مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏‹الانفجار السكاني في المدن›‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠١ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • ‏‹الانفجار السكاني في المدن›‏

      ‏«تعمُّ البشريةَ حركةُ نزوح لم يسبق لها مثيل،‏ ومعظم النازحين يقصدون المدينة سعيا وراء حياة افضل».‏

      هذا ما ورد في مجلة الشؤون الخارجية (‏بالانكليزية)‏ في مستهل مقالة عنوانها «الانفجار السكاني في مدن العالم النامي».‏ ووفقا لتلك المقالة،‏ كثيرون «بهرتهم الاضواء الساطعة،‏ او اضطروا الى النزوح من الريف بسبب الاضطراب السياسي والاقتصادي،‏ الضغط السكاني،‏ وتدهور الثروة البيئية».‏

      فبأية سرعة تنمو المدن؟‏ يقدِّر البعض ان الناس يتوافدون على المدن بنسبة مذهلة تتعدى المليون نسمة في الاسبوع!‏ وفي اكثر من ٢٠٠ مدينة في البلدان النامية،‏ يتخطى عدد السكان اليوم المليون نسمة!‏ كما يبلغ عدد السكان في نحو ٢٠ مدينة عشرة ملايين نسمة!‏ وما من تباطؤ يلوح في الافق.‏ خذوا على سبيل المثال مدينة لاڠوس في نيجيريا.‏ فبحسب تقرير اصدره معهد وورلد واتش،‏ «قد تصير لاڠوس بحلول سنة ٢٠١٥ موطنا لنحو ٢٥ مليون نسمة،‏ صائرة ثالث اكبر مدينة في العالم بعد ان كانت الثالثة عشرة».‏

      يشعر خبراء كثيرون ان هذا الامر لا يبشّر بمستقبل واعد.‏ ويحذّر فِدِريكو مايور،‏ المدير العام السابق لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (‏اليونسكو)‏،‏ انه بحلول عام ٢٠٣٥،‏ «سيسكن ثلاثة آلاف مليون شخص اضافي في المدن الموجودة اليوم».‏ وللاهتمام بعدد السكان المذهل هذا،‏ «سيكون علينا ان نبني خلال الاربعين سنة القادمة الف مدينة يسكن في كل منها ثلاثة ملايين نسمة،‏ اي ما يعادل خمسا وعشرين مدينة في السنة».‏

      ويقول الخبراء ايضا ان التزايد السريع لسكان المدن له تأثير مدمِّر في المدن حول العالم.‏ ويشمل ذلك المدن في العالم الصناعي المزدهر.‏ لكن ما هي المشاكل التي تواجهها المدن،‏ وكيف يمكن ان تؤثر فيكم؟‏ هل من حلول تلوح في الافق؟‏ ستبحث المقالتان التاليتان في هاتين المسألتين الحرجتين.‏

  • المدن:‏ لمَ هي في ازمة؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠١ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • المدن:‏ لمَ هي في ازمة؟‏

      ‏«هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء.‏ .‏ .‏ .‏ لئلا نتبدد على وجه كل الارض».‏ —‏ تكوين ١١:‏٤‏.‏

      تعلن هذه الكلمات التي قيلت منذ اكثر من ٠٠٠‏,٤ سنة عن بناء مدينة بابل العظيمة.‏

      بُنيت بابل في سهول شنعار الخصبة في بلاد ما بين النهرين.‏ لكن بعكس الرأي العام،‏ لم تكن المدينة الاولى التي يرد ذكرها في الكتاب المقدس.‏ ففي الواقع بدأت نشأة المدن قبل الطوفان الذي حدث في ايام نوح.‏ فبحسب السجل،‏ كان القاتل قايين هو من اسس اول مدينة.‏ (‏تكوين ٤:‏١٧‏)‏ وهذه المدينة،‏ التي دعيت حنوك،‏ كانت على الارجح مجرد قرية صغيرة محصنة.‏ من جهة اخرى،‏ كانت بابل مدينة عظيمة —‏ مركزا بارزا للعبادة الباطلة يتميّز ببرج ديني مثير.‏ لكنَّ بابل ببرجها الرديء السمعة اتخذت موقفا معاديا كليا للّٰه.‏ (‏تكوين ٩:‏٧‏)‏ لذلك،‏ يقول الكتاب المقدس ان اللّٰه تدخل وبلبل ألسنة البنّائين،‏ واضعا نهاية لخطتهم الدينية الطموحة.‏ تقول تكوين ١١:‏٥-‏٩ ان اللّٰه «بدَّدهم .‏ .‏ .‏ من هناك على وجه كل الارض».‏

      ولا عجب ان ذلك ادّى الى انتشار المدن،‏ فقد كانت توفر الحماية ضد هجمات العدو.‏ كما زودت المدن مواقع يستطيع فيها المزارعون تخزين منتجاتهم وتوزيعها.‏ وأتاح ايضا انشاء الاسواق ان يسعى كثيرون من سكان المدن وراء سبل عيش غير الزراعة.‏ يقول كتاب نشأة المدن (‏بالانكليزية)‏:‏ «ما ان انتهى سكان المدن من عبء تأمين ضروريات الحياة حتى اتجهوا الى انشاء فيض من التجارات المتخصصة:‏ صناعة السلال،‏ صناعة القدور،‏ الغزل،‏ الحياكة،‏ دبغ الجلد،‏ النجارة وصناعة الحجارة —‏ كل ما كانت تستطيع السوق استيعابه».‏

      وخدمت المدن كمركز توزيع فعّال لمثل هذه البضائع.‏ تأملوا في قصة الكتاب المقدس عن مجاعة شديدة اكتسحت مصر.‏ فقد وجد الوزير الاعظم يوسف انه من الملائم ان يسكن الناس في المدن.‏ لماذا؟‏ لأن ذلك على ما يبدو يسهّل عملية توزيع ما بقي من طعام.‏ —‏ تكوين ٤٧:‏٢١‏.‏

      عزَّزت المدن ايضا الاتصال بين الناس في وقت كانت فيه وسائل النقل بطيئة ومحدودة.‏ فزاد ذلك سرعة التغيير الحضاري والاجتماعي.‏ فصارت المدن مراكز الابتكارات وروَّجت التطور التكنولوجي.‏ وبتدفق الافكار الجديدة،‏ برز على الصعيد العلمي،‏ الديني،‏ والفلسفي تجدد فكري.‏

      احلام لم تتحقق

      لا تزال المدن اليوم تقدّم الكثير من هذه الحسنات.‏ فلا عجب اذًا ان تستمر في اجتذاب الملايين —‏ وخصوصا في البلدان حيث صارت حياة الارياف صعبة بشكل لا يُحتمل.‏ لكن رغم ذلك،‏ تذهب احلام كثيرين ممن ينزحون الى المدن ادراج الرياح لأنهم لا يحققون حياة افضل.‏ يقول كتاب العلامات الحيوية لعام ١٩٩٨ (‏بالانكليزية)‏:‏ «تذكر دراسة حديثة اجراها مجلس السكان ان نوعية الحياة في مدن كثيرة من العالم النامي اليوم اردأ منها في المناطق الريفية».‏ ولماذا؟‏

      يكتب هنري ج.‏ سيسنايروس في الوجه البشري للبيئة المدنية (‏بالانكليزية)‏:‏ «عندما يكثر وجود الفقراء في منطقة معينة،‏ تتفاقم مشاكلهم بشكل سريع.‏ .‏ .‏ .‏ وترافق تواجدهم بكثرة في مناطق محددة —‏ ومعظمهم من الاقليات —‏ نسبة بطالة عالية جدا،‏ الاعتماد على الرعاية الاجتماعية بشكل متزايد وطويل،‏ مشاكل عديدة في الصحة العامة،‏ والمروِّع اكثر الجريمة المتزايدة».‏ ويذكر كتاب نمو المدن الضخمة والمستقبل (‏بالانكليزية)‏:‏ «غالبا ما يؤدي نزوح الناس بشكل غزير الى نسب عالية من البطالة والوظائف غير الملائمة،‏ لأن سوق العمل قد لا تستوعب العدد المتزايد من طالبي العمل».‏

      وعدد اولاد الشوارع المتضخِّم انما هو دليل يفطر القلب على الفقر المدقع الموجود في مدن العالم النامي.‏ فبحسب بعض التقديرات،‏ يصل عدد اولاد الشوارع حول العالم الى ٣٠ مليون ولد!‏ يقول كتاب نمو المدن الضخمة والمستقبل:‏ «لقد دمر الفقر والمشاكل الاخرى الاواصر العائلية واضطُر اولاد الشوارع ان يعتمدوا على انفسهم».‏ انهم يعيشون حياة بؤس ويسعون وراء لقمة العيش بالبحث عن الطعام بين النفايات،‏ بالتسوُّل،‏ او بالقيام بعمل وضيع في الاسواق المحلية.‏

      حقائق مروِّعة اخرى

      يمكن ان يؤدي الفقر الى الجريمة.‏ وفي احدى مدن اميركا الجنوبية المشهورة بهندستها المعمارية العصرية المتسمة بالابداع،‏ تفشت الجريمة الى حد ان الناظر اليها لا يرى فيها سوى السياجات الحديدية.‏ فالفقراء والاغنياء على السواء ينصبون السياجات لحماية ممتلكاتهم ومنع انتهاك حرمة منزلهم.‏ انهم في الواقع يعيشون في اقفاص.‏ حتى ان بعضهم يضع السياج قبل انتهاء بناء المنزل.‏

      ويستنزف عدد السكان الكبير طاقة المدينة،‏ فتعجز عن تزويد الخدمات الاساسية مثل توفير الماء والاهتمام بالصحة العامة.‏ على سبيل المثال،‏ في احدى المدن الآسيوية،‏ يُقدَّر ان هنالك حاجة الى ٠٠٠‏,٥٠٠ حمام عام.‏ رغم ذلك اشار استطلاع حديث انه لا يوجد سوى ٢٠٠ حمام صالح للاستعمال!‏

      ولا ينبغي ان يُغفل ايضا عن التأثير المدمِّر للكثافة السكانية العالية في البيئة المحلية.‏ فالاراضي الزراعية تختفي بسبب تمدد حدود المدينة.‏ يقول فِدِريكو مايور،‏ المدير العام السابق لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (‏اليونسكو)‏:‏ «تستهلك المدن كميات هائلة من الطاقة،‏ تستنزف موارد المياه،‏ وتلتهم الاطعمة والمواد.‏ .‏ .‏ .‏ فتُستنزف البيئة الطبيعية المحيطة بها لأنها لم تعد تستطيع تزويد اللازم او استيعاب الفائض».‏

      مشاكل المدن الكبرى في البلدان الغربية

      رغم ان الحالة في البلدان الغربية قد تكون اقل خطورة،‏ فإن مدنها هي ايضا في ازمة.‏ مثلا،‏ يقول كتاب ازمة مدن اميركا (‏بالانكليزية)‏:‏ «تشهد المدن الاميركية اليوم نسبا عالية من العنف بشكل لا يُصدق.‏ .‏ .‏ .‏ وتفشي العنف في المدن الاميركية خطر الى حد ان المجلات الطبية بدأت تخصص جزءا مهما لهذا الموضوع باعتباره احدى اهم مشاكل الصحة العامة في ايامنا».‏ ولا ريب في ذلك،‏ فالعنف يبتلي العديد من اهم المدن حول العالم.‏

      وتردّي الحياة في المدينة هو احد الاسباب التي توضح لماذا صارت مدن كثيرة لا تجتذب الموظفين.‏ يقول كتاب الوجه البشري للبيئة المدنية:‏ «انتقلت الاعمال الى ضواحي المدن او الى خارج البلد،‏ مخلفة وراءها مصانع مغلقة،‏ وأراضي خربة —‏ اراضي ملوَّثة بمواد سامة مدفونة فيها،‏ غير صالحة البتة للبناء،‏ وعليها ابنية مهجورة».‏ ونتيجة ذلك،‏ يتجمع الفقراء في مدن عديدة في مناطق «يجري فيها تجاهل المشاكل البيئية بسهولة كبيرة —‏ حيث تتداعى شبكة المجارير،‏ تُنقّى المياه بطريقة غير ملائمة،‏ تغزو الحيوانات الضارة الاراضي المليئة بالنفايات وتكتسح المساكن،‏ يأكل الاولاد الطلاء المحتوي على الرصاص من على جدران شقق الابنية المتصدعة .‏ .‏ .‏ ولا يبدو ان هنالك مَن يهتم».‏ في مثل هذه البيئة،‏ تكثر الجريمة،‏ العنف،‏ واليأس.‏

      بالاضافة الى ذلك،‏ تواجه المدن الغربية صعوبة في تزويد الخدمات الاساسية.‏ في سنة ١٩٨١،‏ وضع الكاتبان پات شوت وسوزان وولتر كتابا بعنوان مؤثر هو:‏ اميركا الخربة —‏ البنية التحتية المتداعية (‏بالانكليزية)‏.‏ وقد ذكرا فيه:‏ «في حين ان التسهيلات العامة في اميركا تبلى بسرعة فهي لا تُستبدل بالسرعة نفسها».‏ ودق الكاتبان ناقوس الخطر بالنسبة الى عدد من الجسور الصَّدِئة،‏ الطرقات المتهدمة،‏ وشبكات المجارير المتداعية في المدن الرئيسية.‏

      وبعد عشرين سنة،‏ لا تزال البنى التحتية في مدن مثل نيويورك في حالة مؤسفة.‏ وقد وصفت مقالة في مجلة نيويورك (‏بالانكليزية)‏ مشروع النفق المائي الثالث الضخم.‏ يجري العمل فيه منذ ٣٠ سنة تقريبا،‏ وهو يُعتَبر اكبر مشروع للبنى التحتية والوحيد من نوعه في النصف الغربي من الكرة الارضية.‏ وتبلغ نفقته نحو خمسة بلايين دولار اميركي.‏ وعندما ينتهي النفق،‏ سيزوِّد مدينة نيويورك يوميا نحو ٤ بلايين لتر من المياه العذبة.‏ يقول الكاتب:‏ «ان الهدف من النفق،‏ رغم كل اعمال الحفر الضخمة،‏ هو تحسين ما يوجد من أنابيب،‏ مصلحينها للمرة الاولى مذ وُضعت في بداية القرن».‏ وورد في مقالة في ذا نيويورك تايمز ان اصلاح باقي البنى التحتية المتداعية في المدينة —‏ الانفاق،‏ انابيب المياه الرئيسية،‏ الطرقات،‏ والجسور —‏ يكلف ما يقدَّر بـ‍ ٩٠ بليون دولار!‏

      ليست نيويورك المدينة الوحيدة التي تواجه مشاكل في تأمين الخدمات المطلوبة.‏ وفي الواقع،‏ تبيَّن ان عدة مدن كبرى هي عرضة لاختلالات ناجمة عن اسباب كثيرة ومتنوعة.‏ ففي شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٨،‏ بقيت اوكلَند في نيوزيلندا مشلولة الحركة طوال اكثر من اسبوعين بسبب انقطاع التيار الكهربائي.‏ وحُرم سكان ملبورن في أوستراليا من المياه الساخنة طوال ١٣ يوما عندما قُطعت امدادات الغاز بسبب حادث في احد مصانع الانتاج.‏

      وهنالك ايضا المشكلة التي تواجهها في الواقع كل المدن،‏ وهي مشكلة ازدحام السير.‏ يقول المهندس المعماري موشي صفدي:‏ «يوجد تضارب جوهري —‏ عدم تطابق —‏ بين حجم المدن وشبكات المواصلات التي فيها.‏ .‏ .‏ .‏ فعلى المدن الاقدم ان تكيِّف وسطها التجاري لاستيعاب حركة سير اكبر لم تكن في الحسبان عند انشائها».‏ وتذكر مجلة ذا نيويورك تايمز ان ازدحام السير في مدن مثل القاهرة،‏ بانكوك،‏ وسان پاولو صار الخبز اليومي.‏

      رغم كل هذه المشاكل،‏ لا يبدو ان النزوح الى المدن يخف.‏ وكما ورد في مقالة في مجلة يونسكو كوريير (‏بالانكليزية)‏،‏ «على نحو صائب او غير صائب،‏ يبدو ان المدينة تمنح التقدم والحرية،‏ فرصا جديدة،‏ وإغراء لا يمكن مقاومته».‏ لكن ماذا يخبئ المستقبل للمدن الكبيرة في العالم؟‏ وهل هنالك اية حلول واقعية لمشاكلها؟‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٥]‏

      ‏«غالبا ما يؤدي نزوح الناس بشكل غزير الى نسب عالية من البطالة والوظائف غير الملائمة»‏

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      ازدحام السير يبتلي مدنا عديدة

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      الملايين من اولاد الشوارع يعتمدون على انفسهم

      ‏[الصورة في الصفحة ٧]‏

      تذهب احلام كثيرين من سكان المدن ادراج الرياح لأنهم لا يحققون حياة افضل

  • ماذا يخبِّئ المستقبل للمدن؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠١ | نيسان (‏ابريل)‏ ٨
    • ماذا يخبِّئ المستقبل للمدن؟‏

      ‏«عندما ننظر الى مدننا نرى مستقبلنا».‏ هذا ما قاله اسماعيل سِراج الدين من البنك الدولي.‏ لكن مما رأيناه حتى الآن،‏ لا يبدو هذا المستقبل مشرقا.‏

      تُبذل اليوم جهود دؤوبة تستحق المدح في سبيل تحسين الحياة في مدن كثيرة.‏ فقد انتهت مدينة نيويورك مؤخرا من تجديد تايمز سكوير في مانهاتن.‏ وكان هذا المكان مشهورا في السابق بمؤسسات تعمل في مجال الفن الاباحي،‏ بتعاطي المخدِّرات والاتِّجار بها،‏ وبالجريمة.‏ اما الآن فالمتاجر الجديدة والمسارح تملأ الشوارع —‏ مجتذبة آلاف الزائرين.‏ اما ناپولي في ايطاليا فقد دُمِّرت خلال الحرب العالمية الثانية،‏ بعد ان كانت «مدينة مميَّزة،‏ رفيعة المستوى،‏ ضاهت ذات مرة لندن وپاريس في الاهمية»،‏ كما تقول مجلة ناشونال جيوڠرافيك.‏ وأصبحت ناپولي رمزا حقيقيا للجريمة والفوضى.‏ لكن عندما اختيرت المدينة مكانا لعقد مؤتمر سياسي سنة ١٩٩٤،‏ شهدت نوعا من الانبعاث مع تجديد بارز في وسط المدينة.‏

      لا شك ان جعل المدن اكثر امانا ونظافة هو امر مكلف.‏ فالمزيد من الامن يعني غالبا المزيد من الشرطة.‏ ويمكن ان يكون الثمن الآخر المدفوع لقاء ذلك حياتكم الخاصة.‏ فبعض الاماكن العامة هي تحت مراقبة مستمرة من كاميرات التلفزيونات ورجال الشرطة المرتدين لباسا مدنيا.‏ ففيما تتنزهون في حديقة عامة وتمرون بنافورات المياه،‏ المنحوتات،‏ وجنائن الازهار قد تمرون دون ان تدروا بحواجز امنية.‏

      ويدفع احيانا الفقراء ثمنا باهظا بسبب التحسينات.‏ تأملوا في عملية اعادة التَّعمير،‏ اي انتقال العائلات ذات الدخل الاعلى الى احياء كانت في ما مضى فقيرة.‏ وهذه العملية هي نتيجة الاقتصاد المتغير —‏ «الانتقال من التصنيع الى الخدمات،‏ من الاعتماد على المهارات المتوسطة المستوى الى الآلات التي تعمل اوتوماتيكيا».‏ (‏كتاب اعادة تعمير المدينة [بالانكليزية]،‏ للمحرِّرَين نيل سميث وپيتر وليمز)‏ وفيما تصبح وظائف العمّال شيئا من الماضي ويزداد الطلب على ذوي الاختصاص والتقنيين،‏ يزداد ايضا الطلب على مساكن تلائم الطبقة المتوسطة.‏ وعوض التنقُّل يوميا بين المدينة والضواحي،‏ يفضل كثيرون من الاختصاصيين ذوي الاجور العالية ان يجددوا منازل في الاحياء المتداعية نسبيا.‏

      من الطبيعي ان يؤدي ذلك الى تحسين كبير في الاحياء الفقيرة.‏ لكن فيما تتحسن الاحياء الفقيرة،‏ ترتفع الاسعار.‏ فيجد الفقراء نفسهم غالبا غير قادرين على العيش في هذه الاحياء التي عملوا وعاشوا فيها طوال سنوات!‏

      نهاية المدينة؟‏

      لربما بدأت المدن تشعر الآن بوطأة التغيير الناجم عن التقنيات الجديدة.‏ ففيما تزداد شعبية الإنترنت كطريقة للتسوق وملاحقة العمل،‏ يمكن ان تظهر نتائج مأساوية.‏ فقد سهَّلت التقنيات الجديدة انتقال بعض الاعمال الى خارج المدن —‏ مصطحبة معها عمالا كثيرين.‏

      وإذ يصير التسوق والعمل من خلال الإنترنت شائعَين،‏ قد يخف ميل الناس الى الذهاب الى المناطق التجارية المزدحمة.‏ يذكر كتاب المدن عبر الحضارات (‏بالانكليزية)‏:‏ «يمكن ان نتوقع ان ينجز ذوو الاعمال الروتينية،‏ وخصوصا العمال بدوام جزئي،‏ اعمالهم كلها من بيوتهم او من اي مكان عمل في جوار بيتهم،‏ .‏ .‏ .‏ مخففين بذلك حجم السير الاجمالي».‏ كذلك،‏ يخمن المهندس المعماري موشي صفدي:‏ «في هذه البيئة الجديدة،‏ قد تتناثر ملايين القرى حول العالم،‏ مانحة الافراد الساكنين فيها رفاهية حياة البلدات من جهة،‏ ومن جهة اخرى الغنى الحضاري الذي تتسم به المدن التاريخية العظيمة،‏ وذلك من خلال الكمپيوتر والإنترنت».‏

      ماذا يخبِّئ المستقبل للمدن؟‏

      يعتقد مراقبون كثيرون انه رغم التكنولوجيا الموجودة،‏ ستستمر الخدمات والفرص التي تقدِّمها المدن في اجتذاب الناس.‏ ومهما خبأ المستقبل،‏ فإن مدن اليوم تواجه المشاكل الآن!‏ وما من حل يلوح في الافق لضخامة مشاكل السكن والصحة العامة التي تواجه الملايين المتزايدة من فقراء المدن.‏ وما من احد توصل بعد الى ايجاد وسيلة لإنهاء الجريمة،‏ تدهور الثروة البيئية،‏ او التلوُّث في المدن.‏

      قد يحاج البعض انه ينبغي على الحكومات ان تغدق مالا اكثر على مدنها.‏ لكن نظرا الى تاريخ انجازات حكومات كثيرة في ادارة موجوداتها،‏ هل هو واقعي ان نفكّر ان حل مشاكل المدن منوط ببساطة بالامور المادية؟‏ منذ عشرات السنين،‏ ذكر كتاب موت وحياة مدن اميركية عظيمة (‏بالانكليزية)‏:‏ «من المؤسف اننا نعتقد خطأ انه لو كان لدينا ما يكفي من المال .‏ .‏ .‏ لاستطعنا التخلص من كل احياء الفقراء .‏ .‏ .‏ لكن ماذا بنينا بأول بضعة بلايين من الدولارات؟‏!‏ مشاريع ذات دخل محدود تصبح مراكز للجناح،‏ لتخريب الممتلكات العمدي،‏ ولليأس الاجتماعي العام،‏ مراكز هي أسوأ من الاحياء الفقيرة التي كان ينبغي استبدالها».‏ ولا تزال هذه الكلمات تصح اليوم.‏

      لكن ان لم يكن المال هو الحل،‏ فأين الحل؟‏ ينبغي ان نتذكر ان المدن تتألف من البشر وليس فقط من الابنية والشوارع.‏ لذا ينبغي ان يتغير الناس لكي تتحسن حياة المدينة.‏ يقول لويس ممفورد في كتابه المدينة في التاريخ (‏بالانكليزية)‏:‏ «افضل رصيد للمدينة هو الاهتمام بالناس وتثقيفهم».‏ وإذا وجب التخلص من اساءة استعمال المخدِّرات،‏ البغاء،‏ التلوُّث،‏ تدهور الثروة البيئية،‏ التفاوت الاجتماعي،‏ التخريب المتعمد للممتلكات،‏ الخربشات على الجدران،‏ وما شابه،‏ فهنالك حاجة الى اكثر من وجود مكثف للشرطة او طبقة جديدة من الطلاء.‏ فيجب ان يُساعَد الناس على صنع تغييرات جذرية في طريقة تفكيرهم وتصرفهم.‏

      تغيير في الادارة

      من الواضح ان صنع مثل هذا التغيير الجذري يتعدى القدرة البشرية.‏ لذلك فإن المحاولات لحل مشاكل المدن العصرية ستبوء بالفشل،‏ مهما كانت النوايا صافية.‏ لكنَّ تلاميذ الكتاب المقدس لا ييأسون لأنهم يرون ان المشاكل التي تواجه المدن اليوم انما هي مَثل آخر لعجز الانسان عن ادارة كوكبنا بشكل ملائم.‏ فانتشار المدن اليوم بشكل واسع وعشوائي يؤكد بشكل مأساوي كلمات الكتاب المقدس في ارميا ١٠:‏٢٣‏:‏ «ليس للانسان طريقه.‏ ليس لإنسان يمشي ان يهدي خطواته».‏ ومحاولات الانسان لممارسة الحكم الذاتي ادّت الى شقاء واسع الانتشار —‏ مشاكل تبدو مضخمة في مدننا.‏

      لذلك يمكن ان يتعزى سكان المدن حول العالم بوعد الكتاب المقدس،‏ المسجل في كشف ١١:‏١٨‏،‏ القائل ان اللّٰه ‹سيهلك الذين يهلكون الارض›.‏ وهذا الوعد لا يمت الى السلبية بصلة،‏ فهو يشير الى مستقبل ايجابي للجنس البشري.‏ فهو يعد بأن اللّٰه سيدير كوكبنا بواسطة حكومة،‏ او مملكة.‏ (‏دانيال ٢:‏٤٤‏)‏ ولن يعيش الملايين بعد ذلك في فقر مدقع،‏ محرومين من السكن الملائم والوسائل الاساسية لتأمين الصحة العامة،‏ مجرَّدين من الكرامة،‏ او دون امل.‏ فتحت اشراف حكومة اللّٰه،‏ سيتمتع الناس بالازدهار المادي،‏ الصحة والنشاط،‏ والسكن المريح.‏ —‏ اشعياء ٣٣:‏٢٤؛‏ ٦٥:‏٢١-‏٢٣‏.‏

      وهذا العالم الجديد هو الحل الواقعي الوحيد لمشاكل المدن العصرية.‏

      ‏[الصور في الصفحتين ٨ و ٩]‏

      تُبذل اليوم جهود دؤوبة في سبيل تحسين الحياة في مدن كثيرة

      ناپولي،‏ ايطاليا

      مدينة نيويورك،‏ الولايات المتحدة الاميركية

      سيدني،‏ أوستراليا

      ‏[مصدر الصورة]‏

      SuperStock

      ‏[الصورة في الصفحة ١٠]‏

      يقدم عالم اللّٰه الجديد حلا لمشاكل سكان المدن العصرية

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة