-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٩٦ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
أمَا زال الدين محتفظا بأهميته؟ ٣-١١
يبدو ان اوروپا الغربية تفقد ايمانها «المسيحي.» فما سبب اللامبالاة؟ وهل هي مقدّمة لانحطاط مماثل في القارات الاخرى؟
-
-
اين هم المؤمنون؟استيقظ! ١٩٩٦ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
اين هم المؤمنون؟
بواسطة مراسل استيقظ! في اسپانيا
«لا شيء مميتا للدين كعدم المبالاة.»
ادموند بيرك، رجل دولة بريطاني عاش في القرن الـ ١٨.
في احد السهول التي تعصف بها الرياح في الاصقاع الشمالية لإسپانيا تقع بلدة كالِرْويڠا الصغيرة. وهذه البلدة التي يعود تاريخها الى القرون الوسطى يشرف عليها دير مهيب من الطراز الرومانسكي. شُيِّد هذا الدير قبل ٧٠٠ سنة تكريما لدومينڠو دي ڠوسْمان، مؤسس الرهبانية الدومينيكانية، الذي وُلد هناك. وطوال سبعة قرون يؤوي هذا الدير راهبات اخترن العيش في صمت وعزلة.
ان سقف هذا الدير يرشح، وجدرانه القديمة تتداعى. لكنَّ الامّ الرئيسة قلقة بشأن تَداعٍ متفشٍّ اكثر — انهيار الدين نفسه. توضح: «عندما دخلتُ الدير قبل ٣٠ سنة تقريبا، كان هنالك ٤٠ راهبة. أما الآن فنحن ١٦ فقط. وليست هنالك راهبات شابات. فيبدو ان الدعوة الدينية صارت شيئا من الماضي.»
وما يحدث في كالِرْويڠا يصيب انحاء كثيرة من اوروپا. وليست المشكلة مشكلة تفشّي شعور معادٍ للدين، بل هجْر صامت ومتواصل له. فالكاتدرائيات الاوروپية الشهيرة تفتح ابوابها للسيّاح بدلا من جذب «المؤمنين» المحليين. والكنيسة التي كانت في ما مضى لا تُقهر — سواء أكانت پروتستانتية ام كاثوليكية — هزمتها اللامبالاة. وصارت الاهتمامات الدنيوية لا الدينية هي التي تهيمن على حياة الناس — نزعة يدعوها الناطقون باسم الكنيسة العلمَنة. ويبدو انه لم تعد للدين اهمية. فهل هذا الجوّ الديني السائد في اوروپا مقدّمة لانحطاط مماثل سيجتاح انحاء اخرى من العالم؟
ماذا يحصل لعدد الذين يذهبون الى الكنائس؟
ليست هذه الظاهرة جديدة في اوروپا الشمالية. فـ ٥ في المئة فقط من اللوثريين الاسكنديناڤيين يذهبون الى الكنيسة بانتظام. وفي بريطانيا يقصد ٣ في المئة من الانڠليكانيين الكنيسة يوم الاحد. أما الآن فيبدو ان الكاثوليك الاوروپيين في الجنوب يقتدون بجيرانهم الشماليين.
ففي فرنسا، بلد يدين معظم سكانه بالكاثوليكية، يذهب مواطن واحد فقط من كل ١٠ الى الكنيسة مرة في الاسبوع. وفي السنوات الـ ٢٥ الماضية انخفض عدد الاسپان الذين يعتبرون انفسهم «كاثوليكيين ممارسين» من ٨٣ في المئة الى ٣١ في المئة. وفي سنة ١٩٩٢ قال رئيس الاساقفة الاسپاني رامون تورييا في مؤتمر صحفي ان «اسپانيا الكاثوليكة زالت من الوجود؛ فالناس يذهبون الى زيّاحات اسبوع الآلام وقداس عيد الميلاد — ولكنهم لا يذهبون [الى القداس] كل اسبوع.» وخلال الزيارة البابوية لمدريد سنة ١٩٩٣، حذَّر يوحنا بولس الثاني قائلا انه «يجب ان تعود اسپانيا الى جذورها المسيحية.»
ورجال الدين، شأنهم في ذلك شأن العلمانيين، تأثروا بهذه الروح المهمِلة للدين. فعدد الكهنة المرسومين حديثا في فرنسا انخفض الى ١٤٠ سنة ١٩٨٨ (اقل من نصف عددهم سنة ١٩٧٠)، في حين ان نحو ٠٠٠,٨ كاهن في اسپانيا تركوا الكهنوت لكي يتزوجوا. أما بعض الذين لا يزالون يخدمون رعاياهم فيشكّون في رسالتهم. فـ ٢٤ في المئة فقط من رجال الدين اللوثريين في السويد يشعرون بأنهم يستطيعون القاء عظة عن السماء والهاوية «بضمير مرتاح،» في حين ان ربع الكهنة الفرنسيين ليسوا واثقين حتى من قيامة يسوع.
الملذات والتفضيلات تأتي قبل التقوى
وماذا يحلّ محل الدين؟ استُبدلت العبادة في بيوت كثيرة بالاستجمام. ففي ايام الآحاد تتوجه العائلات الى البحر او الجبل بدلا من الذهاب الى الكنيسة. قال مراهق اسپاني عادي يدعى خوان وهو يهزّ كتفيه بلا مبالاة: «القداس مضجر.» فلا يمكن للطقوس الدينية ان تنافس مباريات كرة القدم او الحفلات الموسيقية التي تجذب الجماهير وتملأ المدرّجات.
ان انخفاض عدد الاشخاص الذين يذهبون الى الكنيسة ليس وحده الدليل على الانهيار الديني. فكثيرون من الاوروپيين يفضِّلون انتقاء ما يحلو لهم من الافكار الدينية. وفي ايامنا تكاد تزول اوجه الشبه بين العقيدة الرسمية لكنيسة معينة والمعتقدات الشخصية للذين يدَّعون الانتماء اليها. وأغلبية الاوروپيين — سواء أكانوا كاثوليكيين ام پروتستانتيين — فقدوا الايمان بالحياة بعد الموت، في حين ان ٥٠ في المئة من الاسپانيين والايطاليين والفرنسيين الكاثوليك لا يؤمنون بالعجائب ايضا.
يبدو ان السلطة الكنسية عاجزة عن صدّ هذا النمو السريع في عدد الخارجين على تعاليم الكنيسة. وأكثر ما لوحظ ذلك خلال الحملة البابوية ضد تحديد النسل. ففي سنة ١٩٩٠ حثَّ البابا يوحنا بولس الثاني الصيادلة الكاثوليك على عدم بيع وسائل منع الحمل. وأكد ان هذه المنتجات «تتنافى مع القوانين الطبيعية بشكل يسيء الى الكرامة الشخصية.» وبشكل مماثل، اصرّ كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية على اعتبار «الحب الزوجي بين الرجل والمرأة قائما بالتالي على التزام مزدوج: الاخلاص والاخصاب.»
ورغم هذه الوصايا الصارمة، يختار الزوجان الكاثوليكيان العاديان ما يناسبهما دون ان يعبأا بها. وصارت الآن العائلات التي لديها اكثر من ولدَين استثناءات في البلدان الكاثوليكية في جنوبي اوروپا. وفي اسپانيا صار التلفزيون يبثّ بانتظام اعلانات عن الرفالات (الواقي الذَّكري)، بعد ان كان يباع في السوق السوداء طوال عشرين سنة تقريبا، و ٣ في المئة فقط من الكاثوليكيات الفرنسيات يقلن انهن يؤيدن القرار الكاثوليكي الرسمي بخصوص حول تحديد النسل.
من الواضح ان الاوروپيين يديرون ظهورهم للكنائس وتعاليمها. قال رئيس اساقفة كانتربري الانڠليكاني جورج كاري واصفا الوضع في كنيسته بتعابير حيّة: «نحن ننزف حتى الموت، وهذه قضية ملحة جدا يجب ان نواجهها.»
