مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ما يفسِّره الانفجار العظيم —‏ وما لا يفسِّره
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٢
    • الكون المهيب

      ما يفسِّره الانفجار العظيم —‏ وما لا يفسِّره

      كل صباح هو اعجوبة.‏ ففي باطن شمس الصباح يندمج الهيدروجين ليتحوَّل الى هليوم في درجات حرارة تصل الى الملايين.‏ ومن لُبِّ الشمس الى الطبقات المحيطة به تتدفق الاشعة السينية وأشعة ڠاما بشدّة تفوق الخيال.‏ ولو كانت الشمس شفّافة لَشقَّت هذه الاشعة طريقها الى السطح خلال ثوانٍ قليلة حارقة.‏ ولكنها عوضا عن ذلك تثب من ذرّة الى ذرّة ضمن الذرّات المتراصة لهذا «العازل» الشمسي،‏ فتفقد طاقتها تدريجيا.‏ وتمرُّ الايام والاسابيع والقرون.‏ وبعد آلاف السنين ينبعث اخيرا هذا الاشعاع،‏ الذي كان مميتا،‏ من سطح الشمس منتشرا في شكل ضوء اصفر جميل.‏ لقد زال الخطر منه وصار مناسبا تماما ليغمر الارض بدفئه.‏

      وكل ليلة هي اعجوبة ايضا.‏ فالشموس الاخرى تنتشر في رحاب مجرَّتنا وتغمزنا بتلألُئها.‏ انها نجوم بألوان وأحجام ودرجات حرارة وكثافات مختلفة جدا.‏ بعضها من فئة النجوم فوق العملاقة supergiants،‏ وهي كبيرة جدا الى حد انه لو وُضع واحد منها مكان شمسنا لَاستقرَّ ما يتبقى من كوكبنا داخل سطح هذا النجم الهائل الحجم.‏ وبعض النجوم صغيرة الحجم،‏ وهي تدعى الاقزام البيض white dwarfs.‏ انها اصغر حجما من ارضنا،‏ لكنَّ ثقلها يضاهي ثقل شمسنا.‏ البعض لن يعكِّر صفو وجوده شيء لبلايين السنين.‏ والبعض الآخر واقف على شفير الزوال لينفجر ويسطع نوره لفترة وجيزة الى حدّ يفوق سطوع مجرَّات بكاملها،‏ وعندئذ يكون مستعِرا فائقا supernova.‏

      تحدَّث القدماء عن وحوش بحرية وآلهة متحاربة،‏ عن تنانين وسلاحف وفيَلة،‏ عن ازهار لوطس وآلهة حالمة.‏ وبعد ذلك،‏ خلال ما سُمِّي عصر العقل،‏ حلَّ محلَّ الآلهة «السحرُ» المكتشف حديثا،‏ سحرُ حساب التفاضل والتكامل calculus وقانونَي نيوتن.‏ ونحن اليوم نعيش في عصر تجرَّد عن الشِّعر القديم والاسطورة.‏ ولكي يفسِّر ابناء العصر الذرّي في ايامنا كيف نشأ الكون،‏ لم يختاروا الوحش البحري القديم،‏ ولا نموذج نيوتن للمجموعة الشمسية،‏ بل ذلك الرمز الابرز للقرن الـ‍ ٢٠ —‏ القنبلة الذرّية.‏ فالذي «خلقهم» هو انفجار.‏ وقد دعوا تلك الكرة النارية الكونية «الانفجار العظيم big bang.‏»‏

      ما «يفسِّره» الانفجار العظيم

      ان الصيغة الاكثر شيوعا لنظرة هذا الجيل الى نشأة الكون تذكر انه منذ ١٥ الى ٢٠ بليون سنة تقريبا لم يكن الكون موجودا،‏ ولا حتى الفضاء الخالي.‏ ولم يكن هنالك زمن ولا مادة —‏ الّا نقطة متناهية الصغر والكثافة دُعيت نقطة فريدة singularity،‏ وانفجار هذه النقطة انتج الكون الحالي.‏ وإبان هذا الانفجار مرَّت فترة قصيرة جدا خلال الجزء الصغير الاول من الثانية توسَّع او تمدَّد فيها الكون الطفل بسرعة تفوق سرعة الضوء بكثير.‏

      وخلال الدقائق القليلة الاولى للانفجار العظيم حدث اندماج نووي على نطاق كوني،‏ مما انتج التراكيز التي يجري قياسها حاليا من الهيدروجين والهليوم وعلى الاقل جزء من الليثيوم في الفضاء الممتد بين النجوم.‏ وربما بعد ٠٠٠‏,٣٠٠ سنة،‏ انخفضت درجة حرارة الكرة النارية الكونية وصارت ادنى بقليل من درجة الحرارة على سطح الشمس،‏ مما اتاح للالكترونات ان تستقر في مداراتها حول الذرّات وأطلق وميضا من الفوتونات،‏ او الضوء.‏ ومع ان درجة حرارة هذا الوميض الابتدائي صارت منخفضة جدا،‏ يمكننا قياسه اليوم بصفته اشعاع الخلفية background radiation الكوني ذا التردُّدات الصغرية الموجة microwave frequencies الذي يقابل درجة حرارة تبلغ ٧‏,٢ كلڤن.‏a وفي الواقع،‏ كان اكتشاف اشعاع الخلفية هذا سنة ١٩٦٤-‏١٩٦٥ هو ما اقنع معظم العلماء بوجود بعض الصحة في نظرية الانفجار العظيم.‏ وتدَّعي النظرية ايضا انها تفسِّر لماذا يبدو الكون وكأنه يتمدَّد في كل الاتجاهات،‏ بحيث يظهر ان المجرَّات البعيدة تجري مبتعدة عنا وعن بعضها البعض بسرعة كبيرة.‏

      بما ان نظرية الانفجار العظيم تفسِّر امورا كثيرة كما يَظهر،‏ فلماذا يُشَكُّ فيها؟‏ لأنه ثمة امور كثيرة ايضا لا تفسِّرها.‏ لإيضاح ذلك،‏ اطلق الفلكيّ القديم بطليموس نظرية تقول ان الشمس والكواكب تدور حول الارض في دوائر كبيرة،‏ وهي في الوقت نفسه ترسم دوائر صغيرة تدعى افلاك التدوير epicycles.‏ وبدا ان النظرية تفسِّر حركة الكواكب.‏ وكلما كان الفلكيّون يجمعون معطيات اضافية خلال القرون التالية،‏ كان بإمكان علماء الكون من مدرسة بطليموس ان يضيفوا المزيد من افلاك التدوير الى افلاك التدوير الاخرى التي رسموها و «يفسِّروا» المعطيات الجديدة.‏ لكنَّ ذلك لم يعنِ ان النظرية صحيحة.‏ وفي النهاية،‏ صارت هنالك معطيات كثيرة بحيث لم يعد من الممكن تفسيرها،‏ في حين ان نظريات اخرى،‏ كفكرة كوپرنيكوس القائلة ان الارض تدور حول الشمس،‏ فسَّرت الامور بشكل افضل وأبسط.‏ ومن الصعب اليوم ايجاد فلكيّ من مدرسة بطليموس!‏

      ان هذه الجهود التي بذلها علماء الكون من مدرسة بطليموس لترقيع نظريتهم الفاشلة التي خرَّقتها الاكتشافات الجديدة شبَّهها الپروفسور فرِد هُويْل بجهود المؤمنين بالانفجار العظيم لإبقاء نظريتهم قابلة للتصديق.‏ وذكر في كتابه الكون الذكي:‏ «تركَّزت جهود المحقِّقين على اخفاء التناقضات في نظرية الانفجار العظيم،‏ فتكوَّنت فكرة صارت معقدة ومعرقِلة اكثر من ذي قبل.‏» وبعد ان اشار هُويْل الى افلاك تدوير بطليموس التي لم يُجْدِ استخدامها نفعا لإنقاذ نظريته،‏ تابع قائلا:‏ «لا اتردد في القول انه نتيجةً لذلك يهدِّد الآن نظريةَ الانفجار العظيم مصيرٌ اسود.‏ وكما ذكرتُ سابقا،‏ عندما تتعارض وقائع محدَّدة مع نظرية ما،‏ يُظهر الاختبار انه نادرا ما تسترد [النظرية] مصداقيتها.‏» —‏ الصفحة ١٨٦.‏

      وعبَّرت مجلة العالِم الجديد،‏ عدد ٢٢/‏٢٩ كانون الاول ١٩٩٠،‏ عن افكار مشابهة عندما ذكرت:‏ «طُبِّق اسلوب بطليموس بشكل مبالغ فيه على .‏ .‏ .‏ شرح الانفجار العظيم للكون.‏» ثم سألت:‏ «كيف يمكننا ان نحقق تقدما حقيقيا في فيزياء الجُسيمات particle physics وعلم الكون؟‏ .‏ .‏ .‏ يجب ان نكون صادقين وصرحاء اكثر عندما تكون بعض الافتراضات العزيزة على قلوبنا ذات طبيعة تخمينية محض.‏» وتنهال علينا الآن ملاحظات جديدة.‏

      اسئلة لا يجيب عنها الانفجار العظيم

      احد التحديات الكبيرة في وجه الانفجار العظيم اتى من المراقبين الذين يستخدمون الاجهزة البصرية المصحَّحة في مقراب هابل الفضائي لقياس البُعد عن المجرَّات الاخرى.‏ فالمعطيات الجديدة تجعل واضعي النظريات في حيرة من امرهم!‏

      استعانت مؤخرا الفلكيّة وندي فريدمان مع افراد آخرين بمقراب هابل الفضائي لقياس المسافة الى مجرَّة تقع في كوكبة العذراء،‏ وتدل قياساتها على ان الكون يتمدَّد بسرعة اكبر مما كان يُعتقد سابقا،‏ وبذلك يكون اصغر سنًّا.‏ وفي الواقع،‏ كما اخبرت مجلة العلمية الاميركية في حزيران الماضي،‏ «يشير [ذلك] الى ان عمر الكون يبلغ ثمانية بلايين سنة.‏» وفي حين ان ثمانية بلايين سنة تبدو فترة طويلة جدا،‏ فهي ليست سوى نصف العمر المقدَّر للكون حاليا.‏ ويؤدي ذلك الى مشكلة خصوصية،‏ لأنه كما يمضي التقرير ملاحظا،‏ «تشير معطيات اخرى الى ان عمر بعض النجوم يبلغ ١٤ بليون سنة على الاقل.‏» وإذا كانت ارقام فريدمان صحيحة،‏ فهذا يعني ان تلك النجوم المسنّة هي اقدم من الانفجار العظيم نفسه!‏

      واعترضت الانفجار العظيم مشكلة اخرى ايضا اتت من البراهين المتزايدة باستمرار عن وجود «فقاقيع» في الكون تمتد مسافة ١٠٠ مليون سنة ضوئية،‏ بحيث تمتد المجرَّات خارجها وينتشر الفراغ داخلها.‏ وقد وجدت مرڠريت ڠلر وجون هكرا وغيرهما في مركز هارڤرد-‏سميثْسونيان للفيزياء الفلكية ما يدعونه سورًا عظيما من المجرَّات يمتد نحو ٥٠٠ مليون سنة ضوئية عبر السماء الشمالية.‏ ووجد فريق آخر من الفلكيين،‏ الذين صاروا يُعرَفون بالساموراي السبعة،‏ دليلا على وجود تكتُّل كوني مختلف يدعونه «الجاذب العظيم» قرب كوكبتَي الشجاع وقنطورس الجنوبيتَين.‏ ويعتقد الفلكيّان مارك پوستمان وتود لاوِر ان هنالك دون شك جاذبا اكبر ايضا وراء كوكبة الجبار،‏ وهو يجعل مئات المجرَّات،‏ بما فيها مجرَّتنا،‏ تجري في ذلك الاتجاه كأخشاب طافية مندفعة على سطح «نهر فضائي.‏»‏

      كل هذه البنى تُوقع المرء في الحيرة.‏ فعلماء الكون يقولون ان الانفجار العظيم كان منتظما ومتناسقا للغاية،‏ على اساس اشعاع الخلفية الذي يُزعم انه خلَّفه.‏ فكيف يمكن ان تؤدي بداية منتظمة كهذه الى تكوين بنى ضخمة ومعقَّدة الى هذا الحد؟‏ تعترف العلمية الاميركية:‏ «ان المكتشَفات الكثيرة الاخيرة من اسوار وجواذب تزيد غموض السؤال:‏ كيف يمكن ان يتشكَّل هذا العدد من البنى في غضون الـ‍ ١٥ بليون سنة التي تؤلف عمر الكون» —‏ مشكلة تزداد صعوبة ايضا عندما يؤخذ بعين الاعتبار تقليص العمر المقدَّر للكون كما ذكرت فريدمان وغيرها.‏

      ‏«ثمة عامل جوهري ينقصنا»‏

      ان الخرائط الثلاثية الابعاد التي وضعتها ڠلر لآلاف التكتُّلات المجرِّيَّة الملتفَّة والمتشابكة والمنتفخة غيَّرت طريقة تصوُّر العلماء للكون.‏ وهي لا تدَّعي انها تفهم ما تراه.‏ فالجاذبية وحدها لا تعلِّل كما يَظهر وجود السور العظيم الذي رأته.‏ تعترف:‏ «غالبا ما اشعر بأنه ثمة عامل جوهري ينقصنا في محاولاتنا لفهم هذه البنية.‏»‏

