْمُوحِشَةِ، مَهْمُومًا مَذْعُورًا مُكْتَئِبًا، وَٱلْحَرُّ يَلْفَحُ وَجْهَهُ. وَمَعَ ٱحْمِرَارِ قُرْصِ ٱلشَّمْسِ وَٱنْحِدَارِهِ إِلَى مَبِيتِهِ، لَا بُدَّ أَنَّ ٱلتَّعَبَ أَخَذَ مِنْهُ كُلَّ مَأْخَذٍ. فَلَمْ يَجِدْ فِي تِلْكَ ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلْقَاحِلَةِ سِوَى شَجَرَةِ رَتَمٍ يَجْلِسُ تَحْتَهَا لِيَلْتَقِطَ أَنْفَاسَهُ. — ١ مل ١٩:٤.
١٠، ١١ (أ) مَاذَا قَصَدَ إِيلِيَّا فِي صَلَاتِهِ إِلَى يَهْوَهَ؟ (ب) بِٱسْتِخْدَامِ ٱلْآيَاتِ ٱلْمُشَارِ إِلَيْهَا، أَيَّةُ مَشَاعِرَ تَمَلَّكَتْ خُدَّامًا أَتْقِيَاءَ آخَرِينَ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمِ ٱلتَّثَبُّطُ؟
١٠ صَلَّى إِيلِيَّا بِقَلْبٍ مُثْقَلٍ بِٱلْيَأْسِ وَطَلَبَ ٱلْمَوْتَ لِنَفْسِهِ قَائِلًا: «لَسْتُ أَفْضَلَ مِنْ آبَائِي». لَقَدْ عَرَفَ أَنَّ أَسْلَافَهُ كَانُوا آنَذَاكَ مُجَرَّدَ تُرَابٍ وَعِظَامٍ فِي ٱلْقَبْرِ عَاجِزِينَ عَنْ مُسَاعَدَةِ أَحَدٍ. (جا ٩:١٠) وَشَعَرَ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ لَا نَفْعَ مِنْهُ وَلَا فَائِدَةَ، لِذَا صَرَخَ: «كَفَى ٱلْآنَ يَا يَهْوَهُ!». فَلَا جَدْوَى مِنْ بَقَائِهِ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ.
١١ فَهَلْ مِنَ ٱلْمُسْتَغْرَبِ أَنْ يَقَعَ شَخْصٌ مُتَعَبِّدٌ لِلّٰهِ فَرِيسَةَ ٱلتَّثَبُّطِ ٱلشَّدِيدِ؟ كَلَّا. فَسِجِلُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يَتَحَدَّثُ عَنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أُمَنَاءَ تَمَنَّوُا ٱلْمَوْتَ لِشِدَّةِ مَا عَانَوْا مِنَ ٱلْأَسَى، أَمْثَالِ رِفْقَةَ وَيَعْقُوبَ وَمُوسَى وَأَيُّوبَ. — تك ٢٥:٢٢؛ ٣٧:٣٥؛ عد ١١:١٣-١٥؛ اي ١٤:١٣.
١٢ كَيْفَ تَقْتَدِي بِمِثَالِ إِيلِيَّا إِذَا وَجَدْتَ نَفْسَكَ يَوْمًا مُثْقَلًا بِمَشَاعِرِ ٱلتَّثَبُّطِ؟
١٢ بِمَا أَنَّنَا نَعِيشُ ٱلْيَوْمَ فِي «أَزْمِنَةٍ حَرِجَةٍ»، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَشْعُرَ كَثِيرُونَ، بِمَنْ فِيهِمْ خُدَّامُ ٱللّٰهِ ٱلْأُمَنَاءُ، بِٱلْحُزْنِ وَٱلْإِحْبَاطِ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ. (٢ تي ٣:١) فَإِذَا وَجَدْتَ نَفْسَكَ يَوْمًا مُثْقَلًا بِهٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرِ ٱلْأَلِيمَةِ، فَٱقْتَدِ بِإِيلِيَّا وَٱسْكُبْ قَلْبَكَ أَمَامَ يَهْوَهَ، «إِلٰهِ كُلِّ تَعْزِيَةٍ». (اقرأ ٢ كورنثوس ١:٣، ٤.) وَلٰكِنْ هَلْ أَرَاحَ ٱللّٰهُ إِيلِيَّا؟
يَهْوَهُ يَسْنُدُ قَلْبَ نَبِيِّهِ
١٣، ١٤ (أ) كَيْفَ ٱسْتَخْدَمَ يَهْوَهُ مَلَاكًا لِيُظْهِرَ ٱهْتِمَامًا حُبِّيًّا بِنَبِيِّهِ ٱلْمُضْطَرِبِ؟ (ب) لِمَ هُوَ مُنْعِشٌ أَنْ يَعْرِفَ يَهْوَهُ كُلًّا مِنَّا حَقَّ ٱلْمَعْرِفَةِ وَيُدْرِكَ حُدُودَنَا؟
