مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ١٩٩١-‏٢٠٠١ «كور المشقة» —‏ اش ٤٨:‏١٠ (‏الجزء ١)‏
    الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
    • ١٩٩١-‏٢٠٠١ «كور المشقة».‏ —‏ اش ٤٨:‏١٠ ‏(‏الجزء ١)‏

      الحرب الاهلية

      خلال ثمانينيات القرن العشرين،‏ اشعلت الازمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فتيل النزاع في شتى ارجاء افريقيا الغربية.‏ وحين مزقت الحرب دولة ليبيريا المجاورة،‏ هرب الكثيرون الى سيراليون.‏ فرتب الفرع ان تُستخدم بعض البيوت وقاعات الملكوت لإيواء الاخوة النازحين والاعتناء بحاجاتهم.‏

      الرسم البياني في الصفحة ١٣٠

      ورغم ان تلك الاوقات كانت صعبة على النازحين،‏ فقد تخللتها بعض اللحظات الطريفة.‏ تروي مرسلة خدمت سنوات عديدة تدعى ايزولد لورنس:‏ «ثمة صبي صغير ارسله ابوه ليسخِّن بعض الطعام على موقد أُعدّ في حديقة تقع خلف قاعة الملكوت وداخل ملكية الفرع.‏ لكن الصبي رجع فارغ اليدين وأخبر اباه انه لن يكون لديهم طعام ذلك اليوم.‏ وحين سأله ابوه عن السبب،‏ اجابه الصبي بصوت تملأه الرهبة:‏ ‹لقد انقذني يهوه اليوم من فم الاسد!‏›.‏ ففي طريق عودته،‏ صادف الولد كلبا ضخما يدعى لوبو.‏ كان هذا الكلب للفرع،‏ ولم يكن مؤذيا.‏ ومع ذلك مات الصبي من الخوف.‏ فما كان به الا ان مد يديه الممسكتين بالصحن قدر ما استطاع لكي يُبعِد عنه الكلب.‏ اما لوبو فظنّه يقدِّم الطعام له،‏ فقبله بكل سرور!‏».‏

      في ٢٣ آذار (‏مارس)‏ ١٩٩١،‏ امتد الصراع المسلح من ليبيريا الى سيراليون عبر الحدود،‏ مشعلا شرارة حرب اهلية دامت ١١ سنة.‏ وثمة مجموعة متمردين دُعوا الجبهة الثورية المتحدة (‏RUF)‏ تقدمت باطراد صوب كايلاهون وكويندو،‏ فلاذ معظم السكان المحليين بالفرار الى غينيا.‏ وكان بين اللاجئين نحو ١٢٠ اخا وأختا.‏ وفي هذه الاثناء،‏ تدفق غيرهم من اللاجئين الشهود من ليبيريا الى سيراليون قبل وصول المتمردين.‏

      يروي بيلي كاوان،‏ منسق لجنة الفرع في ذلك الوقت:‏ «طوال عدة شهور توافدت على بيت ايل في فريتاون حشود من الاخوة المنهكين والهزيلين والجياع.‏ وكان كثيرون منهم قد شهدوا وحشية مروعة،‏ حتى انهم اضطروا الى أكل الاعشاب البرية لئلا يموتوا جوعا.‏ فسارعنا الى تقديم الطعام واللباس لهم،‏ واعتنينا حتى بأقاربهم والمهتمين الذين اتوا برفقتهم.‏ وفتح الاخوة المحليون قلوبهم وبيوتهم لهؤلاء اللاجئين.‏ وسرعان ما انشغل الاخوة اللاجئون بخدمة الحقل،‏ داعمين بذلك الجماعات المحلية.‏ وصحيح ان اغلبهم رحل في نهاية المطاف،‏ الا انهم قوونا فيما كانوا معنا».‏

      الصورتان في الصفحة ١٣٢

      رزحت سيراليون تحت وطأة الحرب الاهلية ١١ عاما

      تقديم التعزية والرجاء

      ارسل مكتب الفرع الطعام،‏ الدواء،‏ مواد البناء،‏ الادوات،‏ والاواني الى الشهود في معسكرات اللاجئين في جنوب غينيا.‏ وشملت هذه المعونات شحنة ملابس كبيرة من فرنسا.‏ كتب والد مسيحي:‏ «كان اولادي يرقصون،‏ يغنون،‏ ويسبحون يهوه.‏ فقد حصلوا على ملابس جديدة ليرتدوها عند الذهاب الى الاجتماعات».‏ وقال بعض الاخوة والاخوات انهم لم يتأنقوا بهذا الشكل من قبل!‏

      لكن اللاجئين احتاجوا الى اكثر من المساعدة المادية.‏ قال يسوع:‏ «لا يحي الانسان بالخبز وحده،‏ بل بكل كلمة تخرج من فم يهوه».‏ ‏(‏مت ٤:‏٤‏)‏ لذلك ارسل مكتب الفرع المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ ورتَّب لعقد المحافل بانتظام.‏ كما أُرسل فاتحون ونظار جائلون الى المنطقة.‏

      وعندما قام ناظر الدائرة اندريه بات بزيارة كوندو في غينيا التقى مسؤولا في المخيم دعاه الى إلقاء خطاب من الكتاب المقدس على اللاجئين.‏ فاستمع نحو ٥٠ شخصا الى خطابه بمحور «احتموا بيهوه» المؤسس على المزمور ١٨‏.‏ وعندما انتهى من خطابه،‏ انتصبت امرأة مسنة وقالت:‏ «لقد اسعدتنا جدا.‏ فالرزّ لا يحل مشاكلنا،‏ لكن الكتاب المقدس يظهر لنا كيف نرجو اللّٰه.‏ لذلك نحن نشكرك من صميم قلبنا لأنك حملت الينا التعزية والرجاء».‏

      عندما عُيِّن المرسلان وليم وكلوديا سلوتر في غيكيدو بغينيا،‏ وجدا الجماعة المؤلفة من اكثر من ١٠٠ لاجئ متقدة بالروح.‏ (‏رو ١٢:‏١١‏)‏ يروي وليم:‏ «ابتغى العديد من الشبان الامتيازات الروحية.‏ مثلا،‏ إذا لم يتمكن احدهم من تقديم الخطاب المعيَّن له في مدرسة الخدمة الثيوقراطية،‏ يتطوع على الفور ١٠ حتى ١٥ من الشبان ليحلوا محله.‏ وكانت فرق كبيرة تنطلق في الخدمة كارزين بغيرة.‏ وصار بعض هؤلاء الشبان الغيورين لاحقا فاتحين خصوصيين ونظارا جائلين».‏

      عمل البناء في خضم الصراع

      بعيد اندلاع الحرب الاهلية،‏ اشترى الاخوة في فريتاون قطعة ارض مساحتها ٦‏,٠ هكتار تقع في ١٣٣ شارع ويلكنسون،‏ ولا تبعد سوى بضع مئات من الامتار عن مكتب الفرع في نزلة الشارع.‏ يخبر ألفرد غَن:‏ «اردنا ان نشيِّد مباني جديدة لبيت ايل في الموقع،‏ لكن شبح الحرب لاح في الافق.‏ لذا،‏ بما ان الاخ لويد باري من الهيئة الحاكمة كان يزورنا في ذلك الوقت،‏ اخبرناه عمّا يساورنا من مخاوف.‏ فأجاب:‏ ‹اذا سمحنا للحروب بأن تعيقنا،‏ فلن نخطو خطوة الى الامام›.‏ وأعطتنا هذه الكلمات المحرِّكة زخما لنبدأ العمل».‏

      فبدأ العمل في ايار (‏مايو)‏ ١٩٩١.‏ واشترك مئات الاخوة في هذا المشروع.‏ وكان من بينهم اكثر من ٥٠ متطوعا اتوا من ١٢ بلدا،‏ بالاضافة الى العديد من المتطوعين المعاونين من الجماعات المحلية.‏ يخبر ناظر البناء توم بول:‏ «اندهش المشاهدون عند رؤية جودة الطوب الخرساني (‏المصنوع من الباطون)‏ الذي أُعدّ في موقع البناء.‏ كما ان البناء بهيكله الفولاذي كان مختلفا جدا عن المباني المحلية.‏ لكن اكثر ما اثار دهشتهم هو رؤية اخوة بيض اجانب يعملون في المشروع جنبا الى جنب مع الاخوة السود المحليين في وحدة وسعادة».‏

      وفي ١٩ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٩٧،‏ اجتمع حشد سعيد متعدد الجنسيات من اجل تدشين مباني الفرع الجديدة.‏ ولكن بعد شهر واحد فقط،‏ هاجمت الجبهة الثورية المتحدة فريتاون،‏ بعد صراع ضارٍ في الارياف دام خمس سنوات.‏

      الصورتان في الصفحة ١٣٥

      بناء الفرع في فريتاون،‏ والفرع اليوم

      معركة للسيطرة على فريتاون

      ان آلاف المقاتلين من الجبهة الثورية المتحدة،‏ بشعرهم اللزِج والعصابات الحمراء المربوطة على رؤوسهم،‏ جابوا المدينة وعاثوا فيها سلبا ونهبا واغتصابا وقتلا.‏ يتذكر ألفرد غَن:‏ «كان الوضع متوترا للغاية.‏ فتمّ اجلاء اغلب المرسلين الاجانب على الفور.‏ وكنّا انا وكاثرين،‏ بيلي وساندرا كاوان،‏ وجيمي وجويس هولند آخر مَن غادروا.‏

      ‏«صلينا مع خدام بيت ايل المحليين الذين تطوعوا للبقاء،‏ ثم اسرعنا الى نقطة الاجلاء.‏ وفي الطريق،‏ اعترضنا نحو ٢٠ من الجنود المتمردين السكارى بمظهرهم المتوحش.‏ ولكن حين اعطيناهم مجلات ومالا،‏ اخلوا سبيلنا.‏ فتجمعنا مع اكثر من ٠٠٠‏,١ شخص آخر عند نقطة تفتيش محصَّنة يشرف عليها مشاة البحرية الاميركية المدججون بالاسلحة الثقيلة.‏ ثم نقلتنا مروحية عسكرية من الشاطئ هناك الى سفينة حربية اميركية.‏ وأخبرنا ضابط في السفينة لاحقا ان هذا كان اكبر اجلاء للمدنيين قامت به البحرية الاميركية منذ حرب فيتنام.‏ وفي اليوم التالي،‏ استقللنا طائرة مروحية الى كوناكري بغينيا.‏ وهناك اسسنا مكتب فرع مؤقتا».‏

      الصورتان في الصفحة ١٣٨

      ألفرد وكاثرين غَن كانا من بين الذين رُحلوا

      وترقب المرسلون بقلق بالغ الاخبار من فريتاون.‏ وأخيرا وصلت رسالة جاء فيها:‏ «في خضم هذه الاضطرابات،‏ لا نزال نوزع اخبار الملكوت رقم ٣٥:‏ ‹هل سيحب كل الناس يوما ما بعضهم بعضا؟‏›.‏ والناس يتجاوبون تجاوبا رائعا،‏ حتى ان بعض المتمردين بدأوا يدرسون معنا.‏ فنحن عاقدو العزم على تكثيف نشاطنا الكرازي».‏

      يتذكر جوناثان مبوما الذي كان يخدم ناظر دائرة:‏ «لقد عقدنا ايضا يوم المحفل الخصوصي في فريتاون.‏ وكان البرنامج الروحي مشجعا جدا حتى انني سافرت لعقده في بو وكينيما.‏ وكم شكر الاخوة في تلك البلدات التي مزقتها الحرب يهوه على هذا الطعام الروحي الرائع!‏

      ‏«وفي اواخر سنة ١٩٩٧،‏ عقدنا محفلا كوريا في المدرّج الوطني بفريتاون.‏ وفي اليوم الختامي من البرنامج،‏ اقتحم الجنود المتمردون المدرّج وأمرونا بإخلائه.‏ فترجيناهم ان يسمحوا لنا بإكمال البرنامج.‏ وبعد مناقشة مطولة،‏ لانوا وعادوا ادراجهم.‏ وقد حضر المحفل اكثر من ٠٠٠‏,١ شخص،‏ واعتمد فيه ٢٧.‏ وقام اخوة عديدون بالرحلة المحفوفة بالمخاطر الى بو ليستمعوا الى البرنامج مرة اخرى.‏ فكم كانت هذه المحافل رائعة ومُبهِجة!‏».‏

      ‏«ألماس النزاع»‏

      خلال الحرب الاهلية التي دارت رحاها ١١ سنة،‏ استهدفت ميليشيات عديدة مناجم سيراليون الغنية بالألماس لتمويل نشاطاتها العسكرية.‏ وهذا هو احد الامور التي اكتشفتها لجنة تقصي الحقائق والمصالحة في سيراليون.‏ وكان «ألماس النزاع» يُهرَّب الى الخارج ويُباع لتجار غضّوا الطرف عن مصدره،‏ مما اطال امد الحرب بصورة مأساوية.‏

      صورة تغطي كامل الصفحتين ١٤٠،‏ ١٤١
  • من ولد مجنَّد الى فاتح عادي
    الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
    • سيراليون وغينيا

      من ولد مجنَّد الى فاتح عادي

      الصورة في الصفحة ١٤٧

      ارغمني المقاتلون المتمردون على الالتحاق بقواتهم حين كنت بعمر ١٦ سنة.‏ وكانوا يعطونني المخدِّرات والكحول،‏ فطالما حاربت تحت تأثير المخدِّرات.‏ وقد خضت معارك كثيرة وارتكبت فظائع اندم عليها بشدة.‏

      اتى ذات يوم شاهد مسن وكرز في ثكنتنا.‏ فقد سعى الى مساعدتنا روحيا،‏ في حين ان معظم الناس خافوا منا واحتقرونا.‏ لذا عندما دعاني لحضور احد الاجتماعات،‏ لبّيت دعوته.‏ ولا اتذكر ما قيل في ذلك الاجتماع،‏ الا ان الترحيب الودي الذي لقيته انطبع في ذهني.‏

      ولكن حين احتدمت الحرب،‏ فقدت الاتصال بالشهود.‏ ولاحقا،‏ أُصبت اصابة بالغة،‏ فنُقلت الى منطقة تحت قبضة المتمردين حتى اتعافى.‏ وقبل ان تضع الحرب اوزارها،‏ هربت الى منطقة تحت سيطرة الحكومة وانخرطت في برنامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج في المجتمع.‏

      كنت في امس الحاجة الى المساعدة الروحية.‏ فحضرت اجتماعات للخمسينيين،‏ لكن اعضاء الكنيسة نعتوني بالشيطان الذي في وسطهم.‏ فأخذت ابحث عن شهود يهوه.‏ وعندما وجدتهم،‏ بدأت ادرس وأحضر الاجتماعات.‏ وحين اعترفت بأعمالي الشريرة،‏ قرأ عليّ الاخوة كلمات يسوع المعزية:‏ «لا يحتاج الاصحاء الى طبيب،‏ بل السقماء.‏ .‏ .‏ .‏ اني ما جئت لأدعو ابرارا،‏ بل خطاة».‏ —‏ مت ٩:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

      لقد مستني هذه الكلمات في الصميم.‏ فسلمت خنجري للاخ الذي كان يدرس معي،‏ وقلت له:‏ «احتفظت بهذا السلاح لأحمي نفسي من الثأر.‏ لكني لا اريده بعد اليوم،‏ إذ صرت ادرك ان يهوه ويسوع يحبانني».‏

      علَّمني الاخوة القراءة والكتابة.‏ وبمرور الوقت اعتمدت وصرت فاتحا عاديا.‏ وعندما اكرز اليوم لمتمردين سابقين،‏ يعبِّرون عن احترامهم لي لأني طهَّرت حياتي.‏ حتى انني درست مع معاون قائد الفرقة التي كنت فيها سابقا.‏

      لقد انجبت ثلاثة ابناء عندما كنت مجنَّدا.‏ وحين تعلمت الحق،‏ رغبت في مساعدتهم روحيا.‏ ومن دواعي سروري ان اثنين منهم تجاوبا.‏ فأحد ابنائي ناشر غير معتمد،‏ وابني الاكبر يخدم الآن فاتحا اضافيا.‏

  • ١٩٩١-‏٢٠٠١ «كور المشقة» —‏ اش ٤٨:‏١٠ (‏الجزء ٢)‏
    الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
    • ١٩٩١-‏٢٠٠١ «كور المشقة» —‏ اش ٤٨:‏١٠ ‏(‏الجزء ٢)‏

      الهجوم على بيت ايل

      في شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٨،‏ شرعت القوات الحكومية بالتعاون مع قوات «مجموعة مراقبة السوق المشتركة لدول غرب افريقيا»،‏ او «الإيكوموج» (‏ECOMOG)‏،‏ في هجوم شامل لاسترداد فريتاون من قبضة المتمردين.‏ ومن المؤسف ان شظية طائشة اردت احد الاخوة قتيلا خلال تلك المعركة الضارية.‏

      التجأ في ذلك الوقت نحو ١٥٠ ناشرا الى بيتَي المرسلين في كيسي وكوكيرِل.‏ ويروي لادي ساندي،‏ احد الحراس الليليين في بيت ايل:‏ «كنا انا وفيليب توراي في الحراسة،‏ ثم في وقت متأخر من الليل اتى الى بيت ايل متمردان مسلحان من الجبهة الثورية المتحدة وأمرانا ان نفتح باب الردهة الزجاجي على مصراعيه.‏ وفيما هرعنا انا وفيليب الى موقع آمن،‏ امطرا قفل الباب بوابل من الطلقات.‏ لكن اللافت للنظر هو ان القفل صمد،‏ كما انهما لم يفكرا في اطلاق النار على الالواح الزجاجية.‏ فرجعا يجرّان اذيال الخيبة.‏

      ‏«الا انهما عادا بعد ليلتين،‏ بصحبة نحو ٢٠ من رفقائهما،‏ وكانوا قد اعدوا العدة لإلحاق الاذى.‏ فأنذرنا سريعا عائلة بيت ايل وركضنا الى ملجإ أُعدّ مسبقا في القبو.‏ كنا سبعة،‏ واختبأنا في الظلام خلف برميلين كبيرين ونحن نرتجف خوفا.‏ في هذه الاثناء،‏ ذاب قفل الباب تحت وطأة النيران التي اطلقها المتمردون في طريقهم الى الداخل.‏ وصرخ احدهم:‏ ‹جِدوا شهود يهوه هؤلاء واذبحوهم›.‏ فجثمنا في صمت سبع ساعات فيما خرَّبوا ونهبوا المبنى.‏ ثم رحلوا في نهاية المطاف،‏ بعد ان شفوا غليلهم بما فعلوه تلك الليلة.‏

      ‏«فأخذنا اغراضنا الشخصية وركضنا الى بيت المرسلين في كوكيرِل،‏ الذي يقع في اعلى الشارع وكان سابقا بيت ايل.‏ ولكن في الطريق،‏ نهبتنا مجموعة اخرى من المتمردين.‏ فوصلنا الى بيت المرسلين في حالة يرثى لها،‏ لكننا كنا شاكرين لأننا ما زلنا على قيد الحياة.‏ وبعد ان ارتحنا بضعة ايام،‏ رجعنا الى بيت ايل لننظف الفوضى».‏

      وبعد شهرين،‏ احكمت قوات «الإيكوموج» سيطرتها على المدينة،‏ فبدأ المرسلون يعودون من غينيا.‏ لكنهم لم يعلموا ان بقاءهم لن يدوم طويلا.‏

      ‏«ابادة كل حي»‏

      بعد ثمانية اشهر،‏ اي في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٨،‏ كان مئات المندوبين يتمتعون بحضور المحفل الكوري «طريق اللّٰه للحياة» في المدرّج الوطني بفريتاون.‏ وفجأة سمعوا دويًّا قويا،‏ وتصاعدت اعمدة الدخان فوق التلال.‏ فقد عادت قوات المتمردين من جديد.‏

      وفي الايام التي تلت،‏ تردّت الاوضاع في فريتاون.‏ فاستأجرت لجنة الفرع طائرة صغيرة لإجلاء ١٢ مرسلا،‏ ٨ اعضاء اجانب في عائلة بيت ايل،‏ و ٥ متطوعين في عمل البناء الى كوناكري.‏ وبعد ثلاثة ايام،‏ اي في ٦ كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٩،‏ شرعت قوات المتمردين في حملة قتل وحشية دُعيت عملية «ابادة كل حي».‏ فبعنف مروع،‏ أتوا على الاخضر واليابس في فريتاون،‏ وارتكبوا مجزرة قُتل فيها نحو ٠٠٠‏,٦ مدني.‏ كما انهم بتروا عشوائيا ايدي الناس وأرجلهم،‏ خطفوا مئات الاطفال،‏ ودمروا آلاف المباني.‏

      ومن المحزن ان الاخ المحبوب جدا ادوارد توبي واجه ميتة وحشية.‏ في تلك الاثناء،‏ تم ايواء اكثر من ٢٠٠ ناشر مصاب إما في بيت ايل او في بيت المرسلين في كوكيرِل.‏ واختبأ آخرون في بيوتهم.‏ وكان الاخوة الذين التجأوا الى بيت المرسلين بكيسي،‏ في الضاحية الشرقية من فريتاون،‏ في حاجة ماسة الى العلاجات.‏ لكن عبور المدينة كان في قمة الخطورة.‏ فمَن يأخذ على عاتقه هذه المجازفة؟‏ لقد تطوع على الفور حارسا بيت ايل الليليان الجسوران:‏ لادي ساندي وفيليب توراي.‏

      يتذكر فيليب:‏ «لقد عمت الفوضى المدينة.‏ وأقام المقاتلون المتمردون العديد من حواجز التفتيش،‏ حيث فعلوا بالناس ما شاءوا.‏ وفُرض حظر صارم للتجول من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى الساعة التاسعة صباحا.‏ فقيّد هذا حركتنا.‏ وأخيرا بعد يومين من بدء رحلتنا،‏ وصلنا الى بيت المرسلين في كيسي لنجد انه قد نُهب وأُحرق.‏

      ‏«بحثنا في المنطقة المحيطة،‏ فوجدنا الاخ اندرو كولكار،‏ وكان مصابا اصابات بالغة في رأسه.‏ فقد اوثقه المتمردون وأوسعوه ضربا بفأس.‏ ومن المدهش انه نجا وتمكن من الافلات.‏ فأسرعنا به الى المستشفى،‏ حيث تعافى رويدا رويدا.‏ وخدم هذا الاخ لاحقا كفاتح عادي».‏

      الصورة في الصفحة ١٤٣

      ‏(‏من اليمين الى اليسار)‏ فيليب توراي،‏ اندرو كولكار،‏ ولادي ساندي

      ونجا اخوة آخرون من الموت او الاذى،‏ اذ عُرفوا بأنهم مسيحيون محايدون.‏ يخبر احد الاخوة:‏ «طلب منا المتمردون ان نربط مناديل بيضاء على رأسنا ونرقص في الشارع دعما لقضيتهم.‏ وهددونا قائلين:‏ ‹اذا رفضتم،‏ فسنبتر ذراعكم او رجلكم او نقتلكم›.‏ فتنحينا جانبا أنا وزوجتي مذعورَيْن،‏ وصلينا بصمت طالبين مساعدة يهوه.‏ وإذ ادرك ورطتنا جار شاب كان متعاونا مع المتمردين،‏ قال لقائدهم:‏ ‹انه «اخونا».‏ وهو لا يشترك في السياسة،‏ فسنرقص نحن بدلا عنه›.‏ وإذ أرضى هذا الجواب القائد،‏ مضى الى حال سبيله،‏ وأسرعنا نحن الى البيت».‏

      وبعد ان خيّم الهدوء على المدينة،‏ استأنف الاخوة بحذر الاجتماعات وخدمة الحقل.‏ وكانوا يضعون بطاقات شارة المحفل للتعريف بهويتهم عند حواجز التفتيش.‏ كما برعوا في الابتداء بمحادثات مؤسسة على الكتاب المقدس اثناء الانتظار في الصفوف الطويلة عند هذه الحواجز.‏

      وإذ اخذت كل الاشياء تشح في المدينة،‏ ارسل فرع بريطانيا جوًّا ٢٠٠ صندوق من مواد الاغاثة.‏ وسافر بيلي كاوان وألان جونز بالطائرة من كوناكري الى فريتاون ليمررا الشحنة عبر حواجز التفتيش العديدة.‏ فوصلت اخيرا الى بيت ايل قبل ابتداء حظر التجول المسائي بالضبط.‏ كما قام جيمس كوروما برحلات منتظمة الى كوناكري،‏ حاملا مطبوعات وإمدادات هامة اخرى في طريق عودته.‏ وكان للناشرين المنعزلين في بو وكينيما حصتهم من هذا الطعام الروحي.‏

      الصورة في الصفحة ١٤٥

      مواد الاغاثة تصل الى فريتاون

      في ٩ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٩٩،‏ بدأ المرسلون يعودون من كوناكري الى فريتاون.‏ وفي السنة التالية،‏ دحرت حملة شنتها قوات مسلحة بريطانية المتمردين خارج فريتاون.‏ لكن القتال استمر يقع بين الحين والآخر،‏ الى ان أُعلنت نهاية الحرب في كانون الثاني (‏يناير)‏ ٢٠٠٢.‏ وكحصيلة للنزاع الذي دارت رحاه ١١ سنة،‏ مات ٠٠٠‏,٥٠ شخص،‏ بُترت اطراف ٠٠٠‏,٢٠ شخص،‏ دُمر ٠٠٠‏,٣٠٠ منزل،‏ ونزح ٢‏,١ مليون شخص.‏

      وكيف كانت حال هيئة يهوه؟‏ من الواضح ان يهوه حماها وباركها.‏ فخلال النزاع،‏ اعتمد نحو ٧٠٠ شخص.‏ ورغم ان مئات الاخوة فروا من مناطق الحرب،‏ زاد عدد الناشرين في سيراليون بنسبة ٥٠ في المئة.‏ وشهدت غينيا زيادة في عدد الناشرين بلغت اكثر من ٣٠٠ في المئة!‏ لكن الاهم هو ان شعب اللّٰه حافظوا على استقامتهم.‏ ففي «كور المشقة»،‏ اعربوا بثبات عن وحدة ومحبة مسيحية «وكانوا لا ينفكون .‏ .‏ .‏ يعلمون ويبشرون».‏ —‏ اش ٤٨:‏١٠؛‏ اع ٥:‏٤٢‏.‏

  • نجونا من المقاتلين المتمردين
    الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
    • سيراليون وغينيا

      نجونا من المقاتلين المتمردين

      اندرو بون

      • تاريخ الولادة:‏ ١٩٦١

      • تاريخ المعمودية:‏ ١٩٨٨

      • لمحة عن حياته:‏ عند اندلاع الحرب عام ١٩٩١،‏ كان فاتحا عاديا في بندمبو،‏ بالاقليم الشرقي في سيراليون.‏

      الصورة في الصفحة ١٤٨

      دخل المتمردون بلدتنا بعد ظهر احد الايام،‏ مطلقين الاعيرة النارية في الهواء لمدة ساعتين تقريبا.‏ وقد كانوا في غاية القذارة،‏ شعرهم مهمل،‏ وبدوا تحت تأثير المخدِّرات.‏ وكان بينهم مراهقون بالكاد استطاعوا ان يحملوا اسلحتهم.‏

      ثم بدأت المذابح في اليوم التالي.‏ فبوحشية بالغة بُترت اطراف الناس او أُعدموا،‏ اغتُصبت النساء،‏ وعمّت الفوضى.‏ في هذه الاثناء،‏ احتمى ببيتنا الاخ امارا باباوو وعائلته وأربعة مهتمين.‏ وجميعنا كنا مرعوبين.‏

      سرعان ما أتى قائد للمتمردين وأمرنا ان نحضر الى التدريب العسكري في الصباح التالي.‏ لكننا صممنا ان نحافظ على حيادنا،‏ رغم ان الرفض عنى الموت.‏ فصلينا طوال الليل تقريبا.‏ وقمنا في الصباح الباكر،‏ قرأنا الآية اليومية،‏ وانتظرنا وصول المتمردين.‏ إلا انهم لم يأتوا قط.‏

      ‏«انتم تقرأون الآية اليومية.‏ إذًا لا بد انكم شهود ليهوه»‏

      ثم اتى لاحقا ضابط من المتمردين برفقة اربعة من رجاله واستولوا على بيتي.‏ لكنهم امرونا بالبقاء،‏ فواظبنا على عقد الاجتماعات بانتظام ومناقشة الآية اليومية في البيت.‏ فقال لنا بعض المقاتلين:‏ «انتم تقرأون الآية اليومية.‏ إذًا لا بد انكم شهود ليهوه».‏ وقد احترمونا رغم انهم لم يظهروا اهتماما بالكتاب المقدس.‏

      اتى ذات يوم ضابط عالي الرتبة لتفقد القوات المعسكرة في بيتي.‏ فألقى التحية على الاخ باباوو وصافحه.‏ وصاح مخاطبا جنوده:‏ «ان هذا الرجل هو قائدي وقائدكم.‏ اذا مسستم شعرة منه او من الذين معه،‏ فستلقون بئس المصير.‏ هل هذا واضح؟‏».‏ فأجابوه:‏ «نعم سيدي».‏ ثم اعطانا هذا الضابط رسالة تأمر الجبهة الثورية المتحدة بعدم المساس بنا لأننا مواطنون مسالمون.‏

      بعد عدة اشهر،‏ بدأت فصائل المتمردين تتقاتل في ما بينها،‏ فهربنا الى دولة ليبيريا المجاورة.‏ وهناك تعرضت لنا مجموعة متمردة اخرى.‏ فقلنا لهم:‏ «نحن شهود ليهوه».‏ فسألنا احد المقاتلين:‏ «ماذا تقول يوحنا ٣:‏١٦‏؟‏».‏ وعندما اقتبسنا له الآية،‏ اخلى سبيلنا.‏

      ثم التقينا لاحقا بقائد آخر للمتمردين أمرني انا والاخ باباوو ان نتبعه.‏ فخفنا على حياتنا.‏ لكن هذا المتمرد اخبرنا انه درس مع الشهود قبل الحرب.‏ فأعطانا مالا وأخذ منا رسالة وأوصلها الى الاخوة في جماعة مجاورة.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى جاء اثنان من الاخوة بالمؤن وأخذانا الى بر الامان.‏

  • رجل برج المراقبة
    الكتاب السنوي لشهود يهوه ٢٠١٤
    • سيراليون وغينيا

      رجل برج المراقبة

      جيمس كوروما

      • تاريخ الولادة:‏ ١٩٦٦

      • تاريخ المعمودية:‏ ١٩٩٠

      • لمحة عن حياته:‏ خدم ساعي بريد خلال الحرب الاهلية.‏

      الصورة في الصفحة ١٥٠

      فيما اقتتل المتمردون والقوات الحكومية في فريتاون،‏ تطوعت لحمل المراسلات من فريتاون الى مكتب الفرع المؤقت في كوناكري بغينيا.‏

      عند موقف باصات المدينة،‏ استقللت باصا مع مجموعة من الناس الآخرين.‏ ودوت اصوات الطلقات النارية من بعيد،‏ فدخل الخوف الى نفوسنا.‏ وفيما انطلق الباص عبر طرقات المدينة،‏ وقعنا بين اطلاق نار مكثف.‏ فتراجع السائق وسلك طريقا آخر.‏ بعيد ذلك،‏ اوقفتنا مجموعة من المتمردين المسلحين وأمرونا ان ننزل من الباص.‏ وبعد ان استجوبونا،‏ اخلوا سبيلنا.‏ ولاحقا اوقفتنا مجموعة اخرى من المقاتلين.‏ ولكن لأن احد الركاب عرف قائدهم،‏ سمحوا لنا هم ايضا بالمرور.‏ وعند طرف المدينة،‏ التقينا مجموعة ثالثة من المتمردين.‏ فاستجوبونا وأمرونا ان نكمل طريقنا.‏ وفيما اتجهنا شمالا،‏ مررنا بالعديد والعديد من حواجز التفتيش حتى وصل باصنا اخيرا مغطى بالغبار الى كوناكري في المساء.‏

      وفي الرحلات التي تلت،‏ حملت صناديق المطبوعات،‏ الادوات المكتبية،‏ سجلات الفرع،‏ ومواد الاغاثة.‏ وغالبا ما سافرت بالسيارة او الحافلة.‏ لكني استخدمت ايضا الحمّالين والزوارق لنقل المطبوعات عبر الغابات المطيرة والانهر.‏

      فيما كنت احمل ذات مرة معدات من فريتاون الى كوناكري،‏ اوقف المتمردون عند الحدود الحافلة التي استقللتها.‏ فلاحظ احدهم امتعتي وبدأ يستجوبني مرتابا في امري.‏ في تلك اللحظة،‏ لمحت بين المتمردين رفيقا سابقا لي في المدرسة.‏ كان المتمردون يدعونه «صلب الرقبة»،‏ وكان المقاتل ذا الملامح الاكثر وحشية بينهم.‏ فقلت للذي يستجوبني اني حضرت للقاء «صلب الرقبة»،‏ وناديته.‏ فتعرف «صلب الرقبة» عليّ فورا وركض للقائي.‏ فتعانقنا وضحكنا.‏ ثم بدأ يكلمني بجدية.‏

      سألني:‏ «هل تواجه اية صعوبات؟‏».‏

      فأجبته:‏ «اني اريد العبور الى غينيا».‏

      فما كان منه عندئذ إلا ان امر المقاتلين ان يدعوا حافلتنا تعبر الحاجز بدون تفتيش.‏

      ومن ذلك اليوم فصاعدا،‏ كلما وصلت الى ذلك الحاجز،‏ كان «صلب الرقبة» يأمر المقاتلين ان يدعوني امرّ.‏ وأعطيت المقاتلين نسخا من مجلاتنا،‏ وقد قدروها كثيرا.‏ وسرعان ما بدأوا يدعونني رجل برج المراقبة.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة