-
العمل — بركة ام لعنة؟برج المراقبة ٢٠٠٥ | ١٥ حزيران (يونيو)
-
-
فحص موقفنا
صحيح اننا لا نستطيع تغيير ظروفنا دائما، ولكن ألا تعتقد ان بإمكاننا تعديل موقفنا؟ فإذا شعرت انك متأثر الى حد ما بالمواقف السلبية من العمل، يحسن بك ان تتأمل في وجهة نظر اللّٰه ومبادئه حيال هذه المسألة. (جامعة ٥:١٨) فقد منح ذلك كثيرين سعادة واكتفاء كبيرين في العمل.
اللّٰه هو العامل الاسمى. ربما لم يخطر لنا من قبل ان اللّٰه عامل، لكنه يعرِّف بنفسه في الكتاب المقدس بهذه الطريقة. فرواية التكوين تذكر في مستهلِّها ان يهوه خلق السموات والارض. (تكوين ١:١) فكِّر في مختلف الادوار التي لعبها اللّٰه عندما بدأ اعماله الخلقية. فقد كان مصمِّما، منظِّما، مهندسا، فنانا، خبيرا بانتقاء المواد، كيميائيا، عالِم احياء، عالِما بالحيوان، مبرمِجا، لُغويا. بالاضافة الى انه لعب ادوارا اخرى كثيرة. — امثال ٨:١٢، ٢٢-٣١.
وكيف كانت نوعية عمل اللّٰه؟ يقول سجل الكتاب المقدس ان عمله كان ‹حسنا› و ‹حسنا جدا›. (تكوين ١:٤، ٣١) حقا، ان الخليقة كلها «تحدث بمجد اللّٰه»، وينبغي لنا نحن ايضا ان نسبحه. — مزمور ١٩:١؛ ١٤٨:١.
لكنّ عمل اللّٰه لم ينتهِ بخلق السموات والارض والزوجين البشريَّين الاولَين. قال ابن يهوه، يسوع المسيح: «ابي ما زال يعمل حتى الآن وأنا لا ازال اعمل». (يوحنا ٥:١٧) نعم، يستمر يهوه في العمل مزوِّدا خلائقه بما يحتاجون اليه، مانحا الدعم لخليقته، ومخلِّصا عبّاده الامناء. (نحميا ٩:٦؛ مزمور ٣٦:٦؛ ١٤٥:١٥، ١٦) حتى انه يستخدم اناسا، ‹العاملين مع اللّٰه›، للمساعدة على انجاز مهمات معيّنة. — ١ كورنثوس ٣:٩.
يمكن ان يكون العمل بركة. ألا يقول الكتاب المقدس ان العمل لعنة؟ قد يُفهَم مما ورد في تكوين ٣:١٧-١٩ ان اللّٰه ألقى على آدم وحواء عبء العمل عقابا على تمردهما. فعند اصدار الحكم عليهما، قال اللّٰه لآدم: «بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أُخذت منها». فهل كان ذلك إدانة شاملة للعمل؟
كلا. لقد اشار ذلك ان توسيع الفردوس العدني ما كان ليحدث في ذلك الزمان والمكان بسبب عدم امانة آدم وحواء. فلعنة اللّٰه حلّت على الارض. وصار يلزم ان يكدح الانسان ويعرق ليكسب معيشته من الارض. — روما ٨:٢٠، ٢١.
ولا يقول الكتاب المقدس ان العمل لعنة، بل يُظهِر انه بركة جديرة بالتقدير. وكما ذُكِر آنفا، ان يهوه نفسه عامل مجتهد. وبخلقه البشر على صورته، منحهم القدرة والسلطة لإدارة خليقته الارضية. (تكوين ١:٢٦، ٢٨؛ ٢:١٥) لقد نال البشر تعيين العمل هذا قبل ان يتفوه اللّٰه بالكلمات المسجلة في تكوين ٣:١٩. فلو كان العمل لعنة وشرا، ما كان يهوه ليشجِّع البشر على الانهماك فيه مطلقا. فقد كان لدى نوح وعائلته الكثير ليقوموا به قبل الطوفان وبعده. وفي العصر المسيحي، جرى حضّ تلاميذ يسوع ايضا على العمل. — ١ تسالونيكي ٤:١١.
ومع ذلك، ندرك جميعا ان العمل يمكن ان يكون مرهِقا هذه الايام. فالاجهاد، المخاطر، الضجر، الخيبة، التنافس، الخداع، والظلم هي مجرد امور قليلة من ‹الشوك والحسك› اللذين يقترنان بالعمل اليوم. غير ان العمل بحد ذاته ليس لعنة. ففي جامعة ٣:١٣، يصف الكتاب المقدس العمل وثماره بأنهما عطية من اللّٰه. — انظر الاطار «مواجهة الاجهاد الناجم عن العمل».
يمكنك تمجيد اللّٰه بعملك. لطالما كانت جودة العمل والتفوق فيه امرين جديرَين بالثناء. كما ان الكتاب المقدس يشدِّد ان تكون نوعية عملنا جيدة. فاللّٰه نفسه يؤدي عمله بشكل ممتاز. وقد منحنا مواهب ومقدرات شتى، وهو يريد ان نستخدمها لبلوغ اهداف جيدة. على سبيل المثال، اثناء بناء المسكن في اسرائيل القديمة، ملأ يهوه اشخاصا مثل بصلئيل وأهوليآب بالحكمة والفهم والمعرفة، ممكِّنا اياهما من انجاز مهمات فنية مهمة. (خروج ٣١:١-١١) وهذا يُظهِر ان اللّٰه اهتم بشكل خصوصي بطريقة انجاز عملهما وبجودة تصميمه والمهارة في صنعه، بالاضافة الى تفاصيل اخرى.
يتضمن ذلك مغزى عميقا يساعدنا ان نعتبر مقدراتنا الشخصية وعادات عملنا الجيدة هبات من اللّٰه لا يجب ان نستخف بها. فالمسيحيون يُنصَحون ان يقوموا بعملهم كما لو ان اللّٰه نفسه سيقيِّمه. يقول الكتاب المقدس: «مهما كنتم تفعلون، فاعملوه من كل النفس كما ليهوه، وليس للناس». (كولوسي ٣:٢٣) كما يوصى خدام اللّٰه ان يؤدوا عملهم بضمير حي. وبفعلهم ذلك يجعلون الرسالة المسيحية جذابة اكثر لزملاء العمل والآخرين. — انظر الاطار «تطبيق مبادئ الكتاب المقدس في مكان العمل».
على ضوء ما تقدَّم، يحسن بنا ان نسأل انفسنا: كيف هي نوعية عملنا وإلى اي حد نحن مجتهدون فيه؟ هل يُسَرّ اللّٰه بعملنا؟ وهل نحن راضون تماما عن طريقة انجازنا للمهمات المعيّنة لنا؟ اذا كان الجواب لا، فهنالك مجال للتحسين. — امثال ١٠:٤؛ ٢٢:٢٩.
وازِن بين العمل والروحيات. رغم ان الاجتهاد في العمل جدير بالثناء، هنالك عامل رئيسي آخر يساعدنا على نيل الاكتفاء في عملنا وفي الحياة، وهو الاهتمام بالروحيات. كان الملك سليمان عاملا مجتهدا، وقد تمتع بكل ما يمكن نيله في الحياة من غنى ورفاهية. ولكنه توصّل الى هذا الاستنتاج: «خفِ اللّٰه واحفظ وصاياه؛ لأن هذا هو واجب الانسان». — جامعة ١٢:١٣.
فمن الواضح انه علينا ان نأخذ في الاعتبار مشيئة اللّٰه في ايّ عمل نقوم به. فهل عملنا منسجم مع مشيئته ام مخالف لها؟ وهل نسعى الى ارضاء اللّٰه، ام نحاول فقط ارضاء انفسنا؟ اذا كنا لا نفعل مشيئة اللّٰه، فسنعاني في النهاية من اليأس والوحدة وستكون حياتنا بلا معنى.
اقترح ستيڤن بيرڠلاس على المديرين التنفيذيين المُنهَكين ان ‹يجدوا مسألة تروقهم ويجعلوها جزءا لا يتجزّأ من حياتهم›. وهل هنالك مسألة اهم من خدمة الاله الذي وهبنا المهارات والمقدرات الضرورية للقيام بعمل ذي معنى؟! وقيامنا بعمل يرضي خالقنا يمنحنا الاكتفاء والسرور. فالعمل الذي عيّنه يهوه ليسوع كان مفيدا وممتعا ومنعشا له كالطعام. (يوحنا ٤:٣٤؛ ٥:٣٦) فضلا عن ذلك، تذكّر ان اللّٰه — العامل الاسمى — يدعونا ان نصبح ‹عاملين معه›. — ١ كورنثوس ٣:٩.
ان عبادة اللّٰه والنمو الروحي يعدّاننا لنقوم بعملنا ونحمل مسؤولياتنا بطريقة تمنحنا الاكتفاء. صحيح ان مكان العمل غالبا ما يكون مليئا بالضغوط والخلافات والمتطلبات، لكنّ ايماننا الراسخ وروحياتنا تمنحنا القوة الضرورية فيما نجاهد ان نصبح مستخدَمين وأرباب عمل افضل. ومن ناحية اخرى، يمكن ان ينبِّهنا ما نشهده في هذا العالم الكافر للنواحي التي نحتاج فيها الى النمو في الايمان. — ١ كورنثوس ١٦:١٣، ١٤.
حين يكون العمل بركة
ان الذين يبذلون انفسهم في خدمة اللّٰه يمكن ان يتطلعوا الى الوقت عندما يردّ يهوه الفردوس الى البشر. حينئذ ستصبح الارض مليئة بعمل ذي معنى. تحدث نبي يهوه، اشعيا، عن الحياة آنذاك قائلا: «يبنون بيوتا ويسكنون فيها، ويغرسون كروما ويأكلون ثمرها. لا يبنون وآخر يسكن، ولا يغرسون وآخر يأكل. . . . وينتفع مختاريّ من عمل ايديهم كاملا». — اشعيا ٦٥:٢١-٢٣.
كم سيكون العمل بركة رائعة حينذاك! من الممكن ان تكون انت بين مبارَكي يهوه وأن ‹ترى الخير من كل كدِّك› اذا تعلّمت ما هي مشيئة اللّٰه المتعلقة بك وعملت بانسجام معها. — جامعة ٣:١٣.
-
-
العمل — بركة ام لعنة؟برج المراقبة ٢٠٠٥ | ١٥ حزيران (يونيو)
-
-
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
تطبيق مبادئ الكتاب المقدس في مكان العمل
يمكن لموقف المسيحي وسلوكه اثناء العمل ان يجعلا رسالة الكتاب المقدس جذابة لزملاء العمل وللآخرين ايضا. ففي رسالة بولس الى تيطس، ينصح الرسول الاشخاص الذين يشابه وضعهم وضع الموظفين اليوم ان ‹يكونوا خاضعين [للمشرفين عليهم] في كل شيء ويرضوهم، غير مجاوبين، غير سارقين، بل معربين عن كل وفاء صالح، لكي يزيِّنوا تعليم مخلصنا، اللّٰه، في كل شيء›. — تيطس ٢:٩، ١٠.
على سبيل المثال، لاحِظ ما كتبه رجل اعمال الى المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه: «أودّ برسالتي هذه ان اطلب الإذن لاستخدام اشخاص من شهود يهوه. فأنا اريد توظيفهم لأنني اعرف حق المعرفة انهم مستقيمون، مخلصون، جديرون بالثقة، ولا يغشّون في عملهم. ان الشعب الوحيد الذي اثق به هو شهود يهوه. فأرجو ان تساعدوني».
ثمة اخت مسيحية اسمها كايل تعمل في مدرسة خاصة كعاملة استقبال. ذات يوم، حصل سوء فهم بينها وبين زميلة لها جعل هذه الاخيرة تسبّها امام بعض التلاميذ. تتذكر كايل: «كان علي ان احرص لئلا احقِّر اسم يهوه». ففكرتْ مليًّا في الايام الخمسة التالية كيف تستطيع تطبيق مبادئ الكتاب المقدس. وتأملت في المبدإ المسجّل في روما ١٢:١٨: «إن كان ممكنا، فعلى قدر ما يكون الامر بيدكم، سالموا جميع الناس». فبعثت رسالة الكترونية الى زميلتها واعتذرت عن الخلاف الذي نشأ بينهما. كما طلبت منها ان تبقى بعد انتهاء دوام العمل ليتحادثا بغية فضّ المشكلة. بعد المحادثة، لانت الزميلة، معترفة بأن مبادرة كايل كانت حكيمة. وقالت لها: «لا بد ان الامر يتعلق بدينك». ثم عانقتها بحرارة وغادرتا المكان. فكيف شعرت كايل حيال ذلك؟ تذكر: «علينا دائما تطبيق مبادئ الكتاب المقدس، فهذا عين الصواب».
-