لم تبدُ البنية الدينية في اوروپا متزعزعة الى هذا الحد منذ هزَّتها تغييرات الاصلاح. فلماذا لم يعد اوروپيون كثيرون مهتمين بالدين؟ وما هو مستقبل الدين؟
-
-
لماذا تفقد الكنيسة نفوذها؟استيقظ! ١٩٩٦ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
لماذا تفقد الكنيسة نفوذها؟
«كل رواقي كان رواقيا؛ ولكن اين المسيحي في العالم المسيحي؟»
رالف والدو أمرسون، كاتب مقالات وشاعر اميركي في القرن الـ ١٩.
تذكرامّ شابة: «انا كاثوليكية، ولكني لست كاثوليكية ممارِسة.» ويضيف مراهق: «لا يهمُّني الدين ابدا.» يمثِّل هذان التعليقان رأي الجيل الاصغر من الاوروپيين. ومع ان والديهم — او على الارجح اجدادهم — لا يزالون يذهبون الى الكنيسة، لم يرث الجيل الاصغر هذا الاهتمام الديني عنهم.
فلماذا هُجرت العادات الدينية التي اجلَّتها اجيال من الاوروپيين؟
الخوف لم يعد عاملا
كان للخوف من نار الهاوية او المطهر تأثير هائل في نفوس الاوروپيين طوال قرون. والعظات الحماسية والرسوم الكنسية الحيّة التي تصوِّر هاوية نارية لا تنطفئ اقنعت العلمانيين بأن الذهاب الى الكنيسة بتقوى هو وحده ما سيخلصهم من الهلاك. ويذكر ايضا كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية ان «الكنيسة تجبر المؤمنين ‹على الاشتراك في القداس الالهي ايام الآحاد والأعياد.›»a وكان الضغط الاجتماعي في المناطق الريفية قويا ايضا، اذ كان يُتوقع من الجميع الذهاب الى الكنيسة في الآحاد.
لكنَّ الازمنة تغيَّرت. فالناس يشعرون الآن بأنهم احرار ليفعلوا ما يريدون. ولم يعد الخوف عاملا مقرِّرا. ولم يعد يُشدَّد في الكنائس على تعليم الهاوية النارية لأن معظم الكاثوليك الاوروپيين لم يعودوا يؤمنون بها.
وفي الواقع، لم تعد «خطية» التغيُّب عن القداس يوم الاحد تُعتبر خطيرة جدا. يعترف تيرسو ڤاكيرو، كاهن كاثوليكي في مدريد، اسپانيا: «اذا كان كاثوليكي لا يأتي الى القداس يوم الاحد، فنحن نأسف جدا من اجله لأنه يفقد لحظة الاتصال هذه باللّٰه وبإخوته، لا لأنه ارتكب خطية. فهذا امر ثانوي.»
اذًا لم يعد الخوف يولِّد التعبُّد. فماذا عن السلطة الادبية للكنيسة وقادتها — هل يمكنهم ان يطالبوا رعاياهم بالولاء لهم؟
ازمة سلطة
تزامن زوال الخوف الديني مع تدهور ملحوظ في الموقف الادبي للكنيسة. يذكر المؤرخ الايطالي جيوردانو برونو ڠويري قائلا: «طوال قرون كان عندنا . . . معلّمون مؤدِّبون كثيرون جدا ولكن معلّمون مؤدَّبون قليلون جدا.» وهذا الافتقار الى القيادة الادبية برز خصوصا في الحربين العالميتين اللتين اجتاحتا العالم المسيحي. فكانت الكنائس الاوروپية عاجزة عن منع المؤمنين من الاشتراك في المذبحة. والاسوأ من ذلك هو ان الكنائس انهمكت بكل قواها في المجهود الحربي — في كِلا الطرفين.
يعلّق المؤرخ پول جونسون على ذلك قائلا: «ان الحرب العالمية الاولى، وهي حرب اهلية بين الطوائف المسيحية، استهلت فترة مأساة وعار على المسيحية. وقد سدَّدت الحرب العالمية الثانية الى الموقف الادبي للدين المسيحي ضربات كانت اشد من التي سدَّدتها الحرب الاولى. فشهَّرت بُطل الكنائس في المانيا، مهد الاصلاح، وجُبْن الكرسي البابوي وأنانيته.»
والاتفاقيات الڤاتيكانية مع نظام هتلر النازي والحكومتَين الفاشيّتَين لموسوليني في ايطاليا وفرانكو في اسپانيا ضرَّت هي ايضا بسلطة الكنيسة الادبية. وفعلُ ما تقتضيه السياسة كلّفها اخيرا ثقة الناس بها على الصعيد الديني.
الكنيسة والدولة — فكّ الرباط
خلال القرن الـ ٢٠ فكّت اخيرا معظم الدول الاوروپية الرباط الذي كان يربط الكنيسة بالدولة. وفي الواقع، لا تعترف الآن اية دولة اوروپية كبيرة بالكثلكة دينا رسميا لها.
ومع ان الكنائس المهيمنة لا تزال تحصل على دعم مالي من الدولة، فقد فقدت نفوذها السياسي الذي كانت تستخدمه. ولا يتقبل جميع رجال الدين هذا الواقع الجديد. فاليسوعي الاسپاني الشهير خوسيه ماريا دييز-أليڠْرِيا يرى ان «قادة الكنيسة [الكاثوليكية] يعتقدون — وكثيرون منهم بكل اخلاص — انه لا يمكنهم ممارسة واجبهم الرعوي دون دعم ‹سلطَوي› بشري.»
ولكنَّ هذا ‹الدعم «السلطَوي» البشري› انهار. وإسپانيا، التي كانت حكومةً «وطنية كاثوليكية» حتى سنة ١٩٧٥، هي خير مثال لهذه الحالة. ففي السنوات الاخيرة يتواصل الصراع بين السلطة الكنسية الاسپانية والحكومة الاشتراكية بشأن تمويل الكنيسة. ومؤخرا قال اسقف تيرويل، اسپانيا، لأبناء رعيته متذمرا انه يشعر بأنه «مضطهَد ككاثوليكي» لأن الحكومة الاسپانية لا تمنح الكنيسة الدعم المالي الكافي.
وفي سنة ١٩٩٠ اعلن الاساقفة الاسپان ان «ازمة خطيرة في الضمير والاخلاق» تصيب المجتمع الاسپاني. ومَن لاموا على هذه ‹الازمة الاخلاقية›؟ ادَّعى الاساقفة ان احد الاسباب الرئيسية هو «العقليّة الغامضة التي غالبا ما تروِّجها الادارة العامة [الحكومة الاسپانية].» فكما يَظهر يتوقع الاساقفة من الحكومة ان تروِّج الايديولوجية الكاثوليكية وتمنح ايضا المساعدات المالية.
هل يمارس رجال الدين ما يكرزون به؟
ان الغنى الفاحش الذي تنعم به الكنيسة الكاثوليكية كان دائما مصدر إحراج للكهنة الذين يخدمون في الابرشيات الفقيرة. والاحراج الاكبر كان عندما تورط بنك الڤاتيكان في ما دعته مجلة تايم «اسوأ فضيحة مالية في ايطاليا بعد الحرب.» ففي سنة ١٩٨٧ اصدر القضاة الايطاليون مذكّرات لإيقاف رئيس اساقفة ومسؤولَين آخرَين في بنك الڤاتيكان. ولكن بسبب المكانة الخصوصية التي يتمتع بها الڤاتيكان كدولة ذات سيادة، تفادى رجال الدين المتهَمين ايقافهم. وأصرَّ بنك الڤاتيكان على القول انه لم يُرتكب ايّ جرم ولكنه لم يمحُ الانطباع ان الكنيسة لا تمارس ما تكرز به. — قارنوا متى ٢٣:٣.
وسوء السلوك الجنسي الذي كثيرا ما تناولته وسائل الاعلام سبَّب ايضا ضررا اكبر. فثمة اسقف ايرلندي مشهور بتأييده للتبتُّل طلب من ابرشيته في ايار ١٩٩٢ ان «تسامحه» و «تصلي من اجله.» فقد أُجبر على الاستقالة بعد ان اتضح انه اب لفتى في الـ ١٧ من العمر وأنه كان يستخدم اموال الكنيسة لدفع نفقات تعليمه. وقبل شهر كان قد ظهر كاهن كاثوليكي على التلفزيون الالماني مع «رفيقته» وولدَيهما. وقال انه يرغب في «فتح حوار» حول قضية العلاقات السرية التي يقيمها كهنة كثيرون جدا.
ولا شك في ان تترك الفضائح بصماتها. فالمؤرخ ڠويري، في كتابه الايطاليون في ظل الكنيسة، يؤكد ان «الكنيسة صدمت الايطاليين طوال قرون.» وإحدى نتائج ذلك، كما يقول، هي «تطوُّر العداء الواسع الانتشار للاكليروسية، حتى بين المؤمنين.» وقد يشعر الكاثوليك الناقمون بالميل الى ان يطرحوا على رجال دينهم السؤالين اللذين طرحهما الرسول بولس على الرومانيين: «انت . . . الذي تكرز ان لا يُسرق أتسرق. الذي تأمر ان لا يُزنى أتزني.» — رومية ٢:٢١، ٢٢، الترجمة اليسوعية.
الهوّة بين رجال الدين والعلمانيين
وهنالك مشكلة ايضا لا تظهر للعيان بشكل واضح ولكن لها تأثير مُضعف اكبر. انها الهوّة بين رجال الدين والعلمانيين. فيبدو ان الرسائل الرعوية من الاساقفة تثير غضب ابناء الرعية بدلا من ان ترشدهم. فـ ٢٨ في المئة فقط من الذين أُجريت معهم مقابلة في استطلاع اسپاني «يوافقون على اقوال الاساقفة.» وذكرت نسبة مماثلة ان «الامر لا يهمُّهم بتاتا،» وقال ١٨ في المئة انهم «لا يفهمون عما يتحدث [الاساقفة].» واعترف أوبيدا رئيس اساقفة مايورقا في اسپانيا قائلا: «يجب علينا نحن الاساقفة ايضا ان نقرّ بحصتنا من المسؤولية في عملية التحوُّل عن المسيحية — وهذه العملية واقع يحدث.»
وعدم وجود رسالة واضحة من الاسفار المقدسة ينفِّر العلمانيين اكثر. فبحسب صحيفة كاثوليك هيرالد، «اختار كهنة كثيرون [في فرنسا] دخول الميدان السياسي لكي يكون لهم ‹تأثير،›» مع ان معظم ابناء رعيتهم يفضِّلون ان يركِّز هؤلاء الكهنة على المسائل الروحية. يعترف الكاهن وعالم الاجتماع الايطالي سيلڤانو بورڠَلاسي: «ربما ابتعد [الاحداث] عن اللّٰه بسبب مثالنا السيئ. فقد اعطيناهم ‹خليطا› من المسايرات، من الدين والاعمال التجارية، من الانانية والغش.» لذلك لا عجب ان يفقد الكهنة هيبتهم الاجتماعية. فغالبا ما يُسمع من الكاثوليك الاسپان عبارات مثل «انا كاثوليكي، ولكني لا اومن بالكهنة.»
يجد بعض الكاثوليك صعوبة في الوثوق برجال الدين، ولدى آخرين شكوك خطيرة بشأن العقيدة الكنسية — وخصوصا التعاليم التي يعتبرونها غير منطقية وغير عملية.
عقائد غامضة
احد الامثلة البارزة هو التعليم الكاثوليكي الرسمي بشأن الهاوية. يذكر كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية: «يؤكد تعليم الكنيسة وجود الهاوية وأبديتها.» لكنَّ استطلاعات جرت مؤخرا تشير الى ان ربع الكاثوليك الفرنسيين وثلث الكاثوليك الاسپان فقط يؤمنون بوجود الهاوية النارية.
وفي المسائل الادبية ايضا، يصير الاوروپيون «مسيحيين على هواهم.» تعتقد ميمي، مراهقة لوثرية من السويد، ان المسائل الادبية، كإنجاب الاولاد خارج رباط الزواج، هي «امور يقرِّرها المرء بنفسه.» ويوافقها في الرأي معظم الكاثوليك الفرنسيين. وقال ٨٠ في المئة انه عندما تواجههم قرارات مهمة في الحياة، يتبعون ما يمليه عليهم ضميرهم لا ما تقوله الكنيسة.
في الماضي كانت سلطة الكنيسة كافية لخنق ايّ صوت يخالفها. ومن وجهة نظر الڤاتيكان، لم يتغير شيء. ويصرّ كتاب التعليم الديني على القول ان «كل ما يقال عن طريقة تفسير الاسفار المقدسة يخضع في النهاية لحكم الكنيسة.» لكنَّ هذا الموقف الاستئثاري يكاد لا يجد مؤيدا له. يقول انطونيو إلورزا، پروفسور اسپاني في الدراسات السياسية: «لا يزال الجدال حول مسألة المرجعية مستمرا.» ويذكر ايضا: «تفضِّل الكنيسة بناء برج مسوَّر، فتُحيط صحة تقليدها بهالة من القداسة في وجه التاريخ.» أما خارج ‹البرج المسوَّر› فيستمر نفوذ الكنيسة ومرجعيَّتها في التقلّص.
وبالاضافة الى الانحطاط الروحي، فإن الاسباب الاجتماعية عامل مهم آخر يساهم في تطوُّر اللامبالاة الدينية. فالمجتمع الاستهلاكي يزوِّد عددا كبيرا من وسائل التسلية والاستجمام — ومعظم الاوروپيين لديهم الرغبة في الاستمتاع بها والوسيلة لذلك. وبالمقارنة، يبدو الذهاب الى الكنيسة طريقة مملة لقضاء صباح الاحد. وعلاوة على ذلك، يبدو انه نادرا ما تسدُّ الخدمات الكنسية حاجات الناس الروحية.
يبدو انه من غير المرجح ان يستعيد الدين التقليدي سيطرته على الرعية الاوروپية. فهل صار الدين قوة من الماضي — مصيره مصير الدينوصورات؟
-
-
هل ايام الدين معدودة؟استيقظ! ١٩٩٦ | نيسان (ابريل) ٨
-
-
هل ايام الدين معدودة؟
«لأن الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر.»
اشعياء، نبي اسرائيلي عاش في القرن الـ ٨ قم.
بهذه الكلمات تنبأ النبي العبراني اشعياء باليوم الذي يتَّحد فيه كل شخص على الارض في عبادة اللّٰه القادر على كل شيء. ولكنَّ هذا التوقُّع يبدو اليوم ابعد من ايّ وقت كان.
ففي اوائل هذا القرن، مثلا، اعتقد الثوار الشيوعيون في روسيا ان القضاء على الدين خطوة ضرورية لتحرير الپروليتاريا. وادَّعوا ان الالحاد ‹يحرِّر الطبقات الكادحة من عبء التحاملات والأوهام الماضية.› وبحلول سنة ١٩٣٩ كان ستالين قد قلّص عدد الكنائس الارثوذكسية المفتوحة في الاتحاد السوڤياتي الى ١٠٠، بالمقارنة مع اكثر من ٠٠٠,٤٠ كنيسة قبل سنة ١٩١٧.
واعتبر هتلر ايضا الدين عائقا في طريق تسلّمه السلطة المطلقة. وقد اعلن ذات مرة: «إما ان يكون المرء مسيحيا او المانيا. فلا يمكنه ان يكون الاثنين معا.» وكان يزمع ان يزيل تدريجيا كل اشكال العبادة التي لا يمكنه التحكم فيها. ولهذا القصد انشأ النازيون صلواتهم واحتفالاتهم ومعمودياتهم شبه الدينية، وحتى مآتمهم الخاصة. وكان هتلر مسيَّاهم، والوطن الههم. وكانت تُرتكب اية فظائع ما دام هتلر يريد ذلك.
الدين في آخر ايامه؟
لم ينجح ستالين ولا هتلر في مسعاهما لقمع الدين. ولكن يبدو اليوم ان اللامبالاة نجحت حيث فشل الطغيان. وهذا التحوُّل في مجرى الامور لا يدهش تلاميذ الكتاب المقدس. فقد اخبر الرسول بولس تيموثاوس انه في «الايام الاخيرة» سيكون الناس «محبين للَّذات دون محبة للّٰه.» — ٢ تيموثاوس ٣:١-٤.
هل يعلّم الكتاب المقدس ان هذه «الايام الاخيرة،» التي تتميَّز باللامبالاة الدينية، ستكون مقدمة لزوال كل دين؟ لا. فالكتاب المقدس لا ينبئ بنهاية كل دين، بل يوضح ان الدين الباطل — الذي يُطلَق عليه الاسم الرمزي بابل العظيمة — هو الذي سينتهي.a يقول سفر الرؤيا: «ورفع ملاك واحد قوي حجرا كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلا هكذا بدفع ستُرمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد في ما بعد.» — رؤيا ١٨:٢١.
لكنَّ زوال الدين الباطل لن يترك وراءه عالما من الكفار. فعلى العكس، كما ينبئ المزمور ٢٢:٢٧: «تذكر وترجع الى الرب كل اقاصي الارض. وتسجد قدامك كل قبائل الامم.» تخيلوا وقتا تتَّحد فيه «كل قبائل الامم» في عبادة الاله الحقيقي الوحيد! وتحت حكم ملكوت اللّٰه سيجد هذا الوعد الرائع اتماما مجيدا. (متى ٦:١٠) وعندما يحلّ ذلك الوقت، ستكون للدين — الدين الحقيقي — اهمية فائقة. ولكن ماذا عن وقتنا الحاضر؟
سدّ الفراغ الروحي
ان الفراغ الروحي المنتشر بشكل واسع في اوروپا اليوم يناظر الوضع في الامبراطورية الرومانية في القرن الاول. ويصف المؤرخ وِل ديورانت كيف نجحت المسيحية في القرن الاول في سدّ الحاجات الروحية لذلك الوقت: «جاءت الى الفراغ الخُلقي الذي خلقته الوثنية المحتضرة، وإلى فتور الرواقية وفساد الأبيقورية، وإلى العالم الذي انهكته علل الوحشية، والقسوة، والظلم، والفوضى الجنسية؛ وإلى الامبراطورية الجانحة الى السلم، والتي بدت في غير حاجة الى فضائل الرجولة القوية، او الى آلهة الحرب؛ جاءت الى هذه كلها بقانون اخلاقي جديد قائم على الاخوّة، والرحمة، والتأديب، والسلام.»
والفراغ الادبي والروحي في حياة الناس في ايامنا يمكن سدّه بالرسالة القوية عينها التي كرز بها المسيحيون الاولون في كل انحاء الامبراطورية الرومانية. وهنالك مَن يصغي الى هذه الرسالة. فكثيرون من الاوروپيين، مع انهم ظاهريا غير متديِّنين، لا يزالون يشعرون بأن اللّٰه يلعب دورا مهما في حياتهم. ومع انهم توقفوا عن حضور الخدمات الكنسية التقليدية، فقد سدّ البعض حاجتهم الروحية في مكان آخر.
تتلمذ خوان خوسيه، شاب من پالما دي مايورقا، اسپانيا، في مدرسة كاثوليكية وعمل كخادم مذبح الى ان صار في الـ ١٣ من العمر. كان يذهب الى القداس كل يوم احد مع عائلته، ولكنه كفَّ عن الذهاب الى الكنيسة عندما صار مراهقا. ولماذا؟ يوضح خوان خوسيه: «احد الاسباب هو ان القداس كان يضجرني. كنت اعرف الطقوس الدينية عن ظهر قلب. فبدا كل شيء ترديدا لما كنت اسمعه قبلا. وعلاوة على ذلك، غالبا ما كان كاهن رعيتنا يعاملنا نحن خدام المذبح بقساوة. وكنت اعتقد انه من الخطإ ان يدفع الفقراء المال للكاهن لكي يقيم مأتما.
«كنت لا ازال اومن باللّٰه، ولكني اعتقدت انه بإمكاني ان اخدمه على طريقتي، خارج الكنيسة. وحاولت مع مجموعة من الاصدقاء ان اتمتع بالحياة الى الحد الممكن. وأظن انه يمكنكم القول ان التسلية صارت هدفي الاول في الحياة.
«ولكن عندما صرت في الـ ١٨ من العمر، ابتدأت ادرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. فماذا وجدتُ عندهم ولم اجده في الكنيسة؟ ايمانا واضحا مؤسسا على الكتاب المقدس لا على التقليد و ‹الاسرار› التي لم اتمكن قط من فهمها. لكنَّ معتقداتي الجديدة عنت قيامي بتغييرات كبيرة. فبدلا من قضاء كل نهاية اسبوع انظِّم الحفلات في نوادي الرقص، ابتدأت اذهب من بيت الى بيت لكي اخبر جيراني بإيماني المكتشف حديثا. وهذا الانهماك الفعّال في مساعدة الآخرين اعطى حياتي معنى. وأنا الآن خادم كامل الوقت من شهود يهوه منذ سبع سنوات.»
ولا يسعى الشبان وحدهم الى سدّ فراغهم الديني. فقد قضت انطونيا، امرأة مسنّة من استريمَدورا، اسپانيا، معظم حياتها «تبحث عن اللّٰه،» كما تقول. فخلال سني مراهقتها كانت تذهب الى القداس كل يوم، ودخلت اخيرا ديرا كاثوليكيا لأنها كانت تعتقد «انه اذا لم يكن ممكنا ايجاد اللّٰه في دير، فلا يمكن ايجاده في ايّ مكان آخر.» ولكنها تركت الدير بعد ثلاث سنوات، شاعرة بالخيبة والفراغ اكثر من ذي قبل.
وأخيرا، عندما صارت في خمسيناتها، صارت واحدة من شهود يهوه. توضح: «كنت سعيدة جدا عندما زارني الشهود وأجابوا عن اسئلتي من كتابي المقدس. ومنذ صرت واحدة من شهود يهوه، اصبح لحياتي قصد. صحيح انه عندي مشاكل، لكني قادرة على مواجهتها لأني وجدت الآن الاله الحقيقي.»
ليس هذان الاختباران حالتَين استثنائيتَين. فعلى الرغم من الميل الى عدم الاهتمام بالدين، تقترن اعداد متزايدة من الاشخاص بشهود يهوه، وقد وجد هؤلاء ان العيش بانسجام مع ايمانهم والكرازة به للآخرين يعطيان حياتهم معنى وقصدا.
للدين الحقيقي اهمية اكثر من ذي قبل
مع اننا نعيش في زمن يرفض فيه كثيرون الدين، فمن غير الحكمة ان نحكم بأن كل الاديان عديمة الاهمية. ان الناس في القرن الـ ٢٠ يرفضون الشعائر العقيمة والعقائد العتيقة وغير المؤسسة على الاسفار المقدسة، ويهزأون من فكرة الذهاب الى الكنيسة فقط من اجل المظاهر. وفي الواقع، يوصي الكتاب المقدس بأن نتجنب الدين الريائي. فقد انبأ الرسول بولس انه في «الايام الاخيرة» ستكون للبعض «صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها.» ومثل هؤلاء الاشخاص يتصنَّعون التديُّن، ولكنَّ سلوكهم ينكر قوة دينهم. فماذا يجب ان يكون موقفنا من هذا الرياء الديني؟ نصح بولس: «اعرض عن هؤلاء.» — ٢ تيموثاوس ٣:١، ٥.
لكنَّ بولس قال ايضا ان «الدين» تجارة عظيمة. (١ تيموثاوس ٦:٦، الكتاب المقدس الانكليزي الجديد) لم يكن بولس يتحدث عن ايّ نوع من الاديان. فالكلمة اليونانية المترجمة هنا الى «دين» هي ايسيبيا، وتعني «التعبد او التوقير للّٰه.» والدين الحقيقي، التعبد التقوي الاصيل، له «موعد الحياة الحاضرة والعتيدة.» — ١ تيموثاوس ٤:٨.
وكما يُظهر المثالان المذكوران آنفا، يمكن للدين الحقيقي ان يعطي حياتنا معنى ويساعدنا على مواجهة المشاكل بثبات. وبالاضافة الى ذلك، يضمن الدين الحقيقي مستقبلا ابديا. وهذا الشكل من العبادة يستحق ان نتبعه، لأنه يجري التأكيد لنا انه ‹سيملأ الارض› اخيرا.b (اشعياء ١١:٩؛ ١ تيموثاوس ٦:١١) وهذا بالتأكيد هو الوقت الذي تكون فيه للدين الحقيقي اهمية اكثر من ذي قبل.
-