-
معمودية الاطفال — لماذا يقول بعض الكهنة لا!برج المراقبة ١٩٨٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
لاحظوا الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فبعد المجمع الفاتيكاني الثاني عدّلت الكنيسة شعائرها لمعمودية الاطفال. صحيح ان الكنيسة لا تزال تعمد الاطفال، ولكن يجب على الآباء الآن ان يعطوا اولا ضمانات انهم سوف يربون الولد ككاثوليكي. قرر الفاتيكان: «ان لم تكن هذه الضمانات جدية حقا يمكن ان يكون هنالك اساس لتأجيل السر المقدس، وان لم تكن بالتأكيد موجودة فالسر المقدس يجب ايضا رفضه.» لوسرفاتوري رومانو، «ارشاد حول معمودية الاطفال،» ١ كانون الاول ١٩٨٠.
وهذا هو بعدُ شاسع عن الايام حيث، استنادا الى الكاهن الكاثوليكي جوزيف م. شامبلن، كان «المرسلون الغيورون يعمدون الاطفال الوثنيين المتروكين بجانب الطريق» والكهنة «يحثون الآباء على عدم تأخير معمودية الطفل اكثر من شهر تحت طائلة الخطية المميتة.»
ماذا يوجد خلف مثل هذه المواقف المتغيّرة؟ اولا، يدرك قادة الكنيسة الآن ان المعمودية لا تصنع المسيحي. والانخفاض التدريجي في حضور الكنيسة والنقص العام في التعبد بين الكاثوليك المعتمدين أمسيا مصدرا حقيقيا للقلق. «لماذا يلزم ان تزيد الكنيسة المشكلة بتعميد اولاد هم عمليا مكفولون ليكونوا راشدين غير ممارسين؟» تحتج مقالة في مجلة «كاثوليكي الولايات المتحدة.»
ومع ذلك فان الموقف الجديد الصارم من المعمودية يكشف ايضا تصدّعا خطيرا بين اللاهوتيين. وكما يلاحظ الكاتب الكاثوليكي جوزيف مارتوس، فان اكليريكيين كثيرين لا يؤمنون بأن معمودية الاطفال «شعيرة سحرية بتأثيرات غير منظورة في النفس.» وبالنسبة اليهم فان نظرة كهذه تعود للقرون الوسطى وقد تخطاها الزمن.
فلا عجب ان يجد الكثيرون من الكاثوليك المخلصين انفسهم مشوشين. ألم تُعلّم الكنيسة دوما ان الاطفال غير المعمَّدين يمكن ان يذهبوا الى هاوية نارية او يمكثوا في المطهر؟ فاذا كان ذلك صحيحا، يتساءل البعض، لماذا يجري رفض المعمودية تحت ايّ ظرف كان؟ هذان هما سؤالان مهمان. وكما لاحظ الكاهن الكاثوليكي فنسانت ويلكن، ان مجموع الذين ماتوا غير معمَّدين هو «عدد كبير ولا يحصى في الواقع، ومن السهل التصور انه يشكل الغالبية العظمى للجنس البشري.»
-
-
هل يجب تعميد الاطفال؟برج المراقبة ١٩٨٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
فالآباء قد يصفونه باختبار مؤثّر للغاية. ولكن هل تجد الممارسة اصلها في كلمة اللّٰه؟ يقرّ اللاهوتيون الكاثوليك بأنها ليست كذلك. انظر دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة، المجلد ٢، الصفحة ٦٩.
-
-
هل يجب تعميد الاطفال؟برج المراقبة ١٩٨٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
واذ يعجز عن ان يشير الى سابقة في الكتاب المقدس يقول الفاتيكان، «ان ممارسة تعميد الاطفال تُعتبر قاعدة لتقليد ممعن في القِدم.»
-
-
هل يجب تعميد الاطفال؟برج المراقبة ١٩٨٦ | ١ تشرين الثاني (نوفمبر)
-
-
فبعد ان مات الرسل ولم يعودوا قادرين ان يعملوا كحاجز ابتدأت الممارسات غير المؤسسة على الاسفار المقدسة تتسرب في العبادة المسيحية. (٢ تسالونيكي ٢:٦) ومن بينها كانت معمودية الاطفال. ولكنّ معمودية الاطفال لم تصبح القاعدة حتى القرن الخامس. ففي ذلك الوقت احتدم نقاش عنيف غيرَّ العالم المسيحي نهائيا.
ابتدأ ذلك عندما قام راهب بريطاني، اسمه بيلاجيوس، برحلة الى رومية. واذ روّعه الفساد الذي رآه هناك بين المدعوّين مسيحيين شرع الاكليريكي يستحث الناس على «مزيد من الجهد الادبي.» فالانسان لا يستطيع ان يعتبر «الخطية الاصلية» مسؤولة عن ضعفاته، قال بيلاجيوس. «كل ما هو صالح وكل ما هو شرير . . . نفعله نحن ولا يولد فينا.» وسرعان ما اصبحت العقيدة البيلاجية حديث العالم المسيحي.
ولكنّ ذلك لم يدم طويلا. فقد نظر قادة الكنيسة الى هذا التخلي عن «الخطية الاصلية» كهرطقة. ودون ان يدري تصرّف بيلاجيوس لمصلحتهم بتأييده ما كان وقتئذ عادة شعبية معمودية الاطفال. فالاسقف المدعو اوغسطين رأى في ذلك تناقضا واضحا. «اذا كان يجب تعميد الاطفال،» احتج اوغسطين، «ماذا بشأن غير المعمَّدين؟» والاستنتاج الذي بدا منطقيا كان ان افرادا كهؤلاء يكابدون نيران الهاوية لانهم غير معمَّدين. واذ ثبتت هذه النقطة ظاهريا انزل اوغسطين الضربة القاضية: بما ان الاطفال غير المعمَّدين يكابدون العقاب فعلا، ايّ امر آخر يمكن ان يفسر ذلك سوى «الخطية الاصلية»؟
وانهارت العقيدة البيلاجية. وفي ما بعد اعلن مجمع كنسي في قرطاجة ان تعاليم بيلاجيوس هرطقة. و«الخطية الاصلية» اصبحت جزءا من الكاثوليكية ككرسي الاعتراف. واتجهت الكنيسة الآن في سبيل ترويج الهدايات الجماعية وأحيانا بالاكراه لانقاذ الناس من «نيران الهاوية.» ومضت معمودية الاطفال لتتحول من عادة شعبية الى اداة رسمية للخلاص، اداة كانت البروتستانتية لترثها.
على طرف الهاوية
اثارت عقيدة اوغسطين بعض الاسئلة الصعبة الى حدّ رابك: كيف يمكن لاله المحبة ان يسبب تألم اطفال ابرياء في الهاوية؟ وهل ينال الاطفال غير المعمَّدين نفس العقاب كالخطاة المتقسين؟ لم يكن تزويد الاجوبة سهلا على اللاهوتيين. يقول الكاهن الكاثوليكي فنسانت ويلكن: «البعض اسلموا الاطفال غير المعمَّدين الى كامل ضراوة نيران الهاوية، والآخرون آمنوا بأنه لا تلتهمهم النيران وانما يجري تسخينهم فقط الى درجة حرارة مزعجة حقا، وآخرون يجعلون الازعاج اخفّ ما يمكن في الهاوية . . . والبعض يضعونهم في فردوس ارضي.»b
الا ان النظرية الاكثر شعبية على الاطلاق كانت ان انفس الاطفال غير المعمَّدين توضع في اليمبوس. وهذه الكلمة تعني حرفيا «طرف» (مثل طرف او حاشية ثوب) وتصف منطقة من المفترض ان تقع على اطراف الهاوية. وبالنسبة الى اللاهوتيين يكون اليمبوس تصوّرا ملائما للغاية. فهو على الاقل يلطِّف الشبح المخيف لاطفال يتألمون.
ولكنّ اليمبوس، كأية نظرية بشرية الصنع، له مشاكله. فلماذا لا يجري ذكره في الاسفار المقدسة؟ وهل يتمكن الاطفال من الخروج من اليمبوس؟ ولماذا يلزم الاطفال الابرياء ان يذهبوا الى هنالك اولا؟ فعلى نحو مفهوم تهتم الكنيسة بالقول ان اليمبوس «ليس تعليما كاثوليكيا رسميا.»c دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة.
النقاش يحتدم من جديد
لقرون تمسك الكاثوليك بشكل اساسي بوجهة نظر اوغسطين وأعطوا اولادهم «المناعة من اليمبوس» بواسطة المعمودية. الا انه منذ خمسينات الـ ١٩٠٠ كان هنالك احياء مثير لنقاش معمودية الاطفال. فقد ابتدأ العلماء الكاثوليك بالاعراب عن شكوك خطيرة في كون الممارسة مؤسسة على الكتاب المقدس. ويقرّ آخرون بأنه لا يمكنهم تقبّل لا تصوّرات اوغسطين لنار الهاوية ولا اليمبوس.
غير انه في البداية رفض قادة الكنيسة المحافظون ان يتزحزحوا. وفي عام ١٩٥١ ألقى البابا بيوس الثاني عشر خطبة على فريق من القابلات. واذ اكَّد ثانية الاعتقاد ان «حالة النعمة الالهية في لحظة الموت ضرورية بشكل مطلق للخلاص» شجع القابلات على انجاز شعيرة المعمودية بأنفسهنّ اذا بدا مرجَّحا ان طفلا حديث المولد هو على وشك ان يموت. «لا تفشلن آنذاك في انجاز هذه الخدمة الخيرية،» حضهنّ. وبشكل مماثل، اصدر الفاتيكان عام ١٩٥٨ انذارا شديد اللهجة يقول بأن «الاطفال يجب تعميدهم بالسرعة الممكنة.»
على الرغم من ذلك انفجر الجدال ثانية إثر المجمع الفاتيكاني الثاني الشهير. وفي خطوة مفاجئة حاولت الكنيسة ان توفّق بين مواقف المحافظين والمتحررين. «المعمودية ضرورية بشكل مطلق للخلاص،» قال المجمع. ولكنّ الخلاص، بشكل غريب، كان ممكنا ايضا للذين «دون ايّ ذنب من جهتهم لا يعرفون انجيل المسيح.»d
وكنتيجة اعادت الكنيسة بعد ذلك النظر في شعيرة معمودية الاطفال. وبين امور اخرى، لدى الكهنة الآن الخيار ليرفضوا المعمودية اذا فشل ابوا الولد في الوعد بتربيته ككاثوليكي. فهل ابتعدت الكنيسة اخيرا عن عقيدة اوغسطين؟ اعتقد البعض ذلك وابتدأوا يشكّون في الحاجة الى معمودية الاطفال.
ثم اصدر الفاتيكان، «ارشاد حول معمودية الاطفال،» يعلن: «الكنيسة . . . لا تعرف طريقة اخرى غير المعمودية لضمان دخول الاولاد الى السعادة الابدية.» وقد جرى امر الاساقفة ان «يُعيدوا الى الممارسة التقليدية اولئك الذين . . . ابتعدوا عنها.» ولكن ماذا بشأن الاطفال الذين يموتون غير معمَّدين؟ «لا تستطيع الكنيسة الا ان تستودعهم رحمة اللّٰه.»
-