-
١٩٩١-٢٠٠١ «كور المشقة» — اش ٤٨:١٠ (الجزء ١)الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
-
-
١٩٩١-٢٠٠١ «كور المشقة». — اش ٤٨:١٠ (الجزء ١)
الحرب الاهلية
خلال ثمانينيات القرن العشرين، اشعلت الازمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فتيل النزاع في شتى ارجاء افريقيا الغربية. وحين مزقت الحرب دولة ليبيريا المجاورة، هرب الكثيرون الى سيراليون. فرتب الفرع ان تُستخدم بعض البيوت وقاعات الملكوت لإيواء الاخوة النازحين والاعتناء بحاجاتهم.
ورغم ان تلك الاوقات كانت صعبة على النازحين، فقد تخللتها بعض اللحظات الطريفة. تروي مرسلة خدمت سنوات عديدة تدعى ايزولد لورنس: «ثمة صبي صغير ارسله ابوه ليسخِّن بعض الطعام على موقد أُعدّ في حديقة تقع خلف قاعة الملكوت وداخل ملكية الفرع. لكن الصبي رجع فارغ اليدين وأخبر اباه انه لن يكون لديهم طعام ذلك اليوم. وحين سأله ابوه عن السبب، اجابه الصبي بصوت تملأه الرهبة: ‹لقد انقذني يهوه اليوم من فم الاسد!›. ففي طريق عودته، صادف الولد كلبا ضخما يدعى لوبو. كان هذا الكلب للفرع، ولم يكن مؤذيا. ومع ذلك مات الصبي من الخوف. فما كان به الا ان مد يديه الممسكتين بالصحن قدر ما استطاع لكي يُبعِد عنه الكلب. اما لوبو فظنّه يقدِّم الطعام له، فقبله بكل سرور!».
في ٢٣ آذار (مارس) ١٩٩١، امتد الصراع المسلح من ليبيريا الى سيراليون عبر الحدود، مشعلا شرارة حرب اهلية دامت ١١ سنة. وثمة مجموعة متمردين دُعوا الجبهة الثورية المتحدة (RUF) تقدمت باطراد صوب كايلاهون وكويندو، فلاذ معظم السكان المحليين بالفرار الى غينيا. وكان بين اللاجئين نحو ١٢٠ اخا وأختا. وفي هذه الاثناء، تدفق غيرهم من اللاجئين الشهود من ليبيريا الى سيراليون قبل وصول المتمردين.
يروي بيلي كاوان، منسق لجنة الفرع في ذلك الوقت: «طوال عدة شهور توافدت على بيت ايل في فريتاون حشود من الاخوة المنهكين والهزيلين والجياع. وكان كثيرون منهم قد شهدوا وحشية مروعة، حتى انهم اضطروا الى أكل الاعشاب البرية لئلا يموتوا جوعا. فسارعنا الى تقديم الطعام واللباس لهم، واعتنينا حتى بأقاربهم والمهتمين الذين اتوا برفقتهم. وفتح الاخوة المحليون قلوبهم وبيوتهم لهؤلاء اللاجئين. وسرعان ما انشغل الاخوة اللاجئون بخدمة الحقل، داعمين بذلك الجماعات المحلية. وصحيح ان اغلبهم رحل في نهاية المطاف، الا انهم قوونا فيما كانوا معنا».
رزحت سيراليون تحت وطأة الحرب الاهلية ١١ عاما
تقديم التعزية والرجاء
ارسل مكتب الفرع الطعام، الدواء، مواد البناء، الادوات، والاواني الى الشهود في معسكرات اللاجئين في جنوب غينيا. وشملت هذه المعونات شحنة ملابس كبيرة من فرنسا. كتب والد مسيحي: «كان اولادي يرقصون، يغنون، ويسبحون يهوه. فقد حصلوا على ملابس جديدة ليرتدوها عند الذهاب الى الاجتماعات». وقال بعض الاخوة والاخوات انهم لم يتأنقوا بهذا الشكل من قبل!
لكن اللاجئين احتاجوا الى اكثر من المساعدة المادية. قال يسوع: «لا يحي الانسان بالخبز وحده، بل بكل كلمة تخرج من فم يهوه». (مت ٤:٤) لذلك ارسل مكتب الفرع المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس، ورتَّب لعقد المحافل بانتظام. كما أُرسل فاتحون ونظار جائلون الى المنطقة.
وعندما قام ناظر الدائرة اندريه بات بزيارة كوندو في غينيا التقى مسؤولا في المخيم دعاه الى إلقاء خطاب من الكتاب المقدس على اللاجئين. فاستمع نحو ٥٠ شخصا الى خطابه بمحور «احتموا بيهوه» المؤسس على المزمور ١٨. وعندما انتهى من خطابه، انتصبت امرأة مسنة وقالت: «لقد اسعدتنا جدا. فالرزّ لا يحل مشاكلنا، لكن الكتاب المقدس يظهر لنا كيف نرجو اللّٰه. لذلك نحن نشكرك من صميم قلبنا لأنك حملت الينا التعزية والرجاء».
عندما عُيِّن المرسلان وليم وكلوديا سلوتر في غيكيدو بغينيا، وجدا الجماعة المؤلفة من اكثر من ١٠٠ لاجئ متقدة بالروح. (رو ١٢:١١) يروي وليم: «ابتغى العديد من الشبان الامتيازات الروحية. مثلا، إذا لم يتمكن احدهم من تقديم الخطاب المعيَّن له في مدرسة الخدمة الثيوقراطية، يتطوع على الفور ١٠ حتى ١٥ من الشبان ليحلوا محله. وكانت فرق كبيرة تنطلق في الخدمة كارزين بغيرة. وصار بعض هؤلاء الشبان الغيورين لاحقا فاتحين خصوصيين ونظارا جائلين».
عمل البناء في خضم الصراع
بعيد اندلاع الحرب الاهلية، اشترى الاخوة في فريتاون قطعة ارض مساحتها ٦,٠ هكتار تقع في ١٣٣ شارع ويلكنسون، ولا تبعد سوى بضع مئات من الامتار عن مكتب الفرع في نزلة الشارع. يخبر ألفرد غَن: «اردنا ان نشيِّد مباني جديدة لبيت ايل في الموقع، لكن شبح الحرب لاح في الافق. لذا، بما ان الاخ لويد باري من الهيئة الحاكمة كان يزورنا في ذلك الوقت، اخبرناه عمّا يساورنا من مخاوف. فأجاب: ‹اذا سمحنا للحروب بأن تعيقنا، فلن نخطو خطوة الى الامام›. وأعطتنا هذه الكلمات المحرِّكة زخما لنبدأ العمل».
فبدأ العمل في ايار (مايو) ١٩٩١. واشترك مئات الاخوة في هذا المشروع. وكان من بينهم اكثر من ٥٠ متطوعا اتوا من ١٢ بلدا، بالاضافة الى العديد من المتطوعين المعاونين من الجماعات المحلية. يخبر ناظر البناء توم بول: «اندهش المشاهدون عند رؤية جودة الطوب الخرساني (المصنوع من الباطون) الذي أُعدّ في موقع البناء. كما ان البناء بهيكله الفولاذي كان مختلفا جدا عن المباني المحلية. لكن اكثر ما اثار دهشتهم هو رؤية اخوة بيض اجانب يعملون في المشروع جنبا الى جنب مع الاخوة السود المحليين في وحدة وسعادة».
وفي ١٩ نيسان (ابريل) ١٩٩٧، اجتمع حشد سعيد متعدد الجنسيات من اجل تدشين مباني الفرع الجديدة. ولكن بعد شهر واحد فقط، هاجمت الجبهة الثورية المتحدة فريتاون، بعد صراع ضارٍ في الارياف دام خمس سنوات.
بناء الفرع في فريتاون، والفرع اليوم
معركة للسيطرة على فريتاون
ان آلاف المقاتلين من الجبهة الثورية المتحدة، بشعرهم اللزِج والعصابات الحمراء المربوطة على رؤوسهم، جابوا المدينة وعاثوا فيها سلبا ونهبا واغتصابا وقتلا. يتذكر ألفرد غَن: «كان الوضع متوترا للغاية. فتمّ اجلاء اغلب المرسلين الاجانب على الفور. وكنّا انا وكاثرين، بيلي وساندرا كاوان، وجيمي وجويس هولند آخر مَن غادروا.
«صلينا مع خدام بيت ايل المحليين الذين تطوعوا للبقاء، ثم اسرعنا الى نقطة الاجلاء. وفي الطريق، اعترضنا نحو ٢٠ من الجنود المتمردين السكارى بمظهرهم المتوحش. ولكن حين اعطيناهم مجلات ومالا، اخلوا سبيلنا. فتجمعنا مع اكثر من ٠٠٠,١ شخص آخر عند نقطة تفتيش محصَّنة يشرف عليها مشاة البحرية الاميركية المدججون بالاسلحة الثقيلة. ثم نقلتنا مروحية عسكرية من الشاطئ هناك الى سفينة حربية اميركية. وأخبرنا ضابط في السفينة لاحقا ان هذا كان اكبر اجلاء للمدنيين قامت به البحرية الاميركية منذ حرب فيتنام. وفي اليوم التالي، استقللنا طائرة مروحية الى كوناكري بغينيا. وهناك اسسنا مكتب فرع مؤقتا».
ألفرد وكاثرين غَن كانا من بين الذين رُحلوا
وترقب المرسلون بقلق بالغ الاخبار من فريتاون. وأخيرا وصلت رسالة جاء فيها: «في خضم هذه الاضطرابات، لا نزال نوزع اخبار الملكوت رقم ٣٥: ‹هل سيحب كل الناس يوما ما بعضهم بعضا؟›. والناس يتجاوبون تجاوبا رائعا، حتى ان بعض المتمردين بدأوا يدرسون معنا. فنحن عاقدو العزم على تكثيف نشاطنا الكرازي».
يتذكر جوناثان مبوما الذي كان يخدم ناظر دائرة: «لقد عقدنا ايضا يوم المحفل الخصوصي في فريتاون. وكان البرنامج الروحي مشجعا جدا حتى انني سافرت لعقده في بو وكينيما. وكم شكر الاخوة في تلك البلدات التي مزقتها الحرب يهوه على هذا الطعام الروحي الرائع!
«وفي اواخر سنة ١٩٩٧، عقدنا محفلا كوريا في المدرّج الوطني بفريتاون. وفي اليوم الختامي من البرنامج، اقتحم الجنود المتمردون المدرّج وأمرونا بإخلائه. فترجيناهم ان يسمحوا لنا بإكمال البرنامج. وبعد مناقشة مطولة، لانوا وعادوا ادراجهم. وقد حضر المحفل اكثر من ٠٠٠,١ شخص، واعتمد فيه ٢٧. وقام اخوة عديدون بالرحلة المحفوفة بالمخاطر الى بو ليستمعوا الى البرنامج مرة اخرى. فكم كانت هذه المحافل رائعة ومُبهِجة!».
-
-
من ولد مجنَّد الى فاتح عاديالكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
-
-
سيراليون وغينيا
من ولد مجنَّد الى فاتح عادي
ارغمني المقاتلون المتمردون على الالتحاق بقواتهم حين كنت بعمر ١٦ سنة. وكانوا يعطونني المخدِّرات والكحول، فطالما حاربت تحت تأثير المخدِّرات. وقد خضت معارك كثيرة وارتكبت فظائع اندم عليها بشدة.
اتى ذات يوم شاهد مسن وكرز في ثكنتنا. فقد سعى الى مساعدتنا روحيا، في حين ان معظم الناس خافوا منا واحتقرونا. لذا عندما دعاني لحضور احد الاجتماعات، لبّيت دعوته. ولا اتذكر ما قيل في ذلك الاجتماع، الا ان الترحيب الودي الذي لقيته انطبع في ذهني.
ولكن حين احتدمت الحرب، فقدت الاتصال بالشهود. ولاحقا، أُصبت اصابة بالغة، فنُقلت الى منطقة تحت قبضة المتمردين حتى اتعافى. وقبل ان تضع الحرب اوزارها، هربت الى منطقة تحت سيطرة الحكومة وانخرطت في برنامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج في المجتمع.
كنت في امس الحاجة الى المساعدة الروحية. فحضرت اجتماعات للخمسينيين، لكن اعضاء الكنيسة نعتوني بالشيطان الذي في وسطهم. فأخذت ابحث عن شهود يهوه. وعندما وجدتهم، بدأت ادرس وأحضر الاجتماعات. وحين اعترفت بأعمالي الشريرة، قرأ عليّ الاخوة كلمات يسوع المعزية: «لا يحتاج الاصحاء الى طبيب، بل السقماء. . . . اني ما جئت لأدعو ابرارا، بل خطاة». — مت ٩:١٢، ١٣.
لقد مستني هذه الكلمات في الصميم. فسلمت خنجري للاخ الذي كان يدرس معي، وقلت له: «احتفظت بهذا السلاح لأحمي نفسي من الثأر. لكني لا اريده بعد اليوم، إذ صرت ادرك ان يهوه ويسوع يحبانني».
علَّمني الاخوة القراءة والكتابة. وبمرور الوقت اعتمدت وصرت فاتحا عاديا. وعندما اكرز اليوم لمتمردين سابقين، يعبِّرون عن احترامهم لي لأني طهَّرت حياتي. حتى انني درست مع معاون قائد الفرقة التي كنت فيها سابقا.
لقد انجبت ثلاثة ابناء عندما كنت مجنَّدا. وحين تعلمت الحق، رغبت في مساعدتهم روحيا. ومن دواعي سروري ان اثنين منهم تجاوبا. فأحد ابنائي ناشر غير معتمد، وابني الاكبر يخدم الآن فاتحا اضافيا.
-
-
١٩٩١-٢٠٠١ «كور المشقة» — اش ٤٨:١٠ (الجزء ٢)الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
-
-
١٩٩١-٢٠٠١ «كور المشقة» — اش ٤٨:١٠ (الجزء ٢)
الهجوم على بيت ايل
في شباط (فبراير) ١٩٩٨، شرعت القوات الحكومية بالتعاون مع قوات «مجموعة مراقبة السوق المشتركة لدول غرب افريقيا»، او «الإيكوموج» (ECOMOG)، في هجوم شامل لاسترداد فريتاون من قبضة المتمردين. ومن المؤسف ان شظية طائشة اردت احد الاخوة قتيلا خلال تلك المعركة الضارية.
التجأ في ذلك الوقت نحو ١٥٠ ناشرا الى بيتَي المرسلين في كيسي وكوكيرِل. ويروي لادي ساندي، احد الحراس الليليين في بيت ايل: «كنا انا وفيليب توراي في الحراسة، ثم في وقت متأخر من الليل اتى الى بيت ايل متمردان مسلحان من الجبهة الثورية المتحدة وأمرانا ان نفتح باب الردهة الزجاجي على مصراعيه. وفيما هرعنا انا وفيليب الى موقع آمن، امطرا قفل الباب بوابل من الطلقات. لكن اللافت للنظر هو ان القفل صمد، كما انهما لم يفكرا في اطلاق النار على الالواح الزجاجية. فرجعا يجرّان اذيال الخيبة.
«الا انهما عادا بعد ليلتين، بصحبة نحو ٢٠ من رفقائهما، وكانوا قد اعدوا العدة لإلحاق الاذى. فأنذرنا سريعا عائلة بيت ايل وركضنا الى ملجإ أُعدّ مسبقا في القبو. كنا سبعة، واختبأنا في الظلام خلف برميلين كبيرين ونحن نرتجف خوفا. في هذه الاثناء، ذاب قفل الباب تحت وطأة النيران التي اطلقها المتمردون في طريقهم الى الداخل. وصرخ احدهم: ‹جِدوا شهود يهوه هؤلاء واذبحوهم›. فجثمنا في صمت سبع ساعات فيما خرَّبوا ونهبوا المبنى. ثم رحلوا في نهاية المطاف، بعد ان شفوا غليلهم بما فعلوه تلك الليلة.
«فأخذنا اغراضنا الشخصية وركضنا الى بيت المرسلين في كوكيرِل، الذي يقع في اعلى الشارع وكان سابقا بيت ايل. ولكن في الطريق، نهبتنا مجموعة اخرى من المتمردين. فوصلنا الى بيت المرسلين في حالة يرثى لها، لكننا كنا شاكرين لأننا ما زلنا على قيد الحياة. وبعد ان ارتحنا بضعة ايام، رجعنا الى بيت ايل لننظف الفوضى».
وبعد شهرين، احكمت قوات «الإيكوموج» سيطرتها على المدينة، فبدأ المرسلون يعودون من غينيا. لكنهم لم يعلموا ان بقاءهم لن يدوم طويلا.