١٣ تُرَى كَيْفَ شَعَرَ يَهْوَهُ حِينَ نَظَرَ مِنْ عَلْيَائِهِ وَرَأَى نَبِيَّهُ ٱلْمَحْبُوبَ مُسْتَلْقِيًا تَحْتَ تِلْكَ ٱلشَّجَرَةِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ يَلْتَمِسُ ٱلْمَوْتَ لِنَفْسِهِ؟ لَا مَجَالَ لِلتَّخْمِينِ. فَبَعْدَمَا ٱسْتَغْرَقَ إِيلِيَّا فِي ٱلنَّوْمِ، أَرْسَلَ يَهْوَهُ مَلَاكًا أَيْقَظَهُ بِلَمْسَةٍ رَقِيقَةٍ وَقَالَ لَهُ: «قُمْ وَكُلْ». فَقَامَ وَأَكَلَ وَجْبَةً بَسِيطَةً مِنَ ٱلْخُبْزِ ٱلطَّازَجِ وَٱلْمَاءِ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا لَهُ ٱلْمَلَاكُ. وَهَلْ أَعْرَبَ لَهُ عَنِ ٱمْتِنَانِهِ؟ لَا يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ إِلَّا أَنَّهُ أَكَلَ وَشَرِبَ وَعَادَ إِلَى ٱلنَّوْمِ. فَهَلْ كَانَ غَارِقًا فِي ٱلْكَآبَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَقْوَ عَلَى ٱلْكَلَامِ؟ لَا نَعْرِفُ. فِي أَيَّةِ حَالٍ، أَيْقَظَهُ ٱلْمَلَاكُ ثَانِيَةً رُبَّمَا عِنْدَ ٱلْفَجْرِ وَحَثَّهُ مَرَّةً أُخْرَى: «قُمْ وَكُلْ». ثُمَّ أَضَافَ ٱلْكَلِمَاتِ ٱللَّافِتَةَ ٱلتَّالِيَةَ: «لِأَنَّ ٱلْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». — ١ مل ١٩:٥-٧.
١٤ لَقَدْ عَرَفَ ٱلْمَلَاكُ وُجْهَةَ إِيلِيَّا بِفَضْلِ ٱلْبَصِيرَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا مِنْ يَهْوَهَ. وَأَدْرَكَ أَيْضًا أَنَّ ٱلرِّحْلَةَ كَانَتْ أَصْعَبَ مِنْ أَنْ يُكْمِلَهَا ٱلنَّبِيُّ بِقُوَّتِهِ ٱلْخَاصَّةِ. فَكَمْ هُوَ مُنْعِشٌ أَنْ نَخْدُمَ إِلٰهًا يَعْرِفُ أَهْدَافَنَا وَحُدُودَنَا أَكْثَرَ مِنَّا! (اقرإ المزمور ١٠٣:١٣، ١٤.) وَلٰكِنْ هَلِ ٱنْتَعَشَ إِيلِيَّا بَعْدَمَا تَنَاوَلَ تِلْكَ ٱلْوَجْبَةَ؟
١٥، ١٦ (أ) مَاذَا تَمَكَّنَ إِيلِيَّا مِنْ فِعْلِهِ بَعْدَمَا تَنَاوَلَ ٱلْوَجْبَةَ ٱلَّتِي أَعَدَّهَا لَهُ يَهْوَهُ؟ (ب) لِمَ يَنْبَغِي أَنْ نُقَدِّرَ ٱلطَّرِيقَةَ ٱلَّتِي يَدْعَمُنَا بِهَا يَهْوَهُ ٱلْيَوْمَ؟
١٥ نَقْرَأُ: «قَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ مَا ٱقْتَاتَ بِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ ٱللّٰهِ حُورِيبَ». (١ مل ١٩:٨) فَعَلَى غِرَارِ مُوسَى ٱلَّذِي عَاشَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ سِتَّةِ قُرُونٍ، وَيَسُوعَ ٱلَّذِي أَتَى بَعْدَهُ بِنَحْوِ عَشَرَةِ قُرُونٍ، صَامَ إِيلِيَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. (خر ٣٤:٢٨؛ لو ٤:١، ٢) طَبْعًا، لَمْ تُنْهِ تِلْكَ ٱلْوَجْبَةُ ٱلْوَاحِدَةُ كُلَّ مَشَاكِلِهِ، إِلَّا أَنَّهَا سَنَدَتْ قَلْبَهُ عَجَائِبِيًّا. تَخَيَّلْ هٰذَا ٱلرَّجُلَ وَقَدْ خَطَّ ٱلشَّيْبُ رَأْسَهُ يَقْطَعُ جَاهِدًا ٱلْبَرِّيَّةَ ٱلْقَاحِلَةَ ٱلَّتِي قَلَّمَا وَطِئَهَا إِنْسَانٌ، سَائِرًا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أُسْبُوعًا بَعْدَ أُسْبُوعٍ طَوَالَ شَهْرٍ وَنِصْفٍ تَقْرِيبًا.
١٦ اَلْيَوْمَ أَيْضًا يَسْنُدُ يَهْوَهُ قُلُوبَ خُدَّامِهِ، لَيْسَ بِتَأْمِينِ ٱلطَّعَامِ ٱلْجَسَدِيِّ عَجَائِبِيًّا، بَلْ بِطَرِيقَةٍ أَهَمَّ بِكَثِيرٍ: تَزْوِيدِهِمِ ٱلطَّعَامَ ٱلرُّوحِيَّ. (مت ٤:٤) فَٱسْتِقَاءُ ٱلْمَعْرِفَةِ عَنِ ٱللّٰهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمَطْبُوعَاتِ ٱلْمُؤَسَّسَةِ عَلَيْهِ بِدِقَّةٍ يَدْعَمُنَا وَيَسْنُدُنَا رُوحِيًّا. صَحِيحٌ أَنَّ تَنَاوُلَ هٰذَا ٱلْغِذَاءِ ٱلرُّوحِيِّ قَدْ لَا يَحُلُّ كُلَّ مَشَاكِلِنَا، لٰكِنَّهُ يُسَاعِدُنَا عَلَى ٱحْتِمَالِ مِحَنٍ نَعْجِزُ لَوْلَاهُ عَنِ ٱحْتِمَالِهَا. وَهُوَ أَيْضًا يُؤَدِّي بِنَا إِلَى نَيْلِ «ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ». — يو ١٧:٣.
١٧ إِلَى أَيْنَ ذَهَبَ إِيلِيَّا، وَلِمَ كَانَ لِذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ أَهَمِّيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ؟
١٧ بَعْدَمَا سَارَ إِيلِيَّا حَوَالَيْ ٣٢٠ كلم، وَصَلَ أَخِيرًا إِلَى جَبَلِ حُورِيبَ (جَبَلِ سِينَاءَ). وَلِهٰذَا ٱلْجَبَلِ أَهَمِّيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ. فَهُنَاكَ، مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ، ٱسْتَخْدَمَ يَهْوَهُ مَلَاكًا وَتَرَاءَى لِمُوسَى فِي عُلَّيْقَةٍ مُتَّقِدَةٍ وَقَطَعَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ عَهْدَ ٱلشَّرِيعَةِ مَعَ إِسْرَائِيلَ. وَفِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَجَدَ إِيلِيَّا مَغَارَةً وَبَاتَ فِيهَا.
يَهْوَهُ يَمُدُّ نَبِيَّهُ بِٱلتَّعْزِيَةِ وَٱلتَّشْجِيعِ
١٨، ١٩ (أ) أَيُّ سُؤَالٍ طَرَحَهُ مَلَاكُ يَهْوَهَ عَلَى إِيلِيَّا، وَكَيْفَ تَجَاوَبَ ٱلنَّبِيُّ؟ (ب) مَا هِيَ أَسْبَابُ حُزْنِ إِيلِيَّا ٱلثَّلَاثَةُ؟
١٨ فِيمَا كَانَ إِيلِيَّا فِي ٱلْمَغَارَةِ، أَتَاهُ «كَلَامُ» يَهْوَهَ بِوَاسِطَةِ مَلَاكٍ كَمَا يَتَّضِحُ قَائِلًا لَهُ: «مَا لَكَ هٰهُنَا يَا إِيلِيَّا؟». لَا بُدَّ أَنَّ ٱلسُّؤَالَ طُرِحَ عَلَيْهِ بِمُنْتَهَى ٱلرِّقَّةِ، مَا دَفَعَهُ إِلَى سَكْبِ مَشَاعِرِهِ ٱلْعَمِيقَةِ. فَعَبَّرَ بِكُلِّ جَوَارِحِهِ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِيَهْوَهَ إِلٰهِ ٱلْجُنُودِ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِٱلسَّيْفِ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». (١ مل ١٩:٩، ١٠) نَسْتَشِفُّ مِنْ كَلِمَاتِهِ هٰذِهِ ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ عَلَى ٱلْأَقَلِّ تُفَسِّرُ حُزْنَهُ وَتَثَبُّطَهُ.
١٩ أَوَّلًا، شَعَرَ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ ذَهَبَ هَبَاءً. فَرَغْمَ أَنَّهُ ‹غَارَ غَيْرَةً› لِيَهْوَهَ سِنِينَ طَوِيلَةً وَاضِعًا ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ وَعِبَادَتَهُ فِي ٱلْمَقَامِ ٱلْأَوَّلِ، بَدَا لَهُ أَنَّ ٱلْأَوْضَاعَ تَزْدَادُ سُوءًا بَدَلَ أَنْ تَتَحَسَّنَ. فَٱلشَّعْبُ لَا يَزَالُونَ خَائِنِينَ مُتَمَرِّدِينَ، وَٱلْعِبَادَةُ ٱلْبَاطِلَةُ تَتَفَشَّى بَيْنَهُمْ كَٱلْوَبَإِ. ثَانِيًا، ٱنْتَابَهُ إِحْسَاسٌ بِٱلْوَحْدَةِ. فَقَدْ قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَحْدِي»، وَكَأَنَّهُ آخِرُ شَخْصٍ بَقِيَ يَخْدُمُ يَهْوَهَ فِي أُمَّةِ إِسْرَائِيلَ. ثَالِثًا، كَانَ ٱلْخَوْفُ مُسْتَأْثِرًا بِهِ. فَبَعْدَمَا قُتِلَ كَثِيرُونَ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْأَنْبِيَاءِ، بَاتَ مُقْتَنِعًا أَنَّهُ ٱلضَّحِيَّةُ ٱلتَّالِيَةُ. لَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ سَهْلًا عَلَى إِيلِيَّا ٱلِٱعْتِرَافُ بِهٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْهَا فِي نَفْسِهِ تَكَبُّرًا أَوْ خَجَلًا. وَبِإِفْصَاحِهِ لِلّٰهِ عَنْ مَكْنُونَاتِ قَلْبِهِ فِي ٱلصَّلَاةِ، رَسَمَ لِكُلِّ ٱلْأُمَنَاءِ مِثَالًا يُقْتَدَى بِهِ. — مز ٦٢:٨.
٢٠، ٢١ (أ) مَاذَا شَهِدَ إِيلِيَّا وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ بَابِ ٱلْمَغَارَةِ فِي جَبَلِ حُورِيبَ؟ (ب) كَيْفَ ٱسْتَفَادَ إِيلِيَّا مِنَ ٱلتَّجَلِّيَاتِ ٱلْمُذْهِلَةِ لِقُدْرَةِ يَهْوَهَ؟
٢٠ كَيْفَ خَفَّفَ يَهْوَهُ مِنْ خَوْفِ إِيلِيَّا وَقَلَقِهِ؟ طَلَبَ مِنْهُ ٱلْمَلَاكُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ بَابِ ٱلْمَغَارَةِ، فَأَطَاعَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَا يَنْتَظِرُهُ. وَإِذْ بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ تَهُبُّ فَجْأَةً صَفِيرُهَا يَصُمُّ ٱلْآذَانَ، وَلِقُوَّتِهَا ٱنْشَقَّتِ ٱلْجِبَالُ وَتَكَسَّرَتِ ٱلصُّخُورُ. تَخَيَّلْ إِيلِيَّا آنًا يُحَاوِلُ حِمَايَةَ عَيْنَيْهِ وَآوِنَةً يَتَمَسَّكُ بِرِدَائِهِ ٱلسَّمِيكِ ٱلَّذِي تَطِيرُ بِهِ ٱلرِّيحُ وَتَلُفُّهُ حَوْلَهُ. ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ وَجَدَ نَفْسَهُ يَتَأَرْجَحُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً. فَٱلْأَرْضُ رَاحَتْ تَرْتَجُّ وَتَمُوجُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لِأَنَّ زَلْزَلَةً ضَرَبَتِ ٱلْمَكَانَ. وَفِيمَا هُوَ بَعْدُ تَحْتَ ٱلصَّدْمَةِ، شَبَّتْ نَارٌ عَظِيمَةٌ وَسَرَتْ بِسُرْعَةٍ، فَٱضْطُرَّ إِلَى دُخُولِ ٱلْمَغَارَةِ ٱتِّقَاءً مِنْ حَرَارَتِهَا ٱللَّاذِعَةِ. — ١ مل ١٩:١١، ١٢.
اِسْتَخْدَمَ يَهْوَهُ قُدْرَتَهُ ٱلْمَهِيبَةَ لِيَمُدَّ نَبِيَّهُ بِٱلتَّعْزِيَةِ وَٱلتَّشْجِيعِ
٢١ عِنْدَ حُدُوثِ كُلٍّ مِنْ هٰذِهِ ٱلظَّوَاهِرِ، تُذَكِّرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ ٱلتَّجَلِّيَاتِ ٱلْمُوحِيَةِ بِٱلرَّهْبَةِ لِقُوَى ٱلطَّبِيعَةِ. وَإِيلِيَّا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ يَهْوَهَ لَيْسَ إِلٰهًا خُرَافِيًّا يُجَسِّدُ هٰذِهِ ٱلْقُوَى، مِثْلَ بَعْلٍ ٱلَّذِي دَعَاهُ عُبَّادُهُ ٱلضَّالُّونَ «رَاكِبَ ٱلْغَمَامِ»، أَيْ جَالِبَ ٱلْمَطَرِ. فَيَهْوَهُ هُوَ ٱلْمَصْدَرُ ٱلْحَقِيقِيُّ لِكُلِّ قُوَّةٍ مَهِيبَةٍ كَامِنَةٍ فِي ٱلطَّبِيعَةِ، لٰكِنَّهُ أَيْضًا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ صَنَعَتْهُ يَدَاهُ، حَتَّى إِنَّ ٱلسَّمٰوَاتِ ٱلْحَرْفِيَّةَ لَا تَسَعُهُ. (١ مل ٨:٢٧) وَكَيْفَ ٱسْتَفَادَ إِيلِيَّا مِنْ كُلِّ مَا شَهِدَهُ؟ تَذَكَّرْ أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةِ ٱلْخَوْفِ. أَمَّا ٱلْآنَ وَإِلٰهٌ مِثْلُ يَهْوَهَ وَاقِفٌ إِلَى جَانِبِهِ، إِلٰهٌ يَمْتَلِكُ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْقُدْرَةِ ٱلْهَائِلَةِ، فَمَا كَانَ مِنْ دَاعٍ بَعْدُ أَنْ يَخْشَى أَخْآبَ وَإِيزَابِلَ. — اقرإ المزمور ١١٨:٦.
٢٢ (أ) كَيْفَ أَكَّدَ ‹ٱلصَّوْتُ ٱلْمُنْخَفِضُ ٱلْهَادِئُ› لِإِيلِيَّا أَنَّ لَهُ قِيمَةً عَظِيمَةً؟ (ب) مَنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَصْدَرُ ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ›؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
٢٢ بَعْدَمَا ٱخْتَفَتِ ٱلنَّارُ، وَقَعَ صَمْتٌ مُطْبِقٌ. ثُمَّ تَنَاهَى إِلَى مَسَامِعِ إِيلِيَّا «صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ هَادِئٌ» حَفَزَهُ أَنْ يَفْتَحَ قَلْبَهُ مُجَدَّدًا.a فَأَفْصَحَ عَمَّا يَجِيشُ فِي صَدْرِهِ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ. وَلَعَلَّ ذٰلِكَ بَعَثَ فِي نَفْسِهِ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلرَّاحَةِ وَٱلِٱطْمِئْنَانِ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ ٱطْمَأَنَّ أَكْثَرَ بَعْدَمَا سَمِعَ مَا قَالَهُ هٰذَا ‹ٱلصَّوْتُ ٱلْمُنْخَفِضُ ٱلْهَادِئُ›. فَيَهْوَهُ بَرْهَنَ لِلنَّبِيِّ أَنَّ لَهُ قِيمَةً عَظِيمَةً فِي نَظَرِهِ. كَيْفَ؟ حِينَ كَشَفَ لَهُ ٱلْكَثِيرَ عَمَّا يَنْوِي فِعْلَهُ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ بِعِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ فِي إِسْرَائِيلَ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ جُهُودَ إِيلِيَّا لَمْ تَذْهَبْ هَبَاءً، فَقَصْدُ يَهْوَهَ كَانَ جَارِيًا عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ لَا يُعِيقُهُ عَائِقٌ. هٰذَا وَإِنَّ إِيلِيَّا كَانَ سَيَلْعَبُ بَعْدُ دَوْرًا فِي هٰذَا ٱلْقَصْدِ. فَقَدْ أَمَرَهُ يَهْوَهُ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى ٱلْعَمَلِ بَعْدَمَا أَعْطَاهُ إِرْشَادَاتٍ مُحَدَّدَةً. — ١ مل ١٩:١٢-١٧.
٢٣ بِأَيِّ طَرِيقَتَيْنِ خَفَّفَ يَهْوَهُ مِنْ وَطْأَةِ مَشَاعِرِ ٱلْوَحْدَةِ ٱلَّتِي ٱنْتَابَتْ إِيلِيَّا؟
٢٣ وَمَاذَا عَنْ مَشَاعِرِ ٱلْوَحْدَةِ ٱلَّتِي ٱنْتَابَتْ إِيلِيَّا؟ خَفَّفَ يَهْوَهُ مِنْ وَطْأَتِهَا عَلَيْهِ بِطَرِيقَتَيْنِ. أَوَّلًا، طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَمْسَحَ أَلِيشَعَ بِوَصْفِهِ ٱلنَّبِيَّ ٱلَّذِي كَانَ سَيَخْلُفُهُ فِي آخِرِ ٱلْأَمْرِ. وَكَانَ هٰذَا ٱلشَّابُّ سَيُرَافِقُهُ وَيُسَانِدُهُ لِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ. فَكَمْ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمُسَاعَدَةُ فِي حِينِهَا! ثَانِيًا، نَقَلَ إِلَيْهِ هٰذَا ٱلْخَبَرَ ٱلْمُفْرِحَ: «قَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلَافٍ، كُلَّ ٱلرُّكَبِ ٱلَّتِي لَمْ تُحْنَ لِلْبَعْلِ، وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ». (١ مل ١٩:١٨) إِذًا، لَمْ يَكُنْ إِيلِيَّا وَحِيدًا. فَقَدِ ٱنْشَرَحَ صَدْرُهُ دُونَ شَكٍّ حِينَ عَلِمَ أَنَّ آلَافَ ٱلْأُمَنَاءِ رَفَضُوا عِبَادَةَ ٱلْبَعْلِ. وَهٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْخَاصُ كَانُوا سَيَتَشَجَّعُونَ بِمِثَالِهِ حِينَ يُوَاظِبُ هُوَ عَلَى خِدْمَةِ يَهْوَهَ بِأَمَانَةٍ وَيَرْسُمُ مِثَالًا فِي ٱلْمُحَافَظَةِ عَلَى وَلَاءٍ لَا يَنْثَلِمُ خِلَالَ تِلْكَ ٱلْأَوْقَاتِ ٱلْحَالِكَةِ. فَيَا لَلْأَثَرِ ٱلْعَمِيقِ ٱلَّذِي تَرَكَتْهُ فِي قَلْبِ إِيلِيَّا ٱلْكَلِمَاتُ ٱلَّتِي قَالَهَا رَسُولُ يَهْوَهَ، ‹ٱلصَّوْتُ ٱلْمُنْخَفِضُ ٱلْهَادِئُ› لِإِلٰهِهِ!
قَدْ يَكُونُ اَلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَشْبَهَ بِذَاكَ ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ› إِذَا سَمَحْنَا لَهُ بِأَنْ يُرْشِدَنَا ٱلْيَوْمَ
٢٤، ٢٥ (أ) بِأَيِّ طَرِيقَةٍ نُصْغِي ٱلْيَوْمَ إِلَى ‹صَوْتِ يَهْوَهَ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ›؟ (ب) مَاذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ إِيلِيَّا تَعَزَّى بِٱلْمُسَاعَدَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا مِنْ يَهْوَهَ؟
٢٤ عَلَى غِرَارِ إِيلِيَّا، قَدْ نَمْتَلِئُ رَهْبَةً مِنَ ٱلْقُوَى ٱلطَّبِيعِيَّةِ ٱلْجَبَّارَةِ ٱلْمُتَجَلِّيَةِ فِي ٱلْخَلِيقَةِ. وَشُعُورُنَا هٰذَا فِي مَحَلِّهِ. فَٱلْخَلِيقَةُ تُجَسِّدُ بِوُضُوحٍ قُدْرَةَ ٱلْخَالِقِ. (رو ١:٢٠) وَيَهْوَهُ يَرْغَبُ حَتَّى ٱلْآنَ فِي ٱسْتِخْدَامِ قُدْرَتِهِ ٱللَّامُتَنَاهِيَةِ لِمَصْلَحَةِ خُدَّامِهِ ٱلْأُمَنَاءِ. (٢ اخ ١٦:٩) لٰكِنَّهُ ٱلْيَوْمَ يَتَكَلَّمُ مَعَنَا بِشَكْلٍ أَشْمَلَ مِنْ خِلَالِ صَفَحَاتِ كَلِمَتِهِ. (اقرأ اشعيا ٣٠:٢١.) فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ، إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ، قَدْ يَكُونُ أَشْبَهَ بِذَاكَ ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ› إِذَا سَمَحْنَا لَهُ بِأَنْ يُرْشِدَنَا. فَمِنْ خِلَالِ مَبَادِئِهِ ٱلثَّمِينَةِ، يُؤَدِّبُنَا يَهْوَهُ، يُشَجِّعُنَا، وَيُؤَكِّدُ لَنَا مَحَبَّتَهُ.
٢٥ وَهَلْ تَعَزَّى إِيلِيَّا بِٱلْمُسَاعَدَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا مِنْ يَهْوَهَ عَلَى جَبَلِ حُورِيبَ؟ نَعَمْ دُونَ أَدْنَى شَكٍّ. فَسُرْعَانَ مَا ٱسْتَعَادَ نَشَاطَهُ وَعَادَ كَسَابِقِ عَهْدِهِ نَبِيًّا شُجَاعًا أَمِينًا يَقِفُ فِي وَجْهِ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْبَاطِلَةِ. نَحْنُ أَيْضًا، إِذَا أَصْغَيْنَا إِلَى كَلِمَاتِ ٱللّٰهِ ٱلْمُلْهَمَةِ ٱلَّتِي هِيَ ‹تَعْزِيَةٌ لَنَا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ›، نَقْتَدِي بِإِيمَانِ إِيلِيَّا. — رو ١٥:٤.
a لَعَلَّ مَصْدَرَ هٰذَا ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ› هُوَ ٱلْكَائِنُ ٱلرُّوحَانِيُّ نَفْسُهُ ٱلَّذِي ٱسْتُخْدِمَ لِنَقْلِ «كَلَامِ يَهْوَهَ» ٱلْمَذْكُورِ فِي ١ مُلُوك ١٩:٩. وَيُشَارُ إِلَيْهِ فِي ٱلْعَدَدِ ١٥ بِأَنَّهُ «يَهْوَهُ». وَقَدْ يُذَكِّرُنَا ذٰلِكَ بِٱلرَّسُولِ ٱلْمَلَائِكِيِّ ٱلَّذِي ٱسْتَخْدَمَهُ يَهْوَهُ لِقِيَادَةِ إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَقَالَ عَنْهُ: «اِسْمِي فِيهِ». (خر ٢٣:٢١) وَرَغْمَ أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ حَتْمًا ٱلْجَزْمَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ، مِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ يَسُوعَ خِلَالَ وُجُودِهِ ٱلسَّابِقِ لِبَشَرِيَّتِهِ كَانَ «ٱلْكَلِمَةَ»، أَيِ ٱلنَّاطِقَ ٱلْخَاصَّ بِلِسَانِ يَهْوَهَ ٱلَّذِي نَقَلَ كَلَامَهُ إِلَى خُدَّامِهِ. — يو ١:١.
-