مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • تلسكوپ ڠاليليو —‏ لم يكن سوى البداية!‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٢ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • تلسكوپ ڠاليليو —‏ لم يكن سوى البداية!‏

      عندما وجَّه ڠاليليو تلسكوپه المختَرع حديثا الى السماء،‏ رأى اشياء لم يرها في السابق.‏ لقد تمكَّن من رؤية عدد من النجوم اكثر بعشر مرات مما رأى ايّ رجل من قبل.‏ فظهرت مجرة درب التبَّانة الآن،‏ لا ككتلة غير واضحة،‏ بل كمنظار اشكال من نجوم لا تحصى،‏ كبيرة وصغيرة.‏ وتحوَّل سطح القمر امام عينيه من بُورْسَلان لامع الى فسيفساء من جبال،‏ فوهات،‏ وبحار بلا ماء.‏

      وبعد اشهر قليلة،‏ اكتشف اربعة من اقمار المشتري.‏ ثم رأى حلقات زحل الجميلة.‏ واذ وجَّه تلسكوپه الى الزهرة،‏ لاحظ بعض اوجه الكوكب،‏ تغييرات دقيقة في السطوع والشكل الظاهري.‏ وهذه الاوجه يمكن تفسيرها فقط اذا كان الكوكب يدور حول الشمس.‏ ولكن اذا كان كوكب واحد يدور حول الشمس،‏ فالاخرى —‏ بما فيها الارض —‏ يجب ان تفعل ذلك ايضا،‏ استنتج.‏ وكان على صواب.‏ وهكذا،‏ في السنة ١٦٠٩،‏ جرى خلع الارض من مكانتها المبجَّلة بصفتها المركز المزعوم للكون.‏

      لكنَّ الاعتقادات الموقَّرة لم يجرِ التخلِّي عنها بسهولة.‏ فالكنيسة الكاثوليكية حكمت بأن «الفكرة انَّ الارض ليست مركز الكون وحتى انَّ لها دورة يومية،‏ هي .‏ .‏ .‏ على الاقل اعتقاد خاطئ.‏» وجرى سَوْق ڠاليليو امام محكمة التفتيش وقضى السنوات الاخيرة من حياته تحت الاقامة الجبرية.‏ ولكنَّ الجزمية الدينية لم تتمكَّن من كبح الفضول الذي اثاره اختراع التلسكوپ.‏ وتحدِّي كشف اسرار الكون اجتذب عددا متزايدا من العلماء.‏

      والآن،‏ بعد نحو اربعمئة سنة من التفحُّص الكثيف،‏ ازدادت معرفتنا عن الكون على نحو مثير.‏ فجرى تعيين انواع مختلفة من النجوم،‏ كالعمالقة الحمر red giants،‏ الاقزام البيض white dwarfs،‏ والنجوم النابضة pulsars.‏ ومؤخَّرا جرى اكتشاف اشباه النجوم quasars —‏ اجسام مبهمة تطلق مقادير هائلة من الطاقة —‏ في المسافات الابعد للفضاء.‏ ويُعتقد الآن انَّ ثقوبا سوداء black holes غامضة —‏ يبدو انها دوَّامات كونية شديدة التأثير على نحو لا يمكن تصوُّره —‏ تكمن غير مرئية في الكثير من المجرات.‏

      ان التلسكوپات البصرية القوية تمكِّن علماءَ الفلك من التحديق بعيدا الى الفضاء وبالتالي من السفر فعليا بلايين السنين رجوعا في الزمن،‏ الى الحافة الفعلية للكون المنظور.‏ وقد جرى اكتشاف مجموعة منتظمة كبيرة من النجوم والمجرات،‏ بعضها بعيد جدا بحيث يُقدَّر ان ضوءها استغرق اكثر من ١٥ بليون سنة ليصل الينا.‏a

