مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • رواندا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠١٢
    • الابادة الجماعية!‏

      مساء الاربعاء،‏ الواقع فيه ٦ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٤،‏ قُصفت طائرة تحمل رئيسَي رواندا وبوروندي قرب كيڠالي،‏ وقُتل جميع مَن كان على متنها إثر تحطمها.‏ ولم يعرف في تلك الليلة سوى قليلين من الناس بما حدث،‏ لأن الاذاعة الرسمية لم تعلن الخبر.‏

      لن ينسى المرسلون الثلاثة،‏ الزوجان بينت والاخ هانك،‏ ما جرى في الايام التالية.‏ يشرح الاخ بينت:‏ «في الصباح الباكر من ٧ نيسان (‏ابريل)‏،‏ استيقظنا على اصوات اطلاق نار وتفجيرات القنابل اليدوية.‏ لم يفاجئنا هذا الامر،‏ لأن الوضع السياسي في البلاد لم يكن مستقرا البتة في الاشهر الاخيرة.‏ وفيما كنا نعدّ الفطور،‏ تلقينا اتصالا هاتفيا من ايمانويل نْڠيرِنْتي من مكتب الترجمة،‏ يخبرنا فيه ان الاذاعة المحلية اعلنت وفاة الرئيسَين في حادث تحطّم طائرة.‏ كما ان وزير الدفاع حذّر الجميع في كيڠالي من مغادرة منازلهم.‏

      ‏«نحو الساعة التاسعة صباحا،‏ سمعنا الناهبين يقتحمون منزل جيراننا.‏ فسرقوا سيارة العائلة وقتلوا الوالدة.‏

      ‏«وسرعان ما أتى بعض الجنود والناهبين الى منزلنا،‏ وراحوا يدقون بعنف على البوابة الحديدية ويقرعون الجرس.‏ إلا اننا حافظنا على هدوئنا ولم نخرج لنفتح لهم البوابة.‏ لسبب او لآخر،‏ لم يحاولوا فتح البوابة عنوة بل انتقلوا الى المنزل التالي.‏ في هذه الاثناء،‏ كانت اصوات الاسلحة الاوتوماتيكية والتفجيرات تُسمَع من كل حدب وصوب،‏ ولم تتوفر اي وسيلة للهروب.‏ وبما ان ازيز الرصاص لم يكن بعيدا،‏ اجتمعنا في رواق الغرف في وسط المنزل لتفادي الرصاص الطائش.‏ وبعدما ادركنا ان الوضع لن يهدأ بسرعة،‏ قررنا ان نحضّر وجبة واحدة في اليوم ونتقاسمها جميعا لئلا تنفد مؤن الطعام لدينا.‏ وفي اليوم التالي،‏ فيما كنا نستمع الى الاخبار على الإذاعة بعد تناول وجبة الغداء،‏ صرخ هانك:‏ ‹انهم يتجهون نحو السياج!‏›.‏

      ‏«فما كان منا إلا ان توجهنا دون تفكير الى الحمام وأغلقنا الباب.‏ ثم صلينا معا،‏ طالبين من يهوه ان يساعدنا على تحمّل ما سيحدث لنا مهما كان.‏ وقبل ان ننهي صلاتنا،‏ سمعنا الميليشيا وعددا من الناهبين (‏نحو ٤٠ رجلا وامرأة وولدا)‏ يقتحمون البيت عبر الابواب والشبابيك.‏ وفي دقائق معدودة،‏ اصبحوا داخل المنزل وراحوا يصرخون ويقلبون الاثاث رأسا على عقب.‏ كما اخذوا يطلقون النيران وهم يتشاجرون حول الاغراض التي وجدوها.‏

      ‏«بعد مرور نحو ٤٠ دقيقة بدت وكأنها دهر،‏ حاولوا خلع باب الحمام.‏ فأدركنا انه يجب علينا ان نخرج ونظهر أنفسنا.‏ كان الرجال تحت تأثير المخدِّرات ويتصرفون بجنون.‏ فهددونا بالسواطير والسكاكين.‏ وكانت جِني تصرخ بأعلى صوتها الى يهوه،‏ فيما لوَّح احدهم بساطوره وضرب هانك بجهته غير المسنونة فأصابه عند اسفل رقبته.‏ فوقع هانك في حوض الاستحمام.‏ بطريقة او بأخرى،‏ تمكّنت من إيجاد بعض المال فأعطيته للمعتدين،‏ الذين راحوا يتقاتلون عليه.‏

      ‏«وفجأة رأينا احد الشبان يحدِّق الينا.‏ لم نكن نعرفه،‏ انما هو تعرّف إلينا ربما بسبب عملنا الكرازي.‏ فأمسك بنا ودفعنا داخل الحمام وطلب منا ان نغلق الباب.‏ ثم قال لنا انه سيأتي لإنقاذنا.‏

      ‏«استمر صوت ضجيجهم ٣٠ دقيقة تقريبا،‏ ثم ساد السكون.‏ فعاد الشاب ليعلِمنا انه بإمكاننا الخروج الآن.‏ وأصرّ ان نخلي المكان فورا،‏ فقادنا خارج المنزل دون ان نأخذ معنا شيئا.‏ وفي الطريق هالَنا منظر جثث جيراننا الملقاة هنا وهناك.‏ اصطحَبَنا اثنان من الحرس الجمهوري الى منزل مسؤول عسكري في الجوار،‏ وهو بدوره أخذنا الى فندق ميل كولين حيث لجأ كثيرون.‏ وأخيرا،‏ في ١١ نيسان (‏ابريل)‏،‏ تمَّ ترحيلنا الى كينيا بعد ساعات من القلق والاجراءات العسكرية المضنية لنقلنا من المدينة الى خلف المطار عبر طريق فرعية.‏ وصلنا الى بيت ايل في نيروبي ودخلنا باحة الاستقبال شعرُنا مشعَّث وثيابنا غير مرتبة.‏ اما هانك الذي كان قد انفصل عنا خلال ترحيلنا،‏ فوصل الى نيروبي بعد ساعات قليلة.‏ وفي بيت ايل غمرنا اعضاء العائلة باهتمامهم ودعمهم الحبيّين».‏

      صلاة فتاة صغيرة تنقذ العائلة

      بعد يوم من تحطّم الطائرة التي اودت بحياة رئيسَي رواندا وبوروندي،‏ داهم ستة جنود حكوميين منزل الاخ رْوَاكابوبو.‏ كانت عيونهم محتقنة بالدماء،‏ وتفوح من نَفَسهم رائحة الكحول،‏ ودلت تصرفاتهم انهم تحت تأثير المخدِّرات.‏ طلبوا من الاخ ان يسلمهم الاسلحة.‏ فأخبرهم بأنه وعائلته من شهود يهوه ولا يملكون اسلحة.‏

      عرف الجنود ان شهود يهوه بسبب حيادهم رفضوا دعم الحكومة ولم يقدِّموا المساعدات للجيش،‏ ما أثار حنقهم.‏ وتجدر الاشارة ان ڠاسپار وميلاني رْوَاكابوبو لم يكونا من التوتسي،‏ لكن ميليشيا الانترَهاموِ التابعة للهوتو لم تقتل التوتسي فقط بل الهوتو المعتدلين ايضا،‏ خصوصا اولئك الذين اشتُبه بأنهم تعاطفوا مع التوتسي او مع قوات الجبهة.‏

      فضرب الجنود ڠاسپار وميلاني بالعصي ثم اخذوهما مع اولادهما الخمسة الى غرفة النوم،‏ نزعوا الشراشف عن الأسِرَّة،‏ وراحوا يغطون بها العائلة.‏ بدت نواياهم واضحة جدا للاخ ڠاسپار،‏ إذ رأى البعض منهم يحملون قنابل يدوية في ايديهم.‏ لذلك سألهم:‏ «من فضلكم،‏ هل تسمحون لنا ان نصلي؟‏».‏

      رفض احد الجنود طلبهم بازدراء.‏ ولكن بعد مناقشة قصيرة،‏ وافقوا على مضض ان يسمحوا لهم بالصلاة.‏ فقالوا لهم:‏ «حسنا،‏ يمكنكم الصلاة لدقيقتين فقط».‏

      صلّت العائلة بصمت،‏ باستثناء ديبورا ذات السنوات الست التي صلّت بصوت عالٍ وقالت:‏ «يا يهوه،‏ انهم يريدون ان يقتلونا.‏ فكيف سأتمكن من زيارة الاشخاص الذين بشّرتهم مع أبي ووزّعت لهم خمس مجلات؟‏ انهم ينتظرون ان نعود لزيارتهم،‏ فهم بحاجة الى معرفة الحق.‏ أعدك يا يهوه انهم اذا لم يقتلونا فسأصبح ناشرة وأعتمد وأنخرط في الفتح!‏ خلِّصنا يا يهوه،‏ أرجوك!‏».‏

      ذهل الجنود عند سماعهم صلاتها.‏ فقال احدهم:‏ «بسبب صلاة هذه الفتاة الصغيرة،‏ لن نقتلكم.‏ وإذا أتى آخرون إليكم،‏ فقولوا لهم اننا كنا هنا».‏b

      الاوضاع تتأزّم

      ازدادت حدة الحرب فيما كانت قوات الجبهة الوطنية الرواندية تتقدّم نحو العاصمة كيڠالي،‏ ما حدا برجال ميليشيا الانترَهاموِ اليائسين الى قتل المزيد والمزيد من الناس.‏

      وقد اقام الجنود ورجال ميليشيا الانترَهاموِ المسلَّحون مع السكان المحليين حواجز في كل ارجاء المدينة وعلى مختلف مفارق الطرق.‏ وأُجبر كل الرجال على الوقوف ليل نهار عند هذه الحواجز مع الانترَهاموِ بهدف التحقق من هوية ابناء التوتسي وقتلهم.‏

      ومع استمرار القتل في كل انحاء البلاد،‏ ترك مئات آلاف الروانديين منازلهم.‏ ولجأ عدد منهم،‏ بينهم شهود ليهوه ايضا،‏ الى الكونغو وتنزانيا المجاورتين.‏

      في مواجهة الحرب والموت

      في ما يلي،‏ روايات عن اخوة وأخوات شهدوا انهيار العالم من حولهم.‏ تذكّر ان شهود يهوه في رواندا عانوا امتحانات قاسية في ثمانينات القرن العشرين،‏ امتحانات قوّت ايمانهم ومحّصته وزادت من شجاعتهم.‏ فإيمانهم ساعدهم ألا يكونوا «جزءا من العالم»،‏ وذلك برفضهم الاشتراك في الانتخابات،‏ والوقوف للدفاع عن مناطقهم،‏ والتدخل في الشؤون السياسية.‏ (‏يو ١٥:‏١٩‏)‏ اما شجاعتهم فساعدتهم على تحمل ما قاسوه من ازدراء وسجن واضطهاد وموت جراء رفضهم هذا.‏ وهاتان الصفتان،‏ الى جانب محبتهم للّٰه وللقريب،‏ لم تمكِّناهم من الامتناع عن الاشتراك في الابادة الجماعية فحسب،‏ بل ايضا من المخاطرة بحياتهم في سبيل حماية واحدهم الآخر.‏

      لم نأتِ على ذكر كافة الاختبارات التي حدثت.‏ فأغلب الاخوة يفضّلون نسيان التفاصيل المروِّعة،‏ لأنهم لا يسعون الى الانتقام.‏ لكننا نأمل ان تشجعنا روايات الإيمان هذه على اظهار المحبة التي تميزنا كتلاميذ حقيقيين ليسوع المسيح.‏ —‏ يو ١٣:‏٣٤،‏ ٣٥‏.‏

      قصة جان وشانتال

      بدأ جان دو ديو موڠابو بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه عام ١٩٨٢.‏ وقد اخذ مواقف حيادية حتى قبل معموديته عام ١٩٨٤،‏ وسُجن ثلاث مرات بسببها.‏ وفي عام ١٩٨٧،‏ تزوج هذا الاخ المرح والمحب من شانتال،‏ اخت اعتمدت هي ايضا سنة ١٩٨٤.‏ وبحلول الوقت الذي بدأت فيه الابادة الجماعية،‏ كان لديهما ثلاث بنات.‏ فلازمت الفتاتان الأكبر سنا منزل جدِّهما وجدتهما خارج المدينة،‏ اما الصغرى التي لم تتجاوز الستة اشهر فبقيت مع جان وشانتال.‏

      في اليوم الاول من الابادة الجماعية،‏ اي في ٧ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٤،‏ راح الجنود والانترَهاموِ يهاجمون كل منازل التوتسي.‏ فاعتُقل جان وضُرب بالهراوى،‏ إلا انه تمكن من الهرب ولجأ مع اخ آخر الى قاعة ملكوت مجاورة.‏ في تلك الاثناء،‏ سارعت شانتال،‏ دون ان تعلم ما حل بزوجها،‏ الى مغادرة المدينة مع طفلتها لتنضم الى ابنتيها الاخريين.‏

      يروي جان ما حدث له:‏ «اختبأنا انا والاخ مدة اسبوع في قاعة الملكوت.‏ وكانت احدى الأخوات من الهوتو تحضر لنا الطعام كلما رأت الوضع آمنا.‏ ثم اضطررنا الى الاختباء في السطح بين ألواح التسقيف الحديدية والسقف،‏ فكدنا نحترق من شدة حر الشمس.‏ لذا حاولنا ايجاد مخبإ افضل بأية وسيلة ممكنة.‏ وبما ان قاعة الملكوت كانت في السابق فرنا لا تزال مدخنته الكبيرة موجودة،‏ قمنا برفع بعض قطع القرميد من المدخنة واختبأنا اكثر من شهر بداخلها ونحن نجلس القرفصاء.‏

      ‏«هذا وقد اقامت ميليشيا الانترَهاموِ حاجزا قريبا من القاعة،‏ وغالبا ما كان المسلحون يدخلون للتشاور او للاحتماء من المطر.‏ فكنا نسمعهم من فوق يتكلمون.‏ واستمرت الاخت بإحضار الطعام كلما سنحت الفرصة.‏ وفي بعض الاحيان شعرت ان قدرتي على الاحتمال قد نفدت مني،‏ لكني واظبت على الصلاة الى يهوه كي يمنحني القوة.‏ وأخيرا،‏ في ١٦ ايار (‏مايو)‏،‏ اخبرتنا الاخت ان الجبهة الوطنية الرواندية سيطرت على المدينة وأنه بإمكاننا الآن الخروج من مخبئنا».‏

      ولكن ماذا حل بشانتال زوجة جان؟‏ لندعها هي تكمل الرواية:‏ «تمكنت انا وطفلتي من مغادرة المنزل في ٨ نيسان (‏ابريل)‏.‏ فالتقيت أختَين هما إيماكولي (‏من الهوتو)‏ وسوزان (‏من التوتسي)‏.‏ كنا سنتوجه الى بوڠَسيرا التي تبعد حوالي ٥٠ كيلومترا عن كيڠالي وحيث يقطن والداي،‏ إلا ان ذلك لم يحدث.‏ فقد سمعنا انهم اقاموا حواجز لسد كل الطرقات المؤدية الى خارج المدينة.‏ لذا قررنا ان نتجه الى قرية في ضواحي كيڠالي،‏ حيث يعيش احد اقرباء إيماكولي واسمه ڠاهيزي،‏ وهو ايضا من شهود يهوه.‏ فرحب ڠاهيزي بنا وبذل كل ما في وسعه لمساعدتنا رغم تهديدات جيرانه.‏ لكنه قُتل على يد الجنود والانترَهاموِ بعدما عرفوا انه حمى اشخاصا من التوتسي.‏

      ‏«بعد مقتل ڠاهيزي،‏ اخذنا الجنود الى النهر ليقتلونا.‏ فكادت تذوب قلوبنا رعبا ونحن ننتظر نهايتنا.‏ وفجأة،‏ بدأت مشادة كلامية بين الجنود،‏ فقال احدهم:‏ ‹لا تقتلوا النساء،‏ فسيجلب ذلك علينا النحس.‏ الآن هو الوقت لتصفية الرجال فقط›.‏ في هذا الوقت كان بعض الاخوة يتبعوننا،‏ ومن بينهم اندريه تواهيرا الذي مضى اسبوع فقط على معموديته.‏ فأخذنا الى منزله على الرغم من احتجاجات الجيران.‏ وفي اليوم التالي،‏ قررنا ان نعود الى كيڠالي على امل ايجاد مكان آمن لنا.‏ فرافقنا وساعدنا على عبور عدة حواجز خطرة.‏ وفي الطريق حملت إيماكولي طفلتي الصغيرة لئلا يصيبها اي مكروه اذا ما تمَّ توقيفنا.‏ اما انا وسوزان فمزقنا بطاقتَينا لإخفاء هويتَينا.‏

      ‏«حين بلغنا آخر حاجز،‏ صفع جندي من الانترَهاموِ إيماكولي وقال لها:‏ ‹لماذا ترحلين برفقة هؤلاء التوتسي؟‏›.‏ ثم اوقفوني انا وسوزان،‏ اما إيماكولي وأندريه فتوجها الى منزل الاخ رْوَاكابوبو طلبا للمساعدة.‏ وما لبث ان عاد اندريه برفقة اخوَين آخرَين هما سيمون وماتياس،‏ وساعدونا على عبور الحاجز،‏ معرضين انفسهم لخطر كبير.‏ اخيرا وصلت الى منزل الأخ رْوَاكابوبو،‏ فيما ذهبت سوزان الى بيت احد اقربائها.‏

      ‏«شكل بقائي عند الأخ رْوَاكابوبو خطرا كبيرا،‏ لذا اوصلني الاخوة بعد جهد جهيد الى قاعة الملكوت.‏ بحلول ذلك الوقت،‏ كان عشرة إخوة وأخوات من التوتسي قد اختبأوا هناك اضافة الى آخرين ممن هربوا.‏ وكم كانت إيماكولي وفية اذ رفضت ان تتركني وحدي!‏ فقد قالت لي:‏ ‹إذا ما قُضي عليكِ،‏ اعدك بأني سأنقذ طفلتك وأعتني بها›».‏c

      في تلك الاثناء،‏ استطاع ڤِداست بيمِنيمانا،‏ اخ يعيش في الجوار،‏ ان ينقل عائلته الى مكان آمن خوفا على زوجته التي كانت من التوتسي.‏ وسرعان ما عاد وساعد مَن بقي في قاعة الملكوت على ايجاد ملاذ لهم.‏ والحمد للّٰه ان الجميع نجوا بحياتهم.‏

      بعدما انقضت المذبحة،‏ علِم جان وشانتال ان والديهما وابنتَيهما البالغتَين سنتين وخمس سنوات قتلوا مع حوالي ١٠٠ شخص من الاقارب.‏ فأي اثر خلفته فيهم هذه الفاجعة المرة؟‏ تعترف شانتال:‏ «في البداية كان الوضع لا يُحتمل.‏ وكنا مخدَّرَي الاحساس،‏ اذ فاق عدد الذين فقدناهم كل تصوراتنا.‏ ولم يكن في وسعنا سوى ترك الامور بين يدي يهوه على امل رؤية ابنتَينا ثانية في القيامة».‏

      اختبأ خمسة وسبعين يوما

      اعتمد تارسيس سِمينيڠا في الكونغو عام ١٩٨٣.‏ اما حين بدأت الابادة الجماعية،‏ فكان يعيش في بوتاري،‏ رواندا،‏ على بعد نحو ١٢٠ كيلومترا من كيڠالي.‏ يذكر:‏ «وقتما تحطمت الطائرة الرئاسية في كيڠالي،‏ سمعنا عن صدور مرسوم يقضي بقتل كل التوتسي.‏ فحاول اثنان من الاخوة ان يهرِّباني والعائلة عبر بوروندي،‏ إلا ان ذلك كان من رابع المستحيلات.‏ فكل الطرقات تحرسها ميليشيا الانترَهاموِ.‏

      ‏«بقينا اسرى المنزل،‏ ولم ندرِ الى اين نذهب.‏ وقد رصد أربعة جنود منزلنا،‏ ووضع احدهم رشاشا على بعد ١٨٠ مترا تقريبا.‏ فصليت صلاة حارة وصرخت الى يهوه قائلا:‏ ‹يا يهوه،‏ ليس في يدنا حيلة لنخلص انفسنا.‏ انت وحدك تستطيع انقاذنا!‏›.‏ بحلول المساء،‏ ركض احد الاخوة باتجاه منزلنا والخوف ملء ضلوعه،‏ ظنا منه اننا لقينا حتفنا.‏ ولكن بعد ان سمح له الجيش ان يدخل لدقائق معدودة،‏ تلاشى خوفه اذ وجدنا على قيد الحياة.‏ وقد تمكن بطريقة او بأخرى من أخذ اثنين من اولادي الى منزله.‏ ثم اخبر جاستن رْواڠاتور وجوزيف نْدووِيسو اننا مختبئون وبحاجة الى المساعدة.‏ فأتيا فورا،‏ عند حلول المساء،‏ ونقلونا الى منزل جاستن رغم الخطر والعوائق.‏

      ‏«لم تدم اقامتنا طويلا في منزل جاستن.‏ فقد عرف الناس في اليوم التالي مكان وجودنا،‏ وأتى رجل يدعى ڤنسان،‏ كان قد درس الكتاب المقدس مع جاستن انما دون ان يأخذ موقفا الى جانب الحق،‏ ليحذِّرنا من الانترَهاموِ الذين يستعدون لاقتحام المنزل والقضاء علينا.‏ كما نصحنا بأن نتوارى عن الانظار في الاحراج الى جوار منزل جاستن.‏ وعند حلول المساء،‏ اتى بنا الى منزله وخبأنا في كوخ دائري الشكل استُخدم حظيرة للماعز،‏ سقفه من القش وجدرانه وأرضه من الطين ولا نوافذ له.‏

      ‏«قضينا أياما وليالي طويلة في هذا الكوخ،‏ الذي يقع على مقربة من تقاطع طرق يبعد عدة امتار فقط عن اكثر الاسواق ازدحاما في المنطقة.‏ وكنا نسمع المارّة يتحدثون واحدهم مع الآخر عن الامور التي فعلوها خلال اليوم،‏ بما فيها روايات جرائمهم المروِّعة وخططهم المستقبلية.‏ فزاد هذا الجو من خوفنا.‏ لذا واظبنا على الصلاة من اجل نجاتنا.‏

      ‏«بذل ڤنسان كل ما في وسعه للاهتمام بحاجاتنا.‏ ولكن بحلول نهاية ايار (‏مايو)‏،‏ اي بعد شهر،‏ اصبح من الخطر البقاء عنده.‏ فميليشيا الانترَهاموِ وصلت الى المنطقة بعد فرارها من كيڠالي.‏ لذلك قرر الاخوة نقلنا الى ما يشبه القبو تحت منزل احدهم،‏ لننضم الى ثلاثة آخرين يختبئون هناك.‏ غير ان بلوغنا منزل هذا الاخ لم يكن بالأمر السهل،‏ اذ اضطررنا ان نمشي ليلا مدة ثماني ساعات ونصف تحت المطر الغزير.‏ وقد تبيَّن ان ذلك عمل لصالحنا،‏ لأن القتلة عجزوا عن رؤيتنا.‏

      ‏«كان هذا المخبأ الجديد عبارة عن حفرة بعمق متر ونصف تقريبا تُغطى بلوح خشبي.‏ ولكي نبلغ الحفرة،‏ كان علينا ان ننزل سلّما ثم نجثو على ركبتينا،‏ ونحبو عبر نفق حتى نصل الى غرفة مساحتها نحو مترين مربَّعين تفوح منها رائحة العفونة وينفذ اليها مجرد شعاع نور ضئيل من شق في الحائط.‏ فتشاركنا انا وزوجتي بالاضافة الى أولادنا الخمسة هذه المساحة الصغيرة مع ثلاثة آخرين.‏ وبقينا نحن العشرة في هذا المكان الضيق ستة اسابيع.‏ ولم نجرؤ على اشعال شمعة خوفا من ان يُكتشَف امرنا،‏ باستثناء بعض الاوقات خلال النهار التي كنا نشعل فيها شمعة واحدة لقراءة مقاطع من الكتاب المقدس،‏ او مجلة برج المراقبة،‏ او الآية اليومية.‏ وقد خاطر الاخوة بحياتهم كي يجلبوا لنا الطعام والدواء ويمدونا بكلمات التشجيع.‏ نعم،‏ دعمنا يهوه خلال كل هذه المصاعب والآلام التي اصابتنا».‏

      يتابع تارسيس:‏ «لكل رواية نهاية.‏ ونحن انتهت روايتنا في ٥ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٩٤،‏ عندما اخبرنا ڤنسان ان قوات الجبهة احتلت بوتاري.‏ فخرجنا من القبو شاحبي اللون بسبب عدم تعرضنا لأشعة الشمس،‏ حتى ان بعض الناس لم يعرفوا اننا روانديون.‏ هذا وقد بقينا فترة من الوقت لا نستطيع ان نتكلم بصوت مرتفع بل همسا،‏ واحتجنا الى اسابيع كي نستعيد حالتنا الطبيعية.‏

      ‏«كل هذه الاحداث خلفت اثرا عميقا في زوجتي التي بدأت بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه بعد رفض دام عشر سنوات.‏ وحين يسألها الناس عن السبب تجيب:‏ ‹لقد مسّت قلبي المحبة التي اظهرها الاخوة نحونا والتضحيات التي قاموا بها في سبيل انقاذنا.‏ كما اني شعرت بيد يهوه القوية التي نجتنا من سواطير القتلة›.‏ وفي اول محفل عُقد بعد الحرب اعتمدت رمزا الى انتذارها ليهوه اللّٰه.‏

      ‏«نشعر اننا مَدينون لجميع الاخوة والاخوات الذين ساهموا بأعمالهم وصلواتهم القلبية في بقائنا احياء.‏ فقد اختبرنا محبتهم الصادقة والعميقة التي تجاوزت كافة الحواجز الإثْنِية».‏

      تبادل المساعدة

      في وقت لاحق،‏ صار جاستن رْواڠاتور،‏ احد الاخوة الذين ساعدوا عائلة الاخ سِمينيڠا،‏ هو بدوره محتاجا الى المساعدة.‏ ففي عام ١٩٨٦،‏ سجن لأنه رفض التورط بسياسة الحزب الحاكم.‏ وبعد مرور سنوات على حمايته عائلة سِمينيڠا،‏ اعتُقل من جديد مع اخوة آخرين بسبب موقفهم الحيادي.‏ فتشكل وفد للقاء السلطات المحلية بغية توضيح موقف شهود يهوه حيال التورط في السياسة.‏ ومن الجدير بالذكر ان الاخ سِمينيڠا كان ضمن هذا الوفد.‏ فشرح للسلطات كيف ان جاستن لعب دورا اساسيا في انقاذ اسرته.‏ والنتيجة؟‏ أُطلق سراح كل الاخوة المسجونين.‏

      دفع مثال اخوتنا خلال الابادة الجماعية آخرين الى قبول الحق.‏ فقد رأت سوزان لِزيندِه،‏ امرأة كاثوليكية في اواسط ستيناتها،‏ كيف دعمت كنيستها الابادة.‏ وفي المقابل،‏ لاحظت كيف تصرف شهود يهوه في منطقتها والمحبة التي تسود بينهم،‏ ما حدا بها الى احراز تقدم سريع في الحق.‏ ومنذ معموديتها في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٨،‏ لم تفوت اجتماعا في الجماعة حتى وفاتها على الرغم من انها كانت تقطع مسافة خمسة كيلومترات عبر التلال مشيا على الاقدام.‏ كما ساعدت عائلتها على تعلم الحق.‏ واليوم،‏ يخدم احد ابنائها شيخا في الجماعة في حين يخدم احد احفادها خادما مساعدا.‏

      اغاثة مئات الآلاف الذين هربوا

      عُيّن هانك ڤان بوسل مرسلا في رواندا عام ١٩٩٢.‏ وبعدما غادرها الى كينيا في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٤،‏ قام برحلات الى ڠوما شرقي الكونغو للمساعدة في برنامج اغاثة اللاجئين الروانديين.‏ وعلى الحدود جهة الكونغو راح الاخوة يتجولون وهم يحملون المطبوعات ويرنمون او يصفّرون ألحان الملكوت كي يتمكن الشهود الذين يعبرون الحدود الرواندية من التعرف اليهم.‏

      كان الذعر يدب في قلوب الجميع.‏ وفيما تواصل الصراع بين القوات الحكومية والجبهة الوطنية الرواندية،‏ لجأ مئات الآلاف من الناس الى الكونغو وتنزانيا.‏ اما الشهود الذين هربوا الى ڠوما،‏ فكانت قاعة الملكوت نقطة تجمّعهم.‏ وفي وقت لاحق،‏ نصب الاخوة مخيّما للاجئين خارج المدينة يتسع لأكثر من ٠٠٠‏,٢ شخص يقتصرون على الشهود وأولادهم والناس المهتمين.‏ كما انشأوا مخيمات مماثلة في مناطق مختلفة من شرقي الكونغو.‏

      ان غالبية الناس الذين فرّوا كانوا من الهوتو الخائفين من الثأر.‏ اما الاخوة الذين هربوا معا،‏ فقد ضموا الهوتو والتوتسي على السواء مع العلم ان عبور الحدود الى ڠوما كان في غاية الخطورة نظرا الى استمرار عمليات قتل التوتسي.‏ ففي احدى المراحل،‏ كلف تهريب الاخوة التوتسي خارج البلاد ١٠٠ دولار اميركي للشخص الواحد.‏

      وحين وصل الشهود الى الكونغو،‏ ارادوا ان يبقوا معا.‏ فهم لم يشاءوا ان تكون لهم اية صلة بالانترَهاموِ الذين تابعوا نشاطهم في المخيمات التابعة للامم المتحدة.‏ كما انهم لم يروقوا للاجئين غير الشهود المتعاطفين مع الحكومة المعزولة،‏ وللانترَهاموِ على وجه الخصوص لأنهم لم ينضموا اليهم.‏ لذا فضل الاخوة ان يبقوا منفصلين بحيث يتمكنون من حماية اخوتهم التوتسي.‏

      بات الشهود الذين غادروا رواندا بأمس الحاجة الى المساعدة،‏ لأنهم تركوا كل ممتلكاتهم وراءهم.‏ لذا قدَّم الاخوة من بلجيكا،‏ سويسرا،‏ فرنسا،‏ الكونغو وكينيا المساعدة على اشكالها،‏ مزودين اياهم بالمال والدواء والطعام واللباس،‏ اضافة الى الاطباء والممرضين.‏ فقد ارسل الفرع في فرنسا خيما صغيرة على متن اول طائرة إغاثة.‏ ولاحقا،‏ بعث الفرع في بلجيكا خيما كبيرة تتسع لعائلات بأكملها،‏ هذا عدا عن الاسرَّة المحمولة والقابلة للنفخ.‏ كما ارسل الفرع في كينيا ما يزيد على طنَّين من الالبسة وألفي بطانية.‏

      تفشي الكوليرا

      بعد الهروب من رواندا،‏ مكث اكثر من ٠٠٠‏,١ شاهد ومهتم في قاعة الملكوت في ڠوما وفي قطعة الارض المحاذية لها.‏ وللأسف نتج عن هذا التجمع الكبير من اللاجئين تفشي الكوليرا في ڠوما.‏ فسارع الفرع في الكونغو الى ارسال الدواء اللازم لمحاربة هذا الوباء.‏ كما سافر الاخ ڤان بوسل من نيروبي الى ڠوما حاملا ٦٠ صندوقا من الدواء.‏ فاستُخدمت قاعة الملكوت بشكل مؤقت كمستشفى،‏ وتمَّ بذل كافة الجهود بغية عزل المصابين.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ اتى لويك دومَلان وأخ آخر،‏ وهما طبيبان،‏ الى جانب الاخ إمابْل هابيمانا،‏ وهو مساعد طبيب من رواندا،‏ وعملوا ليل نهار بكل تفان.‏ وقد تطوع العديد من الاخوة والاخوات ذوي الخبرة في المجال الطبي،‏ من بينهم الاخ أمِلْ الذي قدِم من فرنسا،‏ وكانوا جميعا مصدر عون كبير.‏

      على الرغم من كل الجهود المبذولة للحؤول دون انتشار هذا الوباء،‏ اصيب اكثر من ١٥٠ اخا ومهتما ومات حوالي ٤٠ قبل التمكن من وضع حد له.‏ بعدئذ،‏ استؤجرت قطعة ارض كبيرة وأُنشئ عليها مخيَّم لشهود يهوه.‏ فنُصبت مئات الخيم الصغيرة،‏ بالاضافة الى خيمة كبيرة استُخدمت كمستشفى أُرسلت من كينيا.‏ وقد دهش العاملون الاميركيون في مجال الصحة من نظافة وترتيب المخيم.‏

      بحلول آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٤،‏ كانت لجنة الاغاثة في ڠوما تعتني بـ‍ ٢٧٤‏,٢ لاجئا من الشهود وأولادهم والمهتمين.‏ وفي الوقت نفسه،‏ لجأ العديد من الاخوة الى مخيمات اخرى في بوكاڤو وأوڤيرا شرقي الكونغو،‏ وفي بوروندي ايضا.‏ هذا وقد ضم احد المخيمات في تنزانيا اكثر من ٢٣٠ شاهدا.‏

      وعندما اضطر الاخوة من مكتب الترجمة في كيڠالي ان يهربوا الى ڠوما،‏ استأجروا منزلا بهدف مواصلة عمل الترجمة.‏ وكان ذلك ممكنا،‏ لأنهم خلال الحرب احتفظوا بكمبيوتر وبمولِّد كهربائي،‏ وأحضروهما معهم من كيڠالي.‏

      اما في ڠوما،‏ فكانت خدمات الاتصالات والبريد شبه معدومة.‏ ولكن،‏ بمساعدة الشهود الذين يعملون في المطار،‏ استطاع الاخوة ارسال المواد المترجمة والرسائل الاخرى على متن رحلة اسبوعية بين ڠوما ونيروبي.‏ وقد أعاد الاخوة في الفرع بكينيا البريد الى ڠوما بالطريقة عينها.‏

      واظب ايمانويل نْڠيرِنْتي مع مترجمَين آخرَين،‏ على عملهم بأفضل ما يكون رغم صعوبة الاوضاع.‏ وأثناء الحرب في كيڠالي،‏ لم يتمكنوا من ترجمة بعض المقالات من مجلة برج المراقبة،‏ لكنهم عادوا وترجموها لاحقا لتصدر في كراسات خاصة درسها الاخوة في درس الكتاب الجَماعي.‏

      الحياة في مخيَّم اللاجئين

      فيما كان السكان يُخلون كيڠالي نُقلت فرانسين،‏ التي هربت الى ڠوما بعدما قُتل زوجها آناني،‏ الى احد المخيَّمات التي نصبها الشهود.‏ وهي تصف الحياة في المخيَّم كما يلي:‏ «كانت تُعيَّن مهمة اعداد الطعام كل يوم لعدد من الاخوة والاخوات.‏ فنعدّ وجبة فطور بسيطة من دقيق الذرة الصفراء او الدُّخن المطبوخَين بالحليب،‏ هذا بالاضافة الى وجبة الغداء.‏ وبعد اتمام كافة مسؤولياتنا،‏ ننطلق للاشتراك في خدمة الحقل.‏ فنشهد بالأخص لأفراد عائلتنا غير الشهود في المخيَّم،‏ وكذلك للذين يعيشون خارج المخيَّم.‏ ولكن،‏ لم يمضِ وقت طويل حتى تأزم الوضع،‏ اذ ثار غضب اعضاء ميليشيا الانترَهاموِ في المخيمات الاخرى عند رؤيتهم الشهود في مخيمات منفصلة عن تلك التي للاجئين الآخرين».‏

      بحلول تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٩٤،‏ تبين ان عودة الاخوة الى رواندا باتت آمنة.‏ وفي الواقع،‏ كان من المستحسن فعل ذلك نظرا الى الخطر الذي أحاط بهم في مخيمات غير الشهود في الكونغو.‏ إلا ان عودتهم لم تكن بالامر السهل،‏ لأن الانترَهاموِ كانوا ينوون إعادة رصف صفوفهم والهجوم على رواندا،‏ وكل مَن يغادر الكونغو ويعود الى رواندا يعتبَر خائنا في نظرهم.‏

      اخبر الاخوة الحكومة الرواندية ان شهود يهوه،‏ الذين حافظوا على موقف حيادي خلال الحرب ولم يشتركوا في الابادة الجماعية للتوتسي،‏ يرغبون في العودة الى بلدهم.‏ فنصحتهم الحكومة ان يتفقوا مع مفوَّضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين،‏ لأنها تملك مركبات آلية يمكن استخدامها لنقلهم.‏ ولكن كيف سيجتنبون رجال الميليشيا الذين كانوا سيعيقونهم؟‏ استخدم الشهود الخطة التالية:‏

      اعلنوا عن يوم محفل خصوصي سيعقد في ڠوما وأعدوا لافتات تعلن عن البرنامج.‏ ثم ابلغوا الشهود سرًّا بنِيَّة العودة الى رواندا.‏ ولئلا يثيروا اية شكوك،‏ طلبوا منهم ان يتركوا كل ممتلكاتهم في المخيمات وألا يأخذوا معهم سوى كتبهم المقدسة وكتب الترانيم،‏ متظاهرين انهم ذاهبون الى محفل.‏

      تتذكر فرانسين انهم مشوا لساعات قبل ان يبلغوا الشاحنات التي كانت بانتظارهم لتنقلهم الى الحدود.‏ وبعدما عبروا الى رواندا،‏ صنعت مفوَّضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين الترتيبات اللازمة لأخذهم الى كيڠالي ومن ثم الى منازلهم.‏ وهكذا،‏ عاد معظم الاخوة مع عائلاتهم والمهتمين الى رواندا في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ من عام ١٩٩٤.‏ وفي هذا الخصوص،‏ ورد في الصحيفة البلجيكية لو سوار عدد ٣ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٤ التقرير التالي:‏ «قرر ٥٠٠‏,١ لاجئ رواندي مغادرة زائير [الكونغو] لأنهم شعروا ان أمنهم في خطر.‏ انهم شهود يهوه الذين نصبوا مخيَّمهم الخاص شمال مخيَّم كاتالِه.‏ وقد عانوا هم خصوصا الاضطهاد على يد الحكومة السابقة بسبب رفضهم حمل السلاح والاشتراك في المهرجانات السياسية».‏

      بعدما رجعت فرانسين الى رواندا تسنى لها حضور محفل كوري في نيروبي.‏ كما استأنفت العمل في مكتب الترجمة الذي أُعيد انشاؤه في كيڠالي،‏ وذلك بفضل التعزية والدعم اللذَين نالتهما من الاخوة والاخوات بعد وفاة زوجها.‏ وفي وقت لاحق،‏ تزوجت ايمانويل نْڠيرِنْتي،‏ وما زالا حتى الآن يخدمان في مكتب الفرع.‏

      وكيف تمكنت فرانسين من التحكُّم في مشاعرها خلال الحرب؟‏ تقول:‏ «في ذلك الوقت،‏ لم نفكر سوى في شيء واحد:‏ يجب ان نحتمل حتى النهاية.‏ لذا قررنا ألا نمعن التفكير في الفظائع التي ترتكَب.‏ وأذكر اني وجدت العزاء في حبقوق ٣:‏١٧-‏١٩‏،‏ التي تتحدث عن كيفية ايجاد الفرح رغم الظروف الصعبة.‏ هذا وقد امدني الاخوة والاخوات بالكثير من التشجيع.‏ فالبعض كتبوا لي رسائل ساعدتني ان احافظ على موقف ايجابي وأنظر الى الامور من منظار يهوه.‏ كما تذكرتُ ان للشيطان حيلا متنوعة،‏ لذا وجب ان نبقى يقظين على جميع الجبهات.‏ فإذا سمحنا لمشكلة ما ان تستأثر بكل تركيزنا،‏ فسنضعف ونعثر في مشكلة اخرى قد تواجهنا عاجلا او آجلا».‏

  • رواندا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠١٢
    • لقي نحو ٤٠٠ شاهد ليهوه حتفهم في هذه الابادة الجماعية،‏ من بينهم شهود من الهوتو لأنهم حمَوا اخوتهم وأخواتهم من التوتسي.‏ واللافت ان ايا من هؤلاء الشهود لم يُقتل على يد احد رفقائه المؤمنين.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة