-
«حيثما ذهبتِ أذهب»اقتد بإيمانهم
-
-
اَلْفَصْلُ ٱلرَّابِعُ
«حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبْ»
١، ٢ (أ) كَيْفَ كَانَتْ رِحْلَةُ رَاعُوثَ وَنُعْمِي وَلِمَ ٱسْتَأْثَرَ ٱلْحُزْنَ بِهِمَا؟ (ب) مَا ٱلْفَارِقُ بَيْنَ رَاعُوثَ وَنُعْمِي ٱلذَّاهِبَتَيْنِ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟
سَارَتْ رَاعُوثُ إِلَى جَانِبِ نُعْمِي فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي يَخْتَرِقُ سُهُولَ مُوآبَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ. كَانَتْ هَاتَانِ ٱلْمَرْأَتَانِ مَغْلُوبَتَيْنِ عَلَى أَمْرِهِمَا، وَحِيدَتَيْنِ فِي تِلْكَ ٱلرِّحَابِ ٱلشَّاسِعَةِ ٱلَّتِي تَعْصِفُ بِهَا ٱلرِّيَاحُ. تَخَيَّلْ رَاعُوثَ تُلَاحِظُ ٱلشَّمْسَ تُشَمِّرُ لِلْغُرُوبِ، فَتَنْظُرُ إِلَى حَمَاتِهَا مُتَسَائِلَةً هَلْ حَانَ ٱلْوَقْتُ لِإِيجَادِ مَكَانٍ تَأْوِيَانِ إِلَيْهِ. إِنَّهَا تُحِبُّ نُعْمِي مَحَبَّةً شَدِيدَةً، وَهِيَ مُسْتَعِدَّةٌ أَنْ تَبْذُلَ كُلَّ مَا فِي وِسْعِهَا كَيْ تَعْتَنِيَ بِهَا.
٢ اَلْحُزْنُ مُسْتَأْثِرٌ بِقَلْبِ هَاتَيْنِ ٱلْمَرْأَتَيْنِ. فَنُعْمِي، ٱلَّتِي تَرَمَّلَتْ مُنْذُ سِنِينَ، مَحْزُونَةٌ ٱلْآنَ لِوَفَاةِ ٱبْنَيْهَا كِلْيُونَ وَمَحْلُونَ. وَرَاعُوثُ مُغْتَمَّةٌ بِسَبَبِ مَوْتِ زَوْجِهَا مَحْلُونَ. صَحِيحٌ أَنَّهُمَا تَقْصِدَانِ ٱلْوُجْهَةَ عَيْنَهَا، بَلْدَةَ بَيْتَ لَحْمَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلٰكِنْ ثَمَّةَ فَارِقٌ بَيْنَهُمَا. فَنُعْمِي عَائِدَةٌ إِلَى دِيَارِهَا، أَمَّا رَاعُوثُ فَمُتَّجِهَةٌ إِلَى ٱلْمَجْهُولِ، تَارِكَةً وَرَاءَهَا أَنْسِبَاءَهَا وَمَوْطِنَهَا وَعَادَاتِهَا وَآلِهَتَهَا. — اقرأ راعوث ١:٣-٦.
٣ أَيُّ سُؤَالَيْنِ تُسَاعِدُنَا أَجْوِبَتُهُمَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِإِيمَانِ رَاعُوثَ؟
٣ فَمَاذَا يَدْفَعُ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةَ ٱلْمُوآبِيَّةَ إِلَى قَلْبِ حَيَاتِهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ؟ وَمِنْ أَيْنَ لَهَا ٱلْقُوَّةُ لِتَبْدَأَ حَيَاةً جَدِيدَةً وَتَهْتَمَّ بِنُعْمِي؟ سَتَكْشِفُ لَنَا أَجْوِبَةُ هٰذَيْنِ ٱلسُّؤَالَيْنِ ٱلْكَثِيرَ عَنْ إِيمَانِ رَاعُوثَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلِٱقْتِدَاءِ. (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْإِطَارَ «تُحْفَةٌ رَائِعَةٌ».) وَلٰكِنْ لِنَرَ بِدَايَةً كَيْفَ حَدَثَ أَنْ تَرَافَقَتِ ٱلْمَرْأَتَانِ فِي هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلطَّوِيلَةِ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ.
عَائِلَةٌ تَمَزَّقَ شَمْلُهَا
٤، ٥ (أ) لِمَ ٱنْتَقَلَتْ نُعْمِي وَعَائِلَتُهَا إِلَى مُوآبَ؟ (ب) أَيَّةُ تَحَدِّيَاتٍ وَاجَهَتْهَا نُعْمِي هُنَاكَ؟
٤ تَرَعْرَعَتْ رَاعُوثُ فِي مُوآبَ، بَلَدٍ صَغِيرٍ شَرْقِيَّ ٱلْبَحْرِ ٱلْمَيِّتِ تَتَنَاثَرُ فِي مُعْظَمِ أَرَاضِيهِ هِضَابٌ مُرْتَفِعَةٌ تَكْسُوهَا ٱلْأَشْجَارُ وَتَشُقُّهَا ٱلْوِدْيَانُ ٱلْعَمِيقَةُ. وَلَطَالَمَا كَانَتْ «بِلَادُ مُوآبَ» أَرْضًا زِرَاعِيَّةً خِصْبَةً حَتَّى أَثْنَاءَ ٱلْمَجَاعَةِ ٱلَّتِي ضَرَبَتْ إِسْرَائِيلَ. وَفِي ٱلْوَاقِعِ، كَانَ هٰذَا هُوَ ٱلسَّبَبَ وَرَاءَ لِقَاءِ رَاعُوثَ بِمَحْلُونَ وَعَائِلَتِهِ. — را ١:١.
٥ فَحِينَ حَلَّتِ ٱلْمَجَاعَةُ بِإِسْرَائِيلَ، ٱرْتَأَى أَلِيمَالِكُ زَوْجُ نُعْمِي أَنْ يُغَادِرَ مَوْطِنَهُ هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَٱبْنَاهُ وَيَتَغَرَّبَ فِي مُوآبَ. وَلَا بُدَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْخُطْوَةَ ٱمْتَحَنَتْ إِيمَانَ كُلِّ فَرْدٍ فِي ٱلْعَائِلَةِ. فَقَدْ كَانَ عَلَى ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ تَقْدِيمُ ٱلْعِبَادَةِ بِٱنْتِظَامٍ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْمُقَدَّسِ ٱلَّذِي ٱخْتَارَهُ يَهْوَهُ. (تث ١٦:١٦، ١٧) وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ نُعْمِي نَجَحَتْ فِي ٱلْحِفَاظِ عَلَى إِيمَانِهَا. لٰكِنَّ ذٰلِكَ لَا يَعْنِي أَنَّ ٱلْأَسَى لَمْ يَغَمُرْ قَلْبَهَا لَدَى مَوْتِ زَوْجِهَا. — را ١:٢، ٣.
٦، ٧ (أ) لِمَاذَا رُبَّمَا خَابَ أَمَلُ نُعْمِي حِينَ تَزَوَّجَ وَلَدَاهَا مِنْ مُوآبِيَّتَيْنِ؟ (ب) لِمَ مُعَامَلَةُ نُعْمِي لِكَنَّتَيْهَا جَدِيرَةٌ بِٱلثَّنَاءِ؟
٦ لَعَلَّ نُعْمِي تَأَلَّمَتْ أَيْضًا حِينَ تَزَوَّجَ ٱبْنَاهَا لَاحِقًا ٱمْرَأَتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ. (را ١:٤) فَقَدْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ سَلَفَهَا إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُوَفِّرْ جُهْدًا كَيْ يَأْخُذَ لِٱبْنِهِ إِسْحَاقَ زَوْجَةً مِنْ بَنِي شَعْبِهِ ٱلَّذِينَ يَعْبُدُونَ يَهْوَهَ. (تك ٢٤:٣، ٤) هٰذَا وَإِنَّ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلْمُوسَوِيَّةَ حَذَّرَتِ ٱلْإِسْرَائِيلِيِّينَ لِئَلَّا يُصَاهِرُوا ٱلْغُرَبَاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي شَرَكِ ٱلصَّنَمِيَّةِ. — تث ٧:٣، ٤.
٧ مَعَ ذٰلِكَ، تَزَوَّجَ مَحْلُونُ وَكِلْيُونُ فَتَاتَيْنِ مُوآبِيَّتَيْنِ. وَسَوَاءٌ خَيَّبَ ذٰلِكَ أَمَلَ نُعْمِي أَوْ لَا، فَقَدْ حَرِصَتْ عَلَى مَا يَتَّضِحُ أَنْ تُعَامِلَ كَنَّتَيْهَا رَاعُوثَ وَعُرْفَةَ بِمُنْتَهَى ٱللُّطْفِ وَٱلْمَحَبَّةِ. فَلَرُبَّمَا أَمَلَتْ أَنْ تُصْبِحَا ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ عُبَّادِ يَهْوَهَ مِثْلَهَا. عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، تَعَلَّقَتْ رَاعُوثُ وَعُرْفَةُ بِحَمَاتِهِمَا. وَهٰذِهِ ٱلْعَلَاقَةُ ٱلْوَثِيقَةُ سَاعَدَتْهُمَا حِينَ حَلَّتْ بِهِمَا ٱلْمَأْسَاةُ. فَكِلْتَاهُمَا تَرَمَّلَتَا قَبْلَ أَنْ تُرْزَقَا بِوَلَدٍ. — را ١:٥.
٨ مَاذَا رُبَّمَا جَذَبَ رَاعُوثَ إِلَى يَهْوَهَ؟
٨ هَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّ خَلْفِيَّةَ رَاعُوثَ ٱلدِّينِيَّةَ هَيَّأَتْهَا لِمُوَاجَهَةِ مُصِيبَتِهَا؟ هٰذَا مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا. فَٱلْمُوآبِيُّونَ عَبَدُوا آلِهَةً عَدِيدَةً كَانَ كَمُوشُ كَبِيرَهَا. (عد ٢١:٢٩) وَكَمَا يَبْدُو، لَمْ يَخْلُ ٱلدِّينُ ٱلْمُوآبِيُّ مِنَ ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلْوَحْشِيَّةِ ٱلْمُرِيعَةِ ٱلَّتِي تَفَشَّتْ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، وَمِنْهَا تَقْدِيمُ ٱلْأَوْلَادِ ذَبَائِحَ حَيَّةً. إِذًا، لَا رَيْبَ أَنَّ مَا تَعَلَّمَتْهُ رَاعُوثُ مِنْ مَحْلُونَ أَوْ نُعْمِي عَنْ يَهْوَهَ، إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ ٱلْمُحِبِّ وَٱلرَّحِيمِ، أَحْدَثَ فِي نَفْسِهَا وَقْعًا كَبِيرًا لِتَبَايُنِهِ ٱلصَّارِخِ مَعَ دِينِهَا. فَيَهْوَهُ يَحْكُمُ بِمَحَبَّةٍ لَا بِإِلْقَاءِ ٱلرُّعْبِ فِي ٱلنُّفُوسِ كَآلِهَتِهَا. (اقرإ التثنية ٦:٥.) وَيَجُوزُ أَنَّهَا بَعْدَ ٱلْفَاجِعَةِ ٱلَّتِي أَلَمَّتْ بِهَا، بَاتَتْ أَقْرَبَ إِلَى حَمَاتِهَا ٱلْمُسِنَّةِ نُعْمِي وَأَكْثَرَ تَوْقًا إِلَى سَمَاعِهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ يَهْوَهَ ٱلْكُلِّيِّ ٱلْقُدْرَةِ، أَعْمَالِهِ ٱلْعَجِيبَةِ، وَتَعَامُلَاتِهِ ٱلْمُحِبَّةِ وَٱلرَّحِيمَةِ مَعَ شَعْبِهِ.
أَعْرَبَتْ رَاعُوثُ عَنِ ٱلْحِكْمَةِ بِٱلِٱقْتِرَابِ أَكْثَرَ مِنْ نُعْمِي خِلَالَ ٱلْمِحَنِ
٩-١١ (أ) مَاذَا قَرَّرَتْ نُعْمِي وَرَاعُوثُ وَعُرْفَةُ أَنْ يَفْعَلْنَ؟ (ب) مَاذَا تُعَلِّمُنَا ٱلْمَآسِي ٱلَّتِي نَزَلَتْ بِٱلنِّسَاءِ ٱلثَّلَاثِ؟
٩ كَانَتْ نُعْمِي مُتَشَوِّقَةً لِتَلَقِّي أَيِّ خَبَرٍ عَنْ مَوْطِنِهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ سَمِعَتْ، رُبَّمَا مِنْ أَحَدِ ٱلتُّجَّارِ ٱلْجَائِلِينَ، أَنَّ يَهْوَهَ ٱفْتَقَدَ شَعْبَهُ وَأَنْهَى ٱلْمَجَاعَةَ فِي إِسْرَائِيلَ. وَهَا هِيَ بَيْتَ لَحْمُ، ٱلَّتِي تَعْنِي «بَيْتَ ٱلْخُبْزِ»، قَدْ عَادَتِ ٱسْمًا عَلَى مُسَمًّى. عِنْدَئِذٍ قَرَّرَتِ ٱلرُّجُوعَ إِلَى دِيَارِهَا. — را ١:٦.
١٠ وَمَاذَا فَعَلَتْ رَاعُوثُ وَعُرْفَةُ؟ (را ١:٧) لَقَدْ قَرَّرَتَا مُرَافَقَةَ حَمَاتِهِمَا إِلَى يَهُوذَا. فَمُصَابُ أُولٰئِكَ ٱلْأَرَامِلِ ٱلثَّلَاثِ قَرَّبَهُنَّ ٱلْوَاحِدَةَ مِنَ ٱلْأُخْرَى. وَيَبْدُو أَنَّ رَاعُوثَ خُصُوصًا تَأَثَّرَتْ كَثِيرًا بِلُطْفِ نُعْمِي وَإِيمَانِهَا ٱلرَّاسِخِ بِيَهْوَهَ.
١١ تُذَكِّرُنَا هٰذِهِ ٱلْقِصَّةُ أَنَّ ٱلْمَآسِيَ وَٱلْمِحَنَ تُصِيبُ ٱلصَّالِحِينَ وَٱلطَّالِحِينَ عَلَى ٱلسَّوَاءِ. (جا ٩:٢، ١١) وَتُظْهِرُ لَنَا أَنَّ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ، عِنْدَمَا نَخْسَرُ شَخْصًا نُحِبُّهُ، أَنْ نَسْتَلْهِمَ ٱلْعَزَاءَ وَٱلصَّبْرَ مِنَ ٱلْآخَرِينَ، وَلَا سِيَّمَا ٱلَّذِينَ يَحْتَمُونَ بِيَهْوَهَ، ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي تَعَبَّدَتْ لَهُ نُعْمِي. — ام ١٧:١٧.
رَاعُوثُ ٱلْوَلِيَّةُ
١٢، ١٣ لِمَ أَرَادَتْ نُعْمِي أَنْ تَظَلَّ رَاعُوثُ وَعُرْفَةُ فِي مَوْطِنِهِمَا، وَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِهِمَا فِي ٱلْبِدَايَةِ؟
١٢ فِيمَا سَارَتِ ٱلْأَرَامِلُ ٱلثَّلَاثُ فِي طَرِيقِ ٱلْعَوْدَةِ، شَغَلَ بَالَ نُعْمِي هَمٌّ آخَرُ. فَقَدْ أَخَذَتْ تُفَكِّرُ بِكَنَّتَيْهَا ٱلشَّابَّتَيْنِ وَمَا أَظْهَرَتَا لَهَا وَلِٱبْنَيْهَا مِنْ مَحَبَّةٍ وَوَلَاءٍ. فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَزِيدَ عَذَابَهُمَا عَذَابًا وَتَأْخُذَهُمَا مَعَهَا إِلَى بَيْتَ لَحْمَ؟ أَيُّ مَصِيرٍ يَنْتَظِرُهُمَا هُنَاكَ؟
١٣ لِذَا قَالَتْ لَهُمَا: «اِذْهَبَا وَلْتَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى بَيْتِ أُمِّهَا. وَلْيَصْنَعْ يَهْوَهُ لُطْفًا حُبِّيًّا إِلَيْكُمَا، كَمَا صَنَعْتُمَا إِلَى ٱلرَّجُلَيْنِ ٱللَّذَيْنِ مَاتَا وَإِلَيَّ». وَعَبَّرَتْ أَيْضًا عَنْ أَمَلِهَا أَنْ يُنْعِمَ يَهْوَهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِزَوْجٍ آخَرَ وَحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ. تُتَابِعُ ٱلرِّوَايَةُ: «ثُمَّ قَبَّلَتْهُمَا، فَرَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ وَبَكَيْنَ». فَلَا عَجَبَ أَنَّ رَاعُوثَ وَعُرْفَةَ تَعَلَّقَتَا إِلَى هٰذَا ٱلْحَدِّ بِحَمَاتِهِمَا ٱلطَّيِّبَةِ وَغَيْرِ ٱلْأَنَانِيَّةِ. لِذَا أَلَحَّتَا كِلْتَاهُمَا: «لَا، بَلْ نَرْجِعُ مَعَكِ إِلَى شَعْبِكِ». — را ١:٨-١٠.
١٤، ١٥ (أ) إِلَى مَاذَا رَجَعَتْ عُرْفَةُ؟ (ب) كَيْفَ حَاوَلَتْ نُعْمِي إِقْنَاعَ رَاعُوثَ بِتَرْكِهَا؟
١٤ غَيْرَ أَنَّ نُعْمِي أَصَرَّتْ عَلَى رَأْيِهَا مُوْضِحَةً أَنَّهَا غَيْرُ قَادِرَةٍ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ. فَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ يُعِيلُهَا، وَقَدْ فَاتَ ٱلْأَوَانُ أَنْ تَتَزَوَّجَ ثَانِيَةً. وَلَا أَمَلَ أَنْ تُنْجِبَ ٱبْنَيْنِ لِيَتَزَوَّجَا مِنْهُمَا. وَعَبَّرَتْ أَيْضًا أَنَّ فِي قَلْبِهَا مَرَارَةً شَدِيدَةً لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنِ ٱلِٱعْتِنَاءِ بِهِمَا. عِنْدَئِذٍ، أَحَسَّتْ عُرْفَةُ أَنَّ نُعْمِي مُصِيبَةٌ فِي كَلَامِهَا. فَلِمَ تَذْهَبُ مَعَهَا وَهِيَ تَحْظَى بِعَائِلَةٍ فِي مُوآبَ وَبِأُمٍّ تَهْتَمُّ بِهَا وَبِبَيْتٍ تَسْتَقِرُّ فِيهِ؟ لِذَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهَا أَنْ تَظَلَّ فِي بَلَدِهَا. فَقَبَّلَتْ نُعْمِي وَوَدَّعَتْهَا مُتَأَلِّمَةً لِفِرَاقِهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى مَوْطِنِهَا. — را ١:١١-١٤.
١٥ وَلٰكِنْ مَاذَا عَنْ رَاعُوثَ؟ مَعَ أَنَّ مَا قَالَتْهُ نُعْمِي يَصِحُّ فِيهَا هِيَ ٱلْأُخْرَى، تُتَابِعُ ٱلرِّوَايَةُ: «أَمَّا رَاعُوثُ فَلَصِقَتْ بِهَا». وَلَرُبَّمَا كَانَتْ نُعْمِي قَدِ ٱسْتَأْنَفَتِ ٱلسَّيْرَ حِينَ لَاحَظَتْ أَنَّ رَاعُوثَ تَمْشِي وَرَاءَهَا، فَحَثَّتْهَا قَائِلَةً: «هَا سِلْفَتُكِ ٱلْأَرْمَلَةُ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى شَعْبِهَا وَآلِهَتِهَا. فَٱرْجِعِي أَنْتِ مَعَ سِلْفَتِكِ ٱلْأَرْمَلَةِ». (را ١:١٥) تَكْشِفُ كَلِمَاتُ نُعْمِي هٰذِهِ تَفْصِيلًا مُهِمًّا: لَمْ تَرْجِعْ عُرْفَةُ إِلَى شَعْبِهَا فَحَسْبُ، بَلْ إِلَى «آلِهَتِهَا» أَيْضًا. فَهِيَ لَمْ تُمَانِعْ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي عِبَادَةِ كَمُوشَ وَغَيْرِهِ مِنَ ٱلْآلِهَةِ ٱلْبَاطِلَةِ. فَهَلْ هٰذَا مَا شَعَرَتْ بِهِ رَاعُوثُ؟
١٦-١٨ (أ) كَيْفَ أَعْرَبَتْ رَاعُوثُ عَنْ مَحَبَّةٍ مَجْبُولَةٍ بِٱلْوَلَاءِ؟ (ب) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ رَاعُوثَ عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَحَبَّةِ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا صُوَرَ ٱلْمَرْأَتَيْنِ.)
١٦ فِيمَا سَارَتْ رَاعُوثُ وَحَمَاتُهَا فِي طَرِيقِهِمَا ٱلْمُوحِشِ، عَبَّرَتْ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةُ بِكُلِّ ثِقَةٍ عَنْ مَشَاعِرِهَا. فَهِيَ أَكَنَّتْ مَحَبَّةً شَدِيدَةً لِنُعْمِي وَإِلٰهِهَا، قَائِلَةً: «لَا تَتَوَسَّلِي إِلَيَّ كَيْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجِعَ عَنْ مُرَافَقَتِكِ، لِأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبْ، وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِتْ. شَعْبُكِ هُوَ شَعْبِي، وَإِلٰهُكِ هُوَ إِلٰهِي. وَحَيْثُمَا مُتِّ أَمُتْ، وَهُنَاكَ أُدْفَنُ. لِيَفْعَلْ يَهْوَهُ بِي هٰكَذَا وَلْيَزِدْ إِنْ فَصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ غَيْرُ ٱلْمَوْتِ». — را ١:١٦، ١٧.
«شَعْبُكِ هُوَ شَعْبِي، وَإِلٰهُكِ هُوَ إِلٰهِي»
١٧ يَا لَهَا مِنْ كَلِمَاتٍ رَائِعَةٍ! فَرَغْمَ مُرُورِ ٠٠٠,٣ سَنَةٍ، لَا يَزَالُ صَدَاهَا يَتَرَدَّدُ إِلَى يَوْمِنَا هٰذَا. إِنَّهَا تَكْشِفُ بِوُضُوحٍ سِمَةً رَائِعَةً تَحَلَّتْ بِهَا هٰذِهِ ٱلشَّابَّةُ: اَلْمَحَبَّةَ ٱلْمَجْبُولَةَ بِٱلْوَلَاءِ. فَقَدْ أَعْرَبَتْ لِحَمَاتِهَا عَنْ مَحَبَّةٍ قَوِيَّةٍ وَوَلَاءٍ لَا يَنْثَلِمُ إِلَى حَدِّ أَنَّهَا صَمَّمَتْ عَلَى مُرَافَقَتِهَا أَيْنَمَا تَذْهَبُ. وَمَا كَانَ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا سِوَى ٱلْمَوْتِ! فَشَعْبُ نُعْمِي كَانَ سَيُصْبِحُ شَعْبَ رَاعُوثَ ٱلَّتِي أَبْدَتِ ٱسْتِعْدَادًا لِلتَّخَلِّي عَنْ كُلِّ مَا لَهَا فِي مَوْطِنِهَا، حَتَّى عَنِ ٱلْآلِهَةِ ٱلْمُوآبِيَّةِ. وَبِخِلَافِ عُرْفَةَ، ٱسْتَطَاعَتِ ٱلْقَوْلَ بِكُلِّ جَوَارِحِهَا إِنَّهَا تُرِيدُ هِيَ أَيْضًا أَنْ تَعْبُدَ يَهْوَهَ، ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي تَعْبُدُهُ نُعْمِي.a
١٨ وَهٰكَذَا، مَضَتْ هَاتَانِ ٱلْمَرْأَتَانِ وَحِيدَتَيْنِ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلِ ٱلْمُؤَدِّي إِلَى بَيْتَ لَحْمَ. وَلَعَلَّ رِحْلَتَهُمَا ٱسْتَغْرَقَتْ أُسْبُوعًا كَامِلًا بِحَسَبِ أَحَدِ ٱلتَّقْدِيرَاتِ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَنَّ تَرَافُقَهُمَا مَعًا صَبَّرَهُمَا وَعَزَّاهُمَا بَعْضَ ٱلشَّيْءِ.
١٩ بِرَأْيِكَ، كَيْفَ نَقْتَدِي بِمَحَبَّةِ رَاعُوثَ ٱلْمَجْبُولَةِ بِٱلْوَلَاءِ فِي حَيَاتِنَا ٱلْعَائِلِيَّةِ، مَعَ أَصْدِقَائِنَا، وَفِي ٱلْجَمَاعَةِ؟
١٩ فِي أَيَّامِنَا هٰذِهِ ٱلَّتِي يَدْعُوهَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ «أَزْمِنَةً حَرِجَةً»، لَا أَحَدَ مِنَّا بِمَنْأًى عَنِ ٱلْحُزْنِ وَٱلْأَسَى. (٢ تي ٣:١) لِذَا فَإِنَّ ٱلصِّفَةَ ٱلَّتِي تَحَلَّتْ بِهَا رَاعُوثُ ضَرُورِيَّةٌ ٱلْآنَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى. فَٱلْمَحَبَّةُ ٱلْمَجْبُولَةُ بِٱلْوَلَاءِ ٱلَّتِي تَحْمِلُنَا أَنْ نَتَعَلَّقَ بِأَحَدٍ وَلَا نُفَارِقَهُ مَهْمَا حَصَلَ تُسَاعِدُنَا كَثِيرًا فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلْمُظْلِمِ. فَنَحْنُ نَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي ٱلزَّوَاجِ، ٱلْعَلَاقَاتِ ٱلْعَائِلِيَّةِ، ٱلصَّدَاقَاتِ، وَٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. (اقرأ ١ يوحنا ٤:٧، ٨، ٢٠.) وَحِينَ نُنَمِّي هٰذَا ٱلنَّوْعَ مِنَ ٱلْمَحَبَّةِ، نُبَرْهِنُ أَنَّنَا نَقْتَدِي بِمِثَالِ رَاعُوثَ ٱلْبَدِيعِ.
رَاعُوثُ وَنُعْمِي فِي بَيْتَ لَحْمَ
٢٠-٢٢ (أ) أَيُّ أَثَرٍ تَرَكَتْهُ ٱلْحَيَاةُ فِي مُوآبَ عَلَى نُعْمِي؟ (ب) أَيُّ نَظْرَةٍ خَاطِئَةٍ تَبَنَّتْهَا نُعْمِي تِجَاهَ ٱلْمَصَائِبِ ٱلَّتِي نَزَلَتْ بِهَا؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا يعقوب ١:١٣.)
٢٠ شَتَّانَ مَا بَيْنَ ٱلتَّكَلُّمِ عَنِ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلْمَجْبُولَةِ بِٱلْوَلَاءِ وَتَرْجَمَتِهَا إِلَى عَمَلٍ. وَرَاعُوثُ تَسَنَّتْ لَهَا ٱلْفُرْصَةُ أَنْ تُبَرْهِنَ بِٱلْأَعْمَالِ عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَحَبَّةِ تِجَاهَ نُعْمِي وَتِجَاهَ يَهْوَهَ أَيْضًا ٱلَّذِي ٱتَّخَذَتْهُ إِلٰهًا لَهَا.
٢١ لَقَدْ وَصَلَتِ ٱلْمَرْأَتَانِ إِلَى بَلْدَةِ بَيْتَ لَحْمَ ٱلَّتِي تَبْعُدُ نَحْوَ عَشَرَةَ كِيلُومِتْرَاتٍ جَنُوبَ أُورُشَلِيمَ. وَعَلَى مَا يَبْدُو، كَانَتْ نُعْمِي وَعَائِلَتُهَا مَعْرُوفِينَ جَيِّدًا فِي هٰذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلصَّغِيرَةِ، لِأَنَّ ٱلْمَكَانَ كُلَّهُ ضَجَّ بِخَبَرِ عَوْدَتِهَا. وَرَاحَتِ ٱلنِّسَاءُ يُحَدِّقْنَ إِلَيْهَا وَيَقُلْنَ: «أَهٰذِهِ نُعْمِي؟». فَكَمَا يَتَّضِحُ، تَغَيَّرَتْ مَلَامِحُهَا بَعْدَ إِقَامَتِهَا فِي مُوآبَ. فَسَنَوَاتُ ٱلشَّقَاءِ وَٱلْحُزْنِ طَبَعَتْ بَصَمَاتِهَا عَلَى وَجْهِهَا وَمَظْهَرِهَا. — را ١:١٩.
٢٢ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلْغَيْبَةِ ٱلطَّوِيلَةِ، أَخَذَتْ نُعْمِي تُخْبِرُ نَسِيبَاتِهَا وَجَارَاتِهَا ٱلْقُدَامَى كَمْ أَصْبَحَتْ حَيَاتُهَا مُرَّةً. وَشَعَرَتْ أَيْضًا أَنَّ ٱسْمَهَا يَجِبُ أَنْ يَتَغَيَّرَ مِنْ نُعْمِي، ٱلَّذِي يَعْنِي «نِعْمَتِي»، إِلَى «مُرَّةٍ». فَعَلَى غِرَارِ أَيُّوبَ ٱلَّذِي عَاشَ قَبْلَهَا، ظَنَّتْ هٰذِهِ ٱلْمِسْكِينَةُ أَنَّ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ هُوَ مَنْ أَنْزَلَ بِهَا ٱلْمَصَائِبَ. — را ١:٢٠، ٢١؛ اي ٢:١٠؛ ١٣:٢٤-٢٦.
٢٣ فِيمَ بَدَأَتْ رَاعُوثُ تُفَكِّرُ، وَأَيُّ تَدْبِيرٍ تَضَمَّنَتْهُ ٱلشَّرِيعَةُ ٱلْمُوسَوِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.)
٢٣ بَعْدَمَا ٱسْتَقَرَّتِ ٱلْمَرْأَتَانِ فِي بَيْتَ لَحْمَ، بَدَأَتْ رَاعُوثُ تُفَكِّرُ كَيْفَ عَسَاهَا تُؤَمِّنُ لُقْمَةَ ٱلْعَيْشِ لَهَا وَلِنُعْمِي. فَعَرَفَتْ أَنَّ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلَّتِي أَعْطَاهَا يَهْوَهُ لِشَعْبِهِ فِي إِسْرَائِيلَ تَضَمَّنَتْ تَدْبِيرًا حُبِّيًّا لِلْفُقَرَاءِ. فَقَدْ سُمِحَ لَهُمْ بِٱلذَّهَابِ إِلَى ٱلْحُقُولِ وَقْتَ ٱلْحَصَادِ لِيَلْتَقِطُوا مَا يُتْرَكُ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ، وَمَا يَنْمُو عِنْدَ أَطْرَافِ ٱلْحُقُولِ.b — لا ١٩:٩، ١٠؛ تث ٢٤:١٩-٢١.
٢٤، ٢٥ مَاذَا فَعَلَتْ رَاعُوثُ حِينَ دَخَلَتْ بِٱلصُّدْفَةِ حَقْلًا لِبُوعَزَ، وَعَلَامَ يَنْطَوِي عَمَلُ ٱللُّقَاطِ؟
٢٤ وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ حَصَادِ ٱلشَّعِيرِ قَدْ حَلَّ، عَلَى ٱلْأَرْجَحِ فِي شَهْرِ نَيْسَانَ (إِبْرِيل) حَسَبَ تَقْوِيمِنَا ٱلْحَالِيِّ، قَصَدَتْ رَاعُوثُ ٱلْحُقُولَ لِتَرَى مَنْ يَسْمَحُ لَهَا أَنْ تَلْتَقِطَ فِي أَرْضِهِ. فَٱتَّفَقَ أَنْ دَخَلَتْ حَقْلًا لِبُوعَزَ، رَجُلٍ ثَرِيٍّ يَمْلِكُ أَرَاضِيَ كَثِيرَةً وَذِي قَرَابَةٍ لِأَلِيمَالِكَ زَوْجِ نُعْمِي. وَمَعَ أَنَّ ٱلشَّرِيعَةَ أَعْطَتْهَا ٱلْحَقَّ أَنْ تَلْتَقِطَ، لَمْ تَعْتَبِرْ ذٰلِكَ تَحْصِيلَ حَاصِلٍ، إِنَّمَا ٱسْتَأْذَنَتْ أَوَّلًا ٱلْفَتَى ٱلْقَائِمَ عَلَى ٱلْحَصَّادِينَ وَمِنْ ثُمَّ بَاشَرَتِ ٱلْعَمَلَ. — را ١:٢٢–٢:٣، ٧.
٢٥ تَخَيَّلْهَا تَسِيرُ وَرَاءَ ٱلْحَصَّادِينَ. فَفِيمَا رَاحُوا يَحْصُدُونَ ٱلشَّعِيرَ بِمَنَاجِلِهِمِ، ٱنْحَنَتْ لِتَلْتَقِطَ مَا يَقَعُ أَوْ يُتْرَكُ مِنَ ٱلسَّنَابِلِ، فَتَحْزِمُهَا حُزَمًا، ثُمَّ تَأْخُذُهَا إِلَى مَكَانٍ لِتَخْبِطَهَا لَاحِقًا. كَانَ هٰذَا عَمَلًا مُضْنِيًا يَسْتَغْرِقُ وَقْتًا طَوِيلًا وَيَزْدَادُ صُعُوبَةً مَعَ ٱشْتِدَادِ حَرَارَةِ ٱلشَّمْسِ. غَيْرَ أَنَّ رَاعُوثَ عَمِلَتْ دُونَ تَرَاخٍ، وَلَمْ تَتَوَقَّفْ إِلَّا لِتَمْسَحَ ٱلْعَرَقَ ٱلْمُتَصَبِّبَ مِنْ جَبِينِهَا وَتَتَنَاوَلَ غَدَاءً بَسِيطًا فِي «ٱلْبَيْتِ» ٱلَّذِي كَانَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مَكَانًا يَسْتَظِلُّ بِهِ ٱلْعُمَّالُ.
كَانَتْ رَاعُوثُ مُسْتَعِدَّةً لِلْقِيَامِ بِعَمَلٍ وَضِيعٍ وَشَاقٍّ لِتُؤَمِّنَ لُقْمَةَ ٱلْعَيْشِ لَهَا وَلِنُعْمِي
٢٦، ٢٧ أَيُّ شَخْصِيَّةٍ تَحَلَّى بِهَا بُوعَزُ، وَكَيْفَ عَامَلَ رَاعُوثَ؟
٢٦ يُسْتَبْعَدُ أَنَّ رَاعُوثَ أَمَلَتْ أَوْ تَوَقَّعَتْ أَنْ تَسْتَرْعِيَ ٱلِٱنْتِبَاهَ، لٰكِنَّ هٰذَا مَا حَدَثَ. فَقَدْ أَتَى بُوعَزُ، رَجُلٌ إِيمَانُهُ بَارِزٌ، وَحَيَّا حَصَّادِيهِ ٱلَّذِينَ رُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ عُمَّالًا يَوْمِيِّينَ أَوْ غُرَبَاءَ أَيْضًا، قَائِلًا: «يَهْوَهُ مَعَكُمْ». فَرَدُّوا عَلَيْهِ ٱلتَّحِيَّةَ بِمِثْلِهَا. وَبَعْدَمَا رَأَى رَاعُوثَ، سَأَلَ ٱلْفَتَى ٱلْقَائِمَ عَلَى ٱلْعُمَّالِ مَنْ تَكُونُ ٱلْفَتَاةُ. فَهٰذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْمُسِنُّ ٱلَّذِي يُحِبُّ يَهْوَهَ أَعْرَبَ عَنِ ٱهْتِمَامٍ أَبَوِيٍّ بِهَا. — را ٢:٤-٧.
٢٧ لِذَا أَوْصَاهَا، دَاعِيًا إِيَّاهَا «يَا ٱبْنَتِي»، أَلَّا تَلْتَقِطَ فِي حَقْلٍ آخَرَ وَأَنْ تُلَازِمَ فَتَيَاتِهِ، خَدَمَ بَيْتِهِ، كَيْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَيٌّ مِنَ ٱلْعُمَّالِ. وَحَرِصَ أَيْضًا أَنْ تَحْصُلَ عَلَى ٱلطَّعَامِ وَقْتَ ٱلْغَدَاءِ. (اقرأ راعوث ٢:٨، ٩، ١٤.) لٰكِنَّ ٱلْأَهَمَّ أَنَّهُ مَدَحَهَا وَشَجَّعَهَا. كَيْفَ؟
٢٨، ٢٩ (أ) أَيُّ صِيتٍ ٱكْتَسَبَتْهُ رَاعُوثُ؟ (ب) كَيْفَ عَسَاكَ تَحْتَمِي بِيَهْوَهَ مِثْلَ رَاعُوثَ؟
٢٨ حِينَ سَأَلَتْهُ رَاعُوثُ كَيْفَ وَجَدَتْ هِيَ ٱلْغَرِيبَةُ حُظْوَةً فِي عَيْنَيْهِ، أَجَابَهَا أَنَّهُ أُخْبِرَ بِكُلِّ مَا فَعَلَتْهُ بِحَمَاتِهَا. فَعَلَى ٱلْأَرْجَحِ، أَشَادَتْ نُعْمِي بِكَنَّتِهَا ٱلْمَحْبُوبَةِ لَدَى نِسَاءِ بَيْتَ لَحْمَ، فَبَلَغَ ٱلْكَلَامُ مَسَامِعَ بُوعَزَ. كَمَا عَلِمَ أَنَّ رَاعُوثَ ٱعْتَنَقَتْ عِبَادَةَ يَهْوَهَ، إِذْ قَالَ لَهَا: «لِيُكَافِئْ يَهْوَهُ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلًا مِنْ عِنْدِ يَهْوَهَ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ، ٱلَّذِي جِئْتِ لِتَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ». — را ٢:١٢.
٢٩ لَا بُدَّ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ أَمَدَّتْ رَاعُوثَ بِتَشْجِيعٍ كَبِيرٍ. فَهِيَ بِٱلْفِعْلِ صَمَّمَتْ عَلَى ٱلِٱحْتِمَاءِ تَحْتَ جَنَاحَيْ يَهْوَهَ ٱللّٰهِ، مِثْلَ ٱلْعُصْفُورِ ٱلَّذِي يَسْتَكِنُّ بِأَمَانٍ تَحْتَ جَنَاحَيْ أُمِّهِ. وَقَدْ شَكَرَتْ بُوعَزَ عَلَى كَلَامِهِ ٱلْمُطَمْئِنِ، وَبَقِيَتْ تَلْتَقِطُ فِي ٱلْحَقْلِ إِلَى ٱلْمَسَاءِ. — را ٢:١٣، ١٧.
٣٠، ٣١ أَيَّةُ دُرُوسٍ نَسْتَمِدُّهَا مِنْ رَاعُوثَ حَوْلَ ٱلْعَمَلِ، ٱلتَّقْدِيرِ، وَٱلْمَحَبَّةِ ٱلْمَجْبُولَةِ بِٱلْوَلَاءِ؟
٣٠ رَسَمَتْ رَاعُوثُ بِإِيمَانِهَا ٱلْحَيِّ مِثَالًا رَائِعًا لَنَا ٱلْيَوْمَ نَحْنُ ٱلَّذِينَ نُوَاجِهُ ضُغُوطًا ٱقْتِصَادِيَّةً كَبِيرَةً. فَهِيَ لَمْ تَحْسِبْ أَنَّ ٱلْآخَرِينَ مُجْبَرُونَ عَلَى مُسَاعَدَتِهَا، لِذٰلِكَ قَدَّرَتْ كُلَّ مَا قُدِّمَ لَهَا. وَلَمْ تَخْجَلْ أَنْ تَقُومَ بِعَمَلٍ وَضِيعٍ، عَامِلَةً بِكَدٍّ سَاعَاتٍ طَوِيلَةً لِلِٱعْتِنَاءِ بِمَنْ تُحِبُّ. كَمَا أَنَّهَا قَبِلَتْ وَطَبَّقَتْ بِٱمْتِنَانٍ ٱلنَّصِيحَةَ ٱلْحَكِيمَةَ ٱلَّتِي أُسْدِيَتْ إِلَيْهَا بِشَأْنِ ٱلْحِفَاظِ عَلَى سَلَامَتِهَا أَثْنَاءَ ٱلْعَمَلِ، وَمُلَازَمَةِ ٱلْأَشْخَاصِ ٱلْمُنَاسِبِينَ. وَٱلْأَهَمُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْسَ قَطُّ أَنَّ مَلَاذَهَا ٱلْحَقِيقِيَّ هُوَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ، ٱلْأَبُ ٱلَّذِي يُزَوِّدُ ٱلْحِمَايَةَ.
٣١ فَإِذَا أَعْرَبْنَا عَنْ مَحَبَّةٍ مَجْبُولَةٍ بِٱلْوَلَاءِ مِثْلَهَا وَٱحْتَذَيْنَا حَذْوَهَا فِي ٱلتَّوَاضُعِ وَٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلتَّقْدِيرِ، يُمْسِي إِيمَانُنَا نَحْنُ أَيْضًا قُدْوَةً لِلْآخَرِينَ. وَلٰكِنْ كَيْفَ ٱهْتَمَّ يَهْوَهُ بِرَاعُوثَ وَنُعْمِي؟ هٰذَا مَا سَنُنَاقِشُهُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلتَّالِي.
a مِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ رَاعُوثَ لَمْ تُشِرْ إِلَى ٱللّٰهِ بِٱللَّقَبِ «إِلٰهٍ» فَقَطْ، كَمَا قَدْ يَفْعَلُ غُرَبَاءُ كَثِيرُونَ آنَذَاكَ، بَلِ ٱسْتَخْدَمَتْ أَيْضًا ٱسْمَهُ ٱلشَّخْصِيَّ، يَهْوَهَ. يَقُولُ اَلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ لِلْمُفَسِّرِ (بِٱلْإِنْكِلِيزِيَّةِ): «يُشَدِّدُ ٱلْكَاتِبُ بِذٰلِكَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْغَرِيبَةَ هِيَ مِنْ أَتْبَاعِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ».
b كَانَتْ هٰذِهِ شَرِيعَةً مُمَيَّزَةً لَمْ تَعْهَدْهَا رَاعُوثُ إِطْلَاقًا فِي مَوْطِنِهَا. فَفِي ٱلشَّرْقِ ٱلْأَدْنَى قَدِيمًا، عُومِلَتِ ٱلْأَرَامِلُ مُعَامَلَةً جَائِرَةً. يَذْكُرُ أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ: «بَعْدَ مَوْتِ ٱلزَّوْجِ، كَانَتِ ٱلْأَرْمَلَةُ عُمُومًا تَعْتَمِدُ عَلَى أَبْنَائِهَا لِإِعَالَتِهَا. وَفِي حَالِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبْنَاءٌ، كَانَتْ تُضْطَرُّ أَنْ تَبِيعَ نَفْسَهَا لِلْعُبُودِيَّةِ أَوْ تَلْجَأَ إِلَى ٱلْبِغَاءِ، وَإِلَّا فَٱلْمَوْتُ مَآلُهَا».
-
-
«امرأة فاضلة»اقتد بإيمانهم
-
-
اَلْفَصْلُ ٱلْخَامِسُ
«اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ»
١، ٢ (أ) مَا طَبِيعَةُ ٱلْعَمَلِ ٱلَّذِي قَامَتْ بِهِ رَاعُوثُ؟ (ب) مَاذَا لَمَسَتْ رَاعُوثُ فِي شَرِيعَةِ يَهْوَهَ وَعُبَّادِهِ؟
جَثَتْ رَاعُوثُ بِجَانِبِ سَنَابِلِ ٱلشَّعِيرِ ٱلَّتِي لَمْلَمَتْهَا خِلَالَ ٱلنَّهَارِ. كَانَ ٱلْمَسَاءُ يُرْخِي سَتَائِرَهُ عَلَى ٱلْحُقُولِ ٱلْمُحِيطَةِ بِبَيْتَ لَحْمَ، وَعُمَّالٌ كَثِيرُونَ مَاضِينَ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى بَوَّابَةِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلْجَاثِمَةِ عَلَى مُرْتَفَعٍ مُجَاوِرٍ. وَمَعَ أَنَّ ٱلتَّعَبَ أَخَذَ مِنْ رَاعُوثَ كُلَّ مَأْخَذٍ بَعْدَمَا كَدَحَتْ طَوَالَ ٱلْيَوْمِ تَحْتَ حَرِّ ٱلشَّمْسِ، ٱنْكَبَّتْ عَلَى ٱلسَّنَابِلِ تَخْبِطُهَا بِمِدْرَسٍ يَدَوِيٍّ أَوْ عَصًا صَغِيرَةٍ لِتَفْصِلَ ٱلْحَبَّ عَنْهَا. وَلٰكِنْ رَغْمَ تَعَبِهَا، ٱعْتَبَرَتْ يَوْمَهَا مُوَفَّقًا وَأَفْضَلَ بِكَثِيرٍ مِمَّا كَانَتْ تَتَرَجَّى.
٢ تُرَى هَلْ بَدَأَتِ ٱلْحَيَاةُ تَبْتَسِمُ فِي وَجْهِ هٰذِهِ ٱلْأَرْمَلَةِ ٱلْمُوآبِيَّةِ ٱلشَّابَّةِ؟ فَكَمَا رَأَيْنَا فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ، قَرَّرَتْ رَاعُوثُ مُرَافَقَةَ حَمَاتِهَا نُعْمِي آخِذَةً عَلَى نَفْسِهَا عَهْدًا أَنْ تَلْتَصِقَ بِهَا وَتَعْبُدَ إِلٰهَهَا يَهْوَهَ. وَبَعْدَ رُجُوعِهِمَا مَحْزُونَتَيْنِ مِنْ مُوآبَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ، سُرْعَانَ مَا عَلِمَتْ أَنَّ شَرِيعَةَ يَهْوَهَ تَنُصُّ عَلَى تَدَابِيرَ عَمَلِيَّةٍ تَحْفَظُ كَرَامَةَ ٱلْفُقَرَاءِ فِي إِسْرَائِيلَ، بِمَنْ فِيهِمِ ٱلْغُرَبَاءُ. وَهَا هِيَ ٱلْآنَ تَرَى عُبَّادًا لِيَهْوَهَ يَعِيشُونَ بِمُقْتَضَى ٱلشَّرِيعَةِ ٱلَّتِي تَرَبَّوْا عَلَيْهَا وَيُعْرِبُونَ عَنْ نُضْجٍ رُوحِيٍّ وَلُطْفٍ فَائِقٍ مَسَّا قَلْبَهَا ٱلْجَرِيحَ.
٣، ٤ (أ) كَيْفَ شَجَّعَ بُوعَزُ رَاعُوثَ؟ (ب) كَيْفَ يُسَاعِدُنَا مِثَالُ رَاعُوثَ فِي ٱلظُّرُوفِ ٱلِٱقْتِصَادِيَّةِ ٱلصَّعْبَةِ ٱلَّتِي نَعِيشُهَا ٱلْيَوْمَ؟
٣ وَأَحَدُ هٰؤُلَاءِ ٱلْعُبَّادِ هُوَ بُوعَزُ، ٱلرَّجُلُ ٱلْمُسِنُّ ٱلْوَاسِعُ ٱلثَّرَاءِ ٱلَّذِي أَظْهَرَ لَهَا ٱهْتِمَامًا أَبَوِيًّا ٱلْيَوْمَ وَهِيَ تَلْتَقِطُ فِي حُقُولِهِ. وَلَمْ يَسَعْهَا إِلَّا أَنْ تَبْتَسِمَ فِي سِرِّهَا حِينَ تَذَكَّرَتْ إِطْرَاءَهُ ٱللَّطِيفَ وَهُوَ يُثْنِي عَلَيْهَا لِٱهْتِمَامِهَا بِنُعْمِي وَٱحْتِمَائِهَا تَحْتَ جَنَاحَيِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِيقِيِّ يَهْوَهَ. — اقرأ راعوث ٢:١١-١٤.
٤ لٰكِنَّ ذٰلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنَّ رَاعُوثَ كَانَتْ قَلِقَةً عَلَى حَيَاتِهَا فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ. فَبِمَا أَنَّهَا غَرِيبَةٌ فَقِيرَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا وَلَدَ، فَكَيْفَ لَهَا أَنْ تُعِيلَ نَفْسَهَا وَحَمَاتَهَا؟ أَيَكْفِي ٱللُّقَاطُ لِسَدِّ حَاجَاتِهِمَا؟ وَمَنْ سَيُعْنَى بِأَمْرِهَا هِيَ حِينَ تَتَقَدَّمُ بِهَا ٱلسِّنُونَ؟ لَيْسَ مُسْتَغْرَبًا أَنْ تَشْغَلَ بَالَهَا هَوَاجِسُ كَهٰذِهِ. فَٱلْيَوْمَ أَيْضًا تُثْقِلُ هُمُومٌ مُمَاثِلَةٌ كَاهِلَ ٱلْكَثِيرِينَ نَظَرًا إِلَى ٱلظُّرُوفِ ٱلِٱقْتِصَادِيَّةِ ٱلصَّعْبَةِ ٱلَّتِي نَعِيشُهَا. وَفِيمَا نَتَعَلَّمُ كَيْفَ تَخَطَّتْ رَاعُوثُ بِإِيمَانِهَا هٰذِهِ ٱلصُّعُوبَاتِ، نَنْدَفِعُ إِلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِهَا مِنْ نَوَاحٍ عَدِيدَةٍ.
مَاذَا يَجْعَلُ ٱلْعَائِلَةَ عَائِلَةً بِحَقٍّ؟
٥، ٦ (أ) هَلْ تَوَفَّقَتْ رَاعُوثُ خِلَالَ ٱلْيَوْمِ ٱلْأَوَّلِ مِنِ ٱلْتِقَاطِهَا فِي حَقْلِ بُوعَزَ؟ (ب) مَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ نُعْمِي عِنْدَمَا رَأَتْ رَاعُوثَ؟
٥ عِنْدَمَا أَنْهَتْ رَاعُوثُ خَبْطَ ٱلسَّنَابِلِ وَجَمْعَ ٱلْحُبُوبِ، تَبَيَّنَ أَنَّهَا ٱلْتَقَطَتْ نَحْوَ إِيفَةٍ (٢٢ لِتْرًا جَافًّا) مِنَ ٱلشَّعِيرِ، كَمِّيَّةً رُبَّمَا بَلَغَ وَزْنُهَا حَوَالَيْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كِيلُوغْرَامًا. فَحَمَلَتْهَا، رُبَّمَا فِي صُرَّةٍ عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ تَوَجَّهَتْ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ فِيمَا أَخَذَ ٱللَّيْلُ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ ٱلْمُظْلِمَ. — را ٢:١٧.
٦ سُرَّتْ نُعْمِي بِرُؤْيَةِ كَنَّتِهَا ٱلْحَبِيبَةِ، وَلَعَلَّهَا شَهَقَتْ مُتَفَاجِئَةً حِينَ رَأَتْ حِمْلَهَا ٱلثَّقِيلَ. كَانَتْ رَاعُوثُ قَدْ جَلَبَتْ أَيْضًا مَا فَضَلَ مِنَ ٱلطَّعَامِ ٱلَّذِي زَوَّدَهُ بُوعَزُ لِلْحَصَّادِينَ، فَجَلَسَتِ ٱلِٱثْنَتَانِ تَتَنَاوَلَانِ وَجْبَةً مُتَوَاضِعَةً. سَأَلَتْهَا نُعْمِي: «أَيْنَ ٱلْتَقَطْتِ ٱلْيَوْمَ، وَأَيْنَ عَمِلْتِ؟ لِيَتَبَارَكْ مَنِ ٱهْتَمَّ بِكِ!». (را ٢:١٩) كَانَتْ نُعْمِي شَدِيدَةَ ٱلْمُلَاحَظَةِ. فَقَدِ ٱسْتَنْتَجَتْ مِنْ كَمِّيَّةِ ٱلشَّعِيرِ ٱلْكَبِيرَةِ ٱلَّتِي أَحْضَرَتْهَا رَاعُوثُ أَنَّ ثَمَّةَ مَنِ ٱهْتَمَّ بِهٰذِهِ ٱلْأَرْمَلَةِ ٱلشَّابَّةِ وَعَامَلَهَا بَلُطْفٍ.
٧، ٨ (أ) حِينَ عَلِمَتْ نُعْمِي بِصَنِيعِ بُوعَزَ، لِمَنْ أَرْجَعَتِ ٱلْفَضْلَ وَلِمَاذَا؟ (ب) كَيْفَ ٱسْتَمَرَّتْ رَاعُوثُ تُعْرِبُ عَنْ مَحَبَّةٍ مَجْبُولَةٍ بِٱلْوَلَاءِ تِجَاهَ حَمَاتِهَا؟
٧ بَيْنَمَا رَاحَتِ ٱلِٱثْنَتَانِ تَتَسَامَرَانِ، أَخْبَرَتْ رَاعُوثُ حَمَاتَهَا عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ ٱلَّذِي أَسْدَاهُ إِلَيْهَا بُوعَزُ. فَتَأَثَّرَتْ نُعْمِي وَقَالَتْ: «مُبَارَكٌ هُوَ مِنْ يَهْوَهَ، ٱلَّذِي لَمْ يَتَخَلَّ عَنْ لُطْفِهِ ٱلْحُبِّيِّ نَحْوَ ٱلْأَحْيَاءِ وَٱلْأَمْوَاتِ». (را ٢:٢٠) فَقَدِ ٱعْتَبَرَتْ صَنِيعَ بُوعَزَ لُطْفًا مِنْ يَهْوَهَ ٱلَّذِي يَحُثُّ قُلُوبَ خُدَّامِهِ عَلَى ٱلسَّخَاءِ وَيَعِدُ بِمُكَافَأَتِهِمْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ.a — اقرإ الامثال ١٩:١٧.
٨ بَعْدَئِذٍ، شَجَّعَتْ نُعْمِي رَاعُوثَ عَلَى قُبُولِ عَرْضِ بُوعَزَ أَنْ تَلْتَقِطَ فِي حُقُولِهِ وَتُلَازِمَ فَتَيَاتِهِ، خَدَمَ بَيْتِهِ، لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهَا ٱلْحَصَّادُونَ. فَأَخَذَتْ رَاعُوثُ بِٱلنَّصِيحَةِ. كَمَا أَنَّهَا ظَلَّتْ ‹سَاكِنَةً مَعَ حَمَاتِهَا›. (را ٢:٢٢، ٢٣) وَبِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، تَبْرُزُ مُجَدَّدًا ٱلْعَلَامَةُ ٱلْفَارِقَةُ ٱلَّتِي تَمَيَّزَتْ بِهَا رَاعُوثُ: اَلْمَحَبَّةُ ٱلْمَجْبُولَةُ بِٱلْوَلَاءِ. وَمِثَالُهَا هٰذَا يَدْفَعُنَا أَنْ نَسْأَلَ أَنْفُسَنَا هَلْ نُقَدِّرُ رَوَابِطَنَا ٱلْعَائِلِيَّةَ وَنَحْتَرِمُ ٱلْتِزَامَاتِنَا تِجَاهَ أَحِبَّائِنَا، فَنُعِيلُهُمْ وَنَدْعَمُهُمْ بِوَلَاءٍ وَنُقَدِّمُ لَهُمُ ٱلْمُسَاعَدَةَ عِنْدَ ٱلْحَاجَةِ. فَيَهْوَهُ لَنْ يَغْفُلَ أَبَدًا عَنْ مَحَبَّتِنَا وَوَلَائِنَا.
يُعَلِّمُنَا مِثَالُ رَاعُوثَ وَنُعْمِي أَنْ نُقَدِّرَ عَائِلَتَنَا وَنَحْتَرِمَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً
٩ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ رَاعُوثَ وَنُعْمِي عَنْ مَفْهُومِ ٱلْعَائِلَةِ؟
٩ وَهَلْ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ رَاعُوثَ وَنُعْمِيَ شَكَّلَتَا عَائِلَةً بِكُلِّ مَا لِلْكَلِمَةِ مِنْ مَعْنًى؟ يَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّ ٱلْعَائِلَةَ لَا تُعَدُّ عَائِلَةً بِحَقٍّ مَا لَمْ يَتَوَفَّرْ فِيهَا زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ وَأَجْدَادٌ وَمَا إِلَى ذٰلِكَ. لٰكِنَّ عَائِلَةَ رَاعُوثَ وَنُعْمِي تُؤَكِّدُ لَنَا أَنَّ بِإِمْكَانِ خُدَّامِ يَهْوَهَ أَنْ يَتَّحِدُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ وَيُشِيعُوا جَوًّا مِنَ ٱلدِّفْءِ وَٱللُّطْفِ وَٱلْمَوَدَّةِ فِي عَائِلَتِهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً. فَهَلْ تُقَدِّرُ عَائِلَتَكَ مَهْمَا كَانَ حَجْمُهَا؟ لَا تَنْسَ أَيْضًا مَا قَالَهُ يَسُوعُ لِأَتْبَاعِهِ إِنَّ ٱلْجَمَاعَةَ ٱلْمَسِيحِيَّةَ هِيَ عَائِلَةُ مَنْ لَا عَائِلَةَ لَهُ. — مر ١٠:٢٩، ٣٠.
تَعَاوَنَتْ رَاعُوثُ وَنُعْمِي وَتَبَادَلَتَا ٱلتَّشْجِيعَ
«هُوَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا»
١٠ أَيُّ أَمْرٍ شَغَلَ بَالَ نُعْمِي؟
١٠ دَاوَمَتْ رَاعُوثُ عَلَى ٱلِٱلْتِقَاطِ فِي حُقُولِ بُوعَزَ بَدْءًا مِنْ حَصَادِ ٱلشَّعِيرِ فِي نَيْسَانَ (إِبْرِيل) حَتَّى حَصَادِ ٱلْحِنْطَةِ فِي حَزِيرَانَ (يُونْيُو). وَفِيمَا مَرَّتِ ٱلْأَسَابِيعُ، لَا شَكَّ أَنَّ نُعْمِيَ فَكَّرَتْ مُطَوَّلًا كَيْفَ تُسَاعِدُ كَنَّتَهَا ٱلْعَزِيزَةَ. فَخِلَالَ إِقَامَتِهِمَا فِي مُوآبَ، كَانَتْ قَدْ قَطَعَتِ ٱلْأَمَلَ مِنْ تَزْوِيجِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً. (را ١:١١-١٣) أَمَّا ٱلْآنَ فَٱخْتَلَفَ ٱلْوَضْعُ. لِذَا قَالَتْ لَهَا: «يَا ٱبْنَتِي، أَلَا أَطْلُبُ لَكِ مَكَانَ رَاحَةٍ؟». (را ٣:١) لَقَدْ جَرَتِ ٱلْعَادَةُ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ أَنْ يُدَبِّرَ ٱلْوَالِدُونَ رُفَقَاءَ زَوَاجٍ لِأَوْلَادِهِمْ. وَبِمَا أَنَّ نُعْمِيَ ٱعْتَبَرَتْ رَاعُوثَ ٱبْنَتَهَا، أَرَادَتْ أَنْ تَجِدَ لَهَا «مَكَانَ رَاحَةٍ»، أَيِ ٱلطُّمَأْنِينَةَ وَٱلْحِمَايَةَ ٱللَّتَيْنِ يُفْتَرَضُ أَنْ تَنْعَمَ بِهِمَا فِي بَيْتِهَا ٱلزَّوْجِيِّ. وَلٰكِنْ مَاذَا كَانَ فِي طَاقَةِ يَدِهَا أَنْ تَفْعَلَ لَهَا؟
١١، ١٢ (أ) أَيُّ تَدْبِيرٍ حُبِّيٍّ فِي شَرِيعَةِ ٱللّٰهِ أَشَارَتْ إِلَيْهِ نُعْمِي حِينَ قَالَتْ عَنْ بُوعَزَ: «هُوَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا»؟ (ب) كَيْفَ تَجَاوَبَتْ رَاعُوثُ مَعَ نَصِيحَةِ حَمَاتِهَا؟
١١ عِنْدَمَا أَتَتْ رَاعُوثُ عَلَى ذِكْرِ بُوعَزَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، قَالَتْ نُعْمِي: «اَلرَّجُلُ ذُو قَرَابَةٍ لَنَا. وَهُوَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا». (را ٢:٢٠) فَمَاذَا عَنَتْ بِذٰلِكَ؟ تَضَمَّنَتِ ٱلشَّرِيعَةُ ٱلَّتِي أَعْطَاهَا ٱللّٰهُ لِإِسْرَائِيلَ تَدَابِيرَ حُبِّيَّةً لِلْعَائِلَاتِ ٱلَّتِي فُجِعَتْ أَوِ ٱفْتَقَرَتْ مِنْ غَدْرِ ٱلزَّمَانِ. فَكَانَتِ ٱلْمَرْأَةُ ٱلَّتِي تَتَرَمَّلُ قَبْلَ أَنْ تُنْجِبَ وَلَدًا تَحِلُّ بِهَا مُصِيبَةٌ كَبِيرَةٌ لِأَنَّ ذُرِّيَّةَ زَوْجِهَا تَنْقَطِعُ فَيَنْدَثِرُ ٱسْمُهُ مَدَى ٱلْأَجْيَالِ. لٰكِنَّ شَرِيعَةَ ٱللّٰهِ أَتَاحَتْ لِأَخِي ٱلْمَيِّتِ ٱلتَّزَوُّجَ بِأَرْمَلَةِ أَخِيهِ كَيْ تُنْجِبَ وَرِيثًا يَحْمِلُ ٱسْمَ زَوْجِهَا ٱلْمَيِّتِ وَيَهْتَمُّ بِكَافَّةِ أَمْلَاكِ ٱلْعَائِلَةِ.b — تث ٢٥:٥-٧.
١٢ بِنَاءً عَلَيْهِ، أَوْضَحَتْ نُعْمِي لِكَنَّتِهَا خُطَّتَهَا لِإِتْمَامِ هٰذَا ٱلزَّوَاجِ. وَلَعَلَّ رَاعُوثَ فَغَرَتْ فَمَهَا مِنَ ٱلدَّهْشَةِ فِيمَا رَاحَتْ تَسْمَعُ كَلَامَ حَمَاتِهَا. فَهِيَ لَمْ تَكُنْ مُلِمَّةً بَعْدُ بِشَرِيعَةِ إِسْرَائِيلَ وَلَا بِعَادَاتِهَا وَتَقَالِيدِهَا. مَعَ ذٰلِكَ، دَفَعَهَا ٱحْتِرَامُهَا ٱلْعَمِيقُ لِنُعْمِي أَنْ تُصْغِيَ بِٱنْتِبَاهٍ إِلَى كُلِّ كَلِمَةٍ. وَمَعَ أَنَّ مَا نَصَحَتْهَا بِهِ بَدَا صَعْبًا أَوْ مُحْرِجًا، وَرُبَّمَا مُخْزِيًا أَيْضًا، وَافَقَتْ عَلَى كَلَامِهَا قَائِلَةً بِتَوَاضُعٍ: «كُلُّ مَا قُلْتِ لِي أَفْعَلُهُ». — را ٣:٥.
١٣ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ رَاعُوثَ عَنِ ٱلْعَمَلِ بِنَصِيحَةِ ٱلْأَكْبَرِ سِنًّا؟ (اُنْظُرْ أَيْضًا أَيُّوب ١٢:١٢.)
١٣ أَحْيَانًا، يَصْعُبُ عَلَى ٱلَّذِينَ فِي سِنِّ ٱلشَّبَابِ ٱلْعَمَلُ بِنَصِيحَةِ ٱلْأَكْبَرِ سِنًّا وَٱلْأَكْثَرِ خِبْرَةً، مُفْتَرِضِينَ أَنَّ ٱلْجِيلَ ٱلْقَدِيمَ لَا يَفْهَمُ حَقًّا ٱلتَّحَدِّيَاتِ وَٱلْمَشَاكِلَ ٱلَّتِي يُوَاجِهُهَا ٱلْجِيلُ ٱلْجَدِيدُ. غَيْرَ أَنَّ مِثَالَ رَاعُوثَ ٱلْمُتَوَاضِعَةِ يُعَلِّمُنَا أَنَّ ٱلْإِصْغَاءَ إِلَى حِكْمَةِ ٱلْأَكْبَرِ سِنًّا ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَنَا وَيَهْتَمُّونَ بِمَصْلَحَتِنَا يَعُودُ عَلَيْنَا بِفَوَائِدَ جَمَّةٍ. (اقرإ المزمور ٧١:١٧، ١٨.) وَلٰكِنْ مَاذَا كَانَتْ مَشُورَةُ نُعْمِي لِكَنَّتِهَا، وَكَيْفَ ٱسْتَفَادَتْ رَاعُوثُ مِنْ تَطْبِيقِهَا؟
رَاعُوثُ فِي ٱلْبَيْدَرِ
١٤ مَا هُوَ ٱلْبَيْدَرُ، وَمَاذَا كَانَ يُنْجَزُ فِيهِ؟
١٤ فِي ذٰلِكَ ٱلْمَسَاءِ تَوَجَّهَتْ رَاعُوثُ إِلَى ٱلْبَيْدَرِ، وَهُوَ بُقْعَةٌ مُنْبَسِطَةٌ مَرْصُوصَةٌ يَقْصِدُهَا ٱلْمُزَارِعُونَ لِدَرْسِ ٱلْحُبُوبِ وَتَذْرِيَتِهَا. وَيَقَعُ ٱلْبَيْدَرُ عَادَةً عَلَى تَلَّةٍ أَوْ فِي سَفْحِهَا حَيْثُ يَهُبُّ ٱلنَّسِيمُ قَوِيًّا عِنْدَ ٱلْعَصْرِ وَفِي أَوَّلِ ٱلْمَسَاءِ. وَلِفَصْلِ ٱلْحُبُوبِ عَنِ ٱلْعُصَافَةِ وَٱلتِّبْنِ، يُلْقِي ٱلْحَصَّادُ ٱلْحُبُوبَ فِي ٱلْهَوَاءِ مُسْتَخْدِمًا مِذْرَاةً أَوْ رَفْشًا كَبِيرًا. فَتَسُوقُ ٱلرِّيحُ بَعِيدًا ٱلْعُصَافَةَ ٱلْخَفِيفَةَ ٱلْوَزْنِ، فِي حِينِ تَقَعُ ٱلْحُبُوبُ ٱلْأَثْقَلُ أَرْضًا.
١٥، ١٦ (أ) كَيْفَ يَكُونُ ٱلْبَيْدَرُ عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ، وَمَاذَا فَعَلَ بُوعَزُ فِي نِهَايَةِ يَوْمِهِ؟ (ب) كَيْفَ ٱكْتَشَفَ بُوعَزُ أَنَّ رَاعُوثَ مُضْطَجِعَةٌ عِنْدَ قَدَمَيْهِ؟
١٥ رَاقَبَتْ رَاعُوثُ ٱلْبَيْدَرَ دُونَ أَنْ تَلْفِتَ ٱلْأَنْظَارَ فِيمَا أَخَذَتْ وَتِيرَةُ ٱلْعَمَلِ تَخِفُّ شَيْئًا فَشَيْئًا. كَانَ بُوعَزُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى تَذْرِيَةِ ٱلْحُبُوبِ وَكَدْسِهَا كَوْمَةً كَبِيرَةً. فَأَكَلَ وَشَبِعَ ثُمَّ تَمَدَّدَ عِنْدَ طَرَفِ كُدْسِ ٱلْحُبُوبِ. لَقَدْ كَانَ ٱلنَّوْمُ بِجَانِبِ ٱلْمَحْصُولِ عَادَةً شَائِعَةً كَمَا يَتَّضِحُ رُبَّمَا لِحِمَايَةِ ٱلْغَلَّةِ ٱلثَّمِينَةِ مِنَ ٱللُّصُوصِ وَٱلنَّاهِبِينَ. وَعِنْدَمَا رَأَتْ رَاعُوثُ بُوعَزَ يَخْلُدُ إِلَى ٱلنَّوْمِ، عَرَفَتْ أَنَّ ٱلْوَقْتَ حَانَ لِتَنْفِيذِ خُطَّةِ نُعْمِي.
١٦ فَٱقْتَرَبَتْ مِنْهُ خُلْسَةً وَدَقَّاتُ قَلْبِهَا تَتَسَارَعُ. كَانَ وَاضِحًا أَنَّ ٱلرَّجُلَ مُسْتَغْرِقٌ فِي ٱلنَّوْمِ. فَكَشَفَتْ جِهَةَ قَدَمَيْهِ وَٱضْطَجَعَتْ عِنْدَهُمَا مِثْلَمَا أَوْصَتْهَا نُعْمِي، ثُمَّ رَاحَتْ تَنْتَظِرُ. مَرَّ ٱلْوَقْتُ بَطِيئًا حَتَّى خَالَتْهُ رَاعُوثُ دَهْرًا. وَأَخِيرًا نَحْوَ مُنْتَصَفِ ٱللَّيْلِ، بَدَأَ بُوعَزُ يَتَقَلَّبُ فِي نَوْمِهِ. ثُمَّ ٱسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَرْتَعِشُ مِنَ ٱلْبَرْدِ. وَلَعَلَّهُ كَانَ يَهُمُّ بِتَغْطِيَةِ رِجْلَيْهِ حِينَ شَعَرَ بِوُجُودِ شَخْصٍ مَا. تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ: «اِلْتَفَتَ وَإِذَا بِٱمْرَأَةٍ مُضْطَجِعَةٍ عِنْدَ قَدَمَيْهِ!». — را ٣:٨.
١٧ أَيَّةُ حَقِيقَتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ يَتَجَاهَلُهُمَا ٱلَّذِينَ يَرَوْنَ إِيحَاءَاتٍ جِنْسِيَّةً فِي مَا فَعَلَتْهُ وَقَالَتْهُ رَاعُوثُ؟
١٧ سَأَلَ بُوعَزُ: «مَنْ أَنْتِ؟». فَأَجَابَتْ رَاعُوثُ رُبَّمَا بِصَوْتٍ مُرْتَجِفٍ: «أَنَا رَاعُوثُ أَمَتُكَ، فَٱبْسُطْ ذَيْلَ ثَوْبِكَ عَلَى أَمَتِكَ، لِأَنَّكَ وَلِيٌّ». (را ٣:٩) يَرَى بَعْضُ ٱلْمُفَسِّرِينَ ٱلْعَصْرِيِّينَ أَنَّ مَا فَعَلَتْهُ وَقَالَتْهُ رَاعُوثُ يَحْمِلُ إِيحَاءَاتٍ جِنْسِيَّةً. لٰكِنَّهُمْ يَتَجَاهَلُونَ حَقِيقَتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ. أَوَّلًا، تَصَرَّفَتْ رَاعُوثُ ٱنْسِجَامًا مَعَ عَادَاتِ ذٰلِكَ ٱلزَّمَنِ، عَادَاتٍ نَسْتَغْرِبُ ٱلْكَثِيرَ مِنْهَا فِي أَيَّامِنَا هٰذِهِ. لِذَا مِنَ ٱلْخَطَإِ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى تَصَرُّفِهَا نَظْرَةً تُشَوِّهُهَا ٱلْمَقَايِيسُ ٱلْأَدَبِيَّةُ ٱلْمُنْحَطَّةُ ٱلْيَوْمَ. وَثَانِيًا، تَجَاوَبَ بُوعَزُ بِطَرِيقَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّهُ ٱعْتَبَرَ سُلُوكَهَا عَفِيفًا يَسْتَحِقُّ كُلَّ ثَنَاءٍ.
سَعَتْ رَاعُوثُ لِلِقَاءِ بُوعَزَ بِنِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَدَافِعٍ غَيْرِ أَنَانِيٍّ
١٨ كَيْفَ هَدَّأَ بُوعَزُ مِنْ رَوْعِ رَاعُوثَ، وَمَاذَا قَصَدَ حِينَ قَالَ إِنَّهَا صَنَعَتْ لُطْفًا حُبِّيًّا فِي «ٱلْأَوَّلِ» وَ «ٱلْأَخِيرِ»؟
١٨ قَالَ بُوعَزُ لِرَاعُوثَ بِنَغْمَةِ صَوْتٍ رَقِيقَةٍ هَدَّأَتْ رَوْعَهَا: «بَارَكَكِ يَهْوَهُ يَا ٱبْنَتِي! لِأَنَّ مَا صَنَعْتِهِ مِنْ لُطْفٍ حُبِّيٍّ فِي ٱلْأَخِيرِ خَيْرٌ مِنَ ٱلْأَوَّلِ، إِذْ لَمْ تَذْهَبِي وَرَاءَ ٱلشُّبَّانِ، فُقَرَاءَ كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءَ». (را ٣:١٠) فَفِي «ٱلْأَوَّلِ»، أَعْرَبَتْ رَاعُوثُ عَنْ مَحَبَّةٍ مَجْبُولَةٍ بِٱلْوَلَاءِ حِينَ رَجَعَتْ مَعَ نُعْمِي إِلَى إِسْرَائِيلَ وَٱهْتَمَّتْ بِهَا. وَفِي «ٱلْأَخِيرِ»، أَظْهَرَتْ لُطْفًا حُبِّيًّا بِٱسْتِعْدَادِهَا لِلزَّوَاجِ مِنْ رَجُلٍ مُسِنٍّ. لَقَدْ عَرَفَ بُوعَزُ أَنَّ شَابَّةً مِثْلَهَا سَتُفَكِّرُ دُونَ رَيْبٍ بِعَرِيسٍ شَابٍّ، فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا. لٰكِنَّ رَاعُوثَ لَمْ تُرِدْ أَنْ تُحْسِنَ إِلَى نُعْمِي فَقَطْ بَلْ إِلَى حَمِيهَا ٱلْمَيِّتِ أَيْضًا، بِإِنْجَابِ وَرِيثٍ لَهُ يَحْمِلُ ٱسْمَهُ بَيْنَ أَهْلِ مَوْطِنِهِ. فَلَا عَجَبَ أَنَّ بُوعَزَ تَأَثَّرَ بِعَدَمِ أَنَانِيَّتِهَا.
١٩، ٢٠ (أ) لِمَاذَا لَمْ يَتَزَوَّجْ بُوعَزُ بِرَاعُوثَ عَلَى ٱلْفَوْرِ؟ (ب) كَيْفَ أَظْهَرَ بُوعَزُ لُطْفًا لِرَاعُوثَ وَمُرَاعَاةً لِسُمْعَتِهَا؟
١٩ أَرْدَفَ بُوعَزُ: «وَٱلْآنَ لَا تَخَافِي يَا ٱبْنَتِي. كُلُّ مَا تَقُولِينَ أَفْعَلُهُ لَكِ، لِأَنَّ كُلَّ ٱلشَّعْبِ فِي بَابِ ٱلْمَدِينَةِ يَعْلَمُ أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ». (را ٣:١١) رَاقَتْ لِبُوعَزَ فِكْرَةُ ٱلزَّوَاجِ بِرَاعُوثَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَفَاجَأْ كَثِيرًا حِينَ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ وَلِيَّهَا. لٰكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا بَارًّا، فَلَمْ يُعْطِ ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِأَهْوَائِهِ وَرَغَبَاتِهِ. فَقَدْ أَخْبَرَ رَاعُوثَ أَنَّ هُنَاكَ وَلِيًّا آخَرَ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى عَائِلَةِ زَوْجِ نُعْمِي ٱلْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ سَيَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ أَوَّلًا بِشَأْنِ أَحَقِّيَّتِهِ فِي ٱلزَّوَاجِ بِهَا.
اِكْتَسَبَتْ رَاعُوثُ صِيتًا حَسَنًا لِأَنَّهَا عَامَلَتِ ٱلْآخَرِينَ بِلُطْفٍ وَٱحْتِرَامٍ
٢٠ بَعْدَ ذٰلِكَ، طَلَبَ مِنْهَا أَنْ تَسْتَلْقِيَ مُجَدَّدًا وَتَنَامَ حَتَّى يَلُوحَ ٱلْفَجْرُ، ثُمَّ تَعُودَ خِفْيَةً إِلَى بَيْتِهَا. فَقَدْ كَانَ حَرِيصًا عَلَى سُمْعَتِهَا وَسُمْعَتِهِ هُوَ أَيْضًا لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ خَطَأً أَنَّهُمَا أَقَامَا عَلَاقَةً جِنْسِيَّةً. فَعَمِلَتْ رَاعُوثُ بِكَلَامِهِ وَٱضْطَجَعَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، وَهِيَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَقَلُّ تَوَتُّرًا لِأَنَّهُ لَطَفَ بِهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا خَائِبَةً. وَقَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ ٱلصُّبْحُ، رَجَعَتْ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ بَعْدَمَا كَالَ لَهَا فِي مِعْطَفِهَا كَمِّيَّةً وَافِرَةً مِنَ ٱلشَّعِيرِ. — اقرأ راعوث ٣:١٣-١٥.
٢١ لِمَ عُرِفَتْ رَاعُوثُ بِأَنَّهَا «ٱمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ»، وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِهَا؟
٢١ كَمْ شَعَرَتْ رَاعُوثُ بِٱلسَّعَادَةِ دُونَ شَكٍّ حِينَ ٱسْتَذْكَرَتْ كَلِمَاتِ بُوعَزَ أَنَّهَا «ٱمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ» بِشَهَادَةِ ٱلْجَمِيعِ! وَلَا شَكَّ أَنَّ سَعْيَهَا ٱلدَّؤُوبَ إِلَى ٱلتَّعَرُّفِ بِيَهْوَهَ وَخِدْمَتِهِ أَسْهَمَ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ فِي ٱكْتِسَابِهَا هٰذَا ٱلصِّيتَ. هٰذَا عَدَا عَنْ أَنَّهَا أَظْهَرَتْ مَحَبَّةً شَدِيدَةً وَمُرَاعَاةً كَبِيرَةً لِنُعْمِي وَشَعْبِهَا، فَتَكَيَّفَتْ طَوْعًا مَعَ عَادَاتِهِمْ وَأَعْرَافِهِمِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَتْمًا غَرِيبَةً عَنْهَا. فَإِذَا ٱقْتَدَيْنَا بِإِيمَانِ رَاعُوثَ، نُظْهِرُ نَحْنُ أَيْضًا ٱحْتِرَامًا عَمِيقًا لِلْآخَرِينَ وَلِعَادَاتِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ. فَنَبْنِي صِيتًا حَسَنًا بَيْنَهُمْ وَنُعْرَفُ بِأَخْلَاقِنَا ٱلْفَاضِلَةِ.
رَاعُوثُ تَجِدُ مَكَانَ رَاحَةٍ
٢٢، ٢٣ (أ) عَلَامَ رُبَّمَا دَلَّتِ ٱلْهَدِيَّةُ ٱلَّتِي أَعْطَاهَا بُوعَزُ لِرَاعُوثَ؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.) (ب) بِمَاذَا نَصَحَتْ نُعْمِي كَنَّتَهَا؟
٢٢ سَأَلَتْ نُعْمِي لَدَى وُصُولِ رَاعُوثَ إِلَى ٱلْبَيْتِ: «مَنْ أَنْتِ يَا ٱبْنَتِي؟». يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلظُّلْمَةَ حَالَتْ دُونَ أَنْ تُمَيِّزَ نُعْمِي كَنَّتَهَا. لٰكِنَّهَا أَرَادَتْ أَيْضًا أَنْ تَسْتَعْلِمَ هَلْ عَادَتْ رَاعُوثُ أَدْرَاجَهَا أَرْمَلَةً غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ مِثْلَمَا ذَهَبَتْ، أَمْ إِنَّهَا ٱلْآنَ تَعْقِدُ ٱلْآمَالَ عَلَى زَوَاجٍ قَرِيبٍ. فَقَصَّتْ رَاعُوثُ عَلَى حَمَاتِهَا فَوْرًا كُلَّ مَا جَرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ بُوعَزَ، وَأَعْطَتْهَا ٱلشَّعِيرَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْهَا هَدِيَّةً.c — را ٣:١٦، ١٧.
٢٣ عِنْدَئِذٍ، ٱرْتَأَتْ نُعْمِي أَلَّا تَتَّخِذَ رَاعُوثُ خُطْوَةً أُخْرَى وَنَصَحَتْهَا أَلَّا تَخْرُجَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لِتَلْتَقِطَ فِي ٱلْحُقُولِ. وَأَكَّدَتْ لَهَا قَائِلَةً: «اَلرَّجُلُ لَنْ يَسْتَرِيحَ حَتَّى يُنْهِيَ ٱلْأَمْرَ ٱلْيَوْمَ». — را ٣:١٨.
٢٤، ٢٥ (أ) كَيْفَ بَرْهَنَ بُوعَزُ أَنَّهُ رَجُلٌ شَهْمٌ وَبَعِيدٌ كُلَّ ٱلْبُعْدِ عَنِ ٱلْأَنَانِيَّةِ؟ (ب) كَيْفَ بَارَكَ يَهْوَهُ رَاعُوثَ؟
٢٤ أَصَابَتْ نُعْمِي فِي رَأْيِهَا بِشَأْنِ بُوعَزَ. فَقَدْ صَعِدَ إِلَى بَابِ ٱلْمَدِينَةِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ شُيُوخُهَا عَادَةً، وَٱنْتَظَرَ مُرُورَ ٱلْوَلِيِّ ٱلْأَقْرَبِ. ثُمَّ حَثَّهُ أَمَامَ شُهُودٍ أَنْ يَقُومَ بِدَوْرِهِ كَوَلِيٍّ وَيَتَزَوَّجَ رَاعُوثَ. إِلَّا أَنَّ ٱلرَّجُلَ رَفَضَ مُدَّعِيًا أَنَّ ذٰلِكَ يُفْسِدُ مِيرَاثَهُ. إِذَّاكَ، أَعْلَنَ بُوعَزُ أَمَامَ ٱلشُّهُودِ عِنْدَ بَابِ ٱلْمَدِينَةِ أَنَّهُ سَيَكُونُ ٱلْوَلِيَّ، فَيَشْتَرِي أَمْلَاكَ زَوْجِ نُعْمِي ٱلْمَيِّتِ، أَلِيمَالِكَ، وَيَتَزَوَّجُ بِرَاعُوثَ، أَرْمَلَةِ ٱبْنِهِ مَحْلُونَ، آمِلًا أَنْ ‹يُقِيمَ ٱسْمَ ٱلْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ›. (را ٤:١-١٠) وَهٰكَذَا بَرْهَنَ بُوعَزُ أَنَّهُ رَجُلٌ شَهْمٌ وَبَعِيدٌ كُلَّ ٱلْبُعْدِ عَنِ ٱلْأَنَانِيَّةِ.
٢٥ وَبَعْدَمَا تَزَوَّجَ بُوعَزُ بِرَاعُوثَ، «أَعْطَاهَا يَهْوَهُ حَبَلًا وَوَلَدَتِ ٱبْنًا» حَسْبَمَا يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ. فَبَارَكَتْ نِسَاءُ بَيْتَ لَحْمَ نُعْمِيَ وَمَدَحْنَ رَاعُوثَ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِحَمَاتِهَا خَيْرًا مِنْ سَبْعَةِ أَبْنَاءٍ. وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، أَصْبَحَ ٱبْنُ رَاعُوثَ أَحَدَ أَسْلَافِ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ دَاوُدَ. (را ٤:١١-٢٢) وَدَاوُدُ بِدَوْرِهِ كَانَ سَلَفًا لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. — مت ١:١.d
بَارَكَ يَهْوَهُ رَاعُوثَ بِٱمْتِيَازِ أَنْ تُصْبِحَ مِنْ أَسْلَافِ ٱلْمَسِيَّا
٢٦ أَيُّ ثِقَةٍ تَتَوَلَّدُ فِينَا حِينَ نَتَأَمَّلُ فِي حَيَاةِ رَاعُوثَ وَنُعْمِي؟
٢٦ لَقَدْ حَظِيَتْ رَاعُوثُ بِبَرَكَةِ يَهْوَهَ، وَكَذٰلِكَ نُعْمِي ٱلَّتِي لَعِبَتْ دَوْرًا فِي تَرْبِيَةِ ٱلْوَلَدِ كَمَا لَوْ أَنَّهُ مِنْ صُلْبِهَا. وَحَيَاةُ هَاتَيْنِ ٱلْمَرْأَتَيْنِ تَمْلَأُنَا ثِقَةً أَنَّ يَهْوَهَ ٱللّٰهَ يَرَى كُلَّ ٱلَّذِينَ يَكْدَحُونَ فِي أَعْمَالٍ مُتَوَاضِعَةٍ لِإِعَالَةِ خَاصَّتِهِمْ وَيَخْدُمُونَهُ بِوَلَاءٍ بَيْنَ صُفُوفِ شَعْبِهِ. وَهُوَ يُكَافِئُ دُونَ شَكٍّ كُلَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْأُمَنَاءِ أَمْثَالَ بُوعَزَ وَنُعْمِي وَرَاعُوثَ.
a كَمَا ذَكَرَتْ نُعْمِي، لَا يَقْتَصِرُ لُطْفُ يَهْوَهَ عَلَى ٱلْأَحْيَاءِ، بَلْ يَشْمُلُ ٱلْأَمْوَاتَ أَيْضًا. فَنُعْمِي خَسِرَتْ زَوْجَهَا وَٱبْنَيْهَا، وَرَاعُوثُ فَقَدَتْ زَوْجَهَا. وَلَا بُدَّ أَنَّ ٱلرِّجَالَ ٱلثَّلَاثَةَ كَانُوا أَعِزَّاءَ جِدًّا عَلَى قَلْبِهِمَا كِلْتَيْهِمَا. لِذَا فَإِنَّ أَيَّ إِحْسَانٍ إِلَيْهِمَا كَانَ فِي ٱلْوَاقِعِ مَعْرُوفًا يُسْدَى إِلَى هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالِ ٱلَّذِينَ كَانَ سَيُسِرُّهُمْ أَنْ تَلْقَى نُعْمِي وَرَاعُوثُ ٱلْغَالِيَتَانِ كُلَّ رِعَايَةٍ وَٱهْتِمَامٍ.
b إِنَّ حَقَّ ٱلزَّوَاجِ بِٱلْأَرْمَلَةِ أُعْطِيَ أَوَّلًا كَمَا يَتَّضِحُ لِإِخْوَةِ ٱلرَّجُلِ ٱلْمَيِّتِ ثُمَّ لِأَقْرِبَائِهِ ٱلْأَقْرَبِينَ، شَأْنُهُ فِي ذٰلِكَ شَأْنُ ٱلْحَقِّ فِي ٱلْمِيرَاثِ. — عد ٢٧:٥-١١.
c أَعْطَى بُوعَزُ رَاعُوثَ سِتَّةَ أَكْيَالٍ وَزْنُهَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَرُبَّمَا دَلَّ ذٰلِكَ أَنَّهُ مِثْلَمَا تَنْتَهِي أَيَّامُ ٱلْعَمَلِ ٱلسِّتَّةُ بِسَبْتِ رَاحَةٍ، كَذٰلِكَ مَشَقَّةُ رَاعُوثَ كَأَرْمَلَةٍ كَانَتْ سَتَنْتَهِي قَرِيبًا ‹بِٱلرَّاحَةِ› ٱلَّتِي يُوَفِّرُهَا بَيْتٌ آمِنٌ وَزَوْجٌ مُحِبٌّ. مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلْأَكْيَالَ ٱلسِّتَّةَ، رُبَّمَا مِلْءَ سِتَّةِ رُفُوشٍ مِنَ ٱلشَّعِيرِ، كَانَتْ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُ رَاعُوثُ حَمْلَهُ.
d رَاعُوثُ وَاحِدَةٌ مِنْ خَمْسِ نِسْوَةٍ يَأْتِي ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ عَلَى ذِكْرِهِنَّ فِي سِلْسِلَةِ نَسَبِ يَسُوعَ. وَبَيْنَهُنَّ أَيْضًا رَاحَابُ ٱلَّتِي كَانَتْ أُمَّ بُوعَزَ. (مت ١:٣، ٥، ٦، ١٦) وَهِيَ ٱلْأُخْرَى لَمْ تَكُنْ إِسْرَائِيلِيَّةً.
-