-
الخيال العلمي — ارتفاع شعبيَّتهاستيقظ! ١٩٩٥ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
الخيال العلمي — ارتفاع شعبيَّته
شهدت سنة ١٩٨٢ حدثا كان الاول من نوعه في صناعة الافلام الاميركية. فخلال موسم ١٩٨٢/١٩٨٣ لم يكن اشهر «ممثِّل» سينمائي بشرًا على الاطلاق. وبحسب تاريخ السينما المصوَّر، كان ذلك الممثِّل إي تي، الشخصية الغريبة الشكل انما الظريفة الآتية من الفضاء الخارجي التي قامت بدور البطولة في فيلم إي تي: القادم من خارج الارض ET: The Extraterrestrial!
هذه الحالة اللافتة للنظر هي مجرد دليل واحد من الادلَّة على الشعبيَّة الهائلة التي حظيت بها قصص الخيال العلمي في السنوات الاخيرة. فبعد ان كان الخيال العلمي يقتصر على المجلات الرخيصة ويعتبره الناس سلوى الوحيدين والحالمين، صار جزءا بارزا من التسلية الشائعة. ولكن ماذا يكمن وراء ارتفاع شعبيَّته المثير؟
للاجابة عن هذا السؤال يجب ان نتأمل اولا في تاريخ الخيال العلمي. فمنذ زمن سحيق يروي الناس قصصا غير حقيقية لإخافة الآخرين او التأثير فيهم او لمجرد التسلية. ولكن خلال القرنين الـ ١٧ والـ ١٨ دخلت اوروپا عصر التقدم العلمي والمادي. وابتدأ كثيرون يتحدَّون الافكار ومراجع الثقة التقليدية. وفي هذا الجو ابتدأ البعض يتأملون في مدى تأثير التقدم العلمي في الجنس البشري في المستقبل.
أما مَن ابتكر قصص الخيال العلمي بالتحديد فليس ذلك اكيدا. ففي القرن السابع عشر كتب المؤلِّفان فرنسيس ڠودْوين وسيرانو دو بيرجيراك اعمالا خيالية عن السفر في الفضاء. وفي سنة ١٨١٨ روَت ماري شَلي في كتابها فرنكنشتاين، او پروميثيوس العصري قصة عالِم وقدرته على خلق الحياة ووصفت النتائج المريعة لذلك.
استعمل بعض الكتَّاب هذا النوع من الخيال لإبراز عيوب المجتمع البشري. وهكذا عندما كان جوناثان سويفت يسخر من المجتمع الانكليزي في القرن الـ ١٨، حاك تهكُّمه في سلسلة من الاسفار الخيالية. والنتيجة كانت رحلات ڠاليڤر، قصة رمزية ساخرة دُعيت «اول رائعة ادبية» في الخيال العلمي.
ولكنَّ الفضل في اعطاء قصص الخيال العلمي شكلها العصري يُنسب عادةً الى الكاتبَين جول ڤرن وه. ج. وَلز. ففي سنة ١٨٦٥ كتب ڤرن من الارض الى القمر — واحدة من سلسلة رواياته الناجحة. وفي سنة ١٨٩٥ ظهر كتاب ه. ج. وَلز آلة الزمان.
الخيال يصير حقيقة
مع مطلع القرن العشرين كان العلماء قد ابتدأوا يحقِّقون بعض احلام هؤلاء الكتَّاب الحالمين. وبحسب كتاب العظماء، قضى الفيزيائي الالماني هرمان اوبرت سنوات عديدة يحاول فيها ان يحقِّق حلم جول ڤرن برحلة فضائية بواسطة مركبة مأهولة. وساعدت حسابات اوبرت على وضع الاساس العلمي للسفر في الفضاء. لكنه لم يكن العالِم الوحيد الذي تأثر بقصص الخيال العلمي. يقول كاتب قصص الخيال العلمي الشهير راي برادْبِري: «ان ڤيرنهر ڤون براون وزملاءه في المانيا وكل شخص في هيوستون [مركز وكالة ناسا لتسيير المركبات الفضائية بعد اطلاقها] وكيپ كنيدي [مركز اطلاق المركبات] قرأوا كتابات ه. ج. وَلز وجول ڤرن عندما كانوا صغارا. وقرَّروا ان يعملوا على تحقيق كل ذلك عندما يكبرون.»
وفي الواقع، كانت قصص الخيال العلمي نقطة الانطلاق للابتكار في مجالات كثيرة. والمؤلف رينيه اوت يدَّعي انه قليلة هي «الاختراعات او الاكتشافات التي لم تتوقعها قصص الخيال العلمي مسبقا.» فالغواصات والرجال الآليون والصواريخ المأهولة كانت جميعها من المقوِّمات الشائعة لقصص الخيال العلمي قبل ان تصير حقيقية بزمن طويل. وهكذا يؤكد كاتب قصص الخيال العلمي فريدريك پول ان «قراءة قصص الخيال العلمي هي توسيع لآفاق العقل.»
طبعا، لا تتناول كل قصص الخيال العلمي مواضيع علمية. فبعض كتب وأفلام الخيال العلمي الاكثر شعبيَّة هي في الواقع جزء مما يدعوه البعض الوهم العلمي. وغالبا ما تكون السمةُ المميِّزة في الخيال العلمي كونَ الافكار مقبولة علميا، أما القصص الوهمية فلا تحدُّها سوى مخيِّلة مؤلفها. حتى ان السحر والعيافة قد يشكلان جزءا منها.
ولكن ما مدى دقة الآراء في قصص الخيال العلمي بشأن المستقبل؟ هل كل ما هو خيال علمي يستحق القراءة او المشاهدة؟ ستعالج المقالتان التاليتان هذين السؤالين.
[الصورة في الصفحة ٣]
رواية جول ڤرن «من الارض الى القمر» ساهمت كثيرا في اثارة الاهتمام بالسفر في الفضاء
-
-
نظرة الى الخيال العلمي اليوماستيقظ! ١٩٩٥ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
نظرة الى الخيال العلمي اليوم
السيارات، التلفونات، اجهزة الكمپيوتر — هل كان ممكنا ان يتنبأ احد باختراعها قبل اكثر من ١٣٠ سنة؟ هذا ما فعله كاتب قصص الخيال العلمي جول ڤرن! فهذه الافكار العلمية الثاقبة والمذهلة وُجدت في مخطوطة اكتُشفت مؤخرا لرواية لجول ڤرن بعنوان پاريس في القرن العشرين. وفي هذه الرواية التي لم تُنشر سابقا وصف ڤرن اداة غريبة تشبه بشكل مدهش آلة الفاكس العصرية!a
ولكن حتى اذكى كتَّاب قصص الخيال العلمي يحتاجون الى الكثير الكثير لكي يُعتبروا انبياء حقيقيين. مثلا، صحيح ان قراءة رواية جول ڤرن رحلة الى قلب الارض ممتعة جدا، لكنَّ العلماء يعرفون الآن ان القيام برحلة مماثلة امر مستحيل. ولا يبدو انه من المحتمل ان يشهد عام ٢٠٠١ رحلات بمركبات مأهولة الى المشتري او الى كواكب اخرى، كما ذكر البعض.
ولم يتنبأ ايضا كتَّاب قصص الخيال العلمي بالتطورات العلمية المذهلة التي حدثت. ففي مقالة ظهرت في مجلة الشهرية الاطلسية اعترف كاتب قصص الخيال العلمي توماس م. دِش قائلا: «انظروا كيف ان الخيال العلمي لم يتخيل عصر السيبرنيات [الكمپيوتر] . . . تأثير الجُنة [مفعول الدفيئة]، او اتلاف طبقة الاوزون او الأيدز. انظروا الى عدم توازن القوى الجيوسياسي الجديد. انظروا الى كل هذه الامور، وبعد ذلك اسألوا نفسكم عمَّا اذا كان الخيال العلمي تحدَّث عنها مسبقا. ولا كلمة تقريبا.»
الخيال العلمي — عمل تجاري ضخم
طبعا، ليس الخيال العلمي في نظر محبِّيه علما حقيقيا بل تسلية. ومع ذلك هنالك اشخاص يشكُّون في قيمته في هذا المجال ايضا. ابتدأ صيت الخيال العلمي يذيع كأدب تافه في اوائل هذا القرن بإصدار المجلات الرخيصة المتخصصة في الخيال العلمي. وابتدأ بيع احدى هذه المجلات، مجلة القصص المذهلة، سنة ١٩٢٦. ويُنسب الى مؤسسها، هيوڠو ڠرنسْباك، الفضل في اختراع كلمة تطورت وصارت تقابل عبارة «الخيال العلمي.» وشعر كثيرون بأن قصص المغامرات المثيرة هذه لها قيمة ادبية زهيدة، هذا ان كانت لها اية قيمة.
ابتدأ الخيال العلمي يُحمل محمل الجد على نحو متزايد بعد الحرب العالمية الثانية. فالدور المثير للاهتمام الذي لعبه العلم في تلك الحرب رفع مكانة العلم عاليا. وصارت توقعات كتَّاب قصص الخيال العلمي تبدو قابلة للتصديق اكثر. وهكذا ابتدأت تنتشر المجلات المصوَّرة وغير المصوَّرة والكتب الورقية الغلاف التي تتناول موضوع الخيال العلمي. وصارت كتب الخيال العلمي ذات الغلاف الورقي المقوَّى بين الكتب الاكثر مبيعا. ولكنَّ الخيال العلمي، في محاولته لتلبية حاجات السوق، يضحِّي كثيرا بالنوعية الادبية الجيدة — وبالدقة العلمية ايضا. يقول كاتب قصص الخيال العلمي روبرت أ. هاينْلاين متأسفا انه يُنشر الآن «كل ما هو سهل القراءة وحتى مُسلٍّ بعض الشيء،» بما في ذلك «عدد كبير من الروايات النظرية ذات المستوى الادنى.» وتضيف الكاتبة اورسولا ك. لو ڠان انه حتى «المواد الرديئة» تُطبع.
وعلى الرغم من هذا النقد، بلغت شعبية الخيال العلمي حدًّا لم يسبق له مثيل اذ نال دعما قويا، لا من العلماء، بل من صناعة الافلام.
الخيال العلمي على «الشاشة الكبيرة»
كانت بداية افلام الخيال العلمي في سنة ١٩٠٢ عندما صنع جورج ميلياس الفيلم رحلة الى القمر. وافتتن جيلٌ تالٍ من محبي السينما الشبان بـ فلاش ڠوردن. ولكن في سنة ١٩٦٨، قبل سنة من وصول الانسان الى القمر، نال الفيلم ٢٠٠١: رحلة فضائية طويلة 2001: A Space Odyssey تقديرا فنيا وكان ناجحا من الناحية التجارية ايضا. وأصبحت هوليوود الآن تخصص ميزانيات ضخمة لأفلام الخيال العلمي.
بحلول اواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، بلغت مداخيل افلام مثل الغريب Alien، حرب النجوم Star Wars، بلايد رانر Blade Runner، و إي تي: القادم من خارج الارض نصف مبيعات كل شبابيك التذاكر في الولايات المتحدة. طبعا، كان احد انجح الافلام على الاطلاق من فئة الخيال العلمي، جوراسيك پارك Jurassic Park. ومع الفيلم ظهرت كميات هائلة من ٠٠٠,١ منتَج تقريبا عن جوراسيك پارك. وليس مدهشا ان ينضم التلفزيون ايضا الى القافلة. فالبرنامج الشهير ستار ترك Star Trek قاد الى انتاج عدد من البرامج المتعلقة بالفضاء الخارجي.
ولكن يشعر كثيرون بأن بعض كتبة قصص الخيال العلمي، ارضاءً لرغبات الناس، يضحّون بالخصائص التي اعطت الخيال العلمي مقدارا من القيمة. ويدَّعي المؤلِّف الالماني كارل ميخايَل آرمر ان ‹الخيال العلمي هو اليوم مجرد علامة تجارية رائجة بحيث لم يعد يتميَّز بمضمونه بل بالتقنيات التسويقية.› ويقول آخرون بأسف ان «النجوم» الحقيقيين في افلام الخيال العلمي اليوم ليسوا الاشخاص بل المؤثرات الخاصة. حتى ان احد النقَّاد يقول ان الخيال العلمي «بغيض وتافه جدا في الكثير الكثير من عروضه.»
مثلا، ان الكثير جدا مما يسمى افلام الخيال العلمي لا يتعلق بالعلم او المستقبل على الاطلاق. والمَشاهد المستقبلية تُستخدم احيانا فقط كخلفية للعنف الحي. ويلاحظ الكاتب نورمان سپِنْراد انه في الكثير من قصص الخيال العلمي، هنالك مَن «تُطلق عليه النار، يُطعن، يُبخَّر، يصاب بأشعة لَيزر، يُمزَّق جسمه، يُفترَس، او يُفجَّر.» وفي الكثير من الافلام يُصوَّر هذا العنف بتفاصيل مريعة!
والسبب الآخر الذي يدعو الى القلق هو عنصر القوى الخارقة للطبيعة البارز في عدد من كتب وأفلام الوهم العلمي. وفي حين ان بعض الاشخاص قد يعتبرون قصصا كهذه مجرد معارك مجازية بين الخير والشر، يبدو ان بعض هذه الاعمال يتجاوز حدود المجاز ويروِّج الممارسات الأرواحية.
الحاجة الى الاتزان
طبعا، لا يدين الكتاب المقدس التسلية الخيالية بحد ذاتها. ففي مثل يوثام عن الاشجار، تُصوَّر نباتات لا روح فيها تتحدث احداها الى الاخرى — حتى انها تدبِّر مخططا. (قضاة ٩:٧-١٥) وبشكل مماثل، استخدم النبي اشعياء اسلوبا خياليا حين صوَّر حكاما ماتوا منذ زمن طويل وهم يتحدثون في القبر. (اشعياء ١٤:٩-١١) حتى ان بعض امثال يسوع احتوى على عناصر لا يمكن ان تحدث حرفيا. (لوقا ١٦:٢٣-٣١) ولم يكن الهدف من هذه الاساليب الخيالية مجرد التسلية بل التعليم.
قد يستخدم بعض الكتَّاب اليوم بشكل مقبول مشهدا مستقبليا بهدف التعليم او التسلية. ولكن يجب على القراء، الذين هم مسيحيون ولديهم ضمائر حية، ان يتذكروا دائما ان الكتاب المقدس يدعونا الى تركيز الانتباه على ما هو طاهر ومفيد. (فيلبي ٤:٨) ويذكِّرنا ايضا بأن «العالم كله قد وُضع في الشرير.» (١ يوحنا ٥:١٩) وبعض افلام وكتب الخيال العلمي هي وسيلة لنشر افكار وفلسفات لا تتوافق مع الكتاب المقدس، كالتطوُّر وخلود النفس البشرية والتقمُّص. ويحذِّرنا الكتاب المقدس من الوقوع ضحية ‹الفلسفة والغرور الباطل.› (كولوسي ٢:٨) لذلك من الملائم ممارسة الحذر في الامور المتعلقة بالخيال العلمي كما هي الحال مع كل انواع التسلية. فيجب ان نكون انتقائيين لما نقرأه او نشاهده. — افسس ٥:١٠.
ان الكثير من الافلام الرائجة، كما ذُكر سابقا، يتميَّز بالعنف. فهل يُسَرُّ يهوه باشتراكنا في تسلية يتتابع فيها سفك الدم غير المبرَّر، وهو الذي قيل عنه: ‹محبُّ (العنف) تبغضه نفسه›؟ (مزمور ١١:٥) وبما ان الاسفار المقدسة تدين الأرواحية، يحسن بالمسيحيين ان يعربوا عن التمييز في ما يتعلق بالكتب او الافلام التي تُبرز اوجها كالسحر او العيافة. (تثنية ١٨:١٠) وأَدرِكوا ايضا انه في حين قد يتمكن الراشد من فصل الوهم عن الواقع بسهولة، لا يستطيع كل الاولاد ذلك. لذلك يحسن بالوالدين ان يراقبوا كيف يتأثر اولادهم بما يقرأونه او يشاهدونه.b
قد يقرِّر البعض انهم يفضِّلون اشكالا اخرى من مواد القراءة او التسلية. ولكن لا يلزم ان يدين هؤلاء غيرَهم في هذا الشأن او يثيروا قضية بسبب مسائل تتعلق بالتفضيل الشخصي. — رومية ١٤:٤.
ومن ناحية اخرى، يليق بالمسيحيين الذين يختارون التمتع من حين الى آخر بأنواع التسلية الخيالية المختلفة ان يتذكروا تحذير سليمان: «لعمل كتب كثيرة لا نهاية والدرس الكثير تعب للجسد.» (جامعة ١٢:١٢) من الواضح ان كثيرين في عالم اليوم يبالغون في تعلُّقهم بكتب وأفلام الخيال العلمي. وقد انتشرت نوادي ومؤتمرات الخيال العلمي. وبحسب مجلة تايم، ان محبِّي ستار ترك في القارات الخمس وقفوا انفسهم لتعلُّم اللغة الخيالية كلِنْڠون التي برزت في افلام وبرامج ستار ترك التلفزيونية. ان مسلكا متطرفا كهذا لا ينسجم مع مشورة الكتاب المقدس في ١ بطرس ١:١٣ بأن نبقى «صاحين [«متَّزنين، حاشية عج].»
حتى في احسن احواله لا يستطيع الخيال العلمي ان يُشبع فضول الانسان بشأن ما يخبئه المستقبل. والذين يرغبون حقا في معرفة المستقبل عليهم ان يلتفتوا الى مصدر اكيد. وهذا ما سنناقشه في مقالتنا التالية.
[الحاشيتان]
a بكلمات ڤرن، انها «تلڠراف فوتوڠرافي يسمح بإرسال صورة طبق الاصل لأية كتابة او امضاء او تصميم الى مسافات بعيدة جدا.» — نيوزويك، ١٠ تشرين الاول ١٩٩٤.
b انظروا المقالة «ماذا يجب ان يقرأ ولدكم؟» في عدد ٢٢ آذار ١٩٧٨ من استيقظ!، بالانكليزية.
[الصورة في الصفحة ٧]
يجب ان يشرف الوالدون على تسلية اولادهم
[الصورة في الصفحة ٧]
يجب ان يكون المسيحيون انتقائيين في ما يتعلق بالخيال العلمي
-
-
ما يخبئه المستقبل حقااستيقظ! ١٩٩٥ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
ما يخبئه المستقبل حقا
كثيرون من هواة الخيال العلمي لديهم حب الاستطلاع، رغبة في رؤية تغيير في المجتمع البشري، واهتمام كبير بالمستقبل. والكتاب المقدس لديه الكثير ليقوله عن المستقبل، ولكن بين نظرة الكتاب المقدس الى مصير الانسان وتخمينات كتَّاب قصص الخيال العلمي تشابه لا يكاد يُذكر، هذا اذا وُجد تشابه.
هنالك آراء مختلفة كثيرة جدا في ما سيكون عليه المستقبل في قصص الخيال العلمي. ولكن هل تجعلون حياتكم منوطة بأيّ من هذه الآراء؟ على ايّ اساس يقوم اختياركم؟ ان هذه التصوُّرات لمجرى الحوادث لا يمكن ان تكون كلها صحيحة. وفي الواقع، بما ان كل ما فيها هو تخمين — خيال — فهل يمكنكم ان تقولوا جازمين ان واحدا منها هو الحق؟ احتمال غير وارد ان يكون ايّ منها كذلك.
عدم التوصل الى شيء
ان الكثير من التصوُّرات لمجرى الحوادث في قصص الخيال العلمي لا يتوصل الى شيء. بأيّ معنى؟ بمعنى ان تلك التي تخبر كيف يمكن للعلم ان يمهِّد السبيل لوجود حضارة افضل هنا على الارض لا تتحقق. والواقع هو ان حضارة اليوم بعيدة كل البعد عن ان تكون حضارة متحسِّنة. يلاحظ الكاتب الالماني كارل ميخايَل آرمر: «صرنا في حالة ضياع بشأن المستقبل.» ويشير الى «التهديدات العالمية بالموت من الاسلحة الذرية، الكوارث البيئية، الجوع، الفقر، ازمات الطاقة، [و] الارهاب الذي تموِّله دول.»
وبكلمات اخرى، ان مستقبل الارض والعائلة البشرية الموصوف في الكثير من قصص الخيال العلمي ليس في طريقه الى الصيرورة حقيقة. على العكس، فالحالة البشرية، نظرا الى تدهور الاوضاع على الارض، تسير في الاتجاه المعاكس. ورغم ايّ تقدم علمي او تقني، يختبر المجتمع البشري في كل انحاء العالم المزيد والمزيد من الجرائم، العنف، الفقر، البغض العرقي، وتحطُّم العائلة.
وساهمت بعض الجهود العلمية كثيرا في زيادة مشاكل الانسان. تأملوا في امثلة قليلة: التلوُّث الكيميائي لهوائنا ومياهنا وطعامنا؛ الكارثة في بوپال في الهند حيث ادى حادث في مصنع الى اطلاق غاز سام، موديا بحياة ٠٠٠,٢ شخص مع اصابة نحو ٠٠٠,٢٠٠؛ انصهار قلب معمل نووي لتوليد الطاقة في تشرنوبيل في اوكرانيا، مؤديا الى وفاة كثيرين وإلى ازدياد السرطان والمشاكل الصحية الاخرى في منطقة واسعة.
استعمار الفضاء الخارجي؟
ان عددا كبيرا من قصص الخيال العلمي المتعلقة بالمستقبل تعرض مَهربا من مآسي الحياة وفشل المشاريع البشرية على الارض بوسيلة اخرى ايضا. فهي تجعل هاويها يعيش تصوُّرات خيالية لمجرى الحوادث في الفضاء الخارجي. ومن المواضيع الشائعة في هذا المجال هو استعانة البشر بمركبات فضائية تنطلق من مجرة الى مجرة لاستعمار كواكب اخرى وأجزاء اخرى من الكون. ودفع ذلك البعض الى الاعتقاد كما اعتقد الشخص الذي كتب الى رئيس تحرير صحيفة في نيويورك: «مستقبل الجنس البشري يكمن في استكشاف الفضاء.»
صحيح ان استكشاف الفضاء يتواصل من خلال رحلات المكاكيك الفضائية في جوار الارض وإطلاق اجهزة لرصد الفضاء. ولكن ماذا عن العيش في الفضاء الخارجي؟ مع انه يدور كلام عن ذهاب بشر في رحلة فضائية طويلة، لا توجد في الوقت الحاضر خطط عمل جدية لاستعمار القمر او ايّ من الكواكب المجاورة — فكم بالحري المجرات الاخرى؟ حقا، ان استعمار الفضاء الخارجي بالجهود البشرية ليس خيارا واقعيا في المستقبل القريب. والبرامج الفضائية الحالية لدول مختلفة تكلِّف الكثير حتى انه يجري تقليصها او التخلي عنها.
والحقيقة هي ان مستقبل الجنس البشري، مستقبلكم انتم، لا يكمن في اية مغامرات فضائية يروِّجها بشر. فمستقبلكم هو هنا على الارض. وهذا المستقبل لن يحدِّده علماء ولا حكومات بشرية ولا كتَّاب سيناريو. ولماذا نقول ذلك بثقة؟
لأن المستقبل سيحدِّده خالق الارض، يهوه اللّٰه. ولا يمكن لأيّ تصوُّر لمجرى الحوادث في قصص الخيال العلمي ان يضاهي الوعود المعروضة في الكتاب المقدس. ففي هذا الكتاب — كلمة اللّٰه الموحى بها التي نقلها الى الجنس البشري — يخبرنا عن مستقبل البشر. (٢ تيموثاوس ٣:١٦، ١٧؛ ٢ بطرس ١:٢٠، ٢١) فماذا يقول؟
مستقبل العائلة البشرية
توضح كلمة اللّٰه ان قصد الخالق هو القيام بإصلاح شامل للمجتمع البشري بواسطة حكومة جديدة تحت اشراف يسوع المسيح. وفي الكتاب المقدس تُدعى تلك الحكومة السماوية ملكوت اللّٰه. — متى ٦:٩، ١٠.
وعن هذا الملكوت تعلن النبوة الملهمة في دانيال ٢:٤٤: «في ايام هؤلاء الملوك [الموجودين اليوم] يقيم اله السموات مملكة لن تنقرض ابدا وملكها لا يُترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك [الحالية] وهي تثبت الى الابد.»
وتحت وحي قوة اللّٰه القوية الفعَّالة كتب الرسول بطرس ايضا عن الحياة المستقبلية على الارض في ظل ملكوت اللّٰه. قال: «بحسب وعد [اللّٰه] ننتظر سموات جديدة [ملكوت اللّٰه السماوي] وأرضا جديدة [مجتمعا بشريا جديدا في ظل ذلك الملكوت] يسكن فيها البر.» — ٢ بطرس ٣:١٣.
وكيف ستكون الحياة بالنسبة الى الذين ينالون امتياز العيش على الارض تحت حكم ملكوت اللّٰه السماوي؟ ان وعد الخالق هو التالي: «سيمسح اللّٰه كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الامور الاولى قد مضت. وقال الجالس على العرش ها انا اصنع كل شيء جديدا. وقال لي اكتب فإن هذه الاقوال صادقة وأمينة.» — رؤيا ٢١:٤، ٥.
انه لَمستقبل رائع ذاك الذي يعد به الخالق. وهو مختلف تماما عن كل التصوُّرات الخيالية لكتَّاب قصص الخيال العلمي او العلماء، التصوُّرات التي غالبا ما تتميَّز بمخلوقات وأماكن غريبة وغير واقعية. أما المسيحيون الحقيقيون فيؤمنون بوعود اللّٰه الاكيدة بشأن المستقبل. والأكثر من ذلك هو انهم مستعدون للمخاطرة بحياتهم بسببها.
ولماذا يقومون بأمر كهذا دون ايّ تردُّد؟ لأنهم يعرفون من كلمة اللّٰه ان هذا «الرجاء لا يُخزي،» و ‹اللّٰه منزَّه عن الكذب.› وفي الواقع، «لا يمكن ان اللّٰه يكذب.» (رومية ٥:٥؛ تيطس ١:٢؛ عبرانيين ٦:١٨) وكما ذكر يشوع، احد خدام اللّٰه، منذ زمن طويل: «لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي تكلَّم به الرب عنكم. الكل صار لكم. لم تسقط منه كلمة واحدة.» — يشوع ٢٣:١٤.
ان الكثير من قصص الخيال العلمي يعكس ايديولوجيات هذا النظام القديم الشرير. كيف؟ كانت انطلاقة الخيال العلمي في فترة تدعى التنوير، وفيها رفض اشخاص كثيرون السلطة التقليدية وآمنوا بقدرة الانسان على صنع مستقبله الخاص. لقد كانوا على حق عندما لاموا الدين المنغمس بأمور الدنيا على الكثير من مشاكل المجتمع، لكنهم رفضوا الحقيقة المتعلقة بوجود اللّٰه وقصده ايضا. وخيَّبت املهم كثيرا الطريقة التي بها تجري الامور ولذلك سعوا الى ايجاد افكار اخرى.
لكنَّ الافكار البشرية، مهما كانت منطقية، تبقى محدودة. يقول خالقنا: «كما علت السموات عن الارض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن افكاركم.» — اشعياء ٥٥:٩.
الاكتشاف العلمي الحقيقي
في عالم اللّٰه الجديد، سيُروى جزئيا عطش البشر الطبيعي الى المعرفة بالبحث العلمي الاصيل. ولن تكون هنالك حاجة الى تأليف تصوُّرات لمجرى الحوادث، لأن الواقع سيخلب العقل ويثقِّفه بطريقة سليمة وصحيحة.
وعندئذ سيفهم كثيرون كيف شعر العالِم الشهير اسحاق نيوتن عندما شبَّه نفسه بـ «صبي يلعب على شاطئ البحر، . . . فيما يمتد محيط الحقيقة الكبير كله غير مكتشَف [امامه].» ولا شك ان اللّٰه، في عالمه الجديد، سيقود البشر الامناء الى اكتشافات مثيرة الواحد تلو الآخر.
نعم، ستكون الابحاث العلمية عندئذ قائمة كاملا على الحقيقة، لأن يهوه «اله الحق.» وهو يدعونا الى التعلم من بيئة الانسان الارضية ومن عالم الحيوان ايضا. (مزمور ٣١:٥؛ ايوب ١٢:٧-٩) وبالتأكيد سيكون الجهد العلمي الصادق الموجَّه من اله الحق احد الاوجه الرائعة لنظام اللّٰه الجديد. وعندئذ لن يُنسب الفضل في كل الاختراعات والاكتشافات والتحسينات الرائعة في حياة الانسان ومستويات معيشته الى ايّ بشر، بل الى خالق الكون، يهوه اللّٰه.
في هذا العالم الجديد الذي يقترب بسرعة، سيمجِّد كل البشر الطائعين اللّٰه بسبب عنايته وتوجيهه الحبِّيَّين. وسيخدمونه بفرح عظيم وسيقولون له، كما هو موصوف في الرؤيا ٤:١١: «انت مستحق ايها الرب ان تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك انت خلقت كل الاشياء وهي بإرادتك كائنة وخُلقت.»
[الصورة في الصفحة ٩]
مستقبل الجنس البشري انما هو على الارض
-