مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • هل تضرب البلوى ثانية؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥ | كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٢
    • هل تضرب البلوى ثانية؟‏

      حين نتخيل الحياة قبل بضعة عقود،‏ تتبادر الى ذهننا صورة تلك الأيام الجميلة بل الفاتنة بطابعها التاريخي القديم.‏ ففي بلاد الغرب مثلا،‏ درجت آنذاك عربات الخيل والتنانير الواسعة الفضفاضة والقبعات الطويلة الرسمية.‏ لكنّ الذعر كان ايضا يخيّم على الاجواء بسبب الموت الذي زحف مجتاحا العالم بأسره.‏ والسبب؟‏

      لا نقصد بكلامنا الحرب التي كانت مستعرة في تلك الحقبة بل بلوى اخرى،‏ بلوى وُصفت بأنها الاشد فتكا في كل تاريخ الجنس البشري المكتوب:‏ الانفلوَنزا الاسبانية لسنة ١٩١٨-‏١٩١٩.‏

      كانت الضحايا تموت بالجملة بغياب العلاجات والادوية الفعالة.‏ وحصد الموت حياة ملايين الشبان المعافين وهم في اوج عطائهم.‏ وصارت الجثث تتكدس بسرعة اكبر من ان يتسنى للناس دفنها.‏ حتى ان بعض البلدات والقرى امّحت عن بكرة ابيها.‏

      وقعت كل هذه الاحداث المروعة منذ ٨٥ سنة تقريبا.‏ ولكن هل نعرف اليوم سبب ذلك المرض؟‏ وهل تضرب كارثة مماثلة مرة اخرى؟‏ وإذا حدث ذلك،‏ فهل يمكننا ان نحمي انفسنا؟‏

      ثمة وجه مثير آخر لهذا الموضوع.‏ هل تعلم ان الكتاب المقدس تحدث منذ زمن بعيد عن الاوبئة التي شهدها عصرنا؟‏ (‏لوقا ٢١:‏١١؛‏ رؤيا ٦:‏٨‏)‏ فهل كانت الانفلوَنزا الاسبانية جزءا من اتمام نبوات الكتاب المقدس؟‏ ستناقش المقالات التالية الاجوبة عن هذا وغيره من الاسئلة.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٣]‏

      الاستعداد لدفن بعض ضحايا الانفلوَنزا الاسبانية في فيلادلفيا،‏ الولايات المتحدة الاميركية

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Library of the College of Physicians of Philadelphia

  • اسوأ وباء شهده التاريخ
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥ | كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٢
    • اسوأ وباء شهده التاريخ

      في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩١٨،‏ كان العالم لا يزال يتخبط في الحرب العالمية الاولى.‏ ورغم ان هذه الحرب كانت على وشك ان تنتهي،‏ لم تُرفع الرقابة عن التقارير الاخبارية.‏ لذلك كانت الصحف في اسبانيا،‏ التي لم تشارك في الحرب وحافظت على حرية الصحافة،‏ هي اول من اخبر ان المدنيين في اماكن كثيرة يمرضون ويموتون بسرعة مخيفة.‏ وبسبب ذلك أُطلق على هذا المرض اسم «الانفلوَنزا الاسبانية»،‏ الاسم الذي صار يُعرف به لاحقا.‏

      بدأ هذا الوباء الشامل في آذار (‏مارس)‏ ١٩١٨.‏a ويعتقد كثيرون من الباحثين انه ظهر بادئ الامر في ولاية كانساس بالولايات المتحدة.‏ ومن هناك انتقل على ما يبدو الى فرنسا مع وصول الجنود الاميركيين الى ذلك البلد.‏ فسقطت ضحايا الانفلوَنزا بأعداد هائلة وبسرعة رهيبة.‏ ولكن بحلول تموز (‏يوليو)‏ ١٩١٨ بدا ان الوضع يعود الى نصابه.‏ غير ان الاطباء لم يعلموا في ذلك الوقت ان هذا الوباء الشامل كان يحشد قواه ليشنّ هجوما اشد ضراوة من السابق.‏

      عندما وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها في ١١ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩١٨،‏ تهلل العالم بأجمعه.‏ لكنّ المضحك المبكي ان الوباء ضرب العالم بأسره في ذلك الوقت بالتحديد.‏ فتصدرت اخبار هذا الوحش الضاري عناوين الصحف العالمية.‏ وقليلون ممن عاشوا في تلك الحقبة افلتوا من براثنه،‏ وقد سيطر الخوف والذعر على الجميع.‏ قال مصدر موثوق به عن الانفلوَنزا:‏ «انخفض متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة اكثر من ١٠ سنوات سنة ١٩١٨».‏ فما هي اوجه الاختلاف التي تميّز هذا الوباء عن غيره من الاوبئة؟‏

      وباء لا مثيل له

      ان الطريقة الفجائية التي ضربت بها الانفلوَنزا هي من اكثر اوجه الاختلاف اثارة للخوف.‏ فإلى اي حد كانت ضربته مفاجئة؟‏ في كتاب الانفلوَنزا الكبرى (‏بالانكليزية)‏ الصادر حديثا،‏ اقتبس الكاتب جون م.‏ باري من سجل يتناول هذا الموضوع،‏ قائلا:‏ «في ريو دي جانيرو،‏ كان رجل يستعلم عن امر ما من تلميذ في الطب يدعى سيرو ڤييرا دا كونيا ينتظر وصول الترام.‏ وكان صوت الرجل طبيعيا جدا لكنه فجأة سقط ميتا.‏ وفي كَيپ تاون بجنوب افريقيا،‏ كان تشارلز لويس يصعد الى عربة ترام ليعود الى بيته في رحلة طولها خمسة كيلومترات،‏ وإذا به يرى قاطع التذاكر يسقط ميتا.‏ وخلال الخمسة كيلومترات التالية مات ستة اشخاص على متن الترام،‏ من بينهم السائق».‏ لقد ماتوا جميعهم بالانفلوَنزا.‏

      اما وجه الاختلاف الثاني فهو الخوف،‏ الخوف من المجهول.‏ فالعلم لم يستطع ان يحدِّد سبب المرض او كيفية انتشاره.‏ لذلك وُضعت تدابير وقائية لحماية الصحة العامة.‏ وهكذا فُرض الحجر الصحي على المرافئ وأُقفلت دور السينما والكنائس وغيرها من الاماكن العامة.‏ مثلا،‏ امر الرسميون كل الناس الساكنين في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ ان يلبسوا اقنعة من الشاش.‏ وكان كل مَن يظهر في الاماكن العامة دون قناع يدفع غرامة او يُلقى في السجن.‏ لكنّ كل التدابير المتبعة باءت بالفشل لأنه كان قد فات الاوان.‏

      من جهة اخرى،‏ دبّ الذعر ايضا في النفوس لأن الانفلوَنزا اصابت الناس بشكل عشوائي.‏ فلأسباب لا تزال غامضة حتى الآن،‏ لم يصب هذا الوباء الشامل الذي حدث عام ١٩١٩ المسنين بشكل رئيسي،‏ بل ضرب الشباب المعافين وأودى بحياتهم.‏ فقد تراوحت اعمار معظم ضحايا الانفلوَنزا الاسبانية بين ٢٠ و ٤٠ سنة.‏

      بالاضافة الى ذلك،‏ كانت الانفلوَنزا فعلا وباء عالميا،‏ حتى ان ضربتها وصلت الى الجزر في المنطقة المدارية.‏ فقد انتقل هذا الفيروس على متن السفن الى ساموا الغربية (‏المعروفة اليوم بساموا)‏ في ٧ تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩١٨.‏ ومات في غضون شهرين حوالي ٢٠ في المئة من السكان البالغ عددهم ٣٠٢‏,٣٨ نسمة.‏ حقا،‏ لقد اكتسح هذا الوباء كل البلدان الرئيسية في العالم!‏

      فضلا عن ذلك،‏ هنالك ايضا جسامة هذه البلوى.‏ على سبيل المثال،‏ ضرب هذا الوباء في بداياته مدينة فيلادلفيا في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الاميركية وكانت ضربته موجعة.‏ فبحلول منتصف تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩١٨،‏ صار هنالك نقص كبير في التوابيت.‏ يخبر المؤرخ ألْفرد و.‏ كروزبي:‏ «قال احد المصنِّعين انه كان يمكن ان يبيع ٠٠٠‏,٥ تابوت في غضون ساعتين لو توفر لديه هذا العدد.‏ وفي بعض الاحيان،‏ كان عدد الاموات في مشرحة المدينة يصل الى عشرة اضعاف عدد التوابيت المتوفرة».‏

      في وقت قصير نسبيا،‏ كانت الانفلوَنزا قد قتلت اناسا اكثر مما قتل اي وباء مماثل في كل تاريخ الجنس البشري.‏ وبحسب احد التقديرات الشائعة،‏ بلغ عدد ضحايا الوباء حول العالم ٢١ مليونا.‏ غير ان بعض الخبراء اليوم يعتبرون هذا الرقم منخفضا.‏ فعدد من المتخصصين في الامراض الوبائية اليوم يقدِّرون ان حصيلة الضحايا بلغت على الارجح ٥٠ مليونا او ربما وصلت الى ١٠٠ مليون!‏ ويقول باري المذكور سابقا:‏ «قتلت الانفلوَنزا في سنة واحدة اناسا اكثر مما قتل الطاعون الاسود في غضون قرن ايام العصور الوسطى.‏ وقتلت في اربعة وعشرين اسبوعا اعدادا تفوق تلك التي ذهبت ضحية الأيدز في اربع وعشرين سنة».‏

      ومن المذهل ان عدد الاميركيين الذين قضوا بسبب الانفلوَنزا الاسبانية خلال سنة واحدة تقريبا فاق عدد الاميركيين الذين قُتلوا في ساحات المعارك في الحربين العالميتين كلتيهما.‏ توضح الكاتبة جينا كولاتا:‏ «لو ضرب مثل هذا الوباء اليوم وقتل النسبة نفسها من سكان الولايات المتحدة،‏ لمات ٥‏,١ مليون اميركي،‏ اي اكثر من الذين ماتوا في سنة واحدة بسبب امراض القلب والسرطان والسكتة الدماغية والامراض الرئوية المزمنة والأيدز وداء ألزهايمر مجتمعة».‏

      ببسيط العبارة،‏ كانت الانفلوَنزا الاسبانية اكثر الاوبئة الشاملة فتكا في تاريخ الجنس البشري.‏ فأية مساعدة تمكن العلم من تقديمها؟‏

      حين يقف العلم عاجزا

      بحلول الحرب العالمية الاولى،‏ بدا ان الطب قطع شوطا كبيرا في مكافحة الامراض.‏ حتى اثناء الحرب،‏ كان الاطباء فخورين بالنجاح الذي احرزوه في خفض تأثيرات الامراض المعدية.‏ وفي ذلك الوقت،‏ اعلنت المجلة المنزلية للسيدات (‏بالانكليزية)‏ ان المنازل الاميركية لم تعد بحاجة الى غرفة يُمدد فيها الميت بغية وداعه.‏ واقترحت تحويل هذه الغرف الى غرف للجلوس.‏ على الرغم من ذلك،‏ حين ضربت الانفلوَنزا الاسبانية،‏ وقف الطب شبه عاجز امام الوضع.‏

      يكتب كروزبي:‏ «عام ١٩١٨،‏ ساهم كل الاطباء في اكبر فشل مُني به الطب في القرن العشرين،‏ او في كل العصور اذا ما اخذنا بعين الاعتبار عدد الموتى كمقياس».‏ ولكيلا يُلقى اللوم على الاطباء وحدهم،‏ يقول باري:‏ «في ذلك الزمن،‏ ادرك العلماء تماما حجم الخطر،‏ وعرفوا كيف يشفون الكثير من حالات النزلة الجرثومية الثانوية.‏ كما انهم أسدوا نصائح بشأن الصحة العامة كان من شأنها ان تنقذ حياة عشرات آلاف الاميركيين.‏ لكنّ السياسيين تجاهلوا هذه النصائح».‏

      بناء على ما تقدّم،‏ وبعد مرور حوالي ٨٥ سنة،‏ ماذا تعلمنا عن هذا الوباء الشامل المرعب؟‏ ما الذي سببه؟‏ هل يضرب ثانية؟‏ وهل من الممكن النجاح في مكافحته في هذه الحالة؟‏ ان بعض الاجوبة عن هذه الاسئلة قد تفاجئك.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a الوباء هو مرض يتفشى في مكان محدد،‏ اي في مجتمع او مدينة او بلد بكامله.‏ اما الوباء الشامل فهو وباء عالمي النطاق.‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٦]‏

      تراوحت اعمار معظم ضحايا الانفلوَنزا الاسبانية بين ٢٠ و ٤٠ سنة

      ‏[الصورة في الصفحة ٤]‏

      صف في مدرسة عام ١٩١٩،‏ مدينة كانِن في كولورادو،‏ الولايات المتحدة الاميركية

      ‏[مصدر الصورة]‏

      10026787 Courtesy,‎ Colorado Historical Society,‎

      ‏[الصورة في الصفحتين ٤ و ٥]‏

      رجل شرطة

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Photo by Topical Press Agency/Getty Images

      ‏[الصورة في الصفحة ٥]‏

      لاعبو بايسبول يلبسون اقنعة واقية

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Underwood & Underwood/CORBIS ©

  • ما نعرفه اليوم عن الانفلوَنزا
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥ | كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ٢٢
    • ما نعرفه اليوم عن الانفلوَنزا

      عام ١٩٩٧،‏ جلس عالِم في قرية للأسكيمو تدعى بريڤيڠ تقع في منطقة التُّندرا المتجمدة في شبه جزيرة سيوارد بألاسكا.‏ وكانت ممددة أمامه جثةُ امرأة شابة نبشها هو وأربعة من الأسكيمو من الجليد الدائم.‏ لقد أُصيبت هذه الشابة بالانفلوَنزا عام ١٩١٨ وبقيت هناك مجمَّدة منذ ذلك الحين.‏

      فما النفع من فحصها الآن؟‏ لقد أمل هذا العالِم ان يكون العامل المسبِّب للانفلوَنزا لا يزال في رئتَيها وأن يتمكن من عزله وتصنيفه باستعمال التقنيات الوراثية المتطورة.‏ ولماذا قد تكون هذه المعلومات مفيدة؟‏ للاجابة عن هذا السؤال،‏ يلزم ان نفهم اكثر كيفية عمل الفيروسات وما الذي يجعلها خطرة الى هذا الحد.‏

      فيروس قد يكون مميتا

      نعرف اليوم ان الانفلوَنزا سببها فيروس وأنها تنتقل من شخص الى آخر من خلال الافرازات التنفُّسية التي نطلقها حين نسعل،‏ نعطس،‏ ونتكلم.‏a وهذا المرض موجود في كل اقطار العالم،‏ حتى في المناطق المدارية حيث يمكن ان يصيب الناس على مدار السنة.‏ وفي نصف الكرة الارضية الشمالي،‏ يستمر موسم الانفلوَنزا من تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ الى آذار (‏مارس)‏،‏ اما في نصف الكرة الارضية الجنوبي فمن نيسان (‏ابريل)‏ الى ايلول (‏سبتمبر)‏.‏

      يُعتبر فيروس الانفلوَنزا من النمط «أ» اخطر فيروسات الانفلوَنزا.‏ وهو صغير الحجم بالمقارنة مع فيروسات كثيرة اخرى،‏ ويكون عموما كروي الشكل تبرز من سطحه نتوءات.‏ وحين يصيب هذا الفيروس الخلية البشرية،‏ يتكاثر بسرعة كبيرة جدا بحيث تنفجر الخلية في غضون ١٠ ساعات تقريبا،‏ ويندفع منها حشد من «نسخ» جديدة من فيروس الانفلوَنزا يتراوح عددها بين ٠٠٠‏,١٠٠ ومليون نسخة.‏

      والمخيف في هذه العضوية البسيطة قدرتها على التغيُّر بسرعة.‏ فبما ان هذا الفيروس يتكاثر بسرعة كبيرة (‏اسرع بكثير من فيروس الـ‍ HIV)‏،‏ لا تكون «نسخه» متطابقة.‏ وأحيانا،‏ يكون الاختلاف كافيا بحيث لا يتعرف الجهاز المناعي على الفيروس.‏ لهذا السبب نواجه كل سنة اشكالا جديدة من فيروسات الانفلوَنزا وبالتالي مجموعة جديدة من مولِّدات الضد،‏ وهي مواد تمتحن مناعة جسمنا.‏ فيكفي ان يتغيّر مولِّد الضد الى حدّ معين حتى يعجز جهاز المناعة عن الدفاع عن نفسه وينشأ خطر حدوث وباء شامل.‏

      بالاضافة الى ذلك،‏ تصيب فيروسات الانفلوَنزا ايضا الحيوانات،‏ وهنا تكمن المشكلة بالنسبة الى البشر.‏ فيُعتقد ان الخنزير،‏ الذي يمكن ان يكون مضيفا لفيروسات تصيب الطيور مثل الدجاج والبط،‏ قد يكون ايضا مضيفا لفيروسات اخرى تصيب البشر.‏

      وإذا أُصيب الخنزير في آن واحد بهذين النوعين من الفيروسات،‏ الذي يصيب الحيوانات والذي يصيب البشر،‏ يمكن ان تمتزج مورثات سلالتَي هذين الفيروسين.‏ وقد يؤدي ذلك الى ولادة سلالة جديدة من الانفلوَنزا لا يملك البشر مناعة ضدها.‏ ويعتقد البعض ان المجتمعات الزراعية حيث تعيش الطيور الداجنة،‏ الخنازير،‏ والناس معا —‏ كما هي الحال في آسيا مثلا —‏ هي اماكن محتملة لنشوء سلالات انفلوَنزا جديدة.‏

      لماذا استشرى الى هذا الحد؟‏

      ما الذي جعل فيروس الانفلوَنزا الذي ظهر عام ١٩١٨-‏١٩١٩ يتحوّل الى مسبب لمرض ذات الرئة القاتل الذي اودى بحياة الشباب؟‏ صحيح انه لم يبقَ فيروس حي من تلك الحقبة،‏ ولكن طالما امل العلماء ان يعثروا على عيّنة مجمَّدة منه ليتمكنوا من عزل الرَّنا RNA السليمة واكتشاف السبب الذي جعل هذه السلالة مميتة الى هذا الحدّ.‏ وقد نجحوا نوعا ما في مساعيهم.‏

      فبفضل عيّنة ألاسكا المجمدة التي أُخذت من جثة المرأة المذكورة في مستهل هذه المقالة،‏ تمكن فريق من العلماء من تصنيف معظم مورِّثات فيروس الانفلوَنزا لسنة ١٩١٨-‏١٩١٩ والتأكد من تسلسلها.‏ لكنّ العلماء لم يتوصلوا بعد الى فهم السبب الذي جعل هذه الانفلوَنزا تصير قاتلة الى هذا الحد.‏ ولكن يبدو ان هذه السلالة هي ذات صلة بفيروس للانفلوَنزا يصيب الخنازير والطيور كليهما.‏

      هل يضرب مجددا؟‏

      وفقا لما يقوله خبراء عديدون،‏ ليس السؤال المطروح هل يضرب فيروس الانفلوَنزا الفتّاك ثانية،‏ بل متى و كيف يضرب؟‏ في الحقيقة،‏ يتوقع البعض ان تتفشى الانفلوَنزا بشكل كبير نسبيا مرة كل ١١ سنة تقريبا وأن تضرب بحدة بالغة كل ٣٠ سنة تقريبا.‏ وبحسب هذه التوقعات،‏ كان يُفترض ان يكون وباء شامل قد ضرب ثانية.‏

      عام ٢٠٠٣،‏ اخبرت المجلة الطبية اللقاح (‏بالانكليزية)‏:‏ «لقد مرت ٣٥ سنة مذ حدث آخر وباء انفلوَنزا شامل.‏ وأطول فترة فاصلة بين وبائين شاملين وردت في سجل موثوق به هي ٣٩ سنة».‏ وتابعت المقالة:‏ «قد يظهر فيروس الوباء الشامل في الصين او اي دولة قريبة منها،‏ وقد يشمل مولِّدات الضد السطحية او العوامل المسببة للفوعة الناشئة عن فيروسات الانفلوَنزا الحيوانية».‏

      وأوردت المقالة التي نشرتها مجلة اللقاح توقعاتها بشأن الفيروس،‏ قائلة:‏ «سينتشر بسرعة في كل انحاء العالم.‏ وستحدث موجات عديدة من العدوى.‏ كما ان المرض سيتفشّى بسرعة ويصيب كل فئات الاعمار،‏ وستشهد كل البلدان فوضى عارمة في النشاطات الاقتصادية والاجتماعية.‏ وسيحصد الموت اعدادا هائلة من الناس من معظم فئات الاعمار،‏ هذا إن لم يكن من كل فئات الاعمار.‏ وعلى الارجح،‏ ستعجز انظمة العناية الصحية الموجودة حتى في البلدان الاكثر تقدما من الناحية الاقتصادية عن سدّ الحاجة الى خدمات العناية الصحية».‏

      ولكن ما مدى الخطر الناجم اذا ما تحققت هذه التوقعات؟‏ يبدي جون م.‏ باري واضع كتاب الانفلوَنزا الكبرى رأيه،‏ فيقول:‏ «ان الارهابي الذي يملك سلاحا نوويا هو كابوس لكل سياسي في البلد.‏ وكذلك يجب ان يكون وباء الانفلوَنزا الشامل الجديد».‏

      ما هي العلاجات المتوفرة؟‏

      قد تتساءل:‏ «ألا توجد علاجات فعالة اليوم؟‏».‏ ينطوي الجواب عن هذا السؤال على وجه مفرح وآخر سيِّئ.‏ فالمضادات الحيوية يمكن ان تخفض عدد الوفيات الناجمة عن النزلة الجرثومية الثانوية،‏ ويمكن ان تنجح بعض الادوية في مكافحة عدد من سلالات الانفلوَنزا.‏ وهنالك ايضا لقاحات تساعد في مكافحة فيروس الانفلوَنزا اذا حُددت سلالاته الصحيحة وأُنتجت اللقاحات في المهلة المحددة.‏ هذا هو الوجه المفرح.‏ ولكن ما هو الوجه السيِّئ؟‏

      ان تاريخ لقاحات الانفلوَنزا تشوبه الاخطاء،‏ بدءا من مسلسل النزلة الخنزيرية المشؤوم لعام ١٩٧٦ وصولا الى النقص في انتاج اللقاحات الذي حدث عام ٢٠٠٤.‏ وبالرغم من التقدم الكبير الذي احرزه الطب منذ الحرب العالمية الاولى،‏ لم يعرف الاطباء حتى الآن اي علاج يقضي على فيروس قوي.‏

      لذلك ينشأ السؤال المقلق التالي:‏ هل يحدث مجددا ما حدث سنة ١٩١٨-‏١٩١٩؟‏ لاحظ ما ورد في بحث اجراه المعهد الوطني للبحث الطبي في لندن:‏ «هنالك بعض الظروف المشابهة لتلك التي سادت عام ١٩١٨.‏ فحركة السفر الدولي ناشطة جدا بفضل التقدم في وسائل النقل.‏ اضف الى ذلك النزاعات القائمة في بلدان عديدة وما يرافقها من سوء تغذية وصحة رديئة.‏ كما ان عدد السكان في العالم ارتفع الى ستة بلايين ونصف البليون.‏ وتعيش النسبة الكبرى من هؤلاء السكان في مدن تكون فيها البنى التحتية المخصصة للصرف الصحي والتخلص من النفايات في حالة يرثى لها».‏

      لقد توصل احد الخبراء الاميركيين الموثوق بهم الى الاستنتاج التالي:‏ «ببسيط العبارة،‏ كلما مرّت سنة صار الوباء الشامل التالي اقرب».‏ ولكن هل يعني كل ذلك ان المستقبل مظلم وما من بصيص امل؟‏ بالطبع لا!‏

      ‏[الحاشية]‏

      a يذكر كتاب الفيروسات،‏ الاوبئة،‏ والتاريخ (‏بالانكليزية)‏:‏ «كان الايطاليون اول من استعملوا كلمة انفلوَنزا influenza وذلك حوالي سنة ١٥٠٠ ليشيروا الى الامراض التي اعتقدوا انها تحدث بسبب ‹تأثير› (‏influence)‏ النجوم.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٩]‏

      قد تبدأ سلالات الانفلوَنزا الجديدة في المجتمعات الزراعية

      ‏[مصدر الصورة]‏

      BAY ISMOYO/AFP/Getty Images

      ‏[الصورة في الصفحتين ٨ و ٩]‏

      فيروس الانفلوَنزا من النمط «أ»‏

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Science Source/Photo Researchers,‎ Inc ©

      ‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

      فحص الباحثون عينات من فيروس وباء سنة ١٩١٨-‏١٩١٩

      ‏[مصدر الصورة]‏

      TOUHIG SION/CORBIS SYGMA ©

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة