مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • الصفحة ٢
    استيقظ!‏ ١٩٨٩ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • الصفحة ٢

      حصدت الحروب في قرننا نحو مئة مليون نسمة.‏ والالم،‏ الأسى،‏ والكرب التي سبَّبها ذلك لا تحصى.‏ فكيف استطاع الناجون،‏ العسكريون والمدنيون على السواء،‏ ان يتغلبوا عليها؟‏ ايّ رجاء هنالك بعالم دون حرب،‏ عالم لن يختبر ثانية على الاطلاق مثل هذه الصدمة؟‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٢]‏

      الناجون من الهجوم على جزيرة اينيويتوك في جزر مارشال،‏ ١٩٤٤

      ‏[مصدر الصورة]‏

      Official U.‎S.‎ Coast Guard Photo

  • الحرب —‏ الصدمة والرضّ
    استيقظ!‏ ١٩٨٩ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • الحرب —‏ الصدمة والرضّ

      ‏«كنا في دورية برهنت انها خالية من الاحداث المهمة.‏ وضابطنا،‏ رجل عطوف لطيف وليس جنديا محترفا،‏ كان يقودنا في العودة الى خطوطنا القتالية.‏ وصرخ حارس لنعرِّفه بأنفسنا.‏ وقبل ان يتمكن ضابطنا من الاجابة،‏ قام جندي خائف خلف خطوطنا باطلاق النار،‏ وأصاب الضابط في الوجه.‏ فمات المسكين مختنقا بدمه.‏» وبالنسبة الى ادوارد ب.‏  ،‏ جندي بريطاني،‏ فان ذلك يلخِّص صدمة الحرب العالمية الثانية.‏

      يحاول البعض اخفاء الوجه الحقيقي للحرب.‏ مثلا،‏ صوَّر بعض الدُّعاة الحرب العالمية الاولى بصفتها «في جزءٍ منها هرمجدون —‏ القتال الاخير للخير ضد الشر .‏ .‏ .‏ وفي جزء آخر مبارزة فرسان للقرون الوسطى،‏ مع لمسة نَبالة مضافة اليها.‏» (‏اوجه السلطة‏)‏ لم تكن ايّا منهما.‏ وقد وصفها على نحو افضل المُراسِل والمؤلِّف ارنست همنغواي عندما كتب انها كانت «المَجْزرة الاكثر ضخامة،‏ فتْكا،‏ وسوء ادارة التي حدثت في وقت من الاوقات على الارض» —‏ حتى الحرب العالمية الثانية.‏

      ان مجزرة كهذه تسم كل حروب هذا القرن وما قبله.‏ «كل حرب في التاريخ،‏» كتب مالكوم براون،‏ «مهما يكن سببها او مبرِّرها،‏ فهي قذرة،‏ أليمة ومخزية لكل ذوي العلاقة.‏» وفي ڤيتنام رأى مباشرة الكثير من الذبح وكرب الحرب المدعوم بالوثائق،‏ ولكنه ظلّ يشعر بأنّ «التعاقب المستمر للفظائع المقترفة في ڤيتنام لا يمثِّل شيئا جديدا في الاختبار البشري.‏» —‏ الوجه الجديد للحرب.‏

      واختُبرت بالتأكيد فظائع مماثلة خلال الحرب العالمية الثانية.‏ فألمانيا واليابان دُمِّرتا ومجموع موتاهما العسكريين والمدنيين في الحرب بلغ الملايين.‏ وفقدت الولايات المتحدة نحو ٠٠٠‏,٤٠٠،‏ بريطانيا ٠٠٠‏,٤٥٠،‏ وفرنسا اكثر من نصف مليون.‏ وفقد الاتحاد السوڤياتي ما يقدّر بـ‍ ٢٠ مليونا.‏ وإذ أَدرج في جدول ما وصفه بـ‍ «هذه الضريبة من الألم البشري،‏» ذكر كتاب الحرب العالمية الثانية:‏ «بلغ عدد الاصابات الكُلِّية في الحرب،‏ بمن فيهم المدنيون،‏ ٥٠ مليونا على الاقل.‏»‏

      والاصابات المدنية كانت جزءا مما وصفه جيرالد پريستلند في كتابه پريستلند —‏ الصواب والخطأ بـ‍ «الحرب الشاملة:‏ الحرب على الرجال،‏ النساء والاولاد،‏ بصرف النظر عن اين هم او ماذا يفعلون،‏ كم يمكن ان يكون عمرهم او عجزهم.‏» وقال انه قد جرى تمثيلها عندما «أرْمَد الحلفاء هامبورغ ودرسدن،‏ وهدَّم الالمان ليڤرپول وكوڤنتري.‏»‏

      ان ابادة عشرات الملايين في الحرب كانت مثيرة للاشمئزاز.‏ ولكن ماذا عن اولئك الذين نجوا من صدمة الحرب ‹القذرة،‏ الاليمة والمخزية›؟‏ كيف تأثَّروا؟‏ وكيف يمكنهم التغلُّب على الآثار اللاحقة؟‏ ستفحص المقالتان التاليتان هذه الاسئلة.‏

  • الحرب —‏ العاقبة المرَّة
    استيقظ!‏ ١٩٨٩ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • الحرب —‏ العاقبة المرَّة

      انّ القوة العارمة للحرب قد سحقت ملايين الرجال،‏ النساء،‏ والاولاد،‏ المحاربين وغير المحاربين على السواء.‏ وقد تركت كثيرين منهم بندوب جسدية،‏ عاطفية،‏ ونفسية.‏

      الجنود

      ان جنودا كثيرين من الذين ينجون من مذبحة القتال انما ينجون مشوَّهين وبأعضاء مبتورة،‏ مع تلف آمالهم للحياة المقبِلة.‏ ونموذجي هو جندي قديم نجا من الحرب العالمية الاولى —‏ ولكن ليقضي الـ‍ ٣٠ سنة التالية من حياته في ألم مستمر بسبب الآثار اللاحقة لغاز الخردل المستخدَم في تلك الحرب.‏

      ولكنّ الجروح العاطفية والنفسية هي التي غالبا ما يكون التغلُّب عليها اصعب.‏ «ما من رجل اشترك في الحرب العالمية الاولى تخلَّص في وقت من الاوقات كليا من الاختبار،‏» كتب كيث روبنس في الحرب العالمية الاولى.‏ «والرجال الذين ظهر انهم احتفظوا باتزانهم وسكونهم تُركوا سرا بندوب،‏» تابع.‏ «وبعد سنين كثيرة كانوا يستيقظون في الليل وهم غير قادرين بعد على التخلص من فظاعةٍ ما باقية.‏»‏

      مثلا،‏ فكِّروا في فظاعة مجرد يوم واحد في سنة ١٩١٦ خلال معركة السّوم الاولى —‏ قُتل ٠٠٠‏,٢١ وجُرح ٠٠٠‏,٣٦ بين القوات المسلحة البريطانية وحدها!‏ «والرجال الذين رجعوا من السّوم نادرا ما تكلموا عن اختباراتهم الفظيعة.‏ فقد حلّ عدم اكتراث مريع .‏ .‏ .‏ وثمة رجل لازمته كل حياته الفكرة بأنه عجز عن مساعدة رفيق آخر جريح ناداه فيما كان يزحف عائدا عبر المنطقة المجردة من السلاح.‏» —‏ الصنداي تايمز ماغازين،‏ ٣٠ تشرين الاول ١٩٨٨.‏

      ‏«تخافون ان تؤذوا اولئك الذين تحبونهم،‏» قال نورمن ج.‏  ،‏ شارحا نتائج تدرُّبه المكثَّف على القتال ومحاربته.‏ «واذا جرى ايقاظكم فجأة يكون رد الفعل الغريزي ان تهاجموا.‏» والرجال في احوال الصدمة المطوَّلة يجدون عواطفهم هامدة.‏ «يصير صعبا اظهار اية عاطفة على الاطلاق،‏» تابع.‏ «رأيت ايضا رجالا منزعجين بشدة بسبب الإجهاد.‏ ورأيت رجالا يكسرون كؤوس الجِعَة ويمضغون الزجاج.‏»‏

      ان ردود فعل نورمن ليست غير شائعة.‏ «انّ واحدا من سبعة من الجنود المتمرّسين في ڤيتنام يعاني اضطراب كرب ما بعد الصدمة،‏» قال احد التقارير.‏ وحمل آخَر العنوان:‏ «بالنسبة الى كثيرين فان الحرب حيَّة بعد.‏» وتابع:‏ «ان ما يبلغ مليون جندي متمرّس في ڤيتنام عليهم بعد ان يتركوا وراءهم حربا لا تزال ترهبهم كل يوم .‏ .‏ .‏ بعضهم انتحروا وأساؤوا الى عائلاتهم.‏ ويعاني آخرون العودة الى الماضي،‏ الكوابيس والانعزال .‏ .‏ .‏ لقد عانوا جرحا نفسيا عميقا ودائما.‏»‏

      وأحيانا يؤدي ذلك الى سلوك اجرامي.‏ وكم يمكن ان يُقدِّر الناس الحياة والمبادئ الادبية السامية عندما،‏ كما يعبِّر عن ذلك جيرالد پريستلند،‏ «يمكن للقتل،‏ الذي يجعلني مُدانا بالقتل العمْد في مجموعة واحدة من الظروف،‏ ان يُربحني وساما في مجموعة اخرى.‏» (‏پريستلند —‏ الصواب والخطأ‏)‏ «لقد كنا قتلة مستأجَرين هناك،‏» قال جندي متمرّس في ڤيتنام.‏ «ثم في اليوم التالي كان يُتوقَّع منا ان نذهب الى الوطن الى معمل [سيارات] فورد وننسى كل شيء.‏ نعم،‏ صحيح.‏» —‏ النيوزويك،‏ ٤ تموز ١٩٨٨.‏

      المدنيون

      ان الحربين العالميتين،‏ قالت فرانكفورتر الغامايْنا تسايتونغ،‏ «كان لهما اثر في الحالة العقلية لجيل بكامله .‏ .‏ .‏ واذ عاشوا خلال احداث كهذه تُرك الناس بندوب،‏ وهذه نُقلت الى حفدائهم وأولاد حفدائهم .‏ .‏ .‏ وبعد اربعة عقود تصير أعراض الأذيات المتأخرة ظاهرة.‏» وأمثال هذه الأذيات يجري الشعور بها في كل العالم.‏

      ماري ك.‏،‏ مثلا،‏ عاشت في انكلترا قرب هدف لمهمات قصف المانية خلال الحرب العالمية الثانية.‏ «انّ حفظي مشاعري لنفسي لئلا احدث الخوف في اولادي ادّى الى تدخيني بكثرة،‏» قالت،‏ «وأخيرا انتهى بي الامر الى انهيار عصبي قاد الى رُهاب الانغلاق [خوف شاذّ من الاماكن الضيقة].‏»‏

      وفي الجانب الآخر من خطوط القتال كانت سيلي پ.‏  ،‏ في المانيا.‏ «كلاجئين،‏» قالت،‏ «تعلَّمنا معنى الجوع.‏» وتعلَّمتْ كذلك معنى التفجُّع.‏ «كلّما كان هنالك حديث عن اولئك المقتولين او المفقودين،‏» تابعت،‏ «كنا نفكر في رجالنا.‏ وآني،‏ اخت خطيبي،‏ بُلِّغت خبر موت زوجها في الحرب قبيل ولادة توأميهما.‏ لقد سلبت الحرب من عائلات كثيرة رجالها،‏ بيوتها،‏ وممتلكاتها.‏»‏

      وآنّا ڤ.‏   من ايطاليا كانت شخصا آخر لَسَعَته الحرب.‏ «لقد تمرَّرتْ نفسي بفظاعة الحرب وآلام عائلتي،‏» قالت.‏ «وبعد سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية ماتت امي دون ان ترى في وقت ما ابنها يعود من معسكر أسرى الحرب في استراليا.‏ وأختي ماتت بسبب سوء التغذية وفقدان العناية الطبية.‏ وخسرتُ ايماني باللّٰه لانه سمح بالالم والاعمال الوحشية.‏»‏

      ان صدمة مثل هذا الترحيل،‏ الانفصال،‏ والثكل هي صعبة الاحتمال.‏ والكلفة من الناحية البشرية هي عادة عالية جدا.‏ وثمة شابة،‏ ترمَّلت خلال حرب فوكلند بين بريطانيا والارجنتين في سنة ١٩٨٢،‏ عبَّرت عن شعور ملايين الثكالى والارامل عندما قالت:‏ «لم يكن الامر يستأهل ذلك بالنسبة اليَّ،‏ خسارة زوجي من اجل منطقة صغيرة في وسط مكان بعيد .‏ .‏ .‏ ان التغلب على الصدمة العاطفية هو المشكلة الكبيرة.‏» —‏ الصنداي تلغراف،‏ ٣ تشرين الاول ١٩٨٢.‏

      فكِّروا ايضا في الجروح الجسدية والعاطفية التي أُوقعت بالناجين من الحرب النووية.‏ وثمة تقرير كُتب في سنة ١٩٤٥،‏ ظلال هيروشيما،‏ يعطي مذكِّرا مروِّعا بالعاقبة الرهيبة لقصف هيروشيما:‏

      ‏«في هيروشيما،‏ بعدما دمَّرت القنبلة الذرية الاولى المدينة وهزَّت العالم بثلاثين يوما،‏ لا يزال الناس يموتون على نحو غامض ومرعب —‏ الناس الذين كانوا غير مصابين في الجائحة يموتون بسبب شيء ما مجهول لا يسعني إلا وصفه بالوبإ الذرّي.‏ وهيروشيما لا تبدو كمدينة مقصوفة.‏ انها تبدو وكأن مِحْدَلة بخارية ضخمة قد مرَّت عليها وازالتها من الوجود.‏» وبعد اكثر من ٤٠ سنة لا يزال الناس يتألمون ويموتون بسبب ذلك الانفجار.‏

      الاولاد

      انّ بعض الضحايا التي تدعو الى الأسى اكثر في المناطق الحربية للعالم هم الاولاد،‏ وكثيرون منهم قد أُلحقوا بالجيوش في اماكن مثل اثيوبيا،‏ لبنان،‏ نيكاراغوا،‏ كمپوشيا.‏

      ‏«ما هو واضح،‏ من ايران،‏ عندما أُرسل الفتيان عبر حقول الالغام انّ الفتيان قابلون للتكييف اكثر،‏ أقل كلفة ويمكن حفزهم الى ذرى الحماسة العاطفية لفترات طويلة بالشكل الذي لا يمكن ان يكون عليه الجنود الراشدون،‏» قالت التايمز اللندنية.‏ واذ علَّق على التأثير المقسّي للقلب الذي لا بد ان يكون لذلك في اولاد كهؤلاء،‏ سأل رئيس مجلس منظمة لحقوق الانسان،‏ «كيف يمكنهم في وقت من الاوقات ان يترعرعوا كراشدين سلماء العقل ومتَّزنين؟‏»‏

      يجري ترديد ذلك السؤال في كتاب روجر روزنبلات اولاد الحرب.‏ فقد قابل اولادا كانوا قد ترعرعوا في مناطق حيث لم يعرفوا شيئا سوى الحرب.‏ وأظهر عديد منهم مرونة جديرة بالملاحظة في وجه اختباراتهم الفظيعة.‏ ولكنّ آخرين مثل «عدد كبير من اولاد القوارب،‏ وخصوصا اولئك الذين تُرك آباؤهم وراءهم في ڤيتنام،‏ ظهر انهم منزعجون ومضطربون على نحو عميق.‏»‏

      فكيف يمكن لضحايا الحرب الناجين —‏ الرجال،‏ النساء،‏ والاولاد —‏ ان يتغلبوا على المشاكل التي انتجتها في حياتهم؟‏ وكيف يمكن لاعضاء العائلة الآخرين ان يساعدوا؟‏ وهل ستكون هنالك في وقت ما نهاية لمثل هذه المآ‌سي؟‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٦]‏

      ‏‹لقد كنا قتلة مستأجَرين هناك.‏ ثم في اليوم التالي كان يُتوقَّع منا ان نذهب الى الوطن وننسى كل شيء!‏›‏

  • الحرب —‏ التغلب على العاقبة
    استيقظ!‏ ١٩٨٩ | تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ٨
    • الحرب —‏ التغلب على العاقبة

      كيف يتمكّن الناس المتضررون بالحرب من التغلب على ذلك؟‏ لكي نحرز بصيرة في هذا الموضوع قابلت استيقظ!‏ بعض ضحايا الحرب.‏

      كان بوب هونيس بين عشرات ألوف جنود البحرية الاميركية الذين حاربوا في الحرب العالمية الثانية في معركة إيوو جيما في غربي المحيط الهادئ.‏ وقصته مطبوعة ليس لتصدِم بل لتُظهر انه ممكن للبعض التعافي حتى من اكثر الاختبارات ضررا.‏

      الصدمة

      ‏«بدأنا اقترابنا من إيوو جيما في ٣٠:‏٨ ق‌ظ من ١٩ شباط ١٩٤٥.‏ والمدافع الضخمة للبارجة تنيسي سكتت خلفنا،‏ وبعدئذ هزَّ قاربَ انزالنا القصفُ من بطاريات مدفعية العدو الساحلية.‏ واذ كانت العواطف في مستوى الهياج،‏ وكنت مضطربا بشأن القتال امامنا،‏ صرختُ في وسط كل الضجيج والصخب،‏ ‹أَبقِ بعضا لنا!‏› فيما تبعنا الفِرق المهاجِمة الاولى.‏

      ‏«وحالما صرت على الشاطئ كان كل ما استطعت ان اشمه الرائحة التي تبعث على الغثيان للبارود،‏ الرماد البركاني،‏ والمعدات المحترقة.‏ أُصيب قارب انزالنا.‏ وقُتل قائده على الفور ودُمِّرت كل معداتنا.‏

      ‏«لن انسى ابدا منظر جنود البحرية الموتى الآخرين.‏ كان احدهم معفَّر الوجه في التراب.‏ وكانت جَزْمته العسكرية،‏ دون قسمها السفلي،‏ مشدودة تماما الى ركبتيه،‏ على العضوين المبتورين اللذين كانا مرة رِجلين فتيَّتين قويَّتين.‏ واذ نظرت الى يميني فيما ربضتُ في حفرة حُفرت على عجل رأيت واحدا آخر من جنود البحرية منحنيا الى الامام وبندقيته معلَّقة بصدره،‏ بلا رأس بين الكتفين.‏ وصار الشاطئ مفروشا بجنود البحرية الموتى،‏ وكثيرون مشوَّهون الى حد يفوق الوصف.‏ كان ذلك مجرد البداية.‏

      ‏«وفي اليوم الثاني أُرسلتُ لأتفحَّص احد مواقعنا.‏ ويا للمنظر الرهيب الذي واجهني!‏ لقد ذهبَتْ قذيفة مدفع متفجرة بساقي وذراعي اول مَن رأيته من جنود البحرية.‏ وخوذته وشريط الذقن كانا لا يزالان في موضعهما.‏ وعيناه تحملقان شاخصتين الى الامام وكأنه في تأمل عميق.‏ واذ كانوا مبعثرين كلُعب محشوَّة مكسَّرة لم يكن الاعضاء الآخرون من طاقم المدفع سوى اشلاء ممزَّقة متفرقة في الرماد البركاني الاسود الناعم.‏

      ‏«واستمر الذبح طوال اليوم الثالث.‏ وبعدئذ بدأ الموتى يتعفَّنون بسرعة.‏ وصارت النتانة خانقة.‏ كانت في كل مكان.‏ ولم يكن ثمة مناص منها.‏

      ‏«وبعد اربعة ايام من القتال الشرس،‏ في ٢٣ شباط،‏ كان الرفع الشهير الآن للعلم الاميركي على جبل سوريباشي.‏ وبدلا من الزهو،‏ كان كل ما شعرت به اليأس.‏ كان الموتى في كل مكان.‏ وبدت الحياة رخيصة جدا.‏ واستمرت المعركة الوحشية حتى ٢٦ آذار،‏ حين أُخذت اخيرا إيوو جيما،‏ بعد اسابيع من الذبح المتواصل.‏ ويا له من حمَّام دم —‏ مجموع ٠٠٠‏,٢٦ اميركي وياباني قتلوا على جزيرة مساحتها ثمانية اميال مربعة فقط!‏

      العاقبة

      ‏«كان ينبغي ان يكون وقت سعادة عظيمة عندما سُرِّحتُ من البحرية واتَّحدتُ ثانية بعائلتي.‏ ولكن،‏ بدلا من ذلك،‏ فان ما كان ينمو في داخلي ظهر الآن على السطح —‏ فراغ مريع وإحساس بالتفاهة.‏

      ‏«وظلَّت الاسئلة تعذِّبني.‏ اذا كانت الحياة رخيصة الى هذا الحد فما الغرض من العيش؟‏ هل يمكن ان يكون هنالك حقا اله مهتم؟‏ هل ستلازمني اختباراتي باقي حياتي؟‏ وحتى بعدما تزوَّجتُ زوجتي،‏ ماري،‏ استمر العذاب.‏ لم اتمكن من رؤية ايّ امل بمستقبل سعيد دائم،‏ بل الحرب فقط والمزيد من الذبح الذي لا معنى له حتى تدمير الارض اخيرا وكل حياة عليها.‏

      ايجاد الحل

      ‏«بعدما تزوَّجنا بوقت قصير زارنا،‏ زوجتي وأنا،‏ اثنان من شهود يهوه.‏ فأعطاني ذلك فرصة لاطرح بعض الاسئلة الفاحصة عن الحرب،‏ الالم،‏ والقصد من الحياة.‏ والأجوبة عن اسئلتي اتت بسرعة من الكتاب المقدس.‏

      ‏«نعم،‏ هنالك اله محب يهتم وسيشفينا قريبا من كل وجع وأسى.‏ (‏مزمور ٨٣:‏١٨؛‏ رؤيا ٢١:‏١-‏٤‏)‏ لا،‏ ان اللّٰه لا يجيز الحروب سعيا وراء اهداف سياسية بشرية.‏ (‏مزمور ٤٦:‏٩؛‏ اشعياء ٢:‏٤؛‏ يوحنا ١٨:‏٣٦‏)‏ لا،‏ ان الارض لن تدمَّر في محرقة نووية.‏ فهي ستبقى الى الابد كبيت فردوسي لجميع الذين يبلغون مطالب اللّٰه.‏ —‏ مزمور ٣٧:‏٢٩؛‏ اشعياء ٤٥:‏١٨؛‏ رؤيا ١١:‏١٧،‏ ١٨‏.‏

      ‏«واذ استمرت دراستي للمواعيد التي تبهج القلب في الكتاب المقدس امتلأ الفراغ في داخلي تدريجيا.‏ وصرت واثقا بأنّ ملكوت اللّٰه هو الوسيلة الواقعية الوحيدة لجلب السلام والامن للارض.‏ وحرب اللّٰه هرمجدون ستخلِّص الارض اخيرا من كل شر.‏ —‏ دانيال ٢:‏٢١،‏ ٢٢؛‏ متى ٦:‏١٠؛‏ رؤيا ١٦:‏١٤-‏١٦‏.‏»‏

      ابنوا الرجاء بمواعيد اللّٰه

      يؤكِّد آخرون ان تعلُّم الحق عن قصد اللّٰه للارض وأسبابه للسماح الوقتي بالشر كان العامل الأقوى في مساعدتهم على التغلب على الصدمات التي خلَّفتها الحرب.‏

      وهذا ليس للاقتراح انّ المساعدة الطبية الاختصاصية ربما لا تلزم احيانا.‏ ولكنّ الرجاء الاصيل،‏ المؤسس على مواعيد اللّٰه التي يمكن الاعتماد عليها في الكتاب المقدس،‏ يمنح فعلا قوة داخلية لاحتمال المشاكل الخطيرة.‏

      ومع ذلك ربما لا تكونون شخصيا متأثِّرين من صدمة الحرب.‏ ولكن قد تعرفون احدا متأثِّرا منها.‏ فماذا يمكنكم ان تفعلوا بغية المساعدة؟‏ «كونوا متفهِّمين ومشجِّعين لاولئك الذين تألَّموا بهذه الطريقة،‏» تقول احدى ضحايا صدمة الحرب،‏ ماري ك.‏،‏ «ساعدوا اشخاصا كهؤلاء على التطلع الى المستقبل،‏ على امعان النظر في مواعيد اللّٰه،‏ لا مآ‌سي الماضي،‏» تنصح.‏ نعم،‏ كونوا صبورين وشفوقين.‏ التمسوا العذر.‏ وحاولوا ان تساعدوهم على بناء الرجاء للمستقبل.‏

      ‏‹ولكن،‏› قد تقولون،‏ ‹كيف يمكن ان تكون حرب اخرى،‏ هرمجدون،‏ هي الحل لاولئك الذين تألَّموا بسبب صدمة الحرب؟‏› ان هرمجدون،‏ حرب اللّٰه على كل شر،‏ ستكون حربا دون ضحايا بريئة.‏ ولن تخالف مبادئ العدل والصلاح.‏ و ‹ستُخاض بالبر،‏› وسيموت فيها الاشرار فقط.‏ —‏ رؤيا ١٩:‏١١‏،‏ ع‌ج؛‏ امثال ٢:‏٢٠-‏٢٢‏.‏

      لن تكون لهرمجدون آثار لاحقة فظيعة،‏ ولا كوابيس معاوِدة او جروح نفسية اخرى.‏ وعالم اللّٰه الجديد سيتمِّم الصورة النبوية المرسومة في اشعياء ٦٥:‏١٧–‏١٩‏:‏ «لا تُذكر (‏الامور)‏ الاولى .‏ .‏ .‏ ولا يُسمع بعد .‏ .‏ .‏ صوت بكاء ولا صوت صراخ.‏»‏

      وكل الضحايا السابقة للحروب القتَّالة والعنف،‏ وحتى الاموات،‏ سيستفيدون من هذه الحرب.‏ (‏مزمور ٧٢:‏٤،‏ ١٢-‏١٤؛‏ يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ فكِّروا في ذلك —‏ ردٌ لفردوس السلام الذي قصده اللّٰه اصلا.‏

      ‏«انّ هذا الرجاء الذي يعطيه الكتاب المقدس،‏» قال بوب هونيس،‏ «هو المفتاح للتغلب على عاقبة الحرب.‏ وجميع الذين تأذَّوا بصدمة الحرب يمكنهم الانتفاع من رجاء كهذا.‏ وهذا النوع من الرجاء،‏ كما يقول الكتاب المقدس،‏ هو ‹مرساة للنفس.‏›» —‏ عبرانيين ٦:‏١٩‏.‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٨]‏

      ‏«ما كان ينمو في داخلي ظهر الآن على السطح —‏ فراغ مريع وإحساس بالتفاهة»‏

      ‏[الصورتان في الصفحة ٧]‏

      في الطريق الى إيوو جيما درسنا نماذج الجزيرة

      هونيس يَظهر في الاعلى الى اليمين

      ‏[مصدر الصورة]‏

      U.‎S.‎ Marine Corps

      ‏[الصورة في الصفحة ٩]‏

      بوب وماري هونيس اليوم

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة