-
الاراضي الرطبة في العالم — كنوز بيئية تحت الهجوماستيقظ! ١٩٩٤ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
الاراضي الرطبة في العالم — كنوز بيئية تحت الهجوم
دعاه الهنود الاميركيون أبا المياه. ويدعوه الجغرافيون الميسيسيپي. ومهما دعوتموه انتم، فقد اخذ بثأره من اولئك الذين ضغطوه بإحكام بمِشَدّ من الحواجز الصخرية والسدود الشاطئية، سالبين اياه اراضيه الرطبة. وإذ زخر بسبب اسابيع من الامطار الغزيرة، انفجر النهر عبر ما يُقدَّر بـ ٧٥ مليون كيس رمل كانت مكدَّسة مقابله وخرق ٨٠٠ سدّ شاطئي من الـ ٤٠٠,١ التي سعت عبثا لكبحه. فاجتاحت مياه الفيضان الجارفة البيوت، الطرقات، الجسور، وأجزاء من خطوط السكك الحديدية وتركت بلدات كثيرة مغمورة بالماء. «انه على الارجح اسوأ اكتساح للولايات المتحدة على الاطلاق،» اخبرت ذا نيويورك تايمز، عدد ١٠ آب ١٩٩٣.
وأوجزت الـ تايمز بعض الاضرار: «في شدّة هيجانه التي دامت شهرين، جاب فيضان الغرب الاوسط العظيم لعام ١٩٩٣ جَوْبا مدمِّرا رهيبا. فقد قضى على حياة ٥٠ شخصا، ترك نحو ٠٠٠,٧٠ مشرَّدين، غمر مساحة تعادل ضعفَي حجم نيو جيرزي، احدث ضررا يُقدَّر بـ ١٢ بليون دولار اميركي في الاملاك والزراعة وأثار من جديد مناقشة حول جهاز الامة لضبط الفيضانات وسياساته.»
لو تُرك جهاز ضبط الفيضانات الطبيعي للاراضي الرطبة بمحاذاة ضفاف الميسيسيپي على حاله لأُنقذت حياة ٥٠ شخصا ووُفِّر ١٢ بليون دولار. متى سيتعلَّم الناس ان التعاون مع الطبيعة افضل من محاولة إخضاعها؟ فالاراضي الرطبة المتاخمة للنهر تخدم كسهول فيضية تصرِّف وتخزن الماء الفائض للانهر التي تزخر بسبب الامطار الغزيرة الطويلة الامد.
لكنَّ الخدمة كآليات طبيعية لضبط الفيضانات هي مجرد واحدة من الخدمات العجيبة الكثيرة التي يقدِّمها الاكثر من ٠٠٠,٣٠٠,٣ ميل مربع (٠٠٠,٥٠٠,٨ كلم٢) من الاراضي الرطبة في الارض — التي تتعرَّض حاليا لهجوم مدمِّر حول العالم.
-
-
الاراضي الرطبة في العالم — كنوز بيئية تحت الهجوماستيقظ! ١٩٩٤ | كانون الثاني (يناير) ٢٢
-
-
السباق لتدمير الاراضي الرطبة
في الولايات المتحدة، فتح الرجلُ الذي صار اول رئيس جمهورية لها البابَ لعدد كبير من الناس لتدمير الاراضي الرطبة على نطاق واسع عندما شكَّل عام ١٧٦٣ شركة لتجفيف ٠٠٠,٤٠ أكر (٠٠٠,١٦ هكتار) من مستنقع ديسمَل — مستنقع بري، مأوى للحياة البرية — في حدود ڤيرجينيا-كارولينا الشمالية. ومنذ ذلك الحين، اعتُبرت الاراضي الرطبة في اميركا مصدر ازعاج، عقبة في طريق التطور، مصدر المرض، محيطا عدائيا يجب ان يُقهر ويُدمَّر مهما كان الثمن. وجرى تشجيع المزارعين على تجفيف الاراضي الرطبة واستعمالها للزراعة وكوفئوا على ذلك. وبُنيت الطرق العامة حيث كانت الاراضي الرطبة ذات مرة تعجّ بالحياة الغريبة. والكثير صار مواقع للتوسُّع المديني ومراكز للتسوق او استُخدم كمنخفضات ضحلة ملائمة لإلقاء النفايات.
في العقود القليلة الاخيرة لهذا القرن، كانت الولايات المتحدة تدمر اراضيها الرطبة بمعدل ٠٠٠,٥٠٠ أكر (٠٠٠,٢٠٠ هكتار) في السنة. واليوم يبقى نحو ٩٠ مليون أكر (٠٠٠,٠٠٠,٤٠ هكتار) فقط. تأملوا، على سبيل المثال، في منطقة الحفرة الوعائية لاميركا الشمالية. ففي قوس تبلغ ٠٠٠,٣٠٠ ميل مربع (٠٠٠,٨٠٠ كلم٢) من ارض تمتد من ألبرتا، كندا، الى آيُوْوا في الولايات المتحدة، كانت الآلاف من اراضي البراري الرطبة اماكن الٕانسال لملايين وملايين البطّ. ويُقال انها عند الطيران كانت تجعل السماء مظلمة كالغيوم الكثيفة. واليوم تضاءلت اعدادها على نحو مريع.
لكنَّ المشكلة البعيدة المدى هي هذه: عندما تُدمَّر الاراضي الرطبة، يُقضى على مصادر القوت. وبدون قوت كافٍ، يضع البطّ بيوضا اقلّ، ونسبة فَقس البيوض التي توضع تتأثر بشكل بارز. وإذ تُدمَّر مساكنه، يحتشد المزيد من البطّ في المساكن القليلة الباقية، ويصير بالتالي فريسة اسهل للثعالب، القُيّوط، الظربان، الراكون، والحيوانات الاخرى التي تأكله.
وفي الولايات المتحدة اختفى ٥٠ في المئة من الاراضي الرطبة لمنطقة الحفرة الوعائية. وفي كندا يزول اكثر من ٤٠ في المئة منها، لكنَّ الهجوم المدمِّر عليها يزداد. وأخبرت مجلة النشاطات الرياضية المصوَّرة ان اجزاء من داكوتا الشمالية في الولايات المتحدة صارت جافة بنسبة ٩٠ في المئة. فمزارعون كثيرون يعتبرون الاراضي الرطبة غير مثمرة ومصدر ازعاج يعترض سبيل معداتهم الزراعية، جاهلين قيمتها البيئية.
لكنَّ الاحتجاج الشعبي الصاخب لانقاذ الاراضي الرطبة، مأوى الحياة البرية، يسمعه عاليا وبوضوح اليوم الافراد المهتمون ومنظمات الحياة البرية. «الحفر الوعائية هي مهمة حتما،» قال احد الرسميين المهتمين. «وإذا كان لدينا ايّ امل بالمستقبل البعيد للبطّ، يلزم ان نحافظ على الاراضي الرطبة.» وقال رسمي في منظمة حماية موارد الثروة الطبيعية Ducks Unlimited: «ان طيور الماء هي مقياس الصحة البيئية للقارة.» وتضمّ مجلة اخبار الولايات المتحدة وانباء العالم صوتها: «ان تضاؤل اعداد [البطّ] يعكس الهجمات على البيئة من جبهات مختلفة كثيرة: المطر الحمضي، مبيدات الآفات، ولكنَّ الاكثر من الكل، تدمير ملايين الأكرات من الاراضي الرطبة التي لا تقدَّر بثمن.»
«دُمِّر تسعون في المئة من مستنقعات كاليفورنيا الملحية الشاطئية،» اخبرت مجلة كاليفورنيا، «وكل سنة يختفي ٠٠٠,١٨ أكر (٠٠٠,٧ هكتار) اضافي. والألكة تبقى على قيد الحياة فقط في اماكن متفرِّقة قليلة. ويعود البطّ والإوزّ بأعداد اقل كل سنة الى اراضيه الشتوية التي تتقلَّص على الدوام. وأنواع كثيرة في الاراضي الرطبة هي قريبة من الانقراض.» فتلك التي تعتمد حياتها على اراضي العالم الرطبة من اجل البقاء تصرخ بصمت طلبا للمساعدة.
ازمة المياه
حدث امر رهيب فيما كان الانسان يدمِّر اراضي الكرة الارضية الرطبة. لقد اثَّر في مورده الاثمن والاكثر حيوية — الماء. فالماء اساسي لكل كائن حي. وقد تكهّن كثيرون من علماء العالم بوقت ستكون فيه المياه النقية اندر مورد في الارض. اعلن مؤتمر الامم المتحدة العالمي حول المياه سنة ١٩٧٧: «إما ان نتمكن من وضع حدّ لتبديد المياه او نموت من العطش بحلول السنة ٢٠٠٠.»
بهذه التحذيرات التي تنذر بالسوء من النقص المحتمل في هذا المورد الثمين، يجب ان تفرض الحكمة المعهودة ضبطا متَّسما بالاحترام لمياه الارض. ولكن في سباقه لتدمير الاراضي الرطبة، عرَّض الانسان للخطر هذا المورد الضروري للغاية. فالاراضي الرطبة تساعد على تنقية المياه السطحية — الانهر والجداول. وبعض الخزانات المائية الجوفية لم يعد يُشبَع بالمياه النقية بل هو الآن ملوَّث بالفضلات والملوِّثات، وكل ذلك لضرر الانسان. فالماء الذي كان في ما مضى موجودا في اعداد وافرة من الاراضي الرطبة صُرِّف، مما ساهم في النقص.
هل سيسمع الرجال المسؤولون صرخات الاستغاثة اليائسة للكائنات الحية التي تعتمد على الاراضي الرطبة؟ هل سيُتَّخذ الاجراء لانقاذ كائنات حية كهذه قبل فوات الاوان؟ ام سيبقى الرجال في صمم عن هذه الصرخات، بآذان لا تُفتح إلّا لعويل الجشعين؟
الهجوم عالمي
عند ابتداء حملة عالمية عزَّزتها الامم المتحدة لانقاذ الاراضي الرطبة، أُشير الى التهديدات التي يتعرَّض لها النظام البيئي لمنطقة مستنقعات پانتانَل في البرازيل. انها احد اكبر الاراضي الرطبة في العالم. ذكرت مجلة العلوم الاحيائية: «الـ پانتانَل، بتنوُّعها ووفرتها غير العاديين من الحياة البرية، هي اقليم مهدَّد. فإزالة الاحراج؛ توسيع الزراعة؛ صيد الطرائد والاسماك غير الشرعي؛ وتلوُّث المياه بمبيدات الحشائش، مبيدات الحشرات، والمنتجات الجانبية لانتاج الكحول كوقود سبَّبت افسادا تدريجيا للبيئة الطبيعية، معرِّضة للخطر احد اهم الانظمة البيئية في البرازيل.»
وأظهرت ذا نيويورك تايمز الخطر الذي يهدِّد الاراضي الرطبة الواقعة بمحاذاة ساحل البحر المتوسط. «ان النقص في الاراضي الرطبة ازداد في العقود الثلاثة الاخيرة اذ صار مطموعا في سواحل البحر المتوسط اكثر من ايّ وقت مضى وتغطَّت مناطق واسعة من خط الساحل بالاسمنت باسم عبادة الشمس، الراحة والارباح. وتشير دراسات الامم المتحدة الى خسائر رئيسية في ايطاليا، مصر، تركيا، واليونان.»
ان الاراضي الرطبة لمتنزَّه دونيانا القومي الاسپاني الهائل البالغ ٠٠٠,١٢٥ أكر (٠٠٠,٥٠ هكتار) تصير مطارا للطيور في الربيع اذ ان مئات الآلاف من الطيور المارة في طريقها من افريقيا الى اوروپا تقيم مؤقتا في مستنقعاتها وغاباتها لبناء الاعشاش والإنسال والاقتيات. لكنَّ العدد الكبير من الفنادق، الاراضي الممهَّدة للعبة الڠولف، والاراضي الزراعية المحيطة بالمتنزه يمتص الكثير جدا من المياه بحيث يُهدَّد بقاء المتنزه. ففي السنوات الـ ١٥ الماضية، سحبت مشاريع كهذه الكثير جدا من الماء بحيث انخفض منسوب المياه الجوفية بين ٦ و ٣٠ قدما (٢-٩ م)، وجفَّت كاملا اهوار عديدة. «ان ايّ ازدياد بعدُ في المشاريع هنا،» يقول مدير ابحاث المتنزه، «سيكون الضربة القاضية لـ دونيانا.»
تُخبر حالة العالم سنة ١٩٩٢: «ان اشجار القَرام، احد الانواع المهدَّدة اكثر والاثمن للاراضي الرطبة، اختبرت خسائر فادحة في آسيا، اميركا اللاتينية، وافريقيا الغربية. على سبيل المثال، أُزيل نحو نصف هذه الغابات المستنقعية الوقائية في الٕاكوادور، وفي الاغلب من اجل بِرَك للقريدس، وتقتضي الخطط تحويل جزء مماثل من المناطق الباقية. وخسرت پاكستان، تايلند، والهند جميعها على الاقل ثلاثة ارباع اشجار القَرام التي لها. ويبدو ان إندونيسيا قرَّرت ان تفعل الامر نفسه: ففي كاليمانتان، اقليمها الاكبر، سيُزال ٩٥ في المئة من كل اشجار القَرام من اجل انتاج خشب الورق.»
يجري ابراز قيمة اشجار القَرام في بانكوك پوست التايلندية، عدد ٢٥ آب ١٩٩٢: «تتألف غابات القَرام من مختلف انواع الاشجار التي تزدهر في المناطق المدِّية العليا على طول الشواطئ المدارية المحمية المسطَّحة. لقد [ازدهرت] الاشجار في البيئة القاسية للمياه المالحة والمدّ والجَزْر المتغيِّرَين. وجذورها الهوائية الخصوصية التي تتكيَّف وجذورها الوتدية التي ترشِّح المياه المالحة انشأت انظمة بيئية غنية ومعقَّدة. والى جانب كونها تحمي مناطق واسعة في خط الساحل من التحاتّ، فهي حيوية للمسامك القريبة من الشاطئ، صناعات منتجات الخشب، والحياة البرية.
«تغزر الكائنات الحية في غابات اشجار القَرام. فيمكن للفرد ان يجد طيور الشواطئ، السعادين التي تأكل السرطان، القططة التي تصطاد السمك والاسماك الوثَّابة في الوحل التي تنزلق عبر وحل المستنقع لتشق طريقها بين الحفر المائية اثناء الجَزْر.»
ماذا ستكون النتيجة؟
ان الازمة عالمية. تذكر مجلة الحياة البرية العالمية: «ان الاراضي السبخة، المستنقعات، مستنقعات اشجار القَرام، السِّباخ الملحية، الحفر الوعائية في البراري، والبحيرات التي غطَّت ذات مرة اكثر من ٦ في المئة من مساحة الارض هي في مشكلة خطيرة. فالكثير منها جفِّف من اجل الزراعة، دُمِّر بالتلوُّث او امتلأ بالعمَّارين المُرابحين بحيث اختفى نحو نصف مساحة الكوكب من الاراضي الرطبة.»
-