مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • اوكرانيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٢
    • لم يعنِ اعلان العفو العام ان الاخوة نالوا المزيد من الحرية للكرازة.‏ فقد أُطلق سراح الكثير من الاخوة والاخوات ولكنهم سرعان ما حوكموا ثانية بقضاء فترات طويلة في السجن.‏ على سبيل المثال،‏ لم تقضِ ماريّا توميلكو من مدينة نيپروپتروفسك سوى ٨ سنوات من فترة سجنها البالغة ٢٥ سنة بسبب صدور العفو العام في آذار (‏مارس)‏ سنة ١٩٥٥.‏ ولكن بعد ثلاث سنوات حُكم عليها ثانية بالسجن عشر سنوات وبالنفي خمس سنوات.‏ ولماذا؟‏ ورد في نص الحكم عليها:‏ «احتفظت وقرأت مطبوعات ومخطوطات محتواها مواد يهوهية» كما انها «استمرت في العمل بنشاط في نشر المعتقدات اليهوهية بين جيرانها».‏ ثم أُطلق سراحها بعد سبع سنوات بصفتها شخصا معاقا جسديا.‏ لقد عانت الاخت توميلكو شتى المِحَن ولا تزال ثابتة حتى يومنا هذا.‏

      المحبة لا تفنى ابدا

      بذلت السلطات جهدا خصوصيا لتفريق عائلات شهود يهوه.‏ وغالبا ما كان سلك الامن يسعى الى مواجهة الشهود بهذا الخيار:‏ اللّٰه او العائلة.‏ ولكن في معظم الحالات اثبت شعب يهوه ولاءه ليهوه على الرغم من اقسى المِحَن.‏

      تتذكر هانّا بوكوك من ترانسكارپاثيا،‏ الذي أُوقف زوجها نوتسو بسبب كرازته الغيورة:‏ «خلال وجود زوجي في السجن،‏ عانى اهانات ماكرة كثيرة.‏ فقد قضى ستة اشهر في السجن الانفرادي دون سرير،‏ ولم يكن لديه سوى كرسي.‏ ضُرب بوحشية وحُرم من الطعام.‏ وفي بضعة اشهر،‏ صار نحيفا جدا ووزنه ٣٦ كيلوڠراما فقط،‏ نصف وزنه العادي».‏

      وقد تُركت زوجته الامينة وحدها مع ابنتهما الصغيرة.‏ وضغطت السلطات على الاخ بوكوك ليساير في ايمانه ويتعاون معهم.‏ فطُلب منه ان يختار بين عائلته والموت.‏ لم يخن الاخ بوكوك معتقداته وبقي امينا ليهوه وهيئته.‏ فقضى ١١ سنة في السجون،‏ وبعد اطلاق سراحه،‏ استمر يقوم بنشاطه المسيحي كشيخ ولاحقا كناظر دائرة حتى موته في سنة ١٩٨٨.‏ وكثيرا ما كان يستمد قوته من كلمات المزمور ٩١:‏٢‏:‏ «اقول للرب [«ليهوه»،‏ ع‌ج‏] ملجإي وحصني الهي فأتكل عليه».‏

      تأملوا في مثال آخر للاحتمال الشديد.‏ كان يوري پوپشا ناظرا جائلا في ترانسكارپاثيا.‏ أُوقف بعد عشرة ايام من زواجه.‏ وبدلا من قضاء شهر العسل،‏ قضى عشر سنين في السجن في موردڤينا في روسيا.‏ زارته زوجته الامينة ماريّا ١٤ مرة،‏ وكانت كل مرة تقطع في الاتجاه الواحد مسافة ٥٠٠‏,١ كيلومتر تقريبا.‏ حاليا،‏ يخدم الاخ پوپشا كشيخ في احدى الجماعات المحلية في ترانسكارپاثيا،‏ وتدعمه بمحبة وأمانة زوجته الحبيبة ماريّا.‏

      ثمة مثال آخر للاحتمال تحت الشدائد هو مثال الزوجين أولكسييه وليديا كورداس اللذين عاشا في مدينة زاپوروجي.‏ أُوقفا في آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٨،‏ بعد ١٧ يوما من ولادة ابنتهما هالينا.‏ وأُوقف ايضا ١٤ شخصا آخر في المنطقة.‏ فحُكم على الاخ كورداس بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء،‏ وعلى زوجته بِـ‍ ١٠ سنوات.‏ وفُصلا احدهما عن الآخر —‏ فأُرسل أولكسييه الى معسكرات في موردڤينا،‏ وليديا مع ابنتهما الصغيرة الى سيبيريا.‏

      تصف الاخت كورداس الرحلة التي دامت ثلاثة اسابيع من اوكرانيا الى سيبيريا:‏ «كان الوضع مريعا.‏ أُرسلنا انا وابنتي؛‏ ناديا ڤيشنياك وطفلها الذي وُلد قبل بضعة ايام في السجن خلال فترة الاستجواب؛‏ وأختان اخريان.‏ وُضعنا نحن الستة في زنزانة في مقطورة مخصصة لنقل سجينين فقط.‏ فأضجعنا الطفلين في السرير السفلي،‏ وجلسنا خلال كامل الرحلة جاثمات في السرير العلوي.‏ عشنا على الخبز،‏ سمك الرَّنْكة المملّح،‏ والماء.‏ وكان يُزوّد الطعام لأربعة اشخاص بالغين.‏ ولم نحصل على اي طعام للطفلين.‏

      ‏«عندما وصلنا الى المكان المقصود،‏ وُضعت في مستشفى السجن مع طفلتي.‏ فالتقيت هناك عدة اخوات وأخبرتهن ان المحقّق هدّدني بإبعاد طفلتي عني وإرسالها الى ميتم.‏ بطريقة ما،‏ تمكنت الاخوات من إخبار الاخوة المحليين في سيبيريا بورطتي.‏ وفي وقت لاحق،‏ اتت تامارا بورياك (‏الآن راڤليوك)‏ التي كانت بعمر ١٨ سنة الى مستشفى المعسكر لأخذ ابنتي هالينا.‏ كانت تلك المرة الاولى التي ارى فيها تامارا.‏ فكان من المؤلم جدا إعطاء ابنتي الحبيبة لشخص لم اره من قبل قط،‏ مع انني كنت سأعهد بها الى اختي الروحية.‏ الا انني تعزيت كثيرا عندما اخبرتني الاخوات في المعسكر عن ولاء عائلة بورياك.‏ كانت طفلتي تبلغ خمسة اشهر و ١٨ يوما من العمر عندما تركتها في عهدة تامارا.‏ ولم اجتمع بابنتي الا بعد سبع سنوات!‏

      ‏«في سنة ١٩٥٩،‏ اعلن الاتحاد السوڤياتي عفوا عاما جديدا.‏ وانطبق على النساء اللواتي عمر اولادهن اقل من سبع سنوات.‏ ولكنّ سلطات السجن اخبرتني ان عليّ انكار ايماني اولا.‏ فلم اوافق على ذلك وبالتالي كان عليّ ان ابقى في معسكر السجناء».‏

      أُطلق سراح الاخ كورداس في سنة ١٩٦٨،‏ بعمر ٤٣ سنة.‏ وجملة،‏ قضى ١٥ سنة في السجن من اجل الحق،‏ بما فيها ٨ سنوات في سجن خصوصي ذي حراسة مشدّدة.‏ وأخيرا،‏ عاد الى اوكرانيا الى زوجته وابنته.‏ وفي النهاية اجتمعت عائلتهم مجددا.‏ عندما التقت هالينا اباها جلست في حضنه وقالت:‏ «بابا!‏ لم استطع الجلوس في حضنك طوال سنوات عديدة،‏ لذلك سأعوّض الآن عن الوقت الضائع».‏

      في ما بعد انتقلت عائلة كورداس من مكان الى آخر،‏ إذ ان السلطات ظلت تطردهم من مكان سكنهم.‏ اولا،‏ عاشوا في اوكرانيا الشرقية،‏ ثم في جورجيا الغربية،‏ ثم في بلاد القوقاز الشمالية.‏ وأخيرا،‏ انتقلوا الى خاركوف حيث لا يزالون يعيشون بسعادة.‏ هالينا متزوجة الآن.‏ ولا يزالون جميعهم يخدمون إلههم يهوه بأمانة.‏

      مثال بارز للإيمان

      احيانا تستمر امتحانات الايمان القاسية اشهرا،‏ سنينا،‏ حتى عقودا.‏ تأملوا في احد الامثلة.‏ وُلد يوري كوپوس وترعرع ليس بعيدا عن مدينة خوست الجميلة في ترانسكارپاثيا.‏ في سنة ١٩٣٨،‏ بعمر ٢٥ سنة،‏ صار واحدا من شهود يهوه.‏ وفي سنة ١٩٤٠،‏ خلال الحرب العالمية الثانية،‏ حُكم عليه بالسجن ثمانية اشهر بسبب رفضه الانضمام الى الجيش الهنڠاري المؤيد للنظام النازي.‏ في ترانسكارپاثيا،‏ لم تكن القوانين المحلية آنذاك تسمح بإعدام السجناء بسبب مبادئهم الدينية.‏ ولذلك أُرسل الاخوة الى خطوط القتال الامامية حيث يسمح القانون النازي بالإعدام.‏ في سنة ١٩٤٢،‏ أُرسل الاخ كوپوس بمرافقة عسكرية مع سجناء آخرين،‏ بمن فيهم ٢١ شاهدا آخر،‏ الى الخطوط الامامية قرب ستالينڠراد في روسيا.‏ وقد أُرسلوا الى هناك لكي يُعدَموا.‏ ولكن بُعيد وصولهم،‏ بدأ الجيش السوڤياتي بالهجوم،‏ واعتُقل الجنود الالمان والاخوة.‏ فأُرسل الشهود الى احد معسكرات السجناء السوڤياتية،‏ حيث بقوا حتى سنة ١٩٤٦ حين أُطلق سراحهم.‏

      عاد الاخ كوپوس الى موطنه،‏ حيث قام بدور فعال في عمل الكرازة.‏ وبسبب هذا النشاط،‏ حكمت عليه السلطات السوڤياتية في سنة ١٩٥٠ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للسجناء.‏ ولكن بعد اعلان عفو عام،‏ أُطلق سراحه بعد ست سنوات.‏

      بعد اطلاق سراحه،‏ خطط الاخ كوپوس الذي كان آنذاك بعمر ٤٤ سنة ان يتزوج هانّا شيشكو.‏ وهي ايضا شاهدة أُطلق سراحها مؤخرا من السجن بعد ان اتمت عقوبة مدتها عشر سنوات.‏ فقدّما طلبًا لتسجيل زواجهما.‏ وفي الليلة التي سبقت زفافهما،‏ أُوقفا ثانية وحُكم عليهما بالسجن عشر سنوات في المعسكر.‏ الا انهما تخطيا كل هذه المشقات،‏ واحتملت محبتهما كل شيء،‏ بما فيها تأخير في زواجهما دام عشر سنوات.‏ (‏١ كورنثوس ١٣:‏٧‏)‏ وبعد إطلاق سراحهما في سنة ١٩٦٧،‏ تزوّجا اخيرا.‏

      لم تنتهِ قصتهما هنا.‏ ففي سنة ١٩٧٣،‏ أُوقف الاخ كوپوس مرة اخرى،‏ وهو بعمر ٦٠ سنة،‏ وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات في المعسكر وبالنفي خمس سنوات.‏ فقضى مدة نفيه مع زوجته هانّا في سيبيريا،‏ على بعد ٠٠٠‏,٥ كيلومتر من مدينة خوست،‏ مسقط رأسه.‏ وللوصول الى تلك المنطقة من غير الممكن استخدام السيارة او السكة الحديدية،‏ اذ لا يمكن بلوغها الا جوّا.‏ في سنة ١٩٨٣،‏ عاد الاخ كوپوس مع زوجته الى موطنهما في خوست.‏ ماتت هانّا في سنة ١٩٨٩،‏ واستمر الاخ كوپوس يخدم يهوه بأمانة حتى موته في سنة ١٩٩٧.‏ قضى الاخ كوپوس ٢٧ سنة في شتى السجون و ٥ سنوات في المنفى —‏ ما مجموعه ٣٢ سنة.‏

      لقد قضى هذا الرجل المتواضع والحليم ثلث قرن تقريبا في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي السوڤياتية.‏ وهذا المثال الخارق للإيمان يُظهر ان الاعداء لا يمكن ان يقضوا على استقامة خدام اللّٰه الاولياء.‏

      انشقاق مؤقت

      يستخدم الشيطان ابليس،‏ عدو الجنس البشري،‏ عدة طرق لمحاربة ممارسي الدين الحقيقي.‏ فعدا الاساءة الجسدية،‏ يحاول ترويج الشكوك وتسبيب الانقسام بين الاخوة.‏ وهذا واضح خصوصا في تاريخ شهود يهوه في اوكرانيا.‏

      فخلال خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ جرت مضايقة شهود يهوه بلا هوادة.‏ واستمرت السلطات في التفتيش للعثور على الاماكن حيث تُطبع المطبوعات.‏ وكان يجري توقيف الاخوة المسؤولين باستمرار.‏ وبسبب ذلك،‏ كان الاخوة الذين يأخذون القيادة في عمل الإشراف يُبدَّلون مرارا،‏ كل بضعة اشهر.‏

      اذ ادرك سلك الامن ان شهود يهوه لا يمكن إسكاتهم بالنفي،‏ السجن،‏ العنف الجسدي،‏ والعذاب،‏ استعمل طرائق جديدة.‏ فحاولوا تقسيم الهيئة من الداخل بزرع بذار الريبة بين الاخوة.‏

      في اواسط خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اوقف سلك الامن الاعتقالات الفورية لجميع الاخوة النشاطى والمسؤولين وبدأ يتجسس عليهم.‏ وكان يُستدعى هؤلاء الاخوة قانونيا الى مكاتب سلك الامن.‏ قيل لهم انهم سيقبضون مالا ويتمتعون بمهنة جيدة اذا تعاونوا معهم.‏ وكان رفض التعاون يؤدي الى السجن والإذلال.‏ قليلون ممّن ايمانهم ضعيف باللّٰه سايروا بسب الخوف او الجشع.‏ وبقوا في صفوف الاخوة،‏ مخبرين سلك الامن بنشاطات شهود يهوه.‏ كما انهم اطاعوا ونفذوا ارشادات السلطات،‏ جاعلين اخوة ابرياء يظهرون انهم خَوَنة في اعين اخوتهم الامناء.‏ وقد نشر كل ذلك روحا من الريبة بين العديد من الاخوة.‏

      عانى پاڤلو زياتِك كثيرا من جراء هذه الريبة والشكوك التي لا اساس لها.‏ وقد قضى هذا الاخ المتواضع والغيور سنوات عديدة في معسكرات السجناء وخصص كامل حياته لخدمة يهوه.‏

      خلال اواسط اربعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان الاخ زياتِك خادم البلد.‏ وإذ أُوقف قضى عشر سنوات في السجن في اوكرانيا الغربية.‏ في سنة ١٩٥٦ أُطلق سراحه وفي سنة ١٩٥٧ استأنف عمله كخادم البلد.‏ كانت لجنة البلد تضم ثمانية اخوة بالاضافة الى الاخ زياتِك:‏ اربعة من سيبيريا وأربعة من اوكرانيا.‏ وقد اشرف هؤلاء الاخوة على عمل الكرازة بالملكوت في كامل الاتحاد السوڤياتي.‏

      بسبب المسافات الشاسعة والاضطهاد المستمر،‏ لم يتمكن هؤلاء الاخوة من البقاء على اتصال جيد او عقد اجتماعات قانونية.‏ وبمرور الوقت،‏ انتشرت اشاعات عن الاخ زياتِك وأعضاء اللجنة الآخرين.‏ فقيل ان الاخ زياتِك يتعاون مع سلك الامن،‏ انه بنى لنفسه بيتا كبيرا مستعملا الاموال التي كان يجب ان تُستخدم لترويج عمل الشهادة،‏ وإنه جرت رؤيته في بدلة عسكرية.‏ فجُمعت هذه التقارير ووضعت في ملف وأُرسلت الى نظار الدوائر والكور في سيبيريا.‏ ولم تكن اي من تلك الاتهامات صحيحة.‏

      اخيرا،‏ في آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٩،‏ توقف بعض نظار الدوائر في سيبيريا عن ارسال تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد.‏ وقد اتّخذ هؤلاء الذين فرزوا انفسهم هذه الخطوة دون استشارة المركز الرئيسي.‏ كما انهم لم يتبعوا ارشاد الاخوة المحليين المعينين للاشراف.‏ وقد سبب ذلك انشقاقا في صفوف شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بضع سنوات.‏

      وأقنع الاخوة المنفصلون نظار دوائر آخرين لاتّخاذ موقف مماثل.‏ ونتيجة لذلك،‏ صارت تقارير خدمة الحقل الشهرية لبعض الدوائر تُرسل الى الاخوة المنفصلين بدلا من لجنة البلد المعيّنة.‏ ومعظم الاخوة في الجماعات لم يعرفوا ان تقاريرهم لخدمة الحقل لا تصل الى لجنة البلد،‏ فلم يتأثر نشاط الجماعات.‏ قام الاخ زياتِك بعدة رحلات الى سيبيريا،‏ وبعد ذلك رجعت عدة دوائر ترسل تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد.‏

      العودة الى الهيئة الثيوقراطية

      في ١ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٦١،‏ أُوقف الاخ زياتِك في القطار وهو عائد من رحلة خدمة الى سيبيريا.‏ وحُكم عليه ثانية بِـ‍ ١٠ سنوات في السجن،‏ وهذه المرة في معسكر «خصوصي» للسجناء في موردڤينا بروسيا.‏ ولماذا كان هذا المعسكر «خصوصيا»؟‏

      لقد سنحت للاخوة المسجونين في مختلف معسكرات السجناء فرصة لتبشير السجناء الآخرين،‏ وعديدون صاروا شهودا.‏ فأزعج هذا الامر السلطات.‏ لذلك قرروا جمع الشهود البارزين في معسكر واحد لكي لا يتمكنوا من تبشير الآخرين.‏ ونحو نهاية خمسينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ جُمع اكثر من ٤٠٠ اخ وحوالي ١٠٠ أخت من مختلف معسكرات السجناء في الاتحاد السوڤياتي ووُضعوا في معسكرَين للسجناء في موردڤينا.‏ وقد وُجد بين السجناء اخوة من لجنة البلد بالاضافة الى نظار الدوائر والكور المنفصلين عن قناة يهوه للاتصال.‏ وعندما رأى هؤلاء الاخوة ان الاخ زياتِك مسجون ايضا،‏ ادركوا انه لم يكن هنالك اساس كافٍ ليصدقوا انه يتعاون مع سلك الامن.‏

      في تلك الاثناء،‏ ونظرا الى توقيف الاخ زياتِك،‏ جرت الترتيبات ان يتسلم إيڤان پاشكوڤسْكْييه مسؤولية خادم البلد.‏ وفي اواسط سنة ١٩٦١،‏ التقى الاخ پاشكوڤسْكْييه اخوة مسؤولين من پولندا وشرح انه توجد انقسامات بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي.‏ وسأل ان كان بإمكان ناثان ه‍.‏ نور من المركز الرئيسي في بروكلين ان يكتب رسالة تُظهر دعم الهيئة للاخ زياتِك.‏ لاحقا،‏ في سنة ١٩٦٢،‏ تلقى الاخ پاشكوڤسْكْييه نسخة من الرسالة الى شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بتاريخ ١٨ ايار (‏مايو)‏ ١٩٦٢.‏ ورد في الرسالة:‏ «تصلني من وقت الى آخر اخبار تدل انكم ايها الاخوة في الاتحاد السوڤياتي تستمرون في المحافظة على رغبتكم الشديدة في ان تكونوا خداما امناء ليهوه اللّٰه.‏ ولكنّ البعض عانوا مشاكل في محاولة البقاء متحدين مع اخوتكم.‏ اظن ان ذلك بسبب وسائل الاتصال الضعيفة والتداول المتعمد لقصص باطلة من قبل البعض الذين يقاومون يهوه اللّٰه.‏ لذلك اكتب لأعرّفكم ان الجمعية تعترف بالاخ پاڤلو زياتِك والاخوة الذين يعاونونه بصفتهم النظار المسيحيين المسؤولين في الاتحاد السوڤياتي.‏ فيجب رفض الشبهات والآراء المتطرفة.‏ ويجب ان نكون سلماء العقل،‏ متعقلين،‏ متكيفين،‏ وأيضا ثابتين في مبادئ اللّٰه».‏

      وقد ساهمت هذه الرسالة،‏ الى جانب كون الاخ زياتِك محكوما عليه بعشر سنوات في السجن،‏ في توحيد شعب يهوه في الاتحاد السوڤياتي.‏ وعاود العديد من الاخوة المنفصلين في السجون ومعسكرات السجناء الاتحاد بالهيئة.‏ فقد فهموا ان الاخ زياتِك لم يخن الهيئة وأن المركز الرئيسي يدعمه كاملا.‏ وعندما كتب هؤلاء الاخوة المسجونون الى عائلاتهم وأصدقائهم،‏ شجعوا الشيوخ في جماعاتهم المحلية على الاتصال بالاخوة الذين بقوا امناء والبدء بتقديم تقارير نشاطهم في خدمة الحقل.‏ وفي غضون العقد التالي،‏ تبع غالبية الاخوة المنفصلين هذه النصيحة،‏ مع ان بلوغ هدف الوحدة بقي تحدّيا كما سنرى.‏

      البقاء اولياء في معسكرات السجناء

      كانت الحياة في معسكرات السجناء صعبة.‏ ومع ذلك غالبا ما تدبّر الشهود السجناء امرهم بطريقة افضل من السجناء الآخرين،‏ وذلك بسبب روحياتهم.‏ فكان لديهم مطبوعات وكانوا على اتصال برفقاء مؤمنين ناضجين.‏ وقد ساهم كل ذلك في حالتهم النفسية الجيدة وفي نموهم الروحي.‏ في احد معسكرات السجناء،‏ خبأت الاخوات بعض المطبوعات في الارض بطريقة ماهرة جدا بحيث لم يستطع احد ايجادها.‏ ذات مرة،‏ قال احد المفتشين انه بغية ازالة جميع «المطبوعات المناهضة للحكم السوڤياتي» من المنطقة،‏ يحتاجون الى نبش الارض حول السجن بعمق مترين ونخل التربة!‏ وقد درست الاخوات المسجونات المجلات بشكل شامل بحيث انه الآن،‏ بعد ٥٠ سنة،‏ تستطيع بعضهن تلاوة اجزاء من مجلات برج المراقبة تلك.‏

      رغم اصعب الظروف حافظ الاخوة والاخوات على ولائهم ليهوه ولم يسايروا في مبادئهم المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ ماريّا هريتْشينا،‏ التي قضت خمس سنوات في معسكرات السجناء بسبب نشاطها الكرازي،‏ تروي ما يلي:‏ «عندما تسلمنا مجلة برج المراقبة وفيها مقالة ‹الطهارة باحترام قدسية الدم›،‏ قررنا الا نتغدّى في قاعة طعام المعسكر عندما يقدَّم اللحم.‏ فاللحم المستعمل في هذه المعسكرات لا يُستنزف دمه في اغلب الاحيان.‏ وعندما اكتشف آمر السجن سبب عدم اكل الشاهدات بعض وجبات الغداء،‏ قرر اجبارنا ان نحيد عن مبادئنا.‏ فأمر ان يقدَّم اللحم كل يوم على الفطور،‏ الغداء،‏ والعشاء.‏ وطوال اسبوعين لم نأكل شيئا سوى الخبز.‏ اتكلنا كاملا على يهوه،‏ عالمات انه يرى كل شيء ويعرف مدى قدرتنا على الاحتمال.‏ وفي نهاية الاسبوع الثاني من هذه ‹التغذية› غيّر الآمر رأيه،‏ وبدأوا يقدّمون لنا الخضر،‏ الحليب،‏ وقدّموا لنا ايضا بعضا من الزبدة.‏ فرأينا ان يهوه يهتم بنا حقا».‏

      المساعدة على الاحتمال

      بالمقارنة مع السجناء الآخرين،‏ حافظ الاخوة على نظرة ايجابية جدا وملؤها الثقة الى الحياة.‏ وقد مكّنهم ذلك من احتمال الشقاء في السجون السوڤياتية.‏

      يروي الاخ أولكسييه كورداس الذي قضى سنوات عديدة في السجون:‏ «ما ساعدني على الاحتمال هو الايمان العميق بيهوه وملكوته،‏ الاشتراك في النشاط الثيوقراطي في السجن،‏ والصلاة القانونية.‏ والامر الآخر الذي ساعدني ايضا هو اقتناعي انني اتصرف بطريقة ترضي يهوه.‏ كما انني ابقيت نفسي مشغولا.‏ فالضجر هو مِن اكره اوجه السجون،‏ اذ بإمكانه تدمير شخصية المرء وتسبيب مرض عقلي.‏ لذلك حاولت ابقاء نفسي مشغولا بأمور ثيوقراطية.‏ كما انني كنت اطلب الحصول على الكتب الموجودة في مكتبة السجن عن تاريخ العالم،‏ الجغرافيا،‏ وعلم الاحياء.‏ كنت ابحث عن الاجزاء التي تدعم نظرتي الى الحياة.‏ وبهذه الطريقة تمكنت من تقوية ايماني».‏

      في سنة ١٩٦٢،‏ قضى سيرهْييه راڤليوك ثلاثة اشهر في سجن انفرادي.‏ لم يكن باستطاعته التكلم مع احد،‏ ولا حتى حراس السجن.‏ ولكي يحافظ على صحته العقلية،‏ بدأ يتذكر كل الآيات التي حفظها.‏ فتذكر اكثر من ألف آية في الكتاب المقدس وكتبها على قصاصات ورق برصاصة قلم.‏ واحتفظ برصاصة القلم مخبأة في شق في الارض.‏ كما انه تذكر عناوين اكثر من ١٠٠ مقالة من مجلات برج المراقبة سبق ان درسها.‏ وأجرى حساب تاريخ الذِّكرى للسنين العشرين المقبلة.‏ كل ذلك ساعده على المحافظة على سلامة عقله وعلى روحياته،‏ وأبقى ايمانه بيهوه حيّا وقويا.‏

      ‏«خدمات» حراس السجن

      على الرغم من مقاومة سلك الامن،‏ تخطت مطبوعاتنا جميع الحواجز،‏ وبلغت الاخوة في السجون.‏ وقد ادرك ذلك حراس السجن ايضا،‏ فكانوا يقومون من وقت الى آخر بحملة تفتيش شاملة لكل الزنزانات،‏ منعمين النظر حرفيا في كل شق.‏ كما كان الحراس ينقلون قانونيا السجناء من زنزانة الى اخرى في محاولة للعثور على المطبوعات.‏ وخلال ذلك الانتقال،‏ يُفتّشون السجناء تفتيشا دقيقا،‏ وإذا وجدوا مطبوعات كانوا يصادرونها.‏ فكيف تمكن الاخوة من تخبئة المطبوعات دون ان تُكتشَف؟‏

      كان الاخوة عادة يخبئون المطبوعات في الوسائد،‏ الفُرُش،‏ الاحذية،‏ وتحت الثياب.‏ وفي بعض المعسكرات نسخوا مجلات برج المراقبة نَسْخا يدويا بالغ الصغر.‏ وعندما يُنقل السجناء من زنزانة الى اخرى،‏ كان الاخوة احيانا يغلفون المجلة المصغرة بورق پلاستيكي ويخبئونها تحت لسانهم.‏ وهكذا تمكنوا من المحافظة على طعامهم الروحي الشحيح والاستمرار في التغذي روحيا.‏

      قضى ڤاسيل بونها عدة سنوات في السجون من اجل الحق.‏ لقد صنع هو ورفيقه في الزنزانة،‏ پيترو توكار،‏ قعرا خادعا في صندوق عدّة النجارين.‏ وفيه خبأا النسخ الاصلية لبعض المطبوعات التي هُرّبت الى السجن.‏ كان هذان الاخَوان نجارَي السجن،‏ وكانا يحصلان على صندوق العدّة عندما يقومان بأعمال النجارة في السجن.‏ فعندما يحصلان على الصندوق،‏ يخرجان المجلة الاصلية للنَّسخ.‏ وبعد انتهاء يوم العمل،‏ تُعاد المجلة الى صندوق العدّة.‏ وكان آمر السجن يقفل على صندوق العدّة ثلاثة اقفال ويضعه وراء بابين مقفلَين،‏ اذ ان السجناء يمكن ان يستعملوا المناشير،‏ الازاميل،‏ وأدوات النجار الاخرى كأسلحة.‏ وهكذا،‏ خلال حملات التفتيش عن مطبوعات الكتاب المقدس،‏ لم يفكر الحراس في تفتيش صندوق العدّة المقفل عليه،‏ الذي كان يُحتفظ به بين ممتلكات آمر السجن.‏

      ووجد الاخ بونها مكانا آخر ليخبئ فيه النسخ الاصلية للمطبوعات.‏ فلأن نظره ضعيف،‏ كان يملك عدة نظارات.‏ وكان يُسمح لكل سجين بأن تكون معه نظارة واحدة فقط.‏ والنظارات الاخرى تُخبأ في مكان خصوصي،‏ وبإمكان السجناء طلبها عند الحاجة.‏ فصنع الاخ بونها علبا خصوصية لنظاراته ووضع فيها النُّسخ الاصلية المصغرة للمطبوعات.‏ وعندما يحتاج الاخوة الى صنع نسخ للمجلات،‏ كان الاخ بونها يطلب من حراس السجن ان يجلبوا له احدى نظاراته.‏

      ووُجدت حالات حين بدا ان الملائكة وحدهم يستطيعون ان يحموا المطبوعات من ان تقع في ايدي حراس السجن.‏ يتذكر الاخ بونها حين جلب تشيسلاڤ كازلاؤسكاس ٢٠ لوحا من الصابون الى السجن.‏ كان نصفها محشوا بمطبوعاتنا.‏ فاختار حارس السجن عشرة ألواح صابون وطعنها،‏ الا انه لم يطعن اي لوح يحتوي على مطبوعاتنا.‏

  • اوكرانيا
    الكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٢
    • ‏[الاطار في الصفحة ١٩٢]‏

      تقرير من ناظر دائرة،‏ سنة ١٩٥٨

      «بإمكاننا ان نفهم الى حد ما صعوبة الامر بالنسبة الى الاخوة اذا علمنا ان حوالي عشرة اعضاء من منظمة الشبيبة الشيوعية يتجسسون على كل اخ.‏ اضيفوا الى ذلك الجيران الخونة؛‏ الاخوة الكذبة؛‏ العديد من رجال الشرطة؛‏ الاحكام بقضاء ما يصل الى ٢٥ سنة في المعسكرات او السجون؛‏ النفي الى سيبيريا؛‏ العمل في معسكرات العمل الإلزامي مدى الحياة؛‏ والسجن،‏ احيانا السجن فترة طويلة في زنزانات السجن المظلمة —‏ كل هذا يمكن ان يحصل لكل من يتلفظ ببضع كلمات عن ملكوت اللّٰه.‏

      «ومع ذلك فإن الناشرين شجعان.‏ ومحبتهم ليهوه اللّٰه مطلقة،‏ وموقفهم مشابه لموقف الملائكة،‏ ولا يفكرون في التخلي عن جهادهم.‏ انهم يعرفون ان العمل هو عمل يهوه ويجب ان يستمر الى النهاية الظافرة.‏ والاخوة يعرفون لمَن يحافظون على استقامتهم.‏ فالعذاب من اجل يهوه هو فرح بالنسبة اليهم».‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة