-
الصفحة ٢استيقظ! ١٩٩٠ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
«يطوفون في زُمَر جوَّالة، ينامون في انابيب البناء، في اقباء ابنية مهجورة تكثر فيها الجرذان او في زوايا الشوارع في كوم بائسة. اسرَّتهم صحف ممزقة، ولباسهم مجرد قصاصات من القماش. يقضون ايامهم في السلب والبغاء والجريمة الدنيئة. وينهبون بعضهم بعضا بالاضافة الى المارّة.» مَن هم هؤلاء؟ اولاد الشارع الذين يسكنون في مدينة كبيرة في اميركا اللاتينية، تخبر مجلة تايم. ولكن من الممكن ان يكونوا الاحداث المشرَّدين لأية مدينة رئيسية في العالم تقريبا. هنالك الملايين منهم، وعددهم يزداد بنسبة فائقة.
-
-
الاولاد المشرَّدون — مَن الملوم؟استيقظ! ١٩٩٠ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
الاولاد المشرَّدون — مَن الملوم؟
بواسطة مراسل استيقظ! في البرازيل
ذات ليلة يأخذ فرنسيسكو زوجته وأولاده الى موضع بيع الپيتزا المحلي. وفي موقف السيارات يعرض صبي بثياب رثّة ان يحرس سيارة فرنسيسكو فيما تتمتع العائلة بوجبة الطعام. وعندما يترك فرنسيسكو وعائلته المطعم يمدّ الصبي يده بشوق لنيل القليل من النقود مقابل خدمته. وفي وقت متأخر من الليل في شوارع المدينة يجاهد اولاد مثله لكسب العيش. انهم ليسوا على عجلة للمغادرة، اذ ان الشارع هو بيتهم.
يُعتبر الاولاد المشرَّدون منبوذي المجتمع وقد لُقِّبوا بـ «اولاد لا احد» او «الاولاد المطروحين.» وعددهم مذهل ومروِّع — ربما ٤٠ مليونا. ومع ذلك يصعب الحصول على رقم دقيق. ولكن، من المؤسف ان جميع الخبراء يوافقون على ان المشكلة تزداد على نطاق عالمي، وخصوصا في اميركا اللاتينية. ومنظر الاولاد المشرَّدين وهم محتشدون في المداخل او يستعطون طلبا للمال هو مزرٍ للغاية حتى ان المجتمع يحوِّلهم الى احصاءات باردة الشعور في قائمة للإصابات، ويهزّ كتفيه ويمضي. ولكنّ المجتمع لم يعد في مقدوره ان يفعل ذلك في ما بعد. فبحسب اليونيسِف (صندوق رعاية الطفولة الدولي التابع للامم المتحدة)، ان ٦٠ في المئة من المشرَّدين الذين اعمارهم بين ٨ و ١٧ سنة يستعملون مواد تولِّد الهلوسة، ٤٠ في المئة يستعملون المشروبات الكحولية، ١٦ في المئة هم مدمنون على المخدرات، و ٩٢ في المئة يستعملون التبغ. وبما انه ليست لديهم اية مهارات رائجة، فغالبا ما يعيشون من الاستعطاء، السرقة، او البغاء. وإذ ينمون بصفتهم «اولاد لا احد» يكونون في خطر الصيرورة خارجين على القانون، والخارجون على القانون هم تهديد لأمن كل مجتمع.
والصحيفة البرازيلية او إستادو دي سان پاولو اخبرت عن عصابة من الاولاد المشرَّدين: «لا عائلة لهم ولا اقرباء ولا رجاء للمستقبل. انهم يعيشون كل يوم كما لو انه الاخير. . . . والاولاد . . . لا يضيِّعون ايّ وقت: انهم يأخذون، في ثوانٍ، ساعة اليد لمراهق، ينتزعون قلادة امرأة، ويسطون على محفظة رجل مسن. ولا يضيِّعون الوقت ايضا في الاختفاء بين الجموع. . . . والعلاقات الجنسية تبتدئ بعمر مبكر بين . . . القاصرين. فالبنات بعمر احدى عشرة سنة والصبيان بعمر ١٢ سنة يقترنون معا ومن ثم ينهون علاقة الغرام في شهر او شهرين، بالسهولة نفسها التي ابتدأت بها.»
لماذا يعيشون في الشوارع
ليس من السهل مساعدة الاولاد المشرَّدين. فقد اظهر احد التقارير ان ٣٠ في المئة من اولاد الشارع خائفون جدا الى حدّ انهم يرفضون اعطاء السلطات اية معلومات عن خلفيتهم، ولا حتى اسماءَهم. ولكن لماذا يعيشون في الشوارع؟ تُرى هل هي الرغبة في ان يكونوا مستقلين؟ لقد كانت هذه هي الحال مع حدث برازيلي قال انه لن يذهب الى البيت ثانية لأن اباه لن يدعه يفعل ما يريد. ولكن، بحسب الصحيفة المكسيكية إلْ اونيڤِرسال، السبب الاساسي للعدد المرتفع من اولاد الشارع هو الهجر من قبل آبائهم. وهكذا، فإن الانهيار الزوجي يمكن ان يُلام بصفته سببا رئيسيا لارتفاع عدد اولاد الشارع العفاريت.
وبالاضافة الى ذلك، بعض الوالدين هم غير مسؤولين في الاعتناء بذريتهم، اذ يضربونهم، يسيئون اليهم جنسيا، يطردونهم، او يتجاهلونهم وحسب. ونتيجة لذلك، غالبا ما يشعر الولد المساء اليه او المهمَل انه احسن حالا وحده، حتى ولو في الشوارع.
ومع ذلك، يحتاج الاولاد الى العناية والتوجيه الحبيين. وقد عبَّر عن ذلك جيدا جيمس ڠرانت، المدير التنفيذي لليونيسِف. وإذ يُقتبس منه في افتتاحية دايلي پوست اميركا اللاتينية بعنوان «الاولاد والغد،» يذكر: «بعمر ثلاث او اربع سنوات يكون ٩٠ في المئة من خلايا دماغ الشخص مترابطا الآن والنمو الجسدي متقدِّما الى مرحلة يُرسم فيها النموذج لباقي حياة الشخص. هذه السنوات الباكرة تصرخ من اجل الحماية، للدفاع عن حق الطفل في النمو الى امكانيته الكاملة وأيضا لاستثمار الجهد في تنمية الناس لكي يقدروا ان يساهموا بشكل اكمل في خير عائلاتهم وأممهم.»
وهكذا، فإن المراقبين قلقون، وهم يلومون النظام الاقتصادي، الحكومات، او الشعب على وجود الاولاد المشرَّدين. وتابعت الافتتاحية نفسها: «لم تحرز الحجج الانسانية ولا الاقتصادية لمصلحة ‹استثمار الجهد في الاولاد› الكثير من التقدم. . . . و ‹الضبط الاقتصادي› عنى في اغلب الاحيان ان اعانات الطعام والضروريات اليومية قد خُفِّضت. . . . وإذ اتت علاوةً على البطالة المتزايدة والاجور الحقيقية المتدنية، عنت تخفيضات كهذه ان العبء الاثقل للركود الاقتصادي قد انتقل الى اولئك الاقل قدرة على تحمُّله — العائلات الافقر وأولادها.»
ودون شك، ان الاقتصاد الضعيف في بلدان كثيرة هو سبب آخر لازدياد عدد اولاد الشارع. فالوالدون يدفعون بأولادهم الى الشوارع ليكسبوا كل ما يمكنهم كسبه وكيفما يمكنهم ذلك. ولكن، لماذا من الصعب جدا حلّ مشكلة الاولاد المشرَّدين؟
-
-
الاولاد المشرَّدون — لماذا من الصعب جدا مساعدتهم؟استيقظ! ١٩٩٠ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
الاولاد المشرَّدون — لماذا من الصعب جدا مساعدتهم؟
في ١٤ تشرين الاول ١٩٨٧ عَلِقت الصغيرة جِسيكا ماكلور على عمق ٢٢ قدما في بئر ماء مهجورة في الولايات المتحدة. وطوال ٥٨ ساعة أليمة اشتق عمال الانقاذ طريقهم في الصخر الصلب للوصول الى ابنة الـ ١٨ شهرا. واستحوذت الحادثة على عناوين الصحف وقلوب الامة بأسرها، وأبقت التغطية التلفزيونية مشاهديها مأخوذين الى ان رُفعت جِسيكا حية الى خارج الحفرة المظلمة.
لكنّ جِسيكا كان لها بيت. ومع ذلك، على نحو غريب، فإن بلية الاولاد المشرَّدين لا تثير الاهتمام نفسه. فهل يمكن ان يكون السبب ان حالتهم مرتبطة بالفقر؟ وإذ حلَّل حالة المحتاجين اعلن كاتب لِـ الصحة العالمية، مجلة منظمة الصحة العالمية: «الفقراء في المدن ليسوا مواطنين حقيقيين لبلادهم، اذ لا حقوق سياسية، اجتماعية، او اقتصادية لهم. فالفقراء يشيخون بسرعة ويموتون صغارا.» وهكذا، تلزم تغييرات جذرية في الطريقة التي ينظر بها الحكومات والناس الى الفقراء قبل ان يزوِّدهم اقتصاد البلد بما يكفي من الطعام، اللباس، والمأوى.
كيف يمكن مساعدة البعض
ان الاهداف المعبَّر عنها في اعلان الامم المتحدة لحقوق الطفل هي فعلا نبيلة، ولكن لماذا تبدو بعيدة المنال؟ (انظروا الاطار.) وعموما، يحبّ الناس الاولاد ويريدون الافضل لهم. وبالاضافة الى ذلك، ان الاولاد مهمّون لخير الامة المستقبلي. وفي دايلي پوست اميركا اللاتينية يقول جيمس ڠرانت من اليونيسِف: «على الرغم من كل شيء، فإن الاولاد هم الذين لا بدّ ان يقودوا اخيرا بلادهم الى خارج الركود الاقتصادي.» ويُظهر احد التقارير، يتابع ڠرانت، «ان الإنفاق على العناية الصحية الاساسية والثقافة الاولية يمكن ان يقود الى زيادات هامة في الانتاجية والنمو الاقتصادي.» وبلدان كالبرازيل تعي جيدا الصورة السلبية التي تنقلها حالة اولاد الشارع والعنف المتعلق بها. ومن المفرح انه في البرازيل تُبذل الجهود لحل المشكلة بواسطة المؤسسة الخيرية، بيوت التبنّي، دُور الأيتام، والاصلاحيات.
وتَرى بعض الحكومات قيمة دعم المبادرات الاسكانية للعائلات والمجتمعات الفقيرة عوضا عن مجرد بناء البيوت. وبهذه الطريقة يصير الفقراء انفسهم موردا للتغيير.
وهكذا، بالاضافة الى نيل العون من مختلف الوكالات، يجب ان تكون العائلات الفقيرة راغبة في القيام بدورها. وتكون العائلة افضل بكثير اقتصاديا واجتماعيا عندما تلتحم معا وتعالج مشاكلها الخاصة. وإذا كان ذلك لازما يمكن لكل الاعضاء القادرين ان يساهموا في ميزانية العائلة.
كيف نجح البعض
ان بعض الاولاد المشرَّدين استطاعوا التخلُّص من هذه الحالة. تأملوا في مثال ڠيلِرمو. فقبل ولادته سكنت عائلته في قرية صغيرة ولكن بسبب الاحوال الاقتصادية الفقيرة انتقلت الى العاصمة. وعندما كان ڠيلِرمو في الشهر الثالث من العمر قُتل ابوه؛ ثم بعد سنوات قليلة ماتت امه، تاركة الاولاد مع الجدة. وهكذا، في وقت مبكر من الحياة، صار ڠيلِرمو ولد شارع. ويوما بعد يوم، لخمس سنوات، كان يرود الى المطاعم والبارات، طالبا الطعام والمال للاعتناء بحاجات عائلته، سائرا في الشوارع في وقت متأخر من الليل. والاشخاص اللطفاء الذين صاروا يعرفونه في الشوارع علَّموه الامور الاساسية للعادات الصحية والسلوك الشخصيين. وفي ما بعد التقطته من الشارع وكالة حكومية ووضعته في مأوى للاولاد حيث نال الطعام والتعليم المدرسي. وساعده شهود يهوه ليرى ان الخالق مهتم به كفرد، واعتنوا بحاجاته الروحية. وإذ تأثر بإخلاصِ ومودة الشهود قال ڠيلِرمو في ما بعد: «مَن يساعد حدثا كبر تقريبا دون توجيه وتأديب؟ الاخوة المحبون فقط منَحوني عونا كهذا، بالاضافة الى المساعدة المالية.» وقد اعتمد ڠيلِرمو في الـ ١٨ من العمر. وهو يخدم الآن كعضو من مستخدمي مكتب فرع جمعية برج المراقبة في بلده.
ثم هنالك جواوْن الذي، وهو صغير بعد، طرده من بيته مع اخوته ابوهم السكّير. لكنّ بقَّالا استخدم جواوْن. ولكونه مجتهدا حقَّق جواوْن نجاحا وسرعان ما كسب ثقة العمال الرفقاء والآخرين. وهو الآن رجل سعيد مع عائلته. تأملوا كذلك في روبرتو البالغ من العمر ١٢ سنة. فهو ايضا طردته عائلته. فمضى يعمل في تلميع الاحذية وبيع الحلويات، وفي ما بعد عمل كدهّان. فالرغبة في التعلُّم وفي العمل ساعدت جواوْن وروبرتو كليهما ان يتغلَّبا على عوائق كثيرة. انهما يتذكَّران لحظات القلق وعدم الامن كحدثين مشرَّدين، ولكنهما تشدَّدا بدرسهما الكتاب المقدس مع شهود يهوه. هذه الامثلة القليلة تُظهر ان الاولاد هم طبيعيا مرنون الى حدّ بعيد، وبالعون الصائب يمكنهم في النهاية ان يتغلَّبوا على الظروف المعاكسة وحتى الهجر.
وإضافة الى ذلك، عندما ينال الصغار التوجيه الابوي انسجاما مع كلمة اللّٰه تَنتج عائلات مستقرة، ومشاكل كالهجر والاساءة الى الاولاد لا تنشأ.
لماذا تفشل جهود الانسان
ومع ذلك، ان وجود ملايين الاولاد المشرَّدين يؤكِّد فشل الانسان في حلّ هذه المشكلة الخطيرة. وقد اقتُبس من مدير احدى وكالات خير الطفل، في مجلة تايم، قوله: «ان الشخص ذا الاضطرابات النفسية والعاهة العقلية، الشخص المريض — الجماعة الضعيفة المريضة — لا يمكن ان يتصرَّف كعاملِ تطوُّر.» وأنذرت المجلة نفسها بأنه، نتيجة لذلك، سيكون احد بلدان اميركا اللاتينية «مثقلا بملايين الراشدين الذين تنقصهم التغذية، العديمي المهارة وغير المثقَّفين الى حدّ بعيد، بحيث لا ينفذ فيهم ايّ نوع من التقدم الحضاري.»
بالنظر الى ذلك، هل تعتقدون ان تأثيرات سوء التغذية، الاساءة الجنسية، والعنف يمكن ان تحلها وسيلة بشرية فقط؟ هل تشعرون ان ايّ برنامج من صنع الانسان يمكن ان يسترد جميع اولاد الشارع بعد ان جاهدوا من اجل البقاء في الشوارع بين افراد قساة وعدوانيين؟ هل يمكنكم ان تتصوَّروا برنامجا لتعليم الوالدين العمل بمسؤولية تجاه ذريتهم؟ من المحزن القول ان جهود البشر، مهما كانت مخلصة، لا يمكن ان تحلّ كاملا مشكلة الاولاد المشرَّدين.
ولماذا؟ ان شخصا او شيئا ما يحول دون حلّ هذه المشكلة. وعلى نحو مثير للاهتمام، اثبت يسوع هوية شخص دعاه «رئيس هذا العالم.» (يوحنا ١٤:٣٠) انه الشيطان ابليس. (انظروا الصفحة ١٢.) وتأثيره الماكر على الجنس البشري هو العقبة الرئيسية في سبيل حلّ هذه المشاكل وإحراز السعادة الحقيقية. (٢ كورنثوس ٤:٤) لذلك فإن ازالة هذا المخلوق غير المنظورة وحشوده هي الزامية اذا كانت الاحوال البارة من اجل كل الاولاد المشرَّدين والافراد ذوي الحقوق المهضومة ستتحقَّق. اذًا، هل يمكننا ان نتطلَّع بيقين الى عالم دون اولاد الشارع والبؤس؟ وهل هنالك رجاء دائم حقيقي للاولاد المشرَّدين؟
[النبذة في الصفحة ٦]
‹مَن يريد مساعدة حدث كبر دون توجيه وتأديب؟›
[الاطار في الصفحة ٧]
اعلان الامم المتحدة لحقوق الطفل:
▪ الحق في اسم وجنسية.
▪ الحق في العاطفة، المحبة، والتفهم وفي الامن المادي.
▪ الحق في التغذية الملائمة، السكن، والخدمات الطبية.
▪ الحق في العناية الخصوصية اذا كان معاقا، سواء كان ذلك جسديا، عقليا او اجتماعيا.
▪ الحق في ان يكون بين اول مَن ينالون الحماية والإغاثة في كل الظروف.
▪ الحق في ان يكون محميّا من كل اشكال الاهمال، القسوة، والاستغلال.
▪ الحق في فرصة كاملة للَّعب والاستجمام وفرصة مساوية للتعليم المجاني والالزامي، لتمكين الطفل من تنمية قدراته الفردية والصيرورة عضوا نافعا في المجتمع.
▪ الحق في تنمية امكانيته الكاملة في احوال من الحرية والكرامة.
▪ الحق في التربية بروح من التفهم، التسامح، الصداقة بين الشعوب، السلام، والاخوَّة العالمية.
▪ الحق في التمتع بهذه الحقوق بصرف النظر عن العرق، اللون، الجنس، الدين، الرأي السياسي او غيره، الاصل القومي او الاجتماعي، والملكية، المولد، او وضع آخر.
ملخَّصٌ مؤسس على الامم المتحدة لكل انسان
[مصدر الصورة في الصفحة ٥]
Reuters/Bettmann Newsphotos
-
-
الاولاد المشرَّدون — هل هنالك حلّ؟استيقظ! ١٩٩٠ | كانون الثاني (يناير) ٨
-
-
الاولاد المشرَّدون — هل هنالك حلّ؟
ان الاشخاص الذين يهتمون حقا برفيقهم الانسان لا يريدون الاستسلام وكأنّما لا يمكن فعل المزيد من اجل الاولاد المشرَّدين. وهم يدركون ان اولاد الشارع يحتاجون الى اكثر من سقف فوق رؤوسهم. فالاولاد يفلحون عندما يكون لهم سلام العقل، عمل ممتع، صحة جيدة، وثقة بالنفس. والرجال والنساء الغَيْريون يقدِّمون انفسهم طوعا من اجل مصالح المشرَّدين، وهذا جدير بالمدح. ولكن، على الرغم من جهودهم، تستمر مشكلة اولاد الشارع.
والسبب هو ان النظام الحاضر الذي يديم الاحوال التي تُنتج اولادا مشرَّدين لا يمكن تقويمه. انه كسيارة محطَّمة لا يمكن اصلاحها. فعلى نحو واقعي، ألا يجب ان نعترف بأن قدرة الانسان الخلاَّقة وحدها لا يمكن ان تجلب مجتمعا بشريا عادلا؟
ولكنّ التغيير، لسعادتنا، ممكن — إنّما ليس بأيدٍ بشرية. فاللّٰه القادر على كل شيء وحده لديه الامكانية والحكمة ليزيل كليا ما هو مؤذٍ على الارض. وكلمته، الكتاب المقدس، تخبرنا عن ادارة بواسطة ملكوته السماوي وكيف ستحقِّق رغبة الانسان في احوال بارة هنا على الارض. — دانيال ٢:٤٤.
اللّٰه يهتم
هل تعتقدون انه من الممكن ان يزيل اللّٰه النظام الحاضر ويدخل طريقة حياة جديدة؟ اذا كان الامر كذلك فتذكَّروا انه ليس خلاص الانسان فقط وإنّما، قبل كل شيء، اسم يهوه اللّٰه يتعلق بالامر. ولكونه الخالق، المثال الفائق للنظام والمحافظة على الوقت، يؤكِّد لنا انه سيعمل في وقته المناسب وبطريقته المناسبة، وذلك بواسطة ملكوته. وفي الواقع، ليس هذا الملكوت شيئا غير محدَّد وغامضا بل هو حكومة سماوية، قادرة على تزويد الاشراف والارشاد التقدُّمي لمعالجة حاجات الانسان الحقيقية. — اشعياء ٤٨:١٧، ١٨.
والولد المشرَّد يمكنه ان يفكِّر جديا في كلمات داود في المزمور ٢٧:١٠: «ان ابي وأمي قد تركاني والرب يضمني.» ومن المشجع ايضا ان نعرف ان المنزلة الوضيعة في العالم لا تجعل المرء غير اهل للتعلُّم عن مشيئة اللّٰه. والامثال ٢٢:٢ تذكر: «الغني والفقير يتلاقيان. صانعهما كليهما الرب.» اجل، يمكن للبائسين، عندما يكونون مخلصين، ان يتأكَّدوا ان يهوه اللّٰه يرغب في مساعدتهم. — مزمور ١٠:١٤، ١٧.
يهتم يهوه بخيرنا ويعرف كيف يشبع رغباتنا الصائبة. وذات مرة سأل الاسرائيليين بواسطة النبي اشعياء: «أليس هذا صوما اختاره . . . أليس ان تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين (المشرَّدين) الى بيتك. اذا رأيت عريانا ان تكسوه.» (اشعياء ٥٨:٦، ٧) هذه هي المساواة والعدالة التي سيجلبها اللّٰه بواسطة حكومة ملكوته. فلن يجري تجاهل احد او معاملته وكأنه لم يكن موجودا. وهكذا، يخبرنا المزمور ١٤٥:١٩: «يعمل رضى خائفيه ويسمع تضرعهم فيخلصهم.» والمحبة للّٰه والرفيق الانسان ستكون القوة الرئيسية لتوحيد العائلة البشرية. ونتيجة لذلك ستُحلّ مشكلة الاولاد المشرَّدين. ولن يُترك احد وحده!
هل يعيق نقص الانسان قصد اللّٰه؟
كلا، لن يُسمح لميول الانسان الرديئة بإعاقة قصد يهوه ان يحوِّل الارض الى فردوس سرور. وأولئك الذين يحظون بامتياز العيش في عالم اللّٰه الجديد، إمّا لأنهم ينجون من معركة هرمجدون، كما هو موصوف في الكتاب المقدس، او لأنهم يُقامون من الاموات ليحيوا من جديد على الارض، سيجري تشجيعهم ان يبذلوا قصارى جهدهم. — يوحنا ٥:٢٨، ٢٩؛ رؤيا ١٦:١٤، ١٦.
وما من احد يتجاوب سيجد عمله عديم الجدوى. فستجري مكافأة عمله وفق ذلك. لاحظوا من فضلكم وعد اللّٰه: «لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل. لأنه كأيام شجرة ايام شعبي ويستعمل مختاري عمل ايديهم. لا يتعبون باطلا ولا يلدون للرعب لأنهم نسل مباركي الرب وذريتهم معهم.» (اشعياء ٦٥:٢٢، ٢٣) ألا ترغبون انتم وعائلتكم في رؤية اتمام هذه الكلمات؟ ويا له من فرح ان تعرفوا انه عندئذ لن تجدوا في ايّ مكان مجاعة، فقرا، بطالة او اولادا مشرَّدين!
ودون شك، ان اولئك الذين يعانون الحرمان في الوقت الحاضر، كما يعاني الاولاد المشرَّدون، سيقدِّرون على وجه اكمل بركات العائلة السعيدة والبيت المريح. وكما نقرأ في اشعياء ٦٥:١٧: «لا تُذكر الاولى ولا تخطر على بال.» فالاشخاص الذين يحظون بامتياز العيش آنذاك سيجدون ان الاحوال المعاكسة قد ولَّت الى الابد وأن الناس من كل الامم، اللغات، والعروق سيعملون معا في اخوَّة حبية. والوحدات العائلية التي تنجو الى ذلك الوقت ستستمر دون شك في اعطاء المجد للّٰه. والمزمور ٣٧:١١ يقول عن هذا الفردوس الارضي: «الودعاء . . . يرثون الارض ويتلذذون في كثرة السلامة.»
كيف يمكنكم ان تستعدوا للمستقبل؟
وحتى في الوقت الحاضر يمكن نيل المعرفة المانحة الحياة وتنمية صفات مرغوب فيها، كالمحبة واللطف. وكيف ذلك؟ ان يهوه يحبّ العائلة البشرية، وبواسطة ابنه، يسوع المسيح، ‹يجتذب الناس الى المسيح› بالاتصال بكلمته وشعبه. (يوحنا ٦:٤٤) وله ايضا هيئة على الارض ذات برنامج تعليمي يمكن ان يساعدكم على فعل مشيئة اللّٰه بحيث يمكنكم ان تتطلَّعوا بشوق الى حياة سعيدة وذات معنى الى الابد. وهكذا، فإن بشارة ملكوت اللّٰه يُكرز بها للذين هم في حاجة. (متى ٢٤:١٤) تقول كلمة اللّٰه: «مَن يحتقر قريبه يخطئ ومَن يرحم المساكين فطوبى له.» (امثال ١٤:٢١) ومن المبهج للقلب ان نعرف انه حتى ذوو الحقوق المهضومة يمكنهم ان يقتربوا الى اللّٰه اذا كان دافعهم صائبا. كتب صاحب المزمور: «أمّا انا فمسكين وفقير. اللَّهم أسرع اليَّ. معيني ومنقذي انت. يا رب لا تَبطؤ.» — مزمور ٧٠:٥.
نعم، يمكن لكلمة اللّٰه ان تعطيكم رجاء حقيقيا للمستقبل. لكنّ الاستعمال الشائع لكلمة «رجاء» لا يدل ضمنا على اليقين دائما. ففي البرازيل غالبا ما يسمع المرء التعبير: «A esperança é a última que morre» (المماثل للمثل الانكليزي «الامل ينبع على نحو سرمدي»). والفكرة هي البقاء على الرجاء حتى عندما يبدو ان لا اساس له. وبالتباين، تزوِّد الاسفار المقدسة اسبابا متينة للمحافظة على ايمان قوي باللّٰه ورجاء بمواعده. نقرأ في رومية ١٠:١١: «كل من يؤمن به لا يخزى.» فمثل هذا الرجاء المؤسَّس على الكتاب المقدس لا يقود الى الخيبة. وتماما كما ان روائع ارضنا حقيقية، وهي تشهد لحكمة يهوه ومحبته، كذلك فان اتمام نبوات الكتاب المقدس يجعل من الممكن ان تكