مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الى ايّ حد يمكنكم الوثوق بالعلم؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • الى ايّ حد يمكنكم الوثوق بالعلم؟‏

      بواسطة مراسل استيقظ!‏ في أوستراليا

      يُعجب معظم الناس اعجابا حقيقيا بالعلم،‏ نظرا الى انجازاته الكثيرة في مجالات الطب،‏ الهندسة،‏ الاتصالات،‏ وغيرها.‏ وقد اثرت الاكتشافات العلمية في حياة كل شخص تقريبا يعيش اليوم.‏ وقد وقف علماء كثيرون حياتهم كلها على قضية العلم؛‏ والجهود العلمية الصادقة التي بُذلت بهدف تحسين نوعية الحياة انما هي جديرة بالثناء.‏ وفي الواقع،‏ يمضي المؤلف طوني مورتن الى حدّ القول ان «العلم هو دون شك احد اركان الحضارة الحديثة».‏

      لكنَّ الاتزان ضروري في كل مجالات الحياة عند تقييم الامور على حقيقتها،‏ ولا يُستثنى المجال العلمي من ذلك.‏ ولمساعدتنا على المحافظة على هذه النظرة المتزنة،‏ دعونا نتأمل في كلمات كاتب آخر،‏ كاتب لا يمدح دور العلم في حياتنا الى هذا الحد.‏ يكتب لويس وولْپِرت في كتابه الطبيعة غير الطبيعية للعلم (‏بالانكليزية)‏:‏ «تؤكد الاستطلاعات ان هنالك اهتماما كبيرا،‏ بل اعجابا،‏ بالعلم يرافقه اعتقاد غير منطقي انه يعالج كل المشاكل.‏ ولكن هنالك ايضا،‏ عند البعض،‏ خوف وعداء متأصلان .‏ .‏ .‏ فممارسو المهن العلمية يُنظر اليهم كخبراء تقنيين،‏ جميعهم متشابهون،‏ لا احاسيس عندهم ولا اهتمام».‏

      ازدياد الثقة بالعلم

      يبقى عامل الخطر موجودا دائما حين تُجرى اختبارات علمية لاستكشاف امور جديدة.‏ ولكن حين تبرهن الاكتشافات الجديدة انها تستحق عناء المخاطرة،‏ تتزايد ثقة الناس بالعلم.‏ وهكذا،‏ اذ يتربع العلم على عرش نجاحاته السابقة،‏ صار يجرؤ اكثر فأكثر على المخاطرة،‏ وأصبح اناس كثيرون —‏ بدافع المهابة والحماسة —‏ يعتبرون العلم العلاج لمشاكل الجنس البشري.‏ والنتيجة هي ان اناسا كثيرين يربطون كلمتَي «علم» و «علميّ» بالحقيقة المطلقة.‏

      تورد المطبوعة دراسات اميركية (‏بالانكليزية)‏ هذه الملاحظة:‏ «ابتداء من عشرينات هذا القرن،‏ وبشكل متزايد في الثلاثينات،‏ صار العالِم المرتدي الابيض يؤكد بموضوعية للمستهلكين ان منتَجا معينا هو افضل من المنتَجات المنافسة من الناحية ‹العلمية›.‏ وذكرت بأسف الافتتاحية في مطبوعة تدعى الامة في سنة ١٩٢٨ ان ‹الجملة التي تبدأ بـ‍ «يقول العلم» تحلّ عموما ايّ خلاف في تجمّع اجتماعي،‏ او تبيع اية سلعة،‏ من معجون الاسنان الى البرادات›».‏

      ولكن هل يلزم ان يترادف العلم دائما مع الحقيقة المطلقة؟‏ على مرِّ التاريخ،‏ كان للاكتشافات العلمية مقاومون اشداء.‏ ولم يكن لبعض الاعتراضات التي اثاروها اساس من الصحة؛‏ ولكن كانت اعتراضات اخرى قائمة على أُسس صحيحة كما يبدو.‏ فاكتشافات ڠاليليو،‏ مثلا،‏ اثارت حنق الكنيسة الكاثوليكية.‏ والنظريات العلمية حول اصل الانسان كانت لها ردود فعل عنيفة من قِبل العلم والكتاب المقدس على السواء.‏ لذلك لا عجب ان يكون لكل اكتشاف علمي جديد مؤيدون ومناوئون.‏

      يقول مثل لاتيني قديم:‏ «ليس للعلم [او المعرفة] عدوّ الا الجاهل».‏ لكنَّ ذلك لم يعد صحيحا،‏ لأن العلم يتعرض للهجمات بشكل لم يسبق له مثيل —‏ وليس من قِبل الجاهل.‏ فيبدو الآن ان العلم،‏ الذي كان كثيرون يعتبرونه حصينا،‏ يتعرض لهجمات من بعض انصاره السابقين.‏ ويمكن القول ان عددا متزايدا من أتباعه صاروا هم قضاته،‏ هيئة محلّفيه،‏ ومنفِّذي حكم الاعدام فيه.‏ والصروح العلمية الشهيرة هي الآن ميادين للخلافات في اغلب الاحيان.‏ وأحد اسباب ويلاته هو ان الخداع والفساد اللذين سبق ان ارتكبهما بعض الاكاديميين صارا الآن ظاهرَين علنا.‏

      لذلك صار هذا السؤال يُطرح اكثر من ايّ وقت مضى:‏ هل يمكن الوثوق حقا بكل علم؟‏ ان المقالة التالية توجز بعض الاسباب التي تجعل اعدادا متزايدة من الناس تطرح هذا السؤال.‏

  • هل العلماء منقسمون؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • هل العلماء منقسمون؟‏

      ‏«مع انه ينبغي ألا نتغاضى عن الفكرة القائلة ان العلم هو تفتيش عن الحقيقة بشأن العالَم،‏ ينبغي ان نأخذ بعين الاعتبار العوامل النفسية والاجتماعية التي كثيرا ما تعارض هذا التفتيش».‏ هذا ما كتبه طوني مورتن في بحث بعنوان «المدارس العلمية المتعارضة:‏ دوافع العلماء وأساليبهم» (‏بالانكليزية)‏.‏ نعم،‏ يبدو ان الشهرة،‏ كسب المال،‏ او حتى الميول السياسية تؤثر احيانا في نتائج الابحاث العلمية.‏

      في سنة ١٨٧٣،‏ عبَّر اللورد جيسِل عن قلقه بشأن تأثيرات كهذه في الدعاوى القضائية حين قال:‏ «ان شهادة الخبير .‏ .‏ .‏ هي شهادة اشخاص يتخذون احيانا هذا العمل كمورد رزق لهم،‏ لكنَّ هؤلاء الخبراء في كل الحالات يتقاضون اجرا على شهادتهم.‏ .‏ .‏ .‏ لذلك من الطبيعي ان يتحيَّز الخبير في تفكيره،‏ مهما كان نزيها،‏ الى الشخص الذي استخدمه،‏ ونحن في الواقع نجد تحيُّزا كهذا».‏

      خذوا على سبيل المثال العلوم القضائية.‏ فقد اظهرت محكمة استئناف ان العلماء القضائيين يمكن ان يؤيدوا جانبا معيَّنا.‏ تذكر مجلة سيرْتش (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان طلب الشرطة مساعدة العلماء القضائيين يمكن ان يولّد ارتباطا بينهما.‏ .‏ .‏ .‏ وقد ينظر العلماء القضائيون،‏ الذين تستخدمهم الحكومة،‏ الى وظيفتهم كمساعدين للشرطة».‏ وتورد المجلة ايضا كمثال قضيتَي ماڠْواير (‏١٩٨٩)‏ و وورد (‏١٩٧٤)‏ في بريطانيا والمتعلقتَين بعمليات تفجير قام بها الجيش الجمهوري الايرلندي.‏ تقول المجلة عنهما:‏ «انهما شهادة قوية على استعداد بعض العلماء المشهورين وذوي الخبرة العالية للتخلي عن حيادهم العلمي،‏ والاعتبار ان مسؤولياتهم هي مساعدة الادِّعاء».‏

      والمثال البارز الآخر هو قضية لينْدي تشامبرلَين في اوستراليا (‏١٩٨١-‏١٩٨٢)‏،‏ والتي اقتُبس منها فيلم صرخة في الظلام A Cry in the Dark.‏ فالشهادة التي قدمها الخبراء القضائيون كان لها اثر كما يَظهر في الحكم على السيدة تشامبرلَين المتهمة بقتل طفلتها أزاريا.‏ ومع انها ادّعت ان كلبا بريًّا (‏دِنڠو)‏ قتل ابنتها،‏ فقد أُدينت وأُرسلت الى السجن.‏ وبعد سنوات،‏ حين وُجدت سترة الطفلة المتسخة والمضرَّجة بالدم،‏ صارت الادلة السابقة غير كافية لتأكيد مَن قتلها.‏ وبسبب ذلك أُطلق سراح لينْدي من السجن،‏ نُقض الحكم،‏ ودُفع لها تعويض عن الادانة الخاطئة.‏

      عندما يتجادل عالِم مع عالِم آخر،‏ يمكن ان تقوى حدّة النزاع بينهما.‏ فقبل عقود احتل العناوين الإخبارية حول العالم تحدّي الدكتور وليَم ماكبرايد لصانعي الدواء تاليدوميد.‏ فعندما اشار الى ان هذا الدواء،‏ الذي سُوِّق لإراحة الحوامل من القَيء في الصباح،‏ يشوِّه الاطفال غير المولودين،‏ صار هذا الطبيب بطلا بين ليلة وضحاها.‏ ولكن بعد سنوات،‏ حين كان يعمل في مشروع آخر،‏ اتهمه طبيب صار صحافيا بتحوير المعلومات.‏ فوُجد ماكبرايد مذنبا في ذلك.‏ وشُطب اسمه من لائحة الاطباء في اوستراليا.‏

      الخلافات العلمية

      احد الخلافات العلمية الحالية هو:‏ هل الحقول الكهرمغنطيسية مضرة بصحة البشر والحيوانات ام لا؟‏ تشير بعض الادلة الى ان الطاقة الكهرمغنطيسية تسبب تلوثا واسع الانتشار لبيئتنا،‏ وتتراوح مصادرها بين خطوط الكهرباء ذات التوتر العالي والكمپيوتر الشخصي وفرن الموجات الصغرية في بيتكم.‏ حتى ان البعض يدّعون ان الهواتف الخلوية يمكن ان تؤذي دماغكم على مر السنين.‏ ويشير آخرون ايضا الى دراسات علمية تذكر ان الاشعاع الكهرمغنطيسي يمكن ان يسبب السرطان والوفاة.‏ وكمثال لذلك،‏ تخبر صحيفة ذي اوستراليان (‏بالانكليزية)‏:‏ «تُقاضى شركة كهرباء بريطانية بسبب وفاة صبي زُعم انه أُصيب بالسرطان لأنه كان ينام قرب كبلات التوتر العالي».‏ ووجد الدكتور بروس هوكنڠ،‏ مستشار في الطب المهني في ملبورن،‏ ان «معدل ابيضاض الدم [اللوكيميا] عند الاولاد الذين يعيشون ضمن مسافة اربعة كيلومترات تقريبا من اعمدة الارسال التلفزيونية الرئيسية في سيدني هو ضعف المعدل عند الذين يعيشون خارج نطاق الاربعة كيلومترات هذه».‏

      وفي حين يؤيد انصار البيئة هذه الادعاءات،‏ تواجه المؤسسات الكبرى والمصالح التجارية احتمال خسارة بلايين الدولارات بسبب ما يدعونه «حملات إخافة لا لزوم لها».‏ لذلك يقومون بهجومات مضادة ويحظون بدعم قطاعات اخرى من المجتمع العلمي.‏

      وهنالك ايضا الخلاف حول مسألة التلوث الكيميائي.‏ فقد وصف البعض مادة الديوكسين بأنها «اقوى مادة كيميائية سامة اوجدها الانسان».‏ وهذه المادة،‏ التي وصفها مايكل فومنتو بأنها «مجرد منتَج جانبي لا بد منه في صناعة بعض مبيدات الاعشاب» (‏العلم يهاجَم [بالانكليزية])‏،‏ دعاها البعض «المكوِّن الرئيسي للعامل البرتقالي».‏a واجتازت شهرتها الآفاق بعد حرب ڤيتنام.‏ وتبعت ذلك معارك قضائية بين المحاربين القدامى وشركات المواد الكيميائية،‏ وإلى جانب كل طرف وقف خبراء علميون في صراع مع خبراء الطرف الآخر.‏

      وبشكل مماثل،‏ تشدُّ انتباه الرأي العام مسائل بيئية كالدفء العالمي،‏ مفعول الجُنّة،‏ واستنزاف طبقة الأوزون.‏ وعن المخاوف البيئية بشأن القارة القطبية الجنوبية،‏ تخبر صحيفة كانبيرا تايمز (‏بالانكليزية)‏:‏ «ان الابحاث التي قام بها العلماء في محطة پالمر،‏ وهي قاعدة علمية تابعة للولايات المتحدة في جزيرة أنڤر،‏ تُظهر ان الاشعاع فوق البنفسجي القوي يؤذي اشكال الحياة الدنيا كالعوالق والرخويات،‏ ويمكن ان يؤثر في السلسلة الغذائية».‏ ولكن يبدو ان لدراسات علمية كثيرة رأيا آخر،‏ وهذه الدراسات تبدِّد المخاوف المتعلقة باستنزاف الأوزون والدفء العالمي.‏

      فمَن هو على حق؟‏ يبدو ان كل ادعاء او حجة يمكن ان يثبتها او يدحضها الخبراء العلميون.‏ يقول كتاب نماذج ضائعة (‏بالانكليزية)‏:‏ «تتأثر الحقيقة العلمية بالمناخ الاجتماعي السائد في زمنها بقدر ما تتأثر بما يمليه العقل والمنطق،‏ ان لم يكن اكثر».‏ ويلخص مايكل فومنتو قضية الديوكسين بقوله:‏ «نحن جميعا،‏ حسب مَن نستمع اليه،‏ إما ضحايا محتملة للتسمُّم او ضحايا محتملة لتشويه فاضح للمعلومات».‏

      ولكن هنالك كوارث علمية معروفة جدا لا يمكن تبريرها.‏ ويجب ان يقدِّم العلم حسابا عنها.‏

      ‏«مأساة تفوق الوصف»‏

      في «رسالة الى المفكّرين» صادرة في ٢٩ آب ١٩٤٨،‏ كان ألبرت آينشتاين يفكّر في الجوانب غير المستحَبّة للعلم حين ذكر:‏ «تَعلمنا بالاختبار المُرّ ان التفكير المنطقي لا يكفي لحل مشاكل حياتنا الاجتماعية.‏ فغالبا ما حملت الابحاث العميقة والجهد العلمي الدؤوب في طياتها مآ‌سي للجنس البشري،‏ .‏ .‏ .‏ مزوِّدة اياه الوسيلة ليهلك نفسه في دمار شامل.‏ انها فعلا لمأساة تفوق الوصف».‏

      وذكر بيان صحفي صدر مؤخرا لوكالة أسّوشيايتد پرِس:‏ «بريطانيا تعترف بإجراء تجارب اشعاعية على البشر».‏ فقد اكدت وزارة الدفاع البريطانية ان الحكومة تُجري تجارب اشعاعية على البشر طوال فترة ٤٠ سنة تقريبا.‏ وضمن هذه التجارب أُجري اختبار لقنبلة ذرية في مارالينْڠا،‏ اوستراليا الجنوبية،‏ في اواسط الخمسينات.‏

      يشتق اسم مارالينْڠا من كلمة تعني بلغة سكان اوستراليا الاصليين «رعد»،‏ وكانت هذه المنطقة المعزولة خير مكان لتُجري فيه بريطانيا تجاربها العلمية.‏ بعد الانفجار الاول،‏ ساد ابتهاج كبير بنجاح هذه العملية.‏ ذكر تقرير لصحيفة صادرة في ملبورن:‏ «بانقشاع السحابة [الاشعاعية]،‏ اتت قوافل الشاحنات وسيارات الجيپ حاملة الجنود البريطانيين،‏ الكنديين،‏ الاوستراليين،‏ والنيوزيلنديين الذين واجهوا الانفجار وهم في مخابئ محفورة في الارض تبعد عن موقع الانفجار ثمانية كيلومترات (‏٥ اميال)‏ فقط.‏ وعلى كل وجه ارتسمت ابتسامة.‏ كان الامر كما لو انهم عائدون من نزهة».‏

      حتى ان تشاپْمان پينْشِر،‏ المراسل العلمي لصحيفة دايلي اكسپرس البريطانية،‏ ألّف اغنية بعنوان «الشوق الى السحابة الفطرية الشكل».‏ أضيفوا الى ذلك تأكيد احد الوزراء ان الاختبار جرى تماما كما كان مخطّطا له،‏ وأن لا احد في اوستراليا سيكون عرضة لخطر اشعاعي.‏ ولكن،‏ بعد سنوات،‏ زالت الابتسامات عن اوجه المحتضرين بسبب التعرُّض للاشعاع،‏ وتبع ذلك سيل من المطالبات بالتعويضات.‏ وغاب «الشوق الى السحابة الفطرية الشكل».‏ ولا تزال مارالينْڠا منطقة محظورة بسبب التلوث الاشعاعي.‏

      ويبدو ان هنالك اوجه شبه كثيرة بين هذه القصة وقصة الولايات المتحدة مع تجارب القنبلة الذرية التي أُجريت في نيڤادا.‏ ويعتقد البعض انها قضية سياسية،‏ وليست هفوة علمية.‏ قال روبرت اوپنهايمر،‏ الذي كان مسؤولا عن صنع اول قنبلة ذرية اميركية في لوس ألاموس،‏ نيو مكسيكو:‏ «ليست مسؤولية العالِم ان يحدد ما اذا كان ينبغي استعمال القنبلة الهيدروجينية ام لا.‏ فالمسؤولية تقع على عاتق الشعب الاميركي وممثليه المختارين».‏

      مأساة من نوع آخر

      صار استخدام الدم في الطب ممارسة عادية بعد الحرب العالمية الثانية.‏ وقد نظر العلم اليه كمنقذ للحياة،‏ وأعلن ان استعماله آمن.‏ لكنَّ ظهور الأيدز هزّ عالم الطب وجعله يفيق من غفلته.‏ ففجأة،‏ صار هذا السائل الذي يُفترض ان ينقذ الحياة قاتلا باعتبار البعض.‏ قال مدير مستشفى كبير في سيدني،‏ أوستراليا،‏ لمجلة استيقظ!‏:‏ «مرت عشرات السنين ونحن ننقل مادة لا نعرف الكثير عنها.‏ حتى اننا لم نكن نعرف بعض الامراض التي تنقلها.‏ ونحن حتى الآن لا نعرف ماذا ننقل ايضا لأننا لا نستطيع ان نبحث عن شيء نجهله».‏

      وإحدى الحالات المأساوية جدا شملت استخدام هرمون نمو لمعالجة النساء العواقر.‏ فهؤلاء النساء،‏ اللواتي كن يصبون الى قصد اكبر في الحياة بإنجاب طفل،‏ اعتبرن هذه المعالجة نعمة جزيلة.‏ وبعد سنوات،‏ مات بعضهن بشكل غامض من مرض كروتزفلد-‏جاكوب المنكّس للدماغ.‏ والاولاد الذين كانوا يعالَجون بالهرمون نفسه بسبب توقف نموهم بدأوا يموتون.‏ فاكتشف الباحثون ان العلماء كانوا يحصلون على الهرمون من الغدد النخامية لأناس موتى.‏ وكما يبدو،‏ كان بعض الجثث يحمل ڤيروس مرض كروتزفلد-‏جاكوب،‏ فصارت كميات من الهرمونات ملوَّثة به.‏ والاسوأ ايضا هو ان بعض النساء اللواتي عولجن بهذا الهرمون تبرَّعن بالدم قبل ان تَظهر اعراض المرض عليهن.‏ ويُخشى الآن ان يكون الڤيروس موجودا في مخزونات الدم،‏ لأنه ما من وسيلة لإجراء فحص يؤكد وجوده او عدم وجوده.‏

      كل علم ينطوي على مخاطر.‏ لذلك لا عجب ان يُنظر الى العلم،‏ كما يقول كتاب الطبيعة غير الطبيعية للعلم (‏بالانكليزية)‏،‏ «بمزيج من الاعجاب والخوف،‏ الامل واليأس،‏ وأن يُرى بشكلين،‏ كمصدر للكثير من اسقام المجتمع الصناعي العصري وكمصدر يأتي منه العلاج لهذه الاسقام».‏

      ولكن كيف يمكن ان نحدّ من الخطر على نطاق شخصي؟‏ وكيف يمكن ان نحافظ على نظرة متزنة الى العلم؟‏ لا بد ان المقالة التالية ستساعدكم على ذلك.‏

  • عندما يتكلم العلم —‏ كيف تصغون؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٨ | آذار (‏مارس)‏ ٨
    • عندما يتكلم العلم —‏ كيف تصغون؟‏

      ان ظهور امراض جديدة،‏ وكذلك امراض قديمة،‏ يشكّل تحديا للعلم.‏ والناس،‏ التوّاقون الى علاج،‏ يصغون باهتمام عندما يتكلم العلم.‏ والخوف من الموت يجعل اناسا كثيرين يسرعون الى تجربة احدث دواء «سحري»؛‏ وغالبا ما يُغفل عن التفكير في العواقب الطويلة الامد.‏

      في كثير من الاحيان ساعد العلم المتألمين على التمتع بحياة افضل.‏ والبارز في هذا المجال هو الاجراءات الجراحية التي تزيل الحاجة الى نقل الدم المنطوي على مخاطر.‏ وقد منح العلم والتكنولوجيا الجنس البشري القدرة على فعل امور يعجز عن فهمها الخيال.‏ وما كان خيالا علميا صار الآن واقعا يحصل كل يوم.‏ ولكن ليس كل علم لخير الآخرين،‏ تدفعه حاجات البشر الماسة.‏

      مَن يقف وراء الخبر العلمي؟‏

      ان جزءا كبيرا من العلم يدفعه الاهتمام بالمكاسب المادية وتدعمه جماعات ضاغطة قوية،‏ كما ذُكر سابقا.‏ لذلك قبل استخلاص ايّ شيء او التحمُّس لاكتشاف علمي جديد ما،‏ اسألوا نفسكم:‏ ‹مَن يقف حقا وراء هذا الحدث؟‏›.‏ حاولوا تمييز النوايا الخفية.‏ فالكل يعرف ان وسائل الاعلام تزدهر حين تلجأ الى المواضيع المثيرة.‏ ولا تتورع بعض الصحف عن فعل ايّ شيء لتبيع أعدادها.‏ وحتى بعض المجلات المحترمة تسمح في بعض الاحيان باللجوء الى حدٍّ ما الى المواضيع المثيرة.‏

      ليست هنالك دائما بين العلم ووسائل الاعلام علاقة إلفة ومودة.‏ صحيح انه يمكن لوسائل الاعلام ان تعطي صورة جيدة عن العلم،‏ ولكن «غالبا ما يحاول العلماء التحكم في التغطية الصحفية برفض اجراء مقابلات ما لم يُسمح لهم بمراجعة وتصحيح المقالة قبل نشرها.‏ والمراسلون،‏ اذ يخشون رقابة مَن في مصلحته فعل ذلك،‏ يترددون عادةً في السماح للعلماء برؤية مقالاتهم،‏ مع انهم غالبا ما يراجعونهم في التفاصيل ليتأكدوا من دقتها».‏ هذا ما تكتبه دوروثي نلكِن في كتابها بيع العلم (‏بالانكليزية)‏.‏

      ثم تورد امثلة لتؤكد فكرتها:‏ «ان التقارير الصحفية عن الانجازات العلمية الجديدة غالبا ما تحيي الامل في قلوب اليائسين.‏ .‏ .‏ .‏ فيأتي المرضى الى مكاتب اطبائهم ملوِّحين بآ‌خر عدد [من مجلة شهيرة] ومطالبين بالعلاج الاحدث».‏ ثم تذكر دوروثي نلكِن مثال مراسل صحفي سأل رئيس «فريق العمل الدولي حول الصحة العالمية والطاقة البشرية» عما اذا «كان يعتقد ان الاطباء السحرة يمكنهم فعلا اعطاء الادوية في افريقيا».‏ فأجاب انهم «ربما يمكنهم ذلك نظرا الى كونهم موثوقا بهم جدا بين السكان».‏ وماذا عن العنوان الرئيسي الذي ظهر في اليوم التالي؟‏ لقد كان:‏ «خبير في الامم المتحدة يطلب المزيد من الاطباء السحرة»!‏

      للأسف،‏ يبدو انه صار شائعا اليوم ان يعتمد المزيد والمزيد من الناس على الصحف والمجلات للحصول على آخر اخبار العلم،‏ كما تقول نلكِن.‏ أما الذين لا يرغبون كثيرا في القراءة او لا يجيدونها،‏ فقد اصبح التلفزيون مصدرهم الرئيسي للمعلومات.‏

      المحافظة على نظرة متزنة الى العلم

      رغم الانتصارات العلمية التي تفيد البشرية،‏ يجب ألا ننسى ان العلماء هم مجرد بشر.‏ وليسوا بمنأى عن الاغراء والفساد.‏ وليست دوافعهم نبيلة دائما.‏ صحيح ان العلم له مكانه اللائق في المجتمع،‏ لكنه ليس نورا مرشدا معصوما من الخطإ في عالم تتزايد ظلمته.‏

      تذكر مجلة التخمينات في العلم والتكنولوجيا (‏بالانكليزية)‏:‏ «يُظهر تاريخ العلم انه مهما بدا رواد العلم أجِلّاء،‏ فهم لا يزالون عرضة للخطإ».‏ وفي الواقع،‏ بعض هؤلاء هم اكثر من عرضة للخطإ.‏

      نظرا الى الاسباب المشروحة في هذه المقالات،‏ من غير الحكمة ان يدخل المسيحيون في مجادلات علمية او يروجوا نظريات علمية غير مثبَتة.‏ مثلا،‏ قد ينتاب البعض هاجس الخوف من الطاقة الكهرمغنطيسية.‏ وبنية طيبة،‏ قد يبدأون بتشجيع الآخرين على التخلص من افران الموجات الصغرية،‏ البطانيات الكهربائية،‏ وما شابه ذلك.‏ طبعا،‏ كلٌّ منا له الحق في الاختيار،‏ دون انتقاد من الآخرين.‏ لذلك اذا اختار امرؤ ان يفعل شيئا مخالفا لرأينا،‏ فهو ايضا يتمتع بحرية اختيار مماثلة.‏ لهذا السبب،‏ من الحكمة تجنب اللجوء الى نشر مواضيع مثيرة.‏ فهنالك الكثير من الادّعاءات المثيرة التي لم يتبيَّن حتى الآن مدى صحتها.‏ وإذا تبيَّن في النهاية ان بعض هذه الادّعاءات لا اساس له من الصحة او حتى خاطئ،‏ فالذين يؤيدونها لن يُنظر اليهم فقط كمغفَّلين،‏ بل يمكن ان يكونوا قد تسببوا بضرر للآخرين عن غير قصد.‏

      الحذر لازم

      ماذا يجب ان يكون رد فعل المسيحي حيال التقارير العلمية التي تبرزها وسائل الاعلام بطريقة مثيرة؟‏ اولا،‏ تأكدوا هل هنالك تحيُّز؟‏ ما الدافع الى كتابة المقالة او ذكر النبذة الاخبارية؟‏ ثانيا،‏ اقرأوا المقالة بكاملها.‏ فقد لا يكون العنوان الرئيسي المثير منسجما مع التفاصيل في المقالة نفسها.‏ ثالثا،‏ والاهم،‏ تحققوا من سجل انجازات المؤلفين.‏ هل هم صادقون؟‏ هل يضمرون نية خفية؟‏ —‏ رومية ٣:‏٤‏.‏

      يمكن القول انه اذا نظر البعض الى العلماء نظرة شك،‏ فإن العلماء هم المسؤولون عن ذلك.‏ فقد تشوَّهت كثيرا مصداقية بعض العلماء كباحثين عن الحقيقة حياديين.‏ صحيح ان العلم فتح آفاقا مثيرة في معرفة عالمنا ومعرفة الكون،‏ لكنَّ بعض التنبؤات بعالم جديد افضل قائم على العلم تثير الخوف والقلق لا الامل.‏

      يُطلق بعض الخبراء تحذيرات متشائمة بشأن كوارث مستقبلية محتملة.‏ وقد عبَّر الفيزيائي البريطاني يوزيف روتبلات،‏ حائز جائزة نوبل للسلام،‏ عن قلقه بهذه الطريقة:‏ «ما يقلقني هو ان الانجازات العلمية الجديدة يمكن ان تنتج وسائل اخرى للدمار الشامل،‏ وربما وسائل تتوفر بسهولة اكثر مما تتوفر الاسلحة النووية.‏ والهندسة الوراثية هي احد المجالات المحتملة لهذه الانجازات،‏ نظرا الى التطورات المريعة التي تحصل فيها».‏ والپروفسور بن سلينْڠر من الجامعة الوطنية في اوستراليا تحدث عن المشاكل التي يتوقعها:‏ «في نظري،‏ يُحتمل جدا ان تقع الازمة التالية في مجال الهندسة الوراثية،‏ لكني لا اعلم ما هي،‏ او كيف،‏ او متى».‏

      اما كلمة اللّٰه،‏ الكتاب المقدس،‏ فهي ‹نور لسبيلنا› اكيد وموثوق نحو مستقبل آمن يعمّه السلام،‏ الصحة الجيدة،‏ والوحدة العالمية،‏ وذلك على ارض مطهّرة في ظل حكم ملكوت اللّٰه.‏ —‏ مزمور ١١٩:‏١٠٥؛‏ رؤيا ١١:‏١٨؛‏ ٢١:‏١-‏٤‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة