-
النمو في المعرفة الدقيقة للحقشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
في وقت باكر من سبعينات الـ ١٨٠٠ شرع تشارلز تاز رصل وعشراؤه في درس جدي للكتاب المقدس. وصار واضحا لهم ان العالم المسيحي قد انحرف عن تعاليم وممارسات المسيحية الباكرة. ولم يدَّع الاخ رصل انه اول من ادرك ذلك، واعترف جهارا بأنه مدين للآخرين بالعون الذي قدَّموه في سنواته الباكرة لدرس الاسفار المقدسة. وأشاد بالعمل الجيد الذي قامت به مختلف الحركات في الاصلاح بغية جعل نور الحق يضيء بشكل اسطع. وذكر بالاسم رجالا اكبر سنا مثل جونَس وِنْدِل، جورج سْتِتْسون، جورج ستورز، ونلسون باربور، الذين ساهموا شخصيا في فهمه لكلمة اللّٰه بطرائق متنوعة.a
وذكر ايضا: «ان العقائد المتنوعة التي نؤمن بها والتي تبدو جديدة ومنعشة ومختلفة جدا جرى الايمان بها في شكل ما منذ زمن طويل: مثلا — الانتخاب، النعمة المجانية، الردّ، التبرير، التقديس، التمجيد، القيامة.» ولكن غالبا ما كانت الحالة ان فريقا دينيا تميَّز بفهم اوضح لحقيقة واحدة للكتاب المقدس؛ وفريقا آخر بحقيقة اخرى. وتقدُّمهم الاضافي كثيرا ما كان يعاق لأنهم كانوا مقيَّدين بعقائد وتعاليم تضمَّنت افكارا كانت قد ازدهرت في بابل ومصر القديمتين او كانت مستعارة من الفلاسفة اليونان.
ولكن ايّ فريق، بمساعدة روح اللّٰه، كان سيتمسك من جديد تدريجيا بكامل «صورة الكلام الصحيح» التي كان قد عزَّزها مسيحيو القرن الاول؟ (٢ تيموثاوس ١:١٣) ومَن كان سيصحّ فيهم ان سبيلهم «كنور مشرق يتزايد وينير الى النهار الكامل»؟ (امثال ٤:١٨) ومَن كانوا سيقومون حقا بالعمل الذي اوصى به يسوع عندما قال: «تكونون لي شهودا . . . الى اقصى الارض»؟ ومَن هم الذين لم يكونوا ليتلمذوا الناس فقط ولكنهم كانوا ايضا ‹سيعلِّمونهم ان يحفظوا جميع ما› اوصاهم به يسوع؟ (اعمال ١:٨؛ متى ٢٨:١٩، ٢٠) حقا، هل كان قد حان للرب ان يميِّز بوضوح بين المسيحيين الحقيقيين الذين شبَّههم بالحنطة والزائفين الذين اشار اليهم بالزوان (وفي الواقع، زوان من النوع الذي يشبه كثيرا الحنطة الى ان يبلغ النضج)؟b (متى ١٣:٢٤-٣٠، ٣٦-٤٣) ومَن كان سيتبرهن انهم «العبد الامين الحكيم» الذي يأتمنه السيد، يسوع المسيح، عند حضوره في سلطة الملكوت، على مسؤولية اضافية في ما يتعلق بالعمل المنبإ به لاختتام نظام الاشياء هذا؟ — متى ٢٤:٣، ٤٥-٤٧.
جعل النور يضيء
امر يسوع تلاميذه ان يشتركوا مع الآخرين في نور الحق الالهي الذي نالوه منه. «انتم نور العالم،» قال. «فليضئ نوركم هكذا قدام الناس.» (متى ٥:١٤-١٦؛ اعمال ١٣:٤٧) وقد ادرك تشارلز تاز رصل وعشراؤه ان لديهم التزام القيام بذلك.
فهل اعتقدوا انهم يملكون كل الاجوبة، كامل نور الحق؟ اجاب الاخ رصل عن هذا السؤال بصورة صريحة: «كلا بالتأكيد؛ ولن نملكها حتى ‹النهار الكامل.›» (امثال ٤:١٨) وكثيرا ما كانوا يشيرون الى معتقداتهم المؤسسة على الاسفار المقدسة بصفتها «الحق الحاضر» — لا بفكرة ان الحق نفسه يتغير بل بالحري بفكرة ان فهمهم له تقدُّمي.
وتلاميذ الكتاب المقدس المجتهدون هؤلاء لم يتجنبوا فكرة وجود شيء يُسمَّى الحق في مسائل الدين. فقد اعترفوا بيهوه بصفته «اله الحق» وبالكتاب المقدس بصفته كلمة حقه. (مزمور ٣١:٥؛ يشوع ٢١:٤٥؛ يوحنا ١٧:١٧) وأدركوا انه لا يزال هنالك الكثير مما لا يعرفونه، لكنهم لم يحجموا عن التصريح باقتناع بما تعلَّموه من الكتاب المقدس. وعندما ناقضت العقائد والممارسات الدينية التقليدية ما وجدوه مبيَّنا بوضوح في كلمة اللّٰه الموحى بها، عندئذ شهَّروا الكذب، تمثُّلا بيسوع المسيح، على الرغم من ان ذلك جلب عليهم الاستهزاء والبغض من رجال الدين. — متى ١٥:٣-٩.
ولبلوغ وإطعام الآخرين روحيا بدأ ت. ت. رصل، في تموز ١٨٧٩، بنشر مجلة برج مراقبة زيون وبشير حضور المسيح.
الكتاب المقدس — كلمة اللّٰه حقا
لم تكن ثقة تشارلز تاز رصل بالكتاب المقدس مجرد مسألة قبول وجهة نظر تقليدية كانت شائعة في ذلك الوقت. على العكس، فما كان شائعا بين كثيرين في ذلك الوقت كان نقدا اعلى. والذين ايَّدوه تحدَّوا امكان الاعتماد على سجل الكتاب المقدس.
وكحدث كان رصل قد انضم الى الكنيسة الجماعية وكان نشيطا في عملها، لكنَّ عدم عقلانية العقائد التقليدية ادَّى الى صيرورته متشكِّكا. ووجد ان ما تعلَّمه لا يمكن المدافعة عنه من الكتاب المقدس بطريقة تمنح الاكتفاء. فنبذ عقائد التعليم الكنسي، ومعها الكتاب المقدس. ثم فحص الاديان الشرقية الرئيسية، لكنها هي ايضا لم تكن مانحة للاكتفاء. وبعدئذ ابتدأ يتساءل عما اذا كانت عقائد العالم المسيحي تسيء تمثيل الكتاب المقدس. واذ تشجع بما سمعه ذات مساء في اجتماع للمجيئيين، باشر درسا شاملا للاسفار المقدسة. وما رآه ينكشف امامه كان حقا كلمة اللّٰه الموحى بها.
فتأثر عميقا بانسجام الكتاب المقدس مع ذاته ومع شخصية ذاك الذي تُحدَّد هويته بصفته مؤلِّفه الالهي. ولمساعدة الآخرين على الافادة من ذلك، كتب في وقت لاحق كتاب نظام الدهور الالهي، الذي اصدره في السنة ١٨٨٦. وضمَّنه بحثا رئيسيا في «الكتاب المقدس وحي الهي كما نرى بنور العقل.» ونحو نهاية هذا الفصل، قال بصورة جلية: «ان عمق وقوة وحكمة ومدى شهادة الكتاب المقدس تقنعنا بأنه لا الانسان، بل اللّٰه القادر على كل شيء، هو مؤلِّف مقاصده وإعلاناته.»
ان الثقة بكامل الكتاب المقدس بصفته كلمة اللّٰه تستمر في ان تكون اساسا لمعتقدات شهود يهوه العصريين. وفي كل العالم لديهم ادوات مساعِدة على الدرس تمكِّنهم شخصيا من فحص الدليل على كونه موحى به. وأوجه هذا الموضوع تُبحث تكرارا في مجلاتهم. وفي السنة ١٩٦٩ اصدروا كتاب Is the Bible Really the Word of God? (هل الكتاب المقدس حقا كلمة اللّٰه؟) وبعد عشرين سنة اتَّخذ كتاب الكتاب المقدس — كلمة اللّٰه أم الانسان؟ نظرة جديدة الى موضوع صحة الكتاب المقدس، لفت الانتباه الى ادلة اضافية، وتوصَّل الى الاستنتاج نفسه: الكتاب المقدس هو فعلا كلمة اللّٰه الموحى بها. والكتاب الآخر من كتبهم، وقد طبع اولا في السنة ١٩٦٣، وجُعل عصريا في السنة ١٩٩٠، هو «كل الكتاب هو موحى به من اللّٰه ونافع.» والتفصيل الاضافي موجود في موسوعتهم للكتاب المقدس، بصيرة في الاسفار المقدسة، المطبوعة في السنة ١٩٨٨.
ومن درسهم الشخصي والجماعي لمثل هذه المواد هم مقتنعون بأنه، على الرغم من ان نحو ٤٠ شخصا خلال فترة ١٦ قرنا استُخدموا لتسجيل ما هو موجود في الـ ٦٦ سفرا للكتاب المقدس، وجَّه اللّٰه نفسه الكتابة بروحه بصورة فعَّالة. كتب الرسول بولس: «كل الكتاب هو موحى به من اللّٰه.» (٢ تيموثاوس ٣:١٦؛ ٢ بطرس ١:٢٠، ٢١) وهذا الاقتناع هو عامل فعَّال في حياة شهود يهوه. وتعليقا على ذلك، قالت صحيفة بريطانية: «وراء كل ما يفعله الشاهد يكمن سبب من الاسفار المقدسة. حقا، ان عقيدتهم الاساسية الواحدة هي الاعتراف بالكتاب المقدس بصفته . . . الحق.»
التعرُّف بالاله الحقيقي
واذ درس الاخ رصل وعشراؤه الاسفار المقدسة، لم يلزمهم وقت طويل ليروا ان اللّٰه الموصوف في الكتاب المقدس ليس اله العالم المسيحي. وكانت هذه مسألة مهمة لأن آمال الناس بالحياة الابدية، كما قال يسوع، تتوقف على معرفتهم الاله الحقيقي الوحيد وذاك الذي ارسله، وكيله الرئيسي للخلاص. (يوحنا ١٧:٣؛ عبرانيين ٢:١٠، عج) وأدرك ت. ت. رصل والفريق الذي اشترك معه في درس الكتاب المقدس ان عدل اللّٰه هو في توازن كامل مع الحكمة، المحبة، والقدرة الالهية، وأن هذه الصفات يجري الاعراب عنها في جميع اعماله. وعلى اساس المعرفة التي كانت لديهم آنذاك عن قصد اللّٰه، اعدُّوا بحثا عن سبب السماح بالشر وضمَّنوا ذلك احدى مطبوعاتهم الابكر والاوسع توزيعا، الكتاب المؤلَّف من ١٦٢ صفحة Food for Thinking Christians (طعام للمسيحيين المفكرين)، الذي صدر اولا كطبعة خصوصية من برج مراقبة زيون في ايلول ١٨٨١ (بالانكليزية).
ودرسهم لكلمة اللّٰه ساعدهم على الادراك ان للخالق اسما شخصيا وأنه يمكِّن البشر من معرفته والتمتع بعلاقة وثيقة به. (١ أخبار الايام ٢٨:٩؛ اشعياء ٥٥:٦؛ يعقوب ٤:٨) اوضحت برج المراقبة عدد تشرين الاول-تشرين الثاني ١٨٨١ (بالانكليزية): «يهوه هو الاسم الذي لا ينطبق على احد غير الكائن الاسمى — ابينا، والذي دعاه يسوع أبًا والها.» — مزمور ٨٣:١٨؛ يوحنا ٢٠:١٧.
وفي السنة التالية، اجابة عن السؤال، «هل تدَّعون ان الكتاب المقدس لا يعلِّم ان هنالك ثلاثة اقانيم في اله واحد؟» أُعطي الجواب: «نعم: على الضد من ذلك، يخبرنا ان هنالك الها وأبًا واحدا لربنا يسوع المسيح منه جميع الاشياء (او خلق جميع الاشياء). اذًا نحن نؤمن باله وأب واحد، وأيضا بربّ واحد يسوع المسيح . . . ولكنَّ هذين هما اثنان لا كائن واحد. وهما واحد فقط بمعنى انهما على اتفاق. ونحن نؤمن ايضا بـ روح اللّٰه . . . ولكنه ليس شخصا تماما كما هي الحال مع روح الابالسة وروح العالم وروح ضد المسيح.» — برج مراقبة زيون، حزيران ١٨٨٢ (بالانكليزية)؛ يوحنا ١٧:٢٠-٢٢.
-
-
النمو في المعرفة الدقيقة للحقشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
تشهير الثالوث
كشهود ليهوه شعر ت. ت. رصل وعشراؤه بالمسؤولية الكبيرة لتشهير التعاليم التي اساءت تمثيل اللّٰه، لمساعدة محبي الحق ان يدركوا انها ليست مؤسسة على الكتاب المقدس. ولم يكونوا اول مَن ادركوا ان الثالوث غير مؤسس على الاسفار المقدسة،c لكنهم عرفوا تماما انه اذا كانوا سيصيرون خداما امناء للّٰه، فلديهم مسؤولية اعلان الحق عنه. وبشجاعة، لفائدة جميع محبي الحق، كشفوا عن الجذور الوثنية لهذه العقيدة الرئيسية للعالم المسيحي.
قالت برج المراقبة الصادرة في حزيران ١٨٨٢ (بالانكليزية): «ان فلاسفة وثنيين عديدين، اذ وجدوا انه من الحكمة ان ينضموا الى صفوف الدين الناشئ [شكل مرتدّ للمسيحية وافق عليه الاباطرة الرومان في القرن الرابع بم]، ابتدأوا يمهِّدون له سبيلا سهلا بمحاولة اكتشاف امور متطابقة بين المسيحية والوثنية، وبالتالي مزْج الاثنتين معا. وقد نجحوا فعلا الى حد بعيد. . . . واذ كان لدى اللاهوت القديم عدد من الآلهة الرئيسية، مع العديد من انصاف الآلهة من كلا الجنسين، صمَّم المسيحيون الوثنيون ان ينظِّموا من جديد قائمة باللاهوت الجديد. فاختُلقت في هذا الوقت عقيدة الثلاثة آلهة — اللّٰه الآب، اللّٰه الابن، واللّٰه الروح القدس.»
سعى بعض رجال الدين الى اضفاء صبغة من الكتاب المقدس على تعليمهم باقتباس آيات مثل ١ يوحنا ٥:٧، لكنَّ الاخ رصل قدَّم دليلا يُظهر ان العلماء يعرفون جيدا ان جزءا من هذه الآية هو اضافة، إقحام زائف اجراه احد الكتبة لدعم تعليم غير موجود في الاسفار المقدسة. ولجأ مدافعون آخرون عن الثالوث الى يوحنا ١:١، لكنَّ برج المراقبة حلَّلت هذه الآية على اساس المحتوى والقرينة كليهما لتبيِّن ان هذه لا تدعم مطلقا الايمان بالثالوث. وانسجاما مع ذلك، في عددها الصادر في تموز ١٨٨٣ (بالانكليزية)، قالت برج المراقبة: «المزيد من درس الكتاب المقدس عوضا عن درس كتابات الكنيسة كان سيجعل الموضوع اوضح للجميع. ان عقيدة الثالوث معارضة كليا للاسفار المقدسة.»
شهَّر الاخ رصل بصراحة حماقة ادِّعاء الايمان بالكتاب المقدس وفي الوقت نفسه تعليم عقيدة كالثالوث، التي تناقض ما يقوله الكتاب المقدس. وهكذا كتب: «يا لكومة التناقضات والتشويش التي يجد فيها انفسهم اولئك الذين يقولون ان يسوع والآب هما اله واحد! فهذا يتضمن الفكرة ان ربنا يسوع تصرَّف كالمرائي عندما كان على الارض وادَّعى فقط مخاطبة اللّٰه في الصلاة، في حين كان هو نفسه اللّٰه عينه. . . . وأيضا، ان الآب على الدوام خالد، ولذلك لا يمكن ان يموت. فكيف كان ممكنا ان يموت يسوع؟ ولو لم يمت، لكان الرسل جميعا شهود زور في اعلان موت يسوع وقيامته. لكنَّ الاسفار المقدسة تعلن انه مات فعلا.»d
وهكذا في مرحلة باكرة من تاريخهم العصري رفض شهود يهوه بثبات عقيدة ثالوث العالم المسيحي لمصلحة تعليم الكتاب المقدس نفسه المعقول والمبهج للقلب.e والعمل الذي قاموا به لنشر هذه الحقائق ولاعطاء الناس في كل مكان الفرصة لسماعها اتخذ ابعادا لم يبلغها قط ايّ فرد او فريق آخر، في الماضي او الحاضر.
ما هي حالة الموتى؟
ان ما يخبئه المستقبل للناس الذين لم يقبلوا تدبير اللّٰه للخلاص كان موضع اهتمام عميق بالنسبة الى ت. ت. رصل منذ صباه. فعندما كان مجرد ولد، آمن بما قاله رجال الدين عن نار الهاوية؛ واعتقد انهم يكرزون بكلمة اللّٰه. وكان يخرج ليلا ليكتب بالطباشير آيات من الكتاب المقدس في اماكن بارزة بحيث يمكن تحذير العمال الذين يمرّون من هناك وانقاذهم من المصير المروِّع للعذاب الابدي.
وفي وقت لاحق، بعد ان رأى لنفسه ما يعلِّمه الكتاب المقدس حقا، اقتبس منه احد عشرائه قوله: «اذا كان الكتاب المقدس يعلِّم فعلا ان العذاب الابدي هو مصير الجميع ما عدا القديسين، يجب ان يُكرَز بذلك — نعم، ان ينادَى به على السطوح كل اسبوع، كل يوم، كل ساعة؛ واذا كان لا يعلِّم ذلك فان هذا الواقع يجب اعلانه، واللطخة الكريهة المهينة لاسم اللّٰه القدوس يجب ازالتها.»
وفي مرحلة باكرة من درسه للكتاب المقدس، رأى ت. ت. رصل بوضوح ان الهاوية ليست مكانا لعذاب الانفس بعد الموت. وقد ساعده في ذلك على الارجح جورج ستورز، محرِّر فاحص الكتاب المقدس، الذي ذكره الاخ رصل بتقدير حار في كتاباته والذي كان هو نفسه قد كتب الكثير عما فهمه من الكتاب المقدس عن حالة الموتى.
ولكن ماذا عن النفس؟ هل ايَّد تلاميذ الكتاب المقدس الاعتقاد انها جزء روحاني من الانسان، شيء يبقى حيا بعد موت الجسد؟ على الضد من ذلك، ففي السنة ١٩٠٣ ذكرت برج المراقبة: «يجب ان نلاحظ بدقة ان الدرس هو ليس ان الانسان له نفس، بل ان الانسان هو نفس، او كائن. لنأخذ مثالا من الطبيعة — الهواء الذي نتنشقه: انه مؤلَّف من الأكسجين والنتروجين، وليس ايّ منهما هو الجو، او الهواء؛ ولكن عندما يتَّحد الاثنان، في نسب كيميائية صحيحة، يكون الجو هو الشيء الناتج. وكذلك هي الحال مع النفس. واللّٰه يكلِّمنا من وجهة النظر هذه، كون كل منا نفسا. وهو لا يخاطب اجسادنا ولا نسمة حياتنا، لكنه يخاطبنا نحن ككائنات ذكية، او انفس. وفي التلفظ بالعقاب على مخالفة شريعته لم يخاطب جسد آدم بالتخصيص، بل الانسان، النفس، الكائن الذكي: ‹يوم تأكل منها موتا تموت.› ‹النفس التي تخطئ هي تموت.› — تكوين ٢:١٧؛ حزقيال ١٨:٢٠.» وكان ذلك على انسجام مع ما قالته برج المراقبة في وقت باكر في نيسان ١٨٨١ (بالانكليزية).f
اذًا كيف تطور الايمان بالخلود الملازم للانفس البشرية؟ ومَن كان منشئه؟ بعد الفحص الدقيق للكتاب المقدس والتاريخ الديني كليهما، كتب الاخ رصل في برج المراقبة عدد ١٥ نيسان ١٨٩٤ (بالانكليزية): «من الواضح انه لم يأتِ من الكتاب المقدس . . . فالكتاب المقدس يعلن بشكل جلي ان الانسان مائت، أن الموت ممكن له. . . . واذ نفحص صفحات التاريخ بدقة، نجد انه على الرغم من ان عقيدة خلود النفس البشرية لا يعلِّمها شهود اللّٰه الملهَمون فهي الجوهر عينه لجميع الاديان الوثنية. . . . ولذلك ليس صحيحا ان سقراط وأفلاطون هما اول مَن علَّم العقيدة: فلها معلِّم اقدم من ايٍّ منهما، وأقدر ايضا. . . . والسجل الاول لهذا التعليم الباطل موجود في اقدم تاريخ معروف عند الانسان — الكتاب المقدس. والمعلِّم الكذاب كان الشيطان.»g
ادارة «خرطوم المياه» على الهاوية
انسجاما مع رغبة الاخ رصل القوية في ان يزيل عن اسم اللّٰه اللطخة الكريهة الناتجة من التعليم عن نار هاوية للعذاب الابدي، كتب نشرة تبرز الموضوع، «هل تعلِّم الاسفار المقدسة ان العذاب الابدي هو اجرة الخطية؟» (The Old Theology) (اللاهوت القديم، ١٨٨٩) قال فيها:
«كان لنظرية العذاب الابدي اصل وثني، على الرغم من انها كما اعتنقها الوثنيون لم تكن عقيدة عديمة الرحمة كما صارت لاحقا، عندما ابتدأت تقترن تدريجيا بالمسيحية الاسمية خلال اختلاطها بالفلسفات الوثنية في القرن الثاني. وبقي للارتداد العظيم ان يضيف الى الفلسفة الوثنية التفاصيل المروِّعة المعتقد بها عموما الآن الى حد بعيد، ان يصوِّرها على جدران الكنائس، كما جرى في اوروپا، ان يكتبها في تعاليمها وتراتيلها، وأن يحرِّف كلمة اللّٰه بغية اعطاء دعم الهي ظاهري للتجديف المهين للّٰه. ولذلك فإن الميل السريع الى التصديق في الوقت الحاضر يتقبَّلها كتراث، لا من الرب، او الرسل، او الانبياء، بل من روح المسايرة التي ضحَّت بالحق والمنطق، وحرَّفت بصورة مخزية عقائد المسيحية، في طموح غير مقدس ونزاع من اجل السلطة والثروة والارقام. والعذاب الابدي بصفته جزاء الخطية لم يكن معروفا عند الآباء الاجلَّاء في العصور الماضية؛ لم يكن معروفا عند انبياء العصر اليهودي؛ ولم يكن معروفا عند الرب والرسل؛ لكنه كان العقيدة الرئيسية للمسيحية الاسمية منذ الارتداد العظيم — السوط الذي به اقتيد السذَّج، الجهال والمؤمنون بالخرافات في العالم الى الخضوع المذِلّ للطغيان. فالعذاب الابدي جرى الحكم به على جميع الذين كانوا يقاومون او يرفضون بازدراء سلطة روما، وابتدأت المعاقبة به في الحياة الحاضرة بقدر ما نالت من سلطة.»
كان الاخ رصل يعرف جيدا ان غالبية الناس العقلاء لا يؤمنون حقا بعقيدة نار الهاوية. ولكن، كما بيَّن، في السنة ١٨٩٦، في كراس What Say the Scriptures About Hell? (ماذا تقول الاسفار المقدسة عن الهاوية؟)، «بما انهم يظنون ان الكتاب المقدس يعلِّمها، فكل خطوة يتقدَّمونها في ذكاء حقيقي ولطف اخوي . . . انما هي في معظم الحالات خطوة ابتعاد عن كلمة اللّٰه، التي يتهمونها باطلا بهذا التعليم.»
ولردّ مثل هؤلاء الناس المفكرين الى كلمة اللّٰه، عرض في هذا الكراس كل آية في ترجمة الملك جيمس وُجِدت فيها الكلمة هاوية، حتى يتسنى للقرَّاء ان يروا لانفسهم ما تقوله هذه، ثم ذكر: «شكرا للّٰه، لا نجد مكانا للعذاب الابدي كما تعلِّم خطأً القوانين الكنسية وكتب التراتيل، والكثير من منابر الوعظ. ولكننا وجدنا ‹هاوية،› شيول، آذس، حُكم بها على جنسنا بسبب خطية آدم، ومنها يُفتدى الجميع بموت ربنا؛ وهذه ‹الهاوية› هي القبر — حالة الموت. ونجد ‹هاوية› اخرى (جهنّا — الموت الثاني — الهلاك التام) يُلفَت انتباهنا اليها بصفتها الجزاء النهائي الآتي على جميع الذين، بعد افتدائهم والمجيء بهم الى المعرفة الكاملة للحق، والمقدرة التامة على اطاعته، يختارون مع ذلك الموت باختيار مسلك المقاومة للّٰه والبر. وقلوبنا تقول، آمين. عادلة وحق هي طرقك يا ملك الامم. مَن لا يخافك يا رب ويمجِّد اسمك لأنك وحدك قدوس لأن جميع الامم سيأتون ويسجدون امامك لأن احكامك قد أُظهرت.» — رؤيا ١٥:٣، ٤.
وما كان يعلِّمه صار مصدر اغاظة وارتباك لرجال دين العالم المسيحي. وفي السنة ١٩٠٣ دُعي الى مناظرة عامة. وحالة الموتى كانت احدى المسائل في سلسلة المناظرات الحاصلة بين ت. ت. رصل والدكتور إ. ل. إيتن، الذي خدم كناطق بلسان اتحاد غير رسمي للقسوس الپروتستانت في الجزء الغربي من پنسلڤانيا.
وفي اثناء تلك المناظرات ايَّد الاخ رصل بثبات القضية ان «الموت هو موت، وأن اعزَّاءنا، عندما يغيبون عنا، يكونون امواتا حقا، وأنهم ليسوا احياء مع الملائكة ولا مع الابالسة في مكان يأس.» ودعما لذلك، اشار الى آيات مثل جامعة ٩:٥، ١٠؛ رومية ٥:١٢؛ ٦:٢٣؛ وتكوين ٢:١٧. وقال ايضا: «الاسفار المقدسة هي على انسجام تام مع ما نعترف به انت وأنا وكل شخص عاقل ومنطقي في العالم انه شخصية الهنا المنطقية والحقيقية. وماذا يجري اعلانه عن ابينا السماوي؟ انه عادل، انه حكيم، انه محب، انه قدير. وجميع الاشخاص المسيحيين يعترفون بهذه الصفات للشخصية الالهية. واذا كان الامر كذلك، فهل يمكننا ان نجد ايّ معنى للكلمة يمكننا به ان نتصور اللّٰه عادلا ومع ذلك يعاقب مخلوقا من عمل يديه طوال الابدية، مهما كانت الخطية؟ انا لا ادافع عن الخطية؛ لا احيا شخصيا في الخطية، ولا اكرز ابدا بالخطية. . . . ولكنني اقول لكم ان جميع اولئك الناس حولنا الذين يقول اخونا [الدكتور إيتن] انهم يتكلمون دون توقير بتجاديفهم على اللّٰه والاسم المقدس ليسوع المسيح هم جميعا اناس تعلَّموا هذه العقيدة للعذاب الابدي. وجميع القتلة، اللصوص وفاعلي الاثم في الاصلاحيات، تعلَّموا جميعا هذه العقيدة. . . . هذه هي عقائد رديئة؛ وكانت تؤذي العالم كل هذا الزمان الطويل؛ وهي ليست جزءا من تعليم الرب على الاطلاق، وأخونا العزيز لم ينزع دخان العصور المظلمة عن عينيه بعدُ.»
ويُخبَر انه بعد المناظرة اقترب من رصل رجل دين كان بين الحضور وقال: «اني مسرور برؤيتك تدير خرطوم المياه على الهاوية وتطفئ النار.»
ولاعلان الحق عن حالة الموتى بشكل اوسع ايضا، عقد الاخ رصل سلسلة واسعة من المحافل ليوم واحد، من السنة ١٩٠٥ الى السنة ١٩٠٧، حيث ابرز المحاضرة العامة «الى الهاوية ومنها! مَن هم هناك؟ الرجاء بعودة كثيرين.» كان العنوان مثيرا للاهتمام، ولفت الكثير من الانتباه. فاحتشدت الجماهير في قاعات المحافل في المدن الكبيرة والصغيرة على السواء في الولايات المتحدة وكندا لسماع الخطاب.
وكان بين اولئك الذين تأثروا بعمق بما يقوله الكتاب المقدس عن حالة الموتى تلميذ جامعي في سِنسِناتي، اوهايو، كان يستعدّ ليصير قسا مشيخيا. ففي السنة ١٩١٣ تسلَّم من اخيه في الجسد كراس اين هم الموتى؟، بقلم جون ادغار، تلميذ للكتاب المقدس كان ايضا طبيبا في أسكتلندا. والتلميذ الذي تسلَّم الكراس كان فردريك فرانز. وبعد قراءته باعتناء، اعلن بثبات: «هذا هو الحق.» ودون تردد غيَّر اهدافه في الحياة وانخرط في الخدمة كامل الوقت كمبشر جائل لتوزيع المطبوعات. وفي السنة ١٩٢٠ صار احد المستخدَمين في المركز الرئيسي لجمعية برج المراقبة. وبعد سنين عديدة صار عضوا في الهيئة الحاكمة لشهود يهوه، وفي وقت لاحق، رئيس جمعية برج المراقبة.
ذبيحة يسوع المسيح الفدائية
في السنة ١٨٧٢، في ما يتعلق بفحصه الاسفار المقدسة، اتخذ الاخ رصل وعشراؤه نظرة جديدة الى موضوع الردّ، من وجهة نظر الفدية التي قدَّمها يسوع المسيح. (اعمال ٣:٢١) وقد أُثير عندما رأى في العبرانيين ٢:٩ ان ‹يسوع ذاق بنعمة اللّٰه الموت لاجل كل واحد.› ولم يَقدْه ذلك الى الايمان بالخلاص العام، لانه عرف ان الاسفار المقدسة تقول ايضا ان المرء يجب ان يمارس الايمان بيسوع المسيح لكي يخلص. (اعمال ٤:١٢؛ ١٦:٣١) ولكنه ابتدأ يفهم — مع انه ليس دفعة واحدة — اية فرصة بديعة جعلتها ذبيحة يسوع المسيح الفدائية ممكنة للجنس البشري. فقد فتحت لهم الطريق ليحصلوا على ما خسره آدم، رجاء الحياة الابدية في كمال بشري. ولم يكن الاخ رصل سلبيا حيال المسألة؛ فقد ادرك الاهمية البالغة للفدية وأيَّدها بقوة، حتى عندما سمح عشراء احماء لتفكيرهم بأن تفسده الآراء الفلسفية.
وبحلول منتصف السنة ١٨٧٨، كان الاخ رصل لنحو سنة ونصف محرِّرا مساعدا لمجلة بشير الصباح، التي كان فيها ن. ه. باربور رئيس التحرير. ولكن عندما استخفّ باربور، في عدد آب ١٨٧٨ من مجلتهما، بتعليم الاسفار المقدسة عن الفدية، تجاوب رصل بدفاع قوي عن تلك الحقيقة الحيوية للكتاب المقدس.
فتَحْت عنوان «الكفارة،» اوضح باربور كيف شعر حيال التعليم، قائلا: «اقول لولدي، او لأحد خدمي، عندما يعضّ جيمس اخته، أَمسِك ذبابة، واغرز دبوسا في جسمها وعلِّقها على الحائط، فأصفح عن جيمس. هذا يوضح عقيدة الاستبدال.» وعلى الرغم من انه ادَّعى الايمان بالفدية، فقد اشار باربور الى ان الفكرة القائلة ان المسيح دفع بموته جزاء الخطية عن ذرية آدم هي «غير مؤسسة على الاسفار المقدسة، وتتعارض مع كل افكارنا عن العدل.»h
وفي العدد التالي نفسه من بشير الصباح (ايلول ١٨٧٨)، اعترض الاخ رصل بشدة على ما كتبه باربور. فحلَّل رصل ما تقوله حقا الاسفار المقدسة وانسجامها مع «كمال عدل [اللّٰه]، وأخيرا رحمته ومحبته العظيمتين» كما جرى التعبير عن ذلك بتدبير الفدية. (١ كورنثوس ١٥:٣؛ ٢ كورنثوس ٥:١٨، ١٩؛ ١ بطرس ٢:٢٤؛ ٣:١٨؛ ١ يوحنا ٢:٢) وبحلول الربيع التالي، بعد محاولات متكررة لمساعدة باربور على رؤية الامور بحسب الاسفار المقدسة، سحب رصل دعمه للـ بشير؛ وابتداء من عدد حزيران ١٨٧٩، لم يعد اسمه يظهر كمحرِّر مساعد لتلك المطبوعة. وموقفه الجريء غير المساير في ما يتعلق بهذا التعليم المركزي للكتاب المقدس كانت له نتائج بعيدة المدى.
وطوال تاريخهم العصري دافع شهود يهوه بثبات عن تعليم الاسفار المقدسة المتعلق بالفدية. والعدد الاول نفسه من برج مراقبة زيون (تموز ١٨٧٩) شدَّد على ان «الاستحقاق امام اللّٰه يكمن . . . في ذبيحة المسيح الكاملة.» وفي السنة ١٩١٩ في محفل رعته جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم في سيدر پوينت، اوهايو، عرض البرنامج المطبوع بشكل بارز الكلمات «اهلا بكم! يا جميع المؤمنين بالذبيحة الفدائية العظمى.» والغلاف الامامي الداخلي لـ برج المراقبة يستمر في لفت الانتباه الى الفدية، قائلا عن قصد المجلة: «تشجع على الايمان بملك اللّٰه الحاكم الآن، يسوع المسيح، الذي دمه المسفوك يفسح المجال لنيل الجنس البشري الحياة الابدية.»
تقدُّميون، غير مقيَّدين بعقيدة
ان الفهم الواضح لكلمة اللّٰه لم يأتِ كله دفعة واحدة. وفي حالات كثيرة فهم تلاميذ الكتاب المقدس تفصيلا واحدا لنموذج الحق لكنهم لم يكونوا قد رأوا بعدُ كامل الصورة. غير انهم كانوا على استعداد للتعلُّم. ولم يكونوا مقيَّدين بعقيدة؛ فكانوا تقدُّميين. وما تعلَّموه اخبروا به الآخرين. ولم يكتسبوا الفضل في الامور التي علَّموها؛ فقد طلبوا ان يكونوا «متعلِّمين من (يهوه).» (يوحنا ٦:٤٥) وصاروا يقدِّرون ان يهوه يجعل فهم تفاصيل قصده ممكنا في وقته الخاص وبطريقته الخاصة. — دانيال ١٢:٩؛ قارنوا يوحنا ١٦:١٢، ١٣.
وتعلُّم امور جديدة يتطلب تعديلات في وجهة النظر. واذا كانت الاخطاء سيُعتَرف بها والتغييرات المفيدة ستُصنَع، يكون التواضع لازما. وهذه الصفة وثمارها مرضيَّة عند يهوه، ومثل هذا المسلك يروق بشدة محبي الحق. (صفنيا ٣:١٢) ولكن يهزأ به اولئك الذين يفتخرون بالعقائد التي بقيت دون تغيير لقرون عديدة، بالرغم من ان رجالا ناقصين صاغوها.
طريقة رجوع الرب
في منتصف سبعينات الـ ١٨٠٠ ادرك الاخ رصل وأولئك الذين كانوا يفحصون باجتهاد الاسفار المقدسة معه انه عندما يرجع الرب سيكون غير منظور للاعين البشرية. — يوحنا ١٤:٣، ١٩.
قال الاخ رصل في ما بعد: «شعرنا بالحزن الشديد حيال خطإ المؤمنين بالمجيء الثاني، الذين كانوا يتوقعون المسيح في الجسد، ويعلِّمون ان العالم وكل ما فيه ما عدا المؤمنين بالمجيء الثاني سيحترقون في السنة ١٨٧٣ او السنة ١٨٧٤، الذين جلبت تحديداتهم المسبقة للوقت وخيباتهم وأفكارهم غير المصقولة عموما في ما يتعلق بهدف وطريقة مجيئه شيئا من التعيير علينا وعلى جميع الذين يتوقون الى ملكوته المقبل وينادون به. ووجهات النظر الخاطئة هذه المقبولة عموما في ما يتعلق بهدف وطريقة رجوع الرب كليهما قادتني الى كتابة كراس — ‹هدف وطريقة رجوع ربنا.›» وهذا الكراس صدر في السنة ١٨٧٧. وكان الاخ رصل قد طبع منه نحو ٠٠٠,٥٠ نسخة ووزَّعها.
وفي هذا الكراس كتب: «نؤمن بأن الاسفار المقدسة تعلِّم انه عند مجيئه ولفترة بعد مجيئه، سيبقى غير منظور؛ وبعد ذلك يُظهِر او يبيِّن نفسه في الاحكام ومختلف الاشكال، بحيث ‹تنظره كل عين.›» وتأييدا لذلك ناقش آيات مثل اعمال ١:١١ («سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا» — اي غير منظور من العالم) ويوحنا ١٤:١٩ («بعد قليل لا يراني العالم ايضا»). وأشار الاخ رصل ايضا الى واقع ان مؤكد اللسانين، الذي صدر اولا بالشكل الكامل في السنة ١٨٦٤ مع ترجمة انكليزية حرفية ما بين السطور، اعطى الدليل على ان التعبير اليوناني پاروسيا يعني «حضورا.» وفي تحليل استعمال الكتاب المقدس لهذا الاصطلاح، اوضح رصل في هذا الكراس: «ان الكلمة اليونانية المستعملة عموما في الاشارة الى المجيء الثاني — پاروسيا، المترجمة تكرارا الى إتيان — تدل بشكل ثابت على الحضور الشخصي، أنه قد اتى، وصل، ولا تدل ابدا على انه في الطريق، كما نستعمل الكلمة إتيان.»
وعند مناقشة قصد حضور المسيح، اوضح رصل ان ذلك ليس شيئا يُنجَز في لحظة واحدة تهز العالم. «ان المجيء الثاني، كالاول،» كتب، «يغطي فترة من الوقت، وهو ليس حدثا للحظة.» وخلال ذلك الوقت، كتب، يُمنح «القطيع الصغير» مكافأتهم مع الرب كوارثين معه في ملكوته؛ والآخرون، ربما البلايين، يُمنحون فرصة للحياة الكاملة على ارض يجري ردّها الى جمال عدني. — لوقا ١٢:٣٢.
وفي مجرد سنين قليلة، على اساس درس اضافي للاسفار المقدسة، ادرك رصل ان المسيح لا يرجع بصورة غير منظورة فحسب بل يبقى ايضا غير منظور، حتى عندما يعرب عن حضوره بالحكم على الاشرار.
وفي السنة ١٨٧٦، عندما قرأ رصل للمرة الاولى نسخة من بشير الصباح، علم ان هنالك فريقا آخر كان يؤمن آنذاك بأن رجوع المسيح سيكون غير منظور ويقرن هذا الرجوع ببركات لجميع قبائل الارض. ومن السيد باربور، محرِّر تلك المطبوعة، صار رصل ايضا مقتنعا بأن حضور المسيح غير المنظور قد بدأ في السنة ١٨٧٤.i ولُفِت الانتباه في ما بعد الى ذلك بالعنوان الفرعي «بشير حضور المسيح،» الذي ظهر على غلاف برج مراقبة زيون.
والادراك ان حضور المسيح هو غير منظور صار اساسا مهما كان سيُبنى عليه فهم الكثير من نبوات الكتاب المقدس. فقد ادرك تلاميذ الكتاب المقدس الاولون هؤلاء ان حضور الرب يجب ان يكون موضع اهتمام رئيسي لجميع المسيحيين الحقيقيين. (مرقس ١٣:٣٣-٣٧) وكانوا مهتمين بشدة برجوع السيد ومنتبهين لواقع حيازتهم مسؤولية اعلانه، إلا انهم لم يكونوا قد فهموا بعدُ بوضوح جميع التفاصيل. ولكنَّ ما مكَّنهم روح اللّٰه من فهمه في وقت باكر جدا كان حقا لافتا للنظر. واحدى هذه الحقائق شملت تاريخا بالغ الاهمية وسمته نبوة الكتاب المقدس.
نهاية ازمنة الامم
ان مسألة جدول تواريخ الكتاب المقدس كانت لمدة طويلة موضع اهتمام كبير لتلاميذ الكتاب المقدس. فقد عرض المعلِّقون وجهات نظر متنوعة من نبوة يسوع عن «ازمنة الامم» وسجلّ النبي دانيال لحلم نبوخذنصر في ما يتعلق بساق اصل الشجرة الذي جرى تقييده لمدة «سبعة ازمنة.» — لوقا ٢١:٢٤؛ دانيال ٤:١٠-١٧.
وقديما في السنة ١٨٢٣ حسب جون أ. براون، الذي نُشر عمله في لندن، انكلترا، ان طول ‹السبعة ازمنة› لدانيال الاصحاح ٤ يساوي ٥٢٠,٢ سنة. لكنه لم يفهم بوضوح التاريخ الذي ابتدأت فيه الفترة النبوية او متى كانت ستنتهي. إلا انه ربط ‹السبعة ازمنة› هذه بأزمنة الامم في لوقا ٢١:٢٤. وفي السنة ١٨٤٤، لفت إ. ب. إليوت، رجل دين بريطاني، الانتباه الى السنة ١٩١٤ كتاريخ محتمل لنهاية ‹السبعة ازمنة› لدانيال، لكنه عرض ايضا وجهة نظر بديلة اشارت الى زمن الثورة الفرنسية. وعالج روبرت سيلي، من لندن، في السنة ١٨٤٩، المسألة بطريقة مماثلة. وعلى الاقل بحلول السنة ١٨٧٠، بيَّنت مطبوعة حرَّرها جوزيف سايس وعشراؤه وطُبِعت في فيلادلفيا، پنسلڤانيا، حسابات تشير الى السنة ١٩١٤ كتاريخ مهم، بالرغم من ان الحجة التي تضمنتها كانت مؤسسة على جدول تواريخ رفضه ت. ت. رصل في ما بعد.
ثم، في أعداد آب، ايلول، وتشرين الاول ١٨٧٥ من بشير الصباح ساعد ن. ه. باربور على التوفيق بين التفاصيل التي اشار اليها الآخرون. واذ استخدم جدول تواريخ جمعه كريستوفر بووين، رجل دين في انكلترا، ونشره إ. ب. إليوت، قرَن باربور بداية ازمنة الامم بخلع الملك صدقيا من الملك كما أُنبئ مسبقا في حزقيال ٢١:٢٥، ٢٦، وأشار الى السنة ١٩١٤ بصفتها تسم نهاية ازمنة الامم.
وفي وقت مبكر من السنة ١٨٧٦ تسلَّم ت. ت. رصل نسخة من بشير الصباح. فكتب حالا الى باربور ثم صرف وقتا معه في فيلادلفيا خلال الصيف، مناقشا، بين امور اخرى، الفترات النبوية. وبُعَيد ذلك، في مقالة بعنوان «ازمنة الامم: متى تنتهي؟»، حلَّل رصل ايضا المسألة من الاسفار المقدسة وصرَّح بأن الدليل يظهر ان «السبعة ازمنة ستنتهي في السنة ١٩١٤ بم.» وهذه المقالة طُبعت في عدد تشرين الاول ١٨٧٦ من فاحص الكتاب المقدس.j وكتاب العوالم الثلاثة، وحصاد هذا العالم، الذي انتجه في السنة ١٨٧٧ ن. ه. باربور بالتعاون مع ت. ت. رصل، اشار الى الاستنتاج نفسه. وبعد ذلك، لفتت أعداد باكرة من برج المراقبة، كالتي يرجع تاريخها الى كانون الاول ١٨٧٩ وتموز ١٨٨٠ (بالانكليزية)، الانتباه الى السنة ١٩١٤ بم بصفتها سنة بالغة الاهمية من وجهة نظر نبوة الكتاب المقدس. وفي السنة ١٨٨٩ خُصِّص كامل الفصل الرابع من المجلد الثاني من الفجر الالفي (الذي دُعي في ما بعد دروس في الاسفار المقدسة) لمناقشة «ازمنة الامم.» ولكن ماذا كانت ستعني نهاية ازمنة الامم؟
لم يكن تلاميذ الكتاب المقدس على يقين تام مما سيحدث. وكانوا مقتنعين بأنها لن تؤدي الى احتراق الارض ومحو الحياة البشرية. وبالاحرى، عرفوا انها كانت ستسم نقطة مهمة في ما يختص بالحكم الالهي. وفي بادئ الامر اعتقدوا انه بحلول ذلك التاريخ سيكون ملكوت اللّٰه قد حاز السيطرة الكونية الكاملة. وعندما لم يحدث ذلك، لم تتضعضع ثقتهم بنبوات الكتاب المقدس التي وسمت ذلك التاريخ. لكنهم استنتجوا ان هذا التاريخ وسم مجرد نقطة بداية في ما يتعلق بحكم الملكوت.
وبشكل مماثل، اعتقدوا ايضا في بادئ الامر ان اضطرابات عالمية النطاق تبلغ ذروتها في فوضى (فهموا انها ستقترن بقتال «ذلك اليوم العظيم يوم اللّٰه القادر على كل شيء») كانت ستسبق ذلك التاريخ. (رؤيا ١٦:١٤) ولكن بعدئذ، قبل السنة ١٩١٤ بعشر سنين، اقترحت برج المراقبة ان الاضطراب العالمي النطاق الذي سيفضي الى تدمير المؤسسات البشرية كان سيأتي مباشرة بعد نهاية ازمنة الامم. وتوقعوا ان تسم السنة ١٩١٤ نقطة تحوُّل مهمة بالنسبة الى اورشليم، لان النبوة قالت ان ‹اورشليم ستكون مدوسة› حتى تكمَّل ازمنة الامم. وعندما رأوا السنة ١٩١٤ تقترب ولم يموتوا بعدُ كبشر و ‹يُخطفوا في السحب› لملاقاة الرب — وفقا لتوقعات ابكر — رجوا جدِّيا ان يحدث تغيُّرهم عند نهاية ازمنة الامم. — ١ تسالونيكي ٤:١٧.
واذ مرَّت السنون وفحصوا وأعادوا فحص الاسفار المقدسة، بقي ايمانهم بالنبوات قويا، ولم يمتنعوا عن التصريح بما توقعوا حدوثه. وبدرجات متفاوتة من النجاح، سعوا الى تجنُّب الجزم في التفاصيل غير المذكورة مباشرة في الاسفار المقدسة.
هل دقَّ «المنبِّه» قبل الاوان بكثير؟
اندلع اضطراب عظيم بالتأكيد على العالم في السنة ١٩١٤ عند نشوب الحرب العالمية الاولى، التي دُعيت لسنين عديدة الحرب الكبرى، لكنَّ ذلك لم يؤدِّ حالا الى قلب جميع السلطات البشرية الموجودة. واذ تطورت الاحداث المتعلقة بفلسطين عقب السنة ١٩١٤، اعتقد تلاميذ الكتاب المقدس انهم رأوا الدليل على تغييرات مهمة لاسرائيل. ولكن مرت اشهر ثم سنون، ولم ينل تلاميذ الكتاب المقدس مكافأتهم السماوية كما كانوا يتوقعون. فكيف كان ردّ فعلهم حيال ذلك؟
ان برج المراقبة عدد ١ شباط ١٩١٦ (بالانكليزية) لفتت الانتباه خصوصا الى «١ تشرين الاول ١٩١٤،» ثم قالت: «كانت هذه نقطة الزمن الاخيرة التي بيَّنها لنا جدول تواريخ الكتاب المقدس في ما يتعلق باختبارات الكنيسة. فهل اخبرنا الرب بأننا سنُؤخذ الى هناك [السماء]؟ كلا. ماذا قال؟ بدا ان كلمته واتمامات النبوة تشير بشكل لا يخطئ الى ان هذا التاريخ وسم نهاية ازمنة الامم. وقد استنتجنا من هذا ان ‹تغيُّر› الكنيسة سيجري في ذلك التاريخ او قبله. لكنَّ اللّٰه لم يخبرنا بأنه سيكون كذلك. وقد سمح لنا بالتوصل الى هذا الاستنتاج؛ ونعتقد انه كان امتحانا ضروريا على قديسي اللّٰه الاعزاء في كل مكان.» ولكن هل برهنت هذه التطورات ان رجاءهم المجيد كان عبثا؟ كلا. لقد عنت انه لم يكن كل شيء يحدث بالسرعة التي توقعوها.
قبل السنة ١٩١٤ بعدة سنين كتب رصل: «من الواضح انه لم يُقصد بجدول التواريخ (نبوات الوقت بصورة عامة) اعطاء شعب اللّٰه معلومات دقيقة بحسب الترتيب الزمني على مر القرون. فمن الواضح انه يُقصد به اكثر ان يخدم كمنبِّه يوقظ وينشّط شعب الرب في الوقت المناسب. . . . ولكن لنفرض، مثلا، ان تشرين الاول ١٩١٤ مرَّ ولم يحدث ايّ سقوط خطير لسلطة الامم. فماذا يبرهن او يدحض ذلك؟ انه لا يدحض ايّ وجه من نظام الدهور الالهي. فقيمة الفدية المنجَزة في الجلجثة لا تزال بمثابة ضمانة للاتمام الاخير للبرنامج الالهي العظيم من اجل الردّ البشري. و ‹الدعوة العليا› للكنيسة ان تتألم مع الفادي وأن تتمجد معه بصفتها اعضاءه او بصفتها عروسه لا تزال هي نفسها. . . . والشيء الوحيد الذي يؤثر فيه جدول التواريخ انما هو الوقت لتحقيق هذه الآمال المجيدة للكنيسة وللعالم. . . . واذا انقضى ذلك التاريخ فلا يبرهن ذلك إلا ان جدول تواريخنا، ‹منبِّهنا،› دقَّ قبل الوقت بقليل. فهل نعتبره كارثة كبيرة اذا ايقظنا منبِّهنا قبل لحظات قليلة في صباح يوم عظيم حافل بالفرح والسرور؟ طبعا لا!»
لكنَّ هذا «المنبِّه» لم يدقَّ قبل الاوان بكثير. وفي الواقع، ان الاختبارات التي ايقظتهم «الساعة» اليها هي التي لم تكن تماما ما كانوا قد توقعوه.
وبعد سنوات قليلة، عندما ازداد النور اشراقا، اعترفوا: «اعتقد كثيرون من القديسين الاعزاء ان كل العمل قد أُنجز. . . . لقد ابتهجوا بسبب البرهان الواضح على ان العالم قد انتهى، ان ملكوت السماء قريب، وأن يوم انقاذهم قد دنا. لكنهم غفلوا عن شيء آخر يجب فعله. فالبشارة التي تسلَّموها يجب اخبار الآخرين بها؛ لأن يسوع اوصى: ‹يُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم. ثم يأتي المنتهى.› (متى ٢٤:١٤)» — برج المراقبة، ١ ايار ١٩٢٥ (بالانكليزية).
واذ بدأت الاحداث عقب السنة ١٩١٤ تنكشف، وقارنها تلاميذ الكتاب المقدس بما سبق وأنبأ به السيد، صاروا يقدِّرون تدريجيا انهم يعيشون الآن في الايام الاخيرة للنظام القديم وأنهم كانوا كذلك منذ السنة ١٩١٤. وصاروا يفهمون ايضا انه في السنة ١٩١٤ بدأ حضور المسيح غير المنظور وأن ذلك كان، ليس برجوعه الشخصي (حتى بشكل غير منظور) الى جوار الارض، بل بتوجيه انتباهه نحو الارض كملك حاكم. ورأوا وقبلوا المسؤولية الحيوية التي عُهد اليهم فيها وهي ان ينادوا «ببشارة الملكوت هذه» شهادة لجميع الامم خلال هذا الوقت الحرج من التاريخ البشري. — متى ٢٤:٣-١٤ .
وماذا كانت تماما الرسالة عن الملكوت التي وجب ان يكرزوا بها؟ وهل اختلفت بشيء عن رسالة مسيحيي القرن الاول؟
ملكوت اللّٰه، الرجاء الوحيد للجنس البشري
نتيجة الدرس الدقيق لكلمة اللّٰه، فهم تلاميذ الكتاب المقدس المقترنون بالاخ رصل ان ملكوت اللّٰه هو الحكومة التي كان يهوه قد وعد باقامتها بواسطة ابنه لمباركة الجنس البشري. ويسوع المسيح، في السماء، سيكون قد اشرك معه كحكام ‹قطيعا صغيرا› اختارهم اللّٰه من بين الجنس البشري. وفهموا ان هذه الحكومة سيمثِّلها رجال امناء قدماء يخدمون كأمراء في كل الارض. وقد اشير الى هؤلاء بأنهم «الجديرون القدامى.» — لوقا ١٢:٣٢؛ دانيال ٧:٢٧؛ رؤيا ٢٠:٦؛ مزمور ٤٥:١٦، عج.
علَّم العالم المسيحي لمدة طويلة ‹الحق الالهي للملوك› كوسيلة لابقاء الشعب في خضوع. لكنَّ تلاميذ الكتاب المقدس هؤلاء رأوا من الاسفار المقدسة ان مستقبل الحكومات البشرية لا تؤمِّنه ضمانة الهية. وانسجاما مع ما كانوا يتعلَّمونه، ذكرت برج المراقبة عدد كانون الاول ١٨٨١ (بالانكليزية): «ان اقامة هذا الملكوت ستشمل طبعا قلب جميع ممالك الارض، اذ انها جميعها — وحتى افضلها — مؤسسة على الجور والحقوق غير المتساوية وظلم الكثيرين والتحيُّز للقليلين — كما نقرأ: ‹تسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت الى الابد.›» — دانيال ٢:٤٤.
أما عن الطريقة التي بها سيتم سحق تلك الممالك الظالمة، فكان لا يزال لدى تلاميذ الكتاب المقدس الكثير ليتعلَّموه. فلم يكونوا قد فهموا بعدُ بوضوح كيف ستمتد فوائد ملكوت اللّٰه الى كل الجنس البشري. لكنهم لم يخلطوا ملكوت اللّٰه بشعور غامض داخل قلب المرء او بحكم سلطة دينية تستعمل الدولة الدنيوية كذراع لها.
وبحلول السنة ١٩١٤ لم يكن خدام اللّٰه الامناء لما قبل المسيحية قد اقيموا على الارض كأمراء يمثِّلون الملك المسيَّاني، كما جرى توقعه، ولم يكن الباقون من «القطيع الصغير» قد انضموا الى المسيح في الملكوت المسيَّاني في تلك السنة. إلا ان برج المراقبة عدد ١٥ شباط ١٩١٥ (بالانكليزية) ذكرت بثقة ان السنة ١٩١٤ كانت الوقت المعيَّن ‹لربنا ليأخذ قدرته العظيمة ويملك،› منهيا بالتالي آلاف السنين من السيطرة الاممية غير المنقطعة.
-
-
النمو في المعرفة الدقيقة للحقشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
قتال ذلك اليوم العظيم يوم اللّٰه القادر على كل شيء
هزَّت الحرب العالمية التي بدأت في السنة ١٩١٤ نظام الاشياء الموجود حتى اساساته. ولمدة من الوقت بدا ان الاحداث ستتطور كما توقعها تلاميذ الكتاب المقدس.
قديما في آب ١٨٨٠ كتب الاخ رصل: «نفهم انه قبل ردّ العائلة البشرية او حتى الابتداء بمباركتها ستنقلب جميع ممالك الارض الحاضرة التي تقيِّد وتظلم الجنس البشري الآن وأن ملكوت اللّٰه سيتولى زمام السيطرة وأن البركة والردّ يأتيان بواسطة الملكوت الجديد.» وكيف كان سيجري هذا ‹القلب للممالك›؟ على اساس الاحوال التي استطاع ان يراها تتطور في العالم آنذاك، اعتقد رصل انه خلال حرب هرمجدون سيستخدم اللّٰه الاحزاب المتنافسة للجنس البشري لقلب المؤسسات القائمة. قال: «ان عمل تدمير الامبراطورية البشرية يبدأ. والقوة التي ستقلبها منهمكة الآن في العمل. والناس ينظِّمون قواهم الآن تحت اسم الشيوعيين، الاشتراكيين، النِّهلِسْتيين، وهلم جرا.»
وكتاب يوم الانتقام (المسمَّى لاحقا معركة هرمجدون)، الصادر في السنة ١٨٩٧، توسَّع اكثر في الطريقة التي فهم بها تلاميذ الكتاب المقدس آنذاك المسألة، قائلا: «ان الرب، بعنايته الالهية المهيمنة، سيتولَّى عموما امر هذا الجيش العظيم من الساخطين — الوطنيين، المصلِحين، الاشتراكيين، الاخلاقيين، الفوضويين، الجهال واليائسين — ويستخدم آمالهم، مخاوفهم، حماقاتهم وأنانيتهم، بحسب حكمته الالهية، لتحقيق مقاصده العظيمة في قلب المؤسسات الحاضرة، وإعداد الانسان لملكوت البر.» وهكذا فهموا ان حرب هرمجدون ستقترن بثورة اجتماعية عنيفة.
-
-
النمو في المعرفة الدقيقة للحقشهود يهوه — منادون بملكوت اللّٰه
-
-
[الاطار في الصفحة ١٢٦]
‹أنناقض المسيح نفسه؟›
بعد تشهير عقيدة الثالوث غير المؤسسة على الكتاب المقدس وغير المعقولة، عبَّر ت. ت. رصل عن سخط بار عندما سأل: «أنناقض اذًا الرسل والانبياء ويسوع نفسه، ونتجاهل العقل والحس العام، لكي نتمسك بعقيدة سلَّمتها الينا من الماضي المظلم الذي سادته الخرافات، كنيسة مرتدة فاسدة؟ كلا! ‹الى الشريعة وإلى الشهادة. إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر.›» — «برج المراقبة،» ١٥ آب ١٩١٥ (بالانكليزية).
[الاطار في الصفحة ١٣٣]
الحق التقدُّمي
في السنة ١٨٨٢، كتب ت. ت. رصل: «الكتاب المقدس هو مقياسنا الوحيد، وتعاليمه هي قانوننا الوحيد، واذ ندرك الميزة التقدُّمية لكشف حقائق الاسفار المقدسة، نكون جاهزين ومستعدين للاضافة الى او تعديل قانوننا (ايماننا — معتقدنا) فيما نحصل على مزيد من النور من مقياسنا.» — «برج المراقبة،» نيسان ١٨٨٢، ص ٧ (بالانكليزية).
-