      وعلى الرغم من ان النجوم هي عادة مصادر راديوية ضعيفة،‏ فإن الاجسام السماوية الاخرى،‏ كالنجوم النابضة وأشباه النجوم،‏ جرى اكتشافها بصورة رئيسية بفضل التلسكوپات الراديوية.‏ وكما يدل الاسم ضمنا،‏ تكتشف هذه التلسكوپات الاطوال الموجية الراديوية بدلا من الاطوال الموجية البصرية.‏ ومنذ ١٩٦١،‏ اكتُشفت المئات من اشباه النجوم،‏ والكثير منها في المسافات الابعد للكون المعروف.‏

      كانت مهمة رسم خريطة للكون اعظم مما يمكن ان يكون ڠاليليو قد تصوَّره.‏ ففي هذا القرن فقط بدأ الانسان بفهم ضخامة الكون،‏ بلايين المجرات التي يتألف منها،‏ والمسافات المذهلة التي تفصل بينها.‏

      ولمساعدتنا على تخيُّل المسافات الكونية،‏ يقترح الفيزيائي روبرت ياسترو التشبيه التالي.‏ تخيَّلوا الشمس وقد جرى تصغيرها الى حجم برتقالة.‏ حينئذ تكون الارض مجرد حبة رمل تدور في مدار حول الشمس على بُعد ٣٠ قدما (‏٩ م)‏.‏ ويكون المشتري كنواة كرزة تدور حول البرتقالة على بُعد قطاع سكني،‏ وبلوتو يكون ايضا حبة رمل اخرى على بُعد عشرة قطاعات سكنية من برتقالتنا الخيالية،‏ الشمس.‏ وعلى هذا المقياس نفسه،‏ يكون جار الشمس الاقرب،‏ النجم حَضَار ألفا Alpha Centauri،‏ على بُعد ٣٠٠‏,١ ميل (‏١٠٠‏,٢ كلم)‏،‏ ومجرة درب التبَّانة بكاملها حشدا متحرِّكا من برتقالات متباعدة احداها عن الاخرى نحو ٠٠٠‏,٢ ميل (‏٢٠٠‏,٣ كلم)‏،‏ بقطر إجمالي يبلغ ٢٠ مليون ميل (‏٣٠ مليون كلم)‏.‏ وحتى عندما يُصغَّر كل شيء،‏ تخرج الارقام بسرعة عن نطاق الفهم.‏

      ليست المسافات وحدها هي ما يدعو الى الدهشة.‏ ففيما يكشف العلماء النقاب عن اسرار الكون،‏ تتبيَّن ظواهر غريبة.‏ فهنالك نجوم نيوترونية مؤلَّفة من مادة كثيفة جدا حتى ان مجرد مِلء ملعقة شاي يزن قدر ٢٠٠ مليون فيل.‏ وهنالك نجوم بالغة الصغر تدعى النجوم النابضة،‏ تومض الواحدة منها بتواتر نحو ٦٠٠ مرة في الثانية.‏ وطبعا،‏ هنالك تلك الثقوب السوداء المثيرة للاهتمام التي يخمِّن بشأنها العلماء.‏ والثقوب نفسها لا يمكن ان تُرى،‏ لكنَّ شهيتها النهمة للضوء والمادة يمكن ان تفشي امر وجودها الخفيّ.‏

      طبعا،‏ يبقى الكثير لغزًا،‏ تحجبه تلك المسافات الشاسعة والحِقَب الزمنية.‏ ولكن ماذا اكتشف العلماء حتى الآن عن الكون؟‏ هل يلقي ما يعرفونه ضوءا جديدا على كيفية وسبب وجود الكون؟‏

      ‏[الحاشية]‏

      a لإمكان ضبط هذه المسافات الضخمة،‏ كان يلزم ابتكار وحدات جديدة للمسافة،‏ كالسنة الضوئية.‏ والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة،‏ نحو ستة تريليونات ميل.‏ انَّ سيارة تسافر بسرعة ثابتة تبلغ ٦٠ ميلا في الساعة (‏١٠٠ كلم/‏سا)‏ يلزمها نحو ١١ مليون سنة لتغطي هذه المسافة!‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٤]‏

