-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٨٩ | تموز (يوليو) ٨
-
-
الصفحة ٢
لماذا كثيرا ما خلق الدين الانقسامات، اثار البغض، وأيَّد الصراع الطائفي؟ لماذا الدين موضوع جدلي كبير؟ هل سيكون دائما هكذا؟ يسرّ استيقظ!، ابتداء من هذا العدد، ان تقوم بدراسة عميقة للدين ومستقبله — المستقبل الذي سيؤثر في كل شخص حي الآن، بمن فيهم انتم. وهذه الدراسة ستظهر في هذا العدد والاعداد الـ ٥ التالية من استيقظ!
-
-
نظرة عن كثب الى الديناستيقظ! ١٩٨٩ | تموز (يوليو) ٨
-
-
نظرة عن كثب الى الدين
اذا سُئلتم، قد توافقون ڤولتير عندما دعا الدين «مصدر التعصّب والنزاع المدني، . . . عدوّ الجنس البشري.» او بروح عدم التحيز قد تقولون كما قال رجل الدين الانكليكاني للقرن الـ ١٧ روبرت بورتون: «الدين الواحد صحيح كالدين الآخر.»
ومن المحتمل ان تعترفوا بأنكم كالشخص الذي، كما وصفه كاتب المقالات الفرنسي للقرن الـ ١٨ جوزيف جوبير، «يجد فيه فرحه وواجبه.»
الدين السطحي
في هذه الايام تكون لدى الشخص، الذي «يجد في [الدين] فرحه وواجبه» حقا، اسباب للانزعاج. وحتى في البلدان المتديِّنة، لدى اناس كثيرين مجرد فكرة غير واضحة عما يجب ان يؤمنوا به فعلا؛ فدينهم له تأثير ضئيل في حياتهم اليومية. وفي بعض الاماكن تُظهر الاحصاءات انخفاضا في عضوية الكنائس. مثلا، كشفت احصاءات حديثة عن المانيا ان مجرد ٨,٦ ملايين من الكاثوليك يحضرون القداس من مجموع ٣,٢٦ مليونا. فلا عجب ان يقول الكهنة الكاثوليك انهم لا يعتبرون الجمهورية الاتحادية «بلدا مسيحيا إلا في مجرد التفسير الاكثر سطحية لهذه العبارة.»
وبحسب دائرة المعارف المسيحية العالمية، التي صدرت في ١٩٨٢، «ليست المسيحية وحدها في انحطاط، بل ظاهرة الدين بكاملها.»
لماذا اعادة النظر في تاريخ الدين؟
بالنظر الى مثل هذه الظروف، ما هو تماما مستقبل الدين؟ ان سلسلتنا المؤلفة من ٢٤ مقالة من استيقظ! التي ستظهر خلال سنة ١٩٨٩ قد خُصصت للاجابة عن هذا السؤال. فبإعادة النظر في ماضي الدين، من سنواته الباكرة الى الازمنة العصرية، ستعرض هذه المقالات تاريخا موجزا ولكن شاملا عن الدين العالمي. ان لمحة الى مرآة التاريخ الماضي ستمكِّننا من النظر الى مستقبل الدين وفقا للمبدإ المعروف جيدا: تحصدون ما تزرعون.
لا تسارعوا الى القول، ‹التاريخ الديني ليس لي!› ان الحاضر مؤسس على الماضي، وسواء أكان الفرد مؤمنا ام لا فإن تاريخ الدين يؤثر في كل فرد، بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
والناس الذين ينكرون وجود اللّٰه لا يزالون في الواقع متدينين. وكيف ذلك؟ باستبدال اللّٰه بصفته هدف تعبدهم بشيء آخر. ان ج. م. باري، روائي اسكتلندي لأوائل القرن الـ ٢٠، عبَّر عن ذلك بهذه الطريقة: «دين المرء هو الشيء الذي يهتم به اعظم اهتمام.»
وكما يُستعمل في هذه المجلة يجري تعريف الدين بأنه شكل عبادة، بما في ذلك نظام المواقف والمعتقدات والممارسات الدينية، يجري التمسك به شخصيا او تأييده من هيئة ما. وهو عادة يشمل الايمان باللّٰه او بعدد من الآلهة، او يجعل البشر او الاشياء او الرغبات او القوى اهدافا للعبادة.
نأمل ان تتمتعوا بـ «مستقبل الدين بالنظر الى ماضيه.» وبما ان الدين منذ زمن طويل مصدر نزاع، من الملائم اكثر ان نبدأ بموضوع «الانشقاق الديني — كيف بدأ.»
-
-
الجزء ١: ٤٠٢٦-٢٣٧٠ قم — الانشقاق الديني كيف بدأاستيقظ! ١٩٨٩ | تموز (يوليو) ٨
-
-
مستقبل الدين بالنظر الى ماضيه
الجزء ١: ٤٠٢٦-٢٣٧٠ قم — الانشقاق الديني كيف بدأ
«الانسان بتكوينه حيوان ديني.» ادموند بيرك، سياسي ايرلندي للقرن الـ ١٨
لدى البشر حاجة غريزية الى العبادة. وتقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة انه «على قدر ما اكتشف العلماء لم يوجد قط اناس في ايّ مكان، في ايّ زمان، لم يكونوا من بعض النواحي متديِّنين.» فمباشرة منذ بداية الجنس البشري قدَّم الرجل والمرأة منطقيا التعبُّد لخالقهما. ونظرا اليه بصفته المرجع لاعطائهما الارشاد والمشورة. وهكذا، يبدو ان ولادة الدين على الارض تزامنت مع خلق آدم. وبحسب الجدول الزمني للكتاب المقدس كان ذلك في السنة ٤٠٢٦ قم.
قد يعترض البعض على استعمال عبارة «خلق آدم.» إلا ان نظرية التطور غير المثبَّتة واجهت مؤخرا نكسات خطيرة، حتى من مؤيديها. من اجل المعلومات الاضافية انظروا الكتاب الحياة — كيف وصلت الى هنا؟ بالتطور ام بالخلق؟ الذي اصدرته جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
واليوم لا يمكن للمرء ان يجادل واقعيا بأن رواية الكتاب المقدس عن اصل مشترك للجنس البشري غير علمية. ذكرت مقالة في نيوزويك سنة ١٩٨٨ ان علماء الوراثة يميلون الآن الى الموافقة على ان الانسان العصري نشأ من مصدر واحد. وتقتبس من عالم الاحافير في هارفارد س. ج. ڠود قوله ان «جميع الكائنات البشرية، رغم الاختلافات في المظهر الخارجي، هي حقا اعضاء كيان واحد اي كان لها اصل حديث جدا في مكان واحد.»
ويضيف: «هنالك نوع من الاخوَّة الاحيائية اعمق بكثير مما كنا ندرك على الاطلاق.»
هذه الوقائع تشهد على صحة الكتاب المقدس. ويدل ذلك على انه لا يوجد لدينا سبب للشك في تفسيره كيفية ابتداء النزاع الديني.
كيف صار الدين الواحد اثنين
تقول دائرة معارف الدين ان كل الاديان المعروفة تقريبا لديها بعض المعتقدات التي، فيما تختلف في التفاصيل، تتشابه على نحو مدهش. مثلا، انها تعتقد ان الجنس البشري سقط من مركز الرضى الالهي الاصلي، ان الموت غير طبيعي، وأن الذبيحة ضرورية لاستعادة الرضى الالهي. ان ذلك دليل ظرفي قوي يشير الى ان كل اديان اليوم لديها اصل مشترك.
ويوضح الكتاب المقدس كيف حدث ذلك. فهو يخبرنا ان الرجل والمرأة الاولين رفضا توجيه اللّٰه وتحوَّلا الى مصدر آخر من اجل الارشاد والمشورة. ومع انهما كانا كما يظهر غير عالمين بالشيطان وتمرده على اللّٰه، فقد اتخذا مسلكا مستقلا واتَّبعا مشورة مخلوق، ممثَّل بحيَّة، عوضا عن الخالق. والكتاب المقدس اظهر لاحقا ان الشيطان كان الصوت الحقيقي وراء الحيَّة المضلِّلة. — تكوين ٢:١٦-٣:٢٤؛ رؤيا ١٢:٩.
وهكذا خرج الانسان من تحت الحكم الثيوقراطي وأسس مقاييسه الخاصة في ما يتعلق بالخير والشر. وبأعمالهما المستقلة وضع آدم وحواء الجنس البشري في طريق كان سيؤدي الى اديان مختلفة كثيرة، تؤلف كلها عبادة باطلة بالتباين مع العبادة الحقة التي مارسها شهود يهوه الامناء على مر التاريخ. وعلى نحو مباشر او غير مباشر، كان المستفيد من هذه العبادة الباطلة الخصم الرئيسي، الشيطان. وهكذا استطاع الرسول بولس ان يكتب: «ان ما يذبحه الامم فانما يذبحونه للشياطين لا للّٰه. فلست اريد ان تكونوا انتم شركاء الشياطين.» وتابع ليظهر ان هنالك شكلين فقط من العبادة، قائلا: «لا تقدرون ان تشربوا كأس الرب وكأس شياطين. لا تقدرون ان تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين.» — ١ كورنثوس ١٠:٢٠، ٢١.
لذلك ادخل تمرد آدم شكلا ثانيا من العبادة، عبادة وضعت المخلوق قبل الخالق. والكفيل الحقيقي لهذا الدين الجديد كان «الاله» الجديد المعيَّن من نفسه، الشيطان ابليس. — ٢ كورنثوس ٤:٤؛ ١ يوحنا ٥:١٩.
وابنا آدم وحواء الاولان، قايين وهابيل، قرَّبا تقدمات للخالق، مما يدل على انهما كليهما كانا ميالين الى الدين. ولكنّ مجرى الحوادث اللاحق اظهر انهما لم يكونا متحدين دينيا. وأصبح ذلك ظاهرا في اقل من ١٣٠ عاما في تاريخ الجنس البشري عندما قبِل الخالق تقدمة قدمها هابيل في حين رفض تلك التي لقايين. وعلى نحو واضح لم يكن اللّٰه راغبا في قبول مجرد ايّ دين شخصي. وهذا الواقع اغاظ قايين ودفعه الى قتل اخيه. — تكوين ٤:١-١٢؛ ١ يوحنا ٣:١٢.
لاول مرة في التاريخ البشري لطَّخ البغض الديني الارض بدم بريء. ولم يكن ذلك ليصير المرة الاخيرة. «من المحتمل ان يكون نصف الحروب او اكثر، التي يجري خوضها في الوقت الحاضر حول العالم، إما نزاعات دينية علنية او ذات علاقة بالخلافات الدينية،» لاحظ صحفي في جريدة عصرية.
وفي ايام انوش، ابن اخي قايين وهابيل، «ابتُدئ ان يُدعى باسم (يهوه).» (تكوين ٤:٢٦) وبما ان هابيل كان قد ابتدأ سابقا ان يدعو باسم اللّٰه بايمان فان ‹الدعاء باسم يهوه› اللاحق هذا من المفهوم انه يعني ان الناس بدأوا باستعمال الاسم على نحو نجس او بطريقة محقِّرة. ومن الواضح ان ذلك كان حالة من الرياء الديني.
والترجومة، او الصياغة الجديدة، الاورشليمية اليهودية تذكر: «ذلك كان الجيل الذي في ايامه ابتدأوا يخطئون، ويجعلون لانفسهم اصناما، ولقَّبوا اصنامهم باسم كلمة الرب.» فالصنمية، المقترنة بادّعاء تمثيل اللّٰه، ميَّزت الدين الباطل منذ ذلك الحين.
وفي يهوذا ١٤، ١٥ نقرأ عن نبوة اخنوخ الامين عن الجنس البشري الصنمي لتلك الالف السنة الاولى. قال: «هوذا قد جاء (يهوه) في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع اعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار.» لقد تمت هذه النبوة في الالف السنة الثانية من تاريخ الانسان، عندما كان الدين الباطل متفشيا. والفجور ربما شمل ايضا تأليه الملائكة الذين بالعصيان على اللّٰه تجسَّدوا على الارض وتزوَّجوا «بنات الناس،» منتجين سلالة نغول من «الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم.» — تكوين ٦:٤.
ولكنّ نوحا «وجد نعمة في عيني (يهوه)» لانه ‹سار مع اللّٰه.› (تكوين ٦:٨، ٩) وهو وعائلته، ما مجموعه ثمانية ملتصقين بالدين الحقيقي، فاقهم الاشرار كثيرا بالعدد. ولأن الدين الباطل والذين مارسوه كانوا الاغلبية فان «شر الانسان قد كثر في الارض،» و «امتلأت الارض (عنفا).» (تكوين ٦:٥، ١١) فقرر اللّٰه ان يجلب طوفانا ليهلك الناس الذين يمارسون الدين الباطل. ونجا نوح وعائلته فقط تحت حماية اللّٰه، سبب كان كافيا في ما بعد ‹ليبنوا مذبحا (ليهوه)› كعمل عبادة حقيقية. (تكوين ٨:٢٠) لقد عيَّن الطوفان بوضوح ايّ النظامين الدينيين اللذين وُجدا في ايام نوح حقيقي وأيهما باطل.
ان ما ذكر آنفا مؤسس على التسليم بأن سجل الكتاب المقدس صحيح. ولكن بالاضافة الى البراهين المذكورة في بداية مقالتنا انظروا الى الدليل المقدَّم في الاطار «هل كان هنالك حقا طوفان عالمي؟»
مستقبل الدين — مستقبلكم
ان نيل المعرفة عن ماضي الدين حيوي لان هنالك من حيث الاساس مجرد نوعين من الدين — الواحد مقبول لدى خالق الجنس البشري والآخر من الواضح انه غير مقبول. اذاً، من المنطقي انه اذا كان الشخص يريد نيل رضى الخالق يجب ان يشاركه في آرائه في الدين. ولا تنسوا ان الامر يشمل كلاًّ منا لان «الانسان بتكوينه حيوان ديني.»
وفي النظر الى ماضي الدين لنفعلْ ذلك بعقل منفتح، والاهم ايضا، بقلب متقبِّل. وحينما يقع دين معيَّن تحت الفحص الدقيق لنتوقفْ طويلا الى حد كاف لنسأل انفسنا عما اذا كانت تعاليمه مفهومة، واضحة، ومنطقية. وماذا عن انجازاته؟ هل جعل اعضاءه اقرب الى الخالق بغرس اهمية اطاعة وصاياه في ذهنهم ام انه، عوضا عن ذلك، سمح لهم بوضع مقاييسهم الخاصة للسلوك؟ هل علَّم الدين الناس ان يثقوا باللّٰه لحلّ مشاكل العالم؟ ام انه، عوضا عن ذلك، ضلَّلهم للوثوق بالوسائل السياسية لفعل ذلك؟ هل روَّج الوحدة والسلام بين سكان الارض ام انه، عوضا عن ذلك، اثار الشقاق وحرَّض على الحروب؟
هذه الاسئلة وغيرها تساعدنا على التمييز بين الدين الاصلي الواحد الذي ادخله خالق الجنس البشري والانواع الزائفة الكثيرة التي ادخلها عدوّه.
وهل الدين متورط في الانحطاط الادبي وانهيار المبادئ الاخلاقية الحاليين؟ المقالة التالية ستناقش باختصار هذا السؤال.
[الاطار في الصفحة ٧]
هل كان هنالك حقا طوفان عالمي؟
«عوضا عن ان يكون طوفان التكوين حادثا غير محتمل في الازمنة الجيولوجية الحديثة، فانه يلائم على نحو طبيعي جدا مثل هذه الفترة . . . وفي الواقع تلك كانت الفترة الاكثر احتمالا لمثل هذا الاضطراب السريع والعنيف.» — اعادة النظر في الطوفان.
«علم الآثار اكتشف ايضا روايات اخرى لقصة [التكوين] عن الطوفان . . . ان التشابهات لافتة للنظر اكثر من الاختلافات.» — حَفْر اراضي الكتاب المقدس.
«الجائحة العالمية التي كانت الارض خلالها مغمورة او غارقة في المياه [هي] مفهوم موجود تقريبا في كل مجموعة للاساطير في العالم . . . ففي مجموعة اساطير إنكا احدث الجائحةَ الاله الاسمى، ڤيراكوشا، الذي كان غير راضٍ عن البشر الاولين وقرر ان يهلكهم.» — قاموس فانك وواڠنلز القانوني للفلكلور وعلم الاساطير والخرافات.
«ثمة تشابهات اعظم ايضا مع رواية التكوين موجودة في ملحمة بابلية اخرى يحمل بطلها اسم جلجامش. . . . وقد اتت على الارجح الى الوجود حوالي بداية الالف السنة الثانية. . . . [اللوح الآجري الحادي عشر] هو في الواقع سليم، مزوِّدا بالتالي اكمل رواية عن قصة الطوفان بالخط المسماري.» — دائرة المعارف اليهودية.
«كالعبرانيين، البابليين، اليونانيين، الاسكنديناڤيين وشعوب العالم القديم الاخرى، كانت لقبائل هندية كثيرة في اميركا الشمالية والجنوبية تقاليد متعلقة بالطوفان. . . . ‹عندما اتى المرسلون الاولون› . . .، اخبر المحترم مايرون إلز في سنة ١٨٧٨، ‹وجدوا أن لاولئك الهنود تقاليدهم المتعلقة بطوفان، وأن رجلا وزوجته أُنقذا على طَوْف خشبي.›» — خرافات هندية لشمالي غربي الپاسيفيك.
-