مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • هل النفس خالدة؟‏
    برج المراقبة ١٩٩٦ | ١ آب (‏اغسطس)‏
    • هل النفس خالدة؟‏

      بهدوء،‏ يسير الاصدقاء والعائلة بجانب التابوت المفتوح.‏ يحدِّقون الى الجثة،‏ جثة صبي عمره ١٧ سنة.‏ اصدقاؤه في المدرسة يكادون لا يعرفونه.‏ فالمعالجة الكيميائية خفَّفت شعره،‏ والسرطان اهزله كثيرا.‏ هل يمكن ان يكون هذا حقا صديقهم؟‏ فقبل اسابيع فقط،‏ كان مفعما بالافكار،‏ الاسئلة،‏ الطاقة —‏ الحياة!‏ وأم الصبي تكرر باكية:‏ «تومي سعيد اكثر الآن.‏ اراد اللّٰه ان يكون تومي معه في السماء.‏»‏

      تجد هذه الام المنسحقة القلب شيئا من الرجاء والعزاء في الفكرة ان ابنها لا يزال يعيش بطريقة ما.‏ فقد تعلَّمت في الكنيسة ان النفس خالدة،‏ انها مركز الشخصية،‏ الافكار،‏ الذكريات —‏ «الذات.‏» وهي تعتقد ان نفس ابنها لم تمت اطلاقا؛‏ فلأنها روح حية،‏ فارقت جسده عند الموت وذهبت الى السماء لتكون مع اللّٰه والملائكة.‏

      عندما تحلّ فاجعة،‏ يتعلق القلب البشري بشدة بأيّ بصيص امل،‏ لذلك لا يصعب علينا ان نرى لماذا يروق هذا المعتقد كثيرين.‏ تأملوا،‏ مثلا،‏ كيف يعبِّر اللاهوتي ج.‏ پاترسون-‏سميث عن رأيه في انجيل الآخِرة (‏بالانكليزية)‏:‏ «الموت تافه جدا بالمقارنة مع ما يأتي بعده —‏ ذلك العالم الرائع الرائع الذي يُدخلنا اليه الموت.‏»‏

      وحول العالم وفي اديان وحضارات كثيرة،‏ يؤمن الناس ان في داخل الانسان نفسا لا تموت،‏ روحا واعية تبقى حيةً بعد موت الجسد.‏ وهذا المعتقد شائع تقريبا في آلاف اديان العالم المسيحي وبدعه.‏ وهو عقيدة رسمية في الديانة اليهودية ايضا.‏ ويؤمن الهندوس ان «أتمان،‏» او النفس،‏ خُلقت في بداية الزمن،‏ وهي تُسجن في الجسد عند الولادة،‏ وتنتقل عند الموت الى جسد آخر في دورة مستمرة من التجسُّدات.‏ ويؤمن المسلمون ان النفس تأتي الى الوجود مع الجسد وتبقى حيةً بعد موت الجسد.‏ وثمة اديان اخرى —‏ مذهب الارواحية الافريقي،‏ الشنتوية،‏ وحتى البوذية الى حد ما —‏ تعلِّم الموضوع نفسه بأشكال مختلفة.‏

      بعض الاسئلة المقلقة

      مع ان فكرة النفس الخالدة لها جاذبية عالمية تقريبا لا يمكن انكارها،‏ إلا انها تثير بعض الاسئلة المزعجة.‏ مثلا،‏ يتساءل الناس اين تذهب نفس شخص يحبونه اذا كان يعيش حياة غير مثالية.‏ هل يتقمص في شكل حياة ادنى؟‏ ام انه يُرسَل الى المطهر،‏ حيث يطهَّر بعملية نارية حتى يُعتبر مستحقا ان يذهب الى السماء؟‏ والاسوأ من ذلك بعد،‏ هل يعذَّب الى الابد في هاوية نارية؟‏ ام هل هو —‏ كما تعلِّم اديان كثيرة من مذهب الارواحية —‏ روح يجب استرضاؤها؟‏

      ان مفاهيم كهذه تنشئ توقعات تلقي عبْئًا على الاحياء.‏ فهل يجب ان نسترضي ارواح احبائنا الموتى خشية ان ينتقموا منا؟‏ هل يُفترض ان نساعدهم على الخروج من مطهر رهيب؟‏ او هل نرتعد بخوف وعجز من فكرة تألمهم في الهاوية؟‏ او هل نعامل بعض الحيوانات الحية وكأنها تؤوي نفوس البشر الموتى؟‏

      والاسئلة التي تنشأ عن اللّٰه نفسه قلما تكون معزِّية اكثر.‏ على سبيل المثال،‏ ان والدين كثيرين،‏ كالأم المذكورة في البداية،‏ تعزِّيهم في بادئ الامر الفكرة ان اللّٰه «اخذ» نفس ولدهم الخالدة لتكون معه في السماء.‏ ولكن سرعان ما يبتدئ كثيرون منهم يتساءلون ايّ اله يُنزل بولد بريء مرضا شنيعا،‏ منتزعا هذا الولد العزيز من والدَين منسحقَي القلب لينقله الى السماء قبل الاوان.‏ فأين العدل والمحبة والرحمة في اله كهذا؟‏ حتى ان البعض يشكّون في حكمة اله كهذا.‏ فيسألون،‏ لماذا يضع في الاصل اله حكيم كل هذه النفوس على الارض اذا كان من المفترض ان ينتهي الامر بالجميع في السماء على اية حال؟‏ ألا يعني ذلك ان الجهد في خلق الارض ذهب هدرا؟‏ —‏ قارنوا تثنية ٣٢:‏٤؛‏ مزمور ١٠٣:‏٨؛‏ اشعياء ٤٥:‏١٨؛‏ ١ يوحنا ٤:‏٨‏.‏

      من الواضح اذًا ان عقيدة خلود النفس البشرية،‏ كيفما عُلِّمت،‏ تثير اسئلة محيِّرة،‏ وتطرح ايضا تناقضات.‏ لماذا؟‏ ان جزءا كبيرا من المشكلة يتعلق بأصل هذا التعليم.‏ وقد تجدونه منوِّرا ان تستكشفوا هذه الجذور بإيجاز؛‏ وقد يدهشكم ان تعلموا ما يقوله الكتاب المقدس نفسه عن النفس.‏ فهو يقدِّم رجاء بالحياة بعد الموت افضل بكثير من الذي تعلِّمه اديان العالم عموما.‏

  • رجاء افضل للنفس
    برج المراقبة ١٩٩٦ | ١ آب (‏اغسطس)‏
    • رجاء افضل للنفس

      لم يكن الجنود الرومان يتوقعون ذلك.‏ فإذ اقتحموا قلعة مَسْعَدة الجبلية،‏ آخر حصن للقوات اليهودية المتمرِّدة،‏ استعدوا للانقضاض على اعدائهم،‏ لصيحات المحاربين،‏ لصرخات النساء والاولاد.‏ وعوضا عن ذلك لم يسمعوا إلا طقطقة اللهب.‏ وإذ استكشف الرومان المعقِل المشتعل،‏ علموا الحقيقة المرعبة:‏ كان اعداؤهم —‏ نحو ٩٦٠ شخصا —‏ قد ماتوا!‏ فبتنظيم،‏ قتل المحاربون اليهود عائلاتهم،‏ ثم واحدهم الآخر.‏ وقتل آخر واحد نفسه.‏a فماذا دفعهم الى هذا القتل والانتحار الجماعيَّين المروِّعَين؟‏

      بحسب المؤرِّخ المعاصر يوسيفوس،‏ كان الايمان بالنفس الخالدة احد العوامل المهمة.‏ فألِعازار بن يائير،‏ قائد «الغيارى» في مَسْعَدة،‏ كان قد حاول اولا ان يقنع رجاله ان الانتحار مشرِّف اكثر من الموت او العبودية على ايدي الرومان.‏ ولما رآهم يتردَّدون،‏ شرع في القاء خطاب حماسي عن النفس.‏ فقال لهم ان الجسد مجرد عائق،‏ سجن للنفس.‏ وتابع:‏ «ولكن عندما تتحرَّر النفس من الثقل الذي يجذبها نحو الارض ويحيط بها،‏ تعود الى مكانها،‏ وفي الواقع تشارك بعد ذلك في قوة مبارَكة وقدرة لا حدود لها البتة،‏ فتبقى غير منظورة للأعين البشرية كاللّٰه نفسه.‏»‏

      وردّ الفعل؟‏ يخبر يوسيفوس انه بعد ان اسهب ألِعازار في الكلام بهذا الاسلوب،‏ «قاطعه كل سامعيه وأسرعوا ليفعلوا فعلتهم ممتلئين حماسة جامحة.‏» ويضيف يوسيفوس:‏ «وكأن انفعالا قويا تملَّكهم،‏ فهبّوا الى العمل،‏ كل واحد منهم يسابق الآخر،‏ .‏ .‏ .‏ اذ استحوذت عليهم رغبة لا تقاوَم في ان يقتلوا زوجاتهم،‏ اولادهم،‏ وأنفسهم.‏»‏

      ان هذا المثال المريع يكفي ليوضح كم يمكن ان تغيِّر عقيدة النفس الخالدة النظرة البشرية العادية الى الموت.‏ فيعلَّم المؤمنون ان يروا الموت،‏ لا كأسوإ عدو للانسان،‏ بل كمجرد باب يحرِّر النفس لتتمتع بوجود اسمى.‏ ولكن لماذا كان هؤلاء «الغيارى» اليهود يؤمنون بهذا؟‏ يفترض كثيرون ان كتاباتهم المقدسة،‏ الاسفار العبرانية،‏ تعلِّم ان للانسان روحا واعية في داخله،‏ نفسا تفلت لتستمر في العيش بعد الموت.‏ فهل الامر كذلك حقا؟‏

      النفس في الاسفار العبرانية

      بالاختصار،‏ كلا.‏ ففي السفر الاول من الكتاب المقدس،‏ سفر التكوين،‏ يقال ان نفسكم ليست شيئا تملكونه،‏ بل هي انتم.‏ نقرأ عن خلق آدم،‏ اول كائن بشري:‏ ‏«صار آدم نفسا حية.‏» (‏تكوين ٢:‏٧‏)‏ ان الكلمة العبرانية المستعملة هنا مقابل نفس،‏ نِفِش،‏ ترد اكثر من ٧٠٠ مرة في الاسفار العبرانية،‏ ولا تنقل ابدا ولا حتى مرة واحدة فكرة جزء من الانسان غير مادي،‏ روحي،‏ منفصل عنه.‏ فعلى العكس تماما،‏ النفس حسّية،‏ ملموسة،‏ مادية.‏

      افتحوا الى الآيات التالية المشار اليها في نسختكم الخاصة من الكتاب المقدس،‏ لأن الكلمة العبرانية نِفِش موجودة في كلٍّ منها.‏ فهي تُظهر بوضوح ان النفس يمكن ان تواجه خطرا،‏ وحتى ان تُخطف (‏تثنية ٢٤:‏٧‏،‏ ع‌ج؛‏ قضاة ٩:‏١٧؛‏ ١ صموئيل ١٩:‏١١‏)‏؛‏ ان تمسّ الاشياء (‏ايوب ٦:‏٧‏)‏؛‏ ان تُحبس في الحديد (‏مزمور ١٠٥:‏١٨‏)‏؛‏ ان تشتهي الاكل،‏ ان تُذلّ بالصوم،‏ وأن تخور من الجوع والعطش؛‏ وأن تعاني الهُزال او حتى الارق نتيجة الحزن.‏ (‏تثنية ١٢:‏٢٠؛‏ مزمور ٣٥:‏١٣؛‏ ٦٩:‏١٠؛‏ ١٠٦:‏١٥؛‏ ١٠٧:‏٩؛‏ ١١٩:‏٢٨‏)‏ وبكلمات اخرى،‏ لأن نفسكم هي انتم،‏ ذاتكم عينها،‏ يمكن ان تمرّ نفسكم بأيّ شيء تمرُّون به.‏b

      هل يعني ذلك اذًا ان النفس يمكن حقا ان تموت؟‏ نعم.‏ فعوضا عن ان تكون النفوس البشرية خالدة،‏ يجري التكلم في الاسفار العبرانية بأنها «تُقطع،‏» او تُعدم،‏ بسبب ارتكاب خطإ،‏ بأنها تُضرب ضربة مهلكة،‏ تُقتل،‏ تُهلَك،‏ وتُفترس.‏ (‏خروج ٣١:‏١٤؛‏ تثنية ١٩:‏٦‏،‏ ع‌ج‏؛‏ ٢٢:‏٢٦‏،‏ ع‌ج‏؛‏ مزمور ٧:‏٢‏)‏ وتقول حزقيال ١٨:‏٤‏:‏ «النفس التي تخطئ هي تموت.‏» فمن الواضح ان الموت هو النهاية المشتركة للنفوس البشرية،‏ لأننا جميعا نخطئ.‏ (‏مزمور ٥١:‏٥‏)‏ وقيل للانسان الاول آدم ان العقاب على الخطية هو الموت —‏ وليس الانتقال الى الحيز الروحي والخلود.‏ (‏تكوين ٢:‏١٧‏)‏ وعندما اخطأ،‏ صدر الحكم:‏ «لأنك تراب وإلى تراب تعود.‏» (‏تكوين ٣:‏١٩‏)‏ وعندما مات آدم وحواء،‏ صارا ما يشير اليه غالبا الكتاب المقدس بـ‍ ‹نفسين ميتتين.‏› —‏ عدد ٥:‏٢‏،‏ ع‌ج‏؛‏ ٦:‏٦‏،‏ ع‌ج‏.‏

      لا عجب ان دائرة المعارف الاميركية تقول عن النفس في الاسفار العبرانية:‏ «ان مفهوم العهد القديم للانسان هو ذاك الذي للوحدانية،‏ لا لاتحاد من نفس وجسد.‏» وتضيف:‏ «‏نِفِش .‏ .‏ .‏ لا يُعتبر ابدا انـ‍ [ـها] تعمل بمعزل عن الجسد.‏»‏

      اذًا،‏ ماذا كان اليهود الامناء يعتقدون بشأن ماهية الموت؟‏ لقد آمنوا بكل بساطة ان الموت نقيض الحياة.‏ يخبر المزمور ١٤٦:‏٤ بما يحدث عندما تترك الروح،‏ او قوة الحياة،‏ الكائن البشري:‏ «تخرج روحه فيعود الى ترابه.‏ في ذلك اليوم نفسه تهلك افكاره.‏»‏c وكذلك كتب الملك سليمان ان الموتى «لا يعلمون شيئا.‏» —‏ جامعة ٩:‏٥‏.‏

      لماذا اذًا كان كثيرون من اليهود في القرن الاول،‏ ك‍ «الغيارى» في مَسْعَدة،‏ مقتنعين الى هذا الحد بخلود النفس؟‏

      التأثير اليوناني

      لم يكوِّن اليهود هذه الفكرة من الكتاب المقدس،‏ بل من اليونانيين.‏ فبين القرنين السابع والخامس ق‌م،‏ شقّ هذا المفهوم طريقه كما يظهر من مجموعة المعتقدات الدينية اليونانية الغامضة الى الفلسفة اليونانية.‏ ولطالما أُعجب الناس اعجابا شديدا بفكرة وجود حياة بعد الموت تُجزى فيها النفوس الشريرة ألما،‏ فترسّخت الفكرة وانتشرت.‏ وتجادل الفلاسفة دون نهاية حول الجوهر الصحيح للنفس.‏ فادعى هوميروس ان النفس تنتقل عند الموت،‏ مصدرة طنينا،‏ سقسقة،‏ او حفيفا مسموعا.‏ وقال أبيقور ان للنفس في الواقع وزنا وهي بالتالي جسم متناهي الصغر.‏d

      لكنَّ اعظم مؤيد لقضية النفس الخالدة كان على الارجح الفيلسوف اليوناني أفلاطون في القرن الرابع ق‌م.‏ ووَصْفه لموت معلِّمه،‏ سقراط،‏ يكشف اقتناعات تشبه كثيرا اقتناعات «الغيارى» في مَسْعَدة بعد قرون.‏ وكما يقول العالِم اوسكار كُلْمان،‏ «يُظهر لنا أفلاطون كيف يموت سقراط بسلام وهدوء تامَّين.‏ فموت سقراط موت جميل.‏ ولا يُرى هنا ايّ شيء عن رعب الموت.‏ فلا يمكن ان يخاف سقراط الموت،‏ لأنه يحرِّرنا حقا من الجسد.‏ .‏ .‏ .‏ الموت صديق عظيم للنفس.‏ هكذا يعلِّم؛‏ وهكذا يموت،‏ بانسجام رائع مع تعليمه.‏»‏

      كما يتضح،‏ ابتدأ اليهود خلال فترة المكّابيين،‏ في القرن الثاني قبل المسيح،‏ يتشربون هذا التعليم من اليونانيين.‏ وفي القرن الاول ب‌م،‏ يخبرنا يوسيفوس ان الفريسيين والاسينيين —‏ وهما فريقان دينيان يهوديان قويان —‏ اعتنقوا هذه العقيدة.‏ وتعكس بعض القصائد التي نُظمت على الارجح في ذلك العصر المعتقد نفسه.‏

      ولكن ماذا عن يسوع المسيح؟‏ هل علَّم كذلك هو وأتباعه هذه الفكرة من الدين اليوناني؟‏

      نظرة المسيحيين الاولين الى النفس

      لم ينظر مسيحيو القرن الاول الى النفس كما نظر اليها اليونانيون.‏ تأملوا مثلا في موت لعازر صديق يسوع.‏ فلو كانت للعازر نفس خالدة انتقلت بعيدا،‏ بحرية وسعادة،‏ عند الموت،‏ أفما كانت الرواية في يوحنا الاصحاح ١١ لترد بشكل مختلف تماما؟‏ بالتأكيد كان يسوع سيخبر أتباعه لو كان لعازر حيا واعيا وفي حال جيدة في السماء؛‏ على العكس تماما،‏ لقد كرر ما تقوله الاسفار العبرانية وقال لهم ان لعازر نائم،‏ غير واعٍ.‏ (‏العدد ١١‏)‏ ولا شك ان يسوع كان سيفرح لو كان صديقه يتمتع بحياة جديدة رائعة؛‏ وعوضا عن ذلك،‏ نجده يبكي علنا بسبب موته.‏ (‏العدد ٣٥‏)‏ بالتأكيد،‏ لو كانت نفس لعازر في السماء،‏ تتمتع بخلود في منتهى السعادة،‏ لما تصرف يسوع بقسوة ودعاه ثانية ليعيش سنوات قليلة اضافية في «سجن» جسد مادي ناقص وسط جنس بشري مريض ومائت.‏

      وهل عاد لعازر من الموت بحكايات حماسية عن ايامه الرائعة الاربعة ككائن روحاني أُعتق وفُصل عن الجسد؟‏ كلا.‏ ان المؤمنين بالنفس الخالدة سيجيبون ان الامر كذلك لأن ما مرّ به كان مَهيبا اكثر من ان تصفه الكلمات.‏ لكنَّ هذه الحجة غير مقنعة؛‏ أفما كان بإمكان لعازر ان يخبر احباءه على الاقل بذلك —‏ بأنه مرّ بشيء اروع من ان يوصف؟‏ لكنَّ لعازر لم يقل شيئا عن اية امور مرّ بها وهو ميت.‏ فكِّروا في الامر —‏ لقد سكت عن الموضوع الذي استقطب الفضول البشري اكثر من ايّ موضوع آخر:‏ ماهية الموت!‏ ولا يمكن ايضاح هذا الصمت إلا بطريقة واحدة.‏ لم يكن هنالك ما يُقال.‏ فالموتى نائمون،‏ غير واعين.‏

      اذًا،‏ هل يعرض الكتاب المقدس الموت وكأنه صديق النفس،‏ مجرد طقس انتقال بين مراحل الحياة؟‏ لا!‏ فبالنسبة الى المسيحيين الحقيقيين كالرسول بولس،‏ لم يكن الموت صديقا؛‏ كان «آخر عدو.‏» (‏١ كورنثوس ١٥:‏٢٦‏)‏ ولا يعتبر المسيحيون الموت امرا طبيعيا،‏ بل امرا كريها،‏ غير طبيعي،‏ لأنه نتيجة مباشرة للخطية والتمرد على اللّٰه.‏ (‏رومية ٥:‏١٢؛‏ ٦:‏٢٣‏)‏ وهو لم يكن قط جزءا من قصد اللّٰه الاصلي للجنس البشري.‏

      لكنَّ المسيحيين الحقيقيين ليسوا بلا رجاء في ما يتعلق بموت النفس.‏ وقيامة لعازر هي واحدة من روايات كثيرة في الكتاب المقدس تُظهر لنا بصورة حيّة رجاء النفوس الميتة الحقيقي المؤسس على الاسفار المقدسة —‏ القيامة.‏ ويعلِّم الكتاب المقدس عن نوعَين مختلفَين من القيامة.‏ فبالنسبة الى الغالبية العظمى من الجنس البشري الذين يرقدون في المدفن،‏ سواء كانوا ابرارا او اثمة،‏ هنالك رجاء بالقيامة الى الحياة الابدية في الفردوس هنا على الارض.‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٣؛‏ يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩؛‏ اعمال ٢٤:‏١٥‏)‏ وللفريق الصغير الذي اشار اليه يسوع بصفته ‹قطيعه الصغير› هنالك قيامة الى الحياة الخالدة ككائنات روحانية في السماء.‏ وهؤلاء،‏ الذين يشملون رسل المسيح،‏ سيحكمون مع المسيح يسوع على الجنس البشري ويردّونه الى الكمال.‏ —‏ لوقا ١٢:‏٣٢؛‏ ١ كورنثوس ١٥:‏٥٣،‏ ٥٤؛‏ رؤيا ٢٠:‏٦‏.‏

      لماذا نجد اذًا ان كنائس العالم المسيحي لا تعلِّم القيامة،‏ بل خلود النفس البشرية؟‏ تأملوا في الجواب الذي زوَّده اللاهوتي ڤرنر يِڠر في مجلة هارڤرد اللاهوتية (‏بالانكليزية)‏ سنة ١٩٥٩:‏ «كان اهم واقع في تاريخ العقيدة المسيحية ان ابا اللاهوت المسيحي،‏ اوريجانس،‏ كان فيلسوفا افلاطونيا في مدرسة الإسكندرية.‏ وقد اضاف الى العقيدة المسيحية الدراما المسهبة الكاملة عن النفس،‏ التي اخذها من افلاطون.‏» اذًا فعلت الكنيسة تماما ما فعله اليهود قبل قرون!‏ لقد تخلوا عن تعاليم الكتاب المقدس لمصلحة الفلسفة اليونانية.‏

      الاصول الحقيقية للعقيدة

      قد يسأل البعض الآن،‏ دفاعا عن عقيدة خلود النفس،‏ لماذا تعلِّم اديان كثيرة جدا في العالم العقيدة نفسها،‏ بشكل او بآ‌خر؟‏ تعطي الاسفار المقدسة سببا سليما لكون هذا التعليم واسع الانتشار في المجتمعات الدينية في هذا العالم.‏

      يخبرنا الكتاب المقدس ان «العالم كله قد وُضع في الشرير» ويحدِّد بدقة هوية الشيطان بأنه «رئيس هذا العالم.‏» (‏١ يوحنا ٥:‏١٩؛‏ يوحنا ١٢:‏٣١‏)‏ فمن الواضح ان اديان العالم لم تكن محصَّنة ضد تأثير الشيطان.‏ وعلى العكس تماما،‏ ساهمت كثيرا في متاعب العالم اليوم ونزاعاته.‏ وفي مسألة النفس،‏ يبدو انها تعكس رأي الشيطان بوضوح شديد.‏ وكيف ذلك؟‏

      تذكَّروا اول كذبة تفُوِّه بها على الاطلاق.‏ كان اللّٰه قد قال لآدم وحواء ان الموت سينتج اذا اخطأا اليه.‏ لكنَّ الشيطان اكَّد لحواء:‏ «لن تموتا.‏» (‏تكوين ٣:‏٤‏)‏ وطبعا،‏ مات آدم وحواء؛‏ وعادا الى التراب كما قال اللّٰه.‏ إِلا ان الشيطان،‏ ‹ابا الكذب،‏› لم يتخلَّ قط عن كذبته الاولى.‏ (‏يوحنا ٨:‏٤٤‏)‏ وفي اديان لا تُحصى تنحرف عن عقيدة الكتاب المقدس او تتجاهلها كليا،‏ لا تزال الفكرة نفسها تُنقل:‏ ‹لن تموتوا.‏ سيفنى جسدكم،‏ لكنَّ نفسكم ستبقى حيةً الى الابد —‏ كاللّٰه!‏› ومن المثير للاهتمام ان الشيطان قال ايضا لحواء انها ستكون «كاللّٰه»!‏ —‏ تكوين ٣:‏٥‏.‏

      كم هو افضل ان يكون للمرء رجاء مؤسس،‏ لا على الاكاذيب او الفلسفات البشرية،‏ بل على الحق.‏ وكم هو افضل ان نكون واثقين أن احباءنا الموتى غير واعين في المدفن عوضا عن ان نقلق بشأن مكان وجود النفس الخالدة!‏ ان رقاد الموتى هذا لا يلزم ان يخيفنا او يجعلنا نكتئب.‏ فإلى حدّ ما،‏ يمكننا ان نعتبر الموتى في مكان راحة امين.‏ ولماذا امين؟‏ لأن الكتاب المقدس يؤكد لنا ان الموتى الذين يحبهم يهوه هم احياء بمعنى خصوصي.‏ (‏لوقا ٢٠:‏٣٨‏)‏ انهم احياء في ذاكرته.‏ وهذه فكرة معزِّية جدا لأن ذاكرته لا حدود لها.‏ وهو يتوق الى اعادة ملايين لا تحصى من البشر الاحباء الى الحياة وإعطائهم فرصة العيش الى الابد على ارض فردوسية.‏ —‏ قارنوا ايوب ١٤:‏١٤،‏ ١٥‏.‏

      ان يوم القيامة المجيد سيأتي،‏ كما انه لا بد ان تتم كل وعود يهوه.‏ (‏اشعياء ٥٥:‏١٠،‏ ١١‏)‏ فكِّروا في هذه النبوة التي ستتم:‏ «تحيا امواتكَ تقوم الجثث استيقظوا ترنموا يا سكان التراب.‏ لأن طلّكَ طلّ اعشاب والارض تُسقِط الاخيلة [«الارض ستلد من جديد اولئك الذين ماتوا منذ القدم،‏» الكتاب المقدس الانكليزي الجديد‏].‏» (‏اشعياء ٢٦:‏١٩‏)‏ اذًا،‏ ان الاموات الراقدين في المدفن هم في مأمن كالطفل في رحم امه.‏ وسرعان ما ‹سيولدون،‏› يعادون الى الحياة على ارض فردوسية!‏

      فأيّ رجاء هو افضل من هذا؟‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة