-
جنوب افريقيا — عروق كثيرة، نزاعات كثيرة، ولكنّ البعض يجدون السلاماستيقظ! ١٩٨٦ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
ولكنّ المؤسف ان هذا الخليط من العروق قد جلب المشاكل. كتب السر لورنز فان در بوست: «لدى جنوب افريقيا تنوُّع من التوترات البشرية اعظم مما لاي بلد آخر في العالم: هنالك توترات بين البيض والآسيويين، السود والآسيويين، البيض وشعب الكاب الملونين، الافريقانيينa والبريطانيين، وبين الافريقانيين والبريطانيين والسود على السواء.»
-
-
جنوب افريقيا — عروق كثيرة، نزاعات كثيرة، ولكنّ البعض يجدون السلاماستيقظ! ١٩٨٦ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
التوسُّع من اجل الارض
لم تكن طريقة عيش البُشمان منسجمة مع طريقة الهوتنتوت ورجال القبائل الافريقية. واشتدت الحرب في سبيل الارض بمجيء الاوروبيين الذين احتاجوا الى مزارع كبيرة لقطعانهم. ورغم شجاعة الصياد الصغير التي لا تصدَّق أُرغم على التراجع، خاضعا اخيرا لاسلحة الرجل الابيض المعقدة. وامتصت بعضهم امم اخرى كالسوثو، فيما عاش آخرون في الكالاهاري الماحلة.
وبعد الحرب الاولية كان الهوتنتوت اكثر رغبة في الاستسلام وخدمة المستوطنين البيض. وعلى مر الوقت شكّلوا جزءا من مجتمع شعب الكاب الملونين، وهم شعب ودود ومحب من عرق خليط — يشمل الاسلاف الاوروبيين — يتفاوت لونهم من الابيض الى الاسمر الداكن.
وابعاد البُشمان واخضاع الهوتنتوت لم يجلب السلام لجنوب افريقيا. وكما يوضح كتاب «الذهب والعمال»: «بدأ صراع مرّ من اجل الارض، اولا في الكاب الشرقي بين الكسوزا والهولنديين وفي وقت لاحق البريطانيين، ثم في وقت لاحق في الناتال بين الزولو والهولنديين والبريطانيين . . . وأتت نقطة التحوّل عندما ارسل البريطانيون جيوشا جرارة الى جنوب افريقيا. وحسموا النتيجة. فبخيولهم وبندقياتهم الحديثة ومدافعهم استطاعوا اخيرا ان يسحقوا الكسوزا في الكاب الشرقي والزولو في الناتال.»
وفي السنة ١٨٩٩، وبعد ٢٠ سنة، اندلعت حرب الانكليز — البوير التي دامت قرابة اربع سنوات. وكانت نزاعا بين البيض من اصل انكليزي وهولندي، وكلَّفت ما يزيد على الـ ٠٠٠,٤٠ نسمة. فتصوَّروا المشهد الذي واجه السود. هنا كان «المسيحيون،» الذين جلبوا لهم الكتاب المقدس، يذبحون احدهم الآخر.
السود والآسيويون
وماذا عن السود الذين يشكّلون الغالبية في جنوب افريقيا؟ هل هم متحدون؟ في اوائل القرن الـ ١٩ انتصر محارب قوي من الزولو، وهو شاكا، على عدد من القبائل المجاورة. فأحدثت انتصاراته تفاعلا متسلسلا من الحرب ما بين القبائل انتجت ملايين الوفيات.
وعلى مر القرن الماضي، ولدى اكتشاف حقول الذهب الغنية وتقدّم الصناعة، انتقل السود القبليون تدريجيا الى مدن البيض من اجل الاستخدام. وثُلث عدد السكان السود، الذين يمثلون العديد من اللغات المختلفة، يعيشون الآن معا في النواحي المجاورة لمجتمعات البيض. وأحد الامثلة هو سويتو، ذات المليون اسود تقريبا، الواقعة في ضواحي اكبر مدن جنوب افريقيا، جوهانسبورغ. وقد تبنى السود الذين يقطنون في هذه النواحي الكثير من الطرائق الاوروبية، الا ان المعتقدات القبلية القديمة تبقى.
واضافة الى التنوُّع الوافر من العروق هنالك اكثر من مئة الف من عمال المناجم السود المتعاقدين من بوتسوانا، ليسوتو، سوازيلند، الملاوي، والموزمبيق المجاورة. وقد اتى هؤلاء الرجال ليكسبوا المال لعائلاتهم في وطنهم. وهم يعيشون في مجمَّعات المناجم حيث يتفجر الصراع في اغلب الاحيان بين القوميات المختلفة.
وأخيرا هنالك اكثر من نصف مليون آسيوي في جنوب افريقيا. فكيف وصلوا الى هنا؟ في القرن الـ ١٩ حكم البريطانيون منطقة ناتال الساحلية في جنوب افريقيا. ولم تكن قوة الزولو قد انكسرت بعد، وكانوا غير راغبين في العمل في مزارع السكر التي يملكها البيض. لذلك جرى استخدام عمال من الهند من السنة ١٨٦٠ فصاعدا، ومعظم هؤلاء آثروا البقاء بعدما انتهت عقودهم. واستمرت الهجرة من الهند حتى السنة ١٩١١، الوقت الذي فيه كان قد جعل اكثر من ٠٠٠,١٥٠ رجل وامرأة وولد جنوب افريقيا موطنا لهم، مضيفين الى تنوُّع عروقها الوافر. والمحزن ان هؤلاء ايضا غير متحدين. وبينهم يوجد الهندوس والمسلمون وعدد ممن ينتمون الى كنائس العالم المسيحي المختلفة، وتستمر العداوة بين بعض السود والهنود حتى اليوم الحاضر.
لعل القراء يستطيعون الآن ان يفهموا سبب قول المؤلف الجنوب افريقي المقتبس منه آنفا ان هذا البلد لديه «تنوُّع من التوترات البشرية اعظم مما لاي بلد آخر في العالم.» ومؤخرا صنعت الحكومة التي تقتصر على البيض خططا جديدة بأمل ارضاء الهنود والملونين. ولكن اعترض كثيرون من البيض بشدة مما ادى الى تشكيل حزب سياسي جديد.
ويقدّر كتاب «جنوب افريقيا ١٩٨٢» ان اكثر من ٨٣ في المئة من سكان جنوب افريقيا، البيض والسود، يدّعون انهم مسيحيون. ولكنّ عدم الوحدة بينهم قد حوَّل اناسا كثيرين ضدّ المسيحية. فهل يعني ذلك ان ثمة خطأ في الكتاب المقدس؟ لا، لان الكتاب المقدس يدين بوضوح ما هو «عداوة خصام غيرة . . . شقاق،» ذاكرا ان «الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت اللّٰه.» (غلاطية ٥:٢٠، ٢١) وفي الواقع، اثبت الكتاب المقدس انه قوة شديدة من اجل الوحدة في جنوب افريقيا التي يمزقها النزاع.
-