-
روسياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
-
-
«لديكم ‹ماء مقدس›»
أُرسل الشهود الى معسكرات جزائية بسبب نشاطهم الكرازي. يذكر نيكولاي كاليبابا الذي قضى سنوات عديدة في هذه المعسكرات: «أُرسل اربعة منا الى معسكر جزائي في قرية ڤيخورفْكا، بإقليم إركوتْسْك، حيث كان نحو ٧٠ اخا مسجونين. ولم يكن هنالك ماء للشرب؛ فأنبوب الماء الوحيد الموجود كان متصلا بشبكة المجارير، لذلك شكل شرب الماء خطرا علينا. كما ان الطعام لم يكن صالحا للاكل، لكن يهوه ساعدنا. وفي هذا المعسكر لم يرد احد قط العمل باستثناء الشهود. وقد كنا عمالا كفؤين. وما ان ادركت الادارة ذلك حتى ارسلتنا للعمل في اجزاء اخرى من المعسكر. فاستطعنا ان نجلب معنا ماء للشرب بالدلاء. وقد اتى الينا سجناء كثيرون قائلين: ‹سمعنا انه لديكم «ماء مقدس». اعطونا نصف كوب على الاقل›. وطبعا، اعطيناهم ماء ليشربوا.
«كان بين السجناء اشخاص قلوبهم صالحة. ومع ان بعضهم كانوا سابقا سارقين والبعض الآخر مجرمين، فقد تعلموا الحق واصبحوا شهودا ليهوه. وبدا لنا ان آخرين هم ضد الحق، وقد قاومونا علنا. ولكن عندما اتى ذات مرة احد الخطباء الى معسكرنا لكي يلقي محاضرة ضد شهود يهوه، دافعوا عنا وقالوا ان المحاضرة تتضمن افتراء على الشهود».
«سنأتي اليكم في مجموعات»
كان الاخوة يطلبون الحكمة من يهوه ويفكرون دائما كيف يمكنهم ان يستغلوا الظروف من اجل تقدم مصالح الملكوت. يتابع نيكولاي: «سمعنا اننا سنُنقل بعد فترة قصيرة الى معسكر آخر في موردڤينا لا يبعد كثيرا عن موسكو. وقبل رحيلنا حصل امر مثير. فلدهشتنا، اتى الينا بعض الضباط والمسؤولين الذين راقبوا شهود يهوه لسنوات وقالوا: ‹نريد ان تنشدوا لنا ترانيمكم وتخبرونا المزيد عن معتقداتكم. فسنأتي اليكم في مجموعات يضم كل منها ما بين ١٠ و ٢٠ شخصا، وربما اكثر›.
«ولأنهم كانوا خائفين مما يمكن ان يحصل لنا او لهم، قالوا انهم سيعيّنون اشخاصا ليحرسوا مكان اجتماعنا. فأجبنا بأننا اكثر خبرة في هذه المسائل، لذلك سنعيّن نحن ايضا حراسنا. وعمل حراسهم تماما كحراسنا، فقد كان جنود يقفون على مسافات متباعدة بين بيت الحرس وبين مكان اجتماعنا. هل يمكنك ان تتخيل هذا المشهد؟ مجموعة من الشهود ينشدون الترانيم لمجموعة من الضباط والمسؤولين، ثم يلقي احد الاخوة خطابا قصيرا مؤسسا على موضوع من الكتاب المقدس. لقد بدا وكأننا في قاعة ملكوت لشهود يهوه. بهذه الطريقة عقدنا عدة اجتماعات مع مجموعات من الاشخاص المهتمين. وقد رأينا كيف اعتنى يهوه بنا وبهؤلاء الناس المخلصين ايضا».
ويضيف نيكولاي: «اخذنا معنا الكثير من المجلات من هذا المعسكر الى المعسكر في موردڤينا، حيث كان الكثير من الشهود مسجونين. فقد اعطاني الاخوة حقيبة ذات جوانب مزدوجة يمكن وضع المطبوعات فيها. وفعلنا كل ما يمكن فعله لئلا تلفت الحقيبة انتباه المسؤولين اثناء التفتيش. وفي معسكر موردڤينا جرى تفتيشنا بدقة شديدة. وأخذ احد المسؤولين حقيبتي وصرخ: ‹انها ثقيلة جدا! لا بد انها تحتوي على كنز!›. وقد فوجئت حين وضع حقيبتي وأشيائي الاخرى جانبا وابتدأ يفتش امتعة الآخرين. وبعد الانتهاء من التفتيش قال لي مسؤول آخر: ‹خذ امتعتك واذهب!›. وهكذا اخذت الى الثكنة مخزونا من الطعام الروحي الجديد الذي كنا بحاجة ماسة اليه، لأن حقيبتي لم تُفتش.
«ولم تكن هذه المرة الوحيدة، فأكثر من مرة حملت نشرات منسوخة باليد في جزمتي. ولأن قدمَي كبيرتان كان هنالك دائما متسع في جزمتي للكثير من الاوراق. وكنت احشرها تحت غطاء النعل من الداخل وأطلي الجزمة بالكثير من الشحم. وكان الشحم زلقا جدا ورائحته كريهة، لذلك كان المسؤولون يبتعدون عن جزمتي».
«كان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم»
يتابع نيكولاي: «في معسكر موردڤينا، عيّنني الاخوة مشرفا على نسخ مطبوعات الكتاب المقدس. وكانت احدى مسؤولياتي مراقبة المسؤولين بحيث يتسنى الوقت للاخوة الذين ينسخون المطبوعات بيدهم ان يخفوا كل شيء. فكان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم. وقد نوى بعضهم ان يمسكونا بالجرم المشهود، فراحوا يدخلون الى الثكنة مرارا وعلى نحو مفاجئ. لذلك كانت مراقبتهم اصعب امر نقوم به. كما اتى مسؤولون آخرون مرة في اليوم، وهؤلاء كانوا يغضون النظر ولم يسببوا لنا اية مشاكل.
«في تلك الفترة كنا نقوم بنسخ الاعداد الاصلية، التي بقيت مخبّأة في اماكن آمنة. فقد وُضعت عدة نسخ اصلية في المواقد، حتى في موقد مكتب مدير المعسكر. فالاخوة الذين كانوا ينظفون مكتبه صنعوا تجويفا في الموقد، وفيه احتفظنا بالنسخ الاصلية الثمينة للعديد من مجلات برج المراقبة. ومهما دقّق المسؤولون في التفتيش، فإن النسخ الاصلية كانت دائما بأمان في مكتب المدير».
اصبح الاخوة ماهرين في إخفاء المطبوعات. وكان المكان المفضل لذلك حافة النافذة. حتى انهم تعلموا كيف يخفون المطبوعات في انابيب معجون الاسنان. ولم يعرف سوى اثنين او ثلاثة اخوة مكان الاحتفاظ بالنسخ الاصلية. وعند الحاجة، كان احدهم يأتي بها ثم يعيدها الى مكانها بعد ان تُصنع نسخة منها. بهذه الطريقة تبقى النسخ الاصلية دائما في مكان آمن. وقد اعتبر الاخوة عمل النسخ امتيازا رغم خطر زجّهم في السجن الانفرادي مدة ١٥ يوما. يذكر ڤيكتور ڠوتشميت: «قضيت نحو ثلاث سنوات في السجن الانفرادي من اصل عشر سنوات في المعسكرات».
مجلات برج المراقبة بخط نسيج العنكبوت
بدا للاخوة ان ادارة المعسكر انشأت نظاما خصوصيا لتفتيش الشهود ومصادرة مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس. وقد بذل بعض الضباط جهودا دؤوبة في هذا الشأن. يذكر إيڤان كليمكو: «ذات مرة، في المعسكر الموردڤيني رقم ١٩، ابعد الجنود مع كلابهم الاخوة عن منطقة المعسكر وفتشوهم تفتيشا دقيقا. وقد جُرّد كل شاهد من ثيابه، حتى من الخِرَق التي يلف بها قدمَيه. لكن لم تُكتشَف الاوراق القليلة المنسوخة باليد التي كان الاخوة قد ألصقوها بالغراء على اسفل اقدامهم. كما صنع الاخوة كراريس بالغة الصغر يمكن وضعها بين اصابع ايديهم. وعندما امر الحراس كل واحد برفع يديه بقيت الكراريس بين اصابعه، وهكذا حُفظت بعض الكراريس».
كانت هنالك طرائق اخرى لحفظ الطعام الروحي. يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ: «استطاع بعض الاخوة ان يكتبوا بخط سُمي خط نسيج العنكبوت. فكان رأس القلم يُبرى حتى يصبح رفيعا جدا، وتُحشر عند الكتابة ثلاثة او اربعة اسطر بين كل خطين افقيين في ورقة الدفتر المسطَّرة. وكان من الممكن ان تحوي علبة الثقاب خمس او ست نسخ من برج المراقبة مكتوبة بهذا الخط الرفيع جدا. وقد تطلب ذلك بصرا ممتازا وجهدا دؤوبا. فهؤلاء الاخوة كانوا يقومون بذلك تحت الاغطية وبعد ان تُطفأ كل الاضواء ويخلد الجميع الى النوم. والضوء الوحيد المتوفر كان يأتي من مصباح كهربائي في مدخل الثكنة بالكاد يشع. وكان الاستمرار في هذا العمل لبضعة اشهر يتلف البصر. وفي حال لاحظ احد الحراس ما نفعله وكان ايجابيا في تعاطيه معنا، كان يقول: ‹ألا تزالون تكتبون، متى ستخلدون الى النوم؟›».
يتذكر الاخ كليمكو: «في احدى المناسبات خسرنا كمية كبيرة من المطبوعات والكتاب المقدس ايضا. فكانت كلها مخبّأة في الساق الاصطناعية لأحد الاخوة. وبعد اجباره على نزع الساق، قام الحراس بسحقها. وقد التقطوا صورا للصفحات المبعثرة ونشروها في صحيفة المعسكر. غير ان ذلك كان نافعا اذ تبرهن من جديد لكثيرين ان شهود يهوه لا ينهمكون إلا في النشاطات الدينية. وبعد هذا الاكتشاف، قال مدير المعسكر للاخوة متشفّيا: ‹هذه هرمجدون بالنسبة اليكم!›. لكن احدا اخبره في اليوم التالي ان شهود يهوه يجتمعون ويرنمون ويقرأون كالعادة».
محادثة مع المدعي العام
في اواخر سنة ١٩٦١ اتى المدعي العام لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية الى المعسكر في موردڤينا لتفقد المكان. وفيما هو سائر في المعسكر دخل ثكنة الشهود. وسمح للاخوة بأن يطرحوا بعض الاسئلة. يذكر ڤيكتور ڠوتشميت: «سألته: ‹هل تعتقد ان دين شهود يهوه يشكل خطرا على المجتمع السوفياتي؟›.
«اجاب المدعي العام: ‹كلا، لا اعتقد ذلك›. لكنه خلال المحادثة قال دون انتباه: ‹في عام ١٩٥٩ وحده، خُصصت لسلطات اقليم إركوتْسْك خمسة ملايين روبل لتتعامل مع الشهود بالطريقة المناسبة›.
«وقصد بذلك ان السلطات تعرف جيدا مَن نحن، فقد انفقت خمسة ملايين روبل من الاموال المخصصة للنظام الجزائي لكي تعرف مَن هم شهود يهوه. وهذا مبلغ كبير جدا. ففي ذلك الوقت، كان يمكن لمبلغ قدره خمسة آلاف روبل ان يشتري سيارة جميلة او بيتا مريحا. لذلك فإن السلطات في موسكو كانت تعرف دون شك ان شهود يهوه ليسوا شعبا خطِرا.
«وتابع المدعي العام قائلا: ‹اذا قلنا للشعب السوفياتي ان يفعلوا بالشهود ما يشاءون، فسيمحون كل اثر لكم›. وقصد بقوله هذا ان المجتمع السوفياتي لا يحب الشهود. فكان واضحا من كلماته ان ملايين الناس تأثروا بالدعاية الالحادية والايديولوجية.
«عندئذ اجبناه: ‹سترى الوضع على حقيقته عندما يعقد الشهود محافلهم الكورية في كل ارجاء المنطقة الممتدة من موسكو الى ڤلاديڤوستوك›.
«فقال: ‹ربما يكون نصف مليون شخص الى جانبكم، ولكن هنالك آخرون الى جانبنا›.
«بهذه الجملة انتهت المحادثة مع المدعي العام، وقد كان محقا الى حد ما. واليوم، هنالك اكثر من ٠٠٠,٧٠٠ شخص يحضرون اجتماعات شهود يهوه في كل انحاء دول الاتحاد السوفياتي السابق. فهناك يصغي الناس الى الكلام النقي لحق الكتاب المقدس لا الى الدعاية».
«انشأتم منتجعا للشهود»
يتابع ڤيكتور: «اخذ مدير المعسكر المدعي العام وأراه الزهور والاشجار التي زرعها الشهود، بالاضافة الى الطرود التي تسلّموها والتي بقيت في ثكنتهم دون ان يسرقها احد. وكان المدعي العام ينظر الى كل شيء باندهاش واضح. لكننا علمنا لاحقا ان هذا الرجل امر ادارة المعسكر بإتلاف كل الزهور والاشجار. فكان قد قال لمدير المعسكر: ‹لقد انشأتم منتجعا للشهود لا معسكرا للعمل الالزامي›. كما انه منع الشهود من تسلّم الطرود وأقفل كشك الطعام الذي كان يُسمح للشهود ان يشتروا منه طعاما اضافيا.
«ولكن لفرحة الاخوة لم ينفذ المدير كل الاوامر. مثلا، لم تُمنع الاخوات من زرع الزهور. وفي فصل الخريف كن يقطفن الزهور ويصنعن باقات كبيرة يقدمنها لعمال المعسكر وأولادهم. وسرّنا كثيرا ان نرى الاولاد يلتقون والديهم عند البوابة، يأخذون زهورهم، ويركضون الى المدرسة وأمارات السعادة مرتسمة على وجوههم. فقد احبوا الشهود».
يتذكر ڤيكتور: «ذات يوم في اوائل سنة ١٩٦٤، اخبرنا مسؤول لديه اخ يعمل لدى المخابرات السوفياتية انه يجري تنظيم حملة كبيرة على صعيد الدولة ضد شهود يهوه. ولكن في اواخر تلك السنة خُلع فجأة نيكيتا خروتشيف من منصبه كرئيس دولة، فسكنت موجة الاضطهاد».
ترانيم الملكوت في معسكر خاضع لحراسة مشددة
في ستينات القرن العشرين، سمح احد المعسكرات الخاضعة لحراسة مشددة في موردڤينا بأن يتسلم السجناء طرودا مرة في السنة ‹كمكافأة خصوصية›. وكانت عمليات التفتيش تجري باستمرار. وإذا وُجد في حوزة احد قصاصة ورق عليها آية من الكتاب المقدس، كان يُرسل الى السجن الانفرادي لمدة عشرة ايام. هذا بالاضافة الى ان السجناء في هذا المعسكر كانوا يحصلون على حصص طعام اقل مما يحصل عليه اولئك الذين في المعسكرات غير الخاضعة لحراسة مشددة. كما ان العمل الالزامي كان اصعب، فوجب على الشهود قلع أُروم الاشجار الضخمة. يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ: «غالبا ما كنا نصل الى شفير الانهيار الجسدي التام. لكننا حافظنا على يقظتنا ولم نستسلم. وإحدى الطرائق التي ساعدت الاخوة على ابقاء معنوياتهم عالية هي انشاد ترانيم الملكوت. فقد شكلنا جوقة مرنمين من رجال تختلف طبقة صوتهم، وكان ترنيمهم جميلا بشكل يفوق الوصف رغم غياب اصوات النساء. ولم تبهج هذه الترانيم الشهود فقط بل ايضا الضباط، الذين طلبوا من الاخوة ان يرنموا اثناء ساعات العمل. وذات مرة، حين كنا نقطع الاشجار، اتى المسؤول عن حراسة العمال وقال: ‹رنموا بعض الترانيم. فهذا الطلب هو من ضابط الفرق العسكرية نفسه›.
«كان الضابط قد سمع الاخوة يرنمون ترانيم الملكوت مرات عديدة. وقد اتى طلبه في وقته لأننا كنا على حافة الانهيار التام. فابتدأنا بفرح نمجد يهوه بأصواتنا. وعادة، عندما كنا نرنم في المعسكر، كانت زوجات الضباط يخرجن من البيوت المجاورة ويقفن على الشرفات ويستمعن الينا لوقت طويل. وقد احببن خصوصا كلمات الترنيمة رقم ٦ من كتاب ترانيم قديم، وهي بعنوان ‹لتعطِ الارض مجدا›. وكانت كلمات الترنيمة جميلة ولحنها رائعا».
«انت في بلد آخر»
كان بإمكان الناس الذين يتعاملون مع شهود يهوه ان يروا ما هم عليه حقا حتى في ظروف غير متوقعة البتة. يذكر ڤيكتور ڠوتشميت: «بينما كنا جالسين في الحديقة في نهاية احد الاسابيع، أُدخلت شاحنة محمَّلة بأدوات كهربائية غالية الثمن الى المعسكر حيث نحن مسجونون. ولم يكن السائق الذي يسلّم البضاعة من اخوتنا الروحيين بل سجينا في معسكرنا، اما مدير المشتريات الذي يرافقه فكان من معسكر آخر. وبما ان المخزن كان مقفلا والمسؤول عنه في اجازة، طُلب من الشهود ان يتسلّموا البضاعة ويفرّغوا الشاحنة.
«انزلنا الادوات الكهربائية وكدسناها قرب المخزن على مسافة غير بعيدة من الثكنة التي يقيم فيها اخوتنا. وكان مدير المشتريات قلقا جدا بشأن تسليم البضاعة بهذه الطريقة غير الرسمية دون الحصول على توقيع مدير المخزن لتأكيد الاستلام. لكن السائق طمأنه قائلا: ‹لا تخف. فلا احد هنا يسرق شيئا. انت في «بلد آخر»، فلا تفكر في ما يحصل عادة خارج هذا المعسكر. في هذا المكان بإمكانك ان تنزع ساعة يدك وتتركها اينما كان، وتأكد انك ستجدها غدا في المكان نفسه›. لكن مدير المشتريات اصر على عدم المغادرة دون الحصول على التوقيع، لأن البضاعة تقدَّر بنصف مليون روبل.
«بعد وقت قصير اتى رجال من ادارة المعسكر وأمروا بإخراج الشاحنة من المكان. وطلب احدهم من مدير المشتريات ان يترك هناك فاتورة التسليم ويعود في اليوم التالي لأخذها. ففعل ذلك على مضض، ثم رحل. وفي الصباح التالي عاد وطلب ان يدخل المعسكر لكي يجعل مدير المخزن يوقّع الفاتورة، لكن الحارس سلّمه اياها موقَّعة.
«في وقت لاحق اخبرَنا الحارس ان مدير المشتريات تردد كثيرا قبل ان يغادر. فطوال نصف ساعة وقف امام البوابة يحدّق فيها وفي المستندات ثم يدور ليرحل، لكنه كان يدور من جديد ويحدّق في البوابة. فربما لم يسبق ان شهد شيئا كهذا: تسليم بضاعة قيِّمة في غيابه، توقيع الفاتورة دون ان يكون حاضرا، وإنجاز كل ما يلزم بنزاهة. والاهم هو ان ذلك حدث في معسكر للعمل الالزامي خاضع لحراسة مشددة، حيث السجناء مصنفون بأنهم ‹مجرمون بالغو الخطورة›. نعم، مهما نشرت الدعاية المغرضة معلومات سلبية عن شهود يهوه، فإن حدثا كهذا يُظهر للمراقبين جميعا ما هم عليه حقا».
‹عادوا الآن الى التبشير›
في سنة ١٩٦٠، بعد ايام قليلة من جمع الاخوة معا في المعسكر الموردڤيني، اختير اكثر من مئة شاهد ليُنقلوا الى سجن خصوصي يدعى المعسكر رقم ١٠ في قرية اودارني المجاورة. وكان هذا المكان سجنا «اختباريا» لإعادة تأهيل الشهود. وفيه أُلبس السجناء بزّات مخططة شبيهة ببزّات السجناء في معسكرات الاعتقال النازية. وبين الاعمال التي وجب على الشهود ان يقوموا بها اقتلاع أُروم اشجار ضخمة في الغابة. فكان على كل منهم ان يقتلع في اليوم الواحد ١١-١٢ ارومة على الاقل. ولكن احيانا كانت مجموعة الاخوة بكاملها تعمل معا طوال اليوم لاقتلاع ارومة شجرة سنديان ضخمة واحدة، دون ان تنجح. وغالبا ما كانوا ينشدون ترانيم الملكوت ليشجعوا واحدهم الآخر. ولدى سماع مدير المعسكر صوت الترنيم، كان احيانا يصيح قائلا: «لا عشاء لكم اليوم ايها الشهود حتى تتعلموا ألا ترنموا. هذا درس لكم كي تنجزوا عملكم». يذكر احد الاخوة الذين كانوا في هذا المعسكر: «لكن يهوه كان يدعمنا. ورغم الظروف الصعبة، بقينا صاحين روحيا. فكنا دائما نشجّع بعضنا بعضا ونرفع معنوياتنا بتذكير احدنا الآخر اننا وقفنا الى جانب يهوه في قضية السلطان الكوني». — ام ٢٧:١١.
بالاضافة الى «المرشدين» المعينين للاشراف على السجن بكامله، كان لكل زنزانة مرشد خاص بها — ضابط عسكري لا تقل رتبته عن نقيب. وكان هدف هؤلاء الضباط جعل الشهود ينكرون ايمانهم. فكانوا يقولون ان كل مَن يذعن، او بالاحرى ينكر ايمانه، سيُطلَق سراحه. وكان المرشدون يكتبون كل شهر تقريرا حول شخصية كل شاهد، ويوقع التقرير عدد من الموظفين في السجن. لكن ما كتبوه عن كل فرد من الشهود كان دائما: «لا يتجاوب مع اجراءات اعادة التأهيل، بل يبقى ثابتا في اقتناعاته». ويمضي إيڤان كليمكو قائلا: «قضيت في هذا السجن ست سنوات من اصل عشر، وجرى تصنيفي مع اخوة آخرين بأني ‹مجرم بالغ الخطورة يكرّر ارتكاب الجريمة نفسها›. وقد اخبرَنا الضباط ان السلطات تعمّدت وضع الشهود في ظروف صعبة للغاية لكي تراقب سلوكهم».
في احدى المرات طرح يوڤ أندرونيك، الذي قضى خمس سنوات في ذلك السجن، هذا السؤال على آمر المعسكر: «الى متى سنبقى في هذا السجن؟». فأشار الآمر الى الغابة وأجاب: «الى ان تؤخذوا الى هناك محمولين». ويذكر يوڤ: «أُبقينا معزولين عن الآخرين لكيلا نكرز لهم، وأُخضِعنا لمراقبة شديدة. ولم يستطع ايٌّ منا التجول في المعسكر دون ان يرافقه احد المسؤولين. وبعد بضع سنوات، حين نُقلنا الى معسكر خاضع لحراسة غير مشددة، اخبر بعض السجناء غير الشهود ادارة المعسكر: ‹لقد انتصر شهود يهوه. فمع انكم عزلتموهم، ها هم الآن قد عادوا الى التبشير›».
ضابط يدرك ان كتابه المقدس نُسِخ
كان من الصعب جدا إدخال اية مطبوعات الى المعسكر رقم ١٠، فكم بالاحرى الكتاب المقدس! فبدا للاخوة ان إدخال كلمة اللّٰه الى السجن امر اشبه بالمستحيل. ومع ذلك، يقول اخ قضى في هذا السجن بضع سنوات: «لا شيء مستحيل عند يهوه». نعم، سمع صلواتنا. فقد طلبنا كتابا مقدسا واحدا على الاقل من اجل مئة شاهد في هذا السجن، وإذا بنا نحصل على اثنين!». (مت ١٩:٢٦) فكيف حدث ذلك؟
جُنِّد كولونيل ليكون احد المرشدين في السجن. ولكن كيف استطاع شخص لا يعرف شيئا عن الكتاب المقدس ان «يرشد» الشهود؟ تمكن الكولونيل بطريقة ما من الحصول على كتاب مقدس في حالة سيئة. وقبل ان يأخذ اجازة، طلب من سجين معمداني مسنّ ان يعيد تجليد الكتاب بعد ان امر المسؤولين ألا يصادروه. فأخذ المعمداني يتباهى امام الشهود بأنه حصل على كتاب مقدس، وسمح لهم باستعارته لإلقاء نظرة عليه. ولكن عندما وقع هذا الكنز الثمين في يد الاخوة، فكّوا مَلازمه ووزّعوا الصفحات على كل الشهود السجناء لينسخوها. وطوال الايام القليلة التالية انشغل الشهود جميعا بنسخ الكتاب في زنزاناتهم، فصنعوا نسختين مكتوبتين باليد من كل صفحة. يذكر احد الاخوة: «عندما جُمعت الصفحات معا، حصلنا على ثلاثة كتب مقدسة! فأُعيدت الى الكولونيل نسخته بعد اعادة تجليدها، في حين حصلنا نحن على نسختين. وقد استعملنا احداهما للقراءة ووضعنا الاخرى في مكان خاص داخل ‹الخزنة›، التي كانت عبارة عن بضعة انابيب فيها اسلاك تمر عبرها كهرباء ذات توتر عالٍ. وبما ان المسؤولين كانوا يخشون حتى الاقتراب منها، لم يقم احد قط بالتفتيش هناك. وهكذا كانت الكهرباء ذات التوتر العالي حارسا امينا لمكتبتنا».
ولكن خلال احدى عمليات التفتيش، اكتشف الكولونيل صفحة من الكتاب المقدس المنسوخ باليد. وعندما ادرك ما حصل، استاء جدا وقال: «هذه نُسِخت عن الكتاب المقدس الذي جلبته انا بنفسي الى المعسكر!».
الاحتفال بالذكرى
كان الاخوة كل سنة يحاولون الاحتفال بالذكرى في المعسكرات. وفي كل السنوات التي قضوها في احد المعسكرات في موردڤينا، لم يفوّت واحد منهم هذه المناسبة. طبعا، حاولت ادارة المعسكر على الدوام منع الاحتفال. وبما انهم يعرفون تاريخ الذكرى، كانوا عادة يأمرون جميع وحدات الحرس في المعسكر بتشديد المراقبة خلال ذلك اليوم. ولكن بحلول المساء كان معظم الحراس يضجرون من مراقبة الاخوة عن كثب، اذ لم يكن احد منهم يعرف في اي مكان وفي أية ساعة بالتمام ستُعقد الذكرى.
كان الاخوة دائما يبذلون جهودا حثيثة لتوفير الخمر وخبز الفطير. وفي احدى المرات، وجدت وحدة مراقبة الرمزين في احد الادراج يومَ الذكرى، فقامت بمصادرتهما. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، استُبدلت هذه الوحدة بوحدة مراقبة اخرى، فتمكن اخ ينظف مكتب آمر الوحدة من استرجاعهما وتمريرهما الى الاخوة دون ان يراه احد. وفي تلك الليلة، خلال نوبة المراقبة الثالثة، احتفل الاخوة بالذكرى مستخدمين الرمزين، اللذين كانا ضروريين جدا لأن احد الاخوة لديه الدعوة السماوية.
الاحتفال بالذكرى في احد معسكرات النساء
كان الوضع مشابها في معسكرات اخرى. ولا تزال ڤالنتينا ڠارنوفسْكايا تذكر كم كان الاحتفال بالذكرى صعبا في معسكر للنساء في كيميروڤو. تقول: «ضمَّ هذا المعسكر نحو ١٨٠ اختا. وكان ممنوعا علينا ان نجتمع معا. فلم نتمكن من الاحتفال بالذكرى إلا مرتين خلال عشر سنوات. وفي احداهما قررنا ان نعقد الذكرى في مكتب اتولى تنظيفه. فأخذت الاخوات يتسللن الى مكان الاجتماع الواحدة تلو الاخرى على مدى ساعات قبل بدء الذكرى. وقد تمكن نحو ٨٠ اختا من المجيء. فوضعنا خبز الفطير والخمر الحمراء غير المحلاة على طاولة المكتب.
«قررنا ان نبدأ بدون ترنيم، فقدمت اخت الصلاة الافتتاحية، وسار الاحتفال بطريقة لائقة ومبهجة. وفجأة سمعنا ضجيجا وصياحا، فأدركنا ان المسؤولين يبحثون عنا. ثم رأينا آمر الوحدة نفسه ينظر من خلال النافذة، مع انها كانت عالية. وفي نفس الوقت سمعنا الباب يُقرع بشدة، فيما علا صوت شخص يأمرنا بفتحه. عندئذ اقتحم المسؤولون المكان وأمسكوا بالاخت التي تلقي الخطاب واقتادوها الى السجن الانفرادي. فأخذت اخت شُجاعة اخرى مكانها لإكمال الخطاب، لكنهم امسكوها هي ايضا. وعلى الفور حاولت اخت ثالثة ان تواصل تقديم الخطاب، فأدخلونا جميعا الى غرفة اخرى وهددوا بزجِّنا في السجن الانفرادي. وهناك انهينا الاحتفال بالذكرى بترنيمة وصلاة ختامية.
«عندما عدنا الى الثكنة، استقبلَتنا السجينات الاخريات بهذه الكلمات: ‹حين اختفيتن جميعا فجأة، اعتقدنا ان هرمجدون اتت وأن اللّٰه اخذكن الى السماء وتركَنا هنا لنموت›. وبعد هذه الحادثة، بدأ بعضهن بالاستماع الى الحق بعدما كن يرفضنه طوال السنوات القليلة الماضية التي قضيناها معا في السجن».
«كنا نلتزّ بعضا ببعض»
كان احد المعسكرات في ڤوركوتا يضم شهودا كثيرين من اوكرانيا ومولدوفا ومنطقة البلطيق، اضافة الى جمهوريات اخرى في الاتحاد السوفياتي. يتذكر إيڤان كليمكو: «في شتاء ١٩٤٨، لم تكن لدينا مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس. لكننا كنا نسجل على اوراق صغيرة ما نتذكره من المجلات القديمة ونخفيها عن اعين المسؤولين. إلا انهم علموا بوجود الاوراق، مما جعلنا نخضع لعمليات تفتيش طويلة ومضنية. فخلال ايام الشتاء الباردة، كانوا يقتادوننا الى الخارج ويجبروننا على الوقوف في صفوف من خمسة اشخاص. وغالبا ما احصوا عددنا مرة بعد مرة. فكما يبدو، توقعوا ان نسلّمهم الاوراق حتى لا نبقى واقفين خارجا في البرد القارس. وخلال عدّهم لنا مرارا وتكرارا، كنا نلتزّ بعضا ببعض ونناقش موضوعا من الكتاب المقدس. فكانت عقولنا دائما تُشغل بالمسائل الروحية. وقد ساعدَنا يهوه ان نحافظ على استقامتنا امامه. حتى ان الاخوة تمكنوا في وقت لاحق من إدخال كتاب مقدس الى المعسكر. فقسَّمناه الى عدة اجزاء لكيلا يصادَر بكامله اثناء التفتيش.
«كان بين الحراس اشخاص يعتقدون انه من الخطإ ارسال شهود يهوه الى المعسكرات. وقد ساعدَنا هؤلاء الناس اللطفاء بقدر ما استطاعوا. فبعضهم كانوا ‹يغمضون اعينهم› حين يصل طرد الى واحد منا. وكان الطرد عادةً يحتوي على صفحة او صفحتين من مجلة برج المراقبة مخبأتين داخله. وهذه الاوراق، التي لا تزن سوى غرامات قليلة، كانت اكثر قيمة من كيلوغرامات من الطعام. صحيح ان الشهود كانوا دائما محرومين من الناحية الجسدية، لكنهم كانوا اغنياء كثيرا من الناحية الروحية. — اش ٦٥:١٣، ١٤.
«سوف يقسمها الى ٥٠ قطعة»
كان الاخوة يديرون كل اسبوع دروسا في الكتاب المقدس مع الذين يظهرون اهتماما بالحق. وكثيرون من السجناء — حتى غير المهتمين بالكتاب المقدس — عرفوا ان الدروس تُعقد في الثكنة بعد الساعة السابعة مساء، وحاولوا المحافظة على الهدوء. يذكر يوڤ أندرونيك: «من الواضح ان يهوه كان يعتني بنا ويدعم عمله. بالاضافة الى ذلك، حاولنا الاعراب عن المحبة المسيحية واحدنا نحو الآخر بتطبيق مبادئ الكتاب المقدس. مثلا، كنا نتشارك في الطعام الذي يصلنا في الطرود، وهذا امر غير مألوف في المعسكرات.
«في احد المعسكرات، كان ميكولا پياتوكا مسؤولا عن توزيع الطعام على الاخوة. وعنه قال احد ضباط المخابرات السوفياتية ذات مرة: ‹اذا اعطيتَ ميكولا قطعة سكاكر، فسوف يقسمها الى ٥٠ قطعة›. هكذا كانت الحال بين الاخوة. فقد تشاركنا في كل ما أُرسِل الينا، سواء كان طعاما جسديا او روحيا. وهذا ساعدنا وأعطى شهادة حسنة لذوي القلوب المخلصة الذين تجاوبوا معها». — مت ٢٨:١٩، ٢٠؛ يو ١٣:٣٤، ٣٥.
علاوات لحسن السلوك
في احد المعسكرات، كان الموظفون الذين يعملون مباشرة مع شهود يهوه يحصلون على علاوة تصل الى ٣٠ في المئة من راتبهم. ولماذا؟ يوضح ڤيكتور ڠوتشميت: «اخبرتني امينة صندوق سابقة في المعسكر بما يلي: في المعسكرات التي سُجن فيها عدد كبير من اخوتنا، أُمر موظفو المعسكر ألا يفقدوا اعصابهم او يشتموا، بل ان يكونوا دائما لبقين ومهذبين. وقد تقاضوا زيادة على راتبهم كمكافأة على حسن سلوكهم. وكان القصد من ذلك كله ان يظهر للجميع ان شهود يهوه ليسوا الوحيدين الذين يعيشون حياة مثالية، وأن لا شيء يميزهم عن غيرهم. وهكذا، كان الموظفون يتقاضون اجرا مقابل حسن السلوك. وقد ضم المعسكر موظفين كثيرين — افراد الهيئة الطبية والعمال والمحاسبين والمسؤولين — ما مجموعه مئة شخص تقريبا. ولا احد منهم اراد ان يفوّت على نفسه فرصة كسب مال اضافي.
«في احد الايام، فيما كان اخ يعمل خارج المعسكر، سمع احد المشرفين على فرق العمال يشتم بصوت عالٍ. وفي اليوم التالي، التقاه الاخ داخل المعسكر وقال له: ‹لا بد ان احدا في بيت الحرس اثار حنقك. فقد كنت تشتم بصوت عالٍ!›. فاعترف الرجل قائلا: ‹ليس الامر كذلك. لكنني شعرت في داخلي بضغط يشتد اكثر فأكثر طوال النهار. لذا خرجت من المعسكر لأنفِّس همومي عني›. اذًا، لم يكن سهلا على الناس ان يتصرفوا كما يتصرف شهود يهوه».
الكرازة من خلف الزجاج
كان الاخوة ينتهزون كل فرصة ليشهدوا للآخرين، وفي بعض الاحيان كانت جهودهم تُكافأ بسخاء. يذكر نيكولاي ڠوتْسولياك: «كنا في الغالب نحصل على الاطعمة من كشك المأكولات في المعسكر. وكلما حان دوري لجلب الطعام، كنت احاول ان اقول بعض الكلمات حول موضوع من الكتاب المقدس. وكانت المرأة التي تسلّمني الطعام تصغي دائما بانتباه، حتى انها طلبت مني مرة ان اقرأ عليها شيئا. وبعد ثلاثة ايام، استدعاني احد الضباط الى البوابة وأمرني ان اذهب مع شاهد آخر الى منزل آمر المعسكر لتركيب الزجاج في احدى النوافذ.
«فذهبتُ مع الاخ الى المدينة برفقة جنود. وعندما وصلنا الى البيت، فتحَت لنا الباب المرأة التي تعمل في كشك المأكولات. فكانت زوجة آمر المعسكر! وقد وقف جندي في الداخل وجنديان آخران في الشارع الى جانب النافذة. وبعد ان قدمت لنا المرأة الشاي، طلبت منا ان نخبرها المزيد عن الكتاب المقدس. وفي ذلك اليوم ركّبنا الزجاج في نافذة بيتها وأعطيناها شهادة كاملة. وعندما انتهت محادثتنا قالت: ‹لا تخشيا مني. فوالداي كانا يخافان اللّٰه مثلكما›. وقد قرأت مطبوعاتنا سرا، من دون علم زوجها الذي يكره الشهود».
-
-
روسياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
-
-
قوَّينا ‹اوتادنا› قدر الامكان
دمتري ليڤي
تاريخ الولادة: ١٩٢١
تاريخ المعمودية: ١٩٤٣
لمحة عن حياته: خدم كعضو في لجنة البلد في روسيا اكثر من ٢٠ سنة، وهو الآن شيخ في احدى جماعات سيبيريا.
في سنة ١٩٤٤، قبل ستة اشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية، مثَلتُ امام قاضٍ عسكري في قاعة محكمة بسبب حيادي المسيحي. وحُكم علي بالموت رميا بالرصاص، لكن الحكم خُفف الى السجن عشر سنوات في معسكرات العمل الالزامي الاصلاحية.
في كانون الثاني (يناير) ١٩٤٥ أُخذت الى معسكر يقع في شمال روسيا، وتحديدا في بلدة پتشورا بجمهورية كومي. وكان هنالك عشرة من اخوتنا بين مئات المساجين في المعسكر. ومن المؤسف ان نسختي الوحيدة من مجلة برج المراقبة صودرت مني، فبقينا جميعا بلا طعام روحي. كنت مرهقا جدا من الناحية الجسدية، حتى انني لم اقوَ على العمل اطلاقا. وقد قال لي اخ حين كنا نستحم في الحمام العمومي اني ابدو كهيكل عظمي. فكان شكلي مثيرا جدا للشفقة، الى حد اني نُقلت الى معسكر طبي في ڤوركوتا.
بعد فترة تحسنت صحتي قليلا، فأُرسلت للعمل في المرملة. ولم يمضِ شهر حتى صرت من جديد مثل هيكل عظمي. فظن الطبيب اني اقايض طعامي بالتبغ، لكني قلت له اني من شهود يهوه وإني لا ادخن. بقيت في هذا المعسكر اكثر من سنتين. ومع اني كنت الشاهد الوحيد، لم يخلُ المكان من اشخاص يحبون الاستماع الى الحق، وقد تجاوب بعضهم مع البشارة.
ذات مرة ارسل اقربائي الي نسخة مكتوبة باليد من برج المراقبة. فكيف تمكنت من تسلمها مع ان المسؤول كان يفتش الطرود بتدقيق شديد؟ كانت الصفحات مطوية مرتين وموضوعة في قاعدة وعاء ذي قعر مزدوج ومغطاة بطبقة سميكة من الدهن. وعندما ثقب المسؤول الوعاء ولم يجد شيئا مثيرا للارتياب، اعطاني اياه. وهكذا استفدت من هذا المصدر ‹للماء الحي› وقتا طويلا. — يو ٤:١٠.
في تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٤٩ أُطلق سراحي قبل انتهاء فترة عقوبتي، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عدت الى بيتي في اوكرانيا.
-
-
روسياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
-
-
لم امتلك قط بيتا اعيش فيه
ڤالنتينا ڠارنوفسْكايا
تاريخ الولادة: ١٩٢٤
تاريخ المعمودية: ١٩٦٧
لمحة عن حياتها: قضت ٢١ سنة في السجون والمعسكرات، ١٨ سنة منها قبل معموديتها. وساعدت ٤٤ شخصا على تعلم الحق قبل وفاتها سنة ٢٠٠١.
كنا نعيش انا وأمي في غرب روسيا البيضاء. والتقيت بشهود يهوه في شباط (فبراير) ١٩٤٥. فقد جاء احد الاخوة الى منزلنا ثلاث مرات فقط ليرينا امورا من الكتاب المقدس. ومع اني لم اره بعد ذلك قط، بدأت اكرز للجيران والمعارف. فاعتقلتني السلطات وحكمت علي بالسجن ثماني سنوات في المعسكرات. فأُرسلت الى اقليم اوليانوڤسْك.
كنت في المعسكر اراقب السجينات الاخريات وأستمع الى محادثاتهن، على امل ان ألتقي واحدة من شهود يهوه هناك. وفي سنة ١٩٤٨، سمعت بالصدفة سجينة تتحدث عن ملكوت اللّٰه. كان اسم السجينة أسيا. وكم ابهجني ان اتحدث معها في مواضيع روحية! وبعد وقت قصير جُلبت ثلاث اخوات الى المعسكر. وبما ان المطبوعات كانت نادرة لدينا، حاولنا ان نعاشر بعضنا بعضا الى اقصى حد ممكن.
أُطلق سراحي سنة ١٩٥٣، ولكن بعد ثلاث سنوات ونصف حُكم علي بالسجن عشرة اعوام بتهمة الكرازة. فنُقلت سنة ١٩٥٧ الى المعسكر في كيميروڤو حيث كانت نحو ١٨٠ اختا مسجونة. كان في حوزتنا دائما مطبوعات للكتاب المقدس. وقد اخفيناها في الثلج اثناء الشتاء، وبين العشب وفي الارض اثناء الصيف. وحين كان الحراس يفتشون عنها، كنت اخفي النسخ في كلتا يديَّ وأغطي كتفيَّ بشالٍ كبير، ممسكة طرفيه بيديَّ. وعند الانتقال من معسكر الى آخر، كنت اعتمر قبعة خطتُها انا بنفسي وأضع فيها عدة اعداد من برج المراقبة.
في الآخِر تم ارسالي الى معسكر في موردڤينا. وهناك كان يوجد كتاب مقدس مخفي في مكان آمن. ولم يُسمح لنا بقراءته إلا بحضور الاخت المسؤولة عن حفظه في المكان الآمن. والمرة الوحيدة التي شاهدت فيها الكتاب المقدس قبلا كانت حين رأيته في يدَي الاخ الذي عرّفني بالحق سنة ١٩٤٥.
عندما أُطلق سراحي سنة ١٩٦٧، انتقلت الى أنْڠرن في اوزبكستان. وقد تمكنت هناك ان اعتمد في الماء رمزا الى انتذاري ليهوه. انها المرة الاولى التي التقيت فيها اخوة ذكورا منذ اول زيارة لأحد الاخوة في بيتنا. فقد كنت اقضي فترة عقوبتي في معسكرات العمل الالزامي الخاصة بالنساء. كان جميع الاخوة والاخوات في الجماعة غيورين في الخدمة، ولم يمضِ وقت طويل حتى صرت احبهم. وفي كانون الثاني (يناير) ١٩٦٩، اعتُقل ثمانية اخوة وخمس اخوات من جماعتنا بسبب الكرازة، وكنت انا بينهم. فحُكم علي بالسجن ثلاث سنوات على انني «مجرمة بالغة الخطورة». ومرارا كثيرة أُرسلت الى السجن الانفرادي بسبب الكرازة.
كنت ادير دروسا في الكتاب المقدس مع المهتمات تحت بطانية. وقد مُنعنا من التحادث عند إخراجنا للمشي. وإذا أُمسك بنا ونحن نتحادث، عوقبنا بالسجن الانفرادي. اما عن المطبوعات فلم نستعمل إلا تلك المنسوخة باليد، وكنا نعيد نسخها مرة بعد اخرى.
لم امتلك قط بيتا اعيش فيه. فكل ممتلكاتي كانت في حقيبة واحدة. لكني شعرت بالسعادة والاكتفاء لأني اخدم يهوه.
-