      وأسهبت ڠلر في الكلام عن ارتيابها وقالت:‏ «من الواضح اننا لا نعرف كيف نفسِّر وجود بنى ضخمة في ضوء الانفجار العظيم.‏» والتفاسير للبنى الكونية على اساس الخرائط المرسومة حاليا للسموات ليست قاطعة على الاطلاق —‏ كمحاولة رسم خريطة للعالم كله على اساس مسح جغرافي لجزيرة صغيرة.‏ ثم تابعت ڠلر قائلة:‏ «قد نجد يوما ما اننا لم نكن نفسِّر الامور بطريقة صحيحة،‏ وعندئذٍ،‏ لا شك اننا سنتساءل لماذا لم نفكِّر في ذلك من قبل.‏»‏

      يقودنا كل ذلك الى اهم سؤال:‏ ما هو الامر الذي يُفترض انه سبَّب الانفجار العظيم نفسه؟‏ يعترف بصراحة اندريه ليندِه،‏ احد واضعي الصيغة التضخمية inflationary الشائعة جدا لنظرية الانفجار العظيم والمعتبَر مرجعا بارزا في هذا المجال،‏ ان هذه النظرية لا تتطرَّق الى هذه المسألة الجوهرية.‏ يقول:‏ «ان المشكلة الاولى والرئيسية هي حدوث الانفجار العظيم نفسه.‏ فقد يسأل المرء،‏ ماذا كان هنالك قبلا؟‏ وإذا لم يكن المكان-‏الزمان موجودا آنذاك،‏ فكيف يمكن ان يظهر كل شيء من لا شيء؟‏ .‏ .‏ .‏ ان تفسير هذه النقطة الفريدة الاولى —‏ اين ومتى ابتدأ كل شيء —‏ لا يزال المشكلة الاصعب في علم الفلك الحديث.‏»‏

      استنتجت مؤخرا مقالة في مجلة ديسْكَڤر انه «ما من عالِم كون منطقي يدَّعي ان الانفجار العظيم هو خاتمة النظريات.‏»‏

      لنخرج الآن الى العراء ونتأمل في جمال القبَّة المنجمة وغموضها.‏

      ‏[الحاشية]‏

      a كلڤن هي الوحدة في سلَّمٍ لدرجات الحرارة تساوي الدرجةُ فيه الدرجةَ في سلَّم درجات الحرارة المئوي،‏ الّا ان سلَّم كلڤن يبتدئ عند الصفر المطلق،‏ اي صفر ك —‏ ما يعادل -‏١٦‏,٢٧٣ درجة مئوية.‏ وهكذا يتجمد الماء في درجة ١٦‏,٢٧٣ ك ويغلي في درجة ١٦‏,٣٧٣ ك.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٥]‏

      السنة الضوئية —‏ مقياس كوني

      ان الكون كبير جدا حتى ان قياسه بالاميال او الكيلومترات هو كقياس المسافة بين لندن وطوكيو بالميكرومتر.‏ لذلك تُستعمل وحدة قياس ملائمة اكثر،‏ السنة الضوئية،‏ التي تمثِّل المسافة التي يقطعها الضوء في سنة،‏ اي ما يعادل ٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٨٨٠‏,٥ ميل (‏٠٠٠‏,٠٠٠‏,٠٠٠‏,٤٦٠‏,٩ كلم)‏ تقريبا.‏ وبما ان الضوء هو اسرع شيء في الكون ويلزمه ٣‏,١ ثانية فقط ليصل الى القمر ونحو ٨ دقائق الى الشمس،‏ فالسنة الضوئية هي فعلا مسافة هائلة!‏

  • غامض جدا،‏ انما رائع جدا
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٢
    • الكون المهيب

      غامض جدا،‏ انما رائع جدا

      في هذا الوقت من السنة تكون سماء الليل مرصَّعة بجواهر رائعة.‏ ففي العلياء يقف الجبار العظيم مباعدا ما بين رِجليه.‏ وهذه الكوكبة تسْهل رؤيتها في ليالي شهر كانون الثاني من انكوراج في ألاسكا الى كَيپ تاون في جنوب افريقيا.‏ هل امعنتم النظر مؤخرا في الكنوز السماوية الموجودة في الكوكبات المشهورة،‏ كالجبار؟‏ هذا ما فعله العلماء منذ زمن ليس ببعيد،‏ مستعينين بمقراب (‏تلسكوب)‏ هابل الفضائي الذي جرى اصلاحه مؤخرا.‏

      من النجوم الثلاثة التي تشكِّل منطقة (‏حزام)‏ الجبار يتدلى سيفه.‏ والنجم غير الواضح في وسط السيف ليس في الحقيقة نجما بل هو سديم الجبار Orion Nebula الشهير،‏ ولهذا الشيء جمال اخّاذ حتى عندما يُنظر اليه بواسطة مقراب صغير.‏ لكنَّ تألُّقه الفائق ليس سبب اعجاب الفلكيّين المحترفين به.‏

      في مجلة علم الفلك،‏ يخبر جان-‏پيار كايو:‏ «يتفحص الفلكيّون سديم الجبار ونجومه الفتيّة الكثيرة لأنه اكبر وأنشط حيِّز لولادة النجوم في ناحيتنا من المجرَّة.‏» فكما يبدو،‏ هذا السديم هو قسم توليد كوني!‏ وعندما صوَّر مقراب هابل سديم الجبار،‏ ملتقطا تفاصيل لم تُرَ من قبل على الاطلاق،‏ لم يَرَ الفلكيّون فقط نجوما وغازا متوهِّجا بل ما وصفه كايو بـ‍ «اشكال بيضَوية صغيرة غير واضحة.‏ بقع من الضوء البرتقالي.‏ انها تشبه لطخات من الطعام سقطت عن غير قصد على الصورة.‏» لكنَّ العلماء لا يعتبرونها عيوبا نتجت عند تظهير الصور،‏ فهم يعتقدون ان هذه الاشكال البيضَوية غير الواضحة هي «اقراص كوكبية بدئيَّة،‏ اول مجموعات شمسية في طور التكوُّن كما تُرى من مسافة ٥٠٠‏,١ سنة ضوئية.‏» فهل تولد نجوم —‏ وحتى مجموعات شمسية بكاملها —‏ في سديم الجبار في هذه اللحظة؟‏ هذا ما يعتقده فلكيّون كثيرون.‏

      من قسم التوليد الى مقبرة النجوم

      فيما يخطو الجبار خطوة واسعة الى الامام،‏ حاملا قوسا بيده،‏ يبدو وكأنه يواجه كوكبة الثور.‏ وقرب طرف القرن الجنوبي للثور،‏ يكشف مقراب صغير عن وجود بقعة شاحبة من الضوء.‏ انها تدعى سديم السرطان Crab Nebula،‏ وبواسطة مقراب كبير يتبين انها انفجار في طور الحدوث،‏ كما يَظهر في الصفحة ٩.‏ فإذا كان سديم الجبار دار حضانة للنجوم،‏ فقد يكون سديم السرطان المجاور مقبرةً لنجم عانى موتا عنيفا يفوق الخيال.‏

      هذه الجائحة السماوية ربما سجَّلها الفلكيّون الصينيون الذين وصفوا «نجما ضيفا» في كوكبة الثور ظهر فجأة في ٤ تموز ١٠٥٤ وصار يسطع بتألُّق شديد حتى انه كان يُرى في وضح النهار طوال ٢٣ يوما.‏ يذكر الفلكيّ روبرت برْنم:‏ «طوال اسابيع قليلة كان النجم يشعُّ ويطلق ضوءا يعادل ضوء ٤٠٠ مليون شمس تقريبا.‏» ويدعو الفلكيّون هذا الانتحار النجمي المذهل مستعِرا فائقا.‏ وحتى الآن،‏ بعد الف سنة تقريبا من رؤيته،‏ تتسابق في الفضاء الشظايا الناتجة من الانفجار بسرعة تُقدَّر بـ‍ ٥٠ مليون ميل (‏٨٠ مليون كلم)‏ في اليوم.‏

      وقد وُجِّه مقراب هابل الفضائي الى ذلك الحيِّز ايضا،‏ فحدَّق عميقا في قلب السديم واكتشف «تفاصيل في سديم السرطان لم يتوقَّعها الفلكيّون قط،‏» استنادا الى مجلة علم الفلك.‏ ويقول الفلكيّ پول سكووِن ان هذه الاكتشافات «ستجعل الفلكيّين النظريين يحكُّون رؤوسهم لبعض الوقت في المستقبل.‏»‏

      ويعتقد الفلكيّون،‏ مثل روبرت كيرشْنر من هارڤرد،‏ انه من المهم نيل الفهم عن بقايا مستعِر فائق كسديم السرطان،‏ لأنه من الممكن الافادة من ذلك لقياس المسافة الى مجرَّات اخرى،‏ وهذا الامر موضع ابحاث كثيفة في الوقت الحاضر.‏ وكما رأينا،‏ فإن الخلافات المتعلقة بالمسافات الى المجرَّات الاخرى ادَّت مؤخرا الى نقاش حادّ حول تفسير الانفجار العظيم لنشأة الكون.‏

      وراء كوكبة الثور،‏ ولكن ضمن الحيِّز المنظور من نصف الكرة الشمالي في السماء الغربية خلال شهر كانون الثاني،‏ يُرى تألُّق خفيف في كوكبة المرأة المُسَلْسَلة.‏ هذا التألُّق هو مجرَّة المرأة المُسَلْسَلة،‏ ابعد شيء يمكن ان تراه العين المجرَّدة.‏ ان الروائع التي تُرى في كوكبتَي الجبار والثور لا تبعد عن ارضنا كثيرا،‏ فالمسافة لا تتعدى آلافا قليلة من السنوات الضوئية.‏ لكنَّ نظرنا الآن يجتاز مسافة تقدَّر بمليونَي سنة ضوئية ويقع على شكل لولبي ضخم من النجوم يشبه مجرَّتنا درب التبَّانة كثيرا،‏ ولكنه اكبر اذ يمتد مسافة ٠٠٠‏,١٨٠ سنة ضوئية من اقصاه الى اقصاه.‏ وفيما تنظرون الى التألُّق الخفيف للمرأة المُسَلْسَلة،‏ يغمر عينيكم ضوء ربما كان عمره اكثر من مليونَي سنة!‏

      في السنوات الاخيرة شرعت مرڠريت ڠلر وآخرون في تنفيذ برامج طموحة لوضع خرائط لكل المجرَّات حولنا بالابعاد الثلاثة،‏ وقد اثارت النتائج اسئلة خطيرة في ما يتعلق بنظرية الانفجار العظيم.‏ فبدلا من رؤية توزيع منتظم للمجرَّات في كل اتجاه،‏ اكتشف رسَّامو خرائط الكون «نسيجا مزركَشا من المجرَّات» في بنية تمتد ملايين السنين الضوئية.‏ «أما كيف طُرِّز هذا النسيج المزركَش من المادة المتجانسة تقريبا للكون المولود حديثا فهو احد الاسئلة البالغة الاهمية في علم الكون،‏» كما ذكر تقرير حديث في مجلة العِلم المحترمة.‏

      ابتدأنا هذه الامسية بالنظر الى السماء في ليلة من ليالي شهر كانون الثاني فانكشف لنا على الفور جمالها الاخّاذ.‏ لكنَّ ذلك اثار ايضا اسئلة وأسرارا تتعلق بطبيعة الكون وأصله.‏ فكيف ابتدأ؟‏ كيف وصل الى حالته الحاضرة المعقَّدة؟‏ ماذا سيحدث للروائع السماوية التي تحيط بنا؟‏ وهل يمكن لأحد ان يعطي الجواب؟‏ لنرَ.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٨]‏

      كيف يعرفون كم تبعد عنا؟‏

      عندما يقول الفلكيّون لنا ان مجرَّة المرأة المُسَلْسَلة تبعد مليونَي سنة ضوئية،‏ فهم في الواقع يذكرون تقديرات.‏ فلا احد اخترع وسيلة لقياس هذه المسافات الهائلة بطريقة مباشرة.‏ ان المسافات الى النجوم الاقرب جدا،‏ اي التي تقع ضمن مسافة ٢٠٠ سنة ضوئية تقريبا،‏ يمكن ان تقاس مباشرة بواسطة اختلاف المنظر النجمي stellar parallax الذي يشمل علم المثلَّثات trigonometry البسيط.‏ لكنَّ هذا لا ينجح الّا مع النجوم القريبة جدا من الارض بحيث تَظهر كما لو انها تتحرك قليلا فيما تدور الارض حول الشمس.‏ أما معظم النجوم،‏ وكل المجرَّات،‏ فهي ابعد بكثير.‏ عند تلك النقطة يبتدئ التخمين.‏ وحتى النجوم التي لا تبعد كثيرا،‏ يُقاس بُعدها بالتخمين،‏ كالنجم الاحمر فوق العملاق الشهير المسمى منكب الجوزاء في كوكبة الجبار الذي تتراوح تقديرات بُعده بين ٣٠٠ الى اكثر من ٠٠٠‏,١ سنة ضوئية.‏ لذلك لا يجب ان يفاجئنا وجود خلاف بين الفلكيّين بشأن المسافات المجرِّيَّة التي تبلغ اضعاف ذلك مليون مرة.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ٨]‏

      المستعِرات الفائقة،‏ النجوم النابضة،‏ والثقوب السوداء

      في وسط سديم السرطان يقع احد اغرب الاشياء في الكون المعروف.‏ فحسبما يقول العلماء،‏ ان الجثة الصغيرة لنجم ميت والمضغوطة حتى بلغت كثافتها حدًّا لا يصدَّق،‏ تدور في قبرها ٣٠ مرة في الثانية وتطلق حزمة من الموجات الراديوية التُقطت للمرة الاولى على الارض سنة ١٩٦٨.‏ هذا الشيء يدعى نجما نابضا pulsar،‏ وهو يوصَف بأنه الجسم الباقي الدوَّار لمستعِر فائق مضغوط الى حدِّ ان الالكترونات والپروتونات في ذرَّات النجم الاصلي حُشرت معا بحيث نتجت النيوترونات.‏ ويقول العلماء انه كان قبلا اللُّبَّ الضخم لنجم فوق العملاق مثل منكب الجوزاء او رِجل الجبار في كوكبة الجبار.‏ وعندما انفجر النجم وتطايرت طبقاته الخارجية في الفضاء،‏ لم يبقَ سوى اللُّب المتقلص،‏ جمرة انطفأت نيرانها النووية منذ زمن طويل وأخذت تتوهَّج في حرارة بيضاء.‏

      تخيلوا انكم اخذتم نجما يبلغ حجمه ضعف حجم شمسنا وضغطتموه حتى صار بحجم كرة قطرها ١٠ الى ١٢ ميلا (‏١٥-‏٢٠ كلم)‏!‏ وتخيلوا انكم اخذتم كوكب الارض وضغطتموه حتى صار قطره ٤٠٠ قدم (‏١٢٠ م)‏.‏ ان انشًا مكعَّبا (‏١٦ سم٣‏)‏ من هذه المواد سيصل وزنه الى اكثر من ١٦ بليون طن.‏

      حتى هذا الوصف ليس كل شيء عن المادة المضغوطة.‏ فإذا قلَّصنا الارض حتى تصير بحجم الكلَّة،‏ فسيصبح حقل جاذبية الارض في النهاية قويا جدا بحيث انه حتى الضوء لن يفلت منه.‏ عندئذ ستبدو ارضنا الصغيرة وكأنها تختفي داخل ما يدعى بالثقب الاسود.‏ ومع ان معظم الفلكيّين يؤمنون بوجود الثقوب السوداء،‏ الّا ان وجودها لم يتبرهن بعد،‏ ويبدو ان حدوثها لا يتكرر كثيرا بقدر ما كان يُعتقد قبل سنين قليلة.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٠]‏

      هل هذه الالوان حقيقية؟‏

      ان الاشخاص الذين يراقبون السماء بمقراب صغير يشعرون في اغلب الاحيان بالخيبة عندما يحدِّدون للمرة الاولى موقع مجرَّة او سديم شهير.‏ فأين الالوان الجميلة التي يرونها في الصور؟‏ يلاحظ الفلكيّ والكاتب العلمي تِموثي فرِس:‏ «لا يمكن للعين البشرية ان ترى الوان المجرَّات مباشرة،‏ حتى بواسطة اكبر المقاريب الموجودة،‏ وذلك لأن الضوء اخفت من ان ينبِّه مستقبِلات الالوان في شبكيَّة العين.‏» فجعل ذلك البعض يستنتجون ان الالوان الجميلة التي تُرى في الصور الفلكيّة مزيَّفة،‏ وهي تُضاف بطريقة ما خلال عملية التحميض.‏ لكنَّ ذلك ليس صحيحا.‏ يكتب فرِس:‏ «الالوان نفسها حقيقية،‏ والصور تمثِّل افضل الجهود التي يبذلها الفلكيّون لإنتاجها بدقة.‏»‏

      في كتابه المجرَّات،‏ يوضح فرِس ان صور الاشياء البعيدة الخافتة،‏ كالمجرَّات او معظم السُّدُم،‏ تُلتقط بواسطة «التعريض الزمني،‏ اذ يجري الحصول عليها بتوجيه المقراب الى مجرَّة وتعريض لوحة فوتوڠرافية لها بضع ساعات فيما يتغلغل ضوء النجم في المستحلَب الفوتوڠرافي photographic emulsion.‏ وخلال هذا الوقت تعوِّض آلية تحريك عن دوران الارض وتُبقي المقراب موجَّها نحو المجرَّة،‏ فيما يقوم الفلكيّ،‏ او نظام توجيه آلي في بعض الحالات،‏ بتصحيحات صغيرة جدا.‏»‏

  • ‏‹شيء ما ناقص› —‏ ما هو؟‏
    استيقظ!‏ ١٩٩٦ | كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٢
    • الكون المهيب

      ‏‹شيء ما ناقص› —‏ ما هو؟‏

      بعد التحديق في النجوم في ليلة حالكة وصافية،‏ ندخل بيوتنا مقشعرِّين من البرد ومنبهرين بالمنظر،‏ ورؤوسنا تدور من روعة الجمال ومن كثرة التساؤلات.‏ لماذا وُجد الكون؟‏ من اين اتى؟‏ وإلى اين يمضي؟‏ هذه الاسئلة يحاول كثيرون الاجابة عنها.‏

      بعدما صرف الكاتب العلمي دنيس اوڤرْباي في الابحاث في علم الكون خمس سنوات حملته الى مختلف المؤتمرات العلمية ومراكز الابحاث في كل انحاء العالم،‏ وصف محادثة جرت بينه وبين الفيزيائي العالمي الشهير ستيڤن هوكِنْڠ:‏ «في النهاية،‏ ما اردت معرفته من هوكِنْڠ هو ما كنت دائما اريد ان اعرفه من هوكِنْڠ:‏ اين نذهب عندما نموت.‏»‏

      رغم ان هذه الكلمات تبدو تهكُّمية،‏ فهي تكشف الكثير عن عصرنا.‏ فالتساؤلات لا تدور كثيرا حول النجوم نفسها وحول النظريات والآراء المتناقضة التي يعلنها علماء الكون الذين يدرسونها.‏ فالناس اليوم لا يزالون يتوقون الى الحصول على اجوبة عن الاسئلة الجوهرية التي تراود الجنس البشري منذ آلاف السنين:‏ لماذا نحن موجودون؟‏ هل يوجد اله؟‏ اين نذهب حين نموت؟‏ اين الاجوبة عن هذه الاسئلة؟‏ هل هي موجودة في النجوم؟‏

      ولاحظ كاتب علمي آخر يدعى جون بوسْلو انه عندما هجر الناس الدين صار العلماء،‏ كعلماء الكون،‏ يشكِّلون «الكهنة المثاليين لعصر علماني.‏ فهُمْ مَن سيكشفون الآن كل اسرار الكون تدريجيا،‏ لا القادة الدينيون،‏ ولن يكون ذلك في هيئة تجلٍّ روحاني مفاجئ انما في شكل معادلات غامضة لا يفهمها احد سوى [هؤلاء العلماء] المرتسمين.‏» ولكن هل سيكشفون كل اسرار الكون ويجيبون عن كل الاسئلة التي تراود الجنس البشري منذ اقدم العصور؟‏

      ماذا يكشف علماء الكون الآن؟‏ يتبنى معظمهم احدى صيغ نظرية الانفجار العظيم «اللاهوتية» التي صارت بمثابة دين علماني في زمننا،‏ مع انهم لا يتوقفون عن المجادلة في الوقت نفسه حول التفاصيل.‏ «ولكن،‏» كما ذكر بوسْلو،‏ «على ضوء الملاحظات الجديدة والمتناقضة،‏ صارت نظرية الانفجار العظيم تبدو اكثر فأكثر كتفسيرٍ بولغ في تبسيطه الى حد اغفال الجوانب المعقدة للمسألة،‏ وذلك في بحثهم عن الحدث الخلقي.‏ وبحلول اوائل التسعينات صارت نظرية الانفجار العظيم .‏ .‏ .‏ عاجزة بشكل متزايد عن الاجابة عن الاسئلة الاهم.‏» وأضاف ان «رأي عدد ليس بقليل من واضعي النظريات هو انها لن تصمد حتى نهاية التسعينات.‏»‏

      ربما سيتبين ان بعض التخمينات الكونية الحالية صحيحة،‏ وربما لا —‏ كما انه ربما هنالك كواكب تندمج داخل الوهج الشبحي لسديم الجبار،‏ وربما لا.‏ انما الواقع الذي لا يُنكر هو انه لا احد على هذه الارض يستطيع ان يجزم بالامر.‏ صحيح ان النظريات تزداد،‏ لكنَّ المراقبين الصادقين يردِّدون الملاحظة الذكية التي ذكرتها مرڠريت ڠلر انه رغم الاستفاضة في الحديث عن هذا الموضوع،‏ يبدو ان شيئا جوهريا ناقص في المعرفة العلمية الحالية عن الكون.‏

      ما ينقص —‏ تقبُّل مواجهة الوقائع غير المستساغة

      معظم العلماء —‏ ويشمل ذلك معظم علماء الكون —‏ يؤيدون نظرية التطوُّر.‏ والكلام الذي يعطي الذكاء والقصد دورا في نشأة الكون لا يستسيغونه،‏ وهم يقشعرون من مجرد ذكر اللّٰه كخالق.‏ حتى انهم يرفضون التفكير في هذه «الهرطقة.‏» يتكلم المزمور ١٠:‏٤ باستخفاف عن الشخص المتشامخ الانف الذي «لا يسأل عن اللّٰه،‏ وفي كيده يقول:‏ لا إله.‏» (‏الترجمة العربية الجديدة‏)‏ فمعبوده المبدع هو الصدفة.‏ ولكن مع ازدياد المعرفة وانهيار الصدفة تحت وطأة البراهين المتزايدة،‏ اخذ العلماء يوجِّهون انتباههم اكثر فأكثر الى الامور المحظورة كالذكاء والتصميم.‏ تأملوا في الامثلة التالية:‏

      ‏«من الواضح ان عنصرا اساسيا مفقود في دراساتنا الكونية.‏ ان اصل الكون،‏ مثل حلّ مكعَّب روبيك،‏ يتطلَّب ذكاءً،‏» كما كتب الفيزيائي الفلكيّ فرِد هُويْل في كتابه الكون الذكي،‏ الصفحة ١٨٩.‏

      ‏«كلما فحصتُ الكون ودرست تفاصيل هندسته اكثر وجدت ادلّة اكثر على ان الكون بمعنى ما لا بدّ انه عرف اننا قادمون.‏» —‏ ازعاج الكون،‏ بقلم فريمان دايسن،‏ الصفحة ٢٥٠.‏

      ‏«اية مميِّزات في الكون كانت ضرورية لظهور المخلوقات،‏ مثلنا نحن،‏ وهل كان بواسطة الصدفة ان وُجدت هذه المميِّزات في كوننا ام هنالك سبب اعمق؟‏ .‏ .‏ .‏ هل هنالك خطة اعمق تؤكد ان الكون صُنع خصوصا لأجل الجنس البشري؟‏» —‏ المصادفات الكونية،‏ بقلم جون ڠْريبِن ومارتن ريس،‏ الصفحتان xiv و ٤.‏

      ويعلِّق فرِد هُويْل ايضا على هذه الخصائص في الصفحة ٢٢٠ من كتابه المقتبس منه اعلاه،‏ فيقول:‏ «ان مثل هذه الخصائص يبدو انها تسري في نسيج العالَم الطبيعي كخيط من الصدف السعيدة.‏ ولكن هنالك الكثير جدا من هذه المصادفات الغريبة والجوهرية بالنسبة الى الحياة بحيث يبدو ان تفسيرا ما مطلوب لتعليلها.‏»‏

      ‏«ليس الامر فقط ان الانسان متكيِّف مع الكون.‏ فالكون متكيِّف ايضا مع الانسان.‏ هل تتخيلون كونًا تغيَّر فيه احد الثوابت الفيزيائية اللابُعدية الجوهرية بنسبة مئوية ضئيلة بطريقة او بأخرى؟‏ عندئذٍ،‏ سيكون مستحيلا ان يَظهر الانسان في كون كهذا.‏ هذه هي النقطة الرئيسية في مبدإ وجود الانسان.‏ ووفقا لهذا المبدإ هنالك عامل معطٍ للحياة كامن في قلب كامل آلية العالم وتصميمه.‏» —‏ المبدأ الكوني لوجود الانسان،‏ بقلم جون بارو وفرانك تِپْلر،‏ الصفحة vii.‏

      اللّٰه،‏ التصميم،‏ والثوابت الفيزيائية

      ما هي بعض هذه الثوابت الفيزيائية الجوهرية اللازمة لوجود الحياة في الكون؟‏ ذُكر القليل من هذه الثوابت في تقرير في صحيفة ذي اورانج كاونتي ريجيستر عدد ٨ كانون الثاني ١٩٩٥.‏ وقد شدد على مدى ضرورة كون هذه الثوابت دقيقة جدا،‏ فقال:‏ «ان القيمة الكمِّيَّة للكثير من الثوابت الفيزيائية الرئيسية التي تحدِّد الكون —‏ مثل شحنة الالكترون او سرعة الضوء الثابتة او نسبة شدة القوى الاساسية في الطبيعة —‏ دقيقة الى حدٍّ يثير الدهشة،‏ وبعضها الى ١٢٠ رقما بعد الفاصلة.‏ ان نشأة كونٍ منتِج للحياة مرتبطة الى ابعد حدّ بهذه المواصفات.‏ وأيّ اختلاف صغير —‏ نانوثانية واحدة هنا،‏ أنڠشتروم واحد هناك —‏ كان سيجعل الكون ميتا وعقيما.‏»‏

      ثم ذكر مؤلف التقرير امرا لا يُذكر عادةً:‏ «يبدو انه من المنطقي اكثر الافتراض ان ثمة حافزا غامضا موجودا في ثنايا العملية،‏ ربما في ما عملته قوة ذكية وذات قصد قامت بضبط الكون بدقة تحضيرا لوصولنا.‏»‏

      وجورج ڠرينستاين،‏ پروفسور في علم الفلك وعلم الكون،‏ وضع قائمة اطول بهذه الثوابت الفيزيائية في كتابه الكون المتعايش.‏ وبين الامور المدرجة في القائمة كانت هنالك ثوابت مضبوطة بدقة بالغة حتى انه لو انحرفت مقدارا ضئيلا جدا لَما كان وجود الذرّات او النجوم او الكون ممكنا.‏ ان تفاصيل هذه الترابطات مذكورة في الاطار المرافق.‏ ووجودها اساسي لكي تكون الحياة المادية ممكنة.‏ هذه الثوابت معقَّدة وقد لا يفهمها كل القراء،‏ لكنها جزء من الامور المتعارف عليها بين الفيزيائيين الفلكيّين المدرَّبين في هذه المجالات.‏

      عندما طالت هذه القائمة،‏ صار ڠرينستاين مربَكا.‏ قال:‏ ‏«مصادفات كثيرة جدا!‏ وكلما قرأت اكثر صرت مقتنعا اكثر بأن ‹مصادفات› كهذه لا يعقل ان تكون قد حدثت بالصدفة.‏ ولكن اذ نما هذا الاقتناع نما شيء آخر ايضا.‏ وحتى في الوقت الحاضر يصعب التعبير عن هذا ‹الشيء› بالكلمات.‏ لقد كان نفورا شديدا وفي بعض الاحيان كاد يتعدى كونه [نفورا] عقليا.‏ فكنت اتلوّى تلوِّيا من الانزعاج.‏ .‏ .‏ .‏ أيعقل ان نكون قد عثرنا فجأة،‏ ومن غير ان نقصد،‏ على برهان علمي على وجود كائن اسمى؟‏ أيكون اللّٰه هو الذي تدخَّل وأعدّ الكون بمثل هذه العناية الالهية لفائدتنا؟‏»‏

      وإذ اشمأز وارتاع من الفكرة،‏ تراجع ڠرينستاين بسرعة وانكفأ الى معتقده العلمي التقليدي المتخذ طابعا دينيا وأعلن:‏ «اللّٰه ليس بتفسير.‏» ولكنها حجة واهية —‏ فهو لم يستسِغ اطلاقا فكرة وجود اللّٰه حتى انه لقي صعوبة في تقبُّلها!‏

      حاجة بشرية طبيعية

      ليس الهدف من هذا كله الاستخفاف بالعمل الشاق الذي يقوم به العلماء المخلصون،‏ بمَن فيهم علماء الكون.‏ وشهود يهوه خصوصا يقدِّرون اكتشافاتهم الكثيرة المتعلقة بنشأة الكون والتي تعرب عن قدرة الاله الحقيقي يهوه وحكمته ومحبته.‏ تذكر رومية ١:‏٢٠‏:‏ «لأن اموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر.‏»‏

      ان الابحاث والجهود التي يبذلها العلماء هي استجابة طبيعية لحاجة اساسية عند الجنس البشري كالحاجة الى الطعام والمأوى واللباس.‏ انها الحاجة الى معرفة الاجوبة عن اسئلة تتعلق بالمستقبل والقصد من الحياة.‏ فاللّٰه «وضع الابدية في قلوب البشر؛‏ ومع ذلك لا يستطيعون ان يدركوا ما يعمله اللّٰه من البداية الى النهاية.‏» —‏ جامعة ٣:‏١١‏،‏ الكتاب المقدس —‏ الترجمة الاممية الجديدة.‏

      ليس هذا خبرا سيئا.‏ فمع ان ذلك يعني ان البشر لن يتوصلوا ابدا الى معرفة كل شيء،‏ فستبقى دائما هنالك امور جديدة ليتعلموها:‏ «رأيت كل عمل اللّٰه ان الانسان لا يستطيع ان يجد العمل الذي عُمل تحت الشمس.‏ مهما تعب الانسان في الطلب فلا يجده والحكيم ايضا وإن قال بمعرفته لا يقدر ان يجده.‏» —‏ جامعة ٨:‏١٧‏.‏

      يعترض بعض العلماء قائلين ان جَعْل اللّٰه «الحلّ» لمشكلة ما،‏ سيقضي على الحافز الى القيام بأبحاث اضافية.‏ لكنَّ الشخص الذي يعترف باللّٰه خالقا للسموات والارض امامه فيض من التفاصيل المدهشة الاخرى ليكتشفها ووفرة من الاسرار المثيرة ليرفع الستار عنها.‏ فذلك كما لو انه أُعطي الضوء الاخضر لينطلق في مغامرة شيِّقة حافلة بالاكتشافات والمعلومات!‏

      مَن يمكنه الّا يستجيب لدعوة اشعياء ٤٠:‏٢٦‏؟‏ ‏«ارفعوا الى العلاء عيونكم وانظروا.‏» لقد رفعنا الى العلاء عيوننا في هذه الصفحات القليلة،‏ وما رأيناه هو ‹الشيء الناقص› الذي يعجز علماء الكون عن ايجاده.‏ وعرفنا ايضا مكان وجود الاجوبة عن تلك الاسئلة التي راودت الانسان وشغلت باله طوال عصور.‏

      الاجوبة موجودة في كتاب

      كانت الاجوبة دائما في متناول اليد،‏ لكنَّ اناسا كثيرين،‏ كالمتديِّنين في ايام يسوع،‏ غمَّضوا عيونهم وسدُّوا آذانهم وقسّوا قلوبهم لكي لا يحصلوا على اجوبة لا تتفق مع نظرياتهم البشرية او نمط الحياة الذي اختاروه.‏ (‏متى ١٣:‏١٤،‏ ١٥‏)‏ لقد اخبرَنا يهوه من اين اتى الكون،‏ كيف ظهرت الارض،‏ ومَن سيعيش عليها.‏ وأخبرَنا انه يجب على سكان الارض البشر ان يزرعوها ويهتموا برفق بالنباتات والحيوانات التي تشاركهم في العيش عليها.‏ وأخبرَنا ايضا ماذا يحدث عندما يموت الناس،‏ انه يمكن ان يعودوا الى الحياة،‏ وما يجب ان يفعلوه للعيش على الارض الى الابد.‏

      اذا كنتم مهتمين بالحصول على هذه الاجوبة بلغة كلمة اللّٰه الموحى بها،‏ الكتاب المقدس،‏ فاقرأوا من فضلكم الآيات التالية:‏ تكوين ١:‏١،‏ ٢٦-‏٢٨؛‏ ٢:‏١٥؛‏ امثال ١٢:‏١٠؛‏ متى ١٠:‏٢٩؛‏ اشعياء ١١:‏٦-‏٩؛‏ ٤٥:‏١٨؛‏ تكوين ٣:‏١٩؛‏ مزمور ١٤٦:‏٤؛‏ جامعة ٩:‏٥؛‏ اعمال ٢٤:‏١٥؛‏ يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩؛‏ ١٧:‏٣؛‏ مزمور ٣٧:‏١٠،‏ ١١؛‏ رؤيا ٢١:‏٣-‏٥‏.‏

      لِمَ لا تقرأون هذه الآيات في احدى الامسيات مع عائلتكم او مع احد الجيران او مع مجموعة من الاصدقاء في بيتكم؟‏ تأكدوا ان ذلك سيثير مناقشة حية وزاخرة بالمعلومات!‏

      هل تثير اهتمامكم اسرار الكون ويؤثر فيكم جماله؟‏ لِمَ لا تتعرفون اكثر بالذي خلقه؟‏ ان فضولنا وإعجابنا لا يعنيان شيئا للسموات غير الحية،‏ لكنَّ خالقها يهوه اللّٰه هو خالقنا ايضا،‏ وهو يكترث لأمر الودعاء الذين يهتمون بالتعلُّم عنه وعن خلائقه.‏ وتُطلَق الآن الدعوة في كل الارض:‏ «تعال.‏ ومَن يسمع فليقل تعال.‏ ومَن يعطش فليأتِ.‏ ومَن يُرد فليأخذ ماء حياة مجانا.‏» —‏ رؤيا ٢٢:‏١٧‏.‏

      يا لها من دعوة حبية من يهوه!‏ لم يَظهر الكون نتيجة انفجار لا فكر له ولا قصد،‏ بل خلقه اله ذو ذكاء غير محدود وقصد محدَّد،‏ وكان يفكِّر فيكم من البداية.‏ واحتياطه من الطاقة التي لا تنضب مضبوط بعانية ومجهَّز دائما لدعم خدامه.‏ (‏اشعياء ٤٠:‏٢٨-‏٣١‏)‏ والمكافأة على نيلكم المعرفة عنه لن تنتهي كما ان الكون العظيم نفسه لن ينتهي!‏

      ‏«السموات تحدِّث بمجد اللّٰه.‏ والفلك يخبر بعمل يديه.‏» —‏ مزمور ١٩:‏١‏.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٣]‏

      قائمة ببعض الثوابت الفيزيائية اللازمة لوجود الحياة

      يجب ان تكون شحنتا الالكترون والپروتون متساويتَين ومتخالفتَين؛‏ يجب ان يفوق النيوترون الپروتون وزنا بنسبة ضئيلة؛‏ يجب ان تكون هنالك مواءمة matching بين درجة حرارة الشمس والخصائص الامتصاصية للكلوروفيل قبل ان يحدث التخليق الضوئي؛‏ لو كانت «القوة القوية» اضعف قليلا لَما تمكنت الشمس من توليد الطاقة بواسطة التفاعلات النووية،‏ ولكن لو كانت اقوى قليلا لَكان الوقود اللازم لتوليد الطاقة غير مستقر بشكل عنيف؛‏ لولا طنينَين resonances بارزَين منفصلَين بين النوى في لبِّ النجوم العملاقة الحمراء لما تشكل ايّ عنصر بعد الهليوم؛‏ لو كان الفضاء اقل من ثلاثيّ الابعاد لَاستحالت الروابط البَيْنيّة العاملة لأجل جريان الدم والجهاز العصبي؛‏ ولو كان الفضاء اكثر من ثلاثيّ الابعاد لَما تمكنت الكواكب من الدوران في مداراتها حول الشمس بشكل ثابت.‏ —‏ الكون المتعايش،‏ الصفحتان ٢٥٦-‏٢٥٧.‏

      ‏[الاطار في الصفحة ١٤]‏

      هل رأى احد كتلتي المفقودة؟‏

      ان مجرَّة المرأة المُسَلْسَلة،‏ ككل المجرَّات اللولبية،‏ تدور بشكل مهيب في الفضاء كما لو انها اعصار ضخم.‏ ويمكن للعلماء ان يحسبوا معدل سرعة دوران مجرَّات كثيرة بواسطة الاطياف spectra الضوئية،‏ وعندما يحسبونه يجدون امرا محيِّرا.‏ فمعدلات سرعة الدوران تبدو مستحيلة!‏ ويبدو ان كل المجرَّات اللولبية تدور بسرعة فائقة.‏ وحركتها توحي بأن النجوم المرئية في المجرَّة مركَّزة في هالة من مادة مظلمة ذات حجم اكبر بكثير،‏ وهذه المادة لا تراها المقاريب.‏ يعترف الفلكيّ جيمس كَيْلر:‏ «لا نعرف ما هي اشكال المادة المظلمة.‏» ويقدِّر علماء الكون ان ٩٠ في المئة من هذه الكتلة المفقودة لا تفسير له.‏ وهم يبذلون قصارى جهودهم للعثور عليها،‏ إما في شكل نيوترينوات neutrinos هائلة او في شكل مادة غير معروفة انما متوافرة بكثرة.‏

      فإذا عرفتم اين هي الكتلة المفقودة،‏ فأعلِموا في الحال عالِم الكون في منطقتكم!‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة