-
اوكرانياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٢
-
-
لم يعنِ اعلان العفو العام ان الاخوة نالوا المزيد من الحرية للكرازة. فقد أُطلق سراح الكثير من الاخوة والاخوات ولكنهم سرعان ما حوكموا ثانية بقضاء فترات طويلة في السجن. على سبيل المثال، لم تقضِ ماريّا توميلكو من مدينة نيپروپتروفسك سوى ٨ سنوات من فترة سجنها البالغة ٢٥ سنة بسبب صدور العفو العام في آذار (مارس) سنة ١٩٥٥. ولكن بعد ثلاث سنوات حُكم عليها ثانية بالسجن عشر سنوات وبالنفي خمس سنوات. ولماذا؟ ورد في نص الحكم عليها: «احتفظت وقرأت مطبوعات ومخطوطات محتواها مواد يهوهية» كما انها «استمرت في العمل بنشاط في نشر المعتقدات اليهوهية بين جيرانها». ثم أُطلق سراحها بعد سبع سنوات بصفتها شخصا معاقا جسديا. لقد عانت الاخت توميلكو شتى المِحَن ولا تزال ثابتة حتى يومنا هذا.
المحبة لا تفنى ابدا
بذلت السلطات جهدا خصوصيا لتفريق عائلات شهود يهوه. وغالبا ما كان سلك الامن يسعى الى مواجهة الشهود بهذا الخيار: اللّٰه او العائلة. ولكن في معظم الحالات اثبت شعب يهوه ولاءه ليهوه على الرغم من اقسى المِحَن.
تتذكر هانّا بوكوك من ترانسكارپاثيا، الذي أُوقف زوجها نوتسو بسبب كرازته الغيورة: «خلال وجود زوجي في السجن، عانى اهانات ماكرة كثيرة. فقد قضى ستة اشهر في السجن الانفرادي دون سرير، ولم يكن لديه سوى كرسي. ضُرب بوحشية وحُرم من الطعام. وفي بضعة اشهر، صار نحيفا جدا ووزنه ٣٦ كيلوڠراما فقط، نصف وزنه العادي».
وقد تُركت زوجته الامينة وحدها مع ابنتهما الصغيرة. وضغطت السلطات على الاخ بوكوك ليساير في ايمانه ويتعاون معهم. فطُلب منه ان يختار بين عائلته والموت. لم يخن الاخ بوكوك معتقداته وبقي امينا ليهوه وهيئته. فقضى ١١ سنة في السجون، وبعد اطلاق سراحه، استمر يقوم بنشاطه المسيحي كشيخ ولاحقا كناظر دائرة حتى موته في سنة ١٩٨٨. وكثيرا ما كان يستمد قوته من كلمات المزمور ٩١:٢: «اقول للرب [«ليهوه»، عج] ملجإي وحصني الهي فأتكل عليه».
تأملوا في مثال آخر للاحتمال الشديد. كان يوري پوپشا ناظرا جائلا في ترانسكارپاثيا. أُوقف بعد عشرة ايام من زواجه. وبدلا من قضاء شهر العسل، قضى عشر سنين في السجن في موردڤينا في روسيا. زارته زوجته الامينة ماريّا ١٤ مرة، وكانت كل مرة تقطع في الاتجاه الواحد مسافة ٥٠٠,١ كيلومتر تقريبا. حاليا، يخدم الاخ پوپشا كشيخ في احدى الجماعات المحلية في ترانسكارپاثيا، وتدعمه بمحبة وأمانة زوجته الحبيبة ماريّا.
ثمة مثال آخر للاحتمال تحت الشدائد هو مثال الزوجين أولكسييه وليديا كورداس اللذين عاشا في مدينة زاپوروجي. أُوقفا في آذار (مارس) ١٩٥٨، بعد ١٧ يوما من ولادة ابنتهما هالينا. وأُوقف ايضا ١٤ شخصا آخر في المنطقة. فحُكم على الاخ كورداس بقضاء ٢٥ سنة في معسكرات السجناء، وعلى زوجته بِـ ١٠ سنوات. وفُصلا احدهما عن الآخر — فأُرسل أولكسييه الى معسكرات في موردڤينا، وليديا مع ابنتهما الصغيرة الى سيبيريا.