«ابادة كل حي»
بعد ثمانية اشهر، اي في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٨، كان مئات المندوبين يتمتعون بحضور المحفل الكوري «طريق اللّٰه للحياة» في المدرّج الوطني بفريتاون. وفجأة سمعوا دويًّا قويا، وتصاعدت اعمدة الدخان فوق التلال. فقد عادت قوات المتمردين من جديد.
وفي الايام التي تلت، تردّت الاوضاع في فريتاون. فاستأجرت لجنة الفرع طائرة صغيرة لإجلاء ١٢ مرسلا، ٨ اعضاء اجانب في عائلة بيت ايل، و ٥ متطوعين في عمل البناء الى كوناكري. وبعد ثلاثة ايام، اي في ٦ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٩، شرعت قوات المتمردين في حملة قتل وحشية دُعيت عملية «ابادة كل حي». فبعنف مروع، أتوا على الاخضر واليابس في فريتاون، وارتكبوا مجزرة قُتل فيها نحو ٠٠٠,٦ مدني. كما انهم بتروا عشوائيا ايدي الناس وأرجلهم، خطفوا مئات الاطفال، ودمروا آلاف المباني.
ومن المحزن ان الاخ المحبوب جدا ادوارد توبي واجه ميتة وحشية. في تلك الاثناء، تم ايواء اكثر من ٢٠٠ ناشر مصاب إما في بيت ايل او في بيت المرسلين في كوكيرِل. واختبأ آخرون في بيوتهم. وكان الاخوة الذين التجأوا الى بيت المرسلين بكيسي، في الضاحية الشرقية من فريتاون، في حاجة ماسة الى العلاجات. لكن عبور المدينة كان في قمة الخطورة. فمَن يأخذ على عاتقه هذه المجازفة؟ لقد تطوع على الفور حارسا بيت ايل الليليان الجسوران: لادي ساندي وفيليب توراي.
يتذكر فيليب: «لقد عمت الفوضى المدينة. وأقام المقاتلون المتمردون العديد من حواجز التفتيش، حيث فعلوا بالناس ما شاءوا. وفُرض حظر صارم للتجول من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى الساعة التاسعة صباحا. فقيّد هذا حركتنا. وأخيرا بعد يومين من بدء رحلتنا، وصلنا الى بيت المرسلين في كيسي لنجد انه قد نُهب وأُحرق.
«بحثنا في المنطقة المحيطة، فوجدنا الاخ اندرو كولكار، وكان مصابا اصابات بالغة في رأسه. فقد اوثقه المتمردون وأوسعوه ضربا بفأس. ومن المدهش انه نجا وتمكن من الافلات. فأسرعنا به الى المستشفى، حيث تعافى رويدا رويدا. وخدم هذا الاخ لاحقا كفاتح عادي».
(من اليمين الى اليسار) فيليب توراي، اندرو كولكار، ولادي ساندي
ونجا اخوة آخرون من الموت او الاذى، اذ عُرفوا بأنهم مسيحيون محايدون. يخبر احد الاخوة: «طلب منا المتمردون ان نربط مناديل بيضاء على رأسنا ونرقص في الشارع دعما لقضيتهم. وهددونا قائلين: ‹اذا رفضتم، فسنبتر ذراعكم او رجلكم او نقتلكم›. فتنحينا جانبا أنا وزوجتي مذعورَيْن، وصلينا بصمت طالبين مساعدة يهوه. وإذ ادرك ورطتنا جار شاب كان متعاونا مع المتمردين، قال لقائدهم: ‹انه «اخونا». وهو لا يشترك في السياسة، فسنرقص نحن بدلا عنه›. وإذ أرضى هذا الجواب القائد، مضى الى حال سبيله، وأسرعنا نحن الى البيت».
وبعد ان خيّم الهدوء على المدينة، استأنف الاخوة بحذر الاجتماعات وخدمة الحقل. وكانوا يضعون بطاقات شارة المحفل للتعريف بهويتهم عند حواجز التفتيش. كما برعوا في الابتداء بمحادثات مؤسسة على الكتاب المقدس اثناء الانتظار في الصفوف الطويلة عند هذه الحواجز.
وإذ اخذت كل الاشياء تشح في المدينة، ارسل فرع بريطانيا جوًّا ٢٠٠ صندوق من مواد الاغاثة. وسافر بيلي كاوان وألان جونز بالطائرة من كوناكري الى فريتاون ليمررا الشحنة عبر حواجز التفتيش العديدة. فوصلت اخيرا الى بيت ايل قبل ابتداء حظر التجول المسائي بالضبط. كما قام جيمس كوروما برحلات منتظمة الى كوناكري، حاملا مطبوعات وإمدادات هامة اخرى في طريق عودته. وكان للناشرين المنعزلين في بو وكينيما حصتهم من هذا الطعام الروحي.
مواد الاغاثة تصل الى فريتاون
في ٩ آب (اغسطس) ١٩٩٩، بدأ المرسلون يعودون من كوناكري الى فريتاون. وفي السنة التالية، دحرت حملة شنتها قوات مسلحة بريطانية المتمردين خارج فريتاون. لكن القتال استمر يقع بين الحين والآخر، الى ان أُعلنت نهاية الحرب في كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٢. وكحصيلة للنزاع الذي دارت رحاه ١١ سنة، مات ٠٠٠,٥٠ شخص، بُترت اطراف ٠٠٠,٢٠ شخص، دُمر ٠٠٠,٣٠٠ منزل، ونزح ٢,١ مليون شخص.
وكيف كانت حال هيئة يهوه؟ من الواضح ان يهوه حماها وباركها. فخلال النزاع، اعتمد نحو ٧٠٠ شخص. ورغم ان مئات الاخوة فروا من مناطق الحرب، زاد عدد الناشرين في سيراليون بنسبة ٥٠ في المئة. وشهدت غينيا زيادة في عدد الناشرين بلغت اكثر من ٣٠٠ في المئة! لكن الاهم هو ان شعب اللّٰه حافظوا على استقامتهم. ففي «كور المشقة»، اعربوا بثبات عن وحدة ومحبة مسيحية «وكانوا لا ينفكون . . . يعلمون ويبشرون». — اش ٤٨:١٠؛ اع ٥:٤٢.
-
-
نجونا من المقاتلين المتمردينالكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
-
-
سيراليون وغينيا
نجونا من المقاتلين المتمردين
اندرو بون
تاريخ الولادة: ١٩٦١
تاريخ المعمودية: ١٩٨٨
لمحة عن حياته: عند اندلاع الحرب عام ١٩٩١، كان فاتحا عاديا في بندمبو، بالاقليم الشرقي في سيراليون.
دخل المتمردون بلدتنا بعد ظهر احد الايام، مطلقين الاعيرة النارية في الهواء لمدة ساعتين تقريبا. وقد كانوا في غاية القذارة، شعرهم مهمل، وبدوا تحت تأثير المخدِّرات. وكان بينهم مراهقون بالكاد استطاعوا ان يحملوا اسلحتهم.
ثم بدأت المذابح في اليوم التالي. فبوحشية بالغة بُترت اطراف الناس او أُعدموا، اغتُصبت النساء، وعمّت الفوضى. في هذه الاثناء، احتمى ببيتنا الاخ امارا باباوو وعائلته وأربعة مهتمين. وجميعنا كنا مرعوبين.
سرعان ما أتى قائد للمتمردين وأمرنا ان نحضر الى التدريب العسكري في الصباح التالي. لكننا صممنا ان نحافظ على حيادنا، رغم ان الرفض عنى الموت. فصلينا طوال الليل تقريبا. وقمنا في الصباح الباكر، قرأنا الآية اليومية، وانتظرنا وصول المتمردين. إلا انهم لم يأتوا قط.
«انتم تقرأون الآية اليومية. إذًا لا بد انكم شهود ليهوه»
ثم اتى لاحقا ضابط من المتمردين برفقة اربعة من رجاله واستولوا على بيتي. لكنهم امرونا بالبقاء، فواظبنا على عقد الاجتماعات بانتظام ومناقشة الآية اليومية في البيت. فقال لنا بعض المقاتلين: «انتم تقرأون الآية اليومية. إذًا لا بد انكم شهود ليهوه». وقد احترمونا رغم انهم لم يظهروا اهتماما بالكتاب المقدس.
اتى ذات يوم ضابط عالي الرتبة لتفقد القوات المعسكرة في بيتي. فألقى التحية على الاخ باباوو وصافحه. وصاح مخاطبا جنوده: «ان هذا الرجل هو قائدي وقائدكم. اذا مسستم شعرة منه او من الذين معه، فستلقون بئس المصير. هل هذا واضح؟». فأجابوه: «نعم سيدي». ثم اعطانا هذا الضابط رسالة تأمر الجبهة الثورية المتحدة بعدم المساس بنا لأننا مواطنون مسالمون.
بعد عدة اشهر، بدأت فصائل المتمردين تتقاتل في ما بينها، فهربنا الى دولة ليبيريا المجاورة. وهناك تعرضت لنا مجموعة متمردة اخرى. فقلنا لهم: «نحن شهود ليهوه». فسألنا احد المقاتلين: «ماذا تقول يوحنا ٣:١٦؟». وعندما اقتبسنا له الآية، اخلى سبيلنا.
ثم التقينا لاحقا بقائد آخر للمتمردين أمرني انا والاخ باباوو ان نتبعه. فخفنا على حياتنا. لكن هذا المتمرد اخبرنا انه درس مع الشهود قبل الحرب. فأعطانا مالا وأخذ منا رسالة وأوصلها الى الاخوة في جماعة مجاورة. ولم يمضِ وقت طويل حتى جاء اثنان من الاخوة بالمؤن وأخذانا الى بر الامان.
-
-
رجل برج المراقبةالكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
-
-
سيراليون وغينيا
رجل برج المراقبة
جيمس كوروما
تاريخ الولادة: ١٩٦٦
تاريخ المعمودية: ١٩٩٠
لمحة عن حياته: خدم ساعي بريد خلال الحرب الاهلية.
فيما اقتتل المتمردون والقوات الحكومية في فريتاون، تطوعت لحمل المراسلات من فريتاون الى مكتب الفرع المؤقت في كوناكري بغينيا.
عند موقف باصات المدينة، استقللت باصا مع مجموعة من الناس الآخرين. ودوت اصوات الطلقات النارية من بعيد، فدخل الخوف الى نفوسنا. وفيما انطلق الباص عبر طرقات المدينة، وقعنا بين اطلاق نار مكثف. فتراجع السائق وسلك طريقا آخر. بعيد ذلك، اوقفتنا مجموعة من المتمردين المسلحين وأمرونا ان ننزل من الباص. وبعد ان استجوبونا، اخلوا سبيلنا. ولاحقا اوقفتنا مجموعة اخرى من المقاتلين. ولكن لأن احد الركاب عرف قائدهم، سمحوا لنا هم ايضا بالمرور. وعند طرف المدينة، التقينا مجموعة ثالثة من المتمردين. فاستجوبونا وأمرونا ان نكمل طريقنا. وفيما اتجهنا شمالا، مررنا بالعديد والعديد من حواجز التفتيش حتى وصل باصنا اخيرا مغطى بالغبار الى كوناكري في المساء.
وفي الرحلات التي تلت، حملت صناديق المطبوعات، الادوات المكتبية، سجلات الفرع، ومواد الاغاثة. وغالبا ما سافرت بالسيارة او الحافلة. لكني استخدمت ايضا الحمّالين والزوارق لنقل المطبوعات عبر الغابات المطيرة والانهر.
فيما كنت احمل ذات مرة معدات من فريتاون الى كوناكري، اوقف المتمردون عند الحدود الحافلة التي استقللتها. فلاحظ احدهم امتعتي وبدأ يستجوبني مرتابا في امري. في تلك اللحظة، لمحت بين المتمردين رفيقا سابقا لي في المدرسة. كان المتمردون يدعونه «صلب الرقبة»، وكان المقاتل ذا الملامح الاكثر وحشية بينهم. فقلت للذي يستجوبني اني حضرت للقاء «صلب الرقبة»، وناديته. فتعرف «صلب الرقبة» عليّ فورا وركض للقائي. فتعانقنا وضحكنا. ثم بدأ يكلمني بجدية.
سألني: «هل تواجه اية صعوبات؟».
فأجبته: «اني اريد العبور الى غينيا».
فما كان منه عندئذ إلا ان امر المقاتلين ان يدعوا حافلتنا تعبر الحاجز بدون تفتيش.
ومن ذلك اليوم فصاعدا، كلما وصلت الى ذلك الحاجز، كان «صلب الرقبة» يأمر المقاتلين ان يدعوني امرّ. وأعطيت المقاتلين نسخا من مجلاتنا، وقد قدروها كثيرا. وسرعان ما بدأوا يدعونني رجل برج المراقبة.
-