-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٩٠ | ايار (مايو) ٨
-
-
في العقود القليلة الاخيرة اختار الانسان نمط حياة أدّى الى تلوُّث خطير لغلاف الارض الحيوي — فالتربة، الانهار، المحيطات، والغلاف الجوي قد تسمَّمت. والمشكلة هي حقا دولية. وكما أعلن البابا في رسالته ليوم السلام العالمي (١ كانون الثاني ١٩٩٠): «في حالات كثيرة تتجاوز تأثيرات المشاكل البيئية حدود الدول الافرادية؛ لذلك فإن حلّها لا يمكن ان يوجد على الصعيد القومي فقط.» — L’Osservatore Romano، ١٨-٢٦ كانون الاول ١٩٨٩.
ان عدم مبالاة الانسان بمستقبله يتباين مع اهتمام اللّٰه بالارض التي، على الرغم من كل شيء، هي خليقته وملْكه. (اشعياء ٤٥:١٨) فهل الارض النظيفة امر ممكن؟ وإذا كان الامر كذلك فكيف ومتى؟ ان سلسلتنا لمقالات الغلاف تجيب عن هذه الاسئلة.
-
-
ارض نظيفة — نحتاج اليهااستيقظ! ١٩٩٠ | ايار (مايو) ٨
-
-
ارض نظيفة — نحتاج اليها
بواسطة مراسل استيقظ! في بريطانيا
هل تعلمون ان سائقي سيارات الاجرة في لندن يُلزمهم القانون ان يحفظوا سياراتهم نظيفة؟ والفشل في فعل ذلك قد يؤدّي الى حظر شوارع المدينة عليهم فترة من الوقت. وحتى عندما تكون احوال الطريق سيئة وتبقى معظم السيارات وسخة اياما متتالية تكون سيارة الاجرة في لندن نظيفة من غير لطخة. وسطح العربة اللامع يثير في السائق والركّاب معه مشاعر الفخر والسرور.
وعلى نحو مماثل، عندما يكون بيتنا، ثيابنا، وأمتعتنا نظيفة يعزِّز ذلك فينا شعورا بالعافية. والويل للتلميذ الذي تراه امه يأتي الى البيت ويترك اثر الوحل على السجادة من جزمته الوسخة!
وفي الواقع، ان الصحة الجيدة تعتمد اعتمادا كبيرا على النظافة الشخصية. فجسدنا يتطلَّب العناية والنظافة القانونيتين لإزالة الوسَخ الذي يزوِّد موطئ قدم للمرض. والشركات التجارية تجني ارباحا طائلة من بيع مواد التنظيف، مزيلات الاوساخ، مواد التلميع، الصابون، مستحضرات غسل الشعر، والمطهِّرات التي نستعملها لنحفظ انفسنا والجوار القريب نظفاء. وبالتأكيد يعي معظم الناس الحاجة الى النظافة. أمّا اذا كنتم تسكنون في المدينة فأنتم تعرفون ان ذلك ليس كامل القصة.
الخطر — التلوُّث
يشعر سكان المدينة جيدا بالتلوُّث والبيئة المدنَّسة. فهم يرون ذلك في النفايات غير المجموعة، في القُمامة المتروكة بإهمال في الشوارع، وفي الخربشة البذيئة على الابنية العامة. ويشمّون ذلك في الدخان الخانق من حركة المرور المزدحمة وفي الضباب الدخاني اللاذع الذي يجتاح بعض المدن.
وربَّما من اجل ذلك يحاول كثيرون ممَّن يسكنون المدن ان يقضوا بين الحين والآخر وقتا في الريف. فيتمتَّعون بمَلء رئاتهم من الهواء النقي وربَّما ايضا يشربون المياه الصافية كالبلّور من جدول ماء جبلي. ويفضِّل آخرون الذهاب الى الشاطئ والاسترخاء على الرمل او التبرُّد بغطَّة ممتعة في المحيط.
ولكنْ، تمهَّلوا لحظة! فالوسَخ والتلوُّث يكمنان هناك ايضا. ‹كيف يمكن ان يكون ذلك؟› تسألون. ‹انها تبدو نظيفة جدا.› حسنا، دعونا ننظر عن كثب اكثر بقليل الى ذلك الهواء «النقي» والمياه «الصافية.»
-
-
التلوُّث — مَن يسبِّبه؟استيقظ! ١٩٩٠ | ايار (مايو) ٨
-
-
التلوُّث — مَن يسبِّبه؟
«هذه الجزيرة ملْك للحكومة تحت التجربة. اليابسة ملوَّثة بالجمرة الخبيثة وخَطِرة. النزول الى البر ممنوع.»a هذه اللافتة الموضوعة في البر الرئيسي الاسكتلندي مقابل جزيرة ڠْرِنْيَرْد تنبِّه الراغبين في الزيارة ان يبتعدوا. وطوال السنوات الـ ٤٧ الماضية، منذ التفجير التجريبي للاسلحة البيولوجية خلال الحرب العالمية الثانية، تُلوِّث هذه الجزيرةَ الجميلة العواملُ المَرَضية للجمرة الخبيثة.
ان جزيرة ڠْرِنْيَرْد هي مثال متطرِّف للتلوُّث. ولكنّ الاشكال الاقلّ خطورة لتلوُّث اليابسة هي مشكلة واسعة الانتشار ونامية.
تلوُّث اليابسة في ازدياد
ان احد مسبِّبات تلوُّث اليابسة هذا هو النفايات. مثلا، ان العائلة البريطانية العادية المؤلَّفة من اربعة اشخاص، بحسب ذا تايمز اللندنية، ترمي ١١٢ پاوندا من المعدن و ٩٠ پاوندا من الپلاستيك كل سنة، «والكثير منها يشوِّه تشويها اضافيا الشوارع، جوانب الطرق، الشواطئ ومناطق الاستجمام.»
وأخبرت المجلة الفرنسية GEO انه في وقت من الاوقات بلغ ارتفاع مرمى النفايات الهائل الحجم في انتْرِسّن خارج مرسيليا، فرنسا، ٢٠٠ قدم واجتذب ما يقدَّر بـ ٠٠٠,١٤٥ نورس (طائر بحري). والسياج المستدير السلكي حول المرمى لم يمنع الريح من نثر الورق وسَقَطِ الپلاستيك. ونتيجة لذلك، اشترت السلطات المحلية كل الـ ٧٤ أكرا من الارض الزراعية المتاخمة في محاولة لتطويق مشكلة القُمامة.
ولا عجب انه في تنظيم السنة الاوروپية للبيئة — التي انتهت في آذار ١٩٨٨ — وجد مندوب EEC ستانلي كلينتن دايڤيس ان قائمة مشاكل التلوُّث «غير محدودة.»b وبناء على ذلك، جرى التخطيط لحملة تشجِّع على اعادة استعمال الفضلات بهدف تكرير ٨٠ في المئة من الـ ٠٠٠,٠٠٠,٢٠٠,٢ طن من نفايات المجموعة كل سنة.
ان التلوُّث بالنفايات ليس ابدا قصرا على اوروپا الغربية. فهو الآن عالمي. وبحسب مجلة العالِم الجديد كان من الضروري ايضا تنظيف قارة أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية) النائية. فقد جمع علماء الابحاث الاوستراليون اكثر من ٤٠ طنا من الآلات ومواد البناء المرمية التي كانت مبعثرة قرب قاعدتهم. وتخبر ذا نيويورك تايمز (١٩ كانون الاول ١٩٨٩) ان الاميركيين في محطة ماكمردو، أنتاركتيكا، ينظِّفون ٣٠ سنة من النفاية المتراكمة، بما في ذلك جرّارة وزنها ٠٠٠,٧٧ پاوند غائصة في ٨٠ قدما من الماء.
نعم، على الارض اليابسة، يكثر التلوُّث والتلويث. ولكن ماذا عن مياه الارض؟
المياه الوسخة — غير صالحة للحياة
«انهار بريطانيا تصير أوسخ لأول مرة في اكثر من ربع قرن،» قالت ذي اوبزرڤر. «كاتيڠات [مضيق بين السويد والدنمارك] ينازع. وبسرعة يصير غير قادر على دعم حياة السمك لأنه مُلوَّث جدا ويُعوزه الاكسيجين،» اخبرت ذا تايمز اللندنية. «انهار پولندا تصير بسرعة مجارير مفتوحة والقليل من التحسين بادٍ للعيان.» — ذا ڠارديان.
وشهد تشرين الثاني ١٩٨٦ كارثةَ تلوُّثٍ وصفتها دايلي تلڠراف اللندنية بأنها «اغتصاب لمجرى المياه الاعظم والاكثر سحرا في اوروپا الغربية.» فقد استقدم حريق خطير في مصنع كيميائي في بازل، سويسرا، الاطفائيين الذين أطفأوا اللهب بخراطيم المياه. وبغير تعمُّد جرفوا من ١٠ الى ٣٠ طنا من المواد الكيميائية ومبيدات الآفات الى الرّاين، مسبِّبين «تشيرنوبيل صناعة استثمار المياه.» وقد تصدَّرت هذه الحادثة العناوين الرئيسية. ولكن، ما لا يخبَر به عادة هو الواقع ان الفضلات السامة تُلقى على نحو قانوني في الرّاين بدرجة ذات وقع أقلّ.
والتلوُّث المنقول بالماء ليس قصرا على المنطقة التي هي حول مصدره. فعلى بعد اميال يمكن لتأثيراته ان تكون مميتة. فأنهار اوروپا التي تصبّ في بحر الشمال تنقل الدهان، مبيِّضات معجون الاسنان، الفضلات السامة، والزبل بكميات هائلة حتى ان المعهد الهولندي لاستقصاء مصايد الاسماك يصنِّف سمك بحر الشمال المفلطحَ بأنه غير صالح للاكل. وتُظهر الدراسات الاستطلاعية ان ٤٠ في المئة من سمك التِرْس من المناطق الضحلة لديه امراض جلدية او اورام سرطانية.
مَن هو الملوم على تلويث كهذا؟ كثيرون يتَّهمون الصناعة، التي يفوق طمعها في الارباح الى حدّ بعيد الاهتمام بالبيئة. ولكنَّ المزارعين ايضا مذنبون بتلويث الجداول والانهار قرب ارضهم. فاستعمالهم المتزايد للاسمدة الآزوتية يمكن الآن ان يجعل الصَّرْف السطحي runoff من العلف المطمور silage مميتا.
والافراد ايضا يستعملون الانهار كمكان لرمي الحُثالة. فنهر مَرْزي، بحوض تصريف catchment area في المنطقة الشمالية الغربية من انكلترا، يُقال انه الاقذر في اوروپا. «الآن، وحده الاحمق او العديم الوعي يسبح في مَرْزي،» علَّقت دايلي پوست ليڤرپول، وأضافت: «ايُّ تعيس الحظ كفايةً ليقع في النهر يرجَّح ان يؤخذ مريضا الى المستشفى.»
وأقذار المجارير غير المعالَجة ايضا تَظهر على نحو بارز بين مقوِّمات التلوُّث البحري. فالبحر على موازاة احد الشواطئ الانكليزية الشعبية لأيام العطلة يُقال انه يحتوي على ما يوازي «ملء كوب من اقذار المجارير غير المعالَجة في حوض الاستحمام المنزلي العادي،» متجاوزا الحدّ الاقصى لـ EEC بأربعة اضعاف.
ثم هنالك خطر آخر؛ وهذا يسقط من السماء.
المطر الحمضي — تهديد مقلق
في وقت من الاوقات كان الناس في انكلترا يموتون بسبب تنفُّس الهواء — او بالاحرى، الضباب الدخاني. واليوم، فإن الوفيات من تلوُّث كهذا نادرة. وضباب لندن الدخاني، الذي قتل ما يقدَّر بـ ٠٠٠,٤ في ١٩٥٢، لم يعد تهديدا. وبعض محطات التوليد التي تحرق الفحم والتي كانت تسبِّب الضباب الدخاني نُقلت الى الريف وجُهِّزت بمداخن عالية وفي بعض الحالات بأجهزة غسل الغاز لإزالة نسبة كبيرة من الغازات المميتة جدا.
لكنَّ ذلك لم يوقف تلويث الغلاف الجوي. فالمداخن الطويلة ربَّما ازالت الخطر من المنطقة المجاورة. ولكن الآن، تنقل الرياح السائدة المواد الملوِّثة بعيدا جدا — وغالبا الى بلدان اخرى. ونتيجة لذلك، تعاني اسكنديناڤيا من جرّاء التلوُّث البريطاني، ويشير أناس كثيرون الى بريطانيا بصفتها «عجوز اوروپا الوسخ.» وبطريقة مماثلة، فإن صناعة الغرب الاوسط في الولايات المتحدة تسبِّب الكثير من مشكلة المطر الحمضي في كندا.
وطوال سنوات يوجِّه العلماء اصبع الاتِّهام الى ثنائي اكسيد الكبريت بصفته المتَّهَم الرئيسي المسؤول عن تلوُّث الهواء الذي يسبِّب المطر الحمضي. وفي سنة ١٩٨٥ ادَّعى درو لويس، المبعوث الرئاسي للولايات المتحدة في المَهامّ الكندية الاميركية المتعلِّقة بالمطر الحمضي: «ان القول ان المواد الكبريتاتية لا تسبِّب المطر الحمضي هو كالقول ان التدخين لا يسبِّب سرطان الرئة.» وكما يبدو، عندما يحتكّ ببخار الماء، ينتج ثنائي اكسيد الكبريت حمض الكبريت، الذي يمكن ان يحمِّض المطر او يتجمَّع في قطيرات السُّحُب، غاسلا بالتالي الغابات المرتفعة بالرطوبة المميتة.
وإذ يسقط المطر الحمضي، او اسوأ، اذ يذوب الثلج الحمضي، تتأثَّر التربة في الاسفل. وقد استنتج العلماء السويديون الذين اعادوا دراسةً من سنة ١٩٢٧ انه بعمق ٢٨ إنشا ارتفعت حموضة تربة الغابة عشرة اضعاف. وهذا التغيير الكيميائي يؤثِّر على نحو خطير في قدرة النبتة على امتصاص المعادن الحيوية، كالكلسيوم والمڠنيزيوم.
اي تأثير هنالك لكل ذلك في الانسان؟ انه يعاني عندما تصير البحيرات والانهار، التي كانت سابقا تعجّ بالحياة، حمضية وعديمة الحياة. وفضلا عن ذلك، يستنتج العلماء النروجيون من دراساتهم ان حموضة الماء المتزايدة، سواء في البحيرات او في التربة، تذيب الألمنيوم. وهذا يشكِّل مجازفة صحية قطعية. فقد لاحظ العلماء وجود «علاقة واضحة بين احصاءات معدَّل الوفيات المرتفع وتراكيز concentrations الألمنيوم المتزايدة» في الماء. والصِلات المحتملة بين الألمنيوم ومرض الزهيمر Alzheimer’s disease وعلل المسنين الاخرى تستمر في الانذار بالخطر.
صحيح انه في مناطق كنهر مَرْزي في بريطانيا ومرمى نفايات انتْرِسّن في فرنسا قد صُنعت الجهود لتحسين الحالة. لكنّ هذا النوع من المشكلة لا ينصرف. وهو يظهر ثانية في كل العالم. ولكنْ هنالك ايضا نوع آخر من التلوُّث — غير منظور.
الأوزون — العدوّ غير المرئي
ان احراق الوَقود الأُحفوري، سواء في محطات التوليد او في الافران المنزلية، يُنتج مواد ملوِّثة اخرى بالاضافة الى ثنائي اكسيد الكبريت. وهذه تشمل اكاسيد النتروجين والهيدروكربونات غير المحترقة.
والرأي العلمي الآن يضع المزيد من اللوم في تلوُّث الهواء على اكاسيد النتروجين هذه. فبفعل أشعة الشمس تساعد على انتاج غاز مميت، الأوزون. «الأوزون هو ملوِّث الهواء الاكثر اهمية الذي يؤثِّر في النبات في الولايات المتحدة،» اعلن دايڤيد تينڠي من وكالة الحماية البيئية في الولايات المتحدة. وقد قدَّر ان ذلك يكلِّف بلاده ٠٠٠,١ مليون دولار سنويا في سنة ١٩٨٦. وخسارة اوروپا قُدِّرت آنذاك بـ ٤٠٠ مليون دولار سنويا.
اذًا، فيما المطر الحمضي يقضي على مجاري المياه، يشعر كثيرون ان الأوزون، المرتبط على نحو اساسي بالعوادم (نواتج احتراق الوقود) في السيارات، هو الملوم اكثر من المطر الحمضي على موت الاشجار. وذكرت ذي ايكونوميست: «الاشجار [في المانيا] يقضي عليها قبل الاوان لا المطر الحمضي بل الأوزون. وعلى الرغم من ان ضربة الموت يمكن ان يسدِّدها الجليد، الغمام الحمضي او المرض، فإن الأوزون هو الذي يجعل الاشجار سريعة التأثُّر.» وما يحدث في اوروپا إنَّما يعكس صورة الاحوال في القارّات الاخرى. «الاشجار في المتنزَّهات القومية في كاليفورنيا يتلفها تلوُّث الهواء الذي ربَّما يأتي من مناطق بعيدة بُعْدَ لوس انجلس،» اخبرت العالِم الجديد.
ولكنْ هنالك نوع تلوُّث اسوأ يدنِّس الارض. وهو عامل مسبِّب رئيسي في التلويث المادي لليابسة والماء والهواء في كوكبنا.
التلوُّث الادبي
من السهل ان ينخدع المرء بمظهر الناس الخارجي. ويسوع المسيح أوضح ذلك إيضاحا تصويريا. فإذ خاطب القادة الدينيين في ايامه قال: «ويل لكم . . . لأنكم تشبهون قبورا مبيَّضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة . . . كل نجاسة.» (متى ٢٣:٢٧) نعم، قد يبدو الشخص حسن الشكل، وجذابا ايضا، من الخارج، ولكنّ كلامه وسلوكه يمكن ان يكشفا شخصيته المنحطَّة الحقيقية. ومن المحزن القول ان تلوُّثا ادبيا كهذا واسع الانتشار اليوم.
يشمل التلوُّث الادبي اساءة استعمال المخدرات، الواسعة الانتشار اكثر من اي وقت مضى. فالنجوم الشعبيون، معبودات المسرح والشاشة، وحتى رجال الاعمال المحترمون ظاهريا، صاروا محطًّا للفضائح بسبب اعتمادهم على المخدرات. ويشمل التلوُّث الادبي ايضا الفساد الادبي الجنسي، الذي يمكن ان يكون المسبِّب للعائلات المحطَّمة، الطلاق، الاجهاض، بالاضافة الى الاوبئة السريعة التفشّي للامراض المنقولة جنسيا، بما في ذلك بلاء الأيدز المشؤوم.
في اصل هذا التلوُّث الادبي تكمن الانانية، التي تكمن ايضا في اصل الكثير من التلوُّث المادي الذي يبتلي الجنس البشري. وتريزا كلايمان، المنهمكة في معالجة الأيدز في ولاية سان پاولو، البرازيل، حدَّدت المشكلة: «الوقاية [من الأيدز] تقتضي ضمنا تغييرا في التصرُّف بين الفِرَق البالغة التعرُّض للخطر وهذا صعب.» فالغالبية العظمى من الناس يصرّون على فعل ما يريدون هم ان يفعلوه، عوض ان يأخذوا بعين الاعتبار كيفية تأثير افعالهم في الآخرين. ونتيجة لذلك، فإن المطبوعات، التسلية، وعمليا الثقافة البشرية بكاملها ينخرها التلوُّث الادبي.
بالنسبة الى الاشخاص المفكِّرين تَظهر معظم الجهود الحالية في التنظيف المادي والادبي وكأنها ليست اكثر من تغطية. وقد تتساءلون بحقّ، آنئذ، عمّا اذا كان هنالك اي رجاء موثوق به بأرض نظيفة ماديا وأدبيا على السواء. لا تتثبَّطوا. فالكتاب المقدس يخبرنا بأن نهاية التلوُّث بادية للعيان!
[الحاشيتان]
a الجمرة الخبيثة anthrax مرض للحيوانات مُعدٍ يسبِّب عُقَيدات جلدية متقرِّحة او أخماجا رئوية في الانسان.
b EEC ترمز الى المجموعة الاقتصادية الاوروپية، او السوق المشتركة.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
اسوأ من نوائب الزمان
بعد سنوات من التعرُّض لعوامل التعرية بدا وجه الحجر المنحوت هذا مجرد قناع للموت. والأسوأ من نوائب الزمان هي تأثيرات تلوُّث الهواء الأكّالة. فالابنية القديمة في العالم كله تعاني ٱلتَّحاتَّ الآكل للمطر الحمضي الذي يغسلها، من سيتي هول في سكينيكتادي، الولايات المتحدة، الى الصروح الضخمة الشهيرة في البندقية، ايطاليا. ويُقال ان أنصاب روما تتفتَّت عند أقلّ لمسة. والپارثينون الشهير في اليونان يُعتقد انه قد أصابه تلف في السنوات الـ ٣٠ الاخيرة اكثر مما في السنوات الـ ٠٠٠,٢ السابقة. ومثل هذا التلف غالبا ما تزيده مجموعة من العوامل البيئية، بما في ذلك الحرارة، الريح، والرطوبة، بالاضافة الى البكتيريا التي تعيش على جدران البناء. وبهذه العواقب للاشياء العديمة الحياة، ماذا لا بدّ ان يكون تأثير التلوُّث في المخلوقات الحية؟
[الصورة]
منحوتة في كاتدرائية في لندن
-
-
نهاية التلوُّث بادية للعيان؟استيقظ! ١٩٩٠ | ايار (مايو) ٨
-
-
نهاية التلوُّث بادية للعيان؟
ان الامل بأرض نظيفة لمبهج حقا. ولكن هل هو واقعي؟ حسنا، تحاول بعض البلدان بجهد ان تحسِّن الحالة في ما يتعلَّق بالتلوُّث. ويبلَّغ الآن بنقص في تلوُّث الهواء بسبب الاجراءات المشدَّدة لضبط محتوى عوادم السيارات من الرصاص. وفي بعض المناطق يبدو ان التلوُّث الصناعي قد نقص ايضا. لكنّ ذلك لا ينجم دائما عن المراقبة الصارمة. وبالاحرى، يكون ذلك احيانا نتيجة لإعادة تنظيم الصناعة التي سبَّبتها ورطة العالم الاقتصادية.
الارض — مصمَّمة لتنظِّف نفسها؟
اضافة الى ذلك، هنالك آليّاتُ تنظيفٍ طبيعية فعّالة. مثلا، ان العوالق النباتية phytoplankton هي احد عوامل البحر الرئيسية المضادّة للتلوُّث، بحسب الدكتور اوبر من مركز علم البحار الطبي في نيس، فرنسا. فهذه العضويات البالغة الصِّغَر تفرز مضادّات حيوية طبيعية تقضي على التلوُّث. ومن المؤسف انها تُحمَّل اكثر من طاقتها. ففي ايطاليا تكتسح الطحالبُ البندقيةَ والبحرَ الادرياتي المجاور. وفي الادرياتي يُنتج التلوُّثُ «الطحالبَ، هلام نتن ولزج، اصفر، اسمر ورمادي، التي تنتشر جنوبا مئات الكيلومترات» في الصيف. (ذا ڠلوب آند ميل، تورونتو، كندا) وأحد العوامل المساهمة هو التصريف من نهر الپو، «بأقذار المجارير غير المعالَجة من اكثر من ١٥ مليون شخص، الفضلات من الكثير من صناعات ايطاليا الرئيسية . . . وزبل اكثر من خمسة ملايين خنزير.»
وماذا عن تلوُّث التربة؟ كشف البحث بواسطة شركة كيميائية كبرى بالاشتراك مع دائرة الطاقة للولايات المتحدة عن وجود انواع كثيرة من البكتيريا، الفطريات، والأميبات في الارض، والبعض على عمق ٨٥٠ قدما تحت السطح. وقد علَّق الدكتور دايڤيد بالكْوِل من جامعة ولاية فلوريدا: «هذه العضويات الخَفِيّة من الممكن جدا انها تنقّي المكمن المائي [مياه الارض الطبيعية].» إلا ان الدكتور بالكْوِل يأمل ان يكون المهندسون الوراثيون قادرين على حثّ هذه العضويات الجوفية ان «تهضم مواد ملوِّثة معيَّنة.»
ولكن، على نحو واقعي، لا بدّ ان نستنتج ان الحالة الحاضرة لا تبشِّر بنهاية سريعة لفساد الارض المادي. ولكنْ يمكننا ان نتأكَّد ان نهاية التلوُّث بادية للعيان. ولماذا؟
ازالة التلوُّث الادبي
لكي يكون الكوكب السيّار بيتا نظيفا حقا للجنس البشري لا بدّ ان يكون سكّانه أناسا نظفاء، ادبيا وكذلك جسديا. ولا بدّ للبشر ان يتغلَّبوا على تركيزهم الاساسي على الذات ويطوِّروا صفات غير انانية، مظهرين الاعتبار لرفقائهم البشر والحيوانات المجاورة لهم. فهل يمكن ان يحصل ذلك؟
على مرّ العقود وجد شهود يهوه ان ذلك يمكن ان يحصل. لقد وضعوا تحت الامتحان قوة الكتاب المقدس على سبك الشخصية، وقد وجدوا ان لهذا الكتاب قوة على تغيير الناس، بتأثيرات نافعة في البيئة. مثلا، يتحمَّس رسميّو مدرَّجات الالعاب الرياضية لترتيب ونظافة الجموع الذين يحضرون المحافل الكبيرة لشهود يهوه. والتعليق المتكرِّر هو ان ‹المدرَّج تُرك أنظف ممّا كان عندما دخله الشهود.›
وأحد اعضاء مستخدَمي مجمَّع رياضي في لشبونة، الپرتغال، اوضح لأحد شهود يهوه: «عندما يسألني الناس عن رأيي فيكم لا يمكنني ان اكذب. فأُخبرهم ان لشهود يهوه سلوكا، نظافة وتنظيما جيدا جدا. . . . وإذا حدث أنْ وسَّختم شيئا واحدا تنظِّفون ٩٩!»
ان إصرار الشهود على النظافة الجسدية له علاقة بمبادئهم الادبية السامية. اية مبادئ؟ تلك المبيَّنة في الكتاب المقدس، الذي هو كلمة اللّٰه المكتوبة. وعن المرتدّين عن الطريق القويم يقول الكتاب المقدس ان طرق اللّٰه ‹تعلو عن طرقهم وأفكاره عن افكارهم.› (اشعياء ٥٥:٧-٩) ومع ذلك، يمكننا ان نتعلَّم طرق اللّٰه لأن اللّٰه نفسه يجعل شرائعه متوافرة لأولئك الذين يرغبون في العيش بموجبها. وهذه الثقافة الالهية حيوية لمستقبلنا.
وملايين الشهود اليوم يحاولون بجدّ ان يحيوا بموجب هذه المقاييس الادبية النظيفة، وهم يستفيدون فائدة عظيمة. ولكن، بالنسبة الى كثيرين، عنى ذلك تغييرات كبيرة في عاداتهم وأنماط حياتهم.
المخدرات، الضرب، والغَلَبة
خذوا حالة ماري، واحدة من عائلة مؤلَّفة من ١٣ شخصا من منطقة تَغْلبُ عليها الجريمة في مدينة في انكلترا.
«كانت عائلتي معروفة جيدا بالخشونة، وكالباقي منهم كان معروفا انني مستأسدة على الاضعف مني. في الـ ١٥ من العمر أجهضت. وبعد سنتين وُلدت ابنتي، فتُركت لأعتني بها وحدي. واحتُجز صديقي في مدرسة [اصلاحية]. ففرَّ، وحبلت ثانية. جرَّبت كل انواع الطرائق لأُنهي هذا الحبَل وأخيرا نجحت، ولكنني كدت اخسر حياتي.
«ابتدأ صديقي يدخِّن الماريجوانا وصار عنيفا جدا معي، مع انني كنت حاملا من جديد. وتورَّطت انا ايضا، في تدخين العشبة الضارّة وفي بيعها على السواء. وبحلول ذلك الوقت كنت اسكن في بيت ملآن مومسات. وكنت اعتني لهن بأولادهن.
«عندما صرت اهتمّ بشاب آخر وضع صديقي الاول حدًّا للعلاقة بطعنه ثماني مرات. ومن اجل ذلك اعتُقل ثانية. وبعد اطلاق سراحه من السجن تزوَّجنا وانطلق كلانا في حيِّز نشاط المخدرات على نطاق كبير.»
بعد الاتِّصال بشهود يهوه ودرس الكتاب المقدس معهم ابتدأت هذه الحدثة تحضر الاجتماعات وتدريجيا حدث التغيير. توضح ماري:
«ابتدأت ادرك ان التدخين وتعاطي المخدرات امر خاطئ. وبعد ان اخبرت زوجي انني اتوقَّف عن كل ذلك كان ينفخ الدخان من سيجارة الماريجوانا التي له في وجهي، محاولا اغرائي ان استأنف تعاطي المخدرات. وحبلت ثانية ايضا. وبُعَيْد ذلك ابتدأ زوجي يبقى غائبا عن البيت الليل كله.
«بعد ثمانية اشهر اخذ كل امتعته من البيت وتركني. فصلَّيت الى يهوه كي يساعدني ان اتغلَّب على ذلك، وقد فعل. ثم بعد ثلاثة اشهر عاد زوجي. فصلَّيت من اجل القوة لأفعل ما هو صائب. ومرة اخرى حاولت ان اجعل زواجي ناجحا، ولكن في أقلّ من ستة اشهر كنت اعالج ١٤ غُرزة حول عيني، نتيجة عنف زوجي؛ فالمخدرات كانت لا تزال حبه الاول. وصار بيتنا مستودع المخدرات الرئيسي لكامل المنطقة. وكان ملآن من ‹اصدقائه،› الذين كان معظمهم على مستوى عالٍ في تعاطي المخدرات.
«بمساعدة يهوه استجمعت الشجاعة وواجهت الرجال. وطلبت منهم بأدب ان يذهبوا الى الخارج اذا ارادوا ان يستمروا في تدخين مخدراتهم. وعندما سمع زوجي ذلك فقد رشده، دعاني الى المطبخ، وابتدأ يخبط برأسي الحائط. جاهدت لأقول له انني مهتمة بالاولاد وأريد ان امنحهم الفرصة ليكبروا في جو نظيف سليم. فاندفع بعنف الى الخارج عائدا الى اصدقائه. انتظرت وأنا اصلّي. فدخل المطبخ ثانية، وظننت انه سيقتلني.
«ولكن من ذلك الحين فصاعدا هدأت الامورُ كثيرا. وفي ما بعد انتقلنا. وعندما اتى مدمنو المخدرات للزيارة لم يسبّوا او يتكلَّموا عن حياتهم الفاسدة ادبيا كالسابق. وبدا انهم يظهرون الاحترام لنا.»
ان وقوف ماري الى جانب الآداب النظيفة والحياة غير الملوَّثة أثَّر في زوجها، وهو ايضا درس اخيرا الكتاب المقدس مع شهود يهوه. وماري وزوجها كلاهما الآن شاهدان معتمدان ومشغولان بمساعدة الآخرين على تنظيف حياتهم بمساعدة معرفة الكتاب المقدس. تقول ماري:
«عندما اسمع زوجي يقدِّم الصلاة، او عندما اسمعه يعبِّر عن محبته ليهوه، كم يدقّ قلبي! والتغيير في مظهره الخارجي يذهل اصدقاءه السابقين. والآن فإن عائلتنا متَّحدة حقا. لم اشعر قط بمثل هذه السعادة، ولم اتوقَّف قط عن شكر يهوه على اخراجنا من نظام الاشياء الملوَّث هذا.»
ان نجاحا كهذا في محاربة التلوُّث الادبي يظهر قوة كلمة اللّٰه. وفضلا عن ذلك، انه يشير الى الرجاء بنهاية باكرة لكل انواع التلوُّث. فماذا يقول الكتاب المقدس عن ذلك؟
ارض نظيفة — امر محقَّق
تظهر الدراسة الدقيقة للكتاب المقدس اننا نعيش في «الايام الاخيرة» لنظام الاشياء الحاضر. (٢ تيموثاوس ٣:١-٥) وحالة البيئة هي مجرد جزء واحد من الدليل الذي يبرهن ذلك. فماذا يعني ذلك بالنسبة الى رجائنا بأرض نظيفة؟
انه يعني ان اللّٰه سيتدخَّل قريبا في الشؤون البشرية. وسيعمل قريبا بطريقة قوية لإزالة كل التلوُّث الادبي والمادي من كوكبنا. ففي سفر الرؤيا يعد بأن «يهلك الذين كانوا يهلكون الارض.» — رؤيا ١١:١٨.
حقا، اللّٰه وحده لديه القدرة على جلب ارض نظيفة غير ملوَّثة. ومن المثير ان نعرف انه يعتزم فعل ذلك عينه. وعندما يعمل في المستقبل القريب سيكون الامر كما يقول هو نفسه: «ها انا اصنع كل شيء جديدا.» (رؤيا ٢١:٥) وعندئذ، اخيرا، سيكون كوكبنا بيتا ملائما لأناس نظفاء مستقيمين سيتمتَّعون بوفرته الى الابد.
-