تصف الاخت كورداس الرحلة التي دامت ثلاثة اسابيع من اوكرانيا الى سيبيريا: «كان الوضع مريعا. أُرسلنا انا وابنتي؛ ناديا ڤيشنياك وطفلها الذي وُلد قبل بضعة ايام في السجن خلال فترة الاستجواب؛ وأختان اخريان. وُضعنا نحن الستة في زنزانة في مقطورة مخصصة لنقل سجينين فقط. فأضجعنا الطفلين في السرير السفلي، وجلسنا خلال كامل الرحلة جاثمات في السرير العلوي. عشنا على الخبز، سمك الرَّنْكة المملّح، والماء. وكان يُزوّد الطعام لأربعة اشخاص بالغين. ولم نحصل على اي طعام للطفلين.
«عندما وصلنا الى المكان المقصود، وُضعت في مستشفى السجن مع طفلتي. فالتقيت هناك عدة اخوات وأخبرتهن ان المحقّق هدّدني بإبعاد طفلتي عني وإرسالها الى ميتم. بطريقة ما، تمكنت الاخوات من إخبار الاخوة المحليين في سيبيريا بورطتي. وفي وقت لاحق، اتت تامارا بورياك (الآن راڤليوك) التي كانت بعمر ١٨ سنة الى مستشفى المعسكر لأخذ ابنتي هالينا. كانت تلك المرة الاولى التي ارى فيها تامارا. فكان من المؤلم جدا إعطاء ابنتي الحبيبة لشخص لم اره من قبل قط، مع انني كنت سأعهد بها الى اختي الروحية. الا انني تعزيت كثيرا عندما اخبرتني الاخوات في المعسكر عن ولاء عائلة بورياك. كانت طفلتي تبلغ خمسة اشهر و ١٨ يوما من العمر عندما تركتها في عهدة تامارا. ولم اجتمع بابنتي الا بعد سبع سنوات!
«في سنة ١٩٥٩، اعلن الاتحاد السوڤياتي عفوا عاما جديدا. وانطبق على النساء اللواتي عمر اولادهن اقل من سبع سنوات. ولكنّ سلطات السجن اخبرتني ان عليّ انكار ايماني اولا. فلم اوافق على ذلك وبالتالي كان عليّ ان ابقى في معسكر السجناء».
أُطلق سراح الاخ كورداس في سنة ١٩٦٨، بعمر ٤٣ سنة. وجملة، قضى ١٥ سنة في السجن من اجل الحق، بما فيها ٨ سنوات في سجن خصوصي ذي حراسة مشدّدة. وأخيرا، عاد الى اوكرانيا الى زوجته وابنته. وفي النهاية اجتمعت عائلتهم مجددا. عندما التقت هالينا اباها جلست في حضنه وقالت: «بابا! لم استطع الجلوس في حضنك طوال سنوات عديدة، لذلك سأعوّض الآن عن الوقت الضائع».
في ما بعد انتقلت عائلة كورداس من مكان الى آخر، إذ ان السلطات ظلت تطردهم من مكان سكنهم. اولا، عاشوا في اوكرانيا الشرقية، ثم في جورجيا الغربية، ثم في بلاد القوقاز الشمالية. وأخيرا، انتقلوا الى خاركوف حيث لا يزالون يعيشون بسعادة. هالينا متزوجة الآن. ولا يزالون جميعهم يخدمون إلههم يهوه بأمانة.
مثال بارز للإيمان
احيانا تستمر امتحانات الايمان القاسية اشهرا، سنينا، حتى عقودا. تأملوا في احد الامثلة. وُلد يوري كوپوس وترعرع ليس بعيدا عن مدينة خوست الجميلة في ترانسكارپاثيا. في سنة ١٩٣٨، بعمر ٢٥ سنة، صار واحدا من شهود يهوه. وفي سنة ١٩٤٠، خلال الحرب العالمية الثانية، حُكم عليه بالسجن ثمانية اشهر بسبب رفضه الانضمام الى الجيش الهنڠاري المؤيد للنظام النازي. في ترانسكارپاثيا، لم تكن القوانين المحلية آنذاك تسمح بإعدام السجناء بسبب مبادئهم الدينية. ولذلك أُرسل الاخوة الى خطوط القتال الامامية حيث يسمح القانون النازي بالإعدام. في سنة ١٩٤٢، أُرسل الاخ كوپوس بمرافقة عسكرية مع سجناء آخرين، بمن فيهم ٢١ شاهدا آخر، الى الخطوط الامامية قرب ستالينڠراد في روسيا. وقد أُرسلوا الى هناك لكي يُعدَموا. ولكن بُعيد وصولهم، بدأ الجيش السوڤياتي بالهجوم، واعتُقل الجنود الالمان والاخوة. فأُرسل الشهود الى احد معسكرات السجناء السوڤياتية، حيث بقوا حتى سنة ١٩٤٦ حين أُطلق سراحهم.
عاد الاخ كوپوس الى موطنه، حيث قام بدور فعال في عمل الكرازة. وبسبب هذا النشاط، حكمت عليه السلطات السوڤياتية في سنة ١٩٥٠ بقضاء ٢٥ سنة في معسكر للسجناء. ولكن بعد اعلان عفو عام، أُطلق سراحه بعد ست سنوات.
بعد اطلاق سراحه، خطط الاخ كوپوس الذي كان آنذاك بعمر ٤٤ سنة ان يتزوج هانّا شيشكو. وهي ايضا شاهدة أُطلق سراحها مؤخرا من السجن بعد ان اتمت عقوبة مدتها عشر سنوات. فقدّما طلبًا لتسجيل زواجهما. وفي الليلة التي سبقت زفافهما، أُوقفا ثانية وحُكم عليهما بالسجن عشر سنوات في المعسكر. الا انهما تخطيا كل هذه المشقات، واحتملت محبتهما كل شيء، بما فيها تأخير في زواجهما دام عشر سنوات. (١ كورنثوس ١٣:٧) وبعد إطلاق سراحهما في سنة ١٩٦٧، تزوّجا اخيرا.
لم تنتهِ قصتهما هنا. ففي سنة ١٩٧٣، أُوقف الاخ كوپوس مرة اخرى، وهو بعمر ٦٠ سنة، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات في المعسكر وبالنفي خمس سنوات. فقضى مدة نفيه مع زوجته هانّا في سيبيريا، على بعد ٠٠٠,٥ كيلومتر من مدينة خوست، مسقط رأسه. وللوصول الى تلك المنطقة من غير الممكن استخدام السيارة او السكة الحديدية، اذ لا يمكن بلوغها الا جوّا. في سنة ١٩٨٣، عاد الاخ كوپوس مع زوجته الى موطنهما في خوست. ماتت هانّا في سنة ١٩٨٩، واستمر الاخ كوپوس يخدم يهوه بأمانة حتى موته في سنة ١٩٩٧. قضى الاخ كوپوس ٢٧ سنة في شتى السجون و ٥ سنوات في المنفى — ما مجموعه ٣٢ سنة.
لقد قضى هذا الرجل المتواضع والحليم ثلث قرن تقريبا في السجون ومعسكرات العمل الإلزامي السوڤياتية. وهذا المثال الخارق للإيمان يُظهر ان الاعداء لا يمكن ان يقضوا على استقامة خدام اللّٰه الاولياء.
انشقاق مؤقت
يستخدم الشيطان ابليس، عدو الجنس البشري، عدة طرق لمحاربة ممارسي الدين الحقيقي. فعدا الاساءة الجسدية، يحاول ترويج الشكوك وتسبيب الانقسام بين الاخوة. وهذا واضح خصوصا في تاريخ شهود يهوه في اوكرانيا.
فخلال خمسينات الـ ١٩٠٠، جرت مضايقة شهود يهوه بلا هوادة. واستمرت السلطات في التفتيش للعثور على الاماكن حيث تُطبع المطبوعات. وكان يجري توقيف الاخوة المسؤولين باستمرار. وبسبب ذلك، كان الاخوة الذين يأخذون القيادة في عمل الإشراف يُبدَّلون مرارا، كل بضعة اشهر.
اذ ادرك سلك الامن ان شهود يهوه لا يمكن إسكاتهم بالنفي، السجن، العنف الجسدي، والعذاب، استعمل طرائق جديدة. فحاولوا تقسيم الهيئة من الداخل بزرع بذار الريبة بين الاخوة.
في اواسط خمسينات الـ ١٩٠٠، اوقف سلك الامن الاعتقالات الفورية لجميع الاخوة النشاطى والمسؤولين وبدأ يتجسس عليهم. وكان يُستدعى هؤلاء الاخوة قانونيا الى مكاتب سلك الامن. قيل لهم انهم سيقبضون مالا ويتمتعون بمهنة جيدة اذا تعاونوا معهم. وكان رفض التعاون يؤدي الى السجن والإذلال. قليلون ممّن ايمانهم ضعيف باللّٰه سايروا بسب الخوف او الجشع. وبقوا في صفوف الاخوة، مخبرين سلك الامن بنشاطات شهود يهوه. كما انهم اطاعوا ونفذوا ارشادات السلطات، جاعلين اخوة ابرياء يظهرون انهم خَوَنة في اعين اخوتهم الامناء. وقد نشر كل ذلك روحا من الريبة بين العديد من الاخوة.
عانى پاڤلو زياتِك كثيرا من جراء هذه الريبة والشكوك التي لا اساس لها. وقد قضى هذا الاخ المتواضع والغيور سنوات عديدة في معسكرات السجناء وخصص كامل حياته لخدمة يهوه.
خلال اواسط اربعينات الـ ١٩٠٠، كان الاخ زياتِك خادم البلد. وإذ أُوقف قضى عشر سنوات في السجن في اوكرانيا الغربية. في سنة ١٩٥٦ أُطلق سراحه وفي سنة ١٩٥٧ استأنف عمله كخادم البلد. كانت لجنة البلد تضم ثمانية اخوة بالاضافة الى الاخ زياتِك: اربعة من سيبيريا وأربعة من اوكرانيا. وقد اشرف هؤلاء الاخوة على عمل الكرازة بالملكوت في كامل الاتحاد السوڤياتي.
بسبب المسافات الشاسعة والاضطهاد المستمر، لم يتمكن هؤلاء الاخوة من البقاء على اتصال جيد او عقد اجتماعات قانونية. وبمرور الوقت، انتشرت اشاعات عن الاخ زياتِك وأعضاء اللجنة الآخرين. فقيل ان الاخ زياتِك يتعاون مع سلك الامن، انه بنى لنفسه بيتا كبيرا مستعملا الاموال التي كان يجب ان تُستخدم لترويج عمل الشهادة، وإنه جرت رؤيته في بدلة عسكرية. فجُمعت هذه التقارير ووضعت في ملف وأُرسلت الى نظار الدوائر والكور في سيبيريا. ولم تكن اي من تلك الاتهامات صحيحة.
اخيرا، في آذار (مارس) ١٩٥٩، توقف بعض نظار الدوائر في سيبيريا عن ارسال تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد. وقد اتّخذ هؤلاء الذين فرزوا انفسهم هذه الخطوة دون استشارة المركز الرئيسي. كما انهم لم يتبعوا ارشاد الاخوة المحليين المعينين للاشراف. وقد سبب ذلك انشقاقا في صفوف شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بضع سنوات.
وأقنع الاخوة المنفصلون نظار دوائر آخرين لاتّخاذ موقف مماثل. ونتيجة لذلك، صارت تقارير خدمة الحقل الشهرية لبعض الدوائر تُرسل الى الاخوة المنفصلين بدلا من لجنة البلد المعيّنة. ومعظم الاخوة في الجماعات لم يعرفوا ان تقاريرهم لخدمة الحقل لا تصل الى لجنة البلد، فلم يتأثر نشاط الجماعات. قام الاخ زياتِك بعدة رحلات الى سيبيريا، وبعد ذلك رجعت عدة دوائر ترسل تقارير خدمة الحقل الى لجنة البلد.
العودة الى الهيئة الثيوقراطية
في ١ كانون الثاني (يناير) ١٩٦١، أُوقف الاخ زياتِك في القطار وهو عائد من رحلة خدمة الى سيبيريا. وحُكم عليه ثانية بِـ ١٠ سنوات في السجن، وهذه المرة في معسكر «خصوصي» للسجناء في موردڤينا بروسيا. ولماذا كان هذا المعسكر «خصوصيا»؟
لقد سنحت للاخوة المسجونين في مختلف معسكرات السجناء فرصة لتبشير السجناء الآخرين، وعديدون صاروا شهودا. فأزعج هذا الامر السلطات. لذلك قرروا جمع الشهود البارزين في معسكر واحد لكي لا يتمكنوا من تبشير الآخرين. ونحو نهاية خمسينات الـ ١٩٠٠، جُمع اكثر من ٤٠٠ اخ وحوالي ١٠٠ أخت من مختلف معسكرات السجناء في الاتحاد السوڤياتي ووُضعوا في معسكرَين للسجناء في موردڤينا. وقد وُجد بين السجناء اخوة من لجنة البلد بالاضافة الى نظار الدوائر والكور المنفصلين عن قناة يهوه للاتصال. وعندما رأى هؤلاء الاخوة ان الاخ زياتِك مسجون ايضا، ادركوا انه لم يكن هنالك اساس كافٍ ليصدقوا انه يتعاون مع سلك الامن.
في تلك الاثناء، ونظرا الى توقيف الاخ زياتِك، جرت الترتيبات ان يتسلم إيڤان پاشكوڤسْكْييه مسؤولية خادم البلد. وفي اواسط سنة ١٩٦١، التقى الاخ پاشكوڤسْكْييه اخوة مسؤولين من پولندا وشرح انه توجد انقسامات بين الاخوة في الاتحاد السوڤياتي. وسأل ان كان بإمكان ناثان ه. نور من المركز الرئيسي في بروكلين ان يكتب رسالة تُظهر دعم الهيئة للاخ زياتِك. لاحقا، في سنة ١٩٦٢، تلقى الاخ پاشكوڤسْكْييه نسخة من الرسالة الى شهود يهوه في الاتحاد السوڤياتي بتاريخ ١٨ ايار (مايو) ١٩٦٢. ورد في الرسالة: «تصلني من وقت الى آخر اخبار تدل انكم ايها الاخوة في الاتحاد السوڤياتي تستمرون في المحافظة على رغبتكم الشديدة في ان تكونوا خداما امناء ليهوه اللّٰه. ولكنّ البعض عانوا مشاكل في محاولة البقاء متحدين مع اخوتكم. اظن ان ذلك بسبب وسائل الاتصال الضعيفة والتداول المتعمد لقصص باطلة من قبل البعض الذين يقاومون يهوه اللّٰه. لذلك اكتب لأعرّفكم ان الجمعية تعترف بالاخ پاڤلو زياتِك والاخوة الذين يعاونونه بصفتهم النظار المسيحيين المسؤولين في الاتحاد السوڤياتي. فيجب رفض الشبهات والآراء المتطرفة. ويجب ان نكون سلماء العقل، متعقلين، متكيفين، وأيضا ثابتين في مبادئ اللّٰه».
وقد ساهمت هذه الرسالة، الى جانب كون الاخ زياتِك محكوما عليه بعشر سنوات في السجن، في توحيد شعب يهوه في الاتحاد السوڤياتي. وعاود العديد من الاخوة المنفصلين في السجون ومعسكرات السجناء الاتحاد بالهيئة. فقد فهموا ان الاخ زياتِك لم يخن الهيئة وأن المركز الرئيسي يدعمه كاملا. وعندما كتب هؤلاء الاخوة المسجونون الى عائلاتهم وأصدقائهم، شجعوا الشيوخ في جماعاتهم المحلية على الاتصال بالاخوة الذين بقوا امناء والبدء بتقديم تقارير نشاطهم في خدمة الحقل. وفي غضون العقد التالي، تبع غالبية الاخوة المنفصلين هذه النصيحة، مع ان بلوغ هدف الوحدة بقي تحدّيا كما سنرى.
البقاء اولياء في معسكرات السجناء
كانت الحياة في معسكرات السجناء صعبة. ومع ذلك غالبا ما تدبّر الشهود السجناء امرهم بطريقة افضل من السجناء الآخرين، وذلك بسبب روحياتهم. فكان لديهم مطبوعات وكانوا على اتصال برفقاء مؤمنين ناضجين. وقد ساهم كل ذلك في حالتهم النفسية الجيدة وفي نموهم الروحي. في احد معسكرات السجناء، خبأت الاخوات بعض المطبوعات في الارض بطريقة ماهرة جدا بحيث لم يستطع احد ايجادها. ذات مرة، قال احد المفتشين انه بغية ازالة جميع «المطبوعات المناهضة للحكم السوڤياتي» من المنطقة، يحتاجون الى نبش الارض حول السجن بعمق مترين ونخل التربة! وقد درست الاخوات المسجونات المجلات بشكل شامل بحيث انه الآن، بعد ٥٠ سنة، تستطيع بعضهن تلاوة اجزاء من مجلات برج المراقبة تلك.
رغم اصعب الظروف حافظ الاخوة والاخوات على ولائهم ليهوه ولم يسايروا في مبادئهم المؤسسة على الكتاب المقدس. ماريّا هريتْشينا، التي قضت خمس سنوات في معسكرات السجناء بسبب نشاطها الكرازي، تروي ما يلي: «عندما تسلمنا مجلة برج المراقبة وفيها مقالة ‹الطهارة باحترام قدسية الدم›، قررنا الا نتغدّى في قاعة طعام المعسكر عندما يقدَّم اللحم. فاللحم المستعمل في هذه المعسكرات لا يُستنزف دمه في اغلب الاحيان. وعندما اكتشف آمر السجن سبب عدم اكل الشاهدات بعض وجبات الغداء، قرر اجبارنا ان نحيد عن مبادئنا. فأمر ان يقدَّم اللحم كل يوم على الفطور، الغداء، والعشاء. وطوال اسبوعين لم نأكل شيئا سوى الخبز. اتكلنا كاملا على يهوه، عالمات انه يرى كل شيء ويعرف مدى قدرتنا على الاحتمال. وفي نهاية الاسبوع الثاني من هذه ‹التغذية› غيّر الآمر رأيه، وبدأوا يقدّمون لنا الخضر، الحليب، وقدّموا لنا ايضا بعضا من الزبدة. فرأينا ان يهوه يهتم بنا حقا».
المساعدة على الاحتمال
بالمقارنة مع السجناء الآخرين، حافظ الاخوة على نظرة ايجابية جدا وملؤها الثقة الى الحياة. وقد مكّنهم ذلك من احتمال الشقاء في السجون السوڤياتية.
يروي الاخ أولكسييه كورداس الذي قضى سنوات عديدة في السجون: «ما ساعدني على الاحتمال هو الايمان العميق بيهوه وملكوته، الاشتراك في النشاط الثيوقراطي في السجن، والصلاة القانونية. والامر الآخر الذي ساعدني ايضا هو اقتناعي انني اتصرف بطريقة ترضي يهوه. كما انني ابقيت نفسي مشغولا. فالضجر هو مِن اكره اوجه السجون، اذ بإمكانه تدمير شخصية المرء وتسبيب مرض عقلي. لذلك حاولت ابقاء نفسي مشغولا بأمور ثيوقراطية. كما انني كنت اطلب الحصول على الكتب الموجودة في مكتبة السجن عن تاريخ العالم، الجغرافيا، وعلم الاحياء. كنت ابحث عن الاجزاء التي تدعم نظرتي الى الحياة. وبهذه الطريقة تمكنت من تقوية ايماني».
في سنة ١٩٦٢، قضى سيرهْييه راڤليوك ثلاثة اشهر في سجن انفرادي. لم يكن باستطاعته التكلم مع احد، ولا حتى حراس السجن. ولكي يحافظ على صحته العقلية، بدأ يتذكر كل الآيات التي حفظها. فتذكر اكثر من ألف آية في الكتاب المقدس وكتبها على قصاصات ورق برصاصة قلم. واحتفظ برصاصة القلم مخبأة في شق في الارض. كما انه تذكر عناوين اكثر من ١٠٠ مقالة من مجلات برج المراقبة سبق ان درسها. وأجرى حساب تاريخ الذِّكرى للسنين العشرين المقبلة. كل ذلك ساعده على المحافظة على سلامة عقله وعلى روحياته، وأبقى ايمانه بيهوه حيّا وقويا.
«خدمات» حراس السجن
على الرغم من مقاومة سلك الامن، تخطت مطبوعاتنا جميع الحواجز، وبلغت الاخوة في السجون. وقد ادرك ذلك حراس السجن ايضا، فكانوا يقومون من وقت الى آخر بحملة تفتيش شاملة لكل الزنزانات، منعمين النظر حرفيا في كل شق. كما كان الحراس ينقلون قانونيا السجناء من زنزانة الى اخرى في محاولة للعثور على المطبوعات. وخلال ذلك الانتقال، يُفتّشون السجناء تفتيشا دقيقا، وإذا وجدوا مطبوعات كانوا يصادرونها. فكيف تمكن الاخوة من تخبئة المطبوعات دون ان تُكتشَف؟
كان الاخوة عادة يخبئون المطبوعات في الوسائد، الفُرُش، الاحذية، وتحت الثياب. وفي بعض المعسكرات نسخوا مجلات برج المراقبة نَسْخا يدويا بالغ الصغر. وعندما يُنقل السجناء من زنزانة الى اخرى، كان الاخوة احيانا يغلفون المجلة المصغرة بورق پلاستيكي ويخبئونها تحت لسانهم. وهكذا تمكنوا من المحافظة على طعامهم الروحي الشحيح والاستمرار في التغذي روحيا.
قضى ڤاسيل بونها عدة سنوات في السجون من اجل الحق. لقد صنع هو ورفيقه في الزنزانة، پيترو توكار، قعرا خادعا في صندوق عدّة النجارين. وفيه خبأا النسخ الاصلية لبعض المطبوعات التي هُرّبت الى السجن. كان هذان الاخَوان نجارَي السجن، وكانا يحصلان على صندوق العدّة عندما يقومان بأعمال النجارة في السجن. فعندما يحصلان على الصندوق، يخرجان المجلة الاصلية للنَّسخ. وبعد انتهاء يوم العمل، تُعاد المجلة الى صندوق العدّة. وكان آمر السجن يقفل على صندوق العدّة ثلاثة اقفال ويضعه وراء بابين مقفلَين، اذ ان السجناء يمكن ان يستعملوا المناشير، الازاميل، وأدوات النجار الاخرى كأسلحة. وهكذا، خلال حملات التفتيش عن مطبوعات الكتاب المقدس، لم يفكر الحراس في تفتيش صندوق العدّة المقفل عليه، الذي كان يُحتفظ به بين ممتلكات آمر السجن.
ووجد الاخ بونها مكانا آخر ليخبئ فيه النسخ الاصلية للمطبوعات. فلأن نظره ضعيف، كان يملك عدة نظارات. وكان يُسمح لكل سجين بأن تكون معه نظارة واحدة فقط. والنظارات الاخرى تُخبأ في مكان خصوصي، وبإمكان السجناء طلبها عند الحاجة. فصنع الاخ بونها علبا خصوصية لنظاراته ووضع فيها النُّسخ الاصلية المصغرة للمطبوعات. وعندما يحتاج الاخوة الى صنع نسخ للمجلات، كان الاخ بونها يطلب من حراس السجن ان يجلبوا له احدى نظاراته.
ووُجدت حالات حين بدا ان الملائكة وحدهم يستطيعون ان يحموا المطبوعات من ان تقع في ايدي حراس السجن. يتذكر الاخ بونها حين جلب تشيسلاڤ كازلاؤسكاس ٢٠ لوحا من الصابون الى السجن. كان نصفها محشوا بمطبوعاتنا. فاختار حارس السجن عشرة ألواح صابون وطعنها، الا انه لم يطعن اي لوح يحتوي على مطبوعاتنا.
-
-
اوكرانياالكتاب السنوي لشهود يهوه لعام ٢٠٠٢
-
-
[الاطار في الصفحة ١٩٢]
تقرير من ناظر دائرة، سنة ١٩٥٨
«بإمكاننا ان نفهم الى حد ما صعوبة الامر بالنسبة الى الاخوة اذا علمنا ان حوالي عشرة اعضاء من منظمة الشبيبة الشيوعية يتجسسون على كل اخ. اضيفوا الى ذلك الجيران الخونة؛ الاخوة الكذبة؛ العديد من رجال الشرطة؛ الاحكام بقضاء ما يصل الى ٢٥ سنة في المعسكرات او السجون؛ النفي الى سيبيريا؛ العمل في معسكرات العمل الإلزامي مدى الحياة؛ والسجن، احيانا السجن فترة طويلة في زنزانات السجن المظلمة — كل هذا يمكن ان يحصل لكل من يتلفظ ببضع كلمات عن ملكوت اللّٰه.
«ومع ذلك فإن الناشرين شجعان. ومحبتهم ليهوه اللّٰه مطلقة، وموقفهم مشابه لموقف الملائكة، ولا يفكرون في التخلي عن جهادهم. انهم يعرفون ان العمل هو عمل يهوه ويجب ان يستمر الى النهاية الظافرة. والاخوة يعرفون لمَن يحافظون على استقامتهم. فالعذاب من اجل يهوه هو فرح بالنسبة اليهم».
-