مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الجزء ١٥:‏ ١٠٩٥-‏١٤٥٣ ب‌م —‏ اللجوء الى السيف
    استيقظ!‏ ١٩٨٩ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٨
    • مستقبل الدين بالنظر الى ماضيه

      الجزء ١٥:‏ ١٠٩٥-‏١٤٥٣ ب‌م —‏ اللجوء الى السيف

      ‏«سوف يتشاجر الناس من اجل الدين،‏ يكتبون من اجله،‏ يحاربون من اجله،‏ يموتون من اجله؛‏ ايّ شيء سوى العيش من اجله.‏» ‏—‏ تشارلز كالب كولتون،‏ رجل دين انكليزي للقرن الـ‍ ١٩

      بوركت المسيحية في سنواتها الباكرة بمؤمنين عاشوا وفق دينهم.‏ ودفاعا عن ايمانهم فإنهم بغيرة استعملوا بمهارة «سيف الروح الذي هو كلمة اللّٰه.‏» (‏افسس ٦:‏١٧‏)‏ ولكن لاحقا،‏ كما اوضحت الحوادث بين سنتي ١٠٩٥،‏ ١٤٥٣،‏ لجأ المسيحيون الاسميون،‏ الذين لا يعيشون وفق المسيحية الحقيقية،‏ الى استعمال انواع اخرى من السيوف.‏

      وبحلول القرن السادس كانت الامبراطورية الرومانية الغربية ميتة.‏ وكان قد جرى استبدالها بنظيرتها الشرقية،‏ الامبراطورية البيزنطية مع القسطنطينية كعاصمة لها.‏ ولكنّ كنائسهما الخاصة،‏ اذ كانت تعاني اكثر العلاقات تقلقلا،‏ سرعان ما رأت نفسها مهدَّدة بعدو مشترك،‏ الحيِّز الاسلامي المتَّسع بسرعة.‏

      ادركت الكنيسة الشرقية ذلك،‏ على ابعد حد،‏ عندما استولى المسلمون في القرن السابع على مصر واجزاء اخرى من الامبراطورية البيزنطية تقع في شمالي افريقيا.‏

      وبعد اقل من قرن صُدمت الكنيسة الغربية لرؤية الاسلام يتقدَّم عبر اسبانيا الى فرنسا،‏ واصلا الى نطاق نحو ١٠٠ ميل من باريس.‏ واهتدى كثيرون من الكاثوليك الاسبان الى الاسلام،‏ فيما تبنى آخرون الآداب الاسلامية واعتنقوا الثقافة الاسلامية.‏ «واذ كدَّرتها خسائرها،‏» يقول كتاب الاسلام الباكر،‏ «عملت الكنيسة بدون انقطاع بين ابنائها الاسبان لاثارة لهيب الانتقام.‏»‏

      وبعد عدة قرون،‏ بعدما استرد الكاثوليك الاسبان معظم ارضهم،‏ «قاوموا رعاياهم المسلمين واضطهدوهم دون رحمة.‏ وأرغموهم على انكار ايمانهم،‏ طردوهم من البلد،‏ واتخذوا خطوات شديدة لاستئصال كل اثر للثقافة الاسبانية-‏الاسلامية.‏»‏

      بحد السيف

      في سنة ١٠٩٥ ناشد البابا اوربان الثاني الكاثوليك الاوروبيين ان يشهروا السيف الحرفي.‏ فكان يلزم نزع الاسلام من الاراضي المقدسة في الشرق الاوسط التي ادَّعى العالم المسيحي ان له حقوقا حصرية فيها.‏

      وفكرة حرب «عادلة» لم تكن جديدة.‏ مثلا،‏ كانت قد جرت الدعوة اليها في قتال المسلمين في اسبانيا وصقلية.‏ وقبل عشر سنوات على الاقل من مناشدة اوربان،‏ يقول كارلفريد فروهليش من معهد پرنستون اللاهوتي،‏ كان البابا غريغوريوس السابع قد «تخيَّل ميليشيا مسيحية لقتال كل اعداء اللّٰه وفكَّر آنذاك في ارسال جيش الى الشرق.‏»‏

      وعَمَل اوربان كان جزئيا استجابة لاستغاثة الامبراطور البيزنطي الكسيوس.‏ ولكن بما ان العلاقات بين الجزءين الشرقي والغربي من العالم المسيحي بدت في تحسن ربما اندفع البابا ايضا بالامكانية التي يقدمها ذلك لاعادة توحيد الكنيستين الشقيقتين المتنازعتين.‏ وعلى ايّ حال،‏ دعا الى عقد مجمع كليرمون،‏ الذي اعلن ان اولئك الراغبين في الانهماك في هذه المهمة «المقدسة» سيُمنحون غفرانا كاملا (‏الصفح عن كل عقوبة للخطية)‏.‏ والاستجابة كانت ايجابية على نحو غير متوقع.‏ و «Deus volt» (‏«هذه ارادة اللّٰه»)‏ صارت صرخة جمع الشمل في الشرق والغرب.‏

      وبدأت سلسلة من الحملات العسكرية استغرقت الجزء الاعظم من قرنين.‏ (‏انظروا الاطار في الصفحة ٢٢.‏)‏ وفي البداية ظن المسلمون ان المقتحمين هم بيزنطيون.‏ ولكن بعد ادراك اصلهم الحقيقي دعوهم فرنجة،‏ الشعب الجرماني الذي اخذت فرنسا اسمها منهم لاحقا.‏ ولمواجهة تحدي هؤلاء «البرابرة» الاوروبيين عظمت المشاعر بين المسلمين من اجل الجهاد،‏ الحرب المقدسة.‏

      ويوضح الاستاذ البريطاني دزموند سْتُووارت:‏ «لكل عالِم او تاجر غرس بزور الحضارة الاسلامية بالقدوة والمثال هنالك جندي كان الاسلام بالنسبة اليه دعوة الى القتال.‏» وبحلول النصف الثاني للقرن الـ‍ ١٢ كان القائد المسلم نور الدين قد بنى قوة عسكرية فعَّالة بتوحيد المسلمين في شمالي سوريا وأعالي ما بين النهرين.‏ وهكذا «كما شهر مسيحيو القرون الوسطى السلاح لترويج دين المسيح،‏» يتابع سْتُووارت،‏ «شهر المسلمون السلاح لترويج دين النبي.‏»‏

      وطبعا،‏ ان ترويج مصالح الدين لم يكن دائما القوة المحرِّكة.‏ وكتاب ولادة اوروبا يذكر انه بالنسبة الى اغلب الاوروبيين فإن الحروب الصليبية «قدمت فرصة لا تقاوَم لكسب الشهرة،‏ او جمع الغنيمة،‏ او نيل املاك جديدة،‏ او حكم بلدان بكاملها —‏ او مجرد الهرب من الملل بالمغامرة المجيدة.‏» ورأى التجار الايطاليون ايضا فرصة لتأسيس ثغور تجارية في بلاد شرقي البحر الابيض المتوسط.‏ ولكن بصرف النظر عن الدافع كان الجميع كما يظهر على استعداد للموت في سبيل دينهم —‏ سواء كان ذلك في حرب «عادلة» للعالم المسيحي او جهاد اسلامي.‏

      السيف يجلب نتائج غير متوقَّعة

      ‏«مع ان الحروب الصليبية كانت موجَّهة ضد المسلمين في الشرق،‏» تقول دائرة معارف الدين،‏ «فإن غيرة الصليبيين مورست ضد اليهود الذين عاشوا في البلاد التي تجنَّد منها الصليبيون،‏ اي في اوروبا.‏ وكان الحافز الشائع بين الصليبيين الانتقام لموت يسوع،‏ وصار اليهود الضحايا الاوائل.‏ ووقع اضطهاد اليهود في رُووَان في سنة ١٠٩٦،‏ وتبعته بسرعة المذابح في وورمز،‏ ماينتس،‏ وكولون.‏» ولم يكن ذلك سوى سابقة للروح المعادية للساميّة في ايام المحرقة لالمانيا النازية.‏

      وزادت الحروب الصليبية ايضا توتر الشرق-‏الغرب الذي كان ينمو منذ سنة ١٠٥٤ عندما حرم بطريرك الشرق ميخائيل كرولاريوس وكردينال الغرب هومبيرت احدهما الآخر على نحو متبادل.‏ وعندما استبدل الصليبيون الكهنة اليونانيين بأساقفة لاتينيين في المدن التي استولوا عليها صار انشقاق الشرق-‏الغرب يمس عامة القوم.‏

      وصار الانقسام بين الكنيستين كاملا خلال الحرب الصليبية الرابعة عندما قام البابا اينوسَنْت الثالث،‏ استنادا الى كاهن كانتربري الانكليكاني السابق هربرت ودّامس،‏ بِـ‍ «لعبة مزدوجة.‏» فمن ناحية كان البابا غضبانا بخصوص نهب القسطنطينية.‏ (‏انظروا الاطار في الصفحة ٢٢.‏)‏ وكتب:‏ «كيف يمكن التوقع من كنيسة اليونانيين ان تعود الى الاخلاص للكرسي الرسولي عندما ترى اللاتينيين يرسمون مثال الشر ويقومون بعمل ابليس بحيث صار اليونانيون،‏ ولسبب وجيه،‏ يبغضونهم اردأ من الكلاب.‏» ومن ناحية اخرى،‏ انتهز فورا فرصة الوضع بتأسيس مملكة لاتينية هناك في ظل بطريرك غربي.‏

      وبعد قرنين من القتال المستمر تقريبا كانت الامبراطورية البيزنطية ضعيفة جدا بحيث عجزت عن مقاومة هجمات الاتراك العثمانيين الذين استولوا اخيرا،‏ في ٢٩ ايار ١٤٥٣،‏ على القسطنطينية.‏ ولم يشقّ الامبراطورية مجرد سيف اسلامي بل السيف الذي استعملته ايضا ببراعة الكنيسة في روما شقيقة الامبراطورية.‏ والعالم المسيحي المقسَّم اعطى الاسلام اساسا مناسبا لدخول اوروبا.‏

      سيفا السياسة والاضطهاد

      قوَّت الحروب الصليبية مركز البابوية للزعامة الدينية والسياسية.‏ و «اعطت البابوات يد السيطرة في الدبلوماسية الاوروبية،‏» يكتب المؤرخ جون ه‍.‏ موندي.‏ وقبل مرور وقت طويل «كانت الكنيسة اعظم حكومة في اوروبا .‏ .‏ .‏،‏ [قادرة] على ممارسة سلطة سياسية اعظم من اية حكومة غربية اخرى.‏»‏

      وهذا الارتقاء الى السلطة كان قد صار ممكنا عندما انهارت الامبراطورية الرومانية الغربية.‏ فقد تُركت الكنيسة بصفتها السلطة المُوَحِّدة الوحيدة في الغرب ولذلك بدأت تقوم بدور سياسي في المجتمع اكثر فعالية مما تقوم به الكنيسة الشرقية،‏ التي كانت لا تزال في ذلك الحين تحت سلطة حاكم دنيوي قوي،‏ الامبراطور البيزنطي.‏ وهذه الرِّفعة السياسية التي شغلتها الكنيسة الغربية زادت تصديق ادعائها الاولوية البابوية،‏ فكرة رفضتها الكنيسة الشرقية.‏ وفي حين اقرَّت الكنيسة الشرقية بأن البابا يستأهل الاكرام فإنها لم توافق على حيازته السلطة الاخيرة في العقيدة او السلطان القضائي.‏

      واذ انقادت بالسلطة السياسية والاقتناع الديني المضلَّل تناولت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية السيف لاخماد المقاومة.‏ وصار تصيُّد الهراطقة شغلها الشاغل.‏ وأستاذا التاريخ ميروسلاڤ هروش وآنّا سكايبوڤا من جامعة كارلس في پراڠ،‏ تشيكوسلوڤاكيا،‏ يصفان كيف عملت محاكم التفتيش،‏ المحاكم الخصوصية المصمَّمة للتعامل مع الهرطقة:‏ «بخلاف الممارسة العامة،‏ فإن اسماء المخبِرين .‏ .‏ .‏ لم يكن لازما كشفها.‏» وفي سنة ١٢٥٢ اصدر البابا اينوسَنْت الرابع البيان الرسمي البابوي «Ad extirpanda» الذي سمح بالتعذيب.‏ «ان الحرق على الخشبة،‏ الطريقة العادية المستعملة لقتل الهراطقة بحلول القرن الـ‍ ١٣،‏ .‏ .‏ .‏ كان له رمزه،‏ دالا على انه بتنفيذ هذا النوع من العقاب لم تكن الكنيسة مذنبة بسفك الدم.‏»‏

      وعاقب المفتشون عشرات الآلاف من الاشخاص.‏ وآلاف آخرون أُحرقوا على الخشبة،‏ مما قاد المؤرخ ول ديورانت الى التعليق:‏ «مع كل التسامح المطلوب من المؤرخ والمسموح به للمسيحي،‏ لا بد ان نصنِّف محاكم التفتيش .‏ .‏ .‏ بصفتها بين اشد الوصمات قتاما على سجل الجنس البشري،‏ كاشفة شراسة غير معروفة في اي وحش.‏»‏

      ان حوادث محاكم التفتيش تذكِّر بكلمات بليز پاسكال،‏ الفيلسوف والعالم الفرنسي للقرن الـ‍ ١٧،‏ الذي كتب:‏ «الناس لا يفعلون ابدا الشر بشكل تام وببهجة كبيرة كما عندما يفعلونه عن اقتناع ديني.‏» وفي الحقيقة ان التلويح بسيف الاضطهاد ضد اشخاص من طائفة دينية مختلفة هو صفة للدين الباطل منذما ضرب قايين هابيل.‏ —‏ تكوين ٤:‏٨‏.‏

      مقطَّعة بسيف الشقاق

      ان الخلاف القومي والمراوغة السياسية ادَّيا في سنة ١٣٠٩ الى انتقال المقر البابوي من روما الى آڤينيون.‏ وعلى الرغم من ردِّه الى روما في سنة ١٣٧٧،‏ فان نزاعا اضافيا حدث بعد وقت قصير عند اختيار بابا جديد،‏ اوربان السادس.‏ ولكنّ الفريق عينه من الكرادلة الذين انتخبوه انتخبوا ايضا بابا منافسا،‏ كليمنت السابع،‏ الذي استقر في آڤينيون.‏ وصارت الامور مشوَّشة اكثر ايضا في بداية القرن الـ‍ ١٥ عندما حكم لفترة قصيرة من الوقت ثلاثة بابوات معا!‏

      وأنهى هذا الوضعَ المعروف بالانشقاق الكبير،‏ او الغربي،‏ مجمعُ كونستانس.‏ وقد نادى بمبدإ «المجمع المسكوني اكبر من البابا» conciliarism،‏ النظرية بأن السلطة الكنسية الاخيرة تكمن في المجامع المسكونية وليس في البابوية.‏ وهكذا استطاع المجمع في سنة ١٤١٧ ان ينتخب مارتن الخامس كبابا جديد.‏ ومع انها اتَّحدت ثانية،‏ فقد كانت الكنيسة قد أُضعفت على نحو خطير.‏ ولكن رغم الندوب رفضت البابوية الاعتراف بأية حاجة الى الاصلاح.‏ واستنادا الى جون ل.‏ بوجمرا،‏ من معهد القديس ڤلاديمير اللاهوتي الارثوذكسي،‏ فإن هذا الفشل «وضع الاساس لاصلاح القرن السادس عشر.‏»‏

      هل كانوا يعيشون وفق دينهم؟‏

      علَّم مؤسس المسيحية أتباعه ان يتلمذوا ولكنه لم يقل لهم ان يستعملوا القوة الجسدية في ذلك.‏ وفي الواقع،‏ حذَّر خصوصا ان «كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون.‏» وعلى نحو مماثل،‏ لم يعلِّم أتباعه ان يسيئوا جسديا الى ايّ امرئ مقاوِم.‏ والمبدأ المسيحي الواجب حفظه هو:‏ «عبد الرب لا يجب ان (‏يقاتل)‏ بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات مؤدبا بالوداعة المقاومين.‏» —‏ متى ٢٦:‏٥٢؛‏ ٢ تيموثاوس ٢:‏٢٤،‏ ٢٥‏.‏

      وباللجوء الى سيف الحرب الحرفي،‏ اضافة الى سيفي السياسة والاضطهاد المجازيين،‏ لم يكن العالم المسيحي على نحو واضح يتبع قيادة الشخص الذي ادَّعى انه مؤسسه.‏ واذ امسى خربا بالشقاق كان مهدَّدا بالانهيار الشامل.‏ لقد كانت الكاثوليكية الرومانية «دينا في أمسّ الحاجة الى الاصلاح.‏» ولكن هل كان الاصلاح سيأتي؟‏ اذا كان الامر كذلك،‏ فمتى؟‏ وممن؟‏ ان مقالتنا التالية ستخبرنا المزيد.‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٢٢]‏

      المحاربة المسيحية الحسنة؟‏

      هل كانت الحروب الصليبية المحاربة الحسنة التي عُلِّم المسيحيون ان يحاربوها؟‏ —‏ ٢ كورنثوس ١٠:‏٣،‏ ٤؛‏ ١ تيموثاوس ١:‏١٨‏.‏

      الحملة الصليبية الاولى (‏١٠٩٦-‏١٠٩٩)‏ انتجت الاستيلاء ثانية على اورشليم وتأسيس الولايات اللاتينية الاربع في الشرق:‏ مملكة اورشليم،‏ امارة الرها،‏ ولاية انطاكية،‏ وامارة طرابلس.‏ وثمة مرجع يستشهد به المؤرخ ه‍.‏ ج.‏ وَلْز يقول عن الاستيلاء على اورشليم:‏ «كان الذبح رهيبا؛‏ وجرى دم المغلوبين في الطرقات،‏ الى ان تلطَّخ الرجال بالدم وهم راكبون.‏ وعند حلول الظلام،‏ ‹اذ كانوا يشهقون من فرط الفرح،‏› اتى الصليبيون الى الضريح المقدس من دوسهم معصرة الخمر،‏ ووضعوا ايديهم الملوثة بالدم معا في الصلاة.‏»‏

      والحملة الصليبية الثانية (‏١١٤٧-‏١١٤٩)‏ ابتدأت بسبب خسارة امارة الرها ووقوعها بين ايدي المسلمين السوريين في سنة ١١٤٤؛‏ وانتهت عندما صدَّ المسلمون بنجاح «كفَّار» العالم المسيحي.‏

      والحملة الصليبية الثالثة (‏١١٨٩-‏١١٩٢)‏،‏ التي بوشرت بعدما اخذ المسلمون اورشليم ثانية،‏ كان لها كأحد قادتها ريتشارد الاول،‏ «قلب الاسد،‏» من انكلترا.‏ وسرعان ما «انحلَّت،‏» تقول دائرة معارف الدين،‏ «بسبب الإنهاك،‏ الشجار،‏ والنقص في التعاون.‏»‏

      والحملة الصليبية الرابعة (‏١٢٠٢-‏١٢٠٤)‏ حُوِّلت بسبب النقص في الاموال من مصر الى القسطنطينية؛‏ وقد جرى الوعد بالدعم المادي مقابل المساعدة على تنصيب الكسيوس،‏ بيزنطي منفي يدَّعي الحق في التاج.‏ «ان نهب القسطنطينية [الناتج] من قِبل الصليبيين هو شيء لم ينسه او يغفره الشرق الارثوذكسي قط،‏» تقول دائرة معارف الدين،‏ مضيفة:‏ «اذا كان لا بد من ذكر تاريخ واحد للتأسيس الثابت للانشقاق فإن الاكثر ملاءمة —‏ على الاقل من وجهة نظر نفسية —‏ هو السنة ١٢٠٤.‏»‏

      وحملة الاولاد الصليبية (‏١٢١٢)‏ جلبت الموت لآلاف الاولاد الالمان والفرنسيين قبل ان يصلوا حتى الى وجهتهم.‏

      والحملة الصليبية الخامسة (‏١٢١٧-‏١٢٢١)‏،‏ الاخيرة تحت السيطرة البابوية،‏ فشلت بسبب القيادة الفاسدة وتدخل الكهنة.‏

      والحملة الصليبية السادسة (‏١٢٢٨-‏١٢٢٩)‏ قادها الامبراطور فريدريك الثاني من ههنستوفن الذي كان البابا غريغوريوس التاسع قد حرمه سابقا.‏

      والحملتان الصليبيتان السابعة والثامنة (‏١٢٤٨-‏١٢٥٤،‏ ١٢٧٠-‏١٢٧٢)‏ قادهما لويس التاسع الفرنسي ولكنهما انهارتا بعد موته في شمالي افريقيا.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

      المدفن اليهودي في وورمز،‏ المانيا —‏ مذكِّر بالحملة الصليبية الاولى

  • الجزء ١٦:‏ القرن الـ‍ ٩-‏ال‍ ١٦ ب‌م —‏ دين في أمسّ الحاجة الى الاصلاح
    استيقظ!‏ ١٩٨٩ | تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ٨
    • ‏«الهراطقة» يدعون الى الاصلاح

      ‏«ظهرت اول منابت الهرطقة [ضد الكاثوليكية الرومانية] في فرنسا وشمالي ايطاليا نحو السنة ١٠٠٠،‏» يقول اطلس كولنز لتاريخ العالم.‏ وبعض الاوائل المدعوين هراطقة كانوا هراطقة فقط في عيني الكنيسة.‏ ومن الصعب اليوم الحكم بدقة الى ايّ حد التصق الهراطقة الافراد بالمسيحية الباكرة.‏ ومع ذلك،‏ يظهر ان بعضهم على الاقل كانوا يحاولون ذلك.‏

      في بداية القرن التاسع دان اڠوبار رئيس الاساقفة في ليون عبادة التماثيل والتضرع الى «القديسين.‏»‏a وبرنجار رئيس شمامسة تور في القرن الـ‍ ١١ حُرِم لشكِّه في الاستحالة الجوهرية،‏ الادعاء بأن الخبز والخمر المستعملين في القداس الكاثوليكي يتحولان الى الجسد والدم الفعليين للمسيح.‏b وبعد قرن رفض پيتر دي بروس وهنري اللوزاني معمودية الاطفال وعبادة الصليب.‏c ولفعلهما ذلك فقد هنري حريته؛‏ وفقد پيتر حياته.‏

      ‏«بحلول منتصف القرن الثاني عشر كانت مدن اوروبا الغربية ملآنة بشيع الهراطقة،‏» يروي المؤرخ وِل ديورانت.‏ وأهم هذه الفِرق كان الولدنزيين.‏ وقد كسبوا شهرة في آخر القرن الـ‍ ١٢ في ظل التاجر الفرنسي پيير ڤالديه (‏پيتر ولدو)‏.‏ وبين امور اخرى خالفوا الكنيسة في عبادة مريم،‏ الاعتراف للكهنة،‏ القداديس للاموات،‏ صكوك الغفران البابوية،‏ العزوبة الكهنوتية،‏ واستعمال الاسلحة الدنيوية.‏d وانتشرت الحركة بسرعة في كل فرنسا وشمالي ايطاليا،‏ اضافة الى الفلاندر،‏ المانيا،‏ النمسا،‏ وبوهيميا (‏تشيكوسلوڤاكيا)‏.‏

      وفي هذه الاثناء،‏ في انكلترا،‏ كان عالِم اوكسفورد جون ويكْلِف،‏ الذي صار معروفا لاحقا بِـ‍ «نجم صبح الاصلاح الانكليزي،‏» يدين ‹هيئة الكهنوت الممسكة بالسلطة› للقرن الـ‍ ١٤.‏ وبترجمة كامل الكتاب المقدس بالانكليزية جعله هو ورفقاؤه متوافرا عموما للمواطنين العاديين لاول مرة.‏ وسُمي أتباع ويكْلِف اللولارد.‏ وكرز اللولارد علنا،‏ موزعين نشرات وأجزاء من الكتاب المقدس.‏ ومثل هذا التصرف «الهرطوقي» لم يلائم الكنيسة.‏

      انتشرت افكار ويكْلِف خارج البلاد.‏ وفي بوهيميا استحوذت على انتباه جون هَس،‏ رئيس جامعة پراڠ.‏ وشكَّ هَس في شرعية البابوية وأنكر ان تكون الكنيسة قد تأسست على بطرس.‏e وبعد مناظرة بشأن بيع صكوك الغفران حوكم هَس بتهمة الهرطقة وأُحرق على الخشبة في سنة ١٤١٥.‏ وبحسب التعليم الكاثوليكي فإن صكوك الغفران تدبير يمكن بواسطته الصفح جزئيا او كليا عن العقاب على الخطايا،‏ وبالتالي تقصير او الغاء الفترة الزمنية التي يعاني خلالها الشخص عقابا وتطهيرا وقتيين في المطهر قبل دخول السماء.‏

      واستمرت الدعوات الى الاصلاح.‏ وتحسَّر جيرولامو ساڤونَرولا،‏ كارز دومينيكي ايطالي،‏ في القرن الـ‍ ١٥:‏ ‹البابوات والمطارنة يتكلمون على الكبرياء والطموح،‏ وهم منغمسون فيهما حتى آذانهم.‏ يكرزون بالعفة ويحتفظون بالحظايا.‏ لا يفكرون إلا في العالم والامور العالمية؛‏ ولا يهتمون ابدا بالانفس.‏› وحتى الكرادلة الكاثوليك ادركوا المشكلة.‏ وفي سنة ١٥٣٨،‏ في مذكرة الى البابا بولس الثالث،‏ لفتوا انتباهه الى الاساءات الابرشية،‏ المالية،‏ القضائية،‏ والادبية.‏ ولكنّ البابوية فشلت في صنع الاصلاحات اللازمة على نحو واضح،‏ وهذا حرَّض على الاصلاح الپروتستانتي.‏ والقادة الاوائل شملوا مارتن لوثر،‏ هولدْرايخ زوينڠلي،‏ وجون كالڤن.‏

      لوثر و ‹بينڠو القرن الـ‍ ١٦›‏

      في ٣١ تشرين الاول ١٥١٧ اشعل لوثر العالم الديني عندما هاجم بيع صكوك الغفران بتسمير قائمة من ٩٥ نقطة احتجاج على باب الكنيسة في ويتينبرڠ.‏

      وبيع صكوك الغفران نشأ خلال الحملات الصليبية عندما أُنعِم بها على المؤمنين الراغبين في المخاطرة بحياتهم في حرب «مقدسة.‏» وفي وقت لاحق مُنحت للناس الذين يقدمون دعما ماليا للكنيسة.‏ وسرعان ما صارت صكوك الغفران طريقة ملائمة لجمع المال لبناء الكنائس،‏ الاديرة،‏ او المستشفيات.‏ «ان ابرز الانصاب التذكارية للقرون الوسطى مُوِّلت بهذه الطريقة،‏» يقول استاذ التاريخ الديني رولان بينتون،‏ مسمِّيا صكوك الغفران «بينڠو القرن السادس عشر.‏»‏

      وبلسانه السليط الذي صار شهيرا به سأل لوثر:‏ «اذا كانت للبابا سلطة اطلاق ايّ شخص من المطهر [على اساس صكوك الغفران]،‏ فلماذا باسم المحبة لا يلغي المطهر باخراج الجميع؟‏» وعندما طُلب منه التبرع بالمال لمشروع بناء روماني ردّ على نحو مفحِم بأن البابا «يجدر به ان يبيع كاتدرائية القديس بطرس ويعطي المال للقوم الفقراء الذين يسلبهم باعة صكوك الغفران.‏»‏

      وهاجم لوثر ايضا معاداة الساميّة عند الكاثوليك ناصحا:‏ «يجب ان نستعمل نحو اليهود لا ناموس المحبة الذي للبابا بل الذي للمسيح.‏» وعن عبادة الذخائر قال ساخرا:‏ «يدَّعي شخص انه يملك ريشة من جناح الملاك جبرائيل،‏ وأسقف ماينْتس يملك لهيبا من عليقة موسى المشتعلة.‏ وكيف يحدث ان ثمانية عشر رسولا هم مدفونون في المانيا في حين ان المسيح كان له اثنا عشر فقط؟‏»‏

      واستجابت الكنيسة لهجمات لوثر بالحرم.‏ والامبراطور الروماني المقدس شارل الخامس،‏ اذ رضخ للضغط البابوي،‏ وضع لوثر تحت الحظر.‏ وخلق ذلك جدلا حتى ان المجلس النيابي لاوڠسبورڠ دُعي في سنة ١٥٣٠ الى مناقشة المسألة.‏ وفشلت الجهود للتسوية،‏ ولذلك صدر تصريح اساسي بالايمان العقائدي اللوثري.‏ واذ دُعي إقرار اوڠسبورڠ كان بمثابة اعلان ولادة لاول كنيسة للپروتستانتية.‏f

      زوينڠلي ولوثر يختلفان

      شدَّد زوينڠلي على الكتاب المقدس بصفته المرجع النهائي والوحيد للكنيسة.‏ ومع انه تشجع بمثال لوثر،‏ فقد عارض تسميته لوثريا،‏ قائلا انه قد تعلَّم تعليم المسيح من كلمة اللّٰه،‏ لا من لوثر.‏ وفي الواقع،‏ اختلف هو ولوثر في عناصر معيَّنة لعشاء الرب وكذلك في العلاقة اللائقة للمسيحي بالسلطات المدنية.‏

      التقى المصلِحان مرة واحدة فقط،‏ في سنة ١٥٢٩،‏ في ما يدعوه كتاب ازمة الاصلاح «نوعا من مؤتمر قمة ديني.‏» ويقول الكتاب:‏ «لم يفترق الرجلان صديقين،‏ ولكنّ .‏ .‏ .‏ بيانا صدر في آخر المؤتمر،‏ وقَّعه كل المشاركين،‏ أخفى بمهارة مقدار الصدع.‏»‏

      وكانت لزوينڠلي ايضا مشاكل مع أتباعه هو.‏ وفي سنة ١٥٢٥ انفصل فريق،‏ مخالفا اياه في قضية سلطة الدولة على الكنيسة،‏ التي أكَّدها هو وأنكروها هم.‏ واذ دُعوا مجدِّدي المعمودية Anabaptists اعتبروا معمودية الاطفال اجراء شكليا بلا فائدة،‏ قائلين ان المعمودية هي فقط للمؤمنين الراشدين.‏ وقاوموا ايضا استعمال الاسلحة الدنيوية حتى في الحروب المدعوة عادلة.‏ وقُتل آلاف منهم بسبب معتقداتهم.‏

      دور كالڤن في الاصلاح

      يعتبر كثيرون من العلماء كالڤن اعظم المصلحين.‏ فقد اصرَّ على رجوع الكنيسة الى المبادئ الاصلية للمسيحية.‏ ولكنّ احد تعاليمه الرئيسية،‏ المصير المقدَّر،‏ هو مُذَكِّر بالتعاليم في اليونان القديمة،‏ حيث قال الرواقيون ان زيوس يقرر كل الاشياء وان الناس يجب ان يُذعنوا لما لا بد منه.‏ فالعقيدة من الواضح انها غير مسيحية.‏

      وخلال ايام كالڤن صار الپروتستانت الفرنسيون معروفين بالهوڠونوت،‏ وجرى اضطهادهم بقسوة.‏ وفي فرنسا،‏ ابتداء من ٢٤ آب ١٥٧٢،‏ في مذبحة عيد القديس برثولماوس،‏ ضربت القوات الكاثوليكية آلافا منهم،‏ اولا في باريس وبعدئذ في كل البلد.‏ ولكنّ الهوڠونوت ايضا شهروا السيف وكانوا مسؤولين عن قتل كثيرين خلال الحروب الدينية الدموية في الجزء الاخير من القرن الـ‍ ١٦.‏ وهكذا اختاروا ان يتجاهلوا الامر الذي اعطاه يسوع:‏ «احبوا اعداءكم .‏ .‏ .‏ وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم.‏» —‏ متى ٥:‏٤٤‏.‏

      وكان كالڤن قد رسم المثال،‏ مستعملا اساليب لترويج اقتناعاته الدينية وصفها رجل الدين الپروتستانتي الراحل هاري امرسون فوزديك بأنها عديمة الشفقة وفظيعة.‏ فتحت القانون الكنسي الذي ادخله كالڤن الى جنيف،‏ أُعدم ٥٨ شخصا ونُفي ٧٦ في غضون اربع سنوات؛‏ وبحلول نهاية القرن الـ‍ ١٦ كان ما يقدَّر بـ‍ ١٥٠ قد أُحرقوا على الخشبة.‏ وأحد هؤلاء كان ميخائيل سرڤيتوس،‏ طبيب ولاهوتي اسباني رفض عقيدة الثالوث،‏ صائرا بذلك «هرطوقي» الانسان العادي.‏ والسلطات الكاثوليكية احرقت تمثالا له؛‏ وخطا الپروتستانت خطوة بارزة اضافية بحرقه على الخشبة.‏

      وأخيرا،‏ ‹واقع مخيف›‏

      في حين وافقوا لوثر من حيث المبدأ فإن بعض المدَّعين انهم مصلحون احجموا.‏ وكان احدهم العالم الهولندي ديزيديريوس ايرازموس.‏ ففي سنة ١٥١٦ صار اول من ينشر «العهد الجديد» باليونانية الاصلية.‏ «كان مُصلِحا،‏» تقول المطبوعة «مجلة أدِنْبره،‏» «الى ان صار الاصلاح واقعا مخيفا.‏»‏

      ولكنّ آخرين اندفعوا مع الاصلاح،‏ وفي المانيا واسكنديناڤيا انتشرت اللوثرية بسرعة.‏ وفي سنة ١٥٣٤ انفصلت انكلترا عن السيطرة البابوية.‏ وسرعان ما تبعتها اسكتلندا تحت قائد الاصلاح جون نوكس.‏ وفي فرنسا وپولندا لاقت الپروتستانتية اعترافا شرعيا قبل نهاية القرن الـ‍ ١٦.‏

      نعم،‏ كما عبَّر عن ذلك ڤولتير على نحو ملائم،‏ «كل اساءة يجب ان يجري اصلاحها.‏» ولكنّ ڤولتير اضاف الكلمات المحدِّدة،‏ «إلا اذا كان الاصلاح اخطر من الاساءة عينها.‏»‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة