-
«لا تبادلوا احدا سوءا بسوء»برج المراقبة ٢٠٠٧ | ١ تموز (يوليو)
-
-
«لَا تُبَادِلُوا أَحَدًا سُوءًا بِسُوءٍ»
«لَا تُبَادِلُوا أَحَدًا سُوءًا بِسُوءٍ. اِحْرِصُوا أَنْ تَعْمَلُوا أُمُورًا حَسَنَةً بِمَرْأًى مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ». — روما ١٢:١٧.
١ أَيُّ نَوْعٍ مِنَ ٱلتَّصَرُّفَاتِ هُوَ شَائِعٌ بَيْنَ ٱلنَّاسِ؟
عِنْدَمَا يَدْفَعُ وَلَدٌ صَغِيرٌ شَقِيقَهُ، غَالِبًا مَا يُبَادِرُ هذَا ٱلْأَخِيرُ إِلَى ٱلرَّدِّ بِٱلْمِثْلِ. وَمِنَ ٱلْمُؤْسِفِ أَنَّ هذَا ٱلتَّصَرُّفَ ٱلِٱنْتِقَامِيَّ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى ٱلصِّغَارِ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى ٱلْكِبَارِ أَيْضًا. فَكَثِيرُونَ مِنْهُمْ يَرُدُّونَ ٱلصَّاعَ بِٱلصَّاعِ حِينَ يُغِيظُهُمْ أَحَدٌ. صَحِيحٌ أَنَّهُمْ لَا يَتَدَافَعُونَ عَلَى طَرِيقَةِ ٱلصِّغَارِ، لكِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بِطَرَائِقَ أَكْثَرَ مَكْرًا. فَرُبَّمَا يُثَرْثِرُونَ عَلَى ٱلطَّرَفِ ٱلْآخَرِ بِهَدَفِ إِيذَائِهِ أَوْ يَسْعَوْنَ بِشَتَّى ٱلطُّرُقِ إِلَى عَرْقَلَةِ مَسْعَاهُ فِي ٱلْحَيَاةِ. وَلكِنْ مَهْمَا تَعَدَّدَتِ ٱلْوَسَائِلُ ٱلَّتِي يَسْتَخْدِمُونَهَا يَبْقَى ٱلْهَدَفُ وَاحِدًا: أَنْ يَرُدُّوا بِٱلْمِثْلِ، أَوْ بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، أَنْ يَنْتَقِمُوا مِنَ ٱلْفَاعِلِ.
٢ (أ) لِمَاذَا يُجَاهِدُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ لِئَلَّا يَسْتَسْلِمُوا لِحُبِّ ٱلِٱنْتِقَامِ؟ (ب) أَيَّةُ أَسْئِلَةٍ سَتُجِيبُ عَنْهَا هذِهِ ٱلْمَقَالَةُ، وَفِي أَيِّ إِصْحَاحٍ سَنَتَأَمَّلُ؟
٢ رَغْمَ أَنَّ حُبَّ ٱلِٱنْتِقَامِ مُتَأَصِّلٌ فِي ٱلطَّبِيعَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ، يُجَاهِدُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ لِئَلَّا يَسْتَسْلِمُوا لِهذِهِ ٱلرَّغْبَةِ. فَهُمْ يَسْعَوْنَ إِلَى تَطْبِيقِ نَصِيحَةِ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ: «لَا تُبَادِلُوا أَحَدًا سُوءًا بِسُوءٍ». (روما ١٢:١٧) فَمَا ٱلَّذِي يَدْفَعُنَا إِلَى ٱلْعَيْشِ بِمُوجِبِ هذَا ٱلْمِقْيَاسِ ٱلرَّفِيعِ؟ مَنْ بِشَكْلٍ خُصُوصِيٍّ لَا يَجِبُ أَنْ نُبَادِلَهُ ٱلسُّوءَ بِٱلسُّوءِ؟ وَأَيَّةُ فَوَائِدَ تَنْتِجُ حِينَ نَمْتَنِعُ عَنِ ٱلرَّدِّ بِٱلْمِثْلِ؟ لِلْإِجَابَةِ عَنْ هذِهِ ٱلْأَسْئِلَةِ، لِنَتَفَحَّصْ سِيَاقَ كَلِمَاتِ بُولُسَ وَنَرَ كَيْفَ يُظْهِرُ لَنَا ٱلْإِصْحَاحُ ١٢ مِنْ رُومَا أَنَّ عَدَمَ ٱلِٱنْتِقَامِ هُوَ مَسْلَكٌ صَائِبٌ، حُبِّيٌّ، وَيَنِمُّ عَنِ ٱلِٱحْتِشَامِ. وَسَنَتَنَاوَلُ هذِهِ ٱلْأَوْجُهَ ٱلثَّلَاثَةَ ٱلْوَاحِدَ تِلْوَ ٱلْآخَرِ.
«إِنِّي أُنَاشِدُكُمْ إِذًا»
٣، ٤ (أ) مَاذَا يُنَاقِشُ بُولُسُ اِبْتِدَاءً مِنْ رُومَا ٱلْإِصْحَاحِ ١٢، وَمَا هُوَ مَدْلُولُ ٱلْكَلِمَةِ «إِذًا»؟ (ب) أَيُّ أَثَرٍ وَجَبَ أَنْ تَتْرُكَهُ رَأْفَةُ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي رُومَا؟
٣ اِبْتِدَاءً مِنَ ٱلْإِصْحَاحِ ١٢، يُنَاقِشُ بُولُسُ أَرْبَعَةَ مَوَاضِيعَ مُتَرَابِطَةً تُؤَثِّرُ فِي حَيَاةِ ٱلْمَسِيحِيِّ إِذْ يَتَحَدَّثُ عَنْ عَلَاقَتِنَا مَعَ يَهْوَه، ٱلرُّفَقَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، وَٱلسُّلُطَاتِ ٱلْحُكُومِيَّةِ. فَفِي ٱلْعَدَدِ ٱلْأَوَّلِ، يُلَمِّحُ إِلَى سَبَبٍ أَسَاسِيٍّ يَدْفَعُنَا إِلَى مُقَاوَمَةِ ٱلْمُيُولِ ٱلْخَاطِئَةِ، بِمَا فِيهَا حُبُّ ٱلِٱنْتِقَامِ، حِينَ يَقُولُ: «إِنِّي أُنَاشِدُكُمْ إِذًا، أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، بِرَأْفَةِ ٱللّٰهِ». (روما ١٢:١) لَاحِظِ ٱلْكَلِمَةَ «إِذًا» ٱلَّتِي يَدُلُّ مَعْنَاهَا عَلَى سَبَبٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ. فَكَأَنَّ بُولُسَ يَقُولُ: ‹بِٱلنَّظَرِ إِلَى مَا سَبَقْتُ وَأَوْضَحْتُهُ قَبْلَ قَلِيلٍ، أُنَاشِدُكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا مَا سَأَطْلُبُهُ مِنْكُمُ ٱلْآنَ›. وَلكِنْ مَا ٱلَّذِي سَبَقَ وَأَوْضَحَهُ بُولُسُ لِهؤُلَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي رُومَا؟
٤ فِي ٱلْإِصْحَاحَاتِ ٱلْأَحَدَ عَشَرَ ٱلْأُولَى مِنْ هذِهِ ٱلرِّسَالَةِ، نَاقَشَ بُولُسُ ٱلْفُرْصَةَ ٱلرَّائِعَةَ ٱلَّتِي أُتِيحَتْ لِلْيَهُودِ وَٱلْأُمَمِ عَلَى ٱلسَّوَاءِ أَنْ يَصِيرُوا حُكَّامًا مَعَ ٱلْمَسِيحِ فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، رَجَاءٌ رَفَضَتْهُ أُمَّةُ إِسْرَائِيلَ ٱلطَّبِيعِيَّةُ. (روما ١١:١٣-٣٦) وَهذَا ٱلرَّجَاءُ ٱلثَّمِينُ لَمْ يَصِرْ مُمْكِنًا إِلَّا «بِرَأْفَةِ ٱللّٰهِ». فَكَيْفَ لَزِمَ أَنْ يَتَجَاوَبَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ مَعَ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمَةِ هذِهِ؟ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَفِيضَ قُلُوبُهُمْ بِٱلشُّكْرِ ٱلْعَمِيقِ بِحَيْثُ يَنْدَفِعُونَ إِلَى فِعْلِ مَا كَانَ بُولُسُ سَيَطْلُبُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ. فَقَدْ أَوْصَاهُمْ: «قَرِّبُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَقْبُولَةً عِنْدَ ٱللّٰهِ، خِدْمَةً مُقَدَّسَةً بِقُوَّتِكُمُ ٱلْعَقْلِيَّةِ». (روما ١٢:١) وَلكِنْ كَيْفَ كَانَ هؤُلَاءِ ٱلْمَسِيحِيُّونَ سَيُقَرِّبُونَ أَجْسَادَهُمْ «ذَبِيحَةً» للّٰهِ؟
٥ (أ) كَيْفَ يُقَرِّبُ ٱلْمَسِيحِيُّ جَسَدَهُ «ذَبِيحَةً» للّٰهِ؟ (ب) أَيُّ مَبْدَإٍ يَجِبُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَصَرُّفَاتِ ٱلْمَسِيحِيِّ؟
٥ أَوْضَحَ بُولُسُ قَائِلًا: «كُفُّوا عَنْ مُشَاكَلَةِ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ هٰذَا، بَلْ غَيِّرُوا شَكْلَكُمْ بِتَغْيِيرِ ذِهْنِكُمْ، لِتَتَبَيَّنُوا بِٱلِٱخْتِبَارِ مَا هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَقْبُولَةُ ٱلْكَامِلَةُ». (روما ١٢:٢) فَقَدْ لَزِمَ أَنْ يُغَيِّرَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ذِهْنَهُمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُنْسَجِمًا مَعَ فِكْرِ ٱلْمَسِيحِ بَدَلَ أَنْ يَسْمَحُوا لِرُوحِ ٱلْعَالَمِ بِأَنْ يَصُوغَ تَفْكِيرَهُمْ. (١ كورنثوس ٢:١٦؛ فيلبي ٢:٥) وَفِي زَمَنِنَا أَيْضًا، يَنْبَغِي أَنْ يُؤَثِّرَ هذَا ٱلْمَبْدَأُ يَوْمِيًّا فِي تَصَرُّفَاتِ كُلِّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ، بِمَنْ فِيهِمْ نَحْنُ.
٦ بِنَاءً عَلَى تَحْلِيلِ بُولُسَ فِي روما ١٢:١ وَ ٢، مَاذَا يَدْفَعُنَا إِلَى مُقَاوَمَةِ رُوحِ ٱلِٱنْتِقَامِ؟
٦ وَكَيْفَ يُسَاعِدُنَا تَحْلِيلُ بُولُسَ فِي روما ١٢:١ وَ ٢ فِي هذَا ٱلْخُصُوصِ؟ عَلَى غِرَارِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْمَمْسُوحِينَ بِٱلرُّوحِ فِي رُومَا، نَحْنُ نَشْكُرُ ٱللّٰهَ مِنْ أَعْمَاقِ قُلُوبِنَا عَلَى أَعْمَالِ ٱلرَّأْفَةِ ٱلْمُتَنَوِّعَةِ وَٱلْمُتَوَاصِلَةِ ٱلَّتِي قَامَ وَلَا يَزَالُ يَقُومُ بِهَا يَهْوَه مِنْ أَجْلِنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِنَا. بِٱلنَّظَرِ إِلَى ذلِكَ، تَدْفَعُنَا قُلُوبُنَا ٱلْمُفْعَمَةُ بِٱلشُّكْرِ إِلَى خِدْمَتِهِ بِكُلِّ قُوَّتِنَا وَمَوَارِدِنَا وَطَاقَتِنَا. وَتَحُثُّنَا هذِهِ ٱلرَّغْبَةُ ٱلْقَلْبِيَّةُ عَلَى بَذْلِ كُلِّ مَا فِي وُسْعِنَا لِنُفَكِّرَ كَمَا يُفَكِّرُ ٱلْمَسِيحُ، لَا كَمَا يُفَكِّرُ ٱلْعَالَمُ. وَحِيَازَتُنَا فِكْرَ ٱلْمَسِيحِ تُؤَثِّرُ فِي تَعَامُلَاتِنَا مَعَ ٱلْآخَرِينَ، سَوَاءٌ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَوْ لَا. (غلاطية ٥:٢٥) عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، إِذَا كُنَّا نُفَكِّرُ مِثْلَ ٱلْمَسِيحِ نَنْدَفِعُ إِلَى مُقَاوَمَةِ رُوحِ ٱلِٱنْتِقَامِ. — ١ بطرس ٢:٢١-٢٣.
«لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بِلَا رِيَاءٍ»
٧ أَيُّ نَوْعٍ مِنَ ٱلْمَحَبَّةِ يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بُولُسُ فِي رُومَا ٱلْإِصْحَاحِ ١٢؟
٧ بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى عَدَمِ مُبَادَلَةِ ٱلسُّوءِ بِٱلسُّوءِ لِأَنَّهُ مَسْلَكٌ صَائِبٌ، نَحْنُ نَمْتَنِعُ عَنْ فِعْلِ ذلِكَ تَعْبِيرًا عَنْ مَحَبَّتِنَا لِلْآخَرِينَ. لَاحِظْ كَيْفَ يَتَحَدَّثُ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ ٱلْآنَ عَنْ دَافِعِ ٱلْمَحَبَّةِ. فَفِي ٱلرِّسَالَةِ إِلَى أَهْلِ رُومَا، يَسْتَخْدِمُ كَلِمَةَ «ٱلْمَحَبَّةِ» (باليونانية أَغاپِه) عِدَّةَ مَرَّاتٍ بِٱلْإِشَارَةِ إِلَى مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ وَمَحَبَّةِ ٱلْمَسِيحِ. (روما ٥:٥، ٨؛ ٨:٣٥، ٣٩) وَلكِنْ فِي ٱلْإِصْحَاحِ ١٢، يَسْتَخْدِمُ ٱلْكَلِمَةَ أَغاپِه بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مُشِيرًا إِلَى ٱلْمَحَبَّةِ لِلرُّفَقَاءِ ٱلْبَشَرِ. فَبَعْدَ ٱلْقَوْلِ إِنَّ ٱلْمَوَاهِبَ ٱلرُّوحِيَّةَ تَخْتَلِفُ وَإِنَّ بَعْضَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ أُنْعِمَ عَلَيْهِمْ بِمَوَاهِبَ مُعَيَّنَةٍ، يَتَحَدَّثُ بُولُسُ عَنْ صِفَةٍ يَجِبُ أَنْ يُنَمِّيَهَا كُلُّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ قَائِلًا: «لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بِلَا رِيَاءٍ». (روما ١٢:٤-٩) فَإِظْهَارُ ٱلْمَحَبَّةِ لِلْآخَرِينَ هُوَ سِمَةٌ أَسَاسِيَّةٌ تُمَيِّزُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ. (مرقس ١٢:٢٨-٣١) وَفِي هذِهِ ٱلْآيَةِ، يَحُثُّنَا بُولُسُ أَنْ نَحْرِصَ عَلَى إِظْهَارِ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلصَّادِقَةِ.
٨ كَيْفَ نُظْهِرُ ٱلْمَحَبَّةَ ٱلْعَدِيمَةَ ٱلرِّيَاءِ؟
٨ يَذْكُرُ بُولُسُ بَعْدَ ذلِكَ كَيْفَ يُمْكِنُ إِظْهَارُ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلرِّيَاءِ قَائِلًا: «اُمْقُتُوا مَا هُوَ شَرٌّ، وَٱلْتَصِقُوا بِمَا هُوَ صَالِحٌ». (روما ١٢:٩) لَاحِظِ ٱلْكَلِمَتَيْنِ ٱلْقَوِيَّتَيْنِ «ٱمْقُتُوا» وَ «ٱلْتَصِقُوا» ٱلْمُسْتَخْدَمَتَيْنِ فِي هذِهِ ٱلْآيَةِ. فَٱلْكَلِمَةُ «ٱمْقُتُوا» يُمْكِنُ تَرْجَمَتُهَا إِلَى «أَبْغِضُوا أَشَدَّ ٱلْبُغْضِ». فَعَلَيْنَا أَلَّا نُبْغِضَ عَوَاقِبَ ٱلشَّرِّ فَحَسْبُ، بَلِ ٱلشَّرَّ بِحَدِّ ذَاتِهِ. (مزمور ٩٧:١٠) وَٱلْعِبَارَةُ «ٱلْتَصِقُوا بِمَا هُوَ صَالِحٌ» تَعْنِي أَنَّ ٱلْمَسِيحِيَّ ٱلَّذِي يَتَّصِفُ بِٱلْمَحَبَّةِ ٱلْأَصِيلَةِ يَكُونُ مُتَشَبِّثًا بِٱلصَّلَاحِ، مُتَعَلِّقًا بِهِ تَعَلُّقًا شَدِيدًا، بِحَيْثُ يُصْبِحُ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ شَخْصِيَّتِهِ.
٩ أَيُّ نُصْحٍ يُقَدِّمُهُ لَنَا بُولُسُ مِرَارًا عَدِيدَةً؟
٩ بَعْدَ ذلِكَ، يُشِيرُ بُولُسُ مِرَارًا عَدِيدَةً إِلَى إِحْدَى ٱلطَّرَائِقِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ لِإِظْهَارِ ٱلْمَحَبَّةِ. فَهُوَ يَقُولُ: «بَارِكُوا ٱلْمُضْطَهِدِينَ. بَارِكُوا وَلَا تَلْعَنُوا»، «لَا تُبَادِلُوا أَحَدًا سُوءًا بِسُوءٍ»، «لَا تَنْتَقِمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ»، «لَا تَدَعِ ٱلسُّوءَ يَغْلِبُكَ، بَلِ ٱغْلِبِ ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ». (روما ١٢:١٤، ١٧-١٩، ٢١) إِنَّ كَلِمَاتِ بُولُسَ هذِهِ لَا تَدَعُنَا فِي حَيْرَةٍ بِحَيْثُ لَا نَعْرِفُ كَيْفَ يَلْزَمُ أَنْ نُعَامِلَ غَيْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى ٱلْمُقَاوِمِينَ بَيْنَهُمْ.
«بَارِكُوا ٱلْمُضْطَهِدِينَ»
١٠ بِأَيَّةِ طَرِيقَةٍ نُبَارِكُ مُضْطَهِدِينَا؟
١٠ كَيْفَ نُطَبِّقُ نَصِيحَةَ بُولُسَ: «بَارِكُوا ٱلْمُضْطَهِدِينَ»؟ (روما ١٢:١٤) قَالَ يَسُوعُ لِأَتْبَاعِهِ: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ وَصَلُّوا لِأَجْلِ ٱلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ». (متى ٥:٤٤؛ لوقا ٦:٢٧، ٢٨) إِذًا، إِحْدَى ٱلطَّرَائِقِ لِمُبَارَكَةِ مُضْطَهِدِينَا هِيَ أَنْ نُصَلِّيَ مِنْ أَجْلِهِمْ طَالِبِينَ مِنْ يَهْوَه أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيِ ٱلَّذِينَ يُقَاوِمُونَنَا عَنْ جَهْلٍ بِحَيْثُ يَرَوْنَ ٱلْحَقَّ. (٢ كورنثوس ٤:٤) صَحِيحٌ أَنَّ هذَا ٱلطَّلَبَ قَدْ يَبْدُو غَرِيبًا، وَلكِنْ كُلَّمَا تَشَبَّهْنَا بِفِكْرِ ٱلْمَسِيحِ صِرْنَا أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى إِظْهَارِ ٱلْمَحَبَّةِ لِأَعْدَائِنَا. (لوقا ٢٣:٣٤) وَمَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتِجَ عَنْ إِظْهَارِ هذِهِ ٱلْمَحَبَّةِ؟
١١ (أ) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِ إِسْتِفَانُوسَ؟ (ب) عَلَى غِرَارِ مَا حَصَلَ مَعَ بُولُسَ، أَيُّ تَغْيِيرٍ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى مَوْقِفِ بَعْضِ ٱلْمُضْطَهِدِينَ؟
١١ كَانَ إِسْتِفَانُوسُ أَحَدَ ٱلَّذِينَ صَلَّوْا لِأَجْلِ مُضْطَهِدِيهِمْ، وَلَمْ تَذْهَبْ صَلَاتُهُ هَبَاءً. فَبُعَيْدَ يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ سَنَةَ ٣٣ بم، ٱعْتَقَلَهُ مُقَاوِمُو ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ وَجَرُّوهُ إِلَى خَارِجِ أُورُشَلِيمَ وَرَجَمُوهُ. وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، صَرَخَ بِصَوْتٍ قَوِيٍّ: «يَا يَهْوَهُ، لَا تَحْسُبْ عَلَيْهِمْ هٰذِهِ ٱلْخَطِيَّةَ». (اعمال ٧:٥٨–٨:١) وَأَحَدُ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ صَلَّى لِأَجْلِهِمْ فِي ذلِكَ ٱلْيَوْمِ هُوَ شَاوُلُ ٱلَّذِي شَهِدَ مَقْتَلَهُ وَكَانَ رَاضِيًا بِذلِكَ. وَلكِنْ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، ظَهَرَ يَسُوعُ ٱلْمُقَامُ لِشَاوُلَ. فَصَارَ هذَا ٱلْمُضْطَهِدُ ٱلسَّابِقُ مِنْ أَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ وَعُرِفَ بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ. وَقَدْ كَتَبَ بُولُسُ ٱلرِّسَالَةَ إِلَى أَهْلِ رُومَا ٱلَّتِي نُنَاقِشُ جُزْءًا مِنْهَا ٱلْآنَ. (اعمال ٢٦:١٢-١٨) وَٱسْتِجَابَةً لِصَلَاةِ إِسْتِفَانُوسَ، يَبْدُو أَنَّ يَهْوَه سَامَحَ بُولُسَ عَلَى خَطِيَّةِ ٱضْطِهَادِ أَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ. (١ تيموثاوس ١:١٢-١٦) وَلَا عَجَبَ أَنَّ بُولُسَ نَفْسَهُ حَثَّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ: «بَارِكُوا ٱلْمُضْطَهِدِينَ». فَقَدْ عَرَفَ مِنِ ٱخْتِبَارِهِ ٱلشَّخْصِيِّ أَنَّ بَعْضَ ٱلْمُضْطَهِدِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرُوا خُدَّامًا للّٰهِ. وَفِي أَيَّامِنَا أَيْضًا، يَصِيرُ بَعْضُ ٱلْمُضْطَهِدِينَ أَشْخَاصًا مُؤْمِنِينَ حِينَ يُلَاحِظُونَ تَصَرُّفَاتِ خُدَّامِ يَهْوَه ٱلْمُسَالِمِينَ.
«سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ»
١٢ مَا ٱلْعَلَاقَةُ بَيْنَ روما ١٢:٩ وَ ١٢:١٧؟
١٢ يُقَدِّمُ بُولُسُ بَعْدَ ذلِكَ نَصِيحَةً حَوْلَ مُعَامَلَةِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَائِلًا: «لَا تُبَادِلُوا أَحَدًا سُوءًا بِسُوءٍ». إِنَّ هذِهِ ٱلْعِبَارَةَ هِيَ ٱلنَّتِيجَةُ ٱلْمَنْطِقِيَّةُ لِمَا ذَكَرَهُ سَابِقًا، أَيْ: «اُمْقُتُوا مَا هُوَ شَرٌّ». فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَقُولَ ٱلْمَرْءُ إِنَّهُ يَمْقُتُ حَقًّا مَا هُوَ شَرٌّ إِذَا كَانَ يَلْجَأُ إِلَيْهِ لِلِٱنْتِقَامِ مِنَ ٱلْآخَرِينَ؟! فَفِعْلُ ذلِكَ هُوَ نَقِيضُ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي «بِلَا رِيَاءٍ». وَبَعْدَ ذلِكَ، يَنْصَحُنَا بُولُسُ: «اِحْرِصُوا أَنْ تَعْمَلُوا أُمُورًا حَسَنَةً بِمَرْأًى مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ». (روما ١٢:٩، ١٧) فَكَيْفَ نُطَبِّقُ هذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ؟
١٣ كَيْفَ ‹نَعْمَلُ أُمُورًا حَسَنَةً بِمَرْأًى مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ›؟
١٣ فِي رِسَالَةٍ سَابِقَةٍ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ، كَتَبَ بُولُسُ عَنِ ٱلِٱضْطِهَادِ ٱلَّذِي وَاجَهَهُ ٱلرُّسُلُ قَائِلًا: «صِرْنَا مَشْهَدًا مَسْرَحِيًّا لِلْعَالَمِ وَٱلْمَلَائِكَةِ وَٱلنَّاسِ. . . . نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ، نُضْطَهَدُ فَنَتَحَمَّلُ، تُشَوَّهُ سُمْعَتُنَا فَنَتَوَسَّلُ». (١ كورنثوس ٤:٩-١٣) عَلَى نَحْوٍ مُمَاثِلٍ ٱلْيَوْمَ، ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ هُمْ مَحَطُّ أَنْظَارِ ٱلْعَالَمِ. وَحِينَ يُلَاحِظُ ٱلنَّاسُ حَوْلَنَا ٱلْأُمُورَ ٱلْحَسَنَةَ ٱلَّتِي نَعْمَلُهَا رَغْمَ ٱلْمُعَامَلَةِ ٱلظَّالِمَةِ ٱلَّتِي نَلْقَاهَا، قَدْ يَنْدَفِعُونَ إِلَى ٱلتَّجَاوُبِ مَعَ رِسَالَتِنَا ٱلْمَسِيحِيَّةِ. — ١ بطرس ٢:١٢.
١٤ إِلَى أَيِّ حَدٍّ يَنْبَغِي أَنْ نَسْعَى إِلَى مُسَالَمَةِ ٱلْآخَرِينَ؟
١٤ وَلكِنْ إِلَى أَيِّ حَدٍّ يَنْبَغِي أَنْ نَسْعَى إِلَى تَرْوِيجِ ٱلسَّلَامِ؟ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ مُمْكِنٍ. يُوصِي بُولُسُ إِخْوَتَهُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ: «إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَعَلَى قَدْرِ مَا يَكُونُ ٱلْأَمْرُ بِيَدِكُمْ، سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ». (روما ١٢:١٨) تُشِيرُ ٱلْعِبَارَتَانِ «إِنْ كَانَ مُمْكِنًا» وَ «عَلَى قَدْرِ مَا يَكُونُ ٱلْأَمْرُ بِيَدِكُمْ» أَنَّ مُسَالَمَةَ ٱلْآخَرِينَ لَيْسَتْ دَائِمًا أَمْرًا مُمْكِنًا. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، نَحْنُ لَا نُخَالِفُ وَصَايَا ٱللّٰهِ لِكَيْ نُحَافِظَ عَلَى ٱلسَّلَامِ مَعَ ٱلْآخَرِينَ. (متى ١٠:٣٤-٣٦؛ عبرانيين ١٢:١٤) لكِنَّنَا نَفْعَلُ كُلَّ مَا فِي وُسْعِنَا إِلَى ٱلْحَدِّ ٱلْمَعْقُولِ لِكَيْ نُسَالِمَ «جَمِيعَ ٱلنَّاسِ» دُونَ أَنْ نُسَايِرَ عَلَى حِسَابِ ٱلْمَبَادِئِ ٱلْبِارَّةِ.
«لَا تَنْتَقِمُوا لِأَنْفُسِكُمْ»
١٥ أَيَّةُ حُجَّةٍ تَرِدُ فِي روما ١٢:١٩ تُلْزِمُنَا أَلَّا نَنْتَقِمَ لِأَنْفُسِنَا؟
١٥ يُقَدِّمُ بُولُسُ حُجَّةً أُخْرَى تُلْزِمُنَا أَلَّا نَنْتَقِمَ لِأَنْفُسِنَا، إِذْ يُشِيرُ أَنَّ عَدَمَ ٱلِٱنْتِقَامِ هُوَ مَسْلَكٌ يَنِمُّ عَنِ ٱلِٱحْتِشَامِ. فَهُوَ يَقُولُ: «لَا تَنْتَقِمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلسُّخْطِ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: ‹لِي ٱلِٱنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ يَهْوَهُ›». (روما ١٢:١٩) فَٱلْمَسِيحِيُّ ٱلَّذِي يُحَاوِلُ أَنْ يَنْتَقِمَ لِنَفْسِهِ هُوَ شَخْصٌ مُجْتَرِئٌ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى عَاتِقِهِ مُهِمَّةً لَيْسَتْ لَهُ بَلْ للّٰهِ. (متى ٧:١) كَمَا أَنَّ تَوَلِّيَهُ ٱلْمَسْأَلَةَ هُوَ بِنَفْسِهِ يُظْهِرُ ٱفْتِقَارَهُ إِلَى ٱلْإِيمَانِ بِكَلَامِ يَهْوَه ٱلَّذِي يُؤَكِّدُ لَنَا: «أَنَا أُجَازِي». وَبِٱلتَّبَايُنِ، يَثِقُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ أَنَّ يَهْوَه سَوْفَ «يُجْرِي . . . ٱلْعَدْلَ لِمُخْتَارِيهِ». (لوقا ١٨:٧، ٨؛ ٢ تسالونيكي ١:٦-٨) فَهُمْ يَدَعُونَ ٱلِٱنْتِقَامَ لَهُ مُعْرِبِينَ بِذلِكَ عَنِ ٱلِٱحْتِشَامِ. — ارميا ٣٠:٢٣، ٢٤؛ روما ١:١٨.
١٦، ١٧ (أ) مَاذَا تَعْنِي ٱلْعِبَارَةُ «تُكَوِّمُ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ»؟ (ب) اُذْكُرُوا مِنِ ٱخْتِبَارِكُمُ ٱلشَّخْصِيِّ حَادِثَةً تُظْهِرُ كَيْفَ يُلَيِّنُ ٱللُّطْفُ قُلُوبَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ.
١٦ غَالِبًا مَا يُقَسِّي ٱلِٱنْتِقَامُ قَلْبَ ٱلْمُقَاوِمِينَ فِي حِينِ أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ بِلُطْفٍ قَدْ تُلَيِّنُ مَوْقِفَهُمْ. لِمَاذَا؟ لَاحِظْ كَلِمَاتِ بُولُسَ إِلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي رُومَا. فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِذَا جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ، وَإِذَا عَطِشَ فَٱسْقِهِ؛ فَإِنَّكَ بِفِعْلِكَ هٰذَا تُكَوِّمُ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». (روما ١٢:٢٠؛ امثال ٢٥:٢١، ٢٢) وَمَا مَغْزَى هذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ؟
١٧ إِنَّ ٱلْعِبَارَةَ «تُكَوِّمُ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ» هِيَ صُورَةٌ كَلَامِيَّةٌ مُسْتَوْحَاةٌ مِنَ ٱلطَّرِيقَةِ ٱلَّتِي ٱتُّبِعَتْ فِي أَزْمِنَةِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ لِتَنْقِيَةِ ٱلْمَعَادِنِ. فَقَدْ كَانَ ٱلْمَعْدِنُ ٱلْخَامُ يُوضَعُ فِي فُرْنٍ وَتُوضَعُ تَحْتَهُ طَبَقَةٌ مِنَ ٱلْجَمْرِ. وَكَانَتْ تُكَوَّمُ فَوْقَهُ أَيْضًا طَبَقَةٌ أُخْرَى مِنَ ٱلْجَمْرِ تَزِيدُ مِنْ تَوَهُّجِ ٱلنَّارِ بِحَيْثُ يَذُوبُ ٱلْمَعْدِنُ ٱلصُّلْبُ وَتَنْفَصِلُ عَنْهُ ٱلشَّوَائِبُ. وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، إِذَا قُمْنَا بِأَعْمَالٍ حَسَنَةٍ لِأَجْلِ شَخْصٍ مُقَاوِمٍ، فَقَدْ «يَذُوبُ» ٱلتَّصَلُّبُ فِي مَوْقِفِهِ وَتَظْهَرُ ٱلصِّفَاتُ ٱلْجَيِّدَةُ فِي شَخْصِيَّتِهِ. (٢ ملوك ٦:١٤-٢٣) وَفِي ٱلْحَقِيقَةِ، ٱنْجَذَبَ كَثِيرُونَ إِلَى ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ وَصَارُوا جُزْءًا مِنَ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ لِأَنَّهُمْ تَأَثَّرُوا بِأَعْمَالِ خُدَّامِ يَهْوَه ٱلْحَسَنَةِ مِنْ أَجْلِهِمْ.
لِمَاذَا نَمْتَنِعُ عَنِ ٱلِٱنْتِقَامِ
١٨ لِمَاذَا عَدَمُ ٱلِٱنْتِقَامِ هُوَ مَسْلَكٌ صَائِبٌ، حُبِّيٌّ، وَيَنِمُّ عَنِ ٱلِٱحْتِشَامِ؟
١٨ لَقَدِ ٱسْتَعْرَضْنَا مِنْ خِلَالِ هذِهِ ٱلْمُنَاقَشَةِ ٱلْمُوجَزَةِ لِرُومَا ٱلْإِصْحَاحِ ١٢ أَسْبَابًا وَجِيهَةً تُظْهِرُ لِمَاذَا لَا ‹نُبَادِلُ أَحَدًا سُوءًا بِسُوءٍ›. أَوَّلًا، إِنَّ عَدَمَ ٱلِٱنْتِقَامِ هُوَ مَسْلَكٌ صَائِبٌ. فَبِٱلنَّظَرِ إِلَى رَأْفَةِ ٱللّٰهِ نَحْوَنَا، مِنَ ٱلصَّوَابِ أَنْ نُقَدِّمَ أَنْفُسَنَا لِيَهْوَه وَنُطِيعَ وَصَايَاهُ عَنْ طِيبِ خَاطِرٍ، بِمَا فِيهَا ٱلْوَصِيَّةُ أَنْ نُحِبَّ أَعْدَاءَنَا. ثَانِيًا، إِنَّ عَدَمَ مُبَادَلَةِ ٱلسُّوءِ بِٱلسُّوءِ هُوَ مَسْلَكٌ حُبِّيٌّ. فَبِعَدَمِ ٱلِٱنْتِقَامِ وَتَرْوِيجِ ٱلسَّلَامِ نَرْجُو بِمَحَبَّةٍ أَنْ نُسَاعِدَ حَتَّى أَشْرَسَ ٱلْمُقَاوِمِينَ أَنْ يَصِيرُوا عُبَّادًا لِيَهْوَه. ثَالِثًا، إِنَّ عَدَمَ ٱلِٱنْتِقَامِ هُوَ مَسْلَكٌ يَنِمُّ عَنِ ٱلِٱحْتِشَامِ. فَٱلرَّدُّ بِٱلْمِثْلِ يَدُلُّ أَنَّنَا أَشْخَاصٌ مُجْتَرِئُونَ لِأَنَّ يَهْوَه يَقُولُ: «لِي ٱلِٱنْتِقَامُ». وَتُحَذِّرُنَا كَلِمَةُ ٱللّٰهِ أَيْضًا: «يَأْتِي ٱلِٱجْتِرَاءُ فَيَأْتِي ٱلْهَوَانُ. أَمَّا ٱلْحِكْمَةُ فَمَعَ ٱلْمُحْتَشِمِينَ». (امثال ١١:٢) فَتَرْكُ ٱلِٱنْتِقَامِ للّٰهِ بِحِكْمَةٍ يُظْهِرُ أَنَّنَا نَتَّصِفُ بِٱلِٱحْتِشَامِ.
١٩ مَاذَا سَنُنَاقِشُ فِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ؟
١٩ يُلَخِّصُ بُولُسُ مُنَاقَشَتَهُ حَوْلَ ٱلتَّعَامُلِ مَعَ ٱلْآخَرِينَ بِهذَا ٱلْحَضِّ: «لَا تَدَعِ ٱلسُّوءَ يَغْلِبُكَ، بَلِ ٱغْلِبِ ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ». (روما ١٢:٢١) فَمَا هُوَ ٱلسُّوءُ ٱلَّذِي نُوَاجِهُهُ ٱلْيَوْمَ؟ وَكَيْفَ نَغْلِبُهُ؟ سَنَأْخُذُ ٱلْجَوَابَ عَنْ هذَيْنِ ٱلسُّؤَالَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ ٱلْأَسْئِلَةِ فِي ٱلْمَقَالَةِ ٱلتَّالِيَةِ.
-
-
«اغلب السوء بالصلاح»برج المراقبة ٢٠٠٧ | ١ تموز (يوليو)
-
-
«اِغْلِبِ ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ»
«لَا تَدَعِ ٱلسُّوءَ يَغْلِبُكَ، بَلِ ٱغْلِبِ ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ». — روما ١٢:٢١.
١ لِمَاذَا نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّنَا نَسْتَطِيعُ غَلْبَ ٱلسُّوءِ؟
هَلْ يُمْكِنُ أَنْ نَقِفَ ثَابِتِينَ فِي وَجْهِ ٱلَّذِينَ يُقَاوِمُونَ بِشَرَاسَةٍ ٱلْعِبَادَةَ ٱلْحَقَّةَ؟ هَلْ بِٱسْتِطَاعَتِنَا أَنْ نَتَغَلَّبَ عَلَى ٱلضُّغُوطِ لِإِعَادَتِنَا إِلَى هذَا ٱلْعَالَمِ ٱلشِّرِّيرِ؟ إِنَّ ٱلْجَوَابَ عَنْ هذَيْنِ ٱلسُّؤَالَيْنِ هُوَ نَعَمْ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ. لِمَاذَا؟ لِأَنَّ ٱلرَّسُولَ بُولُسَ كَتَبَ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ رُومَا: «لَا تَدَعِ ٱلسُّوءَ يَغْلِبُكَ، بَلِ ٱغْلِبِ ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ». (روما ١٢:٢١) فَإِذَا كُنَّا نَثِقُ بِيَهْوَه وَقَدْ عَزَمْنَا فِي قَلْبِنَا أَلَّا نَدَعَ ٱلْعَالَمَ يَغْلِبُنَا، فَلَنْ يَهْزِمَنَا ٱلسُّوءُ ٱلْمُتَغَلْغِلُ فِيهِ. بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى ذلِكَ، تُشِيرُ صِيغَةُ ٱلْعِبَارَةِ «ٱغْلِبِ ٱلسُّوءَ» فِي ٱللُّغَةِ ٱلْأَصْلِيَّةِ إِلَى ٱلْمُدَاوَمَةِ عَلَى فِعْلِ ذلِكَ. وَهذَا يَعْنِي أَنَّنَا نَسْتَطِيعُ ٱلتَّغَلُّبَ عَلَى ٱلسُّوءِ إِذَا دَاوَمْنَا عَلَى مُحَارَبَتِهِ. أَمَّا ٱلَّذِينَ يُلْقُونَ سِلَاحَهُمْ فِي هذِهِ ٱلْحَرْبِ ٱلرُّوحِيَّةِ، فَسَيَغْلِبُهُمْ هذَا ٱلْعَالَمُ ٱلْفَاسِدُ وَحَاكِمُهُ ٱلشِّرِّيرُ ٱلشَّيْطَانُ إِبْلِيسُ. — ١ يوحنا ٥:١٩.
٢ لِمَاذَا سَنَتَأَمَّلُ فِي بَعْضِ ٱلْحَوَادِثِ فِي حَيَاةِ نَحَمْيَا؟
٢ قَبْلَ ٥٠٠ سَنَةٍ تَقْرِيبًا مِنْ زَمَنِ بُولُسَ، أَظْهَرَ خَادِمٌ للّٰهِ عَاشَ فِي أُورُشَلِيمَ صِحَّةَ كَلِمَاتِ ٱلْآيَةِ ٱلْمُقْتَبَسَةِ أَعْلَاهُ. إِنَّهُ رَجُلُ ٱللّٰهِ نَحَمْيَا ٱلَّذِي لَمْ يَصْمُدْ فِي وَجْهِ ٱلْمُقَاوَمَةِ مِنَ ٱلْعَالَمِ ٱلشِّرِّيرِ فَحَسْبُ، بَلْ غَلَبَ أَيْضًا ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ. وَلكِنْ مَا هِيَ ٱلْمَصَاعِبُ ٱلَّتِي وَاجَهَهَا؟ كَيْفَ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا؟ وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِهِ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ؟ لِلْإِجَابَةِ عَنْ هذِهِ ٱلْأَسْئِلَةِ، لِنَتَأَمَّلْ فِي بَعْضِ ٱلْحَوَادِثِ فِي حَيَاةِ نَحَمْيَا.a
٣ فِي أَيِّ مُحِيطٍ عَاشَ نَحَمْيَا، وَمَا هُوَ ٱلْإِنْجَازُ ٱلْعَظِيمُ ٱلَّذِي حَقَّقَهُ؟
٣ خَدَمَ نَحَمْيَا فِي بَلَاطِ ٱلْمَلِكِ ٱلْفَارِسِيِّ أَرْتَحْشَسْتَا. وَرَغْمَ أَنَّهُ عَاشَ وَسْطَ أَشْخَاصٍ غَيْرِ مُؤْمِنِينَ، لَمْ ‹يُشَاكِلْ نِظَامَ ٱلْأَشْيَاءِ› ٱلسَّائِدَ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ. (روما ١٢:٢) وَحِينَ دَعَتِ ٱلْحَاجَةُ فِي يَهُوذَا، ضَحَّى بِحَيَاتِهِ ٱلْمُرِيحَةِ وَتَكَبَّدَ مَشَقَّةَ ٱلسَّفَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. ثُمَّ أَخَذَ عَلَى عَاتِقِهِ ٱلْمُهِمَّةَ ٱلضَّخْمَةَ أَنْ يَبْنِيَ سُورَ ٱلْمَدِينَةِ. (روما ١٢:١) وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ وَالِيًا عَلَى أُورُشَلِيمَ، فَقَدْ عَمِلَ بِكَدٍّ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى جَانِبِ إِخْوَتِهِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ «مِنْ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ إِلَى بُزُوغِ ٱلنُّجُومِ». فَأُكْمِلَ ٱلْعَمَلُ فِي غُضُونِ شَهْرَيْنِ فَقَطْ. (نحميا ٤:٢١؛ ٦:١٥) وَكَانَ ذلِكَ إِنْجَازًا عَظِيمًا حَقَّقَهُ ٱلْإِسْرَائِيلِيُّونَ لِأَنَّهُمْ وَاجَهُوا أَثْنَاءَ ٱلْقِيَامِ بِهذَا ٱلْمَشْرُوعِ أَشْكَالًا مُتَعَدِّدَةً مِنَ ٱلْمُقَاوَمَةِ. فَمَنْ كَانَ مُقَاوِمُو نَحَمْيَا، وَمَاذَا كَانَ هَدَفُهُمْ؟
٤ مَاذَا كَانَ هَدَفُ مُقَاوِمِي نَحَمْيَا؟
٤ كَانَ مُقَاوِمُو نَحَمْيَا ٱلْأَلِدَّاءُ سَنْبَلَّطَ وَطُوبِيَّا وَجَشَمًا، رِجَالٌ ذَوُو نُفُوذٍ عَاشُوا قُرْبَ يَهُوذَا. وَبِمَا أَنَّهُمْ أَعْدَاءٌ لِشَعْبِ ٱللّٰهِ، فَقَدْ ‹سَاءَهُمْ جِدًّا أَنَّ نَحَمْيَا جَاءَ يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ›. (نحميا ٢:١٠، ١٩) وَصَمَّمُوا عَلَى إِيقَافِ مَشْرُوعِ ٱلْبِنَاءِ ٱلَّذِي تَوَلَّاهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ حَاكُوا لَهُ مَكَائِدَ خَبِيثَةً. فَهَلْ كَانَ نَحَمْيَا ‹سَيَدَعُ ٱلسُّوءَ يَغْلِبُهُ›؟
«غَضِبَ وَٱغْتَاظَ جِدًّا»
٥، ٦ (أ) مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ أَعْدَاءِ نَحَمْيَا تِجَاهَ عَمَلِ ٱلْبِنَاءِ؟ (ب) لِمَاذَا لَمْ يَخَفْ نَحَمْيَا مِنْ مُقَاوِمِيهِ؟
٥ حَثَّ نَحَمْيَا شَعْبَهُ بِشَجَاعَةٍ: «هَيَّا بِنَا نُعِيدُ بِنَاءَ سُورِ أُورُشَلِيمَ». فَأَجَابُوهُ: «لِنَقُمْ وَنَبْنِ». يَقُولُ نَحَمْيَا: «فَشَدَّدُوا أَيْدِيَهُمْ لِلْعَمَلِ ٱلصَّالِحِ». غَيْرَ أَنَّ ٱلْمُقَاوِمِينَ ‹هَزَأُوا بِهِمْ وَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِٱحْتِقَارٍ وَقَالُوا لَهُمْ: «مَا ٱلَّذِي أَنْتُمْ فَاعِلُونَ؟ أَعَلَى ٱلْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟»›. لكِنَّ مُلَاحَظَاتِهِمِ ٱلسَّاخِرَةَ وَٱتِّهَامَاتِهِمِ ٱلْبَاطِلَةَ لَمْ تُخِفْ نَحَمْيَا، بَلْ قَالَ لِمُقَاوِمِيهِ: «إِنَّ إِلٰهَ ٱلسَّمٰوَاتِ هُوَ ٱلَّذِي يُعْطِينَا ٱلنَّجَاحَ، وَنَحْنُ، خُدَّامَهُ، سَنَقُومُ وَنَبْنِي». (نحميا ٢:١٧-٢٠) فَقَدْ كَانَ مُصَمِّمًا عَلَى ٱلْمُضِيِّ قُدُمًا فِي «ٱلْعَمَلِ ٱلصَّالِحِ».
٦ إِلَّا أَنَّ سَنْبَلَّطَ، أَحَدَ هؤُلَاءِ ٱلْمُقَاوِمِينَ، «غَضِبَ وَٱغْتَاظَ جِدًّا» وَصَعَّدَ مُلَاحَظَاتِهِ ٱلتَّهَكُّمِيَّةَ قَائِلًا: «مَاذَا يَفْعَلُ هٰؤُلَاءِ ٱلْيَهُودُ ٱلضُّعَفَاءُ؟ . . . هَلْ يُحْيُونَ ٱلْحِجَارَةَ مِنْ كُوَمِ ٱلْأَنْقَاضِ؟». وَحَذَا طُوبِيَّا حَذْوَ صَاحِبِهِ قَائِلًا بٱسْتِهْزَاءٍ: «إِنَّ مَا يَبْنُونَهُ، لَوْ صَعِدَ ثَعْلَبٌ عَلَيْهِ لَهَدَمَ سُورَ حِجَارَتِهِمْ». نحميا ٤:١-٣) فَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ نَحَمْيَا؟
٧ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ نَحَمْيَا تِجَاهَ ٱتِّهَامَاتِ مُقَاوِمِيهِ؟
٧ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، تَجَاهَلَ نَحَمْيَا ٱسْتِهْزَاءَ ٱلْمُقَاوِمِينَ إِذْ أَطَاعَ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ وَلَمْ يَنْتَقِمْ مِنْهُمْ. (لاويين ١٩:١٨) وَبِٱلْأَحْرَى، تَرَكَ ٱلْمَسْأَلَةَ بَيْنَ يَدَيْ يَهْوَه وَصَلَّى إِلَيْهِ: «اِسْمَعْ يَا إِلٰهَنَا، لِأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا هَدَفًا لِلِٱزْدِرَاءِ، وَرُدَّ تَعْيِيرَهُمْ عَلَى رَأْسِهِمْ». (نحميا ٤:٤) فَقَدْ وَثِقَ نَحَمْيَا بِكَلِمَاتِ يَهْوَه ٱلَّتِي تُؤَكِّدُ: «لِي ٱلِٱنْتِقَامُ وَٱلْجَزَاءُ». (تثنية ٣٢:٣٥) بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى ذلِكَ، «تَابَعَ» نَحَمْيَا وَٱلشَّعْبُ «بِنَاءَ ٱلسُّورِ» وَلَمْ يَسْمَحُوا لِأَيِّ شَيْءٍ بِأَنْ يُعَرْقِلَ عَمَلَهُمْ. وَمَعَ ٱلْوَقْتِ، «ٱتَّصَلَ ٱلسُّورُ كُلُّهُ حَتَّى نِصْفِ ٱرْتِفَاعِهِ، وَكَانَ لِلشَّعْبِ قَلْبٌ فِي ٱلْعَمَلِ». (نحميا ٤:٦) فَقَدْ فَشِلَ أَعْدَاءُ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ فِي عَرْقَلَةِ عَمَلِ ٱلْبِنَاءِ. وَلكِنْ كَيْفَ نَقْتَدِي نَحْنُ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ نَحَمْيَا؟
٨ (أ) كَيْفَ نَقْتَدِي بِنَحَمْيَا حِينَ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱتِّهَامَاتٍ بَاطِلَةً؟ (ب) اِرْوُوا ٱخْتِبَارًا شَخْصِيًّا أَوِ ٱخْتِبَارًا سَمِعْتُمُوهُ يُظْهِرُ أَنَّ عَدَمَ ٱلِٱنْتِقَامِ هُوَ مَسْلَكُ حِكْمَةٍ.
٨ فِي أَيَّامِنَا هذِهِ، قَدْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا ٱلْمُقَاوِمُونَ فِي ٱلْمَدْرَسَةِ أَوِ ٱلْعَمَلِ أَوْ حَتَّى فِي ٱلْبَيْتِ مُلَاحَظَاتٍ سَاخِرَةً وَٱتِّهَامَاتٍ بَاطِلَةً. وَفِي أَغْلَبِ ٱلْأَحْيَانِ، أَفْضَلُ طَرِيقَةٍ لِمُوَاجَهَةِ هذِهِ ٱلِٱتِّهَامَاتِ هِيَ تَطْبِيقُ كَلِمَاتِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ: «لِلصَّمْتِ وَقْتٌ». (جامعة ٣:١، ٧) فَعَلَى غِرَارِ نَحَمْيَا، نَحْنُ لَا نَنْتَقِمُ مِنْ مُقَاوِمِينَا مُوَجِّهِينَ إِلَيْهِمْ كَلِمَاتٍ نَابِيَةً. (روما ١٢:١٧) بَلْ نَلْتَفِتُ إِلَى ٱللّٰهِ فِي ٱلصَّلَاةِ وَاثِقِينَ بِإِلهِنَا ٱلَّذِي يُؤَكِّدُ لَنَا: «أَنَا أُجَازِي». (روما ١٢:١٩؛ ١ بطرس ٢:١٩، ٢٠) وَهكَذَا لَا نَدَعُ مُقَاوِمِينَا يُعَرْقِلُونَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي يَلْزَمُ إِنْجَازُهُ ٱلْيَوْمَ: اَلْكِرَازَةُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ وَتَلْمَذَةُ أُنَاسٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. (متى ٢٤:١٤؛ ٢٨:١٩، ٢٠) وَبِٱشْتِرَاكِنَا فِي عَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ وَعَدَمِ ٱلسَّمَاحِ لِلْمُقَاوَمَةِ بِأَنْ تَثْنِيَنَا عَنْ عَمَلِنَا، نُعْرِبُ عَنِ ٱلْأَمَانَةِ نَفْسِهَا ٱلَّتِي تَحَلَّى بِهَا نَحَمْيَا.
سَوْفَ ‹نَقْتُلُكُمْ›
٩ أَيُّ نَوْعٍ مِنَ ٱلْمُقَاوَمَةِ لَجَأَ إِلَيْهِ ٱلْأَعْدَاءُ، وَكَيْفَ تَصَرَّفَ نَحَمْيَا؟
٩ حِينَ سَمِعَ مُقَاوِمُو ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ فِي زَمَنِ نَحَمْيَا أَنَّ «تَرْمِيمَ أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ قَدْ تَقَدَّمَ»، أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ لِكَيْ «يُحَارِبُوا» هذِهِ ٱلْمَدِينَةَ. وَلَمْ يَكُنْ وَضْعُ ٱلْيَهُودِ يُبَشِّرُ بِٱلْخَيْرِ. فَقَدْ كَانَتْ أُورُشَلِيمُ مُحَاطَةً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: اَلسَّامِرِيُّونَ مِنَ ٱلشَّمَالِ، ٱلْعَمُّونِيُّونَ مِنَ ٱلشَّرْقِ، ٱلْعَرَبُ مِنَ ٱلْجَنُوبِ، وَٱلْأَشْدُودِيُّونَ مِنَ ٱلْغَرْبِ. وَبَدَا أَنَّهُ لَا مَفَرَّ لِهؤُلَاءِ ٱلْبَنَّائِينَ. فَمَاذَا فَعَلُوا؟ يُخْبِرُ نَحَمْيَا: «صَلَّيْنَا إِلَى إِلٰهِنَا». لكِنَّ ٱلْأَعْدَاءَ هَدَّدُوهُمْ قَائِلِينَ: «نَقْتُلُهُمْ وَنُوقِفُ ٱلْعَمَلَ». وَكَيْفَ تَصَرَّفَ نَحَمْيَا؟ لَقَدْ أَوْكَلَ إِلَى ٱلْبَنَّائِينَ مُهِمَّةَ ٱلدِّفَاعِ عَنِ ٱلْمَدِينَةِ «بِسُيُوفِهِمْ وَرِمَاحِهِمْ وَقِسِيِّهِمْ». صَحِيحٌ أَنَّهُ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرٍ بَشَرِيَّةٍ، لَمْ تَكُنْ هذِهِ ٱلْحُفْنَةُ مِنَ ٱلْيَهُودِ لِتَصْمُدَ فِي وَجْهِ ٱلْأَعْدَاءِ ٱلَّذِينَ شَكَّلُوا قُوَّةً عَظِيمَةً، لكِنَّ نَحَمْيَا حَثَّهُمْ: «لَا تَخَافُوا . . . اُذْكُرُوا يَهْوَهَ ٱلْعَظِيمَ ٱلْمَخُوفَ». — نحميا ٤:٧-٩، ١١، ١٣، ١٤.
١٠ (أ) مَا ٱلَّذِي جَعَلَ أَعْدَاءَ نَحَمْيَا يَعْدِلُونَ فَجْأَةً عَنْ مُحَارَبَةِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ؟ (ب) أَيَّةُ تَدَابِيرَ ٱتَّخَذَهَا نَحَمْيَا؟
١٠ وَفَجْأَةً، ٱتَّخَذَتِ ٱلْأَحْدَاثُ مَنْحًى مُخْتَلِفًا. فَقَدْ عَدَلَ ٱلْأَعْدَاءُ عَنْ مُحَارَبَةِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ. وَٱلسَّبَبُ؟ يُخْبِرُ نَحَمْيَا: «أَبْطَلَ ٱللّٰهُ خُطَّتَهُمْ». مَعَ ذلِكَ، عَرَفَ نَحَمْيَا أَنَّهُمْ مَا زَالُوا يُشَكِّلُونَ خَطَرًا عَلَى شَعْبِ ٱللّٰهِ. فَأَجْرَى بِفِطْنَةٍ بَعْضَ ٱلتَّعْدِيلَاتِ فِي طَرِيقَةِ عَمَلِ ٱلْبَنَّائِينَ. فَصَارَ «كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِٱلْيَدِ ٱلْوَاحِدَةِ وَيُمْسِكُ ٱلْحَرْبَةَ بِٱلْيَدِ ٱلْأُخْرَى». كَمَا عَيَّنَ نَحَمْيَا رَجُلًا ‹يَنْفُخُ فِي ٱلْقَرْنِ› تَحْذِيرًا لِلْبَنَّائِينَ فِي حَالِ هَجَمَ ٱلْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ. وَٱلْأَهَمُّ مِنْ كُلِّ ذلِكَ أَنَّهُ طَمْأَنَ ٱلشَّعْبَ مِنْ جَدِيدٍ: «إِلٰهُنَا يُحَارِبُ عَنَّا». (نحميا ٤:١٥-٢٠) وَهكَذَا بَعْدَ أَنْ تَشَجَّعَ ٱلْبَنَّاؤُونَ وَصَارُوا أَكْثَرَ ٱسْتِعْدَادًا لِمُوَاجَهَةِ ٱلْهَجَمَاتِ، تَابَعُوا ٱلْعَمَلَ ٱلْمُوكَلَ إِلَيْهِمْ. فَأَيَّةُ دُرُوسٍ نَسْتَمِدُّهَا مِنْ هذِهِ ٱلرِّوَايَةِ؟
١١ مَا ٱلَّذِي يُمَكِّنُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ تَحْتَ ٱلْحَظْرِ مِنَ ٱلصُّمُودِ فِي وَجْهِ ٱلْمُقَاوِمِينَ، وَكَيْفَ يَغْلِبُونَ ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ؟
١١ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ، يُوَاجِهُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ مُقَاوَمَةً عَنِيفَةً، حَتَّى إِنَّ مُقَاوِمِي ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ ٱلشَّرِسِينَ يُشَكِّلُونَ فِي بَعْضِ ٱلْبُلْدَانِ قُوَّةً عَظِيمَةً. وَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرٍ بَشَرِيَّةٍ، لَا مَجَالَ لِأَنْ يَصْمُدَ رُفَقَاؤُنَا ٱلْمُؤْمِنُونَ فِي وَجْهِهِمْ. لكِنَّهُمْ وَاثِقُونَ أَنَّ ‹ٱللّٰهَ سَيُحَارِبُ عَنْهُمْ›. وَفِي ٱلْوَاقِعِ، غَالِبًا مَا يَشْعُرُ إِخْوَتُنَا ٱلْمُضْطَهَدُونَ مِنْ أَجْلِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ أَنَّ يَهْوَه يَسْتَجِيبُ صَلَوَاتِهِمْ وَ ‹يُبْطِلُ خُطَّةَ› ٱلْأَعْدَاءِ ٱلْأَشِدَّاءِ. حَتَّى فِي ٱلْبُلْدَانِ حَيْثُ عَمَلُ ٱلْمَلَكُوتِ مَحْظُورٌ، لَا يَعْدَمُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ وَسِيلَةً لِمُوَاصَلَةِ ٱلْكِرَازَةِ بِٱلْبِشَارَةِ. فَتَمَامًا كَمَا أَجْرَى ٱلْبَنَّاؤُونَ فِي أُورُشَلِيمَ بَعْضَ ٱلتَّعْدِيلَاتِ فِي طَرِيقَةِ عَمَلِهِمْ، يُجْرِي شُهُودُ يَهْوَه ٱلْيَوْمَ بِفِطْنَةٍ تَعْدِيلَاتٍ فِي طَرِيقَةِ كِرَازَتِهِمْ حِينَ يُهَاجَمُونَ، لكِنَّهُمْ بِٱلطَّبْعِ لَا يَسْتَخْدِمُونَ أَسْلِحَةً حَرْفِيَّةً. (٢ كورنثوس ١٠:٤) وَهكَذَا، حَتَّى لَوْ تَعَرَّضَ ٱلشُّهُودُ لِلْعُنْفِ ٱلْجَسَدِيِّ فَإِنَّ ذلِكَ لَا يُعَرْقِلُ نَشَاطَاتِهِمِ ٱلْكِرَازِيَّةَ. (١ بطرس ٤:١٦) عَلَى ٱلْعَكْسِ، ‹يَغْلِبُ› هؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةُ وَٱلْأَخَوَاتُ ٱلشُّجْعَانُ ‹ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ›.
«هَلُمَّ نَتَوَاعَدُ وَنَلْتَقِي»
١٢، ١٣ (أ) أَيَّةُ مَكِيدَةٍ لَجَأَ إِلَيْهَا أَعْدَاءُ نَحَمْيَا؟ (ب) لِمَاذَا رَفَضَ نَحَمْيَا لِقَاءَ مُقَاوِمِيهِ؟
١٢ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ أَعْدَاءُ نَحَمْيَا أَنَّ هَجَمَاتِهِمِ ٱلْمُبَاشَرَةَ بَاءَتْ بِٱلْفَشَلِ، لَجَأُوا إِلَى أَشْكَالٍ خَبِيثَةٍ مِنَ ٱلْمُقَاوَمَةِ. فَقَدْ حَاكُوا لَهُ ثَلَاثَ مَكَائِدَ. مَا هِيَ؟
١٣ فِي ٱلْمَكِيدَةِ ٱلْأُولَى، حَاوَلَ أَعْدَاءُ نَحَمْيَا أَنْ يَخْدَعُوهُ قَائِلِينَ: «هَلُمَّ نَتَوَاعَدُ وَنَلْتَقِي فِي قُرَى سَهْلِ وَادِي أُونُو». فَبِمَا أَنَّ أُونُو تَقَعُ بَيْنَ أُورُشَلِيمَ وَٱلسَّامِرَةِ، كَانَ ٱلْأَعْدَاءُ يَقْتَرِحُونَ عَلَى نَحَمْيَا أَنْ يَلْتَقُوا مَعَهُ فِي نُقْطَةٍ وَسَطٍ لِكَيْ يَحُلُّوا خِلَافَاتِهِمْ. فَمَاذَا فَعَلَ نَحَمْيَا؟ كَانَ مِنَ ٱلْمُمْكِنِ أَنْ يُفَكِّرَ: ‹يَبْدُو هذَا ٱلْحَلُّ مَنْطِقِيًّا، فَٱلْحِوَارُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْعِرَاكِ›. لكِنَّهُ لَمْ يُفَكِّرْ بِهذِهِ ٱلطَّرِيقَةِ وَلَمْ يَقْبَلْ عَرْضَهُمْ. لِمَاذَا؟ يُجِيبُ نَحَمْيَا: ‹كَانُوا يُخَطِّطُونَ لِإِلْحَاقِ ٱلضَّرَرِ بِي›. فَقَدْ أَدْرَكَ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ خَدَّاعَةٌ يَحُوكُونَهَا لَهُ. لِذلِكَ قَالَ لِمُقَاوِمِيهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: «لَا أَسْتَطِيعُ ٱلنُّزُولَ. لِمَاذَا يَتَعَطَّلُ ٱلْعَمَلُ فِيمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمْ؟». وَهكَذَا فَشِلَتْ مُحَاوَلَاتُ ٱلْأَعْدَاءِ لِجَعْلِ نَحَمْيَا يَقْبَلُ بِهذَا ٱلْحَلِّ ٱلْوَسَطِ. فَقَدْ بَقِيَ مُرَكِّزًا عَلَى عَمَلِ ٱلْبِنَاءِ. — نحميا ٦:١-٤.
١٤ مَاذَا فَعَلَ نَحَمْيَا حِينَ وُجِّهَتْ إِلَيْهِ ٱتِّهَامَاتٌ بَاطِلَةٌ؟
١٤ فِي ٱلْمَكِيدَةِ ٱلثَّانِيَةِ، لَجَأَ ٱلْأَعْدَاءُ إِلَى إِطْلَاقِ ٱلشَّائِعَاتِ عَلَى نَحَمْيَا مُتَّهِمِينَ إِيَّاهُ ‹بِٱلتَّخْطِيطِ لِلتَّمَرُّدِ› عَلَى ٱلْمَلِكِ أَرْتَحْشَسْتَا. وَمِنْ جَدِيدٍ طَلَبُوا مِنْهُ: «هَلُمَّ ٱلْآنَ لِنَتَشَاوَرَ مَعًا». لكِنَّ نَحَمْيَا رَفَضَ مَرَّةً أُخْرَى هذَا ٱلْعَرْضَ لِأَنَّهُ عَرَفَ نَوَايَا أَعْدَائِهِ. كَتَبَ: «كَانُوا جَمِيعُهُمْ يُخِيفُونَنَا، قَائِلِينَ: ‹سَتَرْتَخِي أَيْدِيهِمْ عَنِ ٱلْعَمَلِ فَلَا يُعْمَلُ›». وَمَاذَا فَعَلَ نَحَمْيَا؟ لَقَدْ دَحَضَ هذِهِ ٱلْمَرَّةَ ٱتِّهَامَاتِ ٱلْأَعْدَاءِ قَائِلًا لِسَنْبَلَّطَ: «لَيْسَ ٱلْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ، إِنَّمَا أَنْتَ تَخْتَلِقُ ذٰلِكَ مِنْ قَلْبِكَ». كَمَا صَلَّى إِلَى يَهْوَه: «قَوِّ . . . يَدَيَّ». فَقَدْ كَانَ وَاثِقًا أَنَّهُ سَيَتَمَكَّنُ بِمَعُونَةِ يَهْوَه مِنْ إِحْبَاطِ هذِهِ ٱلْمَكِيدَةِ ٱلشِّرِّيرَةِ وَٱلْمُضِيِّ قُدُمًا فِي عَمَلِ ٱلْبِنَاءِ. — نحميا ٦:٥-٩.
١٥ أَيَّةُ نَصِيحَةٍ قَدَّمَهَا نَبِيٌّ كَاذِبٌ لِنَحَمْيَا، وَلِمَاذَا لَمْ يَقْبَلْهَا؟
١٥ فِي ٱلْمَكِيدَةِ ٱلثَّالِثَةِ، ٱسْتَخْدَمَ ٱلْأَعْدَاءُ إِسْرَائِيلِيًّا خَائِنًا يُدْعَى شَمَعْيَا لِجَعْلِ نَحَمْيَا يَكْسِرُ شَرِيعَةَ ٱللّٰهِ. فَقَدْ قَالَ لَهُ: «لِنَتَوَاعَدْ وَنَلْتَقِ فِي بَيْتِ ٱللّٰهِ، فِي دَاخِلِ ٱلْهَيْكَلِ، وَنُغْلِقْ أَبْوَابَ ٱلْهَيْكَلِ، لِأَنَّهُمْ آتُونَ لِيَقْتُلُوكَ». كَانَ شَمَعْيَا يَقُولُ لِنَحَمْيَا إِنَّ ٱلْأَعْدَاءَ يَنْوُونَ ٱغْتِيَالَهُ وَإِنَّ عَلَيْهِ ٱلِٱخْتِبَاءَ فِي ٱلْهَيْكَلِ لِكَيْ يَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ. غَيْرَ أَنَّ نَحَمْيَا لَمْ يَكُنْ كَاهِنًا، وَٱخْتِبَاؤُهُ فِي بَيْتِ ٱللّٰهِ ٱعْتُبِرَ خَطِيَّةً. فَهَلْ كَانَ سَيَكْسِرُ شَرِيعَةَ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ؟ أَجَابَ نَحَمْيَا: «أَرَجُلٌ مِثْلِي . . . يَدْخُلُ ٱلْهَيْكَلَ وَيَحْيَا؟ لَنْ أَدْخُلَ!». وَلِمَاذَا لَمْ يَقَعْ نَحَمْيَا فِي ٱلْفَخِّ ٱلَّذِي نُصِبَ لَهُ؟ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ «ٱللّٰهَ لَمْ يُرْسِلْ» شَمَعْيَا مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَلَوْ كَانَ نَبِيًّا حَقِيقِيًّا لَمَا نَصَحَهُ بِكَسْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ. وَهذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضًا، لَمْ يَدَعْ نَحَمْيَا ٱلسُّوءَ يَغْلِبُهُ. وَبُعَيْدَ ذلِكَ، كَتَبَ: «وَأَخِيرًا كَمُلَ ٱلسُّورُ فِي ٱلْخَامِسِ وَٱلْعِشْرِينَ مِنْ أَيْلُولَ، فِي ٱثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ يَوْمًا». — نحميا ٦:١٠-١٥؛ عدد ١:٥١؛ ١٨:٧.
١٦ (أ) كَيْفَ يَجِبُ أَنْ نَتَصَرَّفَ حِينَ نُوَاجِهُ أَصْدِقَاءَ كَاذِبِينَ، مُتَّهِمِينَ كَاذِبِينَ، وَإِخْوَةً كَاذِبِينَ؟ (ب) كَيْفَ تُظْهِرُونَ شَخْصِيًّا أَنَّكُمْ تَرْفُضُونَ ٱلْمُسَايَرَةَ عَلَى حِسَابِ مُعْتَقَدَاتِكُمْ فِي ٱلْبَيْتِ أَوِ ٱلْمَدْرَسَةِ أَوِ ٱلْعَمَلِ؟
١٦ عَلَى غِرَارِ نَحَمْيَا، قَدْ نُوَاجِهُ نَحْنُ أَيْضًا مُقَاوِمِينَ هُمْ أَصْدِقَاءُ كَاذِبُونَ، مُتَّهِمُونَ كَاذِبُونَ، وَإِخْوَةٌ كَاذِبُونَ. فَفِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ، يَطْلُبُ مِنَّا ٱلْبَعْضُ أَنْ نَلْتَقِيَ مَعًا فِي نُقْطَةٍ وَسَطٍ، إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ. فَقَدْ يُحَاوِلُونَ إِقْنَاعَنَا أَنَّهُ إِذَا خَفَّفْنَا مِنْ غَيْرَتِنَا فِي خِدْمَةِ يَهْوَه، يُمْكِنُ أَنْ نُحَقِّقَ بَعْضَ ٱلْأَهْدَافِ ٱلْعَالَمِيَّةِ. لكِنَّنَا نَرْفُضُ أَنْ نَقْبَلَ هذَا ٱلْحَلَّ ٱلْوَسَطَ لِأَنَّ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ يَحْتَلُّ ٱلْمَرْتَبَةَ ٱلْأُولَى فِي حَيَاتِنَا. (متى ٦:٣٣؛ لوقا ٩:٥٧-٦٢) بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى ذلِكَ، يُوَجِّهُ إِلَيْنَا ٱلْمُقَاوِمُونَ ٱتِّهَامَاتٍ بَاطِلَةً. فَفِي بَعْضِ ٱلْبُلْدَانِ، نُتَّهَمُ بِأَنَّنَا نُشَكِّلُ تَهْدِيدًا لِلدَّوْلَةِ، تَمَامًا كَمَا ٱتُّهِمَ نَحَمْيَا بِٱلتَّمَرُّدِ عَلَى ٱلْمَلِكِ. وَقَدْ نَجَحْنَا فِي دَحْضِ بَعْضِ ٱلِٱتِّهَامَاتِ أَمَامَ ٱلْمَحَاكِمِ. وَلكِنْ مَهْمَا كَانَتِ ٱلنَّتِيجَةُ فِي حَالَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، نَحْنُ نُصَلِّي بِثِقَةٍ إِلَى يَهْوَه أَنْ يُوَجِّهَ ٱلْأُمُورَ بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ. (فيلبي ١:٧) وَقَدْ تَأْتِينَا ٱلْمُقَاوَمَةُ أَيْضًا مِنْ أَشْخَاصٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْدُمُونَ يَهْوَه. فَكَمَا حَاوَلَ أَحَدُ ٱلرُّفَقَاءِ ٱلْيَهُودِ أَنْ يُقْنِعَ نَحَمْيَا بِكَسْرِ شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ، قَدْ يُحَاوِلُ شُهُودٌ سَابِقُونَ ٱرْتَدُّوا عَنِ ٱلْإِيمَانِ أَنْ يَضْغَطُوا عَلَيْنَا لِكَيْ نُسَايِرَ عَلَى حِسَابِ مُعْتَقَدَاتِنَا بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى. غَيْرَ أَنَّنَا نَرْفُضُ ٱلْإِصْغَاءَ إِلَى هؤُلَاءِ ٱلْمُرْتَدِّينَ لِأَنَّنَا نَعْرِفُ أَنَّ نَجَاتَنَا وَقْفٌ عَلَى ٱتِّبَاعِنَا شَرَائِعَ ٱللّٰهِ، لَا عَلَى كَسْرِنَا إِيَّاهَا. (١ يوحنا ٤:١) نَعَمْ، بِمُسَاعَدَةِ يَهْوَه يُمْكِنُنَا أَنْ نَغْلِبَ كُلَّ أَشْكَالِ ٱلسُّوءِ.
إِعْلَانُ ٱلْبِشَارَةِ رَغْمَ مُوَاجَهَةِ ٱلسُّوءِ
١٧، ١٨ (أ) مَا هُوَ هَدَفُ ٱلشَّيْطَانِ وَعُمَلَائِهِ؟ (ب) عَلَامَ أَنْتُمْ مُصَمِّمُونَ، وَلِمَاذَا؟
١٧ تَقُولُ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ إِنَّ إِخْوَةَ ٱلْمَسِيحِ ٱلْمَمْسُوحِينَ «غَلَبُوا [ٱلشَّيْطَانَ] . . . بِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ». (رؤيا ١٢:١١) إِذًا، ثَمَّةَ ٱرْتِبَاطٌ وَثِيقٌ بَيْنَ غَلْبِ ٱلشَّيْطَانِ — مَصْدَرِ ٱلسُّوءِ — وَٱلْكِرَازَةِ بِرِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ. لِذلِكَ لَا عَجَبَ أَنْ يُحَارِبَ ٱلشَّيْطَانُ بِشَرَاسَةٍ ٱلْبَقِيَّةَ ٱلْمَمْسُوحَةَ وَ ‹ٱلْجَمْعَ الكَثِيرَ› عَلَى ٱلسَّوَاءِ بِإِثَارَةِ ٱلْمُقَاوَمَةِ ضِدَّهُمْ. — رؤيا ٧:٩؛ ١٢:١٧.
١٨ وَكَمَا رَأَيْنَا، قَدْ تَشْمُلُ ٱلْمُقَاوَمَةُ ٱلْهُجُومَ ٱلشَّفَهِيَّ وَٱلْعُنْفَ، أَوْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَّخِذَ أَشْكَالًا خَبِيثَةً أُخْرَى. وَفِي كُلِّ ٱلْأَحْوَالِ، يَبْقَى هَدَفُ ٱلشَّيْطَانِ وَاحِدًا: أَنْ يُوقِفَ عَمَلَ ٱلْكِرَازَةِ. لكِنَّهُ سَيَفْشَلُ فَشَلًا ذَرِيعًا لِأَنَّ شَعْبَ ٱللّٰهِ مُصَمِّمُونَ مِثْلَ نَحَمْيَا قَدِيمًا أَنْ ‹يَغْلِبُوا ٱلسُّوءَ بِٱلصَّلَاحِ›. وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذلِكَ بِٱلْمُدَاوَمَةِ عَلَى ٱلْكِرَازَةِ بِٱلْبِشَارَةِ إِلَى أَنْ يَقُولَ يَهْوَه أَنَّ ٱلْعَمَلَ قَدِ ٱنْتَهَى. — مرقس ١٣:١٠؛ روما ٨:٣١؛ فيلبي ١:٢٧، ٢٨.
[الحاشية]
a لِلْحُصُولِ عَلَى مَعْلُومَاتٍ حَوْلَ خَلْفِيَّةِ هذِهِ ٱلْحَوَادِثِ، ٱقْرَأْ نحميا ١:١-٤؛ ٢:١-٦، ٩-٢٠؛ ٤:١-٢٣؛ ٦:١-١٥.
-