      تلسكوپ دْجودرِل بانك الراديوي،‏ الذي أُنشئ في سنة ١٩٥٧ في انكلترا،‏ كان اول وحدة قابلة للتوجيه كاملا

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Courtesy of Jodrell Bank Radio Telescope

  • الكون —‏ كشف بعض الاسرار
    استيقظ!‏ ١٩٩٢ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • الكون —‏ كشف بعض الاسرار

      في الرابع من تموز،‏ في السنة ١٠٥٤،‏ حدَّق يانڠ واي تي الى سماء الصباح الباكر.‏ وكعالِم فلك رسمي في البَلاط الامبراطوري في الصين،‏ كان يراقب بدقَّة حركات النجوم عندما لفت انتباهه فجأة نور لامع قرب كوكبة الجبار.‏

      كان ‹نجم ضيف› —‏ الاسم الذي منحه الصينيون القدامى لظهور نادر كهذا —‏ قد برز.‏ وبعد ان قدَّم تقريرا بحكم الشعور بالواجب لامبراطوره،‏ ذكر يانڠ ان «النجم الضيف» صار ساطعا جدا بحيث فاق حتى الزهرة بريقا وكان بالامكان رؤيته في ضوء النهار الكامل لعدة اسابيع.‏

      تسعمئة سنة كانت ستمضي قبل ان يصير ممكنا تفسير هذا المشهد على نحو كاف.‏ ويُعتقد الآن انَّ عالِم الفلك الصيني كان يشاهد مُستعِرا فائقا supernova،‏ غمرات الموت الجائحي لنجم بالغ الكِبَر.‏ وأسبابُ ظاهرةٍ غير عادية كهذه هي بعض الاسرار التي يحاول عِلم الفلك ان يكشفها.‏ وما يلي هو احد التفاسير التي بذل علماء الفلك جهدا في جمعها معا.‏

      على الرغم من ان نجوما كشمسنا يمكن ان تكون لها حياة طويلة جدا وثابتة،‏ فإن تكوُّنها وزوالها يسببان اكثر المشاهد اثارة في السموات.‏ ويعتقد العلماء ان قصة حياة النجم تبدأ داخل سديم nebula.‏

      السديم هو الاسم المعطى لسحاب من غاز وغبار واقع بين النجوم.‏ والسُّدُم هي بين الاجسام الاكثر جمالا في سماء الليل.‏ والسديم الذي يُرى على غلاف هذه المجلة يُدعى السديم الثلاثيّ الفصوص (‏او السديم ذا الشقوق الثلاثة)‏.‏ وداخل هذا السديم وُلدت نجوم جديدة،‏ مما يجعل السديم يُطلِق وهجا ضاربا الى الحمرة.‏

      وكما يتَّضح،‏ تتشكَّل النجوم داخل السديم عندما تتكاثف المادة المنتشرة بفعل قوة الجاذبية متحوِّلة الى مناطق متقلِّصة من الغاز.‏ وهذه الكرات الهائلة من الغاز تستقر عندما تبلغ درجةَ الحرارة التي عندها تبدأ التفاعلات النووية في الجزء المركزي من السحابة،‏ حائلة دون المزيد من التقلُّص.‏ وهكذا يولد نجم،‏ وغالبا في اقتران بنجوم اخرى،‏ مشكِّلا معها حشدا نجميا Star cluster.‏

      الحشود النجمية.‏ في الصورة في الصفحة ٨،‏ نرى حشدا صغيرا يدعى صندوق المجوهرات Jewel Box،‏ يُظنُّ انه تشكَّل قبل ملايين قليلة من السنين.‏ وابتُكر اسمه من الوصف التصويري لعالِم الفلك في القرن الـ‍ ١٩ جون هيرشِل:‏ «علبة من الاحجار الكريمة المتنوعة الالوان.‏» ومجرتنا وحدها يُعرف ان لديها اكثر من ألف حشد مماثل.‏

      طاقة النجوم.‏ يستقر النجم الوليد،‏ او المتطوِّر،‏ عندما يشتعل اتون نووي في داخله.‏ فيبدأ بتحويل الهيدروجين الى هِلْيوم بعملية اندماج شبيهة الى حد ما بتلك التي تحدث في قنبلة هيدروجينية.‏ هكذا هي كتلة النجم النموذجية،‏ كالشمس،‏ بحيث يمكنها ان تحرق وقودها النووي طوال بلايين السنين دون ان تستنفد المخزون.‏

      ولكن ماذا يحدث عندما يستهلك نجم كهذا اخيرا وقوده من الهيدروجين؟‏ يتقلَّص الجزء المركزي،‏ وترتفع الحرارة فيما يستنفد النجم الهيدروجين في المناطق المركزية.‏ وفي اثناء ذلك،‏ تتمدَّد الطبقات الخارجية بقدر هائل،‏ جاعلةً نصف قطر النجم يزيد ٥٠ مرة او اكثر،‏ فيصير عملاقا احمر.‏

      العمالقة الحمر.‏ العملاق الاحمر هو نجم ذو حرارة سطح باردة نسبيا؛‏ لذلك يبدو لونه احمر،‏ بدلا من ابيض او اصفر.‏ وهذه المرحلة في حياة النجم قصيرة نسبيا،‏ وتنتهي —‏ عندما يفرغ معظم مخزون الهِلْيوم —‏ بعَرْض سماوي للالعاب النارية.‏ فالنجم،‏ اذ لا يزال يحرق الهِلْيوم،‏ يقذف طبقاته الخارجية،‏ التي تشكِّل سديما كوكبيا متوهِّجا بسبب الطاقة التي نالها من النجم الام.‏ وأخيرا،‏ يتقلَّص النجم بشكل مثير ليصير قزما ابيض يشعُّ على نحو ضعيف.‏

      ولكن،‏ اذا كان النجم الاساسي كبيرا الى الحد الكافي،‏ تكون النتيجة النهائية انَّ النجم نفسه ينفجر.‏ وهذا هو المُستعِر الفائق.‏

      المُستعِرات الفائقة.‏ المُستعِر الفائق هو الانفجار الذي ينهي حياة نجم كان اساسا اكبر بكثير من الشمس.‏ فتُقذف كميات هائلة من الغبار والغاز في الفضاء بواسطة موجات صَدم عنيفة بسرعات تبلغ اكثر من ٠٠٠‏,٦ ميل في الثانية (‏٠٠٠‏,١٠ كلم/‏ثا)‏.‏ والضوء الشديد للانفجار ساطع جدا بحيث يفوق بريق بليون شمس،‏ اذ يظهر كماسة متألِّقة في السماء.‏ والطاقة التي تنطلق في انفجار مُستعِر فائق واحد تعادل الطاقة الكاملة التي تُصدرها الشمس في تسعة بلايين سنة.‏

      بعد ان شاهد يانڠ مُستعِره الفائق بتسعمئة سنة،‏ لا يزال بإمكان علماء الفلك ان يروا الحطام المبعثر لذلك الانفجار،‏ بنية تُدعى سديم السرطان.‏ لكنَّ شيئا اكثر من السديم جرى تخليفه.‏ ففي مركزه اكتشفوا شيئا آخر —‏ جسما بالغ الصغر،‏ يدور ٣٣ مرة في الثانية،‏ يدعى نجما نابضا.‏

      النجوم النابضة والنجوم النيوترونية.‏ يجري الفهم ان النجم النابض هو جزء مركزي كثيف الى حد بعيد يدور بسرعة من مادة تُركت بعد انفجار مُستعِر فائق لنجم لا يبلغ اكثر من ثلاث مرات جسامة الشمس.‏ واذ لها اقطار من اقل من ٢٠ ميلا (‏٣٠ كلم)‏،‏ فهي نادرا ما تُكتشف بواسطة التلسكوپات البصرية.‏ ولكن يمكن تعيينها بواسطة التلسكوپات الراديوية،‏ التي تكشف الاشارات الراديوية التي ينتجها دورانها السريع.‏ فثمة حزمة من الموجات الراديوية تدور مع النجم،‏ مثل حزمة منارة،‏ تظهر كنبضة بالنسبة الى المشاهد،‏ مما ينشئ التسمية النجم النابض.‏ والنجوم النابضة تُدعى ايضا نجوما نيوترونية لانها تتألف بصورة رئيسية من نيوترونات محتشدة على نحو متراصّ.‏ وهذا يفسِّر سبب كثافتها التي لا تُصدَّق —‏ اكثر من بليون طن للإنش المكعَّب (‏اكثر من مئة مليون طن للسنتيمتر المكعَّب)‏.‏

      ولكن ماذا يحدث اذا اصبح نجم كبير حقا مُستعِرا فائقا؟‏ طِبقا لحسابات علماء الفلك،‏ يمكن ان يتابع الجزء المركزي تقوُّضه الى ما بعد مرحلة النجم النيوتروني.‏ ونظريا،‏ ستكون قوة الجاذبية التي تضغط الجزء المركزي عظيمة جدا بحيث يَنتج ما يُدعى بالثقب الاسود.‏

      الثقوب السوداء.‏ يُقال ان هذه شبيهة بدوَّامات كونية عملاقة لا يمكن ان يفلت منها شيء.‏ والجَذْب الداخلي للجاذبية قوي جدا بحيث ان النور والمادة كليهما اللذين يقتربان منها اكثر من اللازم يجري امتصاصهما الى داخلها لا محالة.‏

      لم تجرِ على الاطلاق مراقبة ايّ ثقب اسود مباشرة —‏ فذلك مستحيل بحسب التعريف —‏ على الرغم من ان الفيزيائيين يأملون ان يبرهنوا على وجودها بواسطة التأثير الذي لها في الاجسام المجاورة.‏ وقد تكون تقنيات مراقبة جديدة لازمة لكَشف هذا السر الخصوصي.‏

      اسرار المجرات

      المجرة هي بنية كونية مؤلَّفة من بلايين النجوم.‏ وفي السنة ١٩٢٠ اكتُشف ان الشمس ليست مركز مجرتنا،‏ كما افتُرض من قبل.‏ وبعد ذلك بوقت قصير،‏ كشفت التلسكوپات القوية حشدا من المجرات الاخرى،‏ فبدأ الانسان يفهم ضخامة الكون.‏

      ان البساط غير الجلي الذي ندعوه درب التبَّانة هو حقا منظر طَرَفي لمجرتنا.‏ فلو استطعنا رؤيتها عن بُعد،‏ لَبَدت الى حد بعيد مثل دولاب هوائي عملاق.‏ وقد جرى تشبيه شكلها ببيضتين مقليَّتين موضوعتين ظهرا لظهر،‏ ولكن طبعا،‏ على مقياس اكبر بكثير.‏ وبالسفر بسرعة الضوء،‏ تلزمنا ٠٠٠‏,١٠٠ سنة لنعبر مجرتنا.‏ والشمس،‏ التي تقع عند الطرف الخارجي للمجرة،‏ تلزمها ٢٠٠ مليون سنة لتكمل دورتها حول مركز المجرة.‏

      والمجرات،‏ كالنجوم،‏ لا تزال تحتفظ بأسرار كثيرة تثير اهتمام المجتمع العلمي.‏

      اشباه النجوم.‏ في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ التُقطت اشارات راديوية قوية من اجسام بعيدة،‏ ابعد من نطاق مجموعتنا المحلية من المجرات.‏ فدُعيت اشباه النجوم —‏ مختصر «منابع راديوية شبه نجمية» —‏ بسبب مشابهتها للنجوم.‏ لكنَّ علماءَ الفلك حيَّرتهم الطاقة الهائلة التي تُصدرها اشباه النجوم.‏ فشبه النجم المضيء اكثر ساطع نحو عشرة آلاف مرة سطوع درب التبَّانة،‏ وأشباه النجوم الابعد التي جرى اكتشافها هي على بُعد اكثر من عشرة بلايين سنة ضوئية.‏

      بعد عقدين من البحث المكثَّف،‏ وصل علماء الفلك الى الاستنتاج ان اشباه النجوم البعيدة هذه هي نَوًى فعالة جدا لمجرات نائية.‏ ولكن ماذا يحدث في نواة هذه المجرات لتولِّد طاقة هائلة كهذه؟‏ يقترح بعض العلماء ان الطاقة تُطلَق بعمليات تتعلَّق بالجاذبية بدلا من الاندماج النووي كما في النجوم.‏ والنظرية الشائعة تقرن اشباه النجوم بالثقوب السوداء العملاقة.‏ وما اذا كان ذلك صحيحا ام لا فيبقى غير اكيد في الوقت الحاضر.‏

      ان اشباه النجوم والثقوب السوداء هي مجرد اثنين من الالغاز التي يجب حلُّها بعدُ.‏ وفي الواقع،‏ ان بعض اسرار الكون يمكن ان تكون دائما خارج نطاق فهمنا.‏ ومع ذلك،‏ يمكن لتلك التي جرى كشفها ان تعلِّمنا دروسا عميقة،‏ دروسا لها معانٍ ضمنية تفوق الى حد بعيد حيِّز عِلم الفلك.‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      المجرة اللولبية M83

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Photo: D.‎ F.‎ Malin,‎ courtesy of Anglo-Australian Telescope Board

      ‏[الصور في الصفحة ٨]‏

      صندوق المجوهرات

      حشد نجمي مفتوح،‏ الثُّرَيَّا في كوكبة الثور،‏ M45

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Photo: D.‎ F.‎ Malin,‎ courtesy of Anglo-Australian Telescope Board

      ‏[الصور في الصفحة ٨]‏

      سديم الجبار،‏ بصورة مدرجة تظهر سديم رأس الحصان

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Photo: D.‎ F.‎ Malin,‎ courtesy of Anglo-Australian Telescope Board

  • دروس يجري تعلُّمها من الكون
    استيقظ!‏ ١٩٩٢ | آذار (‏مارس)‏ ٢٢
    • دروس يجري تعلُّمها من الكون

      ‏«انا لا ادَّعي فهم الكون —‏ فهو اعظم منّي بكثير.‏» —‏ توماس كارلايل،‏ ١٧٩٥-‏١٨٨١.‏

      بعد مئة سنة،‏ لدينا فكرة افضل توضح الى اي حد اعظم منا هو الكون فعلا.‏ وعلى الرغم من ان العلماء يفهمون اكثر بكثير مما كانوا يفهمون قبلا،‏ لا تزال حالتهم،‏ كما وصفها احد علماء الفلك،‏ كتلك التي لـ‍ «علماء نبات القرن الـ‍ ١٨ في الدَّغل وهم يعثرون على كل هذه الازهار الجديدة.‏»‏

      وعلى الرغم من معرفتنا المحدودة،‏ يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات.‏ وهذه الاستنتاجات تتعلَّق بأهم سؤالَين على الاطلاق —‏ كيف يعمل الكون،‏ وكيف وصل الى هنا في المقام الاول.‏

      النظام بدلا من الفوضى

      ان دراسة طبيعة الكون تُدعى الكوزمولوجيا.‏ وهذا التعبير مشتق من كلمتين يونانيتين،‏ كوزموس ولوغوس،‏ تشيران الى ‹دراسة النظام او التناسق.‏› وهذا اسم مناسب لأن النظام هو بالتحديد ما يلاقيه علماء الفلك،‏ سواء أكانوا يتفحَّصون حركة الاجرام السماوية ام المادة التي يتألف منها الكون.‏

      كل شيء في كوننا يتحرك،‏ والحركة ليست غير نظامية ولا غير ممكن التنبُّؤ عنها.‏ فالكواكب،‏ النجوم،‏ والمجرات تتحرَّك في الفضاء طِبْقا لقوانين طبيعية مضبوطة،‏ قوانين تمكِّن العلماء من الٕانباء ببعض الظواهر الكونية بدقَّة لا تخطئ.‏ وعلى نحو لا يُصدَّق،‏ فإن القوى الرئيسية الاربع التي تضبط اصغر ذرة تتحكَّم ايضا في المجرات الاعظم.‏

      والتنظيم ايضا ظاهر في المادة نفسها المبني منها الكون.‏ «انَّ المادة .‏ .‏ .‏ منظَّمة في كل الحجوم من الصغير جدا الى الكبير جدا،‏» يشرح اطلس كَيْمبريدج لعِلم الفلك.‏ وبعيدا عن كونها متناثرة بشكل عشوائي،‏ فإن المادة مبنية بطريقة منظَّمة،‏ سواء كان ذلك الطريقة التي تتصل بها الالكترونات بپروتونات ونيوترونات النواة الذرية او التجاذب المتبادل الذي يربط معا حشدا هائلا من المجرات.‏

      فلماذا يكشف الكون عن مثل هذا التنظيم والانسجام؟‏ لماذا هنالك قوانين فائقة تتحكَّم فيه؟‏ وبما انه لا بد ان تكون هذه القوانين قد وُجدت قبل نشوء الكون —‏ وإلّا لما تمكنت من ضبطه —‏ فالسؤال المنطقي هو:‏ من اين اتت؟‏

      استنتج العالِم الشهير اسحق نيوتُن:‏ «هذا النظام الرائع الجمال للشمس،‏ الكواكب،‏ والمذنَّبات لا يمكن ان يكون قد نشأ إلا بتوجيه وسيطرة كائن ذكي وقوي.‏»‏

      وقال الفيزيائي فْرد هويل:‏ «ان اصل الكون،‏ مثل حلّ مكعَّب روبيك،‏ يتطلَّب ذكاءً.‏» والاستنتاج انه لا بد ان يكون هنالك واضع للقوانين فوق الطبيعة يؤكده فهمُنا لاصل الكون.‏

      السؤال الجوهري:‏ كيف وصل الكون الى هنا؟‏

      يشرح الفيزيائي البارع في وضع النظريات هوْكينڠ:‏ «الكون الباكر يملك الجواب عن السؤال الجوهري عن اصل كل ما نراه اليوم،‏ بما في ذلك الحياة.‏» فما هي على وجه التحديد النظرة العلمية الحاضرة الى الكون الباكر؟‏

      في ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ اكتشف العلماء اشعاعَ خلفيَّةٍ خافتا آتيا من كل انحاء السماء.‏ وهذا الاشعاع قيل انه ترداد آتٍ من الانفجار البدائي الذي سمَّاه علماء الفلك الانفجار العظيم.‏ وكان الانفجار هائلا جدا،‏ كما يقولون،‏ بحيث يكون ممكنا ايضا اكتشاف صداه بعد بلايين السنين.‏a

      ولكن اذا انفجر الكون فجأة الى الوجود منذ ما يتراوح بين ١٥ بليون و ٢٠ بليون سنة،‏ كما يعتقد الآن معظم الفيزيائيين (‏مع انَّ آخرين يعترضون بشدَّة على ذلك)‏،‏ ينشأ سؤال حاسم.‏ من اين اتت الطاقة الاولية؟‏ وبكلمات اخرى،‏ ماذا اتى قبل الانفجار العظيم؟‏

      هذا سؤال يفضِّل كثيرون من علماء الفلك ان يتفادوه.‏ اعترف احدهم:‏ «اثبت العِلم ان العالَم اتى الى الوجود نتيجة قوى تبدو دائما خارج نطاق قدرة الوصف العلمي.‏ وهذا يزعج العِلم لأنه يتضارب مع الدين العِلمي —‏ دين السبب والنتيجة،‏ الاعتقاد ان كل نتيجة لها سبب.‏ والآن نجد ان النتيجة الاكبر على الاطلاق،‏ ولادة الكون،‏ تنتهك ركن الايمان هذا.‏»‏

      كتب پروفسور من جامعة اوكسفورد بتحديد اكثر:‏ «ان السبب الاول للكون يُترك للقارئ ليُدرجه.‏ لكنَّ صورتنا غير كاملة دونه.‏» ومع ذلك،‏ يقوِّم الكتاب المقدس الامور،‏ محدِّدا هوية «السبب الاول» قائلا:‏ «في البدء خلق اللّٰه السموات والارض.‏» —‏ تكوين ١:‏١‏.‏

      صِغَر الانسان

      الدرس الابسط الذي يعلِّمنا اياه الكون هو اوضح درس،‏ درس جاهد انسان القرون الوسطى المتفاخر ليتجاهله لكنَّ شعراء الكتاب المقدس اعترفوا به بتواضع منذ آلاف السنين —‏ ذاك الذي لصِغَر الانسان.‏

      تدعم الاكتشافات الحديثة التقدير الواقعي للملك داود:‏ «اذا ارى سمواتك عمل اصابعك القمر والنجوم التي كوَّنتها فمن هو الانسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده.‏» —‏ مزمور ٨:‏٣،‏ ٤‏.‏

      اظهر عِلم الفلك ضخامة وعظمة الكون —‏ النجوم ذات الحجوم الهائلة،‏ المسافات التي تفوق التصوُّر،‏ حِقَب الزمن التي تتحدّى الفهم،‏ الأُتُن الكونية التي تولِّد حرارة تبلغ ملايين الدرجات،‏ ثوران الطاقة التي تجعل بليون قنبلة نووية تبدو صغيرة.‏ ومع ذلك،‏ يجري وصف ذلك كله جيدا في سفر ايوب:‏ «ها هذه اطراف طرقه وما اخفض الكلام الذي نسمعه منه.‏ وأما رعد جبروته فمن يفهم.‏» (‏ايوب ٢٦:‏١٤‏)‏ فكلما تعلَّمنا عن الكون اكثر،‏ بدت معرفتنا ضئيلة اكثر،‏ وصار مكاننا فيه اصغر.‏ وبالنسبة الى المراقب الموضوعي،‏ انه درس يدعو الى التفكير.‏

      اعترف اسحق نيوتُن:‏ «ابدو وكأنني مجرد صبي يلعب على شاطئ البحر،‏ وأنني اسلِّي نفسي بين حين وآخر بالعثور على حصاة ملساء اكثر او صَدَفة اجمل من المعتاد،‏ فيما يمتد محيط الحقيقة الكبير كله غير مكتَشَف امامي.‏»‏

      ان الاتضاع الذي يجب ان يثيره فينا فهم كهذا سيساعدنا على الاعتراف بأنَّ هنالك شخصا خلق الكون،‏ شخصا وضع القوانين التي تتحكَّم فيه،‏ شخصا اعظم وأحكم منا بكثير.‏ وكما يذكِّرنا سفر ايوب:‏ «عنده الحكمة والقدرة.‏ له المشورة والفطنة.‏» (‏ايوب ١٢:‏١٣‏)‏ وهذا هو الدرس الاهم على الاطلاق.‏

      اذ يجري كشف المزيد من اسرار الكون،‏ يجري كشف النقاب عن ألغاز اعظم ايضا.‏ وستناقش مقالة مقبلة بعض الاكتشافات الاحدث التي تحيِّر الآن علماء الفلك وتنشئ اسئلة جديدة تثير الجدال بين علماء الكون.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a كما يشكِّل حجر رُمي في بِركة تموُّجات في الماء،‏ هكذا شكَّل هذا الانفجار الاول النظري «تموُّجات» من اشعاع الموجات الصُّغْرية،‏ ما يظنُّ العلماء انهم يلتقطونه بواسطة الهوائي الراديوي الحساس الذي لهم،‏ تموُّجات وصفها احد الكتَّاب بأنها «اصداء هسهسة الخلق.‏»‏

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      جهاز لاكتشاف اشعاع الخلفيَّة من الانفجار العظيم النظري

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Courtesy of the Royal Greenwich Observatory and the Canary Islands Institute of Astrophysics

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة