-
التعصب الديني اليوماستيقظ! ١٩٩٩ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
التعصب الديني اليوم
«لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه او معتقده، وحريته في اظهار دينه او معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده او مع جماعة، وأمام الملإ او على حدة». المادة ١٨، الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ١٩٤٨.
هل تتمتعون بالحرية الدينية في بلدكم؟ معظم البلدان في العالم تقرّ ظاهريا بهذا المبدإ النبيل الذي يرد في الكثير من الاعلانات الدولية. ولكن في بلدان عديدة حيث التعصب والتمييز حقيقتان لا سبيل الى انكارهما، يُقدَّر ان ملايين لا تُحصى من الناس اليوم لا يتمتعون بالحرية الدينية. ومن ناحية اخرى، يعيش كثيرون في مجتمعات متعددة العروق او الاديان يضمن فيها القانون الحرية ويُعزَّز التسامح كما يبدو في حضارة بلدانها.
ومع ذلك، فالحرية الدينية لبعض الناس مهدَّدة حتى في هذه الاماكن. ذكر أنجيلو دالميدا ريبيرو، المقرِّر الخاص السابق المعيَّن من قبل لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة: «ان التمييز على اساس الدين او الاقتناع يوجد في كل الانظمة الاقتصادية، الاجتماعية، والايديولوجية تقريبا، وفي كل انحاء العالم». ويذكر المحرِّران كيڤن بويْل وجولييت شين في كتابهما حرية الدين والمعتقد — تقرير عالمي (بالانكليزية)، الصادر سنة ١٩٩٧: «ان الاضطهاد الديني للاقليات الدينية، [و] تحريم حيازة بعض المعتقدات، والتمييز المنتشر . . . هي حوادث يومية في نهاية القرن العشرين».
لكنَّ التمييز الديني لا يؤثر فقط في الاقليات الدينية. يعتبر الپروفسور عبد الفتَّاح عمر، المقرِّر الخاص للجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في موضوع التعصب الديني، انه «لا يوجد دين آمن من التعدِّي». فعلى الارجح، اذًا، ان بعض الاديان حيث تعيشون تواجه التعصب والتحامل عموما.
الاشكال المختلفة للتمييز
يمكن ان يتَّخذ التمييز الديني اشكالا كثيرة. فبعض البلدان تمنع كل الاديان ما عدا واحدا، وتجعله في الواقع دين الدولة. وتسنّ بلدان اخرى قوانين تفرض القيود على نشاط اديان معينة. وقد سنّت بعض البلدان قوانين جرى تأويلها بطريقة اعتباطية. تأملوا في مدى امكانية اساءة استعمال قانون مُقترَح في اسرائيل يعاقب على استيراد، طبع، توزيع، او امتلاك كراريس او مواد «تتضمَّن ترغيبا في الاهتداء الديني». فليس مدهشا ان تذكر صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون (بالانكليزية): «يُضايَق شهود يهوه في اسرائيل باستمرار ويُهاجمون». فقد اقتحم متطرِّفون من اليهود الارثوذكس احدى قاعات الملكوت لشهود يهوه في مدينة اللُّد ثلاث مرات وخرَّبوها مرّتين. وأبت الشرطة ان تتدخل.
يذكر كتاب حرية الدين والمعتقد امثلة اخرى عن التعصب: «ان مفهوم الهرطقة والهراطقة ليس فقط شيئا من الماضي. . . . فأمور كالنبذ، الاضطهاد، والتمييز الموجَّهة ضد الذين اتَّخذوا مسلكا مغايرا لا تزال سببا رئيسيا للتعصب. والأحمديون في پاكستان و[البهائيون] في مصر، ايران، وماليزيا هم مثالان شأنهم في ذلك شأن شهود يهوه في بلدان عديدة من اوروپا الشرقية، اليونان، وسنڠافورة». فمن الواضح ان الحرية الدينية مهدَّدة في انحاء كثيرة من العالم.
ازاء ذلك، اعلن فِدِريكو مايور، المدير العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ان عالم المستقبل القريب «لا يمنح الامل. . . . فقد أَضرمت رياحُ الحرية من جديد جمرات البغض». وتأكيدا لهذه المخاوف، علَّق مدير مركز حقوق الانسان في جامعة أسّكْس بالمملكة المتحدة قائلا: «نستخلص من كل الادلة ان التعصب الديني . . . يزداد بدل ان يقلّ في العالم العصري». وهذا التعصب المتزايد يهدِّد الحرية الدينية، وربما حريتكم انتم الدينية. فلماذا الحرية الدينية مهمة جدا؟
ما هو المشمول بالامر؟
«الحرية الدينية مطلب اساسي في كل مجتمع قبل ان يوصَف بأنه حرّ. . . . فبدون الحرية الدينية والحق في نشر الايمان لا يمكن ان توجد حقوق الضمير ولا ديموقراطية حقّة»، هكذا علَّق عالِم الاجتماع براين ويلسون في كتابه القيم البشرية في عالم متغيِّر (بالانكليزية). وكما اعترفت مؤخرا محكمة فرنسية: «حرية المعتقد هي احد العناصر الاساسية للحريات العامة». وهكذا، سواء كنتم متديِّنين او لا، يجب ان تهتموا بحماية الحرية الدينية.
ان موقف البلد من الحرية الدينية يؤثر كثيرا ايضا في سمعته ومصداقيته الدولية. ذكر تقرير قُدِّم سنة ١٩٩٧ لاجتماع عقدته منظمة الامن والتعاون في اوروپا المؤلفة من ٥٤ دولة: «الحرية الدينية هي احدى اسمى القِيَم في مجموعة حقوق الانسان، انها جوهر الكرامة البشرية. وما من نظام ينتهك هذه الحقوق او يسمح بالانتهاك المنظَّم لها يمكن ان يطالب شرعيا بالعضوية في مجتمع الدول العادلة والديموقراطية التي تحترم حقوق الانسان الاساسية».
تُشبَّه الحرية الدينية بأساس من اسس مبنى. والحريات الاخرى — المدنية، السياسية، الثقافية، والاقتصادية — مبنية عليه. فإذا هُدم هذا الاساس، يتضرَّر المبنى بكامله. يعبِّر الپروفسور فرانشسكو ماردجوتا بروليو عن ذلك بإيجاز قائلا: «عندما تُنتهَك الحرية [الدينية]، فإن الحريات الاخرى ستكون التالية لا محالة». فإذا كان يُراد حماية الحريات الاخرى، يلزم اولا ان تُصان الحرية الدينية.
لكي نعرف كيف نحسن حماية شيء، من الضروري ان نفهمه. فما هو اصل الحرية الدينية؟ كيف نشأت، وبأيّ ثمن؟
-
-
الحرية الدينية — بركة ام لعنة؟استيقظ! ١٩٩٩ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
الحرية الدينية — بركة ام لعنة؟
رافقت ولادة مفهوم حرية الدين آلام شديدة قاساها العالم المسيحي. فقد كانت صراعا ضد التشدد في المعتقد، التحامل، والتعصب. وقد كلَّفت خسارة آلاف لا تحصى من الناس حياتهم في النزاعات الدينية الدموية. فماذا يعلِّمنا هذا التاريخ الاليم؟
كتب روبن لاين فوكس في كتابه الوثنيون والمسيحيون (بالانكليزية): «كان الاضطهاد واقعا لازم التاريخ المسيحي برمّته». فقد دُعي المسيحيون الاولون بدعة واتُّهِموا بأنهم يهدِّدون النظام العام. (اعمال ١٦:٢٠، ٢١؛ ٢٤:٥، ١٤؛ ٢٨:٢٢) لذلك استُخدمت الوحوش الضارية في حلبات المصارعة الرومانية لتعذيب البعض وقتلهم. وفي وجه هذا الاضطهاد المرير، دافع البعض مثل اللاهوتي ترتليانوس (انظروا الصورة في الصفحة ٨) عن الحرية الدينية. وفي سنة ٢١٢ بم كتب: «ان يعبد كل انسان حسب اقتناعاته الخاصة هو حق من حقوق الانسان الاساسية وامتياز من امتيازات الطبيعة البشرية».
وسنة ٣١٣ بم، انتهى تحت حكم قسطنطين اضطهاد العالم الروماني للمسيحيين بصدور مرسوم ميلانو الذي ضمن الحرية الدينية للمسيحيين والوثنيين على السواء. وتبدلت الاحوال حين جُعلت «المسيحية» دينا شرعيا في الامبراطورية الرومانية. لكن نحو سنة ٣٤٠ بم، دعا كاتب يدّعي المسيحية الى اضطهاد الوثنيين. وأخيرا، في سنة ٣٩٢ بم، حظر الامبراطور ثيودوسيوس الاول الوثنية داخل امبراطوريته بموجب مرسوم القسطنطينية. فما كادت حرية الدين ترى النور حتى ولّت. وعندما صارت «المسيحية» الرومانية دين الدولة، شنّت الكنيسة والدولة حملة اضطهاد دامت قرونا، وبلغت ذروتها في الحروب الصليبية الدامية، من القرن الحادي عشر الى الثالث عشر، وفي وحشية محاكم التفتيش التي ابتدأت في القرن الثاني عشر. فالذين تجرّأوا على الشك في صحة المعتقد التقليدي الرسمي او ممارسته، وفي احتكار تبنّي العقائد، وُسموا كهراطقة وجرت ملاحقتهم في جو مطاردة السحرة الذي ساد آنذاك. فماذا كان الدافع الى هذه الاعمال؟
كان التعصب الديني يُبرَّر بحجة ان الوحدة الدينية هي اقوى اسس الدولة وأن الاختلافات الدينية تهدد النظام العام. ذكر احد وزراء الملكة اليزابيث في انكلترا سنة ١٦٠٢ انه «لا امن لدولة تسمح بوجود دينين». ففي الحقيقة كان قمع المنشقين دينيا اسهل بكثير من معرفة هل يشكلون فعلا تهديدا للدولة او للدين الرسمي. تذكر دائرة المعارف الكاثوليكية (بالانكليزية): «لم تميز السلطات الدنيوية ولا الدينية البتة بين الهراطقة الخطرين وغير الخطرين». لكنَّ رياح التغيير كانت ستهب عما قريب.
ولادة التسامح العسيرة
كان الباعث على التغيير في اوروپا الانقلاب الفجائي الذي احدثته الپروتستانتية، حركة دينية منشقة بقيت صامدة حتى الآن. فبسرعة مذهلة انقسمت اوروپا دينيا بسبب الاصلاح الپروتستانتي، مما ابرز فكرة حرية الضمير. على سبيل المثال، برَّر المصلِح الشهير مارتن لوثر آراءه سنة ١٥٢١ بقوله: «ضميري اسير كلمة اللّٰه». وقد اضرم الانقسام ايضا نيران حرب الاعوام الثلاثين (١٦١٨-١٦٤٨)، التي كانت سلسلة من حروب دينية وحشية اجتاحت اوروپا.
ولكن في خضمّ الحرب، ادرك كثيرون ان النزاع لم يكن يمضي بالقضية قدُما. ولذلك صدرت سلسلة مراسيم، كمرسوم نانت في فرنسا (١٥٩٨)، ولكنها فشلت في سعيها الى تثبيت السلام في اوروپا التي مزقتها الحرب. ومن هذه المراسيم تطور تدريجيا المفهوم العصري للتسامح. في البداية كانت للكلمة «تسامح» مضامين سلبية. كتب مؤيد الحركة الانسانية الشهير ايرازموس سنة ١٥٣٠: «لو تسامحنا مع البدع الدينية في ظروف معينة . . .، لكان ذلك دون شك خطية — خطية جسيمة — ولكنها ليست ببشاعة الحرب». بسبب هذا المعنى السلبي، فضَّل البعض كالفرنسي پول دو فوا، سنة ١٥٦١، ان يتكلم عن «الحرية الدينية» بدل «التسامح».
ولكن على مر الوقت لم يعد التسامح يُعتبر اهون الشرين بل حامي الحريات. ولم يعد يُعتبر تسليما بالضعف بل ضمانة. وعندما تقبَّل الناس تعدد المعتقدات والحق في التفكير بطريقة مختلفة واعتبروهما اساس المجتمع العصري، قلّ التعصب.
وفي نهاية القرن الثامن عشر، صار التسامح مرتبطا بالحرية والمساواة. وقد جرى التعبير عن ذلك في القوانين والاعلانات، كإعلان حقوق الانسان والمواطن (١٧٨٩) الشهير في فرنسا، او قانون الحقوق (١٧٩١) في الولايات المتحدة. وبسبب تأثير هذه الوثائق في التفكير الليبرالي من القرن التاسع عشر فصاعدا، لم يعد يُعتبر التسامح وبالتالي الحرية لعنة بل بركة.
الحرية النسبية
ان الحرية نسبية على الرغم من كونها ثمينة. فباسم المزيد من الحرية للجميع، تنص الدولة قوانين تحدّ بعض الحريات الفردية. وإليكم بعض المسائل المتعلقة بالحرية قيدَ المناقشة حاليا في العديد من الدول الاوروپية: الى اي حد يجب ان تتدخل التشريعات الحكومية في الحياة الخاصة؟ ما مدى فعاليتها؟ وكيف تؤثر في الحرية؟
ابرزت وسائل الاعلام النقاش حول الحريات العامة والخاصة. فقد اتُّهمت بعض الفرق الدينية، غالبا دون اي دليل ملموس، بجرائم مزعومة مثل غسل الادمغة، الابتزاز المالي، الاساءة الى الاولاد، وغيرها من الجرائم الخطيرة. وقد غطت وسائل الاعلام الانباء المتعلقة بفرق الاقليات الدينية تغطية شاملة. فصارت العبارات المحقِّرة مثل «شيعة» او «بدعة» جزءا من الحديث اليومي. حتى ان الحكومات، مدفوعةً من الرأي العام، اصدرت لوائح بما يُدعى شيعا خطيرة.
تفخر فرنسا بتاريخها العريق في مجال التسامح وفصل الدين عن الدولة. وهي تدعو نفسها بكل اعتزاز ارض «الحرية والمساواة والإخاء». ولكن بحسب كتاب حرية الدين والمعتقد — تقرير عالمي (بالانكليزية)، جرت التوصية في ذلك البلد بالقيام بـ «حملة تثقيفية في المدارس تشجع على نبذ الحركات الدينية الجديدة». ولكنّ كثيرين يعتقدون ان هذا العمل يهدد الحرية الدينية. فكيف ذلك؟
تهديدات للحرية الدينية
لا تتحقق الحرية الدينية الا عندما تعامل الدولة كل الفرق الدينية التي تحترم وتطيع القانون على قدم المساواة. وتنعدم الحرية الدينية عندما تحدِّد الدولة اعتباطيا ايّ فريق من الفرق الدينية ليس دينا، وبالتالي تحرمه من الامتيازات التي تمنحها هذه الدولة للاديان. ذكرت مجلة تايم (بالانكليزية) سنة ١٩٩٧: «ان فكرة حرية الدين المعتبَرة تصير تافهة عندما تدَّعي الدولة ان لها حق المصادقة على الاديان كما لو انها تعطي رخص قيادة للسائقين». وقد اعلنت مؤخرا محكمة استئناف فرنسية ان فعل ذلك «يؤدي الى الكليانية سواء ادركنا ذلك ام لا».
وتُهدَّد الحريات الاساسية ايضا عندما تحتكر احدى الفرق وسائل الاعلام. وللأسف، هذا ما يحدث بازدياد في بلدان كثيرة. مثلا، في محاولة لتحديد ما هو الامر الصائب دينيا، نصَّبت المنظمات المعادية للشيع الدينية نفسها قاضيا وجلّادا، ثم حاولت فرض وجهة نظرها المتحيّزة على عامة الشعب من خلال وسائل الاعلام. ولكن بفعلها ذلك، تُظهر احيانا كما تقول الصحيفة الفرنسية لو موند (بالفرنسية) «روح الطائفية عينها التي يُفترَض انها تحاربها ويمكن ان تخلق جو ‹مطاردة السحرة›». وسألت الصحيفة: «ألا يهدِّد الوصم الاجتماعي لفرق الاقليات الدينية . . . الحريات الاساسية؟». وذكر مارتن كريله المقتبس منه في مجلة لعلم نفس الدين (بالالمانية): «ان مطاردة البدع الدينية الشبيهة بأسلوب مطاردة السحرة امر مقلق اكثر من الغالبية العظمى لما ‹يُدعى بدعا وفرقا روحية›. وببسيط العبارة: ان المواطنين الذين لا يخالفون القانون يجب تركهم بسلام. يجب ان يكون الدين والمعتقد حرَّين ويجب ان يبقيا كذلك في المانيا ايضا.» فلنتأمل في احد الامثلة.
«المواطنون المثاليون» — يوسمون بأنهم خطرون
ايّ فريق ديني قيل انه «اخطر البدع قاطبة» في نظر السلطات الكاثوليكية المقتبَس منها في صحيفة اسپانيا المشهورة ABC (بالاسپانية)؟ قد يدهشكم ان تعرفوا ان الصحيفة كانت تتحدث عن شهود يهوه. فهل الاتهامات الموجهة ضدهم لها اساس غير متحيِّز وموضوعي؟ لاحظوا التصريحات التالية من مصادر اخرى:
«يعلِّم الشهود الناس ان يدفعوا الضرائب باستقامة، ان لا يشتركوا في الحروب او الاستعدادات للحرب، ان لا يسرقوا، وعموما ان يتبعوا نمط حياة اذا جرى تبنيه سيؤدي الى تحسين مقاييس التعايش المدني». — سرجيو ألبسانو، تالنتو، تشرين الثاني (نوفمبر)-كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٦.
«بخلاف عبارات التعريض التي تنتشر احيانا، لا يبدو لي انهم [شهود يهوه] يشكِّلون ايّ خطر على مؤسسات الدولة. انهم مواطنون يحبون السلام، ضميرهم حيّ، ويحترمون السلطات». — نائب في البرلمان البلجيكي.
«من المعروف ان شهود يهوه هم الشعب الاكثر استقامة في الجمهورية الفدرالية». — الصحيفة الالمانية زيندلفينڠر تسايتونڠ (بالالمانية).
«بإمكانكم ان تعتبروهم [شهود يهوه] مواطنين مثاليين. فهم يدفعون الضرائب باجتهاد، يعتنون بالمرضى، يكافحون الأُمِّيَّة». — الصحيفة الاميركية سان فرانسيسكو اكزامينر (بالانكليزية).
«يختبر شهود يهوه نجاحا اعظم من اعضاء الفئات الاخرى في الحفاظ على اتحادات زوجية ثابتة». — مجلة عالِم الأثنولوجيا الاميركي (بالانكليزية).
«شهود يهوه هم بين المواطنين الاكثر استقامة واجتهادا في البلدان الافريقية». — الدكتور براين ويلسون، جامعة أوكسفورد.
«ان اعضاء هذا الدين ساهموا كثيرا على مرِّ العقود في نشر حرية الضمير». — نات هنتوف، القول الحر لي — ولكن ليس لك (بالانكليزية).
«كان لهم دور واضح في حفظ بعض اثمن الامور في ديموقراطيتنا». — الپروفسور ت. س. برايدن، هؤلاء ايضا يؤمنون (بالانكليزية).
كما تشير الاقتباسات الآنفة الذكر، يُعترَف حول العالم بأن شهود يهوه مواطنون مثاليون. وفضلا عن ذلك، هم معروفون بعملهم التعليمي المجاني للكتاب المقدس وبتعزيز القِيَم العائلية. وصفوفهم لتعليم القراءة والكتابة ساعدت مئات الآلاف، في حين ان اعمالهم الانسانية على مر العقود ساعدت الآلاف، وخصوصا في افريقيا.
اهمية الموضوعية
المجتمع ملآن بأناس عديمي الضمير يفترسون الضحايا الابرياء. لذلك توجد حاجة ماسة الى الحذر بشأن الادِّعاءات المتعلقة بالدين. ولكن كيف يكون موضوعيا ومساعِدا على تعزيز الحرية الدينية ان يعتمد بعض الصحافيين، بدلا من استشارة خبراء موضوعيين، على المعلومات من الكنائس التي ترى اعداد اعضائها تتضاءل او من المنظمات المعادية للفِرَق الدينية التي يُشكّ في موضوعيتها؟ مثلا، اعترفت الصحيفة التي دعت شهود يهوه «اخطر البدع قاطبة» ان معلوماتها اتت من «خبراء الكنيسة [الكاثوليكية]». وبالاضافة الى ذلك، ذكرت مجلة فرنسية ان غالبية المقالات التي تتكلم عن الفِرَق الدينية المزعومة كان مصدرها المنظمات المعادية لهذه الفِرَق الدينية. فهل يبدو لكم ان هذه هي اكثر طريقة غير متحيِّزة للحصول على معلومات موضوعية؟
ان المحاكم والمنظمات الدولية المختصة بحقوق الانسان الاساسية، كالامم المتحدة، تقول ان «الفرق بين دين وبدعة هو مصطنَع اكثر من ان يُقبَل». فلماذا يصرّ البعض على استعمال الكلمة التحقيرية «بدعة»؟ ان ذلك دليل اضافي على ان الحرية الدينية مهدَّدة. لذلك كيف يمكن حماية هذه الحرية الاساسية؟
[الاطار/الصور في الصفحة ٨]
المدافعون عن الحرية الدينية
من مجزرة الصراع الديني في اوروپا في القرن الـ ١٦ علت صرخات بليغة من اجل الحرية الدينية. وهذه الالتماسات لا تزال ملائمة عند مناقشة الحرية الدينية.
سيباستيان شاتِيون (١٥١٥-١٥٦٣): «ما هو الهرطوقي؟ لا اجد شيئا آخر سوى اننا نعتبر كل الذين لا يوافقوننا في رأينا هراطقة. . . . فإذا كنتم في هذه المدينة او المنطقة تُعتبَرون مؤمنا حقيقيا، تُعتبَرون في المدينة او المنطقة الاخرى هرطوقيا». وبصفة شاتِيون مترجما للكتاب المقدس ومدافعا فعّالا عن التسامح، ذكر احد العناصر الاساسية في مناقشة الحرية الدينية: مَن يُعرِّف مَن هو الهرطوقي؟
ديرك ڤولكيرتسون كورنهيرت (١٥٢٢-١٥٩٠): «نقرأ انه في الماضي . . . المسيح نفسه في اورشليم ثم شهداء كثيرون في اوروپا . . . اخلّوا بـ [المجتمع] بكلمات الحق التي تفوَّهوا بها. . . . ومعنى الكلمة ‹اخلّ› يجب ان يُعرَّف بدقة ووضوح». حاجّ كورنهيرت انه لا يجب ان يُساوَى بين الاختلاف الديني والاخلال بالنظام العام. فسأل: هل الذين يطيعون ويحترمون القانون بدقة هم حقا تهديد للنظام العام؟
پيار دي بيلْوا (١٥٤٠-١٦١١): «من الجهالة ان نعتقد ان التنوع في الاديان يسبب ويعزِّز الشغب في الدولة». حاجّ بيلْوا، محام فرنسي كتب وقت الحروب الدينية (١٥٦٢-١٥٩٨)، ان الانسجام في الدولة لا يعتمد على التماثل الديني إلا اذا كانت الحكومة خاضعة للضغوط الدينية.
توماس هِلْويس (نحو ١٥٥٠-١٦١٦): «اذا كان شعبه [شعب الملك] رعايا مطيعين وأمناء لكل القوانين البشرية، لا يلزم ان يطلب منهم شيئا آخر». هِلْويس، احد مؤسسي المعمدانيين الانكليز، كتب لمصلحة فصل الكنيسة عن الدولة، حاثًّا الملك ان يمنح الحرية الدينية لكل الكنائس والبدع وأن يكون مكتفيا بالسلطة المدنية على الناس والممتلكات. وكتاباته تشدِّد على سؤال يُطرح الآن: الى ايّ حد يجب ان تتحكم الدولة في الوجه الروحي لحياة الناس؟
كاتب مجهول الهوية (١٥٦٤): «من اجل تطبيق حرية الضمير، لا يكفي السماح للفرد بالامتناع عن ممارسة الدين الذي لا يوافق عليه اذا كان، للسبب نفسه، لا يُسمح له بأن يمارس بحرية الدين الذي يوافق عليه».
-
-
كيف — تُحمى الحريات؟استيقظ! ١٩٩٩ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
كيف — تُحمى الحريات؟
في بلدة رينڠسدينكلوك الصغيرة في إندونيسيا، عاشت فِرَق عرقية معا بسلام لسنوات. لكنَّ التسامح الظاهر انتهى في ٣٠ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٧. فقد انفجر العنف عندما ابتدأ احد المؤمنين يقرع طبله نحو الساعة الثالثة صباحا في يوم عيد ديني. وبسبب الضجة امطره جاره الذي ينتمي الى دين مختلف بوابل من الشتائم. وعلا الصياح وابتدأ التراشق بالحجارة. ازداد الشغب مع طلوع الفجر اذ انضم آخرون الى العِراك. وفي نهاية النهار كان قد دُمِّر معبدان للبوذيين وأربع كنائس للعالم المسيحي. ونشرت صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون (بالانكليزية) هذا الحادث تحت عنوان «شرارة التعصب اشعلت نيران الشغب الديني».
في بلدان كثيرة، غالبا ما تجد الاقليات الدينية التي يحمي القانون حقوقها انها هدف للتعصب. وواضح ان ضمان القانون للحرية لا يعمل على استئصال جذور التعصب. وسَتْر التعصب لا يعني انه غير موجود. فإذا تغيرت الظروف في وقت ما في المستقبل وربما ساد جوّ من التحامل، فسيكشف التعصب المستتر عن وجهه في الحال. حتى اذا لم يُضطهد الناس مباشرة، فربما يكونون هدفا للعِداء او يُمنَعون من التعبير عن آرائهم. فكيف يمكن تجنب ذلك؟
استئصال جذور التعصب
نميل بطبعنا الى رفض او الشك في ما هو مختلف او غير عادي، وخصوصا الآراء المغايرة لآرائنا. فهل يعني هذا ان التسامح مستحيل؟ ان مطبوعة الامم المتحدة القضاء على كل اشكال التعصب والتمييز المؤسسة على الدين او المعتقد (بالانكليزية) تدرج الجهل وعدم التفهم «بين اهم الاسباب الاساسية للتعصب والتمييز في مسألة الدين والمعتقد». لكنَّ الجهل، السبب الاساسي للتعصب، يمكن محاربته. كيف؟ بالتعليم المتوازن. يذكر تقرير للجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة: «قد يكون التعليم الوسيلة الرئيسية لمحاربة التمييز والتعصب». وإلام يجب ان يهدف هذا التعليم؟ تقترح مجلة يونسكو كوريير (بالانكليزية) انه بدلا من تعزيز الرفض للحركات الدينية، «يجب ان يهدف التعليم من اجل التسامح الى مقاومة التأثيرات التي تؤدي الى الخوف من الآخرين وإبعادهم، ويجب ان يساعد الشبان على تنمية المقدرات لتكوين رأي مستقل، لحيازة تفكير نقدي، وللقيام بتحليل اخلاقي».
من الواضح ان وسائل الاعلام يمكن ان تلعب دورا مهما في تعزيز ‹التفكير النقدي والتحليل الاخلاقي›. وتدرك منظمات دولية كثيرة قدرة وسائل الاعلام على صياغة العقول والتشجيع على الفهم المتبادل. ولكن اذا كانت وسائل الاعلام ستعزِّز التسامح بدلا من التعصب كما يفعل البعض، فالمطلوب صحافة مسؤولة وموضوعية. ويجب احيانا ان يكون الصحافيون ضد الرأي المقبول الشائع. ويلزم ان يستخدموا التحليل الموضوعي والتعليقات غير المتحيِّزة. ولكن هل هذا كافٍ؟
افضل طريقة لمحاربة التعصب
لا يعني التسامح انه يجب ان تكون للجميع الآراء نفسها. فالناس قد يختلفون في وجهات النظر. وقد يعتقد البعض باقتناع شديد ان معتقدات الشخص الآخر خاطئة تماما. حتى انهم قد يتكلمون علانية عن اختلافاتهم في الرأي. ولكن ما داموا لا ينشرون الاكاذيب في محاولة لإثارة التحامل، لا يكون ذلك تعصبا. فالتعصب يظهر عندما يُضطهَد فريق، يكون هدفا لقوانين معينة، يوضع على الهامش، يُحظَّر، او يُمنع بطريقة ما من اتِّباع معتقداته. وأشد انواع التعصب هي عندما يقتل البعض غيرهم ويضطر الآخرون الى الموت في سبيل معتقداتهم.
كيف يمكن محاربة التعصب؟ يمكن تشهيره علانية، كما شهَّر الرسول بولس تعصب القادة الدينيين في ايامه. (اعمال ٢٤:١٠-١٣) ولكن، حين يكون ممكنا، افضل طريقة لمحاربة التعصب هي العمل مسبقا بهدف، ألا وهو تعزيز التسامح، اي تعليم الناس ان يفهموا الآخرين بشكل افضل. يقول تقرير الامم المتحدة بشأن القضاء على التعصب المشار اليه قبلا: «لأن كل اشكال التعصب والتمييز المؤسسة على الدين او المعتقد تنشأ من العقل البشري، يجب توجيه العمل اولا الى العقول البشرية». وهذا التعليم قد يحث الافراد على تفحص معتقداتهم الشخصية.
كتب فِدِريكو مايور، المدير العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو): «التسامح هو الفضيلة التي يتحلَّى بها المؤمن». وكتب الكاهن الدومينيكاني كلود جيفري في مجلة ريفورم (بالفرنسية) قائلا: «يرتكز التسامح الحقيقي على الايمان القوي». فالشخص المقتنع بمعتقداته لن يشعر على الارجح بأن معتقدات الآخرين تهدِّده.
وجد شهود يهوه ان الطريقة الممتازة لتعزيز التسامح هي بالتكلم مع الآخرين ذوي المعتقدات المختلفة. والشهود يتَّخذون بجدية نبوة يسوع التي تقول: «يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم؛ ثم تأتي النهاية»، وهم معروفون جيدا بعملهم التبشيري العام. (متى ٢٤:١٤) وفي هذا العمل، تسنح لهم فرصة سماع الناس من مختلف الاديان — وأيضا الملحدين — يشرحون معتقداتهم. والشهود بدورهم مستعدون ان يشرحوا معتقداتهم للذين يرغبون في الاصغاء. وهكذا يعزِّزون النمو في المعرفة والفهم. والمعرفة والفهم يسهِّلان ازدهار التسامح.
التسامح وما سيفوقه
على الرغم من افضل النوايا التي لكثيرين والجهود الموحَّدة للبعض، لا يزال التعصب الديني، على ما يتضح، مشكلة اليوم. ولكي يحدث تغيير حقيقي، يلزم القيام بالمزيد. ابرزت الصحيفة الفرنسية لو موند دي ديبا المشكلة بقولها: «يعاني كثيرا المجتمع العصري من الفراغ العاطفي والروحي. ويمكن للقانون ان يضمن الحرية مانحا الحماية من الذين يهدِّدونها. ويمكنه ويجب عليه ان يضمن المساواة للجميع، دون تمييز اعتباطي». يعترف كتاب الديموقراطية والتسامح (بالانكليزية): «الطريق امامنا طويلة لبلوغ هدف جعل الفهم والاحترام المتبادلَين مقياسا عالميا للسلوك».
يعد الكتاب المقدس بأن الجنس البشري سيتحد قريبا في العبادة النقية للاله الحقيقي الوحيد. وهذه الوحدة ستؤدي الى معشر اخوة عالمي حقيقي حيث يسود احترام الآخرين. ولن يسود الجهل في ما بعد البشر لأن ملكوت اللّٰه سيعلِّم الناس طرق يهوه، مشبعا حاجاتهم الفكرية، العاطفية، والروحية. (اشعياء ١١:٩؛ ٣٠:٢١؛ ٥٤:١٣) وستعمّ المساواة والحرية الحقيقيتان الارض. (٢ كورنثوس ٣:١٧) وبنيل الفهم الصحيح لمقاصد اللّٰه نحو الجنس البشري، يمكنكم مقاومة الجهل والتعصب.
[الاطار/الصورة في الصفحة ١١]
الدين مهدَّد
في السنوات الاخيرة حاولت السلطات ان تقيِّد شهود يهوه في فرنسا بعدم منحهم الامتيازات نفسها التي تُمنح للاديان الاخرى. ومؤخرا، فُرضت ضرائب باهظة على التبرعات المقدَّمة لدعم نشاطات الشهود الدينية. لقد فرضت السلطات الفرنسية ظلمًا حملا ثقيلا من الضرائب بلغ ٥٠ مليون دولار اميركي (ضرائب وغرامات)، والهدف كما هو واضح شلّ عمل هذا الفريق المؤلف من ٠٠٠,٢٠٠ مسيحي ومتعاطف معهم في فرنسا. انه تحامل ديني فاضح يتعارض مع كل مبادئ الحرية، الاخاء، والمساواة.
-