مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • روسيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
    • ‏[الصورة في الصفحتين ١٨٤،‏ ١٨٥]‏

      في كل السنوات التي قضاها الاخوة في احد المعسكرات بموردڤينا،‏ لم يفوّت واحد منهم الاحتفال بالذكرى

  • روسيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
    • ‏«سنأتي اليكم في مجموعات»‏

      كان الاخوة يطلبون الحكمة من يهوه ويفكرون دائما كيف يمكنهم ان يستغلوا الظروف من اجل تقدم مصالح الملكوت.‏ يتابع نيكولاي:‏ «سمعنا اننا سنُنقل بعد فترة قصيرة الى معسكر آخر في موردڤينا لا يبعد كثيرا عن موسكو.‏ وقبل رحيلنا حصل امر مثير.‏ فلدهشتنا،‏ اتى الينا بعض الضباط والمسؤولين الذين راقبوا شهود يهوه لسنوات وقالوا:‏ ‏‹نريد ان تنشدوا لنا ترانيمكم وتخبرونا المزيد عن معتقداتكم.‏ فسنأتي اليكم في مجموعات يضم كل منها ما بين ١٠ و ٢٠ شخصا،‏ وربما اكثر›.‏

      ‏«ولأنهم كانوا خائفين مما يمكن ان يحصل لنا او لهم،‏ قالوا انهم سيعيّنون اشخاصا ليحرسوا مكان اجتماعنا.‏ فأجبنا بأننا اكثر خبرة في هذه المسائل،‏ لذلك سنعيّن نحن ايضا حراسنا.‏ وعمل حراسهم تماما كحراسنا،‏ فقد كان جنود يقفون على مسافات متباعدة بين بيت الحرس وبين مكان اجتماعنا.‏ هل يمكنك ان تتخيل هذا المشهد؟‏ مجموعة من الشهود ينشدون الترانيم لمجموعة من الضباط والمسؤولين،‏ ثم يلقي احد الاخوة خطابا قصيرا مؤسسا على موضوع من الكتاب المقدس.‏ لقد بدا وكأننا في قاعة ملكوت لشهود يهوه.‏ بهذه الطريقة عقدنا عدة اجتماعات مع مجموعات من الاشخاص المهتمين.‏ وقد رأينا كيف اعتنى يهوه بنا وبهؤلاء الناس المخلصين ايضا».‏

      ويضيف نيكولاي:‏ «اخذنا معنا الكثير من المجلات من هذا المعسكر الى المعسكر في موردڤينا،‏ حيث كان الكثير من الشهود مسجونين.‏ فقد اعطاني الاخوة حقيبة ذات جوانب مزدوجة يمكن وضع المطبوعات فيها.‏ وفعلنا كل ما يمكن فعله لئلا تلفت الحقيبة انتباه المسؤولين اثناء التفتيش.‏ وفي معسكر موردڤينا جرى تفتيشنا بدقة شديدة.‏ وأخذ احد المسؤولين حقيبتي وصرخ:‏ ‹انها ثقيلة جدا!‏ لا بد انها تحتوي على كنز!‏›.‏ وقد فوجئت حين وضع حقيبتي وأشيائي الاخرى جانبا وابتدأ يفتش امتعة الآخرين.‏ وبعد الانتهاء من التفتيش قال لي مسؤول آخر:‏ ‹خذ امتعتك واذهب!‏›.‏ وهكذا اخذت الى الثكنة مخزونا من الطعام الروحي الجديد الذي كنا بحاجة ماسة اليه،‏ لأن حقيبتي لم تُفتش.‏

      ‏«ولم تكن هذه المرة الوحيدة،‏ فأكثر من مرة حملت نشرات منسوخة باليد في جزمتي.‏ ولأن قدمَي كبيرتان كان هنالك دائما متسع في جزمتي للكثير من الاوراق.‏ وكنت احشرها تحت غطاء النعل من الداخل وأطلي الجزمة بالكثير من الشحم.‏ وكان الشحم زلقا جدا ورائحته كريهة،‏ لذلك كان المسؤولون يبتعدون عن جزمتي».‏

      ‏«كان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم»‏

      يتابع نيكولاي:‏ «في معسكر موردڤينا،‏ عيّنني الاخوة مشرفا على نسخ مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وكانت احدى مسؤولياتي مراقبة المسؤولين بحيث يتسنى الوقت للاخوة الذين ينسخون المطبوعات بيدهم ان يخفوا كل شيء.‏ فكان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم.‏ وقد نوى بعضهم ان يمسكونا بالجرم المشهود،‏ فراحوا يدخلون الى الثكنة مرارا وعلى نحو مفاجئ.‏ لذلك كانت مراقبتهم اصعب امر نقوم به.‏ كما اتى مسؤولون آخرون مرة في اليوم،‏ وهؤلاء كانوا يغضون النظر ولم يسببوا لنا اية مشاكل.‏

      ‏«في تلك الفترة كنا نقوم بنسخ الاعداد الاصلية،‏ التي بقيت مخبّأة في اماكن آمنة.‏ فقد وُضعت عدة نسخ اصلية في المواقد،‏ حتى في موقد مكتب مدير المعسكر.‏ فالاخوة الذين كانوا ينظفون مكتبه صنعوا تجويفا في الموقد،‏ وفيه احتفظنا بالنسخ الاصلية الثمينة للعديد من مجلات برج المراقبة.‏ ومهما دقّق المسؤولون في التفتيش،‏ فإن النسخ الاصلية كانت دائما بأمان في مكتب المدير».‏

      اصبح الاخوة ماهرين في إخفاء المطبوعات.‏ وكان المكان المفضل لذلك حافة النافذة.‏ حتى انهم تعلموا كيف يخفون المطبوعات في انابيب معجون الاسنان.‏ ولم يعرف سوى اثنين او ثلاثة اخوة مكان الاحتفاظ بالنسخ الاصلية.‏ وعند الحاجة،‏ كان احدهم يأتي بها ثم يعيدها الى مكانها بعد ان تُصنع نسخة منها.‏ بهذه الطريقة تبقى النسخ الاصلية دائما في مكان آمن.‏ وقد اعتبر الاخوة عمل النسخ امتيازا رغم خطر زجّهم في السجن الانفرادي مدة ١٥ يوما.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «قضيت نحو ثلاث سنوات في السجن الانفرادي من اصل عشر سنوات في المعسكرات».‏

      مجلات برج المراقبة بخط نسيج العنكبوت

      بدا للاخوة ان ادارة المعسكر انشأت نظاما خصوصيا لتفتيش الشهود ومصادرة مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وقد بذل بعض الضباط جهودا دؤوبة في هذا الشأن.‏ يذكر إيڤان كليمكو:‏ «ذات مرة،‏ في المعسكر الموردڤيني رقم ١٩،‏ ابعد الجنود مع كلابهم الاخوة عن منطقة المعسكر وفتشوهم تفتيشا دقيقا.‏ وقد جُرّد كل شاهد من ثيابه،‏ حتى من الخِرَق التي يلف بها قدمَيه.‏ لكن لم تُكتشَف الاوراق القليلة المنسوخة باليد التي كان الاخوة قد ألصقوها بالغراء على اسفل اقدامهم.‏ كما صنع الاخوة كراريس بالغة الصغر يمكن وضعها بين اصابع ايديهم.‏ وعندما امر الحراس كل واحد برفع يديه بقيت الكراريس بين اصابعه،‏ وهكذا حُفظت بعض الكراريس».‏

      كانت هنالك طرائق اخرى لحفظ الطعام الروحي.‏ يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ:‏ «استطاع بعض الاخوة ان يكتبوا بخط سُمي خط نسيج العنكبوت.‏ فكان رأس القلم يُبرى حتى يصبح رفيعا جدا،‏ وتُحشر عند الكتابة ثلاثة او اربعة اسطر بين كل خطين افقيين في ورقة الدفتر المسطَّرة.‏ وكان من الممكن ان تحوي علبة الثقاب خمس او ست نسخ من برج المراقبة مكتوبة بهذا الخط الرفيع جدا.‏ وقد تطلب ذلك بصرا ممتازا وجهدا دؤوبا.‏ فهؤلاء الاخوة كانوا يقومون بذلك تحت الاغطية وبعد ان تُطفأ كل الاضواء ويخلد الجميع الى النوم.‏ والضوء الوحيد المتوفر كان يأتي من مصباح كهربائي في مدخل الثكنة بالكاد يشع.‏ وكان الاستمرار في هذا العمل لبضعة اشهر يتلف البصر.‏ وفي حال لاحظ احد الحراس ما نفعله وكان ايجابيا في تعاطيه معنا،‏ كان يقول:‏ ‹ألا تزالون تكتبون،‏ متى ستخلدون الى النوم؟‏›».‏

      يتذكر الاخ كليمكو:‏ «في احدى المناسبات خسرنا كمية كبيرة من المطبوعات والكتاب المقدس ايضا.‏ فكانت كلها مخبّأة في الساق الاصطناعية لأحد الاخوة.‏ وبعد اجباره على نزع الساق،‏ قام الحراس بسحقها.‏ وقد التقطوا صورا للصفحات المبعثرة ونشروها في صحيفة المعسكر.‏ غير ان ذلك كان نافعا اذ تبرهن من جديد لكثيرين ان شهود يهوه لا ينهمكون إلا في النشاطات الدينية.‏ وبعد هذا الاكتشاف،‏ قال مدير المعسكر للاخوة متشفّيا:‏ ‹هذه هرمجدون بالنسبة اليكم!‏›.‏ لكن احدا اخبره في اليوم التالي ان شهود يهوه يجتمعون ويرنمون ويقرأون كالعادة».‏

      محادثة مع المدعي العام

      في اواخر سنة ١٩٦١ اتى المدعي العام لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية الى المعسكر في موردڤينا لتفقد المكان.‏ وفيما هو سائر في المعسكر دخل ثكنة الشهود.‏ وسمح للاخوة بأن يطرحوا بعض الاسئلة.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «سألته:‏ ‹هل تعتقد ان دين شهود يهوه يشكل خطرا على المجتمع السوفياتي؟‏›.‏

      ‏«اجاب المدعي العام:‏ ‹كلا،‏ لا اعتقد ذلك›.‏ لكنه خلال المحادثة قال دون انتباه:‏ ‹في عام ١٩٥٩ وحده،‏ خُصصت لسلطات اقليم إركوتْسْك خمسة ملايين روبل لتتعامل مع الشهود بالطريقة المناسبة›.‏

      ‏«وقصد بذلك ان السلطات تعرف جيدا مَن نحن،‏ فقد انفقت خمسة ملايين روبل من الاموال المخصصة للنظام الجزائي لكي تعرف مَن هم شهود يهوه.‏ وهذا مبلغ كبير جدا.‏ ففي ذلك الوقت،‏ كان يمكن لمبلغ قدره خمسة آلاف روبل ان يشتري سيارة جميلة او بيتا مريحا.‏ لذلك فإن السلطات في موسكو كانت تعرف دون شك ان شهود يهوه ليسوا شعبا خطِرا.‏

      ‏«وتابع المدعي العام قائلا:‏ ‹اذا قلنا للشعب السوفياتي ان يفعلوا بالشهود ما يشاءون،‏ فسيمحون كل اثر لكم›.‏ وقصد بقوله هذا ان المجتمع السوفياتي لا يحب الشهود.‏ فكان واضحا من كلماته ان ملايين الناس تأثروا بالدعاية الالحادية والايديولوجية.‏

      ‏«عندئذ اجبناه:‏ ‹سترى الوضع على حقيقته عندما يعقد الشهود محافلهم الكورية في كل ارجاء المنطقة الممتدة من موسكو الى ڤلاديڤوستوك›.‏

      ‏«فقال:‏ ‹ربما يكون نصف مليون شخص الى جانبكم،‏ ولكن هنالك آخرون الى جانبنا›.‏

      ‏«بهذه الجملة انتهت المحادثة مع المدعي العام،‏ وقد كان محقا الى حد ما.‏ واليوم،‏ هنالك اكثر من ٠٠٠‏,٧٠٠ شخص يحضرون اجتماعات شهود يهوه في كل انحاء دول الاتحاد السوفياتي السابق.‏ فهناك يصغي الناس الى الكلام النقي لحق الكتاب المقدس لا الى الدعاية».‏

      ‏«انشأتم منتجعا للشهود»‏

      يتابع ڤيكتور:‏ «اخذ مدير المعسكر المدعي العام وأراه الزهور والاشجار التي زرعها الشهود،‏ بالاضافة الى الطرود التي تسلّموها والتي بقيت في ثكنتهم دون ان يسرقها احد.‏ وكان المدعي العام ينظر الى كل شيء باندهاش واضح.‏ لكننا علمنا لاحقا ان هذا الرجل امر ادارة المعسكر بإتلاف كل الزهور والاشجار.‏ فكان قد قال لمدير المعسكر:‏ ‹لقد انشأتم منتجعا للشهود لا معسكرا للعمل الالزامي›.‏ كما انه منع الشهود من تسلّم الطرود وأقفل كشك الطعام الذي كان يُسمح للشهود ان يشتروا منه طعاما اضافيا.‏

      ‏«ولكن لفرحة الاخوة لم ينفذ المدير كل الاوامر.‏ مثلا،‏ لم تُمنع الاخوات من زرع الزهور.‏ وفي فصل الخريف كن يقطفن الزهور ويصنعن باقات كبيرة يقدمنها لعمال المعسكر وأولادهم.‏ وسرّنا كثيرا ان نرى الاولاد يلتقون والديهم عند البوابة،‏ يأخذون زهورهم،‏ ويركضون الى المدرسة وأمارات السعادة مرتسمة على وجوههم.‏ فقد احبوا الشهود».‏

      يتذكر ڤيكتور:‏ «ذات يوم في اوائل سنة ١٩٦٤،‏ اخبرنا مسؤول لديه اخ يعمل لدى المخابرات السوفياتية انه يجري تنظيم حملة كبيرة على صعيد الدولة ضد شهود يهوه.‏ ولكن في اواخر تلك السنة خُلع فجأة نيكيتا خروتشيف من منصبه كرئيس دولة،‏ فسكنت موجة الاضطهاد».‏

      ترانيم الملكوت في معسكر خاضع لحراسة مشددة

      في ستينات القرن العشرين،‏ سمح احد المعسكرات الخاضعة لحراسة مشددة في موردڤينا بأن يتسلم السجناء طرودا مرة في السنة ‹كمكافأة خصوصية›.‏ وكانت عمليات التفتيش تجري باستمرار.‏ وإذا وُجد في حوزة احد قصاصة ورق عليها آية من الكتاب المقدس،‏ كان يُرسل الى السجن الانفرادي لمدة عشرة ايام.‏ هذا بالاضافة الى ان السجناء في هذا المعسكر كانوا يحصلون على حصص طعام اقل مما يحصل عليه اولئك الذين في المعسكرات غير الخاضعة لحراسة مشددة.‏ كما ان العمل الالزامي كان اصعب،‏ فوجب على الشهود قلع أُروم الاشجار الضخمة.‏ يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ:‏ «غالبا ما كنا نصل الى شفير الانهيار الجسدي التام.‏ لكننا حافظنا على يقظتنا ولم نستسلم.‏ وإحدى الطرائق التي ساعدت الاخوة على ابقاء معنوياتهم عالية هي انشاد ترانيم الملكوت.‏ فقد شكلنا جوقة مرنمين من رجال تختلف طبقة صوتهم،‏ وكان ترنيمهم جميلا بشكل يفوق الوصف رغم غياب اصوات النساء.‏ ولم تبهج هذه الترانيم الشهود فقط بل ايضا الضباط،‏ الذين طلبوا من الاخوة ان يرنموا اثناء ساعات العمل.‏ وذات مرة،‏ حين كنا نقطع الاشجار،‏ اتى المسؤول عن حراسة العمال وقال:‏ ‹رنموا بعض الترانيم.‏ فهذا الطلب هو من ضابط الفرق العسكرية نفسه›.‏

      ‏«كان الضابط قد سمع الاخوة يرنمون ترانيم الملكوت مرات عديدة.‏ وقد اتى طلبه في وقته لأننا كنا على حافة الانهيار التام.‏ فابتدأنا بفرح نمجد يهوه بأصواتنا.‏ وعادة،‏ عندما كنا نرنم في المعسكر،‏ كانت زوجات الضباط يخرجن من البيوت المجاورة ويقفن على الشرفات ويستمعن الينا لوقت طويل.‏ وقد احببن خصوصا كلمات الترنيمة رقم ٦ من كتاب ترانيم قديم،‏ وهي بعنوان ‹لتعطِ الارض مجدا›.‏ وكانت كلمات الترنيمة جميلة ولحنها رائعا».‏

      ‏«انت في بلد آخر»‏

      كان بإمكان الناس الذين يتعاملون مع شهود يهوه ان يروا ما هم عليه حقا حتى في ظروف غير متوقعة البتة.‏ يذكر ڤيكتور ڠوتشميت:‏ «بينما كنا جالسين في الحديقة في نهاية احد الاسابيع،‏ أُدخلت شاحنة محمَّلة بأدوات كهربائية غالية الثمن الى المعسكر حيث نحن مسجونون.‏ ولم يكن السائق الذي يسلّم البضاعة من اخوتنا الروحيين بل سجينا في معسكرنا،‏ اما مدير المشتريات الذي يرافقه فكان من معسكر آخر.‏ وبما ان المخزن كان مقفلا والمسؤول عنه في اجازة،‏ طُلب من الشهود ان يتسلّموا البضاعة ويفرّغوا الشاحنة.‏

      ‏«انزلنا الادوات الكهربائية وكدسناها قرب المخزن على مسافة غير بعيدة من الثكنة التي يقيم فيها اخوتنا.‏ وكان مدير المشتريات قلقا جدا بشأن تسليم البضاعة بهذه الطريقة غير الرسمية دون الحصول على توقيع مدير المخزن لتأكيد الاستلام.‏ لكن السائق طمأنه قائلا:‏ ‹لا تخف.‏ فلا احد هنا يسرق شيئا.‏ انت في «بلد آخر»،‏ فلا تفكر في ما يحصل عادة خارج هذا المعسكر.‏ في هذا المكان بإمكانك ان تنزع ساعة يدك وتتركها اينما كان،‏ وتأكد انك ستجدها غدا في المكان نفسه›.‏ لكن مدير المشتريات اصر على عدم المغادرة دون الحصول على التوقيع،‏ لأن البضاعة تقدَّر بنصف مليون روبل.‏

      ‏«بعد وقت قصير اتى رجال من ادارة المعسكر وأمروا بإخراج الشاحنة من المكان.‏ وطلب احدهم من مدير المشتريات ان يترك هناك فاتورة التسليم ويعود في اليوم التالي لأخذها.‏ ففعل ذلك على مضض،‏ ثم رحل.‏ وفي الصباح التالي عاد وطلب ان يدخل المعسكر لكي يجعل مدير المخزن يوقّع الفاتورة،‏ لكن الحارس سلّمه اياها موقَّعة.‏

      ‏«في وقت لاحق اخبرَنا الحارس ان مدير المشتريات تردد كثيرا قبل ان يغادر.‏ فطوال نصف ساعة وقف امام البوابة يحدّق فيها وفي المستندات ثم يدور ليرحل،‏ لكنه كان يدور من جديد ويحدّق في البوابة.‏ فربما لم يسبق ان شهد شيئا كهذا:‏ تسليم بضاعة قيِّمة في غيابه،‏ توقيع الفاتورة دون ان يكون حاضرا،‏ وإنجاز كل ما يلزم بنزاهة.‏ والاهم هو ان ذلك حدث في معسكر للعمل الالزامي خاضع لحراسة مشددة،‏ حيث السجناء مصنفون بأنهم ‹مجرمون بالغو الخطورة›.‏ نعم،‏ مهما نشرت الدعاية المغرضة معلومات سلبية عن شهود يهوه،‏ فإن حدثا كهذا يُظهر للمراقبين جميعا ما هم عليه حقا».‏

      ‏‹عادوا الآن الى التبشير›‏

      في سنة ١٩٦٠،‏ بعد ايام قليلة من جمع الاخوة معا في المعسكر الموردڤيني،‏ اختير اكثر من مئة شاهد ليُنقلوا الى سجن خصوصي يدعى المعسكر رقم ١٠ في قرية اودارني المجاورة.‏ وكان هذا المكان سجنا «اختباريا» لإعادة تأهيل الشهود.‏ وفيه أُلبس السجناء بزّات مخططة شبيهة ببزّات السجناء في معسكرات الاعتقال النازية.‏ وبين الاعمال التي وجب على الشهود ان يقوموا بها اقتلاع أُروم اشجار ضخمة في الغابة.‏ فكان على كل منهم ان يقتلع في اليوم الواحد ١١-‏١٢ ارومة على الاقل.‏ ولكن احيانا كانت مجموعة الاخوة بكاملها تعمل معا طوال اليوم لاقتلاع ارومة شجرة سنديان ضخمة واحدة،‏ دون ان تنجح.‏ وغالبا ما كانوا ينشدون ترانيم الملكوت ليشجعوا واحدهم الآخر.‏ ولدى سماع مدير المعسكر صوت الترنيم،‏ كان احيانا يصيح قائلا:‏ «لا عشاء لكم اليوم ايها الشهود حتى تتعلموا ألا ترنموا.‏ هذا درس لكم كي تنجزوا عملكم».‏ يذكر احد الاخوة الذين كانوا في هذا المعسكر:‏ «لكن يهوه كان يدعمنا.‏ ورغم الظروف الصعبة،‏ بقينا صاحين روحيا.‏ فكنا دائما نشجّع بعضنا بعضا ونرفع معنوياتنا بتذكير احدنا الآخر اننا وقفنا الى جانب يهوه في قضية السلطان الكوني».‏ —‏ ام ٢٧:‏١١‏.‏

      بالاضافة الى «المرشدين» المعينين للاشراف على السجن بكامله،‏ كان لكل زنزانة مرشد خاص بها —‏ ضابط عسكري لا تقل رتبته عن نقيب.‏ وكان هدف هؤلاء الضباط جعل الشهود ينكرون ايمانهم.‏ فكانوا يقولون ان كل مَن يذعن،‏ او بالاحرى ينكر ايمانه،‏ سيُطلَق سراحه.‏ وكان المرشدون يكتبون كل شهر تقريرا حول شخصية كل شاهد،‏ ويوقع التقرير عدد من الموظفين في السجن.‏ لكن ما كتبوه عن كل فرد من الشهود كان دائما:‏ «لا يتجاوب مع اجراءات اعادة التأهيل،‏ بل يبقى ثابتا في اقتناعاته».‏ ويمضي إيڤان كليمكو قائلا:‏ «قضيت في هذا السجن ست سنوات من اصل عشر،‏ وجرى تصنيفي مع اخوة آخرين بأني ‹مجرم بالغ الخطورة يكرّر ارتكاب الجريمة نفسها›.‏ وقد اخبرَنا الضباط ان السلطات تعمّدت وضع الشهود في ظروف صعبة للغاية لكي تراقب سلوكهم».‏

      في احدى المرات طرح يوڤ أندرونيك،‏ الذي قضى خمس سنوات في ذلك السجن،‏ هذا السؤال على آمر المعسكر:‏ «الى متى سنبقى في هذا السجن؟‏».‏ فأشار الآمر الى الغابة وأجاب:‏ «الى ان تؤخذوا الى هناك محمولين».‏ ويذكر يوڤ:‏ «أُبقينا معزولين عن الآخرين لكيلا نكرز لهم،‏ وأُخضِعنا لمراقبة شديدة.‏ ولم يستطع ايٌّ منا التجول في المعسكر دون ان يرافقه احد المسؤولين.‏ وبعد بضع سنوات،‏ حين نُقلنا الى معسكر خاضع لحراسة غير مشددة،‏ اخبر بعض السجناء غير الشهود ادارة المعسكر:‏ ‹لقد انتصر شهود يهوه.‏ فمع انكم عزلتموهم،‏ ها هم الآن قد عادوا الى التبشير›».‏

      ضابط يدرك ان كتابه المقدس نُسِخ

      كان من الصعب جدا إدخال اية مطبوعات الى المعسكر رقم ١٠،‏ فكم بالاحرى الكتاب المقدس!‏ فبدا للاخوة ان إدخال كلمة اللّٰه الى السجن امر اشبه بالمستحيل.‏ ومع ذلك،‏ يقول اخ قضى في هذا السجن بضع سنوات:‏ «لا شيء مستحيل عند يهوه».‏ نعم،‏ سمع صلواتنا.‏ فقد طلبنا كتابا مقدسا واحدا على الاقل من اجل مئة شاهد في هذا السجن،‏ وإذا بنا نحصل على اثنين!‏».‏ (‏مت ١٩:‏٢٦‏)‏ فكيف حدث ذلك؟‏

      جُنِّد كولونيل ليكون احد المرشدين في السجن.‏ ولكن كيف استطاع شخص لا يعرف شيئا عن الكتاب المقدس ان «يرشد» الشهود؟‏ تمكن الكولونيل بطريقة ما من الحصول على كتاب مقدس في حالة سيئة.‏ وقبل ان يأخذ اجازة،‏ طلب من سجين معمداني مسنّ ان يعيد تجليد الكتاب بعد ان امر المسؤولين ألا يصادروه.‏ فأخذ المعمداني يتباهى امام الشهود بأنه حصل على كتاب مقدس،‏ وسمح لهم باستعارته لإلقاء نظرة عليه.‏ ولكن عندما وقع هذا الكنز الثمين في يد الاخوة،‏ فكّوا مَلازمه ووزّعوا الصفحات على كل الشهود السجناء لينسخوها.‏ وطوال الايام القليلة التالية انشغل الشهود جميعا بنسخ الكتاب في زنزاناتهم،‏ فصنعوا نسختين مكتوبتين باليد من كل صفحة.‏ يذكر احد الاخوة:‏ «عندما جُمعت الصفحات معا،‏ حصلنا على ثلاثة كتب مقدسة!‏ فأُعيدت الى الكولونيل نسخته بعد اعادة تجليدها،‏ في حين حصلنا نحن على نسختين.‏ وقد استعملنا احداهما للقراءة ووضعنا الاخرى في مكان خاص داخل ‹الخزنة›،‏ التي كانت عبارة عن بضعة انابيب فيها اسلاك تمر عبرها كهرباء ذات توتر عالٍ.‏ وبما ان المسؤولين كانوا يخشون حتى الاقتراب منها،‏ لم يقم احد قط بالتفتيش هناك.‏ وهكذا كانت الكهرباء ذات التوتر العالي حارسا امينا لمكتبتنا».‏

      ولكن خلال احدى عمليات التفتيش،‏ اكتشف الكولونيل صفحة من الكتاب المقدس المنسوخ باليد.‏ وعندما ادرك ما حصل،‏ استاء جدا وقال:‏ «هذه نُسِخت عن الكتاب المقدس الذي جلبته انا بنفسي الى المعسكر!‏».‏

      الاحتفال بالذكرى

      كان الاخوة كل سنة يحاولون الاحتفال بالذكرى في المعسكرات.‏ وفي كل السنوات التي قضوها في احد المعسكرات في موردڤينا،‏ لم يفوّت واحد منهم هذه المناسبة.‏ طبعا،‏ حاولت ادارة المعسكر على الدوام منع الاحتفال.‏ وبما انهم يعرفون تاريخ الذكرى،‏ كانوا عادة يأمرون جميع وحدات الحرس في المعسكر بتشديد المراقبة خلال ذلك اليوم.‏ ولكن بحلول المساء كان معظم الحراس يضجرون من مراقبة الاخوة عن كثب،‏ اذ لم يكن احد منهم يعرف في اي مكان وفي أية ساعة بالتمام ستُعقد الذكرى.‏

      كان الاخوة دائما يبذلون جهودا حثيثة لتوفير الخمر وخبز الفطير.‏ وفي احدى المرات،‏ وجدت وحدة مراقبة الرمزين في احد الادراج يومَ الذكرى،‏ فقامت بمصادرتهما.‏ وفي وقت لاحق من ذلك اليوم،‏ استُبدلت هذه الوحدة بوحدة مراقبة اخرى،‏ فتمكن اخ ينظف مكتب آمر الوحدة من استرجاعهما وتمريرهما الى الاخوة دون ان يراه احد.‏ وفي تلك الليلة،‏ خلال نوبة المراقبة الثالثة،‏ احتفل الاخوة بالذكرى مستخدمين الرمزين،‏ اللذين كانا ضروريين جدا لأن احد الاخوة لديه الدعوة السماوية.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة