-
العبودية — البلوى تستمراستيقظ! ٢٠٠٢ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
العبودية — البلوى تستمر
هل ولّى زمن العبودية؟ معظم الاشخاص يودّون ذلك. فالكلمة بحد ذاتها تنقل الى الذهن صورا مروِّعة للوحشية والظلم. لكن هذه الصور، برأي كثيرين، مجرد صور من الماضي. فالبعض يتخيلون مثلا سفن العبيد في القرون المنصرمة: مراكب خشبية تصدر صريرا تكتظ مخازنها بأعداد هائلة من البشر الخائفين المحشورين في اوضاع مزرية.
صحيح ان سفن العبيد هذه لم تعد تجوب البحار وأن الاتفاقيات الدولية حظرت هذا الشكل من العبودية، لكن زمن العبودية لم يولِّ مطلقا. فالاتحاد الدولي ضد العبودية، وهو جمعية لحقوق الانسان، يذكر ان ٢٠٠ مليون شخص لا يزالون يعانون شكلا من اشكال العبودية. وهم يعملون في اوضاع قد تكون اسوأ من الاوضاع التي قاساها العبيد في القرون الماضية. وفي الواقع، يستنتج بعض المحلِّلين انه «لم يسبق ان شهدت اية فترة في تاريخ الجنس البشري مثل هذا العدد من الناس الذين يرزحون تحت العبودية».
وقصص هؤلاء العبيد العصريين تفطر القلوب. تأملوا في قصة كانجيa الذي لم يتعدَّ العاشرة من عمره. انه يرعى القطعان كل يوم لأسياد قساة يضربونه على الدوام. يوضح قائلا: «اذا توفّقت، وجدت قطعة خبز يابسة، وإلّا قضيت اليوم كله دون طعام». ويضيف: «لم انل قط اجرة مقابل عملي لأني عبد ومُلك لهم. . . . الاولاد الذين في سني يلعبون مع اولاد آخرين، وأنا افضّل الموت على ان احيا هذه الحياة التعيسة».
مثل كانجي، غالبا ما يكون العبيد اليوم اولادا او نساء. وهم يُجبَرون على العمل بكد في صنع السجّاد، بناء الطرقات، قطع قصب السكر، حتى في البغاء. وقد يُباعون بثمن لا يتعدى ١٠ دولارات اميركية. وبعض الوالدين يسعون بأنفسهم لبيع اولادهم بغية إيفاء ديون يصعب تسديدها.
هل تجدون هذه التقارير مروِّعة؟ لستم الوحيدين. فقد علّق الكاتب كڤن بايلز في كتابه اناس للاستهلاك (بالانكليزية): «العبودية تثير الاشمئزاز. فهي لا تسلب المرء جهوده فحسب، بل تسلبه حياته كلها». نظرا الى الوحشية التي يعامل بها الانسان اخاه الانسان، اي سبب لدينا يجعلنا نعتقد ان بلوى العبودية ستنتهي يوما؟ لهذا السؤال علاقة بكم شخصيا اكثر مما يمكنكم تصوره للوهلة الاولى.
فكما سنرى، لا يوجد شكل واحد من العبودية فقط، بل اشكال كثيرة يؤثر بعض منها في كل شخص على وجه الارض. لذلك نحتاج جميعنا ان نعرف هل سيتمتع الجنس البشري يوما بالحرية الحقيقية. لكن اولا، دعونا نتأمل في مقتطفات من تاريخ تجارة العبيد.
[الحاشية]
a ليس اسمه الحقيقي.
[الصورة في الصفحة ٣]
لطالما كان النساء والاولاد الفقراء ضحايا الاتّجار بالعبيد
[مصدر الصورة]
Top photo: UN PHOTO 148000/Jean Pierre Laffont
U.S. National Archives photo
-
-
الكفاح الطويل ضد العبوديةاستيقظ! ٢٠٠٢ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
الكفاح الطويل ضد العبودية
«هذا ما يعنيه ان يكون المرء عبدا: ان تُساء معاملته ويتحمل، ان يُعامَل بعنف ويُجبَر على معاناة المظالم». — يوريپيديز، كاتب مسرحي يوناني من القرن الخامس قم.
للعبودية تاريخ طويل وغالبا بغيض. فمن ايام الحضارتين الباكرتين في مصر وبلاد ما بين النهرين، تستعبد الامم القوية جيرانها الاضعف. وهكذا بدأت تُكتب حكاية من اتعس حكايات المظالم البشرية.
