-
روسياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
-
-
[الصورة في الصفحتين ١٨٤، ١٨٥]
في كل السنوات التي قضاها الاخوة في احد المعسكرات بموردڤينا، لم يفوّت واحد منهم الاحتفال بالذكرى
-
-
روسياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٨
-
-
«سنأتي اليكم في مجموعات»
كان الاخوة يطلبون الحكمة من يهوه ويفكرون دائما كيف يمكنهم ان يستغلوا الظروف من اجل تقدم مصالح الملكوت. يتابع نيكولاي: «سمعنا اننا سنُنقل بعد فترة قصيرة الى معسكر آخر في موردڤينا لا يبعد كثيرا عن موسكو. وقبل رحيلنا حصل امر مثير. فلدهشتنا، اتى الينا بعض الضباط والمسؤولين الذين راقبوا شهود يهوه لسنوات وقالوا: ‹نريد ان تنشدوا لنا ترانيمكم وتخبرونا المزيد عن معتقداتكم. فسنأتي اليكم في مجموعات يضم كل منها ما بين ١٠ و ٢٠ شخصا، وربما اكثر›.
«ولأنهم كانوا خائفين مما يمكن ان يحصل لنا او لهم، قالوا انهم سيعيّنون اشخاصا ليحرسوا مكان اجتماعنا. فأجبنا بأننا اكثر خبرة في هذه المسائل، لذلك سنعيّن نحن ايضا حراسنا. وعمل حراسهم تماما كحراسنا، فقد كان جنود يقفون على مسافات متباعدة بين بيت الحرس وبين مكان اجتماعنا. هل يمكنك ان تتخيل هذا المشهد؟ مجموعة من الشهود ينشدون الترانيم لمجموعة من الضباط والمسؤولين، ثم يلقي احد الاخوة خطابا قصيرا مؤسسا على موضوع من الكتاب المقدس. لقد بدا وكأننا في قاعة ملكوت لشهود يهوه. بهذه الطريقة عقدنا عدة اجتماعات مع مجموعات من الاشخاص المهتمين. وقد رأينا كيف اعتنى يهوه بنا وبهؤلاء الناس المخلصين ايضا».
ويضيف نيكولاي: «اخذنا معنا الكثير من المجلات من هذا المعسكر الى المعسكر في موردڤينا، حيث كان الكثير من الشهود مسجونين. فقد اعطاني الاخوة حقيبة ذات جوانب مزدوجة يمكن وضع المطبوعات فيها. وفعلنا كل ما يمكن فعله لئلا تلفت الحقيبة انتباه المسؤولين اثناء التفتيش. وفي معسكر موردڤينا جرى تفتيشنا بدقة شديدة. وأخذ احد المسؤولين حقيبتي وصرخ: ‹انها ثقيلة جدا! لا بد انها تحتوي على كنز!›. وقد فوجئت حين وضع حقيبتي وأشيائي الاخرى جانبا وابتدأ يفتش امتعة الآخرين. وبعد الانتهاء من التفتيش قال لي مسؤول آخر: ‹خذ امتعتك واذهب!›. وهكذا اخذت الى الثكنة مخزونا من الطعام الروحي الجديد الذي كنا بحاجة ماسة اليه، لأن حقيبتي لم تُفتش.
«ولم تكن هذه المرة الوحيدة، فأكثر من مرة حملت نشرات منسوخة باليد في جزمتي. ولأن قدمَي كبيرتان كان هنالك دائما متسع في جزمتي للكثير من الاوراق. وكنت احشرها تحت غطاء النعل من الداخل وأطلي الجزمة بالكثير من الشحم. وكان الشحم زلقا جدا ورائحته كريهة، لذلك كان المسؤولون يبتعدون عن جزمتي».
«كان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم»
يتابع نيكولاي: «في معسكر موردڤينا، عيّنني الاخوة مشرفا على نسخ مطبوعات الكتاب المقدس. وكانت احدى مسؤولياتي مراقبة المسؤولين بحيث يتسنى الوقت للاخوة الذين ينسخون المطبوعات بيدهم ان يخفوا كل شيء. فكان المسؤولون يراقبوننا وأنا اراقبهم. وقد نوى بعضهم ان يمسكونا بالجرم المشهود، فراحوا يدخلون الى الثكنة مرارا وعلى نحو مفاجئ. لذلك كانت مراقبتهم اصعب امر نقوم به. كما اتى مسؤولون آخرون مرة في اليوم، وهؤلاء كانوا يغضون النظر ولم يسببوا لنا اية مشاكل.
«في تلك الفترة كنا نقوم بنسخ الاعداد الاصلية، التي بقيت مخبّأة في اماكن آمنة. فقد وُضعت عدة نسخ اصلية في المواقد، حتى في موقد مكتب مدير المعسكر. فالاخوة الذين كانوا ينظفون مكتبه صنعوا تجويفا في الموقد، وفيه احتفظنا بالنسخ الاصلية الثمينة للعديد من مجلات برج المراقبة. ومهما دقّق المسؤولون في التفتيش، فإن النسخ الاصلية كانت دائما بأمان في مكتب المدير».
اصبح الاخوة ماهرين في إخفاء المطبوعات. وكان المكان المفضل لذلك حافة النافذة. حتى انهم تعلموا كيف يخفون المطبوعات في انابيب معجون الاسنان. ولم يعرف سوى اثنين او ثلاثة اخوة مكان الاحتفاظ بالنسخ الاصلية. وعند الحاجة، كان احدهم يأتي بها ثم يعيدها الى مكانها بعد ان تُصنع نسخة منها. بهذه الطريقة تبقى النسخ الاصلية دائما في مكان آمن. وقد اعتبر الاخوة عمل النسخ امتيازا رغم خطر زجّهم في السجن الانفرادي مدة ١٥ يوما. يذكر ڤيكتور ڠوتشميت: «قضيت نحو ثلاث سنوات في السجن الانفرادي من اصل عشر سنوات في المعسكرات».
مجلات برج المراقبة بخط نسيج العنكبوت
بدا للاخوة ان ادارة المعسكر انشأت نظاما خصوصيا لتفتيش الشهود ومصادرة مطبوعاتهم المؤسسة على الكتاب المقدس. وقد بذل بعض الضباط جهودا دؤوبة في هذا الشأن. يذكر إيڤان كليمكو: «ذات مرة، في المعسكر الموردڤيني رقم ١٩، ابعد الجنود مع كلابهم الاخوة عن منطقة المعسكر وفتشوهم تفتيشا دقيقا. وقد جُرّد كل شاهد من ثيابه، حتى من الخِرَق التي يلف بها قدمَيه. لكن لم تُكتشَف الاوراق القليلة المنسوخة باليد التي كان الاخوة قد ألصقوها بالغراء على اسفل اقدامهم. كما صنع الاخوة كراريس بالغة الصغر يمكن وضعها بين اصابع ايديهم. وعندما امر الحراس كل واحد برفع يديه بقيت الكراريس بين اصابعه، وهكذا حُفظت بعض الكراريس».
كانت هنالك طرائق اخرى لحفظ الطعام الروحي. يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ: «استطاع بعض الاخوة ان يكتبوا بخط سُمي خط نسيج العنكبوت. فكان رأس القلم يُبرى حتى يصبح رفيعا جدا، وتُحشر عند الكتابة ثلاثة او اربعة اسطر بين كل خطين افقيين في ورقة الدفتر المسطَّرة. وكان من الممكن ان تحوي علبة الثقاب خمس او ست نسخ من برج المراقبة مكتوبة بهذا الخط الرفيع جدا. وقد تطلب ذلك بصرا ممتازا وجهدا دؤوبا. فهؤلاء الاخوة كانوا يقومون بذلك تحت الاغطية وبعد ان تُطفأ كل الاضواء ويخلد الجميع الى النوم. والضوء الوحيد المتوفر كان يأتي من مصباح كهربائي في مدخل الثكنة بالكاد يشع. وكان الاستمرار في هذا العمل لبضعة اشهر يتلف البصر. وفي حال لاحظ احد الحراس ما نفعله وكان ايجابيا في تعاطيه معنا، كان يقول: ‹ألا تزالون تكتبون، متى ستخلدون الى النوم؟›».
يتذكر الاخ كليمكو: «في احدى المناسبات خسرنا كمية كبيرة من المطبوعات والكتاب المقدس ايضا. فكانت كلها مخبّأة في الساق الاصطناعية لأحد الاخوة. وبعد اجباره على نزع الساق، قام الحراس بسحقها. وقد التقطوا صورا للصفحات المبعثرة ونشروها في صحيفة المعسكر. غير ان ذلك كان نافعا اذ تبرهن من جديد لكثيرين ان شهود يهوه لا ينهمكون إلا في النشاطات الدينية. وبعد هذا الاكتشاف، قال مدير المعسكر للاخوة متشفّيا: ‹هذه هرمجدون بالنسبة اليكم!›. لكن احدا اخبره في اليوم التالي ان شهود يهوه يجتمعون ويرنمون ويقرأون كالعادة».
محادثة مع المدعي العام
في اواخر سنة ١٩٦١ اتى المدعي العام لجمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية الى المعسكر في موردڤينا لتفقد المكان. وفيما هو سائر في المعسكر دخل ثكنة الشهود. وسمح للاخوة بأن يطرحوا بعض الاسئلة. يذكر ڤيكتور ڠوتشميت: «سألته: ‹هل تعتقد ان دين شهود يهوه يشكل خطرا على المجتمع السوفياتي؟›.
«اجاب المدعي العام: ‹كلا، لا اعتقد ذلك›. لكنه خلال المحادثة قال دون انتباه: ‹في عام ١٩٥٩ وحده، خُصصت لسلطات اقليم إركوتْسْك خمسة ملايين روبل لتتعامل مع الشهود بالطريقة المناسبة›.
«وقصد بذلك ان السلطات تعرف جيدا مَن نحن، فقد انفقت خمسة ملايين روبل من الاموال المخصصة للنظام الجزائي لكي تعرف مَن هم شهود يهوه. وهذا مبلغ كبير جدا. ففي ذلك الوقت، كان يمكن لمبلغ قدره خمسة آلاف روبل ان يشتري سيارة جميلة او بيتا مريحا. لذلك فإن السلطات في موسكو كانت تعرف دون شك ان شهود يهوه ليسوا شعبا خطِرا.
«وتابع المدعي العام قائلا: ‹اذا قلنا للشعب السوفياتي ان يفعلوا بالشهود ما يشاءون، فسيمحون كل اثر لكم›. وقصد بقوله هذا ان المجتمع السوفياتي لا يحب الشهود. فكان واضحا من كلماته ان ملايين الناس تأثروا بالدعاية الالحادية والايديولوجية.
«عندئذ اجبناه: ‹سترى الوضع على حقيقته عندما يعقد الشهود محافلهم الكورية في كل ارجاء المنطقة الممتدة من موسكو الى ڤلاديڤوستوك›.
«فقال: ‹ربما يكون نصف مليون شخص الى جانبكم، ولكن هنالك آخرون الى جانبنا›.
«بهذه الجملة انتهت المحادثة مع المدعي العام، وقد كان محقا الى حد ما. واليوم، هنالك اكثر من ٠٠٠,٧٠٠ شخص يحضرون اجتماعات شهود يهوه في كل انحاء دول الاتحاد السوفياتي السابق. فهناك يصغي الناس الى الكلام النقي لحق الكتاب المقدس لا الى الدعاية».
«انشأتم منتجعا للشهود»
يتابع ڤيكتور: «اخذ مدير المعسكر المدعي العام وأراه الزهور والاشجار التي زرعها الشهود، بالاضافة الى الطرود التي تسلّموها والتي بقيت في ثكنتهم دون ان يسرقها احد. وكان المدعي العام ينظر الى كل شيء باندهاش واضح. لكننا علمنا لاحقا ان هذا الرجل امر ادارة المعسكر بإتلاف كل الزهور والاشجار. فكان قد قال لمدير المعسكر: ‹لقد انشأتم منتجعا للشهود لا معسكرا للعمل الالزامي›. كما انه منع الشهود من تسلّم الطرود وأقفل كشك الطعام الذي كان يُسمح للشهود ان يشتروا منه طعاما اضافيا.
«ولكن لفرحة الاخوة لم ينفذ المدير كل الاوامر. مثلا، لم تُمنع الاخوات من زرع الزهور. وفي فصل الخريف كن يقطفن الزهور ويصنعن باقات كبيرة يقدمنها لعمال المعسكر وأولادهم. وسرّنا كثيرا ان نرى الاولاد يلتقون والديهم عند البوابة، يأخذون زهورهم، ويركضون الى المدرسة وأمارات السعادة مرتسمة على وجوههم. فقد احبوا الشهود».
يتذكر ڤيكتور: «ذات يوم في اوائل سنة ١٩٦٤، اخبرنا مسؤول لديه اخ يعمل لدى المخابرات السوفياتية انه يجري تنظيم حملة كبيرة على صعيد الدولة ضد شهود يهوه. ولكن في اواخر تلك السنة خُلع فجأة نيكيتا خروتشيف من منصبه كرئيس دولة، فسكنت موجة الاضطهاد».
ترانيم الملكوت في معسكر خاضع لحراسة مشددة
في ستينات القرن العشرين، سمح احد المعسكرات الخاضعة لحراسة مشددة في موردڤينا بأن يتسلم السجناء طرودا مرة في السنة ‹كمكافأة خصوصية›. وكانت عمليات التفتيش تجري باستمرار. وإذا وُجد في حوزة احد قصاصة ورق عليها آية من الكتاب المقدس، كان يُرسل الى السجن الانفرادي لمدة عشرة ايام. هذا بالاضافة الى ان السجناء في هذا المعسكر كانوا يحصلون على حصص طعام اقل مما يحصل عليه اولئك الذين في المعسكرات غير الخاضعة لحراسة مشددة. كما ان العمل الالزامي كان اصعب، فوجب على الشهود قلع أُروم الاشجار الضخمة. يقول ألِكسي نيپوتشاتوڤ: «غالبا ما كنا نصل الى شفير الانهيار الجسدي التام. لكننا حافظنا على يقظتنا ولم نستسلم. وإحدى الطرائق التي ساعدت الاخوة على ابقاء معنوياتهم عالية هي انشاد ترانيم الملكوت. فقد شكلنا جوقة مرنمين من رجال تختلف طبقة صوتهم، وكان ترنيمهم جميلا بشكل يفوق الوصف رغم غياب اصوات النساء. ولم تبهج هذه الترانيم الشهود فقط بل ايضا الضباط، الذين طلبوا من الاخوة ان يرنموا اثناء ساعات العمل. وذات مرة، حين كنا نقطع الاشجار، اتى المسؤول عن حراسة العمال وقال: ‹رنموا بعض الترانيم. فهذا الطلب هو من ضابط الفرق العسكرية نفسه›.
«كان الضابط قد سمع الاخوة يرنمون ترانيم الملكوت مرات عديدة. وقد اتى طلبه في وقته لأننا كنا على حافة الانهيار التام. فابتدأنا بفرح نمجد يهوه بأصواتنا. وعادة، عندما كنا نرنم في المعسكر، كانت زوجات الضباط يخرجن من البيوت المجاورة ويقفن على الشرفات ويستمعن الينا لوقت طويل. وقد احببن خصوصا كلمات الترنيمة رقم ٦ من كتاب ترانيم قديم، وهي بعنوان ‹لتعطِ الارض مجدا›. وكانت كلمات الترنيمة جميلة ولحنها رائعا».
«انت في بلد آخر»
كان بإمكان الناس الذين يتعاملون مع شهود يهوه ان يروا ما هم عليه حقا حتى في ظروف غير متوقعة البتة. يذكر ڤيكتور ڠوتشميت: «بينما كنا جالسين في الحديقة في نهاية احد الاسابيع، أُدخلت شاحنة محمَّلة بأدوات كهربائية غالية الثمن الى المعسكر حيث نحن مسجونون. ولم يكن السائق الذي يسلّم البضاعة من اخوتنا الروحيين بل سجينا في معسكرنا، اما مدير المشتريات الذي يرافقه فكان من معسكر آخر. وبما ان المخزن كان مقفلا والمسؤول عنه في اجازة، طُلب من الشهود ان يتسلّموا البضاعة ويفرّغوا الشاحنة.
«انزلنا الادوات الكهربائية وكدسناها قرب المخزن على مسافة غير بعيدة من الثكنة التي يقيم فيها اخوتنا. وكان مدير المشتريات قلقا جدا بشأن تسليم البضاعة بهذه الطريقة غير الرسمية دون الحصول على توقيع مدير المخزن لتأكيد الاستلام. لكن السائق طمأنه قائلا: ‹لا تخف. فلا احد هنا يسرق شيئا. انت في «بلد آخر»، فلا تفكر في ما يحصل عادة خارج هذا المعسكر. في هذا المكان بإمكانك ان تنزع ساعة يدك وتتركها اينما كان، وتأكد انك ستجدها غدا في المكان نفسه›. لكن مدير المشتريات اصر على عدم المغادرة دون الحصول على التوقيع، لأن البضاعة تقدَّر بنصف مليون روبل.
«بعد وقت قصير اتى رجال من ادارة المعسكر وأمروا بإخراج الشاحنة من المكان. وطلب احدهم من مدير المشتريات ان يترك هناك فاتورة التسليم ويعود في اليوم التالي لأخذها. ففعل ذلك على مضض، ثم رحل. وفي الصباح التالي عاد وطلب ان يدخل المعسكر لكي يجعل مدير المخزن يوقّع الفاتورة، لكن الحارس سلّمه اياها موقَّعة.
«في وقت لاحق اخبرَنا الحارس ان مدير المشتريات تردد كثيرا قبل ان يغادر. فطوال نصف ساعة وقف امام البوابة يحدّق فيها وفي المستندات ثم يدور ليرحل، لكنه كان يدور من جديد ويحدّق في البوابة. فربما لم يسبق ان شهد شيئا كهذا: تسليم بضاعة قيِّمة في غيابه، توقيع الفاتورة دون ان يكون حاضرا، وإنجاز كل ما يلزم بنزاهة. والاهم هو ان ذلك حدث في معسكر للعمل الالزامي خاضع لحراسة مشددة، حيث السجناء مصنفون بأنهم ‹مجرمون بالغو الخطورة›. نعم، مهما نشرت الدعاية المغرضة معلومات سلبية عن شهود يهوه، فإن حدثا كهذا يُظهر للمراقبين جميعا ما هم عليه حقا».
‹عادوا الآن الى التبشير›
في سنة ١٩٦٠، بعد ايام قليلة من جمع الاخوة معا في المعسكر الموردڤيني، اختير اكثر من مئة شاهد ليُنقلوا الى سجن خصوصي يدعى المعسكر رقم ١٠ في قرية اودارني المجاورة. وكان هذا المكان سجنا «اختباريا» لإعادة تأهيل الشهود. وفيه أُلبس السجناء بزّات مخططة شبيهة ببزّات السجناء في معسكرات الاعتقال النازية. وبين الاعمال التي وجب على الشهود ان يقوموا بها اقتلاع أُروم اشجار ضخمة في الغابة. فكان على كل منهم ان يقتلع في اليوم الواحد ١١-١٢ ارومة على الاقل. ولكن احيانا كانت مجموعة الاخوة بكاملها تعمل معا طوال اليوم لاقتلاع ارومة شجرة سنديان ضخمة واحدة، دون ان تنجح. وغالبا ما كانوا ينشدون ترانيم الملكوت ليشجعوا واحدهم الآخر. ولدى سماع مدير المعسكر صوت الترنيم، كان احيانا يصيح قائلا: «لا عشاء لكم اليوم ايها الشهود حتى تتعلموا ألا ترنموا. هذا درس لكم كي تنجزوا عملكم». يذكر احد الاخوة الذين كانوا في هذا المعسكر: «لكن يهوه كان يدعمنا. ورغم الظروف الصعبة، بقينا صاحين روحيا. فكنا دائما نشجّع بعضنا بعضا ونرفع معنوياتنا بتذكير احدنا الآخر اننا وقفنا الى جانب يهوه في قضية السلطان الكوني». — ام ٢٧:١١.
بالاضافة الى «المرشدين» المعينين للاشراف على السجن بكامله، كان لكل زنزانة مرشد خاص بها — ضابط عسكري لا تقل رتبته عن نقيب. وكان هدف هؤلاء الضباط جعل الشهود ينكرون ايمانهم. فكانوا يقولون ان كل مَن يذعن، او بالاحرى ينكر ايمانه، سيُطلَق سراحه. وكان المرشدون يكتبون كل شهر تقريرا حول شخصية كل شاهد، ويوقع التقرير عدد من الموظفين في السجن. لكن ما كتبوه عن كل فرد من الشهود كان دائما: «لا يتجاوب مع اجراءات اعادة التأهيل، بل يبقى ثابتا في اقتناعاته». ويمضي إيڤان كليمكو قائلا: «قضيت في هذا السجن ست سنوات من اصل عشر، وجرى تصنيفي مع اخوة آخرين بأني ‹مجرم بالغ الخطورة يكرّر ارتكاب الجريمة نفسها›. وقد اخبرَنا الضباط ان السلطات تعمّدت وضع الشهود في ظروف صعبة للغاية لكي تراقب سلوكهم».
في احدى المرات طرح يوڤ أندرونيك، الذي قضى خمس سنوات في ذلك السجن، هذا السؤال على آمر المعسكر: «الى متى سنبقى في هذا السجن؟». فأشار الآمر الى الغابة وأجاب: «الى ان تؤخذوا الى هناك محمولين». ويذكر يوڤ: «أُبقينا معزولين عن الآخرين لكيلا نكرز لهم، وأُخضِعنا لمراقبة شديدة. ولم يستطع ايٌّ منا التجول في المعسكر دون ان يرافقه احد المسؤولين. وبعد بضع سنوات، حين نُقلنا الى معسكر خاضع لحراسة غير مشددة، اخبر بعض السجناء غير الشهود ادارة المعسكر: ‹لقد انتصر شهود يهوه. فمع انكم عزلتموهم، ها هم الآن قد عادوا الى التبشير›».
ضابط يدرك ان كتابه المقدس نُسِخ
كان من الصعب جدا إدخال اية مطبوعات الى المعسكر رقم ١٠، فكم بالاحرى الكتاب المقدس! فبدا للاخوة ان إدخال كلمة اللّٰه الى السجن امر اشبه بالمستحيل. ومع ذلك، يقول اخ قضى في هذا السجن بضع سنوات: «لا شيء مستحيل عند يهوه». نعم، سمع صلواتنا. فقد طلبنا كتابا مقدسا واحدا على الاقل من اجل مئة شاهد في هذا السجن، وإذا بنا نحصل على اثنين!». (مت ١٩:٢٦) فكيف حدث ذلك؟
جُنِّد كولونيل ليكون احد المرشدين في السجن. ولكن كيف استطاع شخص لا يعرف شيئا عن الكتاب المقدس ان «يرشد» الشهود؟ تمكن الكولونيل بطريقة ما من الحصول على كتاب مقدس في حالة سيئة. وقبل ان يأخذ اجازة، طلب من سجين معمداني مسنّ ان يعيد تجليد الكتاب بعد ان امر المسؤولين ألا يصادروه. فأخذ المعمداني يتباهى امام الشهود بأنه حصل على كتاب مقدس، وسمح لهم باستعارته لإلقاء نظرة عليه. ولكن عندما وقع هذا الكنز الثمين في يد الاخوة، فكّوا مَلازمه ووزّعوا الصفحات على كل الشهود السجناء لينسخوها. وطوال الايام القليلة التالية انشغل الشهود جميعا بنسخ الكتاب في زنزاناتهم، فصنعوا نسختين مكتوبتين باليد من كل صفحة. يذكر احد الاخوة: «عندما جُمعت الصفحات معا، حصلنا على ثلاثة كتب مقدسة! فأُعيدت الى الكولونيل نسخته بعد اعادة تجليدها، في حين حصلنا نحن على نسختين. وقد استعملنا احداهما للقراءة ووضعنا الاخرى في مكان خاص داخل ‹الخزنة›، التي كانت عبارة عن بضعة انابيب فيها اسلاك تمر عبرها كهرباء ذات توتر عالٍ. وبما ان المسؤولين كانوا يخشون حتى الاقتراب منها، لم يقم احد قط بالتفتيش هناك. وهكذا كانت الكهرباء ذات التوتر العالي حارسا امينا لمكتبتنا».
ولكن خلال احدى عمليات التفتيش، اكتشف الكولونيل صفحة من الكتاب المقدس المنسوخ باليد. وعندما ادرك ما حصل، استاء جدا وقال: «هذه نُسِخت عن الكتاب المقدس الذي جلبته انا بنفسي الى المعسكر!».
الاحتفال بالذكرى
كان الاخوة كل سنة يحاولون الاحتفال بالذكرى في المعسكرات. وفي كل السنوات التي قضوها في احد المعسكرات في موردڤينا، لم يفوّت واحد منهم هذه المناسبة. طبعا، حاولت ادارة المعسكر على الدوام منع الاحتفال. وبما انهم يعرفون تاريخ الذكرى، كانوا عادة يأمرون جميع وحدات الحرس في المعسكر بتشديد المراقبة خلال ذلك اليوم. ولكن بحلول المساء كان معظم الحراس يضجرون من مراقبة الاخوة عن كثب، اذ لم يكن احد منهم يعرف في اي مكان وفي أية ساعة بالتمام ستُعقد الذكرى.
كان الاخوة دائما يبذلون جهودا حثيثة لتوفير الخمر وخبز الفطير. وفي احدى المرات، وجدت وحدة مراقبة الرمزين في احد الادراج يومَ الذكرى، فقامت بمصادرتهما. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، استُبدلت هذه الوحدة بوحدة مراقبة اخرى، فتمكن اخ ينظف مكتب آمر الوحدة من استرجاعهما وتمريرهما الى الاخوة دون ان يراه احد. وفي تلك الليلة، خلال نوبة المراقبة الثالثة، احتفل الاخوة بالذكرى مستخدمين الرمزين، اللذين كانا ضروريين جدا لأن احد الاخوة لديه الدعوة السماوية.
-