-
ما هو العِرق؟استيقظ! ١٩٩٣ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
ما هو العِرق؟
العِرق! بماذا تذكِّركم هذه الكلمة؟ بالنسبة الى البعض تعني المحاباة والجَوْر. وبالنسبة الى آخرين تعني البغض، الشغب، وحتى القتل.
من الشغب العرقي في الولايات المتحدة الى التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا، من الحروب بين الفِرَق العرقية في اوروپا الشرقية الى الصراعات في اماكن مثل سْري لانكا وپاكستان — صار العِرق النقطة المركزية للكثير من الالم البشري والدمار.
ولكن لماذا الحال هكذا؟ حتى في البلدان حيث يبدو الناس متسامحين في كل شيء آخر تقريبا، لماذا العِرق هو قضية حساسة الى هذا الحد؟ ما الذي يجعل العِرق الفتيل الذي يشعل الكثير جدا من الاضطراب والظلم؟ وببسيط العبارة، لماذا لا يتمكن الناس من عروق مختلفة ان يكونوا على وفاق؟
للاجابة عن هذه الاسئلة، يلزمنا ان نعرف اكثر من ماهية العِرق وبأية طرائق تختلف العروق. ولا بد ان نفهم ايضا الدور الذي لعبه التاريخ في العلاقات العرقية الحالية. ولكن دعونا اولا نلقي نظرة على ما يمكن ان يقوله لنا العلم عن الموضوع.
المشكلة في تصنيف البشر
لدى الناس العائشين في اجزاء مختلفة من العالم ميزات جسدية مختلفة. وتشمل هذه لون البشرة، شكل ملامح الوجه، طبيعة الشعر، وهلمَّ جرًّا. واختلافات جسدية كهذه تميِّز عِرقا من آخر.
لذلك يتكلم الناس عموما عن البيض والسود، لافتين الانتباه الى لون البشرة. ولكنَّ الناس يتكلمون ايضا عن الهسپانيين، الآسيويين، الٕاسكنديناڤيين، اليهود، والروس. وتحديدات الهوية الاخيرة هذه تشير الى الميزات الجسدية اقل مما تشير الى الاختلافات الجغرافية، القومية، او الثقافية. وهكذا بالنسبة الى معظم الناس، لا يُحدَّد العِرق على اساس الاوجه الجسدية فحسب بل ايضا على اساس العادات، اللغة، الثقافة، الدين، والقومية.
ولكنَّ المثير للاهتمام ان بعض الكتَّاب في هذا الموضوع يتردَّدون في استعمال الكلمة «عِرق» بأية حال؛ فهم يضعون الكلمة بين علامتي اقتباس كلما ظهرت. ويتجنب آخرون الكلمة بكاملها ويستعملون عوضا عنها تعابير مثل «تصنيفات عرقية،» «فِرَق،» «شعوب» و«انواع.» لماذا؟ لأن الكلمة «عِرق،» كما تُفهَم عموما، مشحونة بمعانٍ ضمنية ومفاهيم بحيث ان استعمالها، دون ايضاح مناسب، غالبا ما يجعل موضوعَ المناقشة مبهما.
وبالنسبة الى العلماء الاحيائيين والاختصاصيين في علم الانسان، غالبا ما يُعرَّف العِرق بأنه مجرد «قسم من البشر يرث ميزات جسدية تميِّزه من شعوب آخرين من البشر.» ولكنَّ السؤال هو، اية ميزات يمكن استعمالها لوصف الفِرَق المختلفة ضمن النوع البشري؟
اقتُرحت عوامل كلون البشرة، لون الشعر وطبيعته، شكل العينين والانف، حجم الدماغ، وفئة الدم، ولكن لم تبرهن ولا واحدة من هذه انها كافية كاملا كمصنِّفة لتنوُّعات الجنس البشري. ذلك لانه ليس هنالك فريق من الناس موجود طبيعيا يكون فيه كل الاعضاء متشابهين بشكل متساوٍ في اوجه كهذه.
تأملوا في لون البشرة. فمعظم الناس يعتقدون ان الجنس البشري يمكن تقسيمه بسهولة الى خمسة عروق على اساس لون البشرة: الابيض، الاسود، البني، الاصفر، والاحمر. ويُلاحَظ عموما ان العِرق الابيض لديه بشرة بيضاء، شعر فاتح اللون، وعينان زرقاوان. ولكن، في الواقع، هنالك تنوُّع كبير في لون الشعر، لون العينين، ولون البشرة بين اعضاء ما يدعى العِرق الابيض. يقول كتاب النوع البشري: «ليس فقط انه ليس هنالك اليوم شعب في اوروپا معظم اعضائه من شكل واحد؛ بل لم يكن هنالك شعب كهذا على الاطلاق.»
حقا، ان تصنيف النوع البشري صعب، كما يذكر كتاب اجناس الجنس البشري: «يبدو اننا جميعا غير قادرين إلا على قول هذا: على الرغم من ان كل الكائنات البشرية لا تشبه الكائنات البشرية الاخرى كلها، وعلى الرغم من انه يمكننا بوضوح ان نرى طرائق كثيرة بها يبدو الناس مختلفين، فالعلماء ليسوا بعدُ متفقين حول كم جنسا بالضبط هنالك في الجنس البشري. ولم يقرِّروا ايضا اية معايير يمكننا استعمالها لتحديد الناس في عِرق او آخر. وبعض العلماء يودّون ان يتوقفوا عن البحث ويقولون ان المشكلة صعبة جدا — انه ليس هنالك ايّ حل!»
كل ذلك قد يبدو محيِّرا. وفي حين يبدو ان العلماء لا يعانون صعوبة في تصنيف الحيوانات والنباتات الى جنس، نوع، ونُويع subspecies، فلماذا لديهم مشكلة كهذه في تقسيم الجنس البشري الى عروق؟
«خرافة الانسان الاكثر خطورة»
استنادا الى الاختصاصي في علم الانسان أشلي مونتاڠيو، يعتقد اناس كثيرون «ان المميِّزات الجسدية والعقلية مترابطة، ان الاختلافات الجسدية مقترنة باختلافات واضحة الى حد ما في المقدرات العقلية، وأن هذه الاختلافات تُقاس باختبارات حاصل الذكاء IQ والانجازات الثقافية لهذه الشعوب.»
لذلك يعتقد كثيرون انه بسبب امتلاك العروق ميزات جسدية مختلفة، فإن عروقا معيَّنة هي اسمى فكريا وأخرى هي ادنى. ولكنَّ مونتاڠيو يدعو تفكيرا كهذا «خرافة الانسان الاكثر خطورة.» ويوافق خبراء آخرون على ذلك.
يوضح مورتن كلاس وهال هلمان في كتاب اجناس الجنس البشري: «الافراد يختلفون حقا؛ وفي كل الشعوب هنالك عباقرة وأغبياء. ولكن، بعد كل البحث، لم يرَ العلماء المسؤولون دليلا يمكنهم قبوله على الاختلافات الوراثية بين الشعوب من حيث الذكاء او المقدرة.»
ولكن لماذا لا يزال كثيرون جدا يعتقدون ان الاختلافات الجسدية الخارجية تعني ان العروق مختلفة من حيث الاساس؟ كيف صار العِرق حقا قضية مهمة؟ سنتأمل في هاتين المسألتين في المقالة التالية.
-
-
لماذا العِرق قضية مهمة؟استيقظ! ١٩٩٣ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
لماذا العِرق قضية مهمة؟
منذ بداية التاريخ المسجَّل، سيطرت فكرة «هم» و«نحن» على تفكير الناس. وكثيرون اقنعوا انفسهم بأنهم الشعب الطبيعي الوحيد الذي لديه الطرائق الصائبة لفعل كل شيء. وهذا ما يدعوه العلماء التعصب السلالي، الفكرة ان شعب المرء وعاداته هي فقط ما له قيمة.
واليونان القدماء، على سبيل المثال، نظروا باستخفاف الى «البرابرة،» تعبير طبقوه على ايّ شخص ليس يونانيا. والكلمة «بربري» تطورت من الطريقة التي بها بدت لغات الاجانب للآذان اليونانية، كالكثير من الـ «بر-بر» غير المفهوم. والمصريون قبل اليونان، والرومان بعدهم، شعروا ايضا بالتفوق على غيرهم من الشعوب.
وطوال قرون دعا الصينيون بلدهم درونڠ ڠوو، او المملكة الوسطى، لأنهم كانوا مقتنعين بأن الصين هي مركز العالم ان لم يكن الكون. وفي ما بعد، عندما اتى المرسلون الاوروپيون، ذوو الشعر الاحمر، العينين الخضراوين، والبشرة الضاربة الى الحمرة، الى الصين، وسمهم الصينيون بأنهم «شياطين اجنبية.» وعلى نحو مماثل، عندما وصل الشرقيون اولا الى اوروپا واميركا الشمالية، جعلتهم عيونهم المائلة وما كان يُعتبر عادات غريبة اهدافا سهلة للسخرية والارتياب.
ولكن، هنالك واقع مهم للتأمل فيه، كما يقول كتاب اجناس الجنس البشري: «أن يؤمن المرء بتفوقه [العرقي] هو امر؛ وأن يحاول اثبات ذلك، باستعمال نتائج البحث العلمي، هو امر آخر كليا.» والجهود لإثبات تفوُّق عِرق على آخر جديدة نسبيا. كتب الاختصاصي في علم الانسان أشلي مونتاڠيو ان «فكرة وجود عروق للجنس البشري طبيعية او احيائية يختلف واحدها عن الآخر عقليا وجسديا ايضا هي فكرة لم تتطور حتى الجزء الاخير من القرن الثامن عشر.»
فلماذا صارت قضية التفوُّق العرقي بارزة جدا خلال القرنين الـ ١٨ والـ ١٩؟
تجارة الرقيق والعِرق
ان السبب الرئيسي هو ان تجارة الرقيق المربحة بلغت آنذاك ذروتها، ومئات الآلاف من الافريقيين أُخذوا بالقوة ودُفعوا الى العبودية في اوروپا والاميركتين. وغالبا ما كانت العائلات تتحطم، اذ يُرسَل الرجال، النساء، والاولاد الى اجزاء مختلفة من العالم، دون ان يروا ثانية واحدهم الآخر. فكيف يمكن لتجار الرقيق ومالكي العبيد، الذين ادَّعى معظمهم انهم مسيحيون، ان يدافعوا عن اعمال غير انسانية كهذه؟
بنشر وجهة النظر ان الافريقيين السود هم بالطبيعة ادنى. كتب الفيلسوف الاسكتلندي للقرن الـ ١٨ دايڤيد هيوم: «أميل الى الظن بأن كل الزنوج، وبشكل عام كل انواع البشر الاخرى هم بالطبيعة ادنى من البيض.» وفي الواقع، ادعى هيوم ان المرء لا يمكن ان يجد «اختراعات تتسم بالابداع بين [الزنوج]، ولا فنونا، ولا علوما.»
ولكنَّ ادّعاءات كهذه كانت باطلة. ذكرت دائرة معارف الكتاب العالمي (١٩٧٣): «ان الممالك الزنجية المتطورة الى حد بعيد وُجدت في اجزاء مختلفة من افريقيا منذ مئات السنين. . . . وبين السنوات ١٢٠٠ و ١٦٠٠، ازدهرت جامعة زنجية-عربية في تمبكتو في غرب افريقيا وصارت مشهورة في كل انحاء اسپانيا، شمال افريقيا، والشرق الاوسط.» ومع ذلك، فإن اولئك المتورطين في تجارة الرقيق كانوا سريعي التبني لوجهة نظر فلاسفة كهيوم ان السود هم عِرق ادنى من البيض، وفي الواقع، دون البشر ايضا.
الدين والعِرق
نال تجار الرقيق دعما جديرا بالملاحظة لوجهات نظرهم العرقية من القادة الدينيين. وباكرا في خمسينات الـ ١٤٠٠، اقرَّت مراسيم البابوات الكاثوليك الرومان اخضاع واستعباد «الوثنيين» و«الكافرين» لكي تخلص «نفوسهم» من اجل «ملكوت اللّٰه.» واذ نالوا بركة الكنيسة، لم يشعر المستكشفون الاوروپيون وتجار الرقيق الباكرون بوخز الضمير بشأن معاملتهم الوحشية للناس المحليين.
يقول كتاب العبودية والتقدم البشري: «في ستينات الـ ١٧٠٠، كما بالنسبة الى عقود كثيرة قادمة، اقرَّ رجال الكنيسة واللاهوتيون الكاثوليكيون، الانڠليكانيون، اللوثريون، المشيخيون، والاصلاحيون استعباد السود.» ويضيف: «لم تسعَ اية كنيسة عصرية او طائفة الى منع اعضائها من امتلاك العبيد السود او حتى المتاجرة بهم.»
وعلى الرغم من ان بعض الكنائس تكلمت عن الاخوَّة المسيحية الكونية، فقد روَّجت ايضا تعاليم زادت من حدة النزاع العرقي. على سبيل المثال، تذكر دائرة المعارف اليهودية انه «فقط بعد صراعات ومناقشات لاهوتية طويلة جدا اعترف الاسپان ان العروق المحلية التي وجدوها في اميركا هي بشر وُهبوا انفسا.»
والمفهوم كان انه طالما ان ‹انفس› الناس من عروق محلية كهذه كانت «تُنقَذ» بالاهتداء الى المسيحية، فليس مهمّا كيف تُعامَل جسديا. وفي ما يتعلق بحالة السود، ادعى قادة دينيون كثيرون بأن اللّٰه لعنهم على اية حال. وجرت اساءة تطبيق الاسفار المقدسة لمحاولة اثبات ذلك. ورجال الكنيسة روبرت جيمِسن، أ. ر. فوسِت، ودايڤيد براون، في تعليقهم على الكتاب المقدس، يؤكدون: «ملعون كنعان [تكوين ٩:٢٥] — وهذا الحكم تمَّ في هلاك الكنعانيين — في انحطاط مصر، واستعباد الافريقيين، المتحدرين من حام.» — تعليق، نقدي وتفسيري، على الكتاب المقدس بكامله.
والتعليم ان سلف العِرق الاسود لُعن لا يُعلَّم في الكتاب المقدس. والحقيقة هي ان العِرق الاسود تحدَّر من كوش، لا من كنعان. وفي القرن الـ ١٨، احتجَّ جون وولمَن بأن استعمال هذه اللعنة المؤسسة على الكتاب المقدس لتبرير استعباد السود، حارمين اياهم من حقوقهم الطبيعية، «هو افتراض اقبح من ان يقبله عقل ايّ شخص يرغب بإخلاص في ان توجهه مبادئ ثابتة.»
العلم الزائف والعِرق
وأضاف العلم الزائف ايضا صوته في محاولة لدعم النظرية ان السود هم عِرق ادنى. والكتاب مقال حول تباين العروق، بواسطة الكاتب الفرنسي للقرن الـ ١٩ جوزف دو ڠوبينو، وضع الاساس لما شابهه من مؤلفات كثيرة لاحقة. وفيه قسَّم ڠوبينو الجنس البشري الى ثلاثة عروق منفصلة في ترتيب متدرج من اعلى الى ادنى من حيث التفوُّق: الابيض، الاصفر، والاسود. وادعى ان الصفات الفريدة لكل عِرق تنتقل بالدم وبالتالي ان ايّ اختلاط بواسطة التزاوج يؤدي الى انحطاط وخسارة الصفات الاسمى.
وادعى ڠوبينو انه في ما مضى وُجد عِرق نقي من شعب ابيض، طويل، شعره اشقر، وعيناه زرقاوان دعاه الآريين. والآريون، كما ادعى، هم الذين ادخلوا الحضارة واللغة السنسكريتية الى الهند، والآريون هم الذين اسسوا حضارتي اليونان وروما القديمتين. ولكن بواسطة التزاوج مع الناس المحليين الادنى، جرت خسارة هاتين الحضارتين المجيدتين سابقا، مع النبوغ والصفات الحسنة للعِرق الآري. والشعب الاقرب الى الآري النقي الذي لا يزال باقيا، اكَّد ڠوبينو، يجب ان يوجد في اوروپا الشمالية، اي بين الشماليين، وبشكل موسَّع، الجرمانيين.
وأفكار ڠوبينو الاساسية — التقسيم الى ثلاثة عروق، السلالة الدموية، والعرق الآري — لم يكن لها ايّ اساس علمي على الاطلاق، والمجتمع العلمي اليوم يرفض تصديقها كاملا. ومع ذلك، قَبِلها الآخرون بسرعة. وبينهم كان هيوستون ستيووارت تشمبرلين الانكليزي، الذي افتُتن كثيرا بأفكار ڠوبينو بحيث اقام في المانيا ودافع عن قضية انه فقط بواسطة الالمان كان هنالك امل بالحفاظ على نقاوة العرق الآري. ومن الواضح ان كتابات تشمبرلين صارت تُقرأ على نطاق واسع في المانيا، وكانت العاقبة مروِّعة.
عاقبة مروِّعة للعرقية
في كتابه ماين كامپف (كفاحي)، اكد أدولف هتلر ان العِرق الالماني هو العِرق الآري الاسمى الذي قُدِّر له ان يحكم العالم. وشعر هتلر بأن اليهود، الذين قال انهم مسؤولون عن تدمير الاقتصاد الالماني، كانوا عائقا لهذا القدَر المجيد. وهكذا، تبع ذلك ابادة اليهود وأقليات اخرى في اوروپا، مما كان على نحو مسلَّم به احدى الفترات الأحلك في التاريخ البشري. هذه كانت العاقبة الوخيمة للافكار العرقية، بما فيها تلك التي لڠوبينو وتشمبرلين.
ولكنَّ امرا مروِّعا كهذا لم يكن محصورا في اوروپا. فعبر المحيط في ما يُدعى العالم الجديد، سبَّب النوع نفسه من الافكار التي لا اساس لها ألما لا يقدَّر لاجيال من الناس الابرياء. وعلى الرغم من ان العبيد الافريقيين حُرِّروا اخيرا في الولايات المتحدة بعد الحرب الاهلية، فقد سُنَّت قوانين في ولايات كثيرة تمنع السود من نيل الكثير من الامتيازات التي يتمتع بها مواطنون آخرون. ولماذا؟ اعتقد المواطنون البيض ان العِرق الاسود لا يملك المقدرة الفكرية للاشتراك في الواجبات المدنية وفي الحكومة.
ان مدى عمق رسوخ مشاعر عرقية كهذه توضحه قضية تشمل قانون عدم اختلاط العروق. لقد منع هذا القانون الزواج بين السود والبيض. وفي ادانة زوجين كسرا هذا القانون، قال احد القضاة: «اللّٰه القادر على كل شيء خلق العروق الابيض، الاسود، الاصفر، الملاييّ والاحمر، ووضعهم في قارات منفصلة، ولو لم يكن هنالك تدخُّل في ترتيبه لما كان هنالك سبب لزيجات كهذه.»
قال القاضي ذلك، لا في القرن الـ ١٩ ولا في منطقة متخلِّفة، بل في السنة ١٩٥٨ — وعلى بُعد ليس اكثر من ٦٠ ميلا (١٠٠ كلم) من الكاپيتول في الولايات المتحدة! فعلا، لم يكن حتى السنة ١٩٦٧ ان المحكمة العليا في الولايات المتحدة ابطلت كل القوانين ضد الزواج بين العروق البشرية المختلفة.
وقوانين تمييزية كهذه — بالاضافة الى التفرقة في المدارس، الكنائس، والمؤسسات العامة الاخرى والمحاباة في الاستخدام والمأوى — ادت الى الفتنة المدنية، الاحتجاجات، والعنف التي صارت واقع الحياة في الولايات المتحدة وأماكن اخرى كثيرة. وحتى ان لم نذكر تدمير الحياة والملكية، فإن الكرب، الكراهية، الاساءات الشخصية والمعاناة التي نتجت لا يمكن اعتبارها إلا مصدر خزي وعار لما يدعى المجتمع المتحضِّر.
وهكذا صارت العرقية احدى القِوى الاكثر تقسيما التي تبتلي المجتمع البشري. وبالتأكيد، ينبغي لنا جميعا ان نفحص قلوبنا، سائلين انفسنا: هل ارفض اية تعاليم تظهر ان عِرقا هو اسمى من الآخر؟ هل سعيت الى التخلص من اية مشاعر متبقية ممكنة تتعلق بالتفوُّق العرقي؟
ومن الملائم ايضا ان نسأل: ايّ رجاء هنالك بأن التحيُّز والتوتر العرقيين، المنتشرين جدا اليوم، يمكن ان يُستأصَلا يوما ما؟ هل يمكن للناس من قوميات، لغات، وعادات مختلفة ان يحيوا معا بسلام؟
[الصورة في الصفحة ٧]
كثيرون من البيض اعتبروا السود دون البشر
[مصدر الصورة]
DESPOTISM—A Pictorial History of Tyranny Reproduced from
[الصورة في الصفحة ٨]
كانت معسكرات الابادة النازية عاقبة وخيمة للافكار العرقية
[مصدر الصورة]
U.S. National Archives photo
-
-
عندما تحيا كل العروق معا بسلاماستيقظ! ١٩٩٣ | آب (اغسطس) ٢٢
-
-
عندما تحيا كل العروق معا بسلام
ان اللّٰه «صنع من (انسان) واحد كل امة من الناس يسكنون على كل وجه الارض.» (اعمال ١٧:٢٦) هذا هو قول الكتاب المقدس البسيط عن اصل العائلة البشرية.
وما يشمله ذلك هو ان كل الجنس البشري، بصرف النظر عن مكان عيشهم او الميزات الجسدية التي يمتلكونها، اتوا من مصدر مشترك واحد. ويعني ايضا انه على الرغم من كل الاختلافات الملحوظة، فإن «كل امة من الناس» لديها الامكانية نفسها في ما يتعلق بالمقدرات والذكاء. نعم، في نظر اللّٰه، ان البشر من كل عِرق او قومية هم متساوون. — اعمال ١٠:٣٤، ٣٥.
واذا كانت وجهة نظر الكتاب المقدس صحيحة، فهنالك رجاء بأنه يمكن ازالة كل التحاملات وأعمال الظلم المؤسسة على الاختلافات العرقية. وعلاوة على ذلك، اذا كان الكتاب المقدس دقيقا في ما يتعلق بأصل العائلة البشرية، فعندئذ يمكن ايضا منطقيا ان يزوِّدنا هذا الكتاب نفسه بمعلومات تظهر كيف يمكن ان يحيا العِرق البشري معا بسلام.
حسنا، ماذا تظهر الوقائع؟ وهل يؤيد العلم سجل الكتاب المقدس في ما يتعلق بالاصول البشرية؟
الدليل العلمي
تعلق المطبوعة عروق الجنس البشري، بواسطة الاختصاصيَّين بعلم الانسان ر. بنيديكت و ج. ولتفيش: «ان قصة الكتاب المقدس عن آدم وحواء، ابي وأم كل الجنس البشري، قد أَخبرت منذ قرون بنفس الحقيقة التي يُظهرها العلم اليوم: أنَّ جميع شعوب الارض هم عائلة واحدة ولهم اصل مشترك.» ويشير هذان الكاتبان ايضا الى ان «التكوين المعقَّد للجسم البشري . . . لا يمكن قطعا ان ‹يحدث بالصدفة› ليكون هو نفسه في كل البشر لو لم يكن لهم اصل مشترك.»
ويقول كتيِّب العرق وعلم الاحياء، بواسطة ل. ك. دان، الپروفسور في علم الحيوان في جامعة كولومبيا: «من الواضح ان كل البشر ينتمون الى نوع واحد، اذ هم متشابهون في كل الخصائص الجسدية الاساسية. والاعضاء من كل الفرق يمكن ان يتزاوجوا وهم يفعلون ذلك فعلا.» ثم يتابع موضحا: «ولكنَّ كل انسان مميَّز ومختلف بطرائق ثانوية عن كل انسان آخر. وهذا من ناحية ناجم عن البيئات المختلفة التي فيها يحيا الناس ومن ناحية اخرى عن الاختلافات في الجينات التي ورثوها.»
والدليل العلمي قاطع. واذ نتكلم من الناحية الاحيائية، ليس هنالك عِرق اسمى او ادنى، عِرق نقي او مشوب. وميزات كلون بشرة المرء، شعره، او عينيه — الامور التي قد يعتبرها البعض مهمة عِرقيا — ليست دليلا على ذكاء المرء او قدراته. وبالاحرى، هي نتيجة وراثة جينية.
حقا، ان الاختلافات العرقية قليلة جدا، كما يكتب هامپتون ل. كارسون في الوراثة والحياة البشرية: «التناقض الظاهري الذي يواجهنا هو ان كل فريق من البشر يبدو مختلفا خارجيا إلا انه تحت هذه الاختلافات هنالك تشابه اساسي.»
اذا كان البشر كلهم يشكِّلون حقا عائلة واحدة، فلماذا اذًا توجد مشاكل عرقية رهيبة؟
سبب المشكلة
ان السبب الرئيسي لوجود العرقية هو البداية السيئة التي اعطاها الوالدان البشريان الاولان لذريتهما. فآدم وحواء تمردا عمدا على اللّٰه وهكذا صارا غير كاملَين، ناقصَين. ونتيجة لذلك، انتقل نقص آدم — هذا الميل نحو ما هو رديء — الى نسله. (رومية ٥:١٢) وهكذا من الولادة فصاعدا، يميل كل البشر الى الانانية والكبرياء، مما ادى الى النزاع والاضطراب العرقيَّين.
وهنالك سبب آخر لوجود العرقية. فعندما انفصل آدم وحواء عن سيادة اللّٰه، صارا تحت حكم المخلوق الروحاني الشرير الذي يدعوه الكتاب المقدس الشيطان، او ابليس. وتحت تأثير هذا المخلوق، الذي «يضل العالم كله،» غالبا ما تُصنَع جهود عمدية لخدع الناس في ما يتعلق بقضية العِرق. (رؤيا ١٢:٩؛ ٢ كورنثوس ٤:٤) والتعصب السلالي — الفكرة ان فريق المرء هو اسمى — أُضرم حتى صار نارا ملتهمة، وعن قصد او غير قصد، تأثر الملايين بشدة، بعواقب وخيمة.
وبتعبير صريح، نشر البشر الانانيون والناقصون تحت سيطرة الشيطان كل التعاليم الباطلة عن العِرق التي صارت مسؤولة عن المشاكل العرقية.
ولذلك، لكي يتَّحد العِرق البشري، يجب ان يؤمن الجميع بأننا حقا عائلة بشرية واحدة وأن اللّٰه صنع «من (انسان) واحد كل امة من الناس يسكنون على كل وجه الارض.» (اعمال ١٧:٢٦) وعلاوة على ذلك، لكي تحيا كل العروق معا بسلام، يجب ازالة تأثير الشيطان في الشؤون البشرية. فهل ستحدث هذه الامور يوما ما؟ وهل هنالك ايّ اساس للايمان بأنها ستحدث؟
انهاء التحامل العرقي
اظهر يسوع المسيح كيف يمكن ازالة التحامل العرقي عندما اوصى أتباعه ان ‹يحبوا بعضهم بعضا› تماما كما احبهم هو. (يوحنا ١٣:٣٤، ٣٥) وهذه المحبة لم تكن لتظهر فقط لاعضاء من عِرق او عروق معيَّنة. كلا على الاطلاق! فقد شجَّع احدُ تلاميذه: «لتكن لكم محبة لكامل معشر الاخوة.» — ١ بطرس ٢:١٧، عج.
فكيف تظهر هذه المحبة المسيحية؟ يوضح الكتاب المقدس ذلك عندما يحث: «مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة.» (رومية ١٢:١٠) فكِّروا في ما يعنيه ذلك! كل واحد يعامل الآخرين، بصرف النظر عن العِرق او القومية، بكرامة واحترام حقيقيين، غير مزدرٍ بهم، بل ‹معتبرا اياهم اسمى.› (فيلبي ٢:٣، عج) وعندما توجد روح كهذه للمحبة المسيحية الحقيقية، تُحَلّ مشكلة التحامل العرقي.
صحيح انه من جهة الاشخاص الذين تعلَّموا التحامل العرقي، يلزم حقا جهد غير عادي لكي يتخلَّصوا من افكار كهذه يثيرها الشيطان. ولكن يمكن تحقيق ذلك! ففي القرن الاول، تمتَّع كل الذين اتوا الى الجماعة المسيحية بوحدة لا مثيل لها. كتب الرسول بولس عن ذلك: «ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأُنثى لانكم جميعا واحد في المسيح يسوع.» (غلاطية ٣:٢٨) فعلا، يتمتع أتباع المسيح الحقيقيون بالاخوَّة الحقيقية.
ولكن قد يعترض البعض: ‹هذا لن يحدث ابدا اليوم.› ولكنَّ ذلك قد حدث بين شهود يهوه — هيئة مؤلفة من اكثر من اربعة ملايين شخص ونصف! من المعترف به انه لا يصير كل شهود يهوه احرارا بشكل كامل من التحاملات التي تعلَّموها من هذا النظام الشرير. ذكرت احدى الاميركيات السود بواقعية عن الشهود الرفقاء البيض: «أكتشف بين البعض منهم مواقف متبقية في ما يتعلق بالتفوُّق العرقي، وأحيانا أرى بعض الانزعاج من جهة البعض منهم عندما يكونون في معاشرة لصيقة مع اشخاص من عِرق آخر.»
ولكنَّ هذه اعترفت: «لقد تخلَّص شهود يهوه، الى درجة لا يماثلها ايّ شعب آخر على الارض، من التحامل العرقي. وهم يبذلون جهدهم لكي يحبوا بعضهم بعضا بصرف النظر عن العِرق . . . وأحيانا يبتهج قلبي الى حد انني لا استطيع حبس الدموع نتيجة اختبار المحبة الحقيقية للشهود البيض.»
هل الوحدة العرقية التي يتمتع بها قليلون — حتى ولو كان هؤلاء يُعَدّون بالملايين — تصنع حقا هذا الفرق الكبير في حين ان ملايين آخرين يتأثرون بالافكار الشيطانية عن التفوُّق العرقي؟ كلا، نحن نوافق ان ذلك لا يحل مشكلة العِرق. ان فعل ذلك يفوق الجهود البشرية. وخالقنا فقط، يهوه اللّٰه، يمكنه ان يفعل ذلك.
من المفرح، قريبا جدا الآن، ان يهوه، بواسطة ملكوته بين يدي ابنه، يسوع المسيح، سيحرِّر الارض من كل الظلم ومن كل اولئك الذين يعزِّزون بأنانية المحاباة والكراهية، العرقية او غير ذلك. (دانيال ٢:٤٤؛ متى ٦:٩، ١٠) عندئذ، ببرنامج تثقيفي كامل تحت ادارة المسيح، ستتَّحد حقا كل العروق. واذ يتقدَّم هذا التثقيف، سيحيون بانسجام كامل دون ايّ اثر للتمييز العنصري. ووعد اللّٰه سيتم اخيرا: «الامور الاولى قد مضت. . . . ها انا اصنع كل شيء جديدا.» — رؤيا ٢١:٤، ٥.
فهل انتم شخص يشتاق الى الوقت الذي فيه تسود الاخوَّة الحقيقية، عندما تحيا كل العروق معا بسلام؟ اذا كان الامر كذلك، فنحن نرحب بحضوركم الى قاعة الملكوت القريبة اليكم، حيث يجتمع شهود يهوه قانونيا لدرس الكتاب المقدس. وانظروا لنفسكم ما اذا كانوا يعربون عن المحبة المسيحية الحقيقية — للناس من كل العروق.
[الصورة في الصفحة ١٠]
قريبا، ستحيا كل العروق معا بسلام في كل مكان
-