خلال الالف الثاني قم، استعبدت مصر امةً بكاملها عدّت على الارجح عدة ملايين من الاشخاص. (خروج ١:١٣، ١٤؛ ١٢:٣٧) وعندما حكمت اليونان منطقة البحر المتوسط، كان لدى عائلات يونانية كثيرة عبد واحد على الاقل — تماما كما انه في بعض البلدان اليوم يمكن ان تملك العائلة سيارة. وقد برّر الفيلسوف اليوناني أرسطو هذه العادة بالادّعاء ان البشرية مقسّمة الى طبقتين: الاسياد والعبيد، وأن الاسياد لديهم حق طبيعي بإصدار الاوامر، اما العبيد فهم مخلوقون ليطيعوا.
وعزَّز الرومان العبودية حتى اكثر من اليونان. ففي ايام الرسول بولس، شكّل العبيد نصف سكان مدينة روما تقريبا — اي مئات آلاف الاشخاص. ويبدو ان الامبراطورية الرومانية كانت بحاجة الى نصف مليون عبد كل سنة لبناء الانصاب التذكارية، العمل في المناجم، زراعة الحقول، والخدمة في ڤيلّات الاثرياء الضخمة.a وبما ان الذين أُسروا في الحرب استُخدموا عموما كعبيد، فلا بد ان تعطُّش روما الى اقتناء المزيد من العبيد حثَّ الامبراطورية على الاستمرار في شن الحروب.
بعد سقوط الامبراطورية الرومانية فقدت العبودية زخمها، الا انها بقيت موجودة. فبحسب كتاب الأحكام (١٠٨٦ بم، بالانكليزية)، كان العبيد في انكلترا خلال القرون الوسطى يشكّلون ١٠ في المئة من القوة العاملة. وبقيت الفتوحات سبيلا لاقتناء العبيد. والجدير بالملاحظة ان الكلمة الانكليزية slave التي تُنقل الى عبد تأتي من الكلمة slav «سلاڤ»، اذ ان الشعوب السلاڤية شكلت جزءا كبيرا من العبيد في اوروپا خلال اوائل القرون الوسطى.
لكن منذ ايام المسيح، لم تعانِ قارة اهوال تجارة العبيد مثلما عانتها افريقيا. حتى قبل زمن المسيح، تاجر المصريون القدماء بالعبيد الاثيوپيين. وطوال ٢٥٠,١ سنة تقريبا، نُقل ما يُقدَّر بـ ١٨ مليون افريقي الى اوروپا والشرق الاوسط لتلبية الحاجة الى العبيد في هاتين المنطقتين. ومع استعمار الاميركتين الذي بدأ في القرن الـ ١٦، فُتح سوق عبيد جديد، وسرعان ما صارت تجارة العبيد عبر المحيط الاطلسي من اكثر الاعمال التجارية درّا للارباح في العالم. يذكر المؤرخون ان عدد العبيد الذين نُقلوا من افريقيا تعدى الـ ١٢ مليون عبد بين سنة ١٦٥٠ و ١٨٥٠.b وبيع كثيرون في اسواق العبيد.
الكفاح ضد العبودية
على مر القرون، كافح الاشخاص والامم على السواء للتحرر من العبودية. ففي القرن الاول قبل المسيح، قاد سپارتاكوس جيشا من ٠٠٠,٧٠ عبد روماني في نضال عقيم لنيل الحرية. اما ثورة العبيد في هايتي، منذ قرنين تقريبا، فقد حالفها النجاح وأدّت الى تأسيس حكومة مستقلة سنة ١٨٠٤.
طبعا، دامت العبودية في الولايات المتحدة فترة اطول بكثير. وقد ناضل بعض العبيد بعزم ليحرّروا انفسهم وأحباءهم. وحارب اشخاص احرار العبودية بإخلاص بتأييد إلغائها او بمساعدة العبيد الهاربين. رغم ذلك، لم يكن حتى اواخر القرن الـ ١٩ ان حُظرت العبودية اخيرا في كل البلد. ولكن ماذا عن اليوم؟
هل كان الكفاح دون جدوى؟
يذكر الاعلان العالمي لحقوق الانسان: «لا يجوز استرقاق احد او استعباده، ويحظَّر الرِّق والاتّجار بالرقيق بجميع صورهما». لا شك ان هذا الهدف المعلن عنه بحماس سنة ١٩٤٨ هو هدف سامٍ. وقد كرَّس كثيرون من الاشخاص المخلصين وقتهم، طاقتهم، ومواردهم لتحقيق هذا الهدف. لكن النجاح ليس سهل المنال.
فكما تُظهر المقالة السابقة، لا يزال ملايين الاشخاص يكدحون دون مقابل في اوضاع مروّعة، وكثيرون منهم بيعوا او اشتُروا ضد ارادتهم. ورغم الجهود الصادقة للقضاء على العبودية — والتوقيع على اتفاقيات دولية لحظرها — تبقى الحرية الحقيقية للجميع هدفا صعب التحقيق. فقد جعل الاقتصاد العالمي الموحَّد تجارة العبيد السرية تدر ربحا اكبر. ويبدو ان العبودية تحكم قبضتها على بعض الفئات من البشر. فهل الحالة ميؤوس منها؟ لنرَ ذلك.
[الحاشيتان]
a يذكر احد المراجع القديمة ان بعض الرومان الاثرياء جدا ربما امتلكوا ٠٠٠,٢٠ عبد.
b ادّعى بعض المبشرين العديمي الضمير ان اللّٰه يوافق على هذا الاتّجار القاسي بالنفوس البشرية. ونتيجة لذلك، لا يزال كثيرون يعتقدون خطأ ان الكتاب المقدس يبرّر مثل هذه الوحشية. انظروا من فضلكم «وجهة نظر الكتاب المقدس: هل وافق اللّٰه على تجارة العبيد؟»، في عدد ٨ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١ من استيقظ!.
[الصور في الصفحتين ٤، ٥]
اولئك الذين اتت بهم سفن العبيد من افريقيا (الى الاعلى) كانوا في ما مضى يُباعون عموما في اسواق العبيد الاميركية
[مصدر الصورة]
Godo-Foto
Archivo General de las Indias
-
-
حين تولّي العبودية!استيقظ! ٢٠٠٢ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
حين تولّي العبودية!
الحرية! قليلة هي الكلمات التي تنعش القلب مثلما تنعشه هذه الكلمة. فالناس كافحوا وعانوا، عاشوا وماتوا، في سبيل الحرية. لكن للاسف، بذل كثيرون كل هذه الجهود دون ان يشهدوا اي تقدم حقيقي في السعي نحو هدفهم. فهل من رجاء للتحرر من العبودية — رجاء لا ينتهي بالتثبط وخيبة الامل؟ نعم، ان هذا الرجاء موجود.
فقد اوحي الى الرسول بولس ان يكتب عن وعد اللّٰه: «تُحرَّر الخليقة نفسها أيضا من الاستعباد للفساد وتنال الحرية المجيدة لأولاد اللّٰه». (روما ٨:٢١) لكن كيف يمكن ان نكون على يقين ان اللّٰه سيجلب حقا مثل هذه «الحرية المجيدة»؟ احدى الطرائق هي فحص تعاملات اللّٰه مع الجنس البشري عبر التاريخ.
يقول الكتاب المقدس: «حيث روح يهوه، فهناك حرية». (٢ كورنثوس ٣:١٧) نعم، ان روح اللّٰه، او قوته الفعالة، شديد القدرة. واللّٰه يستخدم روحه منذ فترة طويلة لمنح الحرية بطرائق عديدة. وكيف ذلك؟ ينبغي ان نتذكر ان هنالك اشكالا عديدة من العبودية. وقد سبق ان ناقشنا احد أردإ اشكالها، حين يستعبد القوي الضعيف بالقوة والعنف. ولكن تأملوا في بعض الاشكال الاخرى للعبودية.
يمكن ان يجعل الناس من انفسهم عبيدا لمختلف انواع الادمان التي يصعب جدا الهروب منها. كما يمكن ان يُستعبد الناس للاكاذيب والخداع، فيقعون في شرك العيش مقيّدين بأغلال التعاليم الباطلة. وهنالك شكل خبيث من العبودية يبتلي كل واحد منا — سواء ادركنا ذلك ام لا — وتأثيراته مميتة. لكن ينبغي التشديد انه بالرغم من مناقشة مختلف اشكال العبودية مجتمعة في هذه المقالات، فنحن لسنا مطلقا بصدد المساواة بينها. فهي تختلف اختلافا كبيرا. ولكن لديها جميعا قاسم مشترك مهم. ففي نهاية المطاف، سيعمل اله الحرية على ازالة عبء كل شكل من اشكال العبودية هذه عن كاهل الجنس البشري.
الادمان والعبودية
لاحظوا كيف توصف المقامرة القسرية في كتاب عندما ينفد الحظ (بالانكليزية): «هي اضطراب متسم برغبة جامحة في المقامرة تتملك المرء ويتعذر ضبطها. وهذه الرغبة تستمر وتزداد حدتها وتصبح اكثر الحاحا . . . حتى تطغى في النهاية على كل ما له معنى في الحياة، فتقوضه وتدمره في اغلب الاحيان». لا احد يعلم كم هو عدد الاشخاص الذين صاروا عبيدا للمقامرة. ففي مجرد بلد واحد، الولايات المتحدة، يقدّر عددهم بستة ملايين شخص تقريبا.
ويمكن ان يكون للادمان على الكحول نفس التأثير المدمر، هذا إن لم يكن اكبر. وقد يكون في معظم الاماكن اكثر انتشارا. ففي احد البلدان الكبرى، يعاني نصف الراشدين الذكور من الكحولية بدرجات متفاوتة. يوضح ريكاردو، الذي صار كحوليا منذ ٢٠ سنة، ما يعنيه هذا النوع من الادمان: «منذ اللحظة التي تستيقظون فيها يتوق جسدكم الى الكحول — لتهدئة اعصابكم، لنسيان همومكم، او لمجرد اعطائكم ما يكفي من الثقة بالنفس لتواجهوا الحياة. وبالرغم من ان هاجس الشرب يتملككم، تحاولون اقناع نفسكم والآخرين ان تصرفكم طبيعي».
والكحول ليس المادة الوحيدة المسبِّبة للادمان التي تستعبد الناس. فحول العالم، ملايين عديدة يسيئون استعمال المخدِّرات غير المشروعة. بالاضافة الى ذلك، يتعاطى حوالي ١,١ بليون شخص التبغ — الذي يحتوي على احد اكثر المخدِّرات المسبِّبة للادمان. وكثيرون يرغبون كثيرا في الاقلاع عن التدخين لكنهم يشعرون انهم مستعبدون. فهل برهن يهوه انه محرر فعال للناس من اشكال العبودية القوية هذه؟a
تأملوا في مثال ريكاردو. يقول: «منذ عشر سنوات ادركتُ ان الكحول يسيطر على حياتي». ويضيف: «كان يضعضع زواجي، عملي، وعائلتي، وعلمت اني لن احل مشاكلي اذا لم اتحرر من قبضته. وتعلمت من درسي للكتاب المقدس ان الفقر — الحرفي والروحي — يبتلي الذي يسرف في شرب الكحول. (امثال ٢٣:٢٠، ٢١) اردت ان تكون علاقتي باللّٰه جيدة، وبواسطة صلواتي المخلصة التي طلبت فيها المساعدة الالهية استطعت ان اكون صادقا مع نفسي. والرجل الذي درس معي الكتاب المقدس برهن انه صديق لا يقدَّر بثمن. فعندما واجهت انتكاسة، لم يقطع الامل مني، لكنه اظهر لي بصبر وثبات المسلك الذي يرسمه اللّٰه للمسيحيين الحقيقيين».
واليوم يشعر ريكاردو انه تحرر من عبوديته السابقة — بشكل نسبي على الاقل. وهو يعترف بصراحة انه عانى في البداية انتكاسات من وقت الى آخر. يقول: «رغم هذه الانتكاسات، فإن رغبتي في خدمة يهوه بإخلاص، بالاضافة الى دعم زوجتي والرفقاء المسيحيين الآخرين، ساعدتني ان اسيطر على الوضع. وأنا اتطلع بشوق الى الوقت الذي وعد به اللّٰه حين ‹لن يقول احد انا مرضت›، وتصبح الكحولية من الماضي. وحتى يحين ذلك الوقت، سأستمر في نضالي اليومي لأقرّب جسدي ‹ذبيحة حية مقدسة مقبولة عند اللّٰه›». — اشعياء ٣٣:٢٤؛ روما ١٢:١.
حول العالم، اختبر آلاف الافراد شخصيا مساعدة اللّٰه في سعيهم للتحرُّر من شتّى انواع الادمان. لا شك انهم لعبوا دورا كبيرا في وقوعهم في شرك الاستعباد، ربما بالاستسلام لمختلف الضغوط والمغريات. ولكنهم وجدوا رغم ذلك ان يهوه هو محرّر صبور جدا. فيهوه يرغب في مساعدة وتقوية كل مَن يريد خدمته.
«الحق يحرركم»
ماذا لو استُعبد المرء للاكاذيب والخداع؟ يؤكد لنا يسوع ان التحرّر منها ممكن. قال: «إن ثبتم في كلمتي، تكونون حقا تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرركم». (يوحنا ٨:٣١، ٣٢) في الزمن الذي تكلم فيه يسوع، كان كثيرون من المستمعين اليه مستعبدين لمجموعة من المبادئ والقوانين الصارمة الناجمة عن تقاليد الفريسيين. قال يسوع عن القادة الدينيين في ايامه: «يربطون أحمالا ثقيلة ويضعونها على أكتاف الناس، ولا يريدون هم أن يحركوها بإصبعهم». (متى ٢٣:٤) إلّا ان تعاليم يسوع حررت الناس من هذه العبودية. فقد شهّر الاكاذيب الدينية، وأظهر ايضا مصدرها. (يوحنا ٨:٤٤) واستبدل الاكاذيب بالحق، كاشفا بوضوح مطالب اللّٰه المعقولة من الجنس البشري. — متى ١١:٢٨-٣٠.
مثل تلاميذ المسيح، آلاف الناس اليوم يجدون انه بمساعدة اللّٰه يمكنهم ان يتحرروا من الاكاذيب الدينية والتقاليد الباطلة التي استُعبدوا لها. فبعد ان يتعلموا الحق المنعش من الكتاب المقدس، يتحررون من سيطرة الخوف من الموتى، ويتحررون من الرعب الناجم عن فكرة العذاب الابدي في هاوية نارية. كما يتحررون من عبء دفع مال مكتسب بعرق الجبين مقابل الخدمات الدينية التي ينجزها رجال الدين، الذين يدّعون انهم يمثلون المسيح — وهو مَن قال: «مجانا أخذتم فمجانا أعطوا». (متى ١٠:٨) علاوة على ذلك، هنالك حرية اعظم بكثير على وشك ان تتحقق.
اخبث اشكال العبودية
لاحظوا كيف يصف يسوع شكلا خبيثا من العبودية، ذُكر سابقا، ويؤثر في كل رجل، امرأة، وولد على الارض. «الحق الحق أقول لكم: كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية». (يوحنا ٨:٣٤) مَن يمكنه الادعاء انه لا يخطئ؟ حتى الرسول بولس اعترف: «لست أفعل الصلاح الذي أريد، بل الرديء الذي لا أريده فإياه أمارس». (روما ٧:١٩) ورغم انه ما من احد يستطيع تحرير نفسه من اغلال الخطية، فإن وضعنا ليس ميؤوسا منه.
أكد يسوع لتلاميذه: «إن حرركم الابن، تكونون بالحقيقة أحرارا». (يوحنا ٨:٣٦) وتحقيق هذا الوعد لا يعني سوى الحرية من اكثر اشكال العبودية ايذاء. ولكي نفهم كيف يمكننا التخلص منه، ينبغي اولا ان ندرك كيف استُعبدنا في البداية.
يُظهر الكتاب المقدس ان اللّٰه خلق الانسان حرّا ادبيا، دون اي نزعة الى ارتكاب الخطية. لكنّ ابنا روحيا للّٰه غير منظور رغب بأنانية في التسلّط على الجنس البشري، دون الاكتراث بما سيعانيه البشر. ولتحقيق هذا الهدف أبعد هذا الملاك المتمرد، الذي دُعي لاحقا الشيطان ابليس، والدينا الاولين آدم وحواء عن اللّٰه. وبعدما تعمد آدم عدم اطاعة ارشادات اللّٰه المحددة، لم يصبح هو نفسه خاطئا فحسب، بل نقل النقص والموت لكل ذريته. (روما ٥:١٢) في النهاية، اصبح الشيطان ‹حاكم العالم›، و‹ملكت الخطية مع الموت على الجنس البشري›. — يوحنا ١٢:٣١؛ روما ٥:٢١؛ كشف ١٢:٩.
فكيف يمكننا التحرُّر؟ بالصيرورة تلامذة ليسوع يمكننا ان نستفيد من موت المسيح الفدائي، الذي له سلطان ان ‹يبيد من في وسعه أن يسبب الموت، أي إبليس› وأن «يعتق جميع الذين كانوا مدة حياتهم خاضعين للعبودية خوفا من الموت». (عبرانيين ٢:١٤، ١٥) تخيلوا! الحرية من عبودية الخطية والموت! ألا تروقكم هذه الحرية؟
ولكن ماذا عن شكل العبودية الذي ناقشناه في مستهل المقالة؟ هل ستكون هنالك يوما نهاية لاستعباد الناس رغما عنهم؟
اساس اكيد للرجاء
طبعا، يمكن ان نثق ان مثل هذا الشكل الكريه من العبودية سيُبطل. ولماذا؟ حسنا، تأملوا في ما يلي: كان يهوه اللّٰه مسؤولا مباشرة عن اعظم مسيرة للحرية في كل تاريخ الجنس البشري. وربما كنتم مطلعين على القصة.
استعبدت مصر امة اسرائيل، وأجبرتها على القيام بالاعمال اليدوية الشاقة وعاملتها بوحشية. فصرخ الاسرائيليون الى اللّٰه من اجل المساعدة، وهو، برحمته العظيمة، سمعهم واتخذ اجراءات. فاستخدم موسى وهارون كناطقين بلسانه، وطلب من فرعون مصر ان يطلق الاسرائيليين من الاسر. لكن هذا الحاكم المتفاخر رفض مرارا وتكرارا، حتى بعد ان جلب يهوه سلسلة من الاوبئة المدمرة على الارض. لكن في النهاية، اضطر فرعون الى الخضوع للّٰه. وتحرّر الاسرائيليون اخيرا! — خروج ١٢:٢٩-٣٢.
انها رواية مثيرة، أليس كذلك؟ لكنكم قد تتساءلون، لماذا لا ينجز اللّٰه عملا مماثلا في ايامنا. لماذا لا يتدخل في شؤون الجنس البشري وينهي العبودية؟ تذكروا ان يهوه ليس ‹حاكم العالم› — بل الشيطان. فبسبب التحديات التي أُثيرت في عدن في ما مضى، سمح يهوه لعدوه الشرير ان يحكم لفترة محدودة من الوقت. وليست العبودية، الظلم، والوحشية سوى سمات مميِّزة لحكم الشيطان. وتحت هذا التأثير، صنع الحكم البشري سجلا تعيسا. وقد لخّص الكتاب المقدس هذا السجل بكلمات موجزة جدا: «يتسلط انسان على انسان لضرر نفسه». — جامعة ٨:٩.
لكن الى متى؟ يوضح الكتاب المقدس اننا نعيش في «الايام الاخيرة»، الوقت الذي يتفشى فيه الطمع والانانية. (٢ تيموثاوس ٣:١، ٢) وهذا يعني ان ملكوت اللّٰه الذي علّم يسوع ان نصلي من اجل اتيانه، سيؤسس قريبا مجتمعا بارا ستحظّر فيه العبودية. (متى ٦:٩، ١٠) وسيباشر يسوع المسيح، ملك اللّٰه المعيّن، بمحو كل اثر للعبودية حتى يُباد آخر عدو، الموت. — ١ كورنثوس ١٥:٢٥، ٢٦.
عندما يبزغ اخيرا فجر ذلك اليوم، سيرى الناس الامناء ان تحرير شعب اللّٰه من العبودية في مصر لم يكن سوى لمحة مسبقة عن هذا التحرير الاعظم بكثير. نعم، مع مرور الوقت، «الخليقة نفسها ايضا ستُعتق من عبودية الفساد». وسيتمكن الجميع اخيرا من التمتع ‹بحرية مجد اولاد اللّٰه›. — روما ٨:٢١.
[الحاشية]
a في القرن الاول، كانت الشراهة تسود في المآدب الرومانية. لذلك حُذّر المسيحيون من ان يستعبدهم الطعام او ما شابهه. — روما ٦:١٦؛ ١ كورنثوس ٦:١٢، ١٣؛ تيطس ٢:٣.
[الصورة في الصفحة ٧]
في الولايات المتحدة فقط، ما يقدَّر بستة ملايين شخص هم مستعبدون للمقامرة
[الصورتان في الصفحة ٧]
مئات الملايين هم مستعبدون للمخدِّرات، الكحول، والتبغ
[الصور في الصفحتين ٨، ٩]
مثل ريكاردو، اختبر آلاف الاشخاص مساعدة اللّٰه على التحرر من الادمان
[الصورتان في الصفحة ١٠]
كما تحرر الاسرائيليون القدماء من العبودية، سيتمتع عباد اللّٰه الحقيقيون قريبا بتحرر اعظم بكثير
-