مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏«لن تُفقد نفس واحدة منكم»‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢٦

      ‏«لَنْ تُفْقَدَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ مِنْكُمْ»‏

      تَحَطُّمُ ٱلسَّفِينَةِ بِبُولُسَ وَإِعْرَابُهُ عَنِ ٱلْإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢٧:‏١–‏٢٨:‏١٠

      ١،‏ ٢ صِفُوا رِحْلَةَ بُولُسَ،‏ وَٱذْكُرُوا أُمُورًا رُبَّمَا شَغَلَتْ بَالَهُ.‏

      ‏«إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ»!‏ كَلِمَاتٌ تَفَوَّهَ بِهَا ٱلْحَاكِمُ ٱلرُّومَانِيُّ فِسْتُوسُ جَاعِلًا مُسْتَقْبَلَ بُولُسَ فِي مَهَبِّ ٱلرِّيحِ.‏ كَلِمَاتٌ مَصِيرِيَّةٌ سَكَنَتْ فِكْرَ ٱلرَّسُولِ وَٱسْتَوْطَنَتْ فِيهِ.‏ كَلِمَاتٌ أَيْقَظَتْ فِي بُولُسَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنَ ٱلْأَسْرِ ذِكْرَيَاتِ ٱلسَّفَرِ ٱلْجَمِيلَةَ:‏ ذِكْرَيَاتِ ٱلْهَوَاءِ ٱلْعَلِيلِ وَٱلْأُفُقِ ٱلْمَدِيدِ.‏ (‏اع ٢٥:‏١٢‏)‏ لٰكِنَّ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلْكَثِيرَ ٱلتَّرْحَالِ لَمْ يَذُقْ حُلْوَ ٱلسَّفَرِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ مُرَّهُ أَيْضًا.‏ فَمَاذَا يَنْتَظِرُهُ ٱلْآنَ يَا تُرَى؟‏

      ٢ سَبَقَ لِلرَّسُولِ أَنْ مَرَّ تَكْرَارًا «بِأَخْطَارٍ فِي ٱلْبَحْرِ»،‏ إِذْ تَحَطَّمَتْ بِهِ ٱلسَّفِينَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَضَى لَيْلَةً وَنَهَارًا فِي عُرْضِ ٱلْبَحْرِ.‏ (‏٢ كو ١١:‏٢٥،‏ ٢٦‏)‏ وَلٰكِنْ ثَمَّةَ مَا يَزِيدُ ٱلْوَضْعَ سُوءًا هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ.‏ فَهُوَ لَا يُسَافِرُ رَجُلًا حُرًّا فِي رِحْلَةٍ إِرْسَالِيَّةٍ،‏ بَلْ سَجِينًا أَمَامَهُ أَكْثَرُ مِنْ ٠٠٠‏,٣ كلم مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى رُومَا.‏ فَهَلْ يُنْهِي رِحْلَتَهُ سَلِيمًا مُعَافًى،‏ أَمْ إِنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى ٱلْمَوْتِ بِرِجْلَيْهِ؟‏ فَلَا نَنْسَ أَنَّ أَعْظَمَ حَاكِمٍ بَشَرِيٍّ فِي عَالَمِ ٱلشَّيْطَانِ آنَذَاكَ هُوَ ٱلْقَاضِي ٱلَّذِي سَيُحَاكِمُهُ.‏

      ٣ عَلَامَ صَمَّمَ بُولُسُ،‏ وَمَاذَا نُنَاقِشُ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟‏

      ٣ اَلْمَخَاطِرُ ٱلَّتِي تَتَهَدَّدُ ٱلرَّسُولَ كَثِيرَةٌ.‏ وَلٰكِنْ بَعْدَمَا تَعَرَّفْنَا إِلَى شَخْصِيَّتِهِ عَنْ كَثَبٍ،‏ هَلْ نَظُنُّ لَحْظَةً أَنَّهُ سَيَقَعُ فَرِيسَةَ ٱلْيَأْسِ؟‏ لَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ سَيُوَاجِهُ مَصَاعِبَ جَمَّةً،‏ لٰكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا هِيَ بِٱلتَّحْدِيدِ.‏ فَهَلْ مِنْ نَفْعٍ أَنْ يَسْمَحَ لِهُمُومٍ خَارِجَةٍ عَنْ سَيْطَرَتِهِ أَنْ تَخْنُقَ فَرَحَهُ فِي ٱلْخِدْمَةِ؟‏!‏ (‏مت ٦:‏٢٧،‏ ٣٤‏)‏ كَمَا أَدْرَكَ بُولُسُ يَقِينًا أَنَّ ٱلْمَشِيئَةَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ تَقْضِي بِأَنْ يَسْتَغِلَّ كُلَّ فُرْصَةٍ لِلْكِرَازَةِ،‏ حَتَّى لِلْحُكَّامِ.‏ (‏اع ٩:‏١٥‏)‏ لِذٰلِكَ صَمَّمَ أَنْ يُتِمَّ هٰذَا ٱلتَّفْوِيضَ كَامِلًا مَهْمَا كَانَتِ ٱلظُّرُوفُ.‏ وَمَا ٱلْقَوْلُ فِينَا؟‏ أَوَلَمْ نَعْقِدِ ٱلْعَزْمَ نَحْنُ أَيْضًا عَلَى إِتْمَامِ تَفْوِيضِنَا؟‏!‏ لِنُرَافِقْ بُولُسَ إِذًا فِي هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلتَّارِيخِيَّةِ وَنَتَفَحَّصِ ٱلْفَوَائِدَ ٱلْعَمَلِيَّةَ ٱلَّتِي نَسْتَمِدُّهَا مِنْ مِثَالِهِ.‏

      ‏«اَلرِّيَاحُ كَانَتْ مُضَادَّةً» (‏اعمال ٢٧:‏١-‏٧أ‏)‏

      ٤ مَا نَوْعُ ٱلسَّفِينَةِ ٱلَّتِي رَكِبَهَا بُولُسُ،‏ وَمَنْ رَافَقَهُ؟‏

      ٤ عُهِدَ بِبُولُسَ وَسُجَنَاءَ آخَرِينَ إِلَى ضَابِطٍ رُومَانِيٍّ ٱسْمُهُ يُولِيُوسُ.‏ فَقَرَّرَ هٰذَا ٱلْأَخِيرُ أَنْ يُسَافِرُوا عَلَى مَتْنِ سَفِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ رَسَتْ فِي قَيْصَرِيَّةَ.‏ اِنْطَلَقَتْ هٰذِهِ ٱلسَّفِينَةُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ أَدَرْمِتِيُنَ،‏ مِينَاءٍ عَلَى سَاحِلِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى ٱلْغَرْبِيِّ يَقَعُ قُبَالَةَ مَدِينَةِ مِيتِيلِينِي عَلَى جَزِيرَةِ لَسْبُوس.‏ وَكَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّرِ أَنْ تُبْحِرَ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ شَمَالًا ثُمَّ غَرْبًا وَتَتَوَقَّفَ بَيْنَ ٱلْحِينِ وَٱلْآخَرِ لِإِنْزَالِ ٱلْبَضَائِعِ وَتَحْمِيلِهَا.‏ وَلَمْ تَكُنْ سُفُنٌ كَهٰذِهِ مُصَمَّمَةً لِتَوْفِيرِ ٱلرَّاحَةِ لِلرُّكَّابِ،‏ فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ إِذَا كَانَ ٱلرُّكَّابُ مَسَاجِينَ.‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلْمِلَاحَةُ وَٱلطُّرُقُ ٱلتِّجَارِيَّةُ‏».‏)‏ وَلٰكِنْ لِحُسْنِ ٱلتَّوْفِيقِ،‏ لَمْ يُسَافِرِ ٱلرَّسُولُ وَحْدَهُ مَعَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ.‏ فَقَدْ رَافَقَهُ عَلَى ٱلْأَقَلِّ مَسِيحِيَّانِ آخَرَانِ هُمَا أَرِسْتَرْخُسُ وَلُوقَا ٱلَّذِي دَوَّنَ تَفَاصِيلَ ٱلرِّحْلَةِ.‏ وَلَا نَعْرِفُ هَلْ تَوَجَّبَ عَلَى رَفِيقَيْهِ ٱلْوَلِيَّيْنِ أَنْ يَدْفَعَا لِقَاءَ رُكُوبِهِمَا ٱلسَّفِينَةَ،‏ أَمْ إِنَّهُمَا ٱعْتُبِرَا بِمَثَابَةِ خَادِمَيْنِ لِلرَّسُولِ.‏ —‏ اع ٢٧:‏١،‏ ٢‏.‏

      اَلْمِلَاحَةُ وَٱلطُّرُقُ ٱلتِّجَارِيَّةُ

      فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ،‏ خُصِّصَتِ ٱلسُّفُنُ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَسَاسُ لِنَقْلِ ٱلْبَضَائِعِ،‏ لَا ٱلْمُسَافِرِينَ.‏ أَمَّا ٱلرَّاغِبُونَ فِي ٱلْإِبْحَارِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْحَثُوا عَنْ سَفِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ تُوشِكُ أَنْ تَقْصِدَ ٱلْوُجْهَةَ ٱلْمَنْشُودَةَ وَيُسَاوِمُوا فِي ٱلْأُجْرَةِ،‏ ثُمَّ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ ٱلْإِقْلَاعِ.‏

      وَقَدْ قَطَعَتْ آلَافُ ٱلسُّفُنِ ٱلْبَحْرَ ٱلْمُتَوَسِّطَ ذَهَابًا وَإِيَابًا مُحَمَّلَةً بِمَوَادَّ غِذَائِيَّةٍ وَبَضَائِعَ مُتَنَوِّعَةٍ.‏ وَتَوَجَّبَ عَلَى مُسَافِرِينَ كَثِيرِينَ أَنْ يَنَامُوا عَلَى سَطْحِهَا،‏ رُبَّمَا مُحْتَمِينَ بِمَلَاجِئَ شَبِيهَةٍ بِٱلْخِيَامِ نَصَبُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ لَيْلًا وَفَكَّكُوهَا صَبَاحًا.‏ كَمَا لَزِمَ أَنْ يَحْمِلُوا مَعَهُمْ حَاجِيَّاتِ ٱلسَّفَرِ،‏ بِمَا فِيهَا ٱلْأَغْطِيَةُ وَٱلطَّعَامُ.‏

      أَمَّا طُولُ ٱلرِّحْلَةِ فَتَوَقَّفَ بِٱلْكَامِلِ عَلَى ٱلرِّيَاحِ.‏ وَبِحُكْمِ رَدَاءَةِ ٱلطَّقْسِ خِلَالَ فَصْلِ ٱلشِّتَاءِ،‏ ٱنْقَطَعَتْ حَرَكَةُ ٱلْمِلَاحَةِ إِجْمَالًا مِنْ مُنْتَصَفِ تِشْرِينَ ٱلثَّانِي (‏نُوفَمْبِر)‏ حَتَّى مُنْتَصَفِ آذَارَ (‏مَارِس)‏.‏

      سفينة قديمة

      ٥ مَنْ قَابَلَ بُولُسُ فِي صَيْدُونَ،‏ وَأَيُّ دَرْسٍ نَسْتَمِدُّهُ؟‏

      ٥ قَطَعَتِ ٱلسَّفِينَةُ نَحْوَ ١١٠ كلم شَمَالًا وَرَسَتْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي فِي صَيْدُونَ عَلَى ٱلسَّاحِلِ ٱلسُّورِيِّ.‏ وَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ خَصَّ يُولِيُوسُ ٱلرَّسُولَ بِمُعَامَلَةٍ مُمَيَّزَةٍ،‏ رُبَّمَا لِأَنَّهُ مُوَاطِنٌ رُومَانِيٌّ لَمْ تَثْبُتْ إِدَانَتُهُ بَعْدُ.‏ (‏اع ٢٢:‏٢٧،‏ ٢٨؛‏ ٢٦:‏٣١،‏ ٣٢‏)‏ فَأَذِنَ لَهُ بِٱلنُّزُولِ إِلَى ٱلشَّطِّ وَمُقَابَلَةِ رُفَقَائِهِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فَرِحُوا كَثِيرًا لِٱعْتِنَائِهِمْ بِهِ بَعْدَ سَجْنِهِ ٱلطَّوِيلِ.‏ فَهَلْ تَخْطُرُ فِي بَالِكَ فُرَصٌ مُمَاثِلَةٌ تُتِيحُ لَكَ أَنْ تُظْهِرَ ٱلضِّيَافَةَ وَٱلْمَحَبَّةَ أَنْتَ أَيْضًا وَتَسْتَمِدَّ ٱلتَّشْجِيعَ بِٱلْمُقَابِلِ؟‏ —‏ اع ٢٧:‏٣‏.‏

      ٦-‏٨ كَيْفَ كَانَتْ رِحْلَةُ بُولُسَ مِنْ صَيْدُونَ إِلَى كِنِيدُسَ،‏ وَأَيَّةُ فُرَصٍ ٱغْتَنَمَهَا لِتَقْدِيمِ ٱلشَّهَادَةِ؟‏

      ٦ أَقْلَعَتِ ٱلسَّفِينَةُ مِنْ صَيْدُونَ،‏ ثُمَّ أَبْحَرَتْ شَمَالًا بِٱلْقُرْبِ مِنْ طَرْسُوسَ (‏مَسْقَطِ رَأْسِ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ)‏ مُتَجَاوِزَةً وِلَايَةَ كِيلِيكِيَةَ.‏ وَفِي حِينِ لَا يَذْكُرُ لُوقَا وَقْفَةً أُخْرَى،‏ يُعْلِمُنَا بِتَفْصِيلٍ لَا يُبَشِّرُ بِٱلْخَيْرِ،‏ قَائِلًا إِنَّ «ٱلرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً».‏ (‏اع ٢٧:‏٤،‏ ٥‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ لَا بُدَّ أَنَّ بُولُسَ ٱقْتَنَصَ كُلَّ فُرْصَةٍ سَانِحَةٍ لِيُبَشِّرَ.‏ فَشَهِدَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ لِسَائِرِ ٱلسُّجَنَاءِ وَٱلرُّكَّابِ،‏ بِمَنْ فِيهِمْ طَاقِمُ ٱلسَّفِينَةِ وَٱلْجُنُودُ،‏ فَضْلًا عَنْ كُلِّ مَنِ ٱلْتَقَاهُمْ فِي ٱلْمَرَافِئِ حَيْثُ رَسَتِ ٱلسَّفِينَةُ.‏ فَهَلْ نَغْتَنِمُ بِدَوْرِنَا كُلَّ فُرْصَةٍ مُؤَاتِيَةٍ لِتَقْدِيمِ ٱلشَّهَادَةِ؟‏

      ٧ بَعْدَئِذٍ وَصَلَتِ ٱلسَّفِينَةُ إِلَى مَرْفَإِ مِيرَةَ عَلَى سَاحِلِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى ٱلْجَنُوبِيِّ.‏ وَهُنَاكَ ٱنْتَقَلَ بُولُسُ وَٱلْآخَرُونَ إِلَى سَفِينَةٍ ثَانِيَةٍ تَحْمِلُهُمْ إِلَى وُجْهَتِهِمِ ٱلْأَخِيرَةِ:‏ رُومَا.‏ (‏اع ٢٧:‏٦‏)‏ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ،‏ كَانَتْ رُومَا تَسْتَوْرِدُ ٱلْحُبُوبَ مِنْ مِصْرَ،‏ وَقَدِ ٱعْتَادَتِ ٱلسُّفُنُ ٱلْمِصْرِيَّةُ ٱلْمُحَمَّلَةُ ٱلْوُقُوفَ فِي مِيرَةَ.‏ فَوَجَدَ يُولِيُوسُ إِحْدَاهَا وَأَمَرَ ٱلْجُنُودَ وَٱلسُّجَنَاءَ بِٱلصُّعُودِ إِلَيْهَا.‏ وَلَا بُدَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلسَّفِينَةَ كَانَتْ أَكْبَرَ بِكَثِيرٍ مِنْ سَابِقَتِهَا.‏ فَقَدْ نَقَلَتْ حُمُولَةً ثَمِينَةً مِنَ ٱلْحِنْطَةِ فَضْلًا عَنْ ٢٧٦ رَاكِبًا،‏ بِمَنْ فِيهِمِ ٱلطَّاقِمُ وَٱلْجُنُودُ وَٱلسُّجَنَاءُ وَعَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُسَافِرُونَ آخَرُونَ مُتَّجِهُونَ إِلَى رُومَا.‏ وَهٰكَذَا ٱتَّسَعَتْ مُقَاطَعَةُ بُولُسَ ٱلَّذِي ٱسْتَفَادَ دُونَ شَكٍّ مِنَ ٱلظَّرْفِ ٱلْمُسْتَجِدِّ.‏

      ٨ أَمَّا ٱلْمَحَطَّةُ ٱلتَّالِيَةُ فَكَانَتْ كِنِيدُسَ ٱلْوَاقِعَةَ فِي ٱلطَّرَفِ ٱلْجَنُوبِيِّ ٱلْغَرْبِيِّ مِنْ آسِيَا ٱلصُّغْرَى.‏ يَرْوِي لُوقَا:‏ «أَبْحَرْنَا بِبُطْءٍ عِدَّةَ أَيَّامٍ وَأَتَيْنَا بِصُعُوبَةٍ إِلَى كِنِيدُسَ».‏ (‏اع ٢٧:‏٧أ‏)‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلْأَحْوَالَ سَاءَتْ جِدًّا مِنْ حَوْلِهِمْ.‏ فَلَوْ كَانَتِ ٱلرِّيَاحُ مُؤَاتِيَةً،‏ لَتَمَكَّنَتِ ٱلسَّفِينَةُ مِنْ قَطْعِ هٰذِهِ ٱلْمَسَافَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ تَقْرِيبًا.‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلرِّيَاحُ ٱلْمُضَادَّةُ فِي ٱلْمُتَوَسِّطِ‏»)‏ فَهَلْ تَتَخَيَّلُ وَضْعَ ٱلرُّكَّابِ فِيمَا رَاحَتِ ٱلسَّفِينَةُ تُصَارِعُ ٱلرِّيحَ ٱلْهَوْجَاءَ وَٱلْأَمْوَاجَ ٱلْعَاتِيَةَ؟‏

      اَلرِّيَاحُ ٱلْمُضَادَّةُ فِي ٱلْمُتَوَسِّطِ

      فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ،‏ لَعِبَتِ ٱلرِّيَاحُ وَٱلْفُصُولُ ٱلدَّوْرَ ٱلْأَكْبَرَ فِي تَحْدِيدِ مَتَى تُبْحِرُ ٱلسُّفُنُ ٱلتِّجَارِيَّةُ وَأَيَّ مَسَارٍ تَتَّخِذُ فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْمُتَوَسِّطِ ٱلْمَدْعُوِّ أَيْضًا ٱلْبَحْرَ ٱلْكَبِيرَ.‏ فَفِي شَرْقِ ٱلْمُتَوَسِّطِ مَثَلًا،‏ هَبَّتِ ٱلرِّيَاحُ عَادَةً مِنْ جِهَةِ ٱلْغَرْبِ خِلَالَ فَصْلِ ٱلصَّيْفِ.‏ فَسَهُلَ ٱلْإِبْحَارُ شَرْقًا كَمَا حَدَثَ مَعَ بُولُسَ عِنْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّالِثَةِ.‏ فَقَدْ سَافَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَتْنِ سَفِينَةٍ غَادَرَتْ مِيلِيتُسَ وَٱجْتَازَتْ رُودُسَ،‏ ثُمَّ رَسَتْ فِي بَاتَارَا.‏ بَعْدَئِذٍ ٱتَّبَعُوا مَسَارًا شِبْهَ مُسْتَقِيمٍ مِنْ هُنَاكَ إِلَى صُورَ عَلَى ٱلسَّاحِلِ ٱلْفِينِيقِيِّ.‏ وَعَلَى حَدِّ قَوْلِ لُوقَا،‏ لَاحَتْ لَهُمْ قُبْرُصُ عَلَى ٱلْجَانِبِ ٱلْأَيْسَرِ،‏ مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُمْ أَبْحَرُوا جَنُوبَ ٱلْجَزِيرَةِ.‏ —‏ اع ٢١:‏١-‏٣‏.‏

      وَمَاذَا عَنِ ٱلْإِبْحَارِ فِي ٱلِٱتِّجَاهِ ٱلْمُعَاكِسِ،‏ أَيْ إِلَى جِهَةِ ٱلْغَرْبِ؟‏ يُمْكِنُ لِلسُّفُنِ أَنْ تَجْرِيَ غَرْبًا فِي مَسَارٍ مُشَابِهٍ إِذَا كَانَتِ ٱلرِّيَاحُ مُؤَاتِيَةً.‏ غَيْرَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمُهِمَّةَ ٱسْتَحَالَتْ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ.‏ تَقُولُ دَائِرَةُ مَعَارِفِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ ٱلْقَانُونِيَّةُ ٱلْأُمَمِيَّةُ (‏بِٱلْإِنْكِلِيزِيَّةِ)‏:‏ «مُقَارَنَةً بِسَائِرِ ٱلْفُصُولِ،‏ كَانَتِ ٱلْأَحْوَالُ ٱلْجَوِّيَّةُ فِي ٱلشِّتَاءِ أَقَلَّ ٱسْتِقْرَارًا بِكَثِيرٍ.‏ وَهَبَّتْ فِي أَنْحَاءِ ٱلْمُتَوَسِّطِ نَحْوَ ٱلشَّرْقِ أَعَاصِيرُ عَاتِيَةٌ ٱشْتَدَّتْ رِيَاحُهَا أَحْيَانًا إِلَى أَقْصَى ٱلدَّرَجَاتِ،‏ وَغَالِبًا مَا رَافَقَتْهَا أَمْطَارٌ غَزِيرَةٌ أَوْ ثُلُوجٌ».‏ فَلَا شَكَّ إِذًا أَنَّ مَخَاطِرَ كَبِيرَةً أَحْدَقَتْ بِٱلسُّفُنِ فِي ظِلِّ ظُرُوفٍ كَهٰذِهِ.‏

      وَلٰكِنْ فِي جَمِيعِ ٱلْفُصُولِ تَقْرِيبًا،‏ كَانَ فِي وِسْعِ ٱلسُّفُنِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلسَّاحِلِ أَنْ تَتَّجِهَ شَمَالًا بِمُحَاذَاةِ فِلَسْطِينَ،‏ ثُمَّ تُتَابِعَ ٱلْإِبْحَارَ غَرْبًا مُقَابِلَ بَمْفِيلِيَةَ.‏ وَفِي ٱلْجُزْءِ ٱلْأَخِيرِ مِنَ ٱلرِّحْلَةِ،‏ ٱسْتَفَادَتِ ٱلسُّفُنُ أَحْيَانًا مِنَ ٱلرِّيحِ ٱلْخَفِيفَةِ ٱلَّتِي هَبَّتْ مِنَ ٱلْبَرِّ وَمِنَ ٱلتَّيَّارَاتِ ٱلْمُتَّجِهَةِ غَرْبًا.‏ وَٱلسَّفِينَةُ ٱلْأُولَى ٱلَّتِي رَكِبَهَا بُولُسُ ٱلسَّجِينُ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى رُومَا هِيَ خَيْرُ مِثَالٍ عَلَى ذٰلِكَ.‏ وَلٰكِنْ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ،‏ قَدْ تُصْبِحُ ٱلرِّيحُ «مُضَادَّةً».‏ (‏اع ٢٧:‏٤‏)‏ فَلَعَلَّ سَفِينَةَ ٱلْحِنْطَةِ ٱلْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ لُوقَا كَانَتْ قَدْ أَبْحَرَتْ شَمَالًا مِنْ مِصْرَ ثُمَّ ٱنْعَطَفَتْ وَتَابَعَتِ ٱلْإِبْحَارَ فِي ٱلْمَسَارِ ٱلْآمِنِ بَيْنَ قُبْرُصَ وَآسِيَا ٱلصُّغْرَى.‏ وَمِنْ مِيرَةَ،‏ نَوَى ٱلْقُبْطَانُ أَنْ يُوَاصِلَ طَرِيقَهُ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ مُرُورًا بِجَنُوبِ ٱلْيُونَانِ،‏ ثُمَّ نَحْوَ ٱلشَّمَالِ بِمُحَاذَاةِ شَوَاطِئِ إِيطَالِيَا ٱلْغَرْبِيَّةِ.‏ (‏اع ٢٧:‏٥،‏ ٦‏)‏ إِلَّا أَنَّ ٱلرِّيَاحَ وَٱلْأَحْوَالَ ٱلْجَوِّيَّةَ حَمَلَتْ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ.‏

      ‏«اَلْعَاصِفَةُ ٱلْهَوْجَاءُ تَتَقَاذَفُنَا بِعُنْفٍ» (‏اعمال ٢٧:‏٧ب-‏٢٦‏)‏

      ٩،‏ ١٠ أَيُّ صُعُوبَاتٍ وَاجَهَتْهَا ٱلسَّفِينَةُ قُرْبَ كِرِيتَ؟‏

      ٩ عَزَمَ قُبْطَانُ ٱلسَّفِينَةِ أَنْ يُتَابِعُوا ٱلْإِبْحَارَ غَرْبًا مِنْ كِنِيدُسَ.‏ لٰكِنَّ ٱلشَّاهِدَ ٱلْعِيَانِ لُوقَا يُخْبِرُ أَنَّ ‹ٱلرِّيحَ لَمْ تُمَكِّنْهُمْ مِنَ ٱلتَّقَدُّمِ›.‏ (‏اعمال ٢٧:‏٧ب‏)‏ فَعِنْدَمَا ٱبْتَعَدَتِ ٱلسَّفِينَةُ عَنِ ٱلْبَرِّ،‏ لَمْ يَعُدِ ٱلتَّيَّارُ ٱلسَّاحِلِيُّ يُسَاعِدُهَا عَلَى ٱلتَّحَرُّكِ قُدُمًا.‏ ثُمَّ هَبَّتْ رِيَاحٌ مُعَاكِسَةٌ قَوِيَّةٌ مِنَ ٱلشَّمَالِ ٱلْغَرْبِيِّ وَسَاقَتْهَا جَنُوبًا،‏ رُبَّمَا دَافِعَةً إِيَّاهَا بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ.‏ إِذَّاكَ ٱحْتَمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِجَزِيرَةِ كِرِيتَ مِثْلَمَا ٱحْتَمَتِ ٱلسَّفِينَةُ ٱلسَّابِقَةُ بِقُبْرُصَ لَمَّا أَبْحَرَتْ بِمُحَاذَاةِ شَوَاطِئِهَا.‏ وَمَا إِنِ ٱجْتَازُوا رَأْسَ سَلْمُونِي ٱلْوَاقِعَ شَرْقِيَّ كِرِيتَ،‏ حَتَّى ٱنْفَرَجَ ٱلْوَضْعُ قَلِيلًا.‏ فَقَدْ بَلَغَتِ ٱلسَّفِينَةُ جَانِبَ ٱلْجَزِيرَةِ ٱلْجَنُوبِيَّ ٱلْمَحْجُوبَ مِنَ ٱلرِّيحِ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ ٱلرُّكَّابَ تَنَفَّسُوا ٱلصُّعَدَاءَ عِنْدَئِذٍ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱرْتِيَاحَهُمْ مَا كَانَ لِيَدُومَ طَوِيلًا.‏ فَٱلْبَحَّارَةُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَجَاهُلَ دُنُوِّ فَصْلِ ٱلشِّتَاءِ وَسَفِينَتُهُمْ تُوَاصِلُ ٱلْإِبْحَارَ.‏ وَخَوْفُهُمْ هٰذَا لَمْ يَكُنْ عَبَثًا.‏

      ١٠ يَرْوِي لُوقَا بِدِقَّةٍ مَا حَدَثَ تَالِيًا.‏ يَقُولُ:‏ «سِرْنَا بِمُحَاذَاةِ [كِرِيتَ] بِصُعُوبَةٍ وَأَتَيْنَا إِلَى مَكَانٍ يُدْعَى ٱلْمَوَانِيَ ٱلْحَسَنَةَ».‏ لَاحِظْ أَنَّهُمُ ٱسْتَصْعَبُوا ٱلسَّيْطَرَةَ عَلَى ٱلسَّفِينَةِ حَتَّى وَهُمْ مُحْتَمُونَ بِٱلْجَزِيرَةِ.‏ لٰكِنَّهُمْ وَجَدُوا أَخِيرًا مَرْسًى آمِنًا فِي خَلِيجٍ صَغِيرٍ يَقَعُ عَلَى مَا يُظَنُّ عِنْدَ أَقْصَى نُقْطَةٍ جَنُوبِيَّةٍ فِي كِرِيتَ.‏ وَيُخْبِرُ لُوقَا أَنَّهُمْ بَقُوا هُنَاكَ ‹وَقْتًا طَوِيلًا›.‏ لٰكِنَّ ٱلْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ فِي صَالِحِهِمْ.‏ فَٱلْإِبْحَارُ يَزْدَادُ خُطُورَةً فِي شَهْرَيْ أَيْلُولَ وَتِشْرِينَ ٱلْأَوَّلِ (‏سِبْتَمْبِر وَأُكْتُوبِر)‏.‏ —‏ اع ٢٧:‏٨،‏ ٩‏.‏

      ١١ بِمَ نَصَحَ بُولُسُ رُكَّابَ ٱلسَّفِينَةِ،‏ وَلٰكِنْ أَيَّ قَرَارٍ ٱتَّخَذُوا؟‏

      ١١ لَعَلَّ بَعْضَ ٱلرُّكَّابِ عِنْدَئِذٍ طَلَبُوا نَصِيحَةَ بُولُسَ بِحُكْمِ أَسْفَارِهِ ٱلْكَثِيرَةِ فِي ٱلْمُتَوَسِّطِ.‏ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يُكْمِلُوا ٱلرِّحْلَةَ وَإِلَّا يُكَابِدُونَ «ضَرَرًا وَخَسَارَةً كَثِيرَةً»،‏ بِمَا فِيهَا خَسَائِرُ مُحْتَمَلَةٌ فِي ٱلْأَرْوَاحِ.‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلرُّبَّانَ وَصَاحِبَ ٱلسَّفِينَةِ رَغِبَا فِي مُوَاصَلَةِ ٱلتَّقَدُّمِ،‏ فَأَقْنَعَا يُولِيُوسَ بِفِكْرَتِهِمَا.‏ فَرُبَّمَا شَعَرَا بِٱلْحَاجَةِ إِلَى إِيجَادِ مَكَانٍ أَكْثَرَ أَمْنًا بِأَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ.‏ ثُمَّ ٱرْتَأَتِ ٱلْأَكْثَرِيَّةُ أَنْ يُحَاوِلُوا بُلُوغَ فِينِكْسَ،‏ مَرْفَإٍ كِرِيتِيٍّ غَرْبِيَّ ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةِ.‏ فَلَعَلَّ مِينَاءَهُ كَانَ أَكْبَرَ وَأَنْسَبَ لِقَضَاءِ ٱلشِّتَاءِ.‏ لِذٰلِكَ عِنْدَمَا هَبَّتْ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ خَفِيفَةٌ بَدَتْ مُنَاسِبَةً لِلْإِبْحَارِ،‏ أَقْلَعَتِ ٱلسَّفِينَةُ وَتَابَعَتِ ٱلرِّحْلَةَ.‏ —‏ اع ٢٧:‏١٠-‏١٣‏.‏

      ١٢ أَيُّ مَخَاطِرَ وَاجَهَتْهَا ٱلسَّفِينَةُ بَعْدَ مُغَادَرَةِ كِرِيتَ،‏ وَكَيْفَ حَاوَلَ ٱلطَّاقِمُ تَفَادِيَ ٱلْكَارِثَةِ؟‏

      ١٢ بَعْدَئِذٍ رَاحَ ٱلْوَضْعُ يَتَدَهْوَرُ،‏ إِذْ هَبَّتْ مِنَ ٱلشَّمَالِ ٱلشَّرْقِيِّ «رِيحٌ عَاصِفَةٌ».‏ فَٱحْتَمَوْا مُدَّةً مِنَ ٱلْوَقْتِ «بِجَزِيرَةٍ صَغِيرَةٍ تُدْعَى كَوْدَةَ» تَبْعُدُ ٦٥ كلم تَقْرِيبًا عَنِ ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ ظَلَّتِ ٱلسَّفِينَةُ فِي خَطَرِ ٱلِٱنْقِيَادِ جَنُوبًا وَٱلتَّحَطُّمِ عَلَى ٱلسِّيرْتِسِ،‏ ضِفَافٍ رَمْلِيَّةٍ بِٱلْقُرْبِ مِنَ ٱلسَّاحِلِ ٱلْإِفْرِيقِيِّ.‏ فَمَا عَسَى ٱلْبَحَّارَةُ ٱلْمَرْعُوبُونَ أَنْ يَفْعَلُوا لِتَجَنُّبِ هٰذِهِ ٱلْعَاقِبَةِ ٱلْوَخِيمَةِ؟‏ بِدَايَةً،‏ سَحَبُوا ٱلْقَارِبَ ٱلَّذِي كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ تَجُرُّهُ.‏ وَقَدِ ٱسْتَلْزَمَ ذٰلِكَ جُهْدًا جَهِيدًا لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوًّا بِٱلْمِيَاهِ عَلَى أَغْلَبِ ٱلظَّنِّ.‏ ثُمَّ بَذَلُوا أَقْصَى طَاقَتِهِمْ لِيَحْزِمُوا ٱلْمَرْكَبَ ٱلْكَبِيرَ مِنْ أَسْفَلِهِ.‏ فَمَرَّرُوا حِبَالًا أَوْ سَلَاسِلَ مِنْ تَحْتِهِ لِيُثَبِّتُوا أَلْوَاحَهُ فِي مَكَانِهَا.‏ وَأَنْزَلُوا جِهَازَ ٱلْقُلُوعِ،‏ أَيِ ٱلشِّرَاعَ ٱلرَّئِيسِيَّ،‏ مُجَاهِدِينَ لِلسَّيْرِ بِعَكْسِ مَجْرَى ٱلرِّيحِ لِٱجْتِيَازِ ٱلْعَاصِفَةِ.‏ وَٱلْآنَ،‏ تَخَيَّلِ ٱلرُّعْبَ ٱلَّذِي ٱسْتَأْثَرَ بِنُفُوسِ ٱلْمُسَافِرِينَ حِينَ لَمْ تَفِ كُلُّ هٰذِهِ ٱلتَّدَابِيرِ بِٱلْغَرَضِ وَظَلَّتِ ‹ٱلْعَاصِفَةُ ٱلْهَوْجَاءُ تَتَقَاذَفُهُمْ بِعُنْفٍ›.‏ حَتَّى إِنَّهُمْ أَلْقَوْا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ عُدَّةَ صَوَارِي ٱلْمَرْكَبِ،‏ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ بِهَدَفِ تَعْوِيمِهِ.‏ —‏ اع ٢٧:‏١٤-‏١٩‏.‏

      ١٣ كَيْفَ كَانَتِ ٱلْأَوْضَاعُ عَلَى مَتْنِ ٱلسَّفِينَةِ أَثْنَاءَ ٱلْعَاصِفَةِ؟‏

      ١٣ فِي هٰذِهِ ٱللَّحَظَاتِ ٱلْعَصِيبَةِ كَانَ ٱلرُّعْبُ هُوَ سَيِّدَ ٱلْمَوْقِفِ.‏ أَمَّا ٱلْمَسِيحِيُّونَ فَلَمْ تَتَزَعْزَعْ ثِقَتُهُمْ بِٱلنَّجَاةِ.‏ فَٱلرَّبُّ طَمْأَنَ بُولُسَ أَنَّهُ سَيَشْهَدُ لَهُ فِي رُومَا؛‏ وَهٰذَا مَا سَيُؤَكِّدُهُ لَهُ مُجَدَّدًا أَحَدُ ٱلْمَلَائِكَةِ.‏ (‏اع ١٩:‏٢١؛‏ ٢٣:‏١١‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ تَوَاصَلَتِ ٱلْعَاصِفَةُ ٱلْعَاتِيَةُ لَيْلَ نَهَارَ عَلَى مَدَى أُسْبُوعَيْنِ.‏ وَنَتِيجَةَ ٱلْمَطَرِ ٱلْغَزِيرِ وَٱلْغُيُومِ ٱلْكَثِيفَةِ ٱلَّتِي حَجَبَتِ ٱلشَّمْسَ وَٱلنُّجُومَ،‏ عَجِزَ ٱلرُّبَّانُ عَنْ تَحْدِيدِ مَوْقِعِ ٱلسَّفِينَةِ وَمَسَارِهَا.‏ حَتَّى إِنَّ أَحَدًا مِنَ ٱلرُّكَّابِ لَمْ يَتَنَاوَلِ ٱلطَّعَامَ.‏ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِمِ ٱلْقَابِلِيَّةُ لِلْأَكْلِ فِي ظِلِّ ٱلْمَطَرِ وَٱلْبَرْدِ وَدُوَارِ ٱلْبَحْرِ وَٱلْخَوْفِ؟‏!‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ لِمَ أَتَى بُولُسُ عَلَى ذِكْرِ تَنْبِيهِهِ ٱلسَّابِقِ خِلَالَ حَدِيثِهِ مَعَ رُكَّابِ ٱلسَّفِينَةِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْمُشَجِّعَةِ ٱلَّتِي نَقَلَهَا بُولُسُ؟‏

      ١٤ إِزَاءَ هٰذَا ٱلْوَضْعِ،‏ هَلْ بَقِيَ ٱلرَّسُولُ مَكْتُوفَ ٱلْيَدَيْنِ؟‏ تُخْبِرُ ٱلرِّوَايَةُ أَنَّهُ وَقَفَ وَذَكَّرَ ٱلْمَوْجُودِينَ بِتَنْبِيهِهِ ٱلسَّابِقِ.‏ وَبِفِعْلِهِ ذٰلِكَ،‏ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يُعَاتِبَهُمْ قَائِلًا لَهُمْ مَا مَعْنَاهُ:‏ ‹أَمَا حَذَّرْتُكُمْ؟‏!‏›.‏ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَلْفِتَ ٱلِٱنْتِبَاهَ أَنَّ ٱلْأَحْدَاثَ ٱلْأَخِيرَةَ أَثْبَتَتْ مِصْدَاقِيَّةَ أَقْوَالِهِ.‏ ثُمَّ حَثَّهُمْ:‏ «اَلْآنَ أَدْعُوكُمْ أَنْ تَطِيبَ أَنْفُسُكُمْ،‏ لِأَنَّهُ لَنْ تُفْقَدَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ مِنْكُمْ،‏ مَا خَلَا ٱلْمَرْكَبَ».‏ (‏اع ٢٧:‏٢١،‏ ٢٢‏)‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَلَامَ ٱلرَّسُولِ هٰذَا رَدَّ ٱلطُّمَأْنِينَةَ إِلَى قُلُوبِ سَامِعِيهِ.‏ حَتَّى بُولُسُ سُرَّ دُونَ شَكٍّ لِأَنَّ يَهْوَهَ أَوْكَلَ إِلَيْهِ نَقْلَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْمُشَجِّعَةِ.‏ وَمَاذَا عَنَّا؟‏ أَيُّ دَرْسٍ نَسْتَمِدُّهُ؟‏ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ أَنْ نُبْقِيَ فِي بَالِنَا أَنَّ يَهْوَهَ يَهْتَمُّ بِحَيَاةِ ٱلنَّاسِ جَمِيعًا.‏ فَكُلُّ شَخْصٍ غَالٍ فِي عَيْنَيْهِ.‏ ذَكَرَ بُطْرُسُ:‏ «يَهْوَهُ .‏ .‏ .‏ لَا يَرْغَبُ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدٌ،‏ بَلْ أَنْ يَبْلُغَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».‏ (‏٢ بط ٣:‏٩‏)‏ كَمْ مُلِحٌّ إِذًا أَنْ نَبْذُلَ قُصَارَى جُهْدِنَا لِنُعْلِنَ رِسَالَةَ ٱلرَّجَاءِ لِأَكْبَرِ عَدَدٍ مُمْكِنٍ!‏ فَحَيَاةُ ٱلنَّاسِ فِي خَطَرٍ دَاهِمٍ!‏

      ١٥ مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ بُولُسَ كَلَّمَ كَثِيرِينَ عَلَى ٱلْمَرْكَبِ عَنْ «رَجَاءِ ٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱللّٰهُ».‏ (‏اع ٢٦:‏٦؛‏ كو ١:‏٥‏)‏ وَلٰكِنْ بَعْدَمَا أَحْدَقَ بِهِمْ خَطَرُ تَحَطُّمِ ٱلسَّفِينَةِ،‏ أَصْبَحَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَمْنَحَهُمْ رَجَاءً آخَرَ مُتَمَثِّلًا بِنَجَاتِهِمِ ٱلْوَشِيكَةِ مِنْ هٰذَا ٱلْوَضْعِ ٱلْمَأْسَاوِيِّ.‏ ذَكَرَ:‏ «وَقَفَ بِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ مَلَاكٌ .‏ .‏ .‏ قَائِلًا:‏ ‹لَا تَخَفْ يَا بُولُسُ.‏ فَلَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ،‏ وَهَا إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ وَهَبَكَ جَمِيعَ ٱلْمُبْحِرِينَ مَعَكَ›.‏ لِذٰلِكَ فَلْتَطِبْ أَنْفُسُكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ؛‏ لِأَنِّي أُومِنُ بِٱللّٰهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ تَمَامًا كَمَا قِيلَ لِي.‏ إِنَّمَا لَا بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى شَاطِئِ إِحْدَى ٱلْجُزُرِ».‏ —‏ اع ٢٧:‏٢٣-‏٢٦‏.‏

      ‏«اَلْجَمِيعُ وَصَلُوا إِلَى ٱلْبَرِّ سَالِمِينَ» (‏اعمال ٢٧:‏٢٧-‏٤٤‏)‏

      بولس يصلي لركاب سفينة مرعوبين

      ‏«شكر اللّٰه امام الجميع».‏ —‏ اعمال ٢٧:‏٣٥

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ أَيُّ فُرْصَةٍ ٱغْتَنَمَهَا بُولُسُ لِيُصَلِّيَ،‏ وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَحَقَّقَ تَحْذِيرُ بُولُسَ؟‏

      ١٦ بَعْدَ أُسْبُوعَيْنِ مُرَوِّعَيْنِ دَفَعَتِ ٱلرِّيَاحُ خِلَالَهُمَا ٱلسَّفِينَةَ ٨٧٠ كلم تَقْرِيبًا،‏ أَحَسَّ ٱلْبَحَّارَةُ أَنَّ تَغَيُّرًا قَدْ طَرَأَ.‏ فَلَعَلَّهُمْ سَمِعُوا صَوْتَ أَمْوَاجٍ مُتَكَسِّرَةٍ.‏ فَرَمَوُا ٱلْمَرَاسِيَ مِنَ ٱلْمُؤَخَّرِ لِيَتَفَادَوُا ٱنْجِرَافَ ٱلسَّفِينَةِ بَعِيدًا وَلِيُوَجِّهُوا مُقَدَّمَهَا نَحْوَ ٱلْيَابِسَةِ فِي حَالِ أُتِيحَ لَهُمْ سَحْبُهَا إِلَى ٱلشَّاطِئِ.‏ بَعْدَئِذٍ حَاوَلُوا أَنْ يَنْزِلُوا مِنَ ٱلْمَرْكَبِ،‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلْجُنُودَ مَنَعُوهُمْ.‏ فَقَدْ قَالَ بُولُسُ لِلضَّابِطِ وَٱلْجُنُودِ:‏ «إِنْ لَمْ يَبْقَ هٰؤُلَاءِ فِي ٱلْمَرْكَبِ،‏ فَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَخْلُصُوا».‏ وَإِذْ صَارَتْ حَرَكَةُ ٱلسَّفِينَةِ أَكْثَرَ ثَبَاتًا،‏ شَجَّعَ ٱلرَّسُولُ ٱلْجَمِيعَ أَنْ يَأْكُلُوا،‏ مُؤَكِّدًا مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ نَجَاتَهُمْ مَضْمُونَةٌ.‏ وَبَعْدَ ذٰلِكَ «أَخَذَ رَغِيفًا،‏ وَشَكَرَ ٱللّٰهَ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ،‏ وَكَسَرَهُ،‏ وَٱبْتَدَأَ يَأْكُلُ».‏ (‏اع ٢٧:‏٣١،‏ ٣٥‏)‏ وَهٰكَذَا رَسَمَ بُولُسُ مِثَالًا لِلُوقَا وَلِأَرِسْتَرْخُسَ وَلِكُلِّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْعَصْرِيِّينَ.‏ فَٱسْأَلْ نَفْسَكَ:‏ ‹هَلْ أُمِدُّ ٱلْآخَرِينَ بِٱلتَّشْجِيعِ وَٱلتَّعْزِيَةِ حِينَ أُصَلِّي عَلَانِيَةً؟‏›.‏

      ١٧ بَعْدَ صَلَاةِ بُولُسَ،‏ «طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ جَمِيعًا وَتَنَاوَلُوا هُمْ أَيْضًا طَعَامًا».‏ (‏اع ٢٧:‏٣٦‏)‏ ثُمَّ خَفَّفُوا عَنِ ٱلْمَرْكَبِ بِإِلْقَاءِ شِحْنَةِ ٱلْحِنْطَةِ حَتَّى يَطْفُوَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ فِيمَا يَدْنُو مِنَ ٱلشَّاطِئِ.‏ وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ،‏ ٱتَّخَذَ ٱلْبَحَّارَةُ خُطُوَاتٍ تُسَهِّلُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيكَ ٱلسَّفِينَةِ حِينَ يَدْفَعُونَهَا إِلَى ٱلشَّطِّ.‏ فَقَطَعُوا ٱلْمَرَاسِيَ وَحَلُّوا رُبُطَ ٱلْمِجْذَافَيْنِ أَيِ ٱلدَّفَّةِ عِنْدَ ٱلْمُؤَخَّرِ وَرَفَعُوا شِرَاعًا أَمَامِيًّا صَغِيرًا.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْمُقَدَّمَ عَلِقَ بِحَاجِزٍ رَمْلِيٍّ.‏ وَأَمَّا ٱلْمُؤَخَّرُ فَرَاحَ يَتَحَطَّمُ بِفِعْلِ ٱلْأَمْوَاجِ ٱلْمُتَلَاطِمَةِ.‏ إِذَّاكَ هَمَّ بَعْضُ ٱلْجُنُودِ بِقَتْلِ ٱلسُّجَنَاءِ لِئَلَّا يَهْرُبُوا.‏ غَيْرَ أَنَّ يُولِيُوسَ مَنَعَهُمْ،‏ آمِرًا ٱلْجَمِيعَ أَنْ يَسْبَحُوا أَوْ يَعُومُوا حَتَّى يَبْلُغُوا ٱلشَّطَّ.‏ وَهٰكَذَا تَحَقَّقَتْ كَلِمَاتُ بُولُسَ إِذْ نَجَا ٱلرُّكَّابُ جَمِيعًا،‏ ٢٧٦ نَفْسًا.‏ تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ:‏ «اَلْجَمِيعُ وَصَلُوا إِلَى ٱلْبَرِّ سَالِمِينَ».‏ لٰكِنَّ ٱلسُّؤَالَ ٱلْبَدِيهِيَّ هُنَا:‏ أَيْنَ هُمُ ٱلْآنَ؟‏ —‏ اع ٢٧:‏٤٤‏.‏

      أَظْهَرُوا لَنَا «لُطْفًا إِنْسَانِيًّا غَيْرَ عَادِيٍّ» (‏اعمال ٢٨:‏١-‏١٠‏)‏

      ١٨-‏٢٠ كَيْفَ أَظْهَرَ أَهْلُ مَالِطَةَ «لُطْفًا إِنْسَانِيًّا غَيْرَ عَادِيٍّ»،‏ وَأَيَّ عَجِيبَةٍ صَنَعَ بُولُسُ بِمَعُونَةِ ٱللّٰهِ؟‏

      ١٨ تَبَيَّنَ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ تَحَطَّمَتْ بِهِمْ عَلَى جَزِيرَةِ مَالِطَةَ ٱلْوَاقِعَةِ جَنُوبَ صِقِلِّيَة.‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏أَيْنَ تَحَطَّمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِبُولُسَ؟‏‏».‏)‏ وَهُنَاكَ أَظْهَرَ لَهُمْ أَهْلُ ٱلْجَزِيرَةِ «لُطْفًا إِنْسَانِيًّا غَيْرَ عَادِيٍّ».‏ (‏اع ٢٨:‏٢‏)‏ فَقَدْ أَضْرَمُوا نَارًا لِهٰؤُلَاءِ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ بَلَغُوا شَوَاطِئَهُمْ مَبْلُولِينَ يَرْتَعِشُونَ مِنَ ٱلْبَرْدِ وَٱلْمَطَرِ.‏ وَإِذْ كَانُوا يَسْتَدْفِئُونَ،‏ حَدَثَتْ عَجِيبَةٌ فَاجَأَتِ ٱلْجَمِيعَ.‏

      ١٩ فَفِيمَا سَاعَدَ ٱلرَّسُولُ بِجَمْعِ ٱلْعِيدَانِ وَوَضْعِهَا عَلَى ٱلنَّارِ،‏ خَرَجَتْ حَيَّةٌ سَامَّةٌ بِسَبَبِ ٱلْحَرَارَةِ وَلَدَغَتْهُ نَاشِبَةً فِي يَدِهِ.‏ فَظَنَّ إِذَّاكَ أَهْلُ مَالِطَةَ أَنَّ «ٱلْآلِهَةَ» تُعَاقِبُ بُولُسَ.‏a

      ٢٠ كَمَا تَوَقَّعَ هٰؤُلَاءِ أَنْ «يَتَوَرَّمَ مِنَ ٱلِٱلْتِهَابِ».‏ وَٱلْكَلِمَةُ ٱلْأَصْلِيَّةُ ٱلْمُسْتَعْمَلَةُ هُنَا هِيَ «مُصْطَلَحٌ طِبِّيٌّ»،‏ عَلَى حَدِّ قَوْلِ أَحَدِ ٱلْمَرَاجِعِ.‏ وَلَا غَرَابَةَ أَنْ يَخْطُرَ تَعْبِيرٌ كَهٰذَا فِي بَالِ «لُوقَا ٱلطَّبِيبِ ٱلْحَبِيبِ».‏ (‏اع ٢٨:‏٦؛‏ كو ٤:‏١٤‏)‏ لٰكِنَّ ٱلْمُهِمَّ فِي ٱلْمَوْضُوعِ أَنَّ بُولُسَ نَفَضَ ٱلْحَيَوَانَ ٱلسَّامَّ عَنْ يَدِهِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ أَيُّ ضَرَرٍ.‏

      ٢١ (‏أ)‏ اُذْكُرُوا مِثَالَيْنِ يُبْرِزَانِ دِقَّةَ لُوقَا فِي هٰذَا ٱلْجُزْءِ مِنْ سِفْرِ ٱلْأَعْمَالِ.‏ (‏ب)‏ أَيَّ عَجَائِبَ صَنَعَ بُولُسُ،‏ وَكَيْفَ أَثَّرَتْ فِي أَهْلِ مَالِطَةَ؟‏

      ٢١ وَفِي تِلْكَ ٱلْمِنْطَقَةِ،‏ أَقَامَ رَجُلٌ ثَرِيٌّ يَمْلِكُ أَرَاضِيَ شَاسِعَةً يُدْعَى بُوبْلِيُوسَ.‏ وَلَعَلَّهُ كَانَ أَعْلَى ضَابِطٍ رُومَانِيٍّ فِي ٱلْجَزِيرَةِ.‏ يُقَدِّمُهُ لَنَا لُوقَا بِوَصْفِهِ ‏«رَئِيسَ ٱلْجَزِيرَةِ»،‏ مُسْتَخْدِمًا لَقَبًا يَظْهَرُ أَيْضًا فِي نَقْشَيْنِ عُثِرَ عَلَيْهِمَا فِي مَالِطَةَ.‏ فَٱسْتَضَافَ ٱلرَّجُلُ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.‏ وَلٰكِنْ صَدَفَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَرِيضًا.‏ وَمَرَّةً جَدِيدَةً،‏ يَتَوَخَّى لُوقَا ٱلدِّقَّةَ فِي وَصْفِ إِحْدَى ٱلْحَالَاتِ ٱلطِّبِّيَّةِ.‏ فَقَدْ ذَكَرَ بِٱلتَّحْدِيدِ أَنَّ ٱلرَّجُلَ «كَانَ مُضْطَجِعًا يُعَانِي حُمَّى وَزُحَارًا».‏ ثُمَّ يُخْبِرُنَا أَنَّ بُولُسَ صَلَّى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَشَفَاهُ.‏ فَتَرَكَتْ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةُ أَبْلَغَ ٱلْأَثَرِ فِي أَهْلِ ٱلْجَزِيرَةِ ٱلَّذِينَ جَلَبُوا مَرْضَاهُمْ وَحَمَلُوا عَطَايَا لِسَدِّ حَاجَاتِ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ.‏ —‏ اع ٢٨:‏٧-‏١٠‏.‏

      ٢٢ (‏أ)‏ كَيْفَ أَشَادَ بْرُوفِسُورٌ بِرِوَايَةِ لُوقَا عَنِ ٱلرِّحْلَةِ إِلَى رُومَا؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نُنَاقِشُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلتَّالِي؟‏

      ٢٢ إِنَّ ٱلْأَعْدَادَ ٱلَّتِي تَنَاوَلْنَاهَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ زَاخِرَةٌ بِٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلدَّقِيقَةِ.‏ يُعَلِّقُ بْرُوفِسُورٌ قَائِلًا:‏ «تَبْرُزُ رِوَايَةُ لُوقَا .‏ .‏ .‏ بِٱعْتِبَارِهَا أَحَدَ أَهَمِّ ٱلْمَقَاطِعِ ٱلْوَصْفِيَّةِ ٱلنَّابِضَةِ بِٱلْحَيَاةِ فِي كَامِلِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ فَهِيَ تَذْكُرُ تَفَاصِيلَ دَقِيقَةً لِلْغَايَةِ عَنْ فَنِّ ٱلْمِلَاحَةِ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ،‏ وَتُصَوِّرُ ٱلْأَحْوَالَ شَرْقِيَّ ٱلْمُتَوَسِّطِ تَصْوِيرًا حَيًّا لِدَرَجَةِ أَنَّ أَشَدَّ ٱلْمُشَكِّكِينَ يُسَلِّمُونَ بِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ عَلَى يَوْمِيَّاتٍ مُدَوَّنَةٍ».‏ وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنَّ لُوقَا كَانَ يُسَجِّلُ بِٱلْفِعْلِ مُلَاحَظَاتٍ كَهٰذِهِ خِلَالَ سَفَرِهِ مَعَ ٱلرَّسُولِ.‏ وَإِنْ صَحَّ ذٰلِكَ،‏ فَإِنَّ ٱلْجُزْءَ ٱلتَّالِيَ مِنَ ٱلرِّحْلَةِ قَدَّمَ لَهُ مَادَّةً دَسِمَةً لِيَكْتُبَ عَنْهَا.‏ فَمَاذَا يَحِلُّ بِبُولُسَ عِنْدَ وُصُولِهِ أَخِيرًا إِلَى رُومَا؟‏ اِقْرَإِ ٱلْفَصْلَ ٱلتَّالِيَ لِتَعْرِفَ ٱلْجَوَابَ.‏

      a مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْحَيَّاتِ ٱلسَّامَّةَ كَانَتْ مَأْلُوفَةً عِنْدَ ٱلْمَالِطِيِّينَ،‏ مِمَّا يُشِيرُ إِلَى وُجُودِهَا عَلَى جَزِيرَتِهِمْ فِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ.‏ أَمَّا ٱلْيَوْمَ فَلَمْ نَعُدْ نَجِدُ أَيَّ أَفَاعٍ فِي مَالِطَةَ.‏ وَيُعْزَى هٰذَا ٱلتَّبَدُّلُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ إِمَّا إِلَى ٱلتَّغَيُّرَاتِ ٱلْبِيئِيَّةِ ٱلْحَاصِلَةِ عَلَى مَرِّ ٱلْقُرُونِ،‏ أَوْ ٱزْدِيَادِ عَدَدِ ٱلسُّكَّانِ.‏

      أَيْنَ تَحَطَّمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِبُولُسَ؟‏

      تَخْتَلِفُ ٱلْآرَاءُ فِي أَيِّ جَزِيرَةٍ هِيَ «مَالِطَةُ» حَيْثُ تَحَطَّمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِبُولُسَ.‏ فَمِنْ جِهَةٍ،‏ تَقُولُ إِحْدَى ٱلنَّظَرِيَّاتِ إِنَّهَا جَزِيرَةٌ قُرْبَ كُورْفُو ٱلْقَرِيبَةِ مِنْ سَاحِلِ ٱلْيُونَانِ ٱلْغَرْبِيِّ.‏ أَمَّا آخَرُونَ فَيَسْتَنِدُونَ إِلَى ٱلْكَلِمَةِ ٱلْيُونَانِيَّةِ ٱلْمُقَابِلَةِ لِمَالِطَةَ فِي سِفْرِ ٱلْأَعْمَالِ (‏مِليتِه‏)‏ وَيَسْتَنْتِجُونَ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ تَحَطَّمَتْ عِنْدَ شَوَاطِئِ مِيلِيتِيه إِيلِرِيكَا ٱلْمَعْرُوفَةِ ٱلْيَوْمَ بِجَزِيرَةِ مِلْيَات فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْأَدْرِيَاتِيكِيِّ مُقَابِلَ سَاحِلِ كِرْوَاتِيَا.‏

      صَحِيحٌ أَنَّ ٱلْأَعْمَال ٢٧:‏٢٧ تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ «بَحْرِ أَدْرِيَا»،‏ إِلَّا أَنَّ «أَدْرِيَا» أَيَّامَ بُولُسَ دَلَّتْ عَلَى مَسَاحَةٍ أَكْبَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ ٱلْبَحْرِ ٱلْأَدْرِيَاتِيكِيِّ ٱلْعَصْرِيِّ.‏ فَقَدْ ضَمَّتِ ٱلْبَحْرَ ٱلْأَيُّونِيَّ،‏ فَضْلًا عَنِ ٱلْمِيَاهِ بَيْنَ صِقِلِّيَة وَكِرِيتَ أَيِ ٱلْبَحْرِ ٱلْمُلَاصِقِ لِجَزِيرَةِ مَالِطَةَ ٱلْعَصْرِيَّةِ.‏

      وَلَا نَنْسَ أَنَّ ٱلْعَاصِفَةَ سَاقَتْ سَفِينَةَ بُولُسَ جَنُوبًا مِنْ كِنِيدُسَ إِلَى مَا بَعْدَ كِرِيتَ.‏ وَبِٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلرِّيَاحِ ٱلسَّائِدَةِ،‏ مِنَ ٱلْمُسْتَبْعَدِ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ ٱنْعَطَفَتْ بَعْدَئِذٍ وَأَبْحَرَتْ شَمَالًا وُصُولًا إِلَى مِلْيَات أَوْ جَزِيرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ كُورْفُو.‏ لِذَا مِنَ ٱلْمَنْطِقِيِّ أَنْ تَقَعَ «مَالِطَةُ» إِلَى ٱلْغَرْبِ.‏ وَعَلَيْهِ يُرَجَّحُ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ تَحَطَّمَتْ عِنْدَ شَوَاطِئِ جَزِيرَةِ مَالِطَةَ ٱلْعَصْرِيَّةِ ٱلْوَاقِعَةِ جَنُوبَ صِقِلِّيَة.‏

  • ‏«لن تُفقد نفس واحدة منكم»‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢٦

      ‏«لَنْ تُفْقَدَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ مِنْكُمْ»‏

      تَحَطُّمُ ٱلسَّفِينَةِ بِبُولُسَ وَإِعْرَابُهُ عَنِ ٱلْإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢٧:‏١–‏٢٨:‏١٠

      ١،‏ ٢ صِفُوا رِحْلَةَ بُولُسَ،‏ وَٱذْكُرُوا أُمُورًا رُبَّمَا شَغَلَتْ بَالَهُ.‏

      ‏«إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ»!‏ كَلِمَاتٌ تَفَوَّهَ بِهَا ٱلْحَاكِمُ ٱلرُّومَانِيُّ فِسْتُوسُ جَاعِلًا مُسْتَقْبَلَ بُولُسَ فِي مَهَبِّ ٱلرِّيحِ.‏ كَلِمَاتٌ مَصِيرِيَّةٌ سَكَنَتْ فِكْرَ ٱلرَّسُولِ وَٱسْتَوْطَنَتْ فِيهِ.‏ كَلِمَاتٌ أَيْقَظَتْ فِي بُولُسَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنَ ٱلْأَسْرِ ذِكْرَيَاتِ ٱلسَّفَرِ ٱلْجَمِيلَةَ:‏ ذِكْرَيَاتِ ٱلْهَوَاءِ ٱلْعَلِيلِ وَٱلْأُفُقِ ٱلْمَدِيدِ.‏ (‏اع ٢٥:‏١٢‏)‏ لٰكِنَّ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلْكَثِيرَ ٱلتَّرْحَالِ لَمْ يَذُقْ حُلْوَ ٱلسَّفَرِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ مُرَّهُ أَيْضًا.‏ فَمَاذَا يَنْتَظِرُهُ ٱلْآنَ يَا تُرَى؟‏

      ٢ سَبَقَ لِلرَّسُولِ أَنْ مَرَّ تَكْرَارًا «بِأَخْطَارٍ فِي ٱلْبَحْرِ»،‏ إِذْ تَحَطَّمَتْ بِهِ ٱلسَّفِينَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَضَى لَيْلَةً وَنَهَارًا فِي عُرْضِ ٱلْبَحْرِ.‏ (‏٢ كو ١١:‏٢٥،‏ ٢٦‏)‏ وَلٰكِنْ ثَمَّةَ مَا يَزِيدُ ٱلْوَضْعَ سُوءًا هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ.‏ فَهُوَ لَا يُسَافِرُ رَجُلًا حُرًّا فِي رِحْلَةٍ إِرْسَالِيَّةٍ،‏ بَلْ سَجِينًا أَمَامَهُ أَكْثَرُ مِنْ ٠٠٠‏,٣ كلم مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى رُومَا.‏ فَهَلْ يُنْهِي رِحْلَتَهُ سَلِيمًا مُعَافًى،‏ أَمْ إِنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى ٱلْمَوْتِ بِرِجْلَيْهِ؟‏ فَلَا نَنْسَ أَنَّ أَعْظَمَ حَاكِمٍ بَشَرِيٍّ فِي عَالَمِ ٱلشَّيْطَانِ آنَذَاكَ هُوَ ٱلْقَاضِي ٱلَّذِي سَيُحَاكِمُهُ.‏

      ٣ عَلَامَ صَمَّمَ بُولُسُ،‏ وَمَاذَا نُنَاقِشُ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟‏

      ٣ اَلْمَخَاطِرُ ٱلَّتِي تَتَهَدَّدُ ٱلرَّسُولَ كَثِيرَةٌ.‏ وَلٰكِنْ بَعْدَمَا تَعَرَّفْنَا إِلَى شَخْصِيَّتِهِ عَنْ كَثَبٍ،‏ هَلْ نَظُنُّ لَحْظَةً أَنَّهُ سَيَقَعُ فَرِيسَةَ ٱلْيَأْسِ؟‏ لَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ سَيُوَاجِهُ مَصَاعِبَ جَمَّةً،‏ لٰكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَا هِيَ بِٱلتَّحْدِيدِ.‏ فَهَلْ مِنْ نَفْعٍ أَنْ يَسْمَحَ لِهُمُومٍ خَارِجَةٍ عَنْ سَيْطَرَتِهِ أَنْ تَخْنُقَ فَرَحَهُ فِي ٱلْخِدْمَةِ؟‏!‏ (‏مت ٦:‏٢٧،‏ ٣٤‏)‏ كَمَا أَدْرَكَ بُولُسُ يَقِينًا أَنَّ ٱلْمَشِيئَةَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ تَقْضِي بِأَنْ يَسْتَغِلَّ كُلَّ فُرْصَةٍ لِلْكِرَازَةِ،‏ حَتَّى لِلْحُكَّامِ.‏ (‏اع ٩:‏١٥‏)‏ لِذٰلِكَ صَمَّمَ أَنْ يُتِمَّ هٰذَا ٱلتَّفْوِيضَ كَامِلًا مَهْمَا كَانَتِ ٱلظُّرُوفُ.‏ وَمَا ٱلْقَوْلُ فِينَا؟‏ أَوَلَمْ نَعْقِدِ ٱلْعَزْمَ نَحْنُ أَيْضًا عَلَى إِتْمَامِ تَفْوِيضِنَا؟‏!‏ لِنُرَافِقْ بُولُسَ إِذًا فِي هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلتَّارِيخِيَّةِ وَنَتَفَحَّصِ ٱلْفَوَائِدَ ٱلْعَمَلِيَّةَ ٱلَّتِي نَسْتَمِدُّهَا مِنْ مِثَالِهِ.‏

      ‏«اَلرِّيَاحُ كَانَتْ مُضَادَّةً» (‏اعمال ٢٧:‏١-‏٧أ‏)‏

      ٤ مَا نَوْعُ ٱلسَّفِينَةِ ٱلَّتِي رَكِبَهَا بُولُسُ،‏ وَمَنْ رَافَقَهُ؟‏

      ٤ عُهِدَ بِبُولُسَ وَسُجَنَاءَ آخَرِينَ إِلَى ضَابِطٍ رُومَانِيٍّ ٱسْمُهُ يُولِيُوسُ.‏ فَقَرَّرَ هٰذَا ٱلْأَخِيرُ أَنْ يُسَافِرُوا عَلَى مَتْنِ سَفِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ رَسَتْ فِي قَيْصَرِيَّةَ.‏ اِنْطَلَقَتْ هٰذِهِ ٱلسَّفِينَةُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ أَدَرْمِتِيُنَ،‏ مِينَاءٍ عَلَى سَاحِلِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى ٱلْغَرْبِيِّ يَقَعُ قُبَالَةَ مَدِينَةِ مِيتِيلِينِي عَلَى جَزِيرَةِ لَسْبُوس.‏ وَكَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّرِ أَنْ تُبْحِرَ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ شَمَالًا ثُمَّ غَرْبًا وَتَتَوَقَّفَ بَيْنَ ٱلْحِينِ وَٱلْآخَرِ لِإِنْزَالِ ٱلْبَضَائِعِ وَتَحْمِيلِهَا.‏ وَلَمْ تَكُنْ سُفُنٌ كَهٰذِهِ مُصَمَّمَةً لِتَوْفِيرِ ٱلرَّاحَةِ لِلرُّكَّابِ،‏ فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ إِذَا كَانَ ٱلرُّكَّابُ مَسَاجِينَ.‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلْمِلَاحَةُ وَٱلطُّرُقُ ٱلتِّجَارِيَّةُ‏».‏)‏ وَلٰكِنْ لِحُسْنِ ٱلتَّوْفِيقِ،‏ لَمْ يُسَافِرِ ٱلرَّسُولُ وَحْدَهُ مَعَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ.‏ فَقَدْ رَافَقَهُ عَلَى ٱلْأَقَلِّ مَسِيحِيَّانِ آخَرَانِ هُمَا أَرِسْتَرْخُسُ وَلُوقَا ٱلَّذِي دَوَّنَ تَفَاصِيلَ ٱلرِّحْلَةِ.‏ وَلَا نَعْرِفُ هَلْ تَوَجَّبَ عَلَى رَفِيقَيْهِ ٱلْوَلِيَّيْنِ أَنْ يَدْفَعَا لِقَاءَ رُكُوبِهِمَا ٱلسَّفِينَةَ،‏ أَمْ إِنَّهُمَا ٱعْتُبِرَا بِمَثَابَةِ خَادِمَيْنِ لِلرَّسُولِ.‏ —‏ اع ٢٧:‏١،‏ ٢‏.‏

      اَلْمِلَاحَةُ وَٱلطُّرُقُ ٱلتِّجَارِيَّةُ

      فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ،‏ خُصِّصَتِ ٱلسُّفُنُ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَسَاسُ لِنَقْلِ ٱلْبَضَائِعِ،‏ لَا ٱلْمُسَافِرِينَ.‏ أَمَّا ٱلرَّاغِبُونَ فِي ٱلْإِبْحَارِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْحَثُوا عَنْ سَفِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ تُوشِكُ أَنْ تَقْصِدَ ٱلْوُجْهَةَ ٱلْمَنْشُودَةَ وَيُسَاوِمُوا فِي ٱلْأُجْرَةِ،‏ ثُمَّ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ ٱلْإِقْلَاعِ.‏

      وَقَدْ قَطَعَتْ آلَافُ ٱلسُّفُنِ ٱلْبَحْرَ ٱلْمُتَوَسِّطَ ذَهَابًا وَإِيَابًا مُحَمَّلَةً بِمَوَادَّ غِذَائِيَّةٍ وَبَضَائِعَ مُتَنَوِّعَةٍ.‏ وَتَوَجَّبَ عَلَى مُسَافِرِينَ كَثِيرِينَ أَنْ يَنَامُوا عَلَى سَطْحِهَا،‏ رُبَّمَا مُحْتَمِينَ بِمَلَاجِئَ شَبِيهَةٍ بِٱلْخِيَامِ نَصَبُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ لَيْلًا وَفَكَّكُوهَا صَبَاحًا.‏ كَمَا لَزِمَ أَنْ يَحْمِلُوا مَعَهُمْ حَاجِيَّاتِ ٱلسَّفَرِ،‏ بِمَا فِيهَا ٱلْأَغْطِيَةُ وَٱلطَّعَامُ.‏

      أَمَّا طُولُ ٱلرِّحْلَةِ فَتَوَقَّفَ بِٱلْكَامِلِ عَلَى ٱلرِّيَاحِ.‏ وَبِحُكْمِ رَدَاءَةِ ٱلطَّقْسِ خِلَالَ فَصْلِ ٱلشِّتَاءِ،‏ ٱنْقَطَعَتْ حَرَكَةُ ٱلْمِلَاحَةِ إِجْمَالًا مِنْ مُنْتَصَفِ تِشْرِينَ ٱلثَّانِي (‏نُوفَمْبِر)‏ حَتَّى مُنْتَصَفِ آذَارَ (‏مَارِس)‏.‏

      سفينة قديمة

      ٥ مَنْ قَابَلَ بُولُسُ فِي صَيْدُونَ،‏ وَأَيُّ دَرْسٍ نَسْتَمِدُّهُ؟‏

      ٥ قَطَعَتِ ٱلسَّفِينَةُ نَحْوَ ١١٠ كلم شَمَالًا وَرَسَتْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي فِي صَيْدُونَ عَلَى ٱلسَّاحِلِ ٱلسُّورِيِّ.‏ وَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ خَصَّ يُولِيُوسُ ٱلرَّسُولَ بِمُعَامَلَةٍ مُمَيَّزَةٍ،‏ رُبَّمَا لِأَنَّهُ مُوَاطِنٌ رُومَانِيٌّ لَمْ تَثْبُتْ إِدَانَتُهُ بَعْدُ.‏ (‏اع ٢٢:‏٢٧،‏ ٢٨؛‏ ٢٦:‏٣١،‏ ٣٢‏)‏ فَأَذِنَ لَهُ بِٱلنُّزُولِ إِلَى ٱلشَّطِّ وَمُقَابَلَةِ رُفَقَائِهِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فَرِحُوا كَثِيرًا لِٱعْتِنَائِهِمْ بِهِ بَعْدَ سَجْنِهِ ٱلطَّوِيلِ.‏ فَهَلْ تَخْطُرُ فِي بَالِكَ فُرَصٌ مُمَاثِلَةٌ تُتِيحُ لَكَ أَنْ تُظْهِرَ ٱلضِّيَافَةَ وَٱلْمَحَبَّةَ أَنْتَ أَيْضًا وَتَسْتَمِدَّ ٱلتَّشْجِيعَ بِٱلْمُقَابِلِ؟‏ —‏ اع ٢٧:‏٣‏.‏

      ٦-‏٨ كَيْفَ كَانَتْ رِحْلَةُ بُولُسَ مِنْ صَيْدُونَ إِلَى كِنِيدُسَ،‏ وَأَيَّةُ فُرَصٍ ٱغْتَنَمَهَا لِتَقْدِيمِ ٱلشَّهَادَةِ؟‏

      ٦ أَقْلَعَتِ ٱلسَّفِينَةُ مِنْ صَيْدُونَ،‏ ثُمَّ أَبْحَرَتْ شَمَالًا بِٱلْقُرْبِ مِنْ طَرْسُوسَ (‏مَسْقَطِ رَأْسِ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ)‏ مُتَجَاوِزَةً وِلَايَةَ كِيلِيكِيَةَ.‏ وَفِي حِينِ لَا يَذْكُرُ لُوقَا وَقْفَةً أُخْرَى،‏ يُعْلِمُنَا بِتَفْصِيلٍ لَا يُبَشِّرُ بِٱلْخَيْرِ،‏ قَائِلًا إِنَّ «ٱلرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً».‏ (‏اع ٢٧:‏٤،‏ ٥‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ لَا بُدَّ أَنَّ بُولُسَ ٱقْتَنَصَ كُلَّ فُرْصَةٍ سَانِحَةٍ لِيُبَشِّرَ.‏ فَشَهِدَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ لِسَائِرِ ٱلسُّجَنَاءِ وَٱلرُّكَّابِ،‏ بِمَنْ فِيهِمْ طَاقِمُ ٱلسَّفِينَةِ وَٱلْجُنُودُ،‏ فَضْلًا عَنْ كُلِّ مَنِ ٱلْتَقَاهُمْ فِي ٱلْمَرَافِئِ حَيْثُ رَسَتِ ٱلسَّفِينَةُ.‏ فَهَلْ نَغْتَنِمُ بِدَوْرِنَا كُلَّ فُرْصَةٍ مُؤَاتِيَةٍ لِتَقْدِيمِ ٱلشَّهَادَةِ؟‏

      ٧ بَعْدَئِذٍ وَصَلَتِ ٱلسَّفِينَةُ إِلَى مَرْفَإِ مِيرَةَ عَلَى سَاحِلِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى ٱلْجَنُوبِيِّ.‏ وَهُنَاكَ ٱنْتَقَلَ بُولُسُ وَٱلْآخَرُونَ إِلَى سَفِينَةٍ ثَانِيَةٍ تَحْمِلُهُمْ إِلَى وُجْهَتِهِمِ ٱلْأَخِيرَةِ:‏ رُومَا.‏ (‏اع ٢٧:‏٦‏)‏ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ،‏ كَانَتْ رُومَا تَسْتَوْرِدُ ٱلْحُبُوبَ مِنْ مِصْرَ،‏ وَقَدِ ٱعْتَادَتِ ٱلسُّفُنُ ٱلْمِصْرِيَّةُ ٱلْمُحَمَّلَةُ ٱلْوُقُوفَ فِي مِيرَةَ.‏ فَوَجَدَ يُولِيُوسُ إِحْدَاهَا وَأَمَرَ ٱلْجُنُودَ وَٱلسُّجَنَاءَ بِٱلصُّعُودِ إِلَيْهَا.‏ وَلَا بُدَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلسَّفِينَةَ كَانَتْ أَكْبَرَ بِكَثِيرٍ مِنْ سَابِقَتِهَا.‏ فَقَدْ نَقَلَتْ حُمُولَةً ثَمِينَةً مِنَ ٱلْحِنْطَةِ فَضْلًا عَنْ ٢٧٦ رَاكِبًا،‏ بِمَنْ فِيهِمِ ٱلطَّاقِمُ وَٱلْجُنُودُ وَٱلسُّجَنَاءُ وَعَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُسَافِرُونَ آخَرُونَ مُتَّجِهُونَ إِلَى رُومَا.‏ وَهٰكَذَا ٱتَّسَعَتْ مُقَاطَعَةُ بُولُسَ ٱلَّذِي ٱسْتَفَادَ دُونَ شَكٍّ مِنَ ٱلظَّرْفِ ٱلْمُسْتَجِدِّ.‏

      ٨ أَمَّا ٱلْمَحَطَّةُ ٱلتَّالِيَةُ فَكَانَتْ كِنِيدُسَ ٱلْوَاقِعَةَ فِي ٱلطَّرَفِ ٱلْجَنُوبِيِّ ٱلْغَرْبِيِّ مِنْ آسِيَا ٱلصُّغْرَى.‏ يَرْوِي لُوقَا:‏ «أَبْحَرْنَا بِبُطْءٍ عِدَّةَ أَيَّامٍ وَأَتَيْنَا بِصُعُوبَةٍ إِلَى كِنِيدُسَ».‏ (‏اع ٢٧:‏٧أ‏)‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلْأَحْوَالَ سَاءَتْ جِدًّا مِنْ حَوْلِهِمْ.‏ فَلَوْ كَانَتِ ٱلرِّيَاحُ مُؤَاتِيَةً،‏ لَتَمَكَّنَتِ ٱلسَّفِينَةُ مِنْ قَطْعِ هٰذِهِ ٱلْمَسَافَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ تَقْرِيبًا.‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلرِّيَاحُ ٱلْمُضَادَّةُ فِي ٱلْمُتَوَسِّطِ‏»)‏ فَهَلْ تَتَخَيَّلُ وَضْعَ ٱلرُّكَّابِ فِيمَا رَاحَتِ ٱلسَّفِينَةُ تُصَارِعُ ٱلرِّيحَ ٱلْهَوْجَاءَ وَٱلْأَمْوَاجَ ٱلْعَاتِيَةَ؟‏

      اَلرِّيَاحُ ٱلْمُضَادَّةُ فِي ٱلْمُتَوَسِّطِ

      فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ،‏ لَعِبَتِ ٱلرِّيَاحُ وَٱلْفُصُولُ ٱلدَّوْرَ ٱلْأَكْبَرَ فِي تَحْدِيدِ مَتَى تُبْحِرُ ٱلسُّفُنُ ٱلتِّجَارِيَّةُ وَأَيَّ مَسَارٍ تَتَّخِذُ فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْمُتَوَسِّطِ ٱلْمَدْعُوِّ أَيْضًا ٱلْبَحْرَ ٱلْكَبِيرَ.‏ فَفِي شَرْقِ ٱلْمُتَوَسِّطِ مَثَلًا،‏ هَبَّتِ ٱلرِّيَاحُ عَادَةً مِنْ جِهَةِ ٱلْغَرْبِ خِلَالَ فَصْلِ ٱلصَّيْفِ.‏ فَسَهُلَ ٱلْإِبْحَارُ شَرْقًا كَمَا حَدَثَ مَعَ بُولُسَ عِنْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّالِثَةِ.‏ فَقَدْ سَافَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَتْنِ سَفِينَةٍ غَادَرَتْ مِيلِيتُسَ وَٱجْتَازَتْ رُودُسَ،‏ ثُمَّ رَسَتْ فِي بَاتَارَا.‏ بَعْدَئِذٍ ٱتَّبَعُوا مَسَارًا شِبْهَ مُسْتَقِيمٍ مِنْ هُنَاكَ إِلَى صُورَ عَلَى ٱلسَّاحِلِ ٱلْفِينِيقِيِّ.‏ وَعَلَى حَدِّ قَوْلِ لُوقَا،‏ لَاحَتْ لَهُمْ قُبْرُصُ عَلَى ٱلْجَانِبِ ٱلْأَيْسَرِ،‏ مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُمْ أَبْحَرُوا جَنُوبَ ٱلْجَزِيرَةِ.‏ —‏ اع ٢١:‏١-‏٣‏.‏

      وَمَاذَا عَنِ ٱلْإِبْحَارِ فِي ٱلِٱتِّجَاهِ ٱلْمُعَاكِسِ،‏ أَيْ إِلَى جِهَةِ ٱلْغَرْبِ؟‏ يُمْكِنُ لِلسُّفُنِ أَنْ تَجْرِيَ غَرْبًا فِي مَسَارٍ مُشَابِهٍ إِذَا كَانَتِ ٱلرِّيَاحُ مُؤَاتِيَةً.‏ غَيْرَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمُهِمَّةَ ٱسْتَحَالَتْ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ.‏ تَقُولُ دَائِرَةُ مَعَارِفِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ ٱلْقَانُونِيَّةُ ٱلْأُمَمِيَّةُ (‏بِٱلْإِنْكِلِيزِيَّةِ)‏:‏ «مُقَارَنَةً بِسَائِرِ ٱلْفُصُولِ،‏ كَانَتِ ٱلْأَحْوَالُ ٱلْجَوِّيَّةُ فِي ٱلشِّتَاءِ أَقَلَّ ٱسْتِقْرَارًا بِكَثِيرٍ.‏ وَهَبَّتْ فِي أَنْحَاءِ ٱلْمُتَوَسِّطِ نَحْوَ ٱلشَّرْقِ أَعَاصِيرُ عَاتِيَةٌ ٱشْتَدَّتْ رِيَاحُهَا أَحْيَانًا إِلَى أَقْصَى ٱلدَّرَجَاتِ،‏ وَغَالِبًا مَا رَافَقَتْهَا أَمْطَارٌ غَزِيرَةٌ أَوْ ثُلُوجٌ».‏ فَلَا شَكَّ إِذًا أَنَّ مَخَاطِرَ كَبِيرَةً أَحْدَقَتْ بِٱلسُّفُنِ فِي ظِلِّ ظُرُوفٍ كَهٰذِهِ.‏

      وَلٰكِنْ فِي جَمِيعِ ٱلْفُصُولِ تَقْرِيبًا،‏ كَانَ فِي وِسْعِ ٱلسُّفُنِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلسَّاحِلِ أَنْ تَتَّجِهَ شَمَالًا بِمُحَاذَاةِ فِلَسْطِينَ،‏ ثُمَّ تُتَابِعَ ٱلْإِبْحَارَ غَرْبًا مُقَابِلَ بَمْفِيلِيَةَ.‏ وَفِي ٱلْجُزْءِ ٱلْأَخِيرِ مِنَ ٱلرِّحْلَةِ،‏ ٱسْتَفَادَتِ ٱلسُّفُنُ أَحْيَانًا مِنَ ٱلرِّيحِ ٱلْخَفِيفَةِ ٱلَّتِي هَبَّتْ مِنَ ٱلْبَرِّ وَمِنَ ٱلتَّيَّارَاتِ ٱلْمُتَّجِهَةِ غَرْبًا.‏ وَٱلسَّفِينَةُ ٱلْأُولَى ٱلَّتِي رَكِبَهَا بُولُسُ ٱلسَّجِينُ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى رُومَا هِيَ خَيْرُ مِثَالٍ عَلَى ذٰلِكَ.‏ وَلٰكِنْ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ،‏ قَدْ تُصْبِحُ ٱلرِّيحُ «مُضَادَّةً».‏ (‏اع ٢٧:‏٤‏)‏ فَلَعَلَّ سَفِينَةَ ٱلْحِنْطَةِ ٱلْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ لُوقَا كَانَتْ قَدْ أَبْحَرَتْ شَمَالًا مِنْ مِصْرَ ثُمَّ ٱنْعَطَفَتْ وَتَابَعَتِ ٱلْإِبْحَارَ فِي ٱلْمَسَارِ ٱلْآمِنِ بَيْنَ قُبْرُصَ وَآسِيَا ٱلصُّغْرَى.‏ وَمِنْ مِيرَةَ،‏ نَوَى ٱلْقُبْطَانُ أَنْ يُوَاصِلَ طَرِيقَهُ نَحْوَ ٱلْغَرْبِ مُرُورًا بِجَنُوبِ ٱلْيُونَانِ،‏ ثُمَّ نَحْوَ ٱلشَّمَالِ بِمُحَاذَاةِ شَوَاطِئِ إِيطَالِيَا ٱلْغَرْبِيَّةِ.‏ (‏اع ٢٧:‏٥،‏ ٦‏)‏ إِلَّا أَنَّ ٱلرِّيَاحَ وَٱلْأَحْوَالَ ٱلْجَوِّيَّةَ حَمَلَتْ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ.‏

      ‏«اَلْعَاصِفَةُ ٱلْهَوْجَاءُ تَتَقَاذَفُنَا بِعُنْفٍ» (‏اعمال ٢٧:‏٧ب-‏٢٦‏)‏

      ٩،‏ ١٠ أَيُّ صُعُوبَاتٍ وَاجَهَتْهَا ٱلسَّفِينَةُ قُرْبَ كِرِيتَ؟‏

      ٩ عَزَمَ قُبْطَانُ ٱلسَّفِينَةِ أَنْ يُتَابِعُوا ٱلْإِبْحَارَ غَرْبًا مِنْ كِنِيدُسَ.‏ لٰكِنَّ ٱلشَّاهِدَ ٱلْعِيَانِ لُوقَا يُخْبِرُ أَنَّ ‹ٱلرِّيحَ لَمْ تُمَكِّنْهُمْ مِنَ ٱلتَّقَدُّمِ›.‏ (‏اعمال ٢٧:‏٧ب‏)‏ فَعِنْدَمَا ٱبْتَعَدَتِ ٱلسَّفِينَةُ عَنِ ٱلْبَرِّ،‏ لَمْ يَعُدِ ٱلتَّيَّارُ ٱلسَّاحِلِيُّ يُسَاعِدُهَا عَلَى ٱلتَّحَرُّكِ قُدُمًا.‏ ثُمَّ هَبَّتْ رِيَاحٌ مُعَاكِسَةٌ قَوِيَّةٌ مِنَ ٱلشَّمَالِ ٱلْغَرْبِيِّ وَسَاقَتْهَا جَنُوبًا،‏ رُبَّمَا دَافِعَةً إِيَّاهَا بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ.‏ إِذَّاكَ ٱحْتَمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِجَزِيرَةِ كِرِيتَ مِثْلَمَا ٱحْتَمَتِ ٱلسَّفِينَةُ ٱلسَّابِقَةُ بِقُبْرُصَ لَمَّا أَبْحَرَتْ بِمُحَاذَاةِ شَوَاطِئِهَا.‏ وَمَا إِنِ ٱجْتَازُوا رَأْسَ سَلْمُونِي ٱلْوَاقِعَ شَرْقِيَّ كِرِيتَ،‏ حَتَّى ٱنْفَرَجَ ٱلْوَضْعُ قَلِيلًا.‏ فَقَدْ بَلَغَتِ ٱلسَّفِينَةُ جَانِبَ ٱلْجَزِيرَةِ ٱلْجَنُوبِيَّ ٱلْمَحْجُوبَ مِنَ ٱلرِّيحِ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ ٱلرُّكَّابَ تَنَفَّسُوا ٱلصُّعَدَاءَ عِنْدَئِذٍ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱرْتِيَاحَهُمْ مَا كَانَ لِيَدُومَ طَوِيلًا.‏ فَٱلْبَحَّارَةُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَجَاهُلَ دُنُوِّ فَصْلِ ٱلشِّتَاءِ وَسَفِينَتُهُمْ تُوَاصِلُ ٱلْإِبْحَارَ.‏ وَخَوْفُهُمْ هٰذَا لَمْ يَكُنْ عَبَثًا.‏

      ١٠ يَرْوِي لُوقَا بِدِقَّةٍ مَا حَدَثَ تَالِيًا.‏ يَقُولُ:‏ «سِرْنَا بِمُحَاذَاةِ [كِرِيتَ] بِصُعُوبَةٍ وَأَتَيْنَا إِلَى مَكَانٍ يُدْعَى ٱلْمَوَانِيَ ٱلْحَسَنَةَ».‏ لَاحِظْ أَنَّهُمُ ٱسْتَصْعَبُوا ٱلسَّيْطَرَةَ عَلَى ٱلسَّفِينَةِ حَتَّى وَهُمْ مُحْتَمُونَ بِٱلْجَزِيرَةِ.‏ لٰكِنَّهُمْ وَجَدُوا أَخِيرًا مَرْسًى آمِنًا فِي خَلِيجٍ صَغِيرٍ يَقَعُ عَلَى مَا يُظَنُّ عِنْدَ أَقْصَى نُقْطَةٍ جَنُوبِيَّةٍ فِي كِرِيتَ.‏ وَيُخْبِرُ لُوقَا أَنَّهُمْ بَقُوا هُنَاكَ ‹وَقْتًا طَوِيلًا›.‏ لٰكِنَّ ٱلْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ فِي صَالِحِهِمْ.‏ فَٱلْإِبْحَارُ يَزْدَادُ خُطُورَةً فِي شَهْرَيْ أَيْلُولَ وَتِشْرِينَ ٱلْأَوَّلِ (‏سِبْتَمْبِر وَأُكْتُوبِر)‏.‏ —‏ اع ٢٧:‏٨،‏ ٩‏.‏

      ١١ بِمَ نَصَحَ بُولُسُ رُكَّابَ ٱلسَّفِينَةِ،‏ وَلٰكِنْ أَيَّ قَرَارٍ ٱتَّخَذُوا؟‏

      ١١ لَعَلَّ بَعْضَ ٱلرُّكَّابِ عِنْدَئِذٍ طَلَبُوا نَصِيحَةَ بُولُسَ بِحُكْمِ أَسْفَارِهِ ٱلْكَثِيرَةِ فِي ٱلْمُتَوَسِّطِ.‏ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يُكْمِلُوا ٱلرِّحْلَةَ وَإِلَّا يُكَابِدُونَ «ضَرَرًا وَخَسَارَةً كَثِيرَةً»،‏ بِمَا فِيهَا خَسَائِرُ مُحْتَمَلَةٌ فِي ٱلْأَرْوَاحِ.‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلرُّبَّانَ وَصَاحِبَ ٱلسَّفِينَةِ رَغِبَا فِي مُوَاصَلَةِ ٱلتَّقَدُّمِ،‏ فَأَقْنَعَا يُولِيُوسَ بِفِكْرَتِهِمَا.‏ فَرُبَّمَا شَعَرَا بِٱلْحَاجَةِ إِلَى إِيجَادِ مَكَانٍ أَكْثَرَ أَمْنًا بِأَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ.‏ ثُمَّ ٱرْتَأَتِ ٱلْأَكْثَرِيَّةُ أَنْ يُحَاوِلُوا بُلُوغَ فِينِكْسَ،‏ مَرْفَإٍ كِرِيتِيٍّ غَرْبِيَّ ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةِ.‏ فَلَعَلَّ مِينَاءَهُ كَانَ أَكْبَرَ وَأَنْسَبَ لِقَضَاءِ ٱلشِّتَاءِ.‏ لِذٰلِكَ عِنْدَمَا هَبَّتْ رِيحٌ جَنُوبِيَّةٌ خَفِيفَةٌ بَدَتْ مُنَاسِبَةً لِلْإِبْحَارِ،‏ أَقْلَعَتِ ٱلسَّفِينَةُ وَتَابَعَتِ ٱلرِّحْلَةَ.‏ —‏ اع ٢٧:‏١٠-‏١٣‏.‏

      ١٢ أَيُّ مَخَاطِرَ وَاجَهَتْهَا ٱلسَّفِينَةُ بَعْدَ مُغَادَرَةِ كِرِيتَ،‏ وَكَيْفَ حَاوَلَ ٱلطَّاقِمُ تَفَادِيَ ٱلْكَارِثَةِ؟‏

      ١٢ بَعْدَئِذٍ رَاحَ ٱلْوَضْعُ يَتَدَهْوَرُ،‏ إِذْ هَبَّتْ مِنَ ٱلشَّمَالِ ٱلشَّرْقِيِّ «رِيحٌ عَاصِفَةٌ».‏ فَٱحْتَمَوْا مُدَّةً مِنَ ٱلْوَقْتِ «بِجَزِيرَةٍ صَغِيرَةٍ تُدْعَى كَوْدَةَ» تَبْعُدُ ٦٥ كلم تَقْرِيبًا عَنِ ٱلْمَوَانِي ٱلْحَسَنَةِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ ظَلَّتِ ٱلسَّفِينَةُ فِي خَطَرِ ٱلِٱنْقِيَادِ جَنُوبًا وَٱلتَّحَطُّمِ عَلَى ٱلسِّيرْتِسِ،‏ ضِفَافٍ رَمْلِيَّةٍ بِٱلْقُرْبِ مِنَ ٱلسَّاحِلِ ٱلْإِفْرِيقِيِّ.‏ فَمَا عَسَى ٱلْبَحَّارَةُ ٱلْمَرْعُوبُونَ أَنْ يَفْعَلُوا لِتَجَنُّبِ هٰذِهِ ٱلْعَاقِبَةِ ٱلْوَخِيمَةِ؟‏ بِدَايَةً،‏ سَحَبُوا ٱلْقَارِبَ ٱلَّذِي كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ تَجُرُّهُ.‏ وَقَدِ ٱسْتَلْزَمَ ذٰلِكَ جُهْدًا جَهِيدًا لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوًّا بِٱلْمِيَاهِ عَلَى أَغْلَبِ ٱلظَّنِّ.‏ ثُمَّ بَذَلُوا أَقْصَى طَاقَتِهِمْ لِيَحْزِمُوا ٱلْمَرْكَبَ ٱلْكَبِيرَ مِنْ أَسْفَلِهِ.‏ فَمَرَّرُوا حِبَالًا أَوْ سَلَاسِلَ مِنْ تَحْتِهِ لِيُثَبِّتُوا أَلْوَاحَهُ فِي مَكَانِهَا.‏ وَأَنْزَلُوا جِهَازَ ٱلْقُلُوعِ،‏ أَيِ ٱلشِّرَاعَ ٱلرَّئِيسِيَّ،‏ مُجَاهِدِينَ لِلسَّيْرِ بِعَكْسِ مَجْرَى ٱلرِّيحِ لِٱجْتِيَازِ ٱلْعَاصِفَةِ.‏ وَٱلْآنَ،‏ تَخَيَّلِ ٱلرُّعْبَ ٱلَّذِي ٱسْتَأْثَرَ بِنُفُوسِ ٱلْمُسَافِرِينَ حِينَ لَمْ تَفِ كُلُّ هٰذِهِ ٱلتَّدَابِيرِ بِٱلْغَرَضِ وَظَلَّتِ ‹ٱلْعَاصِفَةُ ٱلْهَوْجَاءُ تَتَقَاذَفُهُمْ بِعُنْفٍ›.‏ حَتَّى إِنَّهُمْ أَلْقَوْا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ عُدَّةَ صَوَارِي ٱلْمَرْكَبِ،‏ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ بِهَدَفِ تَعْوِيمِهِ.‏ —‏ اع ٢٧:‏١٤-‏١٩‏.‏

      ١٣ كَيْفَ كَانَتِ ٱلْأَوْضَاعُ عَلَى مَتْنِ ٱلسَّفِينَةِ أَثْنَاءَ ٱلْعَاصِفَةِ؟‏

      ١٣ فِي هٰذِهِ ٱللَّحَظَاتِ ٱلْعَصِيبَةِ كَانَ ٱلرُّعْبُ هُوَ سَيِّدَ ٱلْمَوْقِفِ.‏ أَمَّا ٱلْمَسِيحِيُّونَ فَلَمْ تَتَزَعْزَعْ ثِقَتُهُمْ بِٱلنَّجَاةِ.‏ فَٱلرَّبُّ طَمْأَنَ بُولُسَ أَنَّهُ سَيَشْهَدُ لَهُ فِي رُومَا؛‏ وَهٰذَا مَا سَيُؤَكِّدُهُ لَهُ مُجَدَّدًا أَحَدُ ٱلْمَلَائِكَةِ.‏ (‏اع ١٩:‏٢١؛‏ ٢٣:‏١١‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ تَوَاصَلَتِ ٱلْعَاصِفَةُ ٱلْعَاتِيَةُ لَيْلَ نَهَارَ عَلَى مَدَى أُسْبُوعَيْنِ.‏ وَنَتِيجَةَ ٱلْمَطَرِ ٱلْغَزِيرِ وَٱلْغُيُومِ ٱلْكَثِيفَةِ ٱلَّتِي حَجَبَتِ ٱلشَّمْسَ وَٱلنُّجُومَ،‏ عَجِزَ ٱلرُّبَّانُ عَنْ تَحْدِيدِ مَوْقِعِ ٱلسَّفِينَةِ وَمَسَارِهَا.‏ حَتَّى إِنَّ أَحَدًا مِنَ ٱلرُّكَّابِ لَمْ يَتَنَاوَلِ ٱلطَّعَامَ.‏ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِيهِمِ ٱلْقَابِلِيَّةُ لِلْأَكْلِ فِي ظِلِّ ٱلْمَطَرِ وَٱلْبَرْدِ وَدُوَارِ ٱلْبَحْرِ وَٱلْخَوْفِ؟‏!‏

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ لِمَ أَتَى بُولُسُ عَلَى ذِكْرِ تَنْبِيهِهِ ٱلسَّابِقِ خِلَالَ حَدِيثِهِ مَعَ رُكَّابِ ٱلسَّفِينَةِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْمُشَجِّعَةِ ٱلَّتِي نَقَلَهَا بُولُسُ؟‏

      ١٤ إِزَاءَ هٰذَا ٱلْوَضْعِ،‏ هَلْ بَقِيَ ٱلرَّسُولُ مَكْتُوفَ ٱلْيَدَيْنِ؟‏ تُخْبِرُ ٱلرِّوَايَةُ أَنَّهُ وَقَفَ وَذَكَّرَ ٱلْمَوْجُودِينَ بِتَنْبِيهِهِ ٱلسَّابِقِ.‏ وَبِفِعْلِهِ ذٰلِكَ،‏ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يُعَاتِبَهُمْ قَائِلًا لَهُمْ مَا مَعْنَاهُ:‏ ‹أَمَا حَذَّرْتُكُمْ؟‏!‏›.‏ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَلْفِتَ ٱلِٱنْتِبَاهَ أَنَّ ٱلْأَحْدَاثَ ٱلْأَخِيرَةَ أَثْبَتَتْ مِصْدَاقِيَّةَ أَقْوَالِهِ.‏ ثُمَّ حَثَّهُمْ:‏ «اَلْآنَ أَدْعُوكُمْ أَنْ تَطِيبَ أَنْفُسُكُمْ،‏ لِأَنَّهُ لَنْ تُفْقَدَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ مِنْكُمْ،‏ مَا خَلَا ٱلْمَرْكَبَ».‏ (‏اع ٢٧:‏٢١،‏ ٢٢‏)‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّ كَلَامَ ٱلرَّسُولِ هٰذَا رَدَّ ٱلطُّمَأْنِينَةَ إِلَى قُلُوبِ سَامِعِيهِ.‏ حَتَّى بُولُسُ سُرَّ دُونَ شَكٍّ لِأَنَّ يَهْوَهَ أَوْكَلَ إِلَيْهِ نَقْلَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْمُشَجِّعَةِ.‏ وَمَاذَا عَنَّا؟‏ أَيُّ دَرْسٍ نَسْتَمِدُّهُ؟‏ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ أَنْ نُبْقِيَ فِي بَالِنَا أَنَّ يَهْوَهَ يَهْتَمُّ بِحَيَاةِ ٱلنَّاسِ جَمِيعًا.‏ فَكُلُّ شَخْصٍ غَالٍ فِي عَيْنَيْهِ.‏ ذَكَرَ بُطْرُسُ:‏ «يَهْوَهُ .‏ .‏ .‏ لَا يَرْغَبُ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدٌ،‏ بَلْ أَنْ يَبْلُغَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».‏ (‏٢ بط ٣:‏٩‏)‏ كَمْ مُلِحٌّ إِذًا أَنْ نَبْذُلَ قُصَارَى جُهْدِنَا لِنُعْلِنَ رِسَالَةَ ٱلرَّجَاءِ لِأَكْبَرِ عَدَدٍ مُمْكِنٍ!‏ فَحَيَاةُ ٱلنَّاسِ فِي خَطَرٍ دَاهِمٍ!‏

      ١٥ مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ بُولُسَ كَلَّمَ كَثِيرِينَ عَلَى ٱلْمَرْكَبِ عَنْ «رَجَاءِ ٱلْوَعْدِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱللّٰهُ».‏ (‏اع ٢٦:‏٦؛‏ كو ١:‏٥‏)‏ وَلٰكِنْ بَعْدَمَا أَحْدَقَ بِهِمْ خَطَرُ تَحَطُّمِ ٱلسَّفِينَةِ،‏ أَصْبَحَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَمْنَحَهُمْ رَجَاءً آخَرَ مُتَمَثِّلًا بِنَجَاتِهِمِ ٱلْوَشِيكَةِ مِنْ هٰذَا ٱلْوَضْعِ ٱلْمَأْسَاوِيِّ.‏ ذَكَرَ:‏ «وَقَفَ بِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ مَلَاكٌ .‏ .‏ .‏ قَائِلًا:‏ ‹لَا تَخَفْ يَا بُولُسُ.‏ فَلَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ،‏ وَهَا إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ وَهَبَكَ جَمِيعَ ٱلْمُبْحِرِينَ مَعَكَ›.‏ لِذٰلِكَ فَلْتَطِبْ أَنْفُسُكُمْ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ؛‏ لِأَنِّي أُومِنُ بِٱللّٰهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ تَمَامًا كَمَا قِيلَ لِي.‏ إِنَّمَا لَا بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى شَاطِئِ إِحْدَى ٱلْجُزُرِ».‏ —‏ اع ٢٧:‏٢٣-‏٢٦‏.‏

      ‏«اَلْجَمِيعُ وَصَلُوا إِلَى ٱلْبَرِّ سَالِمِينَ» (‏اعمال ٢٧:‏٢٧-‏٤٤‏)‏

      بولس يصلي لركاب سفينة مرعوبين

      ‏«شكر اللّٰه امام الجميع».‏ —‏ اعمال ٢٧:‏٣٥

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ أَيُّ فُرْصَةٍ ٱغْتَنَمَهَا بُولُسُ لِيُصَلِّيَ،‏ وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَحَقَّقَ تَحْذِيرُ بُولُسَ؟‏

      ١٦ بَعْدَ أُسْبُوعَيْنِ مُرَوِّعَيْنِ دَفَعَتِ ٱلرِّيَاحُ خِلَالَهُمَا ٱلسَّفِينَةَ ٨٧٠ كلم تَقْرِيبًا،‏ أَحَسَّ ٱلْبَحَّارَةُ أَنَّ تَغَيُّرًا قَدْ طَرَأَ.‏ فَلَعَلَّهُمْ سَمِعُوا صَوْتَ أَمْوَاجٍ مُتَكَسِّرَةٍ.‏ فَرَمَوُا ٱلْمَرَاسِيَ مِنَ ٱلْمُؤَخَّرِ لِيَتَفَادَوُا ٱنْجِرَافَ ٱلسَّفِينَةِ بَعِيدًا وَلِيُوَجِّهُوا مُقَدَّمَهَا نَحْوَ ٱلْيَابِسَةِ فِي حَالِ أُتِيحَ لَهُمْ سَحْبُهَا إِلَى ٱلشَّاطِئِ.‏ بَعْدَئِذٍ حَاوَلُوا أَنْ يَنْزِلُوا مِنَ ٱلْمَرْكَبِ،‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلْجُنُودَ مَنَعُوهُمْ.‏ فَقَدْ قَالَ بُولُسُ لِلضَّابِطِ وَٱلْجُنُودِ:‏ «إِنْ لَمْ يَبْقَ هٰؤُلَاءِ فِي ٱلْمَرْكَبِ،‏ فَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَخْلُصُوا».‏ وَإِذْ صَارَتْ حَرَكَةُ ٱلسَّفِينَةِ أَكْثَرَ ثَبَاتًا،‏ شَجَّعَ ٱلرَّسُولُ ٱلْجَمِيعَ أَنْ يَأْكُلُوا،‏ مُؤَكِّدًا مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ نَجَاتَهُمْ مَضْمُونَةٌ.‏ وَبَعْدَ ذٰلِكَ «أَخَذَ رَغِيفًا،‏ وَشَكَرَ ٱللّٰهَ أَمَامَ ٱلْجَمِيعِ،‏ وَكَسَرَهُ،‏ وَٱبْتَدَأَ يَأْكُلُ».‏ (‏اع ٢٧:‏٣١،‏ ٣٥‏)‏ وَهٰكَذَا رَسَمَ بُولُسُ مِثَالًا لِلُوقَا وَلِأَرِسْتَرْخُسَ وَلِكُلِّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْعَصْرِيِّينَ.‏ فَٱسْأَلْ نَفْسَكَ:‏ ‹هَلْ أُمِدُّ ٱلْآخَرِينَ بِٱلتَّشْجِيعِ وَٱلتَّعْزِيَةِ حِينَ أُصَلِّي عَلَانِيَةً؟‏›.‏

      ١٧ بَعْدَ صَلَاةِ بُولُسَ،‏ «طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ جَمِيعًا وَتَنَاوَلُوا هُمْ أَيْضًا طَعَامًا».‏ (‏اع ٢٧:‏٣٦‏)‏ ثُمَّ خَفَّفُوا عَنِ ٱلْمَرْكَبِ بِإِلْقَاءِ شِحْنَةِ ٱلْحِنْطَةِ حَتَّى يَطْفُوَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ فِيمَا يَدْنُو مِنَ ٱلشَّاطِئِ.‏ وَلَمَّا صَارَ ٱلنَّهَارُ،‏ ٱتَّخَذَ ٱلْبَحَّارَةُ خُطُوَاتٍ تُسَهِّلُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيكَ ٱلسَّفِينَةِ حِينَ يَدْفَعُونَهَا إِلَى ٱلشَّطِّ.‏ فَقَطَعُوا ٱلْمَرَاسِيَ وَحَلُّوا رُبُطَ ٱلْمِجْذَافَيْنِ أَيِ ٱلدَّفَّةِ عِنْدَ ٱلْمُؤَخَّرِ وَرَفَعُوا شِرَاعًا أَمَامِيًّا صَغِيرًا.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْمُقَدَّمَ عَلِقَ بِحَاجِزٍ رَمْلِيٍّ.‏ وَأَمَّا ٱلْمُؤَخَّرُ فَرَاحَ يَتَحَطَّمُ بِفِعْلِ ٱلْأَمْوَاجِ ٱلْمُتَلَاطِمَةِ.‏ إِذَّاكَ هَمَّ بَعْضُ ٱلْجُنُودِ بِقَتْلِ ٱلسُّجَنَاءِ لِئَلَّا يَهْرُبُوا.‏ غَيْرَ أَنَّ يُولِيُوسَ مَنَعَهُمْ،‏ آمِرًا ٱلْجَمِيعَ أَنْ يَسْبَحُوا أَوْ يَعُومُوا حَتَّى يَبْلُغُوا ٱلشَّطَّ.‏ وَهٰكَذَا تَحَقَّقَتْ كَلِمَاتُ بُولُسَ إِذْ نَجَا ٱلرُّكَّابُ جَمِيعًا،‏ ٢٧٦ نَفْسًا.‏ تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ:‏ «اَلْجَمِيعُ وَصَلُوا إِلَى ٱلْبَرِّ سَالِمِينَ».‏ لٰكِنَّ ٱلسُّؤَالَ ٱلْبَدِيهِيَّ هُنَا:‏ أَيْنَ هُمُ ٱلْآنَ؟‏ —‏ اع ٢٧:‏٤٤‏.‏

      أَظْهَرُوا لَنَا «لُطْفًا إِنْسَانِيًّا غَيْرَ عَادِيٍّ» (‏اعمال ٢٨:‏١-‏١٠‏)‏

      ١٨-‏٢٠ كَيْفَ أَظْهَرَ أَهْلُ مَالِطَةَ «لُطْفًا إِنْسَانِيًّا غَيْرَ عَادِيٍّ»،‏ وَأَيَّ عَجِيبَةٍ صَنَعَ بُولُسُ بِمَعُونَةِ ٱللّٰهِ؟‏

      ١٨ تَبَيَّنَ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ تَحَطَّمَتْ بِهِمْ عَلَى جَزِيرَةِ مَالِطَةَ ٱلْوَاقِعَةِ جَنُوبَ صِقِلِّيَة.‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏أَيْنَ تَحَطَّمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِبُولُسَ؟‏‏».‏)‏ وَهُنَاكَ أَظْهَرَ لَهُمْ أَهْلُ ٱلْجَزِيرَةِ «لُطْفًا إِنْسَانِيًّا غَيْرَ عَادِيٍّ».‏ (‏اع ٢٨:‏٢‏)‏ فَقَدْ أَضْرَمُوا نَارًا لِهٰؤُلَاءِ ٱلْغُرَبَاءِ ٱلَّذِينَ بَلَغُوا شَوَاطِئَهُمْ مَبْلُولِينَ يَرْتَعِشُونَ مِنَ ٱلْبَرْدِ وَٱلْمَطَرِ.‏ وَإِذْ كَانُوا يَسْتَدْفِئُونَ،‏ حَدَثَتْ عَجِيبَةٌ فَاجَأَتِ ٱلْجَمِيعَ.‏

      ١٩ فَفِيمَا سَاعَدَ ٱلرَّسُولُ بِجَمْعِ ٱلْعِيدَانِ وَوَضْعِهَا عَلَى ٱلنَّارِ،‏ خَرَجَتْ حَيَّةٌ سَامَّةٌ بِسَبَبِ ٱلْحَرَارَةِ وَلَدَغَتْهُ نَاشِبَةً فِي يَدِهِ.‏ فَظَنَّ إِذَّاكَ أَهْلُ مَالِطَةَ أَنَّ «ٱلْآلِهَةَ» تُعَاقِبُ بُولُسَ.‏a

      ٢٠ كَمَا تَوَقَّعَ هٰؤُلَاءِ أَنْ «يَتَوَرَّمَ مِنَ ٱلِٱلْتِهَابِ».‏ وَٱلْكَلِمَةُ ٱلْأَصْلِيَّةُ ٱلْمُسْتَعْمَلَةُ هُنَا هِيَ «مُصْطَلَحٌ طِبِّيٌّ»،‏ عَلَى حَدِّ قَوْلِ أَحَدِ ٱلْمَرَاجِعِ.‏ وَلَا غَرَابَةَ أَنْ يَخْطُرَ تَعْبِيرٌ كَهٰذَا فِي بَالِ «لُوقَا ٱلطَّبِيبِ ٱلْحَبِيبِ».‏ (‏اع ٢٨:‏٦؛‏ كو ٤:‏١٤‏)‏ لٰكِنَّ ٱلْمُهِمَّ فِي ٱلْمَوْضُوعِ أَنَّ بُولُسَ نَفَضَ ٱلْحَيَوَانَ ٱلسَّامَّ عَنْ يَدِهِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ أَيُّ ضَرَرٍ.‏

      ٢١ (‏أ)‏ اُذْكُرُوا مِثَالَيْنِ يُبْرِزَانِ دِقَّةَ لُوقَا فِي هٰذَا ٱلْجُزْءِ مِنْ سِفْرِ ٱلْأَعْمَالِ.‏ (‏ب)‏ أَيَّ عَجَائِبَ صَنَعَ بُولُسُ،‏ وَكَيْفَ أَثَّرَتْ فِي أَهْلِ مَالِطَةَ؟‏

      ٢١ وَفِي تِلْكَ ٱلْمِنْطَقَةِ،‏ أَقَامَ رَجُلٌ ثَرِيٌّ يَمْلِكُ أَرَاضِيَ شَاسِعَةً يُدْعَى بُوبْلِيُوسَ.‏ وَلَعَلَّهُ كَانَ أَعْلَى ضَابِطٍ رُومَانِيٍّ فِي ٱلْجَزِيرَةِ.‏ يُقَدِّمُهُ لَنَا لُوقَا بِوَصْفِهِ ‏«رَئِيسَ ٱلْجَزِيرَةِ»،‏ مُسْتَخْدِمًا لَقَبًا يَظْهَرُ أَيْضًا فِي نَقْشَيْنِ عُثِرَ عَلَيْهِمَا فِي مَالِطَةَ.‏ فَٱسْتَضَافَ ٱلرَّجُلُ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.‏ وَلٰكِنْ صَدَفَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَرِيضًا.‏ وَمَرَّةً جَدِيدَةً،‏ يَتَوَخَّى لُوقَا ٱلدِّقَّةَ فِي وَصْفِ إِحْدَى ٱلْحَالَاتِ ٱلطِّبِّيَّةِ.‏ فَقَدْ ذَكَرَ بِٱلتَّحْدِيدِ أَنَّ ٱلرَّجُلَ «كَانَ مُضْطَجِعًا يُعَانِي حُمَّى وَزُحَارًا».‏ ثُمَّ يُخْبِرُنَا أَنَّ بُولُسَ صَلَّى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَشَفَاهُ.‏ فَتَرَكَتْ هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةُ أَبْلَغَ ٱلْأَثَرِ فِي أَهْلِ ٱلْجَزِيرَةِ ٱلَّذِينَ جَلَبُوا مَرْضَاهُمْ وَحَمَلُوا عَطَايَا لِسَدِّ حَاجَاتِ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ.‏ —‏ اع ٢٨:‏٧-‏١٠‏.‏

      ٢٢ (‏أ)‏ كَيْفَ أَشَادَ بْرُوفِسُورٌ بِرِوَايَةِ لُوقَا عَنِ ٱلرِّحْلَةِ إِلَى رُومَا؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نُنَاقِشُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلتَّالِي؟‏

      ٢٢ إِنَّ ٱلْأَعْدَادَ ٱلَّتِي تَنَاوَلْنَاهَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ زَاخِرَةٌ بِٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلدَّقِيقَةِ.‏ يُعَلِّقُ بْرُوفِسُورٌ قَائِلًا:‏ «تَبْرُزُ رِوَايَةُ لُوقَا .‏ .‏ .‏ بِٱعْتِبَارِهَا أَحَدَ أَهَمِّ ٱلْمَقَاطِعِ ٱلْوَصْفِيَّةِ ٱلنَّابِضَةِ بِٱلْحَيَاةِ فِي كَامِلِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ فَهِيَ تَذْكُرُ تَفَاصِيلَ دَقِيقَةً لِلْغَايَةِ عَنْ فَنِّ ٱلْمِلَاحَةِ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ،‏ وَتُصَوِّرُ ٱلْأَحْوَالَ شَرْقِيَّ ٱلْمُتَوَسِّطِ تَصْوِيرًا حَيًّا لِدَرَجَةِ أَنَّ أَشَدَّ ٱلْمُشَكِّكِينَ يُسَلِّمُونَ بِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ عَلَى يَوْمِيَّاتٍ مُدَوَّنَةٍ».‏ وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنَّ لُوقَا كَانَ يُسَجِّلُ بِٱلْفِعْلِ مُلَاحَظَاتٍ كَهٰذِهِ خِلَالَ سَفَرِهِ مَعَ ٱلرَّسُولِ.‏ وَإِنْ صَحَّ ذٰلِكَ،‏ فَإِنَّ ٱلْجُزْءَ ٱلتَّالِيَ مِنَ ٱلرِّحْلَةِ قَدَّمَ لَهُ مَادَّةً دَسِمَةً لِيَكْتُبَ عَنْهَا.‏ فَمَاذَا يَحِلُّ بِبُولُسَ عِنْدَ وُصُولِهِ أَخِيرًا إِلَى رُومَا؟‏ اِقْرَإِ ٱلْفَصْلَ ٱلتَّالِيَ لِتَعْرِفَ ٱلْجَوَابَ.‏

      a مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْحَيَّاتِ ٱلسَّامَّةَ كَانَتْ مَأْلُوفَةً عِنْدَ ٱلْمَالِطِيِّينَ،‏ مِمَّا يُشِيرُ إِلَى وُجُودِهَا عَلَى جَزِيرَتِهِمْ فِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ.‏ أَمَّا ٱلْيَوْمَ فَلَمْ نَعُدْ نَجِدُ أَيَّ أَفَاعٍ فِي مَالِطَةَ.‏ وَيُعْزَى هٰذَا ٱلتَّبَدُّلُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ إِمَّا إِلَى ٱلتَّغَيُّرَاتِ ٱلْبِيئِيَّةِ ٱلْحَاصِلَةِ عَلَى مَرِّ ٱلْقُرُونِ،‏ أَوْ ٱزْدِيَادِ عَدَدِ ٱلسُّكَّانِ.‏

      أَيْنَ تَحَطَّمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِبُولُسَ؟‏

      تَخْتَلِفُ ٱلْآرَاءُ فِي أَيِّ جَزِيرَةٍ هِيَ «مَالِطَةُ» حَيْثُ تَحَطَّمَتِ ٱلسَّفِينَةُ بِبُولُسَ.‏ فَمِنْ جِهَةٍ،‏ تَقُولُ إِحْدَى ٱلنَّظَرِيَّاتِ إِنَّهَا جَزِيرَةٌ قُرْبَ كُورْفُو ٱلْقَرِيبَةِ مِنْ سَاحِلِ ٱلْيُونَانِ ٱلْغَرْبِيِّ.‏ أَمَّا آخَرُونَ فَيَسْتَنِدُونَ إِلَى ٱلْكَلِمَةِ ٱلْيُونَانِيَّةِ ٱلْمُقَابِلَةِ لِمَالِطَةَ فِي سِفْرِ ٱلْأَعْمَالِ (‏مِليتِه‏)‏ وَيَسْتَنْتِجُونَ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ تَحَطَّمَتْ عِنْدَ شَوَاطِئِ مِيلِيتِيه إِيلِرِيكَا ٱلْمَعْرُوفَةِ ٱلْيَوْمَ بِجَزِيرَةِ مِلْيَات فِي ٱلْبَحْرِ ٱلْأَدْرِيَاتِيكِيِّ مُقَابِلَ سَاحِلِ كِرْوَاتِيَا.‏

      صَحِيحٌ أَنَّ ٱلْأَعْمَال ٢٧:‏٢٧ تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ «بَحْرِ أَدْرِيَا»،‏ إِلَّا أَنَّ «أَدْرِيَا» أَيَّامَ بُولُسَ دَلَّتْ عَلَى مَسَاحَةٍ أَكْبَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ ٱلْبَحْرِ ٱلْأَدْرِيَاتِيكِيِّ ٱلْعَصْرِيِّ.‏ فَقَدْ ضَمَّتِ ٱلْبَحْرَ ٱلْأَيُّونِيَّ،‏ فَضْلًا عَنِ ٱلْمِيَاهِ بَيْنَ صِقِلِّيَة وَكِرِيتَ أَيِ ٱلْبَحْرِ ٱلْمُلَاصِقِ لِجَزِيرَةِ مَالِطَةَ ٱلْعَصْرِيَّةِ.‏

      وَلَا نَنْسَ أَنَّ ٱلْعَاصِفَةَ سَاقَتْ سَفِينَةَ بُولُسَ جَنُوبًا مِنْ كِنِيدُسَ إِلَى مَا بَعْدَ كِرِيتَ.‏ وَبِٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلرِّيَاحِ ٱلسَّائِدَةِ،‏ مِنَ ٱلْمُسْتَبْعَدِ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ ٱنْعَطَفَتْ بَعْدَئِذٍ وَأَبْحَرَتْ شَمَالًا وُصُولًا إِلَى مِلْيَات أَوْ جَزِيرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ كُورْفُو.‏ لِذَا مِنَ ٱلْمَنْطِقِيِّ أَنْ تَقَعَ «مَالِطَةُ» إِلَى ٱلْغَرْبِ.‏ وَعَلَيْهِ يُرَجَّحُ أَنَّ ٱلسَّفِينَةَ تَحَطَّمَتْ عِنْدَ شَوَاطِئِ جَزِيرَةِ مَالِطَةَ ٱلْعَصْرِيَّةِ ٱلْوَاقِعَةِ جَنُوبَ صِقِلِّيَة.‏

  • ‏‹شهد كاملا عن ملكوت اللّٰه›‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢٧

      ‏‹شَهِدَ كَامِلًا عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ›‏

      بُولُسُ ٱلسَّجِينُ يُتَابِعُ ٱلْكِرَازَةَ فِي رُومَا

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢٨:‏١١-‏٣١

      ١ مِمَّ تَأَكَّدَ بُولُسُ وَلُوقَا وَأَرِسْتَرْخُسُ،‏ وَلِمَاذَا؟‏

      نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٩ ب‌م،‏ يُغَادِرُ بُولُسُ ٱلسَّجِينُ جَزِيرَةَ مَالِطَةَ يُرَافِقُهُ لُوقَا وَأَرِسْتَرْخُسُ.‏ (‏اع ٢٧:‏٢‏)‏ وُجْهَتُهُمُ ٱلتَّالِيَةُ هِيَ إِيطَالِيَا،‏ أَمَّا وَسِيلَةُ ٱلنَّقْلِ فَهِيَ مَرْكَبٌ كَبِيرٌ يَنْقُلُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ حُمُولَةَ حُبُوبٍ وَعَلَيْهِ فِي مُقَدَّمِهِ صُورَةُ «ٱبْنَيْ زَفْسٍ».‏ (‏اع ٢٨:‏١١‏)‏ طَاقِمُ ٱلسَّفِينَةِ يَشُدُّ ظَهْرَهُ بِٱبْنَيِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْيُونَانِيِّ زَفْسٍ،‏ ٱلتَّوْأَمِ كَاسْتُور وَبُولُوكْس.‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلرُّكَّابَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلثَّلَاثَةَ لَا يَحْتَمُونَ إِلَّا تَحْتَ جَنَاحَيْ يَهْوَهَ.‏ وَإِلٰهُهُمُ ٱلْحَقِيقِيُّ بِذَاتِهِ أَكَّدَ لِبُولُسَ أَنَّهُ سَيَشْهَدُ لِلْحَقِّ فِي رُومَا حَيْثُ يَقِفُ أَمَامَ قَيْصَرَ نَفْسِهِ.‏ —‏ اع ٢٣:‏١١؛‏ ٢٧:‏٢٤‏.‏

      ٢،‏ ٣ أَيُّ مَسَارٍ يَتْبَعُهُ مَرْكَبُ بُولُسَ،‏ وَمَنْ دَعَمَ ٱلرَّسُولَ مِنْ بِدَايَةِ ٱلرِّحْلَةِ؟‏

      ٢ يَرْسُو ٱلْمَرْكَبُ فِي سِيرَاقُوسَةَ،‏ مَدِينَةٍ جَمِيلَةٍ فِي صِقِلِّيَةَ تُضَاهِي أَثِينَا وَرُومَا مِنْ حَيْثُ ٱلْأَهَمِّيَّةُ.‏ وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،‏ يُبْحِرُ إِلَى رِيغِيُونَ ٱلْوَاقِعَةِ جَنُوبِيَّ إِيطَالِيَا.‏ ثُمَّ يَصِلُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّانِي بِوَقْتٍ قِيَاسِيٍّ إِلَى مَرْفَإِ بُوطِيُولِي ٱلْإِيطَالِيِّ (‏قُرْبَ نَابُولِي ٱلْيَوْمَ)‏.‏ فَيَقْطَعُ ١٧٥ مِيلًا بَحْرِيًّا مُسْتَعِينًا بِٱلرِّيحِ ٱلْجَنُوبِيَّةِ.‏ —‏ اع ٢٨:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

      ٣ وَهٰكَذَا أَصْبَحَ ٱلرَّسُولُ قَابَ قَوْسَيْنِ مِنْ رُومَا حَيْثُ سَيَمْثُلُ أَمَامَ ٱلْإِمْبَرَاطُورِ نَيْرُونَ.‏ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ مِنْ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلطَّوِيلَةِ،‏ وَقَفَ «إِلٰهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ» إِلَى جَانِبِ بُولُسَ.‏ (‏٢ كو ١:‏٣‏)‏ وَكَمَا نَرَى فِي مَا يَلِي،‏ سَيَظَلُّ يَهْوَهُ مَادًّا لَهُ يَدَ ٱلْمُسَاعَدَةِ فِي حِينِ يَبْقَى هُوَ عَلَى غَيْرَتِهِ ٱلْمُتَّقِدَةِ.‏

      ‏«شَكَرَ ٱللّٰهَ وَتَشَجَّعَ» (‏اعمال ٢٨:‏١٤،‏ ١٥‏)‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ كَيْفَ أَحْسَنَ ٱلْإِخْوَةُ ٱسْتِقْبَالَ بُولُسَ وَرَفِيقَيْهِ فِي بُوطِيُولِي،‏ وَلِمَ حَظِيَ ٱلرَّسُولُ بِهٰذَا ٱلْقَدْرِ مِنَ ٱلْحُرِّيَّةِ؟‏ (‏ب)‏ مَا بَعْضُ ٱلْفَوَائِدِ ٱلنَّاجِمَةِ عَنْ سُلُوكِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَسَنِ حَتَّى خِلَالَ وُجُودِهِمْ فِي ٱلسِّجْنِ؟‏

      ٤ يَرْوِي لُوقَا مَا حَدَثَ فِي بُوطِيُولِي،‏ قَائِلًا:‏ «وَجَدْنَا إِخْوَةً،‏ فَٱلْتَمَسُوا مِنَّا أَنْ نَبْقَى عِنْدَهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ».‏ (‏اع ٢٨:‏١٤‏)‏ حِينَ ٱهْتَمَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةُ بِحَاجَاتِ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ،‏ تَرَكُوا لَنَا قُدْوَةً فِي ٱلضِّيَافَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كُوفِئُوا بِأَضْعَافِ مَا قَدَّمُوا إِذِ ٱسْتَمَدُّوا ٱلتَّشْجِيعَ ٱلرُّوحِيَّ مِنْ بُولُسَ وَرَفِيقَيْهِ.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ لِسَجِينٍ أَنْ يَحْظَى بِهٰذَا ٱلْقَدْرِ مِنَ ٱلْحُرِّيَّةِ؟‏ لَعَلَّ ذٰلِكَ مَرَدُّهُ أَنَّ ٱلرَّسُولَ ٱكْتَسَبَ ثِقَةَ حُرَّاسِهِ ٱلْمُطْلَقَةَ.‏

      ٥ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ،‏ غَالِبًا مَا عُومِلَ خُدَّامُ يَهْوَهَ ٱلْعَصْرِيُّونَ فِي ٱلسُّجُونِ وَمُعَسْكَرَاتِ ٱلِٱعْتِقَالِ مُعَامَلَةً مُمَيَّزَةً بِفَضْلِ سُلُوكِهِمِ ٱلْمَسِيحِيِّ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ رَاحَ رَجُلٌ فِي رُومَانِيَا مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِٱلسَّجْنِ ٧٥ سَنَةً بِتُهْمَةِ ٱلسَّلْبِ يَدْرُسُ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ.‏ وَقَدْ نَجَحَ فِي إِحْدَاثِ تَغْيِيرٍ جَذْرِيٍّ فِي شَخْصِيَّتِهِ،‏ لِدَرَجَةِ أَنَّ ٱلْمَسْؤُولِينَ ٱئْتَمَنُوهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ٱلْبَلْدَةِ دُونَ مُرَافَقَةٍ لِلتَّبَضُّعِ مِنْ أَجْلِ ٱلسِّجْنِ!‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ تَبْقَى أَهَمُّ فَوَائِدِ سُلُوكِنَا ٱلْحَسَنِ أَنَّهُ يُمَجِّدُ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ.‏ —‏ ١ بط ٢:‏١٢‏.‏

      ٦،‏ ٧ كَيْفَ أَعْرَبَ ٱلْإِخْوَةُ ٱلرُّومَانُ عَنْ مَحَبَّةٍ لَافِتَةٍ؟‏

      ٦ مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ بُولُسَ وَرَفِيقَيْهِ مَشَوْا ٥٠ كلم تَقْرِيبًا مِنْ بُوطِيُولِي إِلَى كَابْوَا عَلَى ٱلطَّرِيقِ ٱلْأَبِّيَاوِيِّ ٱلْمُؤَدِّي إِلَى رُومَا.‏ وَهٰذَا ٱلطَّرِيقُ ٱلشَّهِيرُ كَانَ مَرْصُوفًا بِقِطَعٍ كَبِيرَةٍ مُسَطَّحَةٍ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ ٱلْبُرْكَانِيَّةِ وَمُحَاطًا بِمَنَاظِرَ خَلَّابَةٍ مِنَ ٱلرِّيفِ ٱلْإِيطَالِيِّ.‏ وَفِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ كَانَ يُرَى ٱلْبَحْرُ ٱلْمُتَوَسِّطُ أَيْضًا.‏ كَمَا أَنَّهُ مَرَّ بِمُسْتَنْقَعَاتِ بُونْتِين،‏ مِنْطَقَةٍ تَبْعُدُ نَحْوَ ٦٠ كلم عَنْ رُومَا ضَمَّتْ سَاحَةَ سُوقِ أَبِّيُوسَ.‏ وَبِحَسَبِ لُوقَا،‏ مَا إِنْ «سَمِعَ ٱلْإِخْوَةُ» فِي مَدِينَةِ رُومَا بِقُدُومِ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى أَتَوْا لِمُلَاقَاتِهِمْ.‏ فَجَاءَ بَعْضُهُمْ إِلَى سَاحَةِ ٱلسُّوقِ فِيمَا ٱنْتَظَرَ آخَرُونَ فِي ٱلْخَانَاتِ ٱلثَّلَاثَةِ،‏ مَحَطَّةٍ لِلِٱسْتِرَاحَةِ تَبْعُدُ ٥٠ كلم تَقْرِيبًا عَنْ رُومَا.‏ أَوَلَيْسَتْ مُبَادَرَتُهُمْ هٰذِهِ دَلَالَةً عَلَى مَحَبَّةٍ لَافِتَةٍ؟‏!‏ —‏ اع ٢٨:‏١٥‏.‏

      ٧ وَمِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ سَاحَةَ سُوقِ أَبِّيُوسَ لَمْ تُوَفِّرِ ٱلرَّاحَةَ لِلْمُسَافِرِينَ مِنْ عَنَاءِ رِحْلَتِهِمْ.‏ فَٱلشَّاعِرُ ٱلرُّومَانِيُّ هُورَاس مَثَلًا،‏ يَصِفُهَا بِأَنَّهَا «مَكَانٌ يَعِجُّ بِٱلْبَحَّارَةِ وَأَصْحَابِ ٱلْفَنَادِقِ ٱلسَّفَلَةِ».‏ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ «ٱلْمِيَاهَ نَتِنَةٌ إِلَى أَقْصَى ٱلدَّرَجَاتِ»،‏ حَتَّى إِنَّهُ أَبَى أَنْ يَتَنَاوَلَ ٱلطَّعَامَ هُنَاكَ!‏ وَلٰكِنْ رَغْمَ كُلِّ هٰذِهِ ٱلْعَوَامِلِ ٱلرَّدِيئَةِ،‏ سَرَّ ٱلْإِخْوَةَ مِنْ رُومَا أَنْ يَنْتَظِرُوا بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ لِيُرَافِقُوهُمْ فِي ٱلْمَرْحَلَةِ ٱلْأَخِيرَةِ مِنْ سَفْرَتِهِمْ.‏

      ٨ لِمَ شَكَرَ بُولُسُ ٱللّٰهَ «إِذْ أَبْصَرَ» إِخْوَتَهُ؟‏

      ٨ «وَإِذْ أَبْصَرَ» بُولُسُ ٱلْإِخْوَةَ ٱلَّذِينَ رُبَّمَا عَرَفَ بَعْضَهُمْ مِنْ قَبْلُ،‏ «شَكَرَ ٱللّٰهَ وَتَشَجَّعَ».‏ (‏اع ٢٨:‏١٥‏)‏ تَخَيَّلْ:‏ لَقَدْ تَقَوَّى ٱلرَّسُولُ وَتَعَزَّى لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ إِخْوَتِهِ ٱلْأَحِبَّاءِ!‏ وَلِمَ شَكَرَ ٱللّٰهَ؟‏ أَدْرَكَ بُولُسُ أَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ ٱلْخَالِصَةَ وَجْهٌ مِنْ أَوْجُهِ ثَمَرِ ٱلرُّوحِ.‏ (‏غل ٥:‏٢٢‏)‏ وَٱلْيَوْمَ أَيْضًا يَدْفَعُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ أَنْ يُضَحُّوا فِي سَبِيلِ إِخْوَتِهِمْ وَيُعَزُّوا مَنْ تُلِمُّ بِهِمِ ٱلْمِحَنُ.‏ —‏ ١ تس ٥:‏١١،‏ ١٤‏.‏

      ٩ كَيْفَ نَتَمَثَّلُ بِمَوْقِفِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ ٱلْتَقَوْا بُولُسَ؟‏

      ٩ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ يَدْفَعُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ مَنْ يَتَجَاوَبُونَ مَعَ تَوْجِيهِهِ أَنْ يَسْتَضِيفُوا ٱلْخُدَّامَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ،‏ بِمَنْ فِيهِمِ ٱلنُّظَّارُ ٱلْجَائِلُونَ وَٱلْمُرْسَلُونَ،‏ ٱلَّذِينَ يُضَحِّي كَثِيرُونَ مِنْهُمْ لِتَوْسِيعِ خِدْمَتِهِمْ.‏ فَٱسْأَلْ نَفْسَكَ:‏ ‹هَلْ يُمْكِنُنِي أَنْ أُسْهِمَ أَكْثَرَ فِي نَجَاحِ زِيَارَةِ نَاظِرِ ٱلدَّائِرَةِ،‏ رُبَّمَا بِٱسْتِضَافَتِهِ هُوَ وَزَوْجَتِهِ إِذَا كَانَ مُتَزَوِّجًا؟‏ وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُرَتِّبَ لِلْكِرَازَةِ بِرِفْقَتِهِمَا؟‏›.‏ لَا تَظُنَّ لَحْظَةً أَنَّ جُهُودَكَ هٰذِهِ تَذْهَبُ سُدًى.‏ يَكْفِي أَنْ تُفَكِّرَ كَمْ فَرِحَ ٱلْإِخْوَةُ ٱلرُّومَانُ وَهُمْ يُصْغُونَ إِلَى ٱخْتِبَارَاتِ ٱلْمُبَشِّرِينَ ٱلثَّلَاثَةِ ٱلْمُشَجِّعَةِ حَتَّى تَرَى عَيِّنَةً عَنِ ٱلْبَرَكَاتِ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُكَ.‏ —‏ اع ١٥:‏٣،‏ ٤‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة