مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • دور التعاون في عالم الطبيعة
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥ | ايلول (‏سبتمبر)‏ ٨
    • دور التعاون في عالم الطبيعة

      في عالم الطبيعة،‏ «يعتمد بقاء الكائنات الحية على ارتباط كل كائن بجيرانه بقدر ما يعتمد على النمو والتكاثر».‏ —‏ «الترابط في الحياة» (‏بالانكليزية)‏.‏

      كان المحيط ساكنا وهادئا،‏ لا يعكِّر صفوه إلا ضجيج جمهرة من طيور البحر.‏ ولم يكن هيجان الطيور هذا سوى دلالة على ان شيئا ما يجري تحت سطح الماء.‏ فقد بانت فجأة فقاقيع في الماء وبدأت تشكّل تدريجيا حلقة بيضاء.‏ وما هي إلا لحظات حتى ظهر من المياه الصافية وسط الحلقة جسمان ضخمان قاتما اللون.‏ فقد صعد حوتان احدبان من لجة المحيط فاغرين فمهما مكشرين عن عظم فكيهما.‏ وعند سطح الماء،‏ اطبق كلٌّ منهما فكَّيه الهائلين،‏ ثم اطلقا من منخريهما نافورة من بخار الماء وغاصا مجددا في المياه ليعيدا الكَرَّة.‏

      كان الحوتان اشبه بفريق ثنائي يتعاونان على حشر والتهام كميات من العوالق القشرية الشبيهة بالقريدس.‏ فكمَن يؤدي رقصة باليه تحت الماء،‏ يغوص هذان الثدييان البالغ وزن الواحد منهما ٤٠ طنا تحت القشريات ويسبحان في دائرة صغيرة وهما ينفثان الهواء من منخريهما.‏ فتشكّل هذه العملية الفذة «شبكة» من الفقاقيع حول القشريات.‏ عندئذ يصعد الحوتان عموديا في وسط «الشبكة» ويلتهمان الفرائس بشهية.‏

      وفي سهول افريقيا،‏ غالبا ما تتعاون قرود البابون وظباء الإمپالا معا.‏ تقول مجلة ساينتفيك امريكان (‏بالانكليزية)‏:‏ «يؤلِّف هذان النوعان جهاز انذار مشتركا».‏ فحاسة الشم القوية عند الإمپالا والنظر الثاقب الذي تتمتع به قرود البابون يكمّلان احدهما الآخر ويصعّبان على الحيوانات المفترسة الاقتراب خلسة.‏ وهنالك شركة مماثلة بين النعام التي تمتلك نظرا حادا وحمير الوحش التي تتمتع بسمع مرهف.‏

      وليست امثلة التعاون هذه في عالم الاحياء حولنا سوى غيض من فيض.‏ فالدعم المتبادل يمكن ان يُلاحظ في كل مستويات الحياة،‏ من الميكروبات الى الانسان،‏ وبين انواع متشابهة وأخرى متباينة.‏ ومنذ آلاف السنين،‏ دأب الملك سليمان على مراقبة الطبيعة،‏ فقال في النملة الوضيعة:‏ «اذهب الى النملة ايها الكسلان،‏ وانظر طرقها وكن حكيما.‏ فمع انها من غير قائد ولا عريف ولا حاكم،‏ تهيئ في الصيف طعامها،‏ وتجمع في الحصاد مؤونتها».‏ —‏ امثال ٦:‏٦-‏٨‏.‏

      ان النمل هو مثال رائع للتعاون،‏ الاجتهاد،‏ والتنظيم.‏ وهو غالبا ما يعمل معا ليسحب الى وكره اشياء تفوقه حجما.‏ حتى ان بعض النمل يساعد النمل الجريح والمنهك ويعيده الى الوكر.‏ ونظرا الى هذه الميزات،‏ لا عجب ان يختار سليمان النمل كمثال لنقتدي به.‏

      وفي المقالتين التاليتين،‏ سنرى كيف يكون التعاون محورا رئيسيا في ‹كتاب الطبيعة›،‏ مما يجعل الحياة ممكنة،‏ بما في ذلك الحياة البشرية.‏ وسنتعلم ايضا عن دور البشر في استغلال الطبيعة،‏ تلويثها،‏ وتهديد المخلوقات بالانقراض.‏ فهل يسمح الخالق بأن يستمر هذا الوضع الى ما لا نهاية؟‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٣]‏

      في الاعلى:‏ قرود البابون وظباء الإمپالا تؤلف جهاز انذار مشتركا

      ‏[الصورة في الصفحة ٤]‏

      يُعتبر النمل مثالا للتعاون

      ‏[الصورة في الصفحة ٤]‏

      هنالك شركة بين النعام التي تمتلك نظرا حادا وحمير الوحش التي تتمتع بسمع مرهف

  • لماذا التعاون امر حيوي
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥ | ايلول (‏سبتمبر)‏ ٨
    • لماذا التعاون امر حيوي

      ‏«ما من كائن حيّ هو جزيرة منعزلة،‏ بل كلٌّ متعلِّقٌ بغيره من الكائنات،‏ بطريقة مباشرة او غير مباشرة».‏ —‏ «التعايش:‏ مدخل الى الارتباطات البيولوجية» (‏بالانكليزية)‏.‏

      ‏«شبكة الحياة».‏ يا لها من عبارة ملائمة!‏ فالحياة هي فعلا شبكة من الكائنات المترابطة والمتكافلة.‏ والبشر هم جزء لا يتجزأ من هذه الشبكة.‏ يكفي ان تتأمل في جسمك لترى الدليل على ذلك.‏ ففي قناتك الهضمية جيش من البكتيريا المفيدة يعمل بتفانٍ وصمت ليحفظك سليما معافى،‏ من خلال القضاء على العضويات المؤذية الدخيلة وتسهيل عملية الهضم وإنتاج الفيتامينات التي لا غنى لك عنها.‏ وأنت بدورك كعائل تقدِّم للبكتيريا طعاما وبيئة ملائمة.‏

      تحدث تحالفات مشابهة في عالم الحيوان،‏ وخصوصا الحيوانات المجترّة —‏ الحيوانات التي تعيد الطعام من بطنها لتمضغه ثانية —‏ مثل البقر والأيائل والخراف.‏ فكرشها،‏ اي القسم الاول من معدتها المتعددة الاقسام،‏ تعول البكتيريا والفطريات والعضويات الوحيدة الخلية التي تؤلف كلها معا نظاما بيئيا قائما بذاته.‏ وبواسطة التخمُّر،‏ تفكك هذه الميكروبات السلّيلوز،‏ نوع ليفي من الكربوهيدرات موجود في النبات،‏ ليتحوّل الى مواد مغذِّية مختلفة.‏ وفضلا عن الحيوانات المجترة،‏ هنالك حشرات ايضا تقتات بالسلّيلوز،‏ مثل بعض انواع الخنافس والصراصير ولاحسات السكر والأَرَض والزنابير،‏ وتستخدم البكتيريا في عملية الهضم.‏

      ان هذا التعاون اللصيق بين عضويات غير متشابهة يدعى التعايش،‏ اي «العيش معا بألفة».‏a يقول توم وايكفورد في كتابه الترابط في الحياة (‏بالانكليزية)‏:‏ «تُعتبر هذه التحالفات اساسية لاستمرارية كل الانظمة الحية».‏ تأمل مثلا في التربة،‏ منشإ الكثير من الانظمة الحية الموجودة على كوكبنا.‏

      التربة تعج بالحياة!‏

      يقول الكتاب المقدس ان الارض تعطيك قوَّتها.‏ (‏تكوين ٤:‏١٢‏)‏ وهذه عبارة سليمة،‏ لأن التربة المعافاة هي اكثر من مجرد تراب لا حياة فيه.‏ انها وسطٌ معقد يعج بأشكال الحياة.‏ فمجرد كيلوغرام واحد منها يحتوي على اكثر من ٥٠٠ بليون بكتيريا،‏ بليون من الفطريات،‏ وما يقارب ٥٠٠ مليون من المخلوقات المتعددة الخلايا،‏ من الحشرات الى الديدان.‏ ويعمل العديد من هذه العضويات معا،‏ فيفكك المواد العضوية،‏ كالاوراق اليابسة وفضلات الحيوانات،‏ ويستخلص النتروجين ويحوّله الى اشكال يمكن ان تمتصها النباتات.‏ كما ان هذه العضويات تغيِّر الكربون ايضا الى ثاني اكسيد الكربون وغيره من المركّبات التي تحتاج اليها النباتات في التخليق الضوئي.‏

      وهنالك ايضا أُلفة خصوصية بين البكتيريا والقرنيات،‏ كالفِصفِصة والبرسيم والبازلّا وفول الصويا.‏ فهذه النباتات تسمح للبكتيريا بأن «تغزو» جذورها.‏ لكن عوض ان تؤذي البكتيريا هذه النباتات،‏ تعزّز نمو عُقيدات على جذورها تكون بمثابة مسكن للبكتيريا تنمو فيه بحيث يتضاعف حجمها ٤٠ مرة،‏ وتتحول الى ما يدعى الجُرثومانيّات.‏ وتعمل البكتيريا بعد ذلك على «تثبيت» النتروجين بحيث يشكل مركبات كيميائية يمكن ان تستعملها القرنيات.‏ وتحصل البكتيريا بدورها على طعامها من هذه النباتات.‏

      تلعب الفطريات،‏ او العفن،‏ ايضا دورا رئيسيا في نمو النباتات.‏ فلكل شجرة وشجيرة وعشبة تقريبا صلة بالفطريات تحت سطح الارض.‏ فهذه العضويات «تغزو» هي ايضا الجذور،‏ وتساعد النبتة على استقاء الماء والمعادن المهمة،‏ مثل الحديد والفسفور والبوتاسيوم والزنك.‏ وفي المقابل تمتص الفطريات الكربوهيدرات من النبتة،‏ لأنها لا تستطيع ان تنتج طعامها الخاص بسبب افتقارها الى الكلوروفيل.‏

      والسَّحْلبيَّة هي من النباتات التي تعتمد كثيرا على الفطريات.‏ ففي البرية،‏ يبدأ التحالف مع بذور السَّحْلبيَّة الشبيهة بالغبار التي تحتاج الى المساعدة لتنمو.‏ وحين يكتمل نمو النبتة تساعدها الفطريات ايضا بزيادة فعالية جذورها الصغيرة نسبيا.‏ فالفطريات،‏ كما يقول وايكفورد،‏ «تشكل شبكة كبيرة وناشطة تؤمن كل ما تحتاجه السَّحْلبيَّة من مواد غذائية.‏ وفي المقابل،‏ تحصل [الفطريات] من النبتة على كميات صغيرة من الفيتامينات ومركّبات النتروجين.‏ لكنّ كرَم السَّحْلبيَّة له حدود.‏ فالنبتة تضبط وجود الفطريات بإفراز مبيدات للفطريات،‏ اذا ما تبين لها انها ستتعدى حدود مسكنها داخل الجذور وتستعمر ساق النبتة».‏

      اما في ما يتعلق بالنباتات المزهرة،‏ فليس الترابط القائم داخل التربة سوى جزء من القصة؛‏ فهي تقيم ايضا تحالفات اخرى ظاهرة للعيان.‏

      شِركة بهدف التكاثر

      عندما تحط النحلة على الزهرة،‏ يدخلان معا في شِركة قائمة على التعايش.‏ فتحصل النحلة على رحيق الازهار وغبار الطَّلْع،‏ فيما تحصل الزهرة على ذرّات من غبار الطَّلْع من براعم اخرى تنتمي الى نوع الازهار نفسه.‏ ويتيح هذا الاتحاد ان تتكاثر النباتات المزهرة.‏ وبعد التلقيح،‏ تتوقف الازهار عن انتاج الطعام.‏ فكيف تعرف الحشرات ان «المطعم» اقفل ابوابه؟‏ «تخبرها» الزهرة ذلك بطرائق عديدة.‏ فقد تفقد شذاها،‏ تطرح تُويجياتها،‏ تغير وجهة ميلانها،‏ او تبدّل لونها فتصبح مثلا باهتة.‏ قد يحزننا ذلك نحن البشر،‏ لكن هذه العملية تُعتبر «معروفا» كبيرا تسديه الزهرة الى النحل الكادح كي يحوِّل جهوده وأنظاره الى النباتات التي لا تزال مشرعة الابواب.‏

      في السنوات الاخيرة،‏ انخفض عدد الحشرات الملقِّحة،‏ وخصوصا النحل،‏ انخفاضا ملحوظا في بعض المناطق.‏ وهذا الامر نذير سوء،‏ اذ ان نحو ٧٠ في المئة من النباتات المزهرة يعتمد على الحشرات الملقِّحة.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ فإن ٣٠ في المئة من طعامنا يأتي من المحاصيل التي يلقّحها النحل.‏

      النمل في الحديقة

      ينعم بعض النمل بتحالف مع النباتات يقوم ايضا على التعايش.‏ فمقابل السكن والطعام،‏ قد تلقِّح هذه الحشرات عائلها،‏ توزع بذوره،‏ تساعده ليحصل على المواد المغذية،‏ وتحميه من آكلات العشب سواء كانت من الحشرات او من الثدييات.‏ فثمة نوع من النمل يقيم بيته في تجويفات اشواك شجر السنط ويدمِّر النباتات المعترشة المؤذية التي يكتشفها حين يمشّط المنطقة المحيطة بالشجرة.‏ ويعبّر شجر السنط عن امتنانه لخدمة البستنة الممتازة هذه بتقديم وجبات من الرحيق الحلو للنمل.‏

      من ناحية اخرى،‏ يفضل بعض النمل «تربية الحيوانات الداجنة».‏ و «الحيوانات» المقصودة هنا هي الارقات التي تفرز سائلا لزجا حلوا يدعى المِغْثَر عندما يضربها النمل ضربة خفيفة بقرن استشعاره.‏ يقول كتاب التعايش (‏بالانكليزية)‏ عن الارقات:‏ «يربي النمل هذه الحشرات مثلما تربى الماشية،‏ ‹فيحلبها› من اجل الطعام ويحميها من الحيوانات المفترسة».‏ ومثلما يضع المزارع بقره في الحظيرة اثناء الليل،‏ غالبا ما يحمل النمل الارقات الى وكر النمل الآمن في المساء ويعيدها الى «المرعى» في الصباح،‏ ويضعها عادة على الاوراق الأغض الاوفر غذاء.‏ ولسنا نتحدث عن مجرد عدد قليل من الارقات.‏ ففي وكر واحد،‏ قد يكون لدى النمل «قطعان» تعدّ بالآلاف!‏

      يرعى النمل ايضا بعض انواع الفراشات وهي بعد في طور الاساريع.‏ فتتعايش مثلا الفراشة الزرقاء الكبيرة مع النمل الاحمر.‏ وهي في الواقع لا تستطيع ان تنهي دورة حياتها ما لم تنل المساعدة.‏ وحين تكون يسروعا،‏ تكافئ عائلها بإفرازات سكّرية.‏ وحين تغادر الفراشة الشرنقة،‏ تترك وكر النمل سليمة معافاة.‏

      عيشة محفوفة بالخطر

      اذا كنت طيرا،‏ فهل تأتي بأفعى حية الى عشك؟‏ ستجيب طبعا:‏ «مستحيل!‏».‏ لكن احد انواع الطيور يفعل ذلك،‏ وهو البومة الصيّاحة.‏ اما الافعى التي يأتي بها فهي من فصيلة الدَّمَّاسِيَّات،‏ وتدعى الافعى العمياء.‏ فهذه الافعى لا تؤذي صغار الطيور بل تأكل النمل والذباب،‏ كما تقتات بغيرهما من الحشرات وتلتهم يرقاتها وخادراتها.‏ ويقول تقرير في مجلة العالِم الجديد (‏بالانكليزية)‏ ان صغار الطيور التي تتربى في كنف عائلة تكون الافعى من افرادها،‏ «تنمو اسرع وتكون امكانية بقائها على قيد الحياة اكبر» من الطيور التي تتربى بمعزل عن هذه المكنسة الكهربائية الحية التي تنظِّف العش من الدخلاء.‏

      وثمة طائر يدعى كروان الماء لا يتعايش مع مجرد افعى؛‏ فهو يحب ان يبني عشه قرب عش تمساح النيل الذي يقتات ببعض انواع الطيور!‏ لكن عوض ان يصبح الكروان وجبة للتمساح،‏ يكون له حارسا.‏ فإذا هدّد الخطر عشه او عش التمساح يطلق الطائر صرخات تحذيرية.‏ وإذا كان التمساح بعيدا،‏ تعيده هذه الصرخات الى عشه على جناح السرعة.‏

      التنظيف بالنقد والشفط

      هل رأيت مرة طيورا مثل بَلَشون القطعان او نقَّار الماشية جاثمة على ظهور الظباء،‏ البقر،‏ الزرافات،‏ او الثيران وهي تنقد جلدها؟‏ فعوض ان تؤذيها الطيور او تزعجها بهذه العملية،‏ تسدي اليها معروفا كبيرا اذ تأكل ما عليها من قَمْل وقُراد وغيرهما من الطفيليات التي لا تستطيع الحيوانات ان تزيلها هي بأنفسها.‏ وهي تقتات ايضا بالانسجة المريضة واليرقانات.‏ حتى ان نقَّار الماشية يطلق صوتا كالهسهسة لينذر عائله اذا ما احدق به خطر.‏

      ويقضي فرس النهر معظم اوقاته في المياه،‏ حيث يُعنى «اصدقاؤه» من ذوات الريش والزعانف بنظافته.‏ فحين يكون فرس النهر في الماء،‏ تأتي سمكة تُدعى اللَّبِيس،‏ وهي احد انواع الشبّوط،‏ و «تشفط» الطحالب،‏ الجلد الميت،‏ والطفيليات،‏ او اي امر يعلق بالحيوان.‏ حتى انها تنظف له اسنانه ولثته!‏ ويقدِّم نوع آخر من الاسماك يد المساعدة فينظف بعضها الجروح،‏ ويُدخل البعض الآخر خطمه الطويل ليقضم ما بين اصابع فرس النهر وغيره من الاماكن التي يصعب الوصول اليها.‏

      لا شك ان السمك ايضا يستقطب ضيوفا غير مرغوب فيهم،‏ مثل القشريات والبكتيريا الخارجية والفطريات والقَمْل،‏ وتزعجه الانسجة المتضررة او المريضة،‏ فيحتاج بالتالي الى من يخلصه منها.‏ فيتوجه السمك البحري الى «المغسل» المحلي.‏ وهناك،‏ تقوم اسماك القوبيون والكَيْدَم الزاهية الالوان والقريدس المنظِّف بتقديم افضل عناية لزبائنها،‏ وتتقاضى بدورها وجبة دسمة بدل اتعابها.‏ وقد تحظى السمكات الكبيرة بفريق كامل من عمال التنظيفات لخدمتها!‏

      ويعبِّر السمك الراغب في الاغتسال عن رغبته هذه بطرائق عديدة.‏ فيتخذ بعضه وضعيات غريبة،‏ كجعل رأسه الى الاسفل وذيله الى الاعلى.‏ او قد يفغر فاه وخياشيمه كأنه يقول:‏ «هيا،‏ ادخلي.‏ فأنا لن اعضك».‏ فيتكرّم عمال التنظيفات ويلبّون النداء،‏ حتى لو كان الزبون حيوانا مفترسا مخيفا مثل الأنقليس ابو مرينا او القرش.‏ وأثناء خدمة التنظيفات،‏ يغيِّر بعض السمك لونه،‏ ربما ليجعل الطفيليات ظاهرة اكثر للعيان.‏ يقول كتاب المشاركة بين الحيوانات (‏بالانكليزية)‏ انه اذا لم يكن في المربى المائي سمك منظِّف،‏ فإن السمك البحري «سرعان ما يمتلئ بالطفيليات ويمرض.‏ لكن ما ان يوضع السمك المنظِّف في المربى المائي حتى يباشر بتنظيف الاسماك التي تصطف بدورها الواحدة تلو الاخرى وكأنها تعلم ماذا يحدث».‏

      وكلما تعلمنا اكثر،‏ وقفنا مشدوهين امام الانسجام والتكافل الظاهرين بين الكائنات في العالم حولنا.‏ وعلى غرار العازفين في جوقة موسيقية،‏ يلعب كل كائن دوره في سيمفونية الحياة.‏ وبذلك تصير الحياة،‏ حتى حياتنا نحن البشر،‏ ممكنة وممتعة في الوقت نفسه.‏ ولا شك ان هذا الامر هو اكبر شاهد على تصميم رائع ومصمّم اسمى!‏ —‏ تكوين ١:‏٣١؛‏ رؤيا ٤:‏١١‏.‏

      المصدر الوحيد لعدم الانسجام

      من المحزن فعلا ألّا يتعاون البشر في اغلب الاحيان مع عالم الطبيعة.‏ فبخلاف الحيوانات التي تحكمها الغريزة،‏ يتأثر الناس بعوامل عديدة،‏ بدءا بالمحبة وغيرها من الصفات الحميدة وصولا الى البغض والمصلحة الشخصية الجشعة.‏

      وإذ تطغى الصفات السيئة على البشر،‏ يخشى كثيرون على مستقبل كوكبنا.‏ (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥‏)‏ لكنهم لا يأخذون الخالق بعين الاعتبار.‏ فاللّٰه سيتمم لا محالة قصده المتعلق بالارض،‏ معيدا التوازن الصحيح الى الطبيعة وخالقا جوا من الانسجام لم يسبق له مثيل بين كل المخلوقات بما فيها البشر.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a توجد ثلاث فئات عامة من التعايش:‏ تبادل المنفعة،‏ حيث يستفيد الطرفان كلاهما؛‏ المؤاكلة،‏ حيث يستفيد طرف واحد دون ان يؤذي الآخر؛‏ و التطفّل،‏ حيث يستفيد طرف واحد على حساب الآخر.‏ وتناقش هذه المقالة امثلة لتبادل المنفعة.‏

      ‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٧]‏

      كائنان في كائن واحد

      ان البقع القشرية الرمادية او الخضراء التي غالبا ما نراها على الصخور وجذوع الشجر هي على الارجح الأُشنة.‏ وتقول بعض المراجع انه يوجد ٠٠٠‏,٢٠ نوع منها تقريبا!‏ قد تبدو الأُشنة كائنا واحدا،‏ لكنها في الواقع تتألف من فطر وطحلب.‏

      ولمَ يتّحد هذان الكائنان؟‏ لا يستطيع الفطر ان ينتج طعامه الخاص.‏ فيمد خيوطا بالغة الصغر يطوِّق بها الطحلب الذي يستخدم التخليق الضوئي ليصنع مركبات سكّرية.‏ فترشح بعض هذه المواد السكّرية من الطحلب فيمتصها الفطر.‏ وينتفع الطحلب بدوره من عائله بالرطوبة التي تحميه من الشمس المحرقة.‏

      وبعبارة موجزة،‏ يصف احد العلماء الأُشنة قائلا على سبيل الدعابة انها «فطر اكتشف اسرار الزراعة».‏ وهي تجيد عملها.‏ فالأُشنة،‏ كما يرد في كتاب الترابط في الحياة،‏ «تغطي من سطح الارض عشرة اضعاف مساحة الغابات المطيرة المدارية».‏ وتمتد مواطنها من المنطقة القطبية الشمالية الى المنطقة القطبية الجنوبية،‏ بل تعيش وتتكاثر ايضا على ظهور بعض الحشرات!‏

      ‏[الاطار/‏الصور في الصفحة ٨]‏

      المرجان —‏ رائعة من روائع التعايش

      تتألف الشعاب المرجانية من الپوليپ والطحلب.‏ ووجود الطحالب بكثرة في نسيج الپوليپ هو الذي يضفي على الشعاب المرجانية ألوانها الزاهية.‏ وغالبا ما يفوق وزن الطحالب وزن الپوليپ بنسبة ٣ الى ١ تقريبا،‏ جاعلا المرجان نباتا اكثر منه حيوانا!‏ لكن وظيفة الطحالب الرئيسية هي ان تصنع بواسطة التخليق الضوئي مركّبات عضوية تدفع ٩٨ في المئة منها لعائلها الپوليپ «بدل ايجار».‏ فالپوليپ لا يحتاج الى هذا الغذاء ليبقى على قيد الحياة فحسب،‏ بل ايضا ليبني الهيكل الكلسي الذي يكوِّن الشعاب.‏

      ويستفيد الطحلب من هذا التحالف بطريقتين على الاقل.‏ اولا،‏ يحصل على الطعام بشكل فضلات الپوليپ:‏ ثاني اكسيد الكربون،‏ ومركبات النتروجين والفُسفات.‏ ثانيا،‏ يتخذ من الهيكل الكلسي القوي ملجأ يحميه.‏ ويحتاج الطحلب ايضا الى اشعة الشمس؛‏ لذلك ينمو المرجان في المياه الصافية المشبعة بالنور.‏

      وعندما يقع المرجان تحت وطأة ظروف بيئية غير مؤاتية،‏ كارتفاع حرارة المياه مثلا،‏ يلفظ الپوليپ الطحلب ويصبح ابيض.‏ وقد ينتج عن ذلك الموت جوعا.‏ وقد لاحظ العلماء في السنوات الاخيرة ارتفاعا مقلقا في ابيضاض المرجان حول العالم.‏

      ‏[الاطار/‏الصور في الصفحتين ٨،‏ ٩]‏

      درس في التعاون

      حلقت طائرتان نفاثتان في السماء في تشكيلة متقاربة جدا.‏ لكن هذه الطلعة لم تكن روتينية،‏ بل اختبارا علميا مؤسسا على دراسات سابقة أُجريت على طيور البجع.‏ فقد وجد الباحثون انه عندما يطير البجع في مجموعة،‏ تزوِّد البجعات الامامية قوة رفع اضافية للبجعات الطائرة وراءها،‏ مما يؤدي الى انخفاض في نبضات قلبها بنسبة ١٥ في المئة مقارنة بنبضات قلبها عندما تطير منفردة.‏ فهل يمكن ان تستفيد الطائرات من مبادئ الديناميكا الهوائية نفسها؟‏

      في سبيل اكتشاف ذلك،‏ زوّد المهندسون طائرة اختبار بأجهزة الكترونية متقدمة تتيح للطيار ألّا ينحرف بطائرته اكثر من ٣٠ سنتيمترا عن نقطة محددة بالنسبة الى الطائرة المحلقة امامه على بعد حوالي ٩٠ مترا.‏ (‏انظر الصورة.‏)‏ والنتيجة؟‏ تعرّضت طائرته النفاثة لقوة سحب اقل بـ‍ ٢٠ في المئة مما تتعرّض له عادة،‏ واستهلكت وقودا اقل بـ‍ ١٨ في المئة.‏ ويعتقد الباحثون ان هذه الاكتشافات قد يكون لها تطبيقات عسكرية ومدنية على السواء.‏

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Jets: NASA Dryden Flight Research Center; birds: © Joyce Gross

      ‏[الصورتان في الصفحة ٥]‏

      تعول البقرة في كرشها البكتيريا والفطريات والعضويات الوحيدة الخلية،‏ التي تؤلف معا نظاما بيئيا قائما بذاته (‏صورة مكبرة)‏

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Inset: Melvin Yokoyama and Mario Cobos,‎ Michigan State University

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      يمكِّن النحل النباتات المزهرة من التكاثر

      ‏[الصورة في الصفحتين ٨،‏ ٩]‏

      بقرة يجثم بقربها بَلَشون القطعان

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      سمكة الفراشة مع سمكة تنظيف صغيرة

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      قريدس منظِّف مرقط على شُقَّيق البحر

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة