مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الصفحة ٢
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • أمَا زال الدين محتفظا بأهميته؟‏ ٣-‏١١

      يبدو ان اوروپا الغربية تفقد ايمانها «المسيحي.‏» فما سبب اللامبالاة؟‏ وهل هي مقدّمة لانحطاط مماثل في القارات الاخرى؟‏

  • اين هم المؤمنون؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • اين هم المؤمنون؟‏

      بواسطة مراسل استيقظ!‏ في اسپانيا

      ‏«لا شيء مميتا للدين كعدم المبالاة.‏»‏

      ادموند بيرك،‏ رجل دولة بريطاني عاش في القرن الـ‍ ١٨.‏

      في احد السهول التي تعصف بها الرياح في الاصقاع الشمالية لإسپانيا تقع بلدة كالِرْويڠا الصغيرة.‏ وهذه البلدة التي يعود تاريخها الى القرون الوسطى يشرف عليها دير مهيب من الطراز الرومانسكي.‏ شُيِّد هذا الدير قبل ٧٠٠ سنة تكريما لدومينڠو دي ڠوسْمان،‏ مؤسس الرهبانية الدومينيكانية،‏ الذي وُلد هناك.‏ وطوال سبعة قرون يؤوي هذا الدير راهبات اخترن العيش في صمت وعزلة.‏

      ان سقف هذا الدير يرشح،‏ وجدرانه القديمة تتداعى.‏ لكنَّ الامّ الرئيسة قلقة بشأن تَداعٍ متفشٍّ اكثر —‏ انهيار الدين نفسه.‏ توضح:‏ «عندما دخلتُ الدير قبل ٣٠ سنة تقريبا،‏ كان هنالك ٤٠ راهبة.‏ أما الآن فنحن ١٦ فقط.‏ وليست هنالك راهبات شابات.‏ فيبدو ان الدعوة الدينية صارت شيئا من الماضي.‏»‏

      وما يحدث في كالِرْويڠا يصيب انحاء كثيرة من اوروپا.‏ وليست المشكلة مشكلة تفشّي شعور معادٍ للدين،‏ بل هجْر صامت ومتواصل له.‏ فالكاتدرائيات الاوروپية الشهيرة تفتح ابوابها للسيّاح بدلا من جذب «المؤمنين» المحليين.‏ والكنيسة التي كانت في ما مضى لا تُقهر —‏ سواء أكانت پروتستانتية ام كاثوليكية —‏ هزمتها اللامبالاة.‏ وصارت الاهتمامات الدنيوية لا الدينية هي التي تهيمن على حياة الناس —‏ نزعة يدعوها الناطقون باسم الكنيسة العلمَنة.‏ ويبدو انه لم تعد للدين اهمية.‏ فهل هذا الجوّ الديني السائد في اوروپا مقدّمة لانحطاط مماثل سيجتاح انحاء اخرى من العالم؟‏

      ماذا يحصل لعدد الذين يذهبون الى الكنائس؟‏

      ليست هذه الظاهرة جديدة في اوروپا الشمالية.‏ فـ‍ ٥ في المئة فقط من اللوثريين الاسكنديناڤيين يذهبون الى الكنيسة بانتظام.‏ وفي بريطانيا يقصد ٣ في المئة من الانڠليكانيين الكنيسة يوم الاحد.‏ أما الآن فيبدو ان الكاثوليك الاوروپيين في الجنوب يقتدون بجيرانهم الشماليين.‏

      ففي فرنسا،‏ بلد يدين معظم سكانه بالكاثوليكية،‏ يذهب مواطن واحد فقط من كل ١٠ الى الكنيسة مرة في الاسبوع.‏ وفي السنوات الـ‍ ٢٥ الماضية انخفض عدد الاسپان الذين يعتبرون انفسهم «كاثوليكيين ممارسين» من ٨٣ في المئة الى ٣١ في المئة.‏ وفي سنة ١٩٩٢ قال رئيس الاساقفة الاسپاني رامون تورييا في مؤتمر صحفي ان «اسپانيا الكاثوليكة زالت من الوجود؛‏ فالناس يذهبون الى زيّاحات اسبوع الآلام وقداس عيد الميلاد —‏ ولكنهم لا يذهبون [الى القداس] كل اسبوع.‏» وخلال الزيارة البابوية لمدريد سنة ١٩٩٣،‏ حذَّر يوحنا بولس الثاني قائلا انه «يجب ان تعود اسپانيا الى جذورها المسيحية.‏»‏

      ورجال الدين،‏ شأنهم في ذلك شأن العلمانيين،‏ تأثروا بهذه الروح المهمِلة للدين.‏ فعدد الكهنة المرسومين حديثا في فرنسا انخفض الى ١٤٠ سنة ١٩٨٨ (‏اقل من نصف عددهم سنة ١٩٧٠)‏،‏ في حين ان نحو ٠٠٠‏,٨ كاهن في اسپانيا تركوا الكهنوت لكي يتزوجوا.‏ أما بعض الذين لا يزالون يخدمون رعاياهم فيشكّون في رسالتهم.‏ فـ‍ ٢٤ في المئة فقط من رجال الدين اللوثريين في السويد يشعرون بأنهم يستطيعون القاء عظة عن السماء والهاوية «بضمير مرتاح،‏» في حين ان ربع الكهنة الفرنسيين ليسوا واثقين حتى من قيامة يسوع.‏

      الملذات والتفضيلات تأتي قبل التقوى

      وماذا يحلّ محل الدين؟‏ استُبدلت العبادة في بيوت كثيرة بالاستجمام.‏ ففي ايام الآحاد تتوجه العائلات الى البحر او الجبل بدلا من الذهاب الى الكنيسة.‏ قال مراهق اسپاني عادي يدعى خوان وهو يهزّ كتفيه بلا مبالاة:‏ «القداس مضجر.‏» فلا يمكن للطقوس الدينية ان تنافس مباريات كرة القدم او الحفلات الموسيقية التي تجذب الجماهير وتملأ المدرّجات.‏

      ان انخفاض عدد الاشخاص الذين يذهبون الى الكنيسة ليس وحده الدليل على الانهيار الديني.‏ فكثيرون من الاوروپيين يفضِّلون انتقاء ما يحلو لهم من الافكار الدينية.‏ وفي ايامنا تكاد تزول اوجه الشبه بين العقيدة الرسمية لكنيسة معينة والمعتقدات الشخصية للذين يدَّعون الانتماء اليها.‏ وأغلبية الاوروپيين —‏ سواء أكانوا كاثوليكيين ام پروتستانتيين —‏ فقدوا الايمان بالحياة بعد الموت،‏ في حين ان ٥٠ في المئة من الاسپانيين والايطاليين والفرنسيين الكاثوليك لا يؤمنون بالعجائب ايضا.‏

      يبدو ان السلطة الكنسية عاجزة عن صدّ هذا النمو السريع في عدد الخارجين على تعاليم الكنيسة.‏ وأكثر ما لوحظ ذلك خلال الحملة البابوية ضد تحديد النسل.‏ ففي سنة ١٩٩٠ حثَّ البابا يوحنا بولس الثاني الصيادلة الكاثوليك على عدم بيع وسائل منع الحمل.‏ وأكد ان هذه المنتجات «تتنافى مع القوانين الطبيعية بشكل يسيء الى الكرامة الشخصية.‏» وبشكل مماثل،‏ اصرّ كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية على اعتبار «الحب الزوجي بين الرجل والمرأة قائما بالتالي على التزام مزدوج:‏ الاخلاص والاخصاب.‏»‏

      ورغم هذه الوصايا الصارمة،‏ يختار الزوجان الكاثوليكيان العاديان ما يناسبهما دون ان يعبأا بها.‏ وصارت الآن العائلات التي لديها اكثر من ولدَين استثناءات في البلدان الكاثوليكية في جنوبي اوروپا.‏ وفي اسپانيا صار التلفزيون يبثّ بانتظام اعلانات عن الرفالات (‏الواقي الذَّكري)‏،‏ بعد ان كان يباع في السوق السوداء طوال عشرين سنة تقريبا،‏ و ٣ في المئة فقط من الكاثوليكيات الفرنسيات يقلن انهن يؤيدن القرار الكاثوليكي الرسمي بخصوص حول تحديد النسل.‏

      من الواضح ان الاوروپيين يديرون ظهورهم للكنائس وتعاليمها.‏ قال رئيس اساقفة كانتربري الانڠليكاني جورج كاري واصفا الوضع في كنيسته بتعابير حيّة:‏ «نحن ننزف حتى الموت،‏ وهذه قضية ملحة جدا يجب ان نواجهها.‏»‏

      لم تبدُ البنية الدينية في اوروپا متزعزعة الى هذا الحد منذ هزَّتها تغييرات الاصلاح.‏ فلماذا لم يعد اوروپيون كثيرون مهتمين بالدين؟‏ وما هو مستقبل الدين؟‏

  • لماذا تفقد الكنيسة نفوذها؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • لماذا تفقد الكنيسة نفوذها؟‏

      ‏«كل رواقي كان رواقيا؛‏ ولكن اين المسيحي في العالم المسيحي؟‏»‏

      رالف والدو أمرسون،‏ كاتب مقالات وشاعر اميركي في القرن الـ‍ ١٩.‏

      تذكرامّ شابة:‏ «انا كاثوليكية،‏ ولكني لست كاثوليكية ممارِسة.‏» ويضيف مراهق:‏ «لا يهمُّني الدين ابدا.‏» يمثِّل هذان التعليقان رأي الجيل الاصغر من الاوروپيين.‏ ومع ان والديهم —‏ او على الارجح اجدادهم —‏ لا يزالون يذهبون الى الكنيسة،‏ لم يرث الجيل الاصغر هذا الاهتمام الديني عنهم.‏

      فلماذا هُجرت العادات الدينية التي اجلَّتها اجيال من الاوروپيين؟‏

      الخوف لم يعد عاملا

      كان للخوف من نار الهاوية او المطهر تأثير هائل في نفوس الاوروپيين طوال قرون.‏ والعظات الحماسية والرسوم الكنسية الحيّة التي تصوِّر هاوية نارية لا تنطفئ اقنعت العلمانيين بأن الذهاب الى الكنيسة بتقوى هو وحده ما سيخلصهم من الهلاك.‏ ويذكر ايضا كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية ان «الكنيسة تجبر المؤمنين ‹على الاشتراك في القداس الالهي ايام الآحاد والأعياد.‏›»‏a وكان الضغط الاجتماعي في المناطق الريفية قويا ايضا،‏ اذ كان يُتوقع من الجميع الذهاب الى الكنيسة في الآحاد.‏

      لكنَّ الازمنة تغيَّرت.‏ فالناس يشعرون الآن بأنهم احرار ليفعلوا ما يريدون.‏ ولم يعد الخوف عاملا مقرِّرا.‏ ولم يعد يُشدَّد في الكنائس على تعليم الهاوية النارية لأن معظم الكاثوليك الاوروپيين لم يعودوا يؤمنون بها.‏

      وفي الواقع،‏ لم تعد «خطية» التغيُّب عن القداس يوم الاحد تُعتبر خطيرة جدا.‏ يعترف تيرسو ڤاكيرو،‏ كاهن كاثوليكي في مدريد،‏ اسپانيا:‏ «اذا كان كاثوليكي لا يأتي الى القداس يوم الاحد،‏ فنحن نأسف جدا من اجله لأنه يفقد لحظة الاتصال هذه باللّٰه وبإخوته،‏ لا لأنه ارتكب خطية.‏ فهذا امر ثانوي.‏»‏

      اذًا لم يعد الخوف يولِّد التعبُّد.‏ فماذا عن السلطة الادبية للكنيسة وقادتها —‏ هل يمكنهم ان يطالبوا رعاياهم بالولاء لهم؟‏

      ازمة سلطة

      تزامن زوال الخوف الديني مع تدهور ملحوظ في الموقف الادبي للكنيسة.‏ يذكر المؤرخ الايطالي جيوردانو برونو ڠويري قائلا:‏ «طوال قرون كان عندنا .‏ .‏ .‏ معلّمون مؤدِّبون كثيرون جدا ولكن معلّمون مؤدَّبون قليلون جدا.‏» وهذا الافتقار الى القيادة الادبية برز خصوصا في الحربين العالميتين اللتين اجتاحتا العالم المسيحي.‏ فكانت الكنائس الاوروپية عاجزة عن منع المؤمنين من الاشتراك في المذبحة.‏ والاسوأ من ذلك هو ان الكنائس انهمكت بكل قواها في المجهود الحربي —‏ في كِلا الطرفين.‏

      يعلّق المؤرخ پول جونسون على ذلك قائلا:‏ «ان الحرب العالمية الاولى،‏ وهي حرب اهلية بين الطوائف المسيحية،‏ استهلت فترة مأساة وعار على المسيحية.‏ وقد سدَّدت الحرب العالمية الثانية الى الموقف الادبي للدين المسيحي ضربات كانت اشد من التي سدَّدتها الحرب الاولى.‏ فشهَّرت بُطل الكنائس في المانيا،‏ مهد الاصلاح،‏ وجُبْن الكرسي البابوي وأنانيته.‏»‏

      والاتفاقيات الڤاتيكانية مع نظام هتلر النازي والحكومتَين الفاشيّتَين لموسوليني في ايطاليا وفرانكو في اسپانيا ضرَّت هي ايضا بسلطة الكنيسة الادبية.‏ وفعلُ ما تقتضيه السياسة كلّفها اخيرا ثقة الناس بها على الصعيد الديني.‏

      الكنيسة والدولة —‏ فكّ الرباط

      خلال القرن الـ‍ ٢٠ فكّت اخيرا معظم الدول الاوروپية الرباط الذي كان يربط الكنيسة بالدولة.‏ وفي الواقع،‏ لا تعترف الآن اية دولة اوروپية كبيرة بالكثلكة دينا رسميا لها.‏

      ومع ان الكنائس المهيمنة لا تزال تحصل على دعم مالي من الدولة،‏ فقد فقدت نفوذها السياسي الذي كانت تستخدمه.‏ ولا يتقبل جميع رجال الدين هذا الواقع الجديد.‏ فاليسوعي الاسپاني الشهير خوسيه ماريا دييز-‏أليڠْرِيا يرى ان «قادة الكنيسة [الكاثوليكية] يعتقدون —‏ وكثيرون منهم بكل اخلاص —‏ انه لا يمكنهم ممارسة واجبهم الرعوي دون دعم ‹سلطَوي› بشري.‏»‏

      ولكنَّ هذا ‹الدعم «السلطَوي» البشري› انهار.‏ وإسپانيا،‏ التي كانت حكومةً «وطنية كاثوليكية» حتى سنة ١٩٧٥،‏ هي خير مثال لهذه الحالة.‏ ففي السنوات الاخيرة يتواصل الصراع بين السلطة الكنسية الاسپانية والحكومة الاشتراكية بشأن تمويل الكنيسة.‏ ومؤخرا قال اسقف تيرويل،‏ اسپانيا،‏ لأبناء رعيته متذمرا انه يشعر بأنه «مضطهَد ككاثوليكي» لأن الحكومة الاسپانية لا تمنح الكنيسة الدعم المالي الكافي.‏

      وفي سنة ١٩٩٠ اعلن الاساقفة الاسپان ان «ازمة خطيرة في الضمير والاخلاق» تصيب المجتمع الاسپاني.‏ ومَن لاموا على هذه ‹الازمة الاخلاقية›؟‏ ادَّعى الاساقفة ان احد الاسباب الرئيسية هو «العقليّة الغامضة التي غالبا ما تروِّجها الادارة العامة [الحكومة الاسپانية].‏» فكما يَظهر يتوقع الاساقفة من الحكومة ان تروِّج الايديولوجية الكاثوليكية وتمنح ايضا المساعدات المالية.‏

      هل يمارس رجال الدين ما يكرزون به؟‏

      ان الغنى الفاحش الذي تنعم به الكنيسة الكاثوليكية كان دائما مصدر إحراج للكهنة الذين يخدمون في الابرشيات الفقيرة.‏ والاحراج الاكبر كان عندما تورط بنك الڤاتيكان في ما دعته مجلة تايم «اسوأ فضيحة مالية في ايطاليا بعد الحرب.‏» ففي سنة ١٩٨٧ اصدر القضاة الايطاليون مذكّرات لإيقاف رئيس اساقفة ومسؤولَين آخرَين في بنك الڤاتيكان.‏ ولكن بسبب المكانة الخصوصية التي يتمتع بها الڤاتيكان كدولة ذات سيادة،‏ تفادى رجال الدين المتهَمين ايقافهم.‏ وأصرَّ بنك الڤاتيكان على القول انه لم يُرتكب ايّ جرم ولكنه لم يمحُ الانطباع ان الكنيسة لا تمارس ما تكرز به.‏ —‏ قارنوا متى ٢٣:‏٣‏.‏

      وسوء السلوك الجنسي الذي كثيرا ما تناولته وسائل الاعلام سبَّب ايضا ضررا اكبر.‏ فثمة اسقف ايرلندي مشهور بتأييده للتبتُّل طلب من ابرشيته في ايار ١٩٩٢ ان «تسامحه» و «تصلي من اجله.‏» فقد أُجبر على الاستقالة بعد ان اتضح انه اب لفتى في الـ‍ ١٧ من العمر وأنه كان يستخدم اموال الكنيسة لدفع نفقات تعليمه.‏ وقبل شهر كان قد ظهر كاهن كاثوليكي على التلفزيون الالماني مع «رفيقته» وولدَيهما.‏ وقال انه يرغب في «فتح حوار» حول قضية العلاقات السرية التي يقيمها كهنة كثيرون جدا.‏

      ولا شك في ان تترك الفضائح بصماتها.‏ فالمؤرخ ڠويري،‏ في كتابه الايطاليون في ظل الكنيسة،‏ يؤكد ان «الكنيسة صدمت الايطاليين طوال قرون.‏» وإحدى نتائج ذلك،‏ كما يقول،‏ هي «تطوُّر العداء الواسع الانتشار للاكليروسية،‏ حتى بين المؤمنين.‏» وقد يشعر الكاثوليك الناقمون بالميل الى ان يطرحوا على رجال دينهم السؤالين اللذين طرحهما الرسول بولس على الرومانيين:‏ «انت .‏ .‏ .‏ الذي تكرز ان لا يُسرق أتسرق.‏ الذي تأمر ان لا يُزنى أتزني.‏» —‏ رومية ٢:‏٢١،‏ ٢٢‏،‏ الترجمة اليسوعية.‏

      الهوّة بين رجال الدين والعلمانيين

      وهنالك مشكلة ايضا لا تظهر للعيان بشكل واضح ولكن لها تأثير مُضعف اكبر.‏ انها الهوّة بين رجال الدين والعلمانيين.‏ فيبدو ان الرسائل الرعوية من الاساقفة تثير غضب ابناء الرعية بدلا من ان ترشدهم.‏ فـ‍ ٢٨ في المئة فقط من الذين أُجريت معهم مقابلة في استطلاع اسپاني «يوافقون على اقوال الاساقفة.‏» وذكرت نسبة مماثلة ان «الامر لا يهمُّهم بتاتا،‏» وقال ١٨ في المئة انهم «لا يفهمون عما يتحدث [الاساقفة].‏» واعترف أوبيدا رئيس اساقفة مايورقا في اسپانيا قائلا:‏ «يجب علينا نحن الاساقفة ايضا ان نقرّ بحصتنا من المسؤولية في عملية التحوُّل عن المسيحية —‏ وهذه العملية واقع يحدث.‏»‏

      وعدم وجود رسالة واضحة من الاسفار المقدسة ينفِّر العلمانيين اكثر.‏ فبحسب صحيفة كاثوليك هيرالد،‏ «اختار كهنة كثيرون [في فرنسا] دخول الميدان السياسي لكي يكون لهم ‹تأثير،‏›» مع ان معظم ابناء رعيتهم يفضِّلون ان يركِّز هؤلاء الكهنة على المسائل الروحية.‏ يعترف الكاهن وعالم الاجتماع الايطالي سيلڤانو بورڠَلاسي:‏ «ربما ابتعد [الاحداث] عن اللّٰه بسبب مثالنا السيئ.‏ فقد اعطيناهم ‹خليطا› من المسايرات،‏ من الدين والاعمال التجارية،‏ من الانانية والغش.‏» لذلك لا عجب ان يفقد الكهنة هيبتهم الاجتماعية.‏ فغالبا ما يُسمع من الكاثوليك الاسپان عبارات مثل «انا كاثوليكي،‏ ولكني لا اومن بالكهنة.‏»‏

      يجد بعض الكاثوليك صعوبة في الوثوق برجال الدين،‏ ولدى آخرين شكوك خطيرة بشأن العقيدة الكنسية —‏ وخصوصا التعاليم التي يعتبرونها غير منطقية وغير عملية.‏

      عقائد غامضة

      احد الامثلة البارزة هو التعليم الكاثوليكي الرسمي بشأن الهاوية.‏ يذكر كتاب التعليم الديني للكنيسة الكاثوليكية:‏ «يؤكد تعليم الكنيسة وجود الهاوية وأبديتها.‏» لكنَّ استطلاعات جرت مؤخرا تشير الى ان ربع الكاثوليك الفرنسيين وثلث الكاثوليك الاسپان فقط يؤمنون بوجود الهاوية النارية.‏

      وفي المسائل الادبية ايضا،‏ يصير الاوروپيون «مسيحيين على هواهم.‏» تعتقد ميمي،‏ مراهقة لوثرية من السويد،‏ ان المسائل الادبية،‏ كإنجاب الاولاد خارج رباط الزواج،‏ هي «امور يقرِّرها المرء بنفسه.‏» ويوافقها في الرأي معظم الكاثوليك الفرنسيين.‏ وقال ٨٠ في المئة انه عندما تواجههم قرارات مهمة في الحياة،‏ يتبعون ما يمليه عليهم ضميرهم لا ما تقوله الكنيسة.‏

      في الماضي كانت سلطة الكنيسة كافية لخنق ايّ صوت يخالفها.‏ ومن وجهة نظر الڤاتيكان،‏ لم يتغير شيء.‏ ويصرّ كتاب التعليم الديني على القول ان «كل ما يقال عن طريقة تفسير الاسفار المقدسة يخضع في النهاية لحكم الكنيسة.‏» لكنَّ هذا الموقف الاستئثاري يكاد لا يجد مؤيدا له.‏ يقول انطونيو إلورزا،‏ پروفسور اسپاني في الدراسات السياسية:‏ «لا يزال الجدال حول مسألة المرجعية مستمرا.‏» ويذكر ايضا:‏ «تفضِّل الكنيسة بناء برج مسوَّر،‏ فتُحيط صحة تقليدها بهالة من القداسة في وجه التاريخ.‏» أما خارج ‹البرج المسوَّر› فيستمر نفوذ الكنيسة ومرجعيَّتها في التقلّص.‏

      وبالاضافة الى الانحطاط الروحي،‏ فإن الاسباب الاجتماعية عامل مهم آخر يساهم في تطوُّر اللامبالاة الدينية.‏ فالمجتمع الاستهلاكي يزوِّد عددا كبيرا من وسائل التسلية والاستجمام —‏ ومعظم الاوروپيين لديهم الرغبة في الاستمتاع بها والوسيلة لذلك.‏ وبالمقارنة،‏ يبدو الذهاب الى الكنيسة طريقة مملة لقضاء صباح الاحد.‏ وعلاوة على ذلك،‏ يبدو انه نادرا ما تسدُّ الخدمات الكنسية حاجات الناس الروحية.‏

      يبدو انه من غير المرجح ان يستعيد الدين التقليدي سيطرته على الرعية الاوروپية.‏ فهل صار الدين قوة من الماضي —‏ مصيره مصير الدينوصورات؟‏

  • هل ايام الدين معدودة؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • هل ايام الدين معدودة؟‏

      ‏«لأن الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر.‏»‏

      اشعياء،‏ نبي اسرائيلي عاش في القرن الـ‍ ٨ ق‌م.‏

      بهذه الكلمات تنبأ النبي العبراني اشعياء باليوم الذي يتَّحد فيه كل شخص على الارض في عبادة اللّٰه القادر على كل شيء.‏ ولكنَّ هذا التوقُّع يبدو اليوم ابعد من ايّ وقت كان.‏

      ففي اوائل هذا القرن،‏ مثلا،‏ اعتقد الثوار الشيوعيون في روسيا ان القضاء على الدين خطوة ضرورية لتحرير الپروليتاريا.‏ وادَّعوا ان الالحاد ‹يحرِّر الطبقات الكادحة من عبء التحاملات والأوهام الماضية.‏› وبحلول سنة ١٩٣٩ كان ستالين قد قلّص عدد الكنائس الارثوذكسية المفتوحة في الاتحاد السوڤياتي الى ١٠٠،‏ بالمقارنة مع اكثر من ٠٠٠‏,٤٠ كنيسة قبل سنة ١٩١٧.‏

      واعتبر هتلر ايضا الدين عائقا في طريق تسلّمه السلطة المطلقة.‏ وقد اعلن ذات مرة:‏ «إما ان يكون المرء مسيحيا او المانيا.‏ فلا يمكنه ان يكون الاثنين معا.‏» وكان يزمع ان يزيل تدريجيا كل اشكال العبادة التي لا يمكنه التحكم فيها.‏ ولهذا القصد انشأ النازيون صلواتهم واحتفالاتهم ومعمودياتهم شبه الدينية،‏ وحتى مآ‌تمهم الخاصة.‏ وكان هتلر مسيَّاهم،‏ والوطن الههم.‏ وكانت تُرتكب اية فظائع ما دام هتلر يريد ذلك.‏

      الدين في آخر ايامه؟‏

      لم ينجح ستالين ولا هتلر في مسعاهما لقمع الدين.‏ ولكن يبدو اليوم ان اللامبالاة نجحت حيث فشل الطغيان.‏ وهذا التحوُّل في مجرى الامور لا يدهش تلاميذ الكتاب المقدس.‏ فقد اخبر الرسول بولس تيموثاوس انه في «الايام الاخيرة» سيكون الناس «محبين للَّذات دون محبة للّٰه.‏» —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٤‏.‏

      هل يعلّم الكتاب المقدس ان هذه «الايام الاخيرة،‏» التي تتميَّز باللامبالاة الدينية،‏ ستكون مقدمة لزوال كل دين؟‏ لا.‏ فالكتاب المقدس لا ينبئ بنهاية كل دين،‏ بل يوضح ان الدين الباطل —‏ الذي يُطلَق عليه الاسم الرمزي بابل العظيمة —‏ هو الذي سينتهي.‏a يقول سفر الرؤيا:‏ «ورفع ملاك واحد قوي حجرا كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلا هكذا بدفع ستُرمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد في ما بعد.‏» —‏ رؤيا ١٨:‏٢١‏.‏

      لكنَّ زوال الدين الباطل لن يترك وراءه عالما من الكفار.‏ فعلى العكس،‏ كما ينبئ المزمور ٢٢:‏٢٧‏:‏ «تذكر وترجع الى الرب كل اقاصي الارض.‏ وتسجد قدامك كل قبائل الامم.‏» تخيلوا وقتا تتَّحد فيه «كل قبائل الامم» في عبادة الاله الحقيقي الوحيد!‏ وتحت حكم ملكوت اللّٰه سيجد هذا الوعد الرائع اتماما مجيدا.‏ (‏متى ٦:‏١٠‏)‏ وعندما يحلّ ذلك الوقت،‏ ستكون للدين —‏ الدين الحقيقي —‏ اهمية فائقة.‏ ولكن ماذا عن وقتنا الحاضر؟‏

      سدّ الفراغ الروحي

      ان الفراغ الروحي المنتشر بشكل واسع في اوروپا اليوم يناظر الوضع في الامبراطورية الرومانية في القرن الاول.‏ ويصف المؤرخ وِل ديورانت كيف نجحت المسيحية في القرن الاول في سدّ الحاجات الروحية لذلك الوقت:‏ «جاءت الى الفراغ الخُلقي الذي خلقته الوثنية المحتضرة،‏ وإلى فتور الرواقية وفساد الأبيقورية،‏ وإلى العالم الذي انهكته علل الوحشية،‏ والقسوة،‏ والظلم،‏ والفوضى الجنسية؛‏ وإلى الامبراطورية الجانحة الى السلم،‏ والتي بدت في غير حاجة الى فضائل الرجولة القوية،‏ او الى آلهة الحرب؛‏ جاءت الى هذه كلها بقانون اخلاقي جديد قائم على الاخوّة،‏ والرحمة،‏ والتأديب،‏ والسلام.‏»‏

      والفراغ الادبي والروحي في حياة الناس في ايامنا يمكن سدّه بالرسالة القوية عينها التي كرز بها المسيحيون الاولون في كل انحاء الامبراطورية الرومانية.‏ وهنالك مَن يصغي الى هذه الرسالة.‏ فكثيرون من الاوروپيين،‏ مع انهم ظاهريا غير متديِّنين،‏ لا يزالون يشعرون بأن اللّٰه يلعب دورا مهما في حياتهم.‏ ومع انهم توقفوا عن حضور الخدمات الكنسية التقليدية،‏ فقد سدّ البعض حاجتهم الروحية في مكان آخر.‏

      تتلمذ خوان خوسيه،‏ شاب من پالما دي مايورقا،‏ اسپانيا،‏ في مدرسة كاثوليكية وعمل كخادم مذبح الى ان صار في الـ‍ ١٣ من العمر.‏ كان يذهب الى القداس كل يوم احد مع عائلته،‏ ولكنه كفَّ عن الذهاب الى الكنيسة عندما صار مراهقا.‏ ولماذا؟‏ يوضح خوان خوسيه:‏ «احد الاسباب هو ان القداس كان يضجرني.‏ كنت اعرف الطقوس الدينية عن ظهر قلب.‏ فبدا كل شيء ترديدا لما كنت اسمعه قبلا.‏ وعلاوة على ذلك،‏ غالبا ما كان كاهن رعيتنا يعاملنا نحن خدام المذبح بقساوة.‏ وكنت اعتقد انه من الخطإ ان يدفع الفقراء المال للكاهن لكي يقيم مأتما.‏

      ‏«كنت لا ازال اومن باللّٰه،‏ ولكني اعتقدت انه بإمكاني ان اخدمه على طريقتي،‏ خارج الكنيسة.‏ وحاولت مع مجموعة من الاصدقاء ان اتمتع بالحياة الى الحد الممكن.‏ وأظن انه يمكنكم القول ان التسلية صارت هدفي الاول في الحياة.‏

      ‏«ولكن عندما صرت في الـ‍ ١٨ من العمر،‏ ابتدأت ادرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه.‏ فماذا وجدتُ عندهم ولم اجده في الكنيسة؟‏ ايمانا واضحا مؤسسا على الكتاب المقدس لا على التقليد و ‹الاسرار› التي لم اتمكن قط من فهمها.‏ لكنَّ معتقداتي الجديدة عنت قيامي بتغييرات كبيرة.‏ فبدلا من قضاء كل نهاية اسبوع انظِّم الحفلات في نوادي الرقص،‏ ابتدأت اذهب من بيت الى بيت لكي اخبر جيراني بإيماني المكتشف حديثا.‏ وهذا الانهماك الفعّال في مساعدة الآخرين اعطى حياتي معنى.‏ وأنا الآن خادم كامل الوقت من شهود يهوه منذ سبع سنوات.‏»‏

      ولا يسعى الشبان وحدهم الى سدّ فراغهم الديني.‏ فقد قضت انطونيا،‏ امرأة مسنّة من استريمَدورا،‏ اسپانيا،‏ معظم حياتها «تبحث عن اللّٰه،‏» كما تقول.‏ فخلال سني مراهقتها كانت تذهب الى القداس كل يوم،‏ ودخلت اخيرا ديرا كاثوليكيا لأنها كانت تعتقد «انه اذا لم يكن ممكنا ايجاد اللّٰه في دير،‏ فلا يمكن ايجاده في ايّ مكان آخر.‏» ولكنها تركت الدير بعد ثلاث سنوات،‏ شاعرة بالخيبة والفراغ اكثر من ذي قبل.‏

      وأخيرا،‏ عندما صارت في خمسيناتها،‏ صارت واحدة من شهود يهوه.‏ توضح:‏ «كنت سعيدة جدا عندما زارني الشهود وأجابوا عن اسئلتي من كتابي المقدس.‏ ومنذ صرت واحدة من شهود يهوه،‏ اصبح لحياتي قصد.‏ صحيح انه عندي مشاكل،‏ لكني قادرة على مواجهتها لأني وجدت الآن الاله الحقيقي.‏»‏

      ليس هذان الاختباران حالتَين استثنائيتَين.‏ فعلى الرغم من الميل الى عدم الاهتمام بالدين،‏ تقترن اعداد متزايدة من الاشخاص بشهود يهوه،‏ وقد وجد هؤلاء ان العيش بانسجام مع ايمانهم والكرازة به للآخرين يعطيان حياتهم معنى وقصدا.‏

      للدين الحقيقي اهمية اكثر من ذي قبل

      مع اننا نعيش في زمن يرفض فيه كثيرون الدين،‏ فمن غير الحكمة ان نحكم بأن كل الاديان عديمة الاهمية.‏ ان الناس في القرن الـ‍ ٢٠ يرفضون الشعائر العقيمة والعقائد العتيقة وغير المؤسسة على الاسفار المقدسة،‏ ويهزأون من فكرة الذهاب الى الكنيسة فقط من اجل المظاهر.‏ وفي الواقع،‏ يوصي الكتاب المقدس بأن نتجنب الدين الريائي.‏ فقد انبأ الرسول بولس انه في «الايام الاخيرة» ستكون للبعض «صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها.‏» ومثل هؤلاء الاشخاص يتصنَّعون التديُّن،‏ ولكنَّ سلوكهم ينكر قوة دينهم.‏ فماذا يجب ان يكون موقفنا من هذا الرياء الديني؟‏ نصح بولس:‏ «اعرض عن هؤلاء.‏» —‏ ٢ تيموثاوس ٣:‏١،‏ ٥‏.‏

      لكنَّ بولس قال ايضا ان «الدين» تجارة عظيمة.‏ (‏١ تيموثاوس ٦:‏٦‏،‏ الكتاب المقدس الانكليزي الجديد‏)‏ لم يكن بولس يتحدث عن ايّ نوع من الاديان.‏ فالكلمة اليونانية المترجمة هنا الى «دين» هي ايسيبيا،‏ وتعني «التعبد او التوقير للّٰه.‏» والدين الحقيقي،‏ التعبد التقوي الاصيل،‏ له «موعد الحياة الحاضرة والعتيدة.‏» —‏ ١ تيموثاوس ٤:‏٨‏.‏

      وكما يُظهر المثالان المذكوران آنفا،‏ يمكن للدين الحقيقي ان يعطي حياتنا معنى ويساعدنا على مواجهة المشاكل بثبات.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ يضمن الدين الحقيقي مستقبلا ابديا.‏ وهذا الشكل من العبادة يستحق ان نتبعه،‏ لأنه يجري التأكيد لنا انه ‹سيملأ الارض› اخيرا.‏b (‏اشعياء ١١:‏٩؛‏ ١ تيموثاوس ٦:‏١١‏)‏ وهذا بالتأكيد هو الوقت الذي تكون فيه للدين الحقيقي اهمية اكثر من ذي قبل.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة