-
التزييف — مشكلة عالمية النطاقاستيقظ! ١٩٩٦ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
التزييف — مشكلة عالمية النطاق
حتى اواخر القرن الـ ١٨، كان الرجال في فرنسا يُعدمون بغليهم احياء لارتكابهم هذا الجُرم. وقد كانت جريمة تستحق عقوبة الاعدام في انكلترا من سنة ١٦٩٧ الى ١٨٣٢، واعتُبر عمل كهذا خيانة. وبسببه انتهى اكثر من ٣٠٠ انكليزي الى المشنقة، وعقابا عليه، نُفي عدد لم يُعلن عنه الى منطقة لحجز المجرمين في أوستراليا للعمل في الاشغال الشاقة.
لأكثر من ١٣٠ سنة، كانت حكومة الولايات المتحدة تحكم على مرتكبيه بقضاء مدة تصل الى ١٥ سنة خلف قضبان السجون الفدرالية. وبالاضافة الى العقاب، فُرضت غرامات بلغت الوف الدولارات. واليوم ايضا لا يزال يعاقَب عليه بالموت في روسيا والصين.
وعلى الرغم من العقوبات الصارمة التي تفرضها امم كثيرة بشأنه، لا تزال هذه الجريمة مستمرة. وحتى الخوف من الموت لم يكن كافيا لوضع حدّ لمشاريع الثراء السريع لذوي المهارات التقنية اللازمة. يقف رسميو الحكومات في حيرة، وهم يقولون: «يصعب ايجاد رادع جيد، وقد كان الامر كذلك طوال قرون.»
التزييف! احدى اقدم الجرائم في التاريخ. وفي هذا الوقت المتأخر من القرن الـ ٢٠، اصبح مشكلة عالمية النطاق وهي تستمر في التفاقم. وقال في هذا الشأن روبرت ه. جاكسون، قاضٍ مساعد في المحكمة العليا في الولايات المتحدة: «التزييف جُرْم لا يُرتكب عَرَضا، ولا بسبب الجهل، ولا في ذروة الغضب الشديد، ولا بسبب الفقر المدقع. انه جريمة يخطِّط لها ببراعة مَن يملك مهارة تقنية وهو ينفق مبالغ كبيرة على المعدات.»
ان العملة الاميركية، على سبيل المثال، يجري اصدارها حول العالم بصورة غير قانونية وبكمية اكبر من ايّ وقت مضى. «ان العملة الاميركية،» قال احد الناطقين بلسان الخزينة، «ليست فقط العملة المرغوب فيها اكثر في العالم. انما هي الاسهل تزييفا ايضا.» وما حيَّر الحكومة الاميركية هو ان معظم الاوراق النقدية المزيفة يجري اصدارها خارج الولايات المتحدة.
لاحظوا ما يلي: في سنة ١٩٩٢، صُودِر ما مقداره ٣٠ مليون دولار من الاوراق المالية المزيفة في الخارج، حسبما اخبرت مجلة تايم. وأضافت انه «في السنة الماضية، بلغ المجموع ١٢٠ مليون دولار، ويُتوقَّع ان يحطَّم هذا الرقم في سنة ١٩٩٤. وفي احيان كثيرة، يجري تداول تلك الكمية دون اكتشافها.» لا تروي هذه الارقام إلا جزءا من القصة. اذ يعتقد الخبراء بالتزييف ان كمية الدولارات المزوَّرة المتداوَلة خارج الولايات المتحدة يمكن ان تبلغ عشرة مليارات دولار.
ولأن بلدانا عديدة تفضل استخدام العملة الاميركية حتى اكثر من عملتها الخاصة — ولأن نَسْخها اقل تعقيدا، تقوم دول كثيرة وعناصر من عالم الجريمة المنظَّمة بتزييف العملة الاميركية. وفي اميركا الجنوبية، عملت المنظمات الكولومبية غير الشرعية (cartels) التي تدير تجارة المخدِّرات على تزوير العملة الاميركية لسنوات من اجل زيادة مدخولها غير الشرعي. والآن، تلعب بعض دول الشرق الاوسط ادوارا رئيسية في مهنة التزييف العالمية، كما اوردت اخبار الولايات المتحدة والتقرير العالمي. وأضافت المجلة ان احدى هذه الدول «يُقال انها تستعمل عمليات طباعة معقدة تشبه تلك التي تستعملها الخزينة الاميركية. ونتيجة لذلك، تستطيع فعليا ان تصدر اوراقا نقدية من فئة الـ ١٠٠ دولار لا يمكن كشفها، وتُعرف ‹بالاوراق النقدية الممتازة.›»
يبدأ الناس في روسيا، الصين، والبلدان الآسيوية الاخرى بالاشتراك في اصدار الاوراق النقدية المزيفة — وغالبا ما تكون العملة الاميركية. ويُشتبه في ان ٥٠ في المئة من العملة الاميركية المتداولة في موسكو اليوم هي مزيفة.
وعقب حرب الخليج في سنة ١٩٩١، حين كان هنالك تداول لمئات ملايين الدولارات الاميركية، اخبرت مجلة ريدرز دايجست، «ان المصرفيين العالميين صُدموا عندما وجدوا ان حوالي ٤٠ في المئة من اوراق الـ ١٠٠ دولار النقدية كانت مزيفة.»
وفرنسا لديها مشاكلها الخاصة المتعلقة بالمال المزيف، شأنها في ذلك شأن البلدان الاوروپية الاخرى. فتزييف المال ليس مشكلة اميركية فقط، كما تشهد لذلك امم اخرى حول الارض.
جعل التزييف سهلا
منذ سنوات قليلة، كان الامر يتطلَّب من الحِرفيين السريين — الفنيين، صانعي الكليشيهات، الذين يُعدّونها للطباعة، والطبَّاعين — ساعات طويلة من العمل والجهد لنسخ عملة دولة ما، مما ينتج في احسن الاحوال صورة رديئة عن النموذج. أما اليوم، بوجود الآلات الناسخة المتعددة الالوان ذات التقنية العالية، آلات الطباعة باللايزر التي تطبع على جانبي الورق، والآلات الماسحة (scanners) المتوافرة في المكاتب والبيوت، فيمكن تقنيا لأيٍّ كان تقريبا ان ينسخ العملة التي يختار.
فعصرنا هو عصر التزييف المكتبي! وما تطلَّب ذات يوم مهارات صانعي الكليشيهات والطبَّاعين المحترفين صار الآن في متناول عمال المكاتب والذين يستعملون اجهزة الكمپيوتر في بيوتهم. ان انظمة الطباعة المتصلة بأجهزة الكمپيوتر الشخصية والتي تكلف اقل من ٠٠٠,٥ دولار اميركي يمكنها الآن انتاج عملة مزيفة قد يصعب اكتشافها حتى من قبل الخبراء المتمرِّسين. وهذا يمكن ان يعني ان شخصا ما ممَّن يعوزهم المال يمكنه ان يستغني عن الذهاب الى اقرب آلة امين صندوق اوتوماتيكي ويطبع عملته الخاصة — من الفئات التي تلائم حاجاته! لقد صارت هذه الانظمة اسلحة فعَّالة في ايدي المزيِّفين العصريين. وقد ذكرت اخبار الولايات المتحدة والتقرير العالمي: «هؤلاء المجرمون الحاذقون يسجلون من خلال عملياتهم هذه انتصارات متكررة على السلطات التنفيذية ويمكن ان يشكِّلوا يوما ما تهديدا لعملات العالم الرئيسية.»
في فرنسا، على سبيل المثال، ١٨ في المئة من الـ ٣٠ مليون فرنك (٥ ملايين دولار) من المال المزيف الذي جرت مصادرته في سنة ١٩٩٢ أُنتج بواسطة آلات مكتبية. ويعتبر احد مديري مصرف فرنسا ان ذلك لا يهدِّد فقط النظام الاقتصادي بل ايضا الثقة العامة بالحكومة. وقد عبّر عن اسفه بقوله: «عندما يعلمون انه بإمكانك ان تنجح في تقليد ورقة نقدية بواسطة تقنية متوافرة لدى كثيرين من السكان، يمكن ان تُفقَد الثقة.»
وللمساهمة في الجهد المبذول لمكافحة فيض العملة المزيفة في اميركا والبلدان الاخرى، يجري تطوير تصاميم جديدة للاوراق النقدية. وفي بعض البلدان، يجري تداول اوراق نقدية جديدة. فعلى العملة الاميركية، مثلا، سوف تُكبَّر صورة بنيامين فرانكلين على ورقة الـ ١٠٠ دولار بمقدار نصف حجمها وسوف تنقل ثلاثة ارباع الانش الى جهة الشمال. «وسوف يخضع النقش والخصائص الوقائية الخفية لأربعة عشر تعديلا آخر،» وفقا لما اوردته ريدرز دايجست. ويجري التأمل ايضا في مجموعة من التغييرات الاخرى، كالعلامات الشفافة والحبر الذي يتغير لونه عند النظر اليه من زوايا مختلفة.
منذ فترة من الوقت، ادخلت فرنسا على تصميمها للاوراق النقدية روادع تزييف جديدة يؤمل ان تعيق الى حدّ ما المزيِّفين. ولكن يعترف ناطق بلسان مصرف فرنسا انه «لا توجد حتى الآن طريقة مضمونة تقنيا لهزم المزيِّفين المحتمَلين، ولكن يمكننا الآن ان نجمع في الورقة النقدية الواحدة عوائق كثيرة جدا بحيث يصير التزييف عملا صعبا ومكلفا جدا.» وهو يصف هذه العوائق بأنها «خط الدفاع الاول ضد التزييف.»
ومنذ مدة من الوقت، اجرت المانيا وبريطانيا العظمى تغييرات لضمان سلامة عملتيهما بإضافة خيوط وقائية الى الاوراق النقدية تجعل نسخها اصعب. ولورقة الـ ٢٠ دولارا الكندية مربع صغير لامع، يدعى سمة الضمانة البصرية، لا يمكن انتاج نسخة مطابقة له بواسطة الآلات الناسخة. وبدأت أوستراليا تطبع اوراقا نقدية پلاستيكية في سنة ١٩٨٨ لتُدرَج فيها خصائص وقائية لا يمكن ان يتضمنها الورق. وتستخدم فنلندا والنمسا رقائق معدنية انعراجية على العملة الورقية. وهي تومض ويتغير لونها كالمصوَّر التجسيمي (hologram). ومع ذلك، تخشى السلطات الحكومية ان لا يطول الوقت حتى يُجري المزيِّفون التعديلات اللازمة لمتابعة نشاطهم الاجرامي، وأن تصير جهودهم الجديدة غير مجدية، تماما كما كانت في ما مضى، أيًّا كانت الاجراءات التصحيحية التي يتخذونها. ذكر احد رسميي الخزينة: «كما يقول مثل قديم، انت تبني جدارا علوّه ٨ اقدام فيبني الاشرار سلّما ارتفاعه ١٠ اقدام.»
ان طبع المال المزيف هو مجرد وجه واحد لإبداع المزيِّفين، كما سنرى في المقالتين التاليتين.
-
-
بطاقات الائتمان وشيكات الراتب — اصلية أم مزيفة؟استيقظ! ١٩٩٦ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
بطاقات الائتمان وشيكات الراتب — اصلية أم مزيفة؟
كم هي ملائمة! انها صغيرة جدا، ويسهل حملها. انها تناسب تماما المحفظة الرجالية او حقيبة اليد النسائية. ودون ان تحمل سنتا واحدا في جيبك، يمكنك شراء اشياء كثيرة جدا. ان شركات الخطوط الجوية، شركات النقل البحري، الفنادق، والمنتجعات في كل مكان تشجع على استعمال بطاقة الائتمان وتعلن عنها. ويُنصح الناس: «لا تترك البيت دونها.» فبعض المصالح تفضلها على الدفع نقدا. وبخلاف المال النقدي، اذا سُرقت او فُقدت، يمكن اخذ بدل منها. انها مالك الشخصي، الذي يحمل في وجهه الامامي اسمك ورقم حسابك الخاص.
انتم تعرفونها بالمال الپلاستيكي — بطاقات الائتمان والنفقة. وفي سنة ١٩٨٥، استحدثت بعض المصارف علامات معقدة خاصة بها لمصوَّرات تجسيمية تبدو ثلاثية الابعاد بواسطة اللايزر، بالاضافة الى خصائص وقائية اخرى تتراوح بين شفرات خصوصية في الشريط المغناطيسي في الوجه الخلفي، وعلامة غير مرئية تظهر تحت الضوء فوق البنفسجي. كل ذلك يخدم كمانع للتزييف! ويُقدَّر ان اكثر من ٦٠٠ مليون بطاقة ائتمان يجري تداولها حول الارض.
ويُقدَّر ان خسائر العالم الناجمة عن الاشكال المتنوعة للغش المتعلق ببطاقات الائتمان في اوائل التسعينات كانت بليون دولار على الاقل. وبين تلك الاشكال المتنوعة يُقال ان التزييف هو الاسرع نموًّا — اذ انه مسؤول على الاقل عن ١٠ في المئة من مجموع الخسائر.
في سنة ١٩٩٣، على سبيل المثال، كلف التزييف المصارف المتعاقدة مع احدى اكبر شركات بطاقات الائتمان ٨,١٣٣ مليون دولار، اي زيادة ٧٥ في المئة على السنة السابقة. وثمة شركة رئيسية اخرى في مجال بطاقات الائتمان، ذات اهمية عالمية، ذكرت ايضا انها مُنيت بخسائر مذهلة بسبب التزييف. كتبت احدى الصحف النيوزيلندية: «ان ذلك يجعل تزييف البطاقات مشكلة كبيرة ليس فقط بالنسبة الى المصارف، شركات البطاقات والتجار الذين يقبلونها بل ايضا بالنسبة الى المستهلكين حول العالم.» وفيما لا يتحمل حاملو البطاقات الشرعيون مسؤولية الخسائر، تنتقل التكاليف بصورة حتمية الى المستهلكين.
وماذا عن الخصائص الوقائية التي وقفت عقبة في طريق المزيِّفين — كالمصوَّرات التجسيمية المصنوعة بواسطة اللايزر والشرُط المغناطيسية ذات الشفرات الخصوصية؟ لم تكد تنقضي سنة واحدة على استحداث تلك الخصائص حتى ظهر اول تزييف غير متقن. وبعيد ذلك، جرى نسخ جميع الخصائص الوقائية او تقليدها. «عليكم ان تحسِّنوا دائما،» قال احد مديري مصرف في هونڠ كونڠ. «فاللصوص يحاولون دائما التفوق عليكم.»
والجدير بالذكر ان نصْف جميع الخسائر الناجمة عن تزوير البطاقات في اوائل التسعينات حدث في آسيا، بحسب قول الخبراء، ونحو نصفها جرى في هونڠ كونڠ. وقد صرّح احد الخبراء بأن «هونڠ كونڠ في عالم تزييف بطاقات الائتمان، هي كپاريس في عالم تصميم الازياء.» واتهم آخرون هونڠ كونڠ بأنها عاصمة تزييف الاعتمادات في العالم — «مفترق الطرق ‹لمثلث الغش في بطاقات الائتمان› الذي يشمل ايضا تايلند، ماليزيا، والآن الصين الجنوبية.» «تقول شرطة هونڠ كونڠ ان النقابات المحلية المتصلة بمجتمعات الإجرام السرية الصينية تحفر، تنقش وتصنع الشفرات في البطاقات المزيفة مستعملةً ارقاما يزوِّدها البائعون الفاسدون. ثم ترسل البطاقات المزيفة الى الخارج،» هذا ما اوردته الصحيفة النيوزيلندية.
في كندا، «اشترى افراد عصابة آسيوية آلة لنقش بطاقات الائتمان، وهي تُستخدم الآن لصنع بطاقات ائتمان مزيفة. وتطبع الآلة ٢٥٠ بطاقة ائتمان في الساعة، وتعتقد الشرطة انه جرى استخدامها في عملية احتيال بلغت ملايين كثيرة من الدولارات،» هذا ما اوردته صحيفة ڠلوب اند مايل الكندية. وفي السنوات القليلة الاخيرة، جرى توقيف صينيين من هونڠ كونڠ وهم يستعملون بطاقات ائتمان مزيفة في ٢٢ بلدا على الاقل من النمسا الى أوستراليا، بما فيها ڠوام، ماليزيا وسويسرا. ويكثر الطلب بشكل خاص على بطاقات الائتمان اليابانية، لأنها تمنح اعلى حدود الانفاق لمستخدِميها.
ان فيض التقارير عن بطاقات الائتمان المشتبَه فيها والمزيفة يعني، كما قال مدير مصرف كندي، «ان الشركات التي تُصدرها تجبَر على توزيع كلفة الاحتيال المتزايد على مستخدِمي البطاقات.» وللأسف، هذا ما يحدث فعلا. يمكن ان تكون بطاقة الائتمان وسيلة ملائمة فعلا وفي وقتها عندما لا يكون مع مستخدِمها ما يكفي من المال نقدا. ولكن تذكروا ان كل ما يريده المزيِّفون هو رقم حسابكم وتاريخ انتهاء صلاحية بطاقتكم ليستمروا في العمل. «انها مال پلاستيكي،» حذر رئيس اقليمي لقسم الخصائص الوقائية في شركة اميركان اكسپرس انترناشونال، «ولكن يحسن بالناس ان يتعاملوا بها بالحذر عينه الذي يمارسونه عند التعامل بالمال النقدي.»
«نظامها ممتلئ بمواطن ضعف،» كما قال احد المراقبين التابعين للشرطة. وأضاف عن المزيِّفين، «لقد وجد الانذال كلًّا منها واستغلوه بلا رحمة.»
تزييف الشيكات
بحلول عصر الطباعة المكتبية التي يمكنها ان تصنع فعليا نسخة طبق الاصل لا عيب فيها لأيّ ورقة نقدية، كان ما تبع ذلك امرا لا بد منه. فيمكن الآن ان يصنع المزوِّرون نسخا طبق الاصل لوثائق لا تحصى: جوازات السفر، شهادات الميلاد، بطاقات الهجرة، شهادات الاسهم، طلبات الشراء، وصفات الادوية، ومجموعة كبيرة من الوثائق الاخرى. لكنَّ الربح الاعظم يجري كسبه من صنع نسخ طبق الاصل لشيكات الراتب.
التقنية بسيطة جدا. فما ان يقع شيكُ راتبٍ من شركة كبيرة لها ودائع بملايين الدولارات في مصارف محلية او في مختلف انحاء البلاد بين يدي المزيِّف، حتى يصير مستعدا لمباشرة عمله. وبواسطة مطبعته المكتبية، وماسح ببقعة متحركة (optical scanner)، وأجهزة الكترونية اخرى متوفرة لديه، يمكنه تغيير الشيك ليناسب غرضه — مغيِّرا التاريخ، مستبدلا اسم المستفيد باسمه، مضيفا اصفارا الى القيمة بالدولار. ثم يطبع الشيك المعدل على طابعته اللايزرية، مستخدما ورقا اشتراه من اقرب متجر للقرطاسية بلون الشيك نفسه. وإذ يطبع عشرات الشيكات المزوَّرة او اكثر في الوقت عينه، يمكنه صرفها في ايٍّ من فروع المصرف في اية مدينة.
ان تزايد تزييف الشيكات بهذه الوسيلة البسيطة والقليلة الكلفة يفوق التصور، ويقول مديرو المصارف ومنفذو القانون ان الخسارة التي يتكبدها الاقتصاد يمكن ان تبلغ بليون دولار اميركي. وذكرت نيويورك تايمز انه في قضية بلغت فيها الوقاحة الذروة، جالت عصابة، مركزها في لوس انجلوس، في البلاد صارفةً ألوفا من شيكات الراتب المزيفة في المصارف، وقد جاوزت قيمتها المليوني دولار. ويقدِّر محلِّلو النشاط الصناعي ان مجموع الخسائر السنوية الناجمة عن تزييف الشيكات بلغ الآن ١٠ بلايين دولار في الولايات المتحدة وحدها. «ان المشكلة الجنائية الاولى لدى المؤسسات المالية،» قال ضابط في مكتب التحقيقات الفدرالي FBI، «هي تزييف السندات القابلة للتداول، مثل تزوير الشيكات وتزوير الحوالات المالية.»
-
-
ايها المشترون احذروا! قد يكلِّفكم التزييف حياتكماستيقظ! ١٩٩٦ | آذار (مارس) ٢٢
-
-
ايها المشترون احذروا! قد يكلِّفكم التزييف حياتكم
يسهل خداع الضحايا غير المدرَّبين والغافلين. فالساعة التي تبدو غالية الثمن والتي يعرضها عليكم بائع في الشارع بسعر ادنى من سعرها الحقيقي — هل هي اصلية أم مزيَّفة؟ هل تشترونها؟ ومعطف الفرو الفاخر الذي يُعرض عليكم من نافذة سيارة في شارع فرعي — فالبائع يؤكد انه من فرو المِنْك الغالي الثمن. هل يمنعكم جماله وسعره المنخفض من ممارسة التمييز؟ والخاتم الماسيّ في اصبع الزوجة المطلَّقة حديثا — التي صارت بلا مال ولا بيت، وتنتظر وصول القطار في محطة المترو في نيويورك — بإمكانكم الحصول عليه مقابل القليل من المال. فهل تعتقدون انه من المؤسف ان لا تتمّ الصفقة؟ بما ان هذه الاسئلة تُطرح في هذه المقالة التي تعالج موضوع التزييف، ونظرا الى الظروف المستعرَضة، فمن المرجح ان يكون جوابكم هو «كلا!»
ولكن دعونا نغيِّر الاماكن والظروف، ولنرَ ماذا سيكون جوابكم. ماذا عن حقيبة اليد الغالية الثمن التي تحمل اسم مصمِّم شهير والمعروضة للبيع في متجر شرعي بسعر مخفَّض ومغرٍ؟ وماذا عن الويسكي الشهيرة التي تُباع في محل قريب للمشروبات الكحولية؟ هنا لا توجد مشكلة بالتأكيد. تأملوا ايضا في الفيلم ذي الماركة التجارية المعروفة الذي يُباع بسعر مخفَّض في متجر او في محل للتصوير. ولنقل هذه المرة ان الساعة الثمينة التي تساوي آلاف الدولارات يعرضها عليكم متجر محترم لا بائع في الشارع. وقد خُفض سعرها كثيرا. فإذا كنتم مهتمين بشراء ساعة ثمينة، فهل تشترون هذه الساعة؟ وهنالك ايضا ماركات الاحذية الشهيرة التي تُباع بأسعار مغرية جدا في متجر دلَّكم عليه اصدقاؤكم. هل انتم متأكدون انها ليست بضاعة رخيصة تقلِّد البضاعة الاصلية؟
وفي عالم الفن، في معارض الرسم الراقية، يشتري جامعو التحف الفنية الثمينة رسوما كثيرة بواسطة البيع بالمزاد. ولكن يحذِّر خبير فني: «احترزوا. فحتى الخبراء الذين لديهم سنوات طويلة من الخبرة يُخدعون. وهذا ما يحدث مع البائعين، وكذلك امناء المتاحف.» وهل لديكم معرفة واسعة جدا بحيث لا يفوقكم المزيِّفون المحتمَلون دهاءً؟ احذروا! فكل السلع المصوَّرة هنا قد تكون مزيَّفة. وغالبا ما تكون كذلك. وتذكروا انه اذا كانت السلعة نادرة وذات قيمة كبيرة، فسيحاول شخص ما في مكان ما ان يزيِّفها.
ان تزوير السلع مشروع تجاري عالمي يكلِّف ٢٠٠ بليون دولار اميركي، و «نموّه اسرع من كثير من الصناعات التي يزوِّرها،» كما كتبت مجلة فوربْز. وتزييف قطع السيارات يحرم صانعي السيارات والمورِّدين الاميركيين مداخيل سنوية تبلغ ١٢ بليون دولار حول العالم. ذكرت المجلة: «تقول شركات السيارات الاميركية انه اذا تمكنَت من اخراج مورِّدي القطع المزيَّفة من السوق، فبإمكانها ان تستخدم ٠٠٠,٢١٠ شخص.» وتذكر التقارير ان نحو نصف المصانع المزيِّفة تقع خارج الولايات المتحدة — في كل انحاء العالم تقريبا.
بضائع مزيَّفة يمكن ان تتسبَّب بالموت
هنالك بعض انواع المنتجات المزيَّفة التي تسبب اضرارا جمة. فالعزقات والبراغي المستوردة تشكِّل ٨٧ في المئة من الـ ٦ بلايين دولار للسوق الاميركية. ولكنَّ الادلة الحالية تشير الى ان ٦٢ في المئة من كل هذه المثبِّتات تحمل اسماء ماركات تجارية ملفَّقة او اختاما تصنيفية غير شرعية. ووجد تقرير وضعه مكتب المحاسبة العام GAO سنة ١٩٩٠ ان ما لا يقلّ عن ٧٢ «محطة نووية [اميركية] لتوليد الطاقة استخدمت مثبِّتات لا تفي بالشروط القانونية، وبعضها استُعمل في انظمة لاغلاق المفاعل في حال وقوع حادث نووي. والمشكلة تزداد سوءا، كما يقول GAO. . . . ولا يُعرف حجم المشكلة ولا الكلفة التي يتحملها دافعو الضرائب او الاخطار المحتملة الناتجة من استعمال منتجات [رديئة] كهذه،» كما اخبرت فوربْز.
وقام مقاولون عديمو الضمير بتزييف براغيّ فولاذية وتهريبها الى الولايات المتحدة، علما بأن قوة هذه البراغي لا تفي بالغرض الذي تُستعمل من اجله. وبحسب مجلة الطريقة الاميركية، «يمكن ان تهدِّد سلامة ابنية المكاتب، محطات توليد الطاقة، الجسور والمعدات العسكرية.»
وقد نُسب الى بطائن المكابح المزيَّفة تحطُّم باص في كندا قبل بضع سنوات، مما اودى بحياة ١٥ شخصا. وذكرت التقارير ان قطعا مزيَّفة وُجدت في اماكن لا يُحتمل وجودها فيها، كما في طائرات عسكرية مروحية ومكوك فضائي اميركي. قال محقق بارز في قضايا التزييف: «عندما تتحدثون عن ساعة كارتييه او رولكس مزيَّفة، يكون موقف المستهلك العادي مختلفا كثيرا عن موقفه عندما تكون الصحة والسلامة في خطر.»
ان قائمة السلع المزيَّفة التي يُحتمل ان تشكِّل خطرا على المرء تضمّ آلات ضبط نبض القلب التي بيعت لـ ٢٦٦ مستشفى اميركيا، حبوبا مقلَّدة لتحديد النسل أُنزلت الى السوق الاميركية سنة ١٩٨٤، ومبيدات فطر يتألف معظمها من الطباشير اتلفت محصول البن في كينيا سنة ١٩٧٩. وهنالك ايضا انتشار العقاقير المقلَّدة التي تهدد حياة المستهلكين. وقد يذهلكم عدد الوفيات الناتجة من ادوية مزيَّفة في العالم.
ويتزايد القلق بشأن الاجهزة الكهربائية المنزلية الصغيرة المزيَّفة. ذكرت مجلة الطريقة الاميركية: «يحمل بعض هذه المنتجات اسماء تجارية مزيَّفة او تراخيص مزوَّرة من منظمة ‹أندِرّايترز لابوراتوريز› [التي تختبر مثل هذه المنتجات للتأكد من سلامتها].» وقال احد مهندسي السلامة: «لكنها لا تفي بشروط السلامة نفسها، ولذلك تنفجر، تسبب حرائق منزلية وتجعل كامل التمديدات الكهربائية خطرة.»
وفي الولايات المتحدة وأوروپا تتنبه شركات الطيران للخطر ايضا. ففي المانيا، مثلا، وجدت شركات الطيران قطع غيار مزيَّفة للمحركات والمكابح في مخزونها. وقال احد مسؤولي النقل ان التحقيقات «جارية في اوروپا وكندا والمملكة المتحدة، حيث وُجدت علاقة بين استعمال قطع غير موافَق عليها (عزقات عمود ادارة مروحة الذيل) ووقوع حادث مميت تحطمت فيه طائرة مروحية مؤخرا.» وأخبر ملخص سلامة الطيران ان «الموظفين الحكوميين صادروا كميات كبيرة من قطع المحرِّكات النفّاثة المزيَّفة، مجموعات قطع المكابح المقلَّدة، البراغي والمثبِّتات الرديئة النوعية، قطع الغيار الرديئة التي تُستعمل في نظامَي الوقود والطيران، قطع غير موافَق عليها لاجهزة القياس المستخدَمة في مقصورة القيادة ولمكوِّنات كمپيوتر التحكم في الطيران، وهي قطع ضرورية جدا لضمان سلامة الطيران.»
في سنة ١٩٨٩ كانت هنالك طائرة مستأجَرة تقوم برحلة من النروج الى المانيا، فأخذت فجأة بالانحدار بسرعة من ارتفاعها البالغ ٠٠٠,٢٢ قدم (٦٠٠,٦ م). فتمزق الذيل اربا اربا، مما جعل الطائرة تهوي بقوة حتى ان جناحَيها انفصلا. وقُتل الـ ٥٥ شخصا الذين كانوا على متنها. وبعد ثلاث سنين من التحقيقات، اكتشف خبراء الطيران النروجيون ان هذا التحطم ناتج من النوعية الرديئة لبراغيّ تدعى مسامير تثبيت، مهمتها تثبيت ذيل الطائرة بجسمها. وأظهر تحليل الاجهاد ان البراغي كانت مصنوعة من معدن اضعف من ان يتحمل قوى الارتجاج الناتجة من الطيران. كانت مسامير التثبيت الرديئة مزيَّفة — كلمة يعرفها جيدا خبراء سلامة الطيران في كل مكان، لأن التزييف مشكلة متفاقمة تعرِّض حياة طواقم الطائرات وركابها للخطر.
عندما قابل التلفزيون الوطني المراقِبة العامة لوزارة النقل في الولايات المتحدة، قالت: «جميع شركات الطيران تلقَّت قطع غيار مزيَّفة. انها متوفرة عندها كلها. وكلها واقعة في مشكلة.» وتعترف الشركات، كما اضافت، «انه لديها على الارجح ما تُقدَّر قيمته ببليونَي دولار الى ثلاثة بلايين دولار من القطع غير الصالحة للاستعمال في مخزونها.»
وفي المقابلة نفسها كان هنالك مستشار في سلامة الطيران قدَّم آراءه لمكتب التحقيقات الفدرالي FBI بشأن العمليات السرية المختلفة التي تشمل قطع الغيار المزيَّفة، وحذَّر ان القطع المزيَّفة تمثِّل خطرا حقيقيا. قال: «اعتقد انه من المتوقع رؤية كارثة كبيرة في الطيران يوما ما في المستقبل القريب نتيجة لذلك.»
ان يوم الحساب قريب للذين يسمح لهم جشعهم بأن يضعوا مصلحتهم الانانية قبل حياة الآخرين. فكلمة اللّٰه الموحى بها تذكر بشكل قاطع ان الجشعين لن يرثوا ملكوت اللّٰه. — ١ كورنثوس ٦:٩، ١٠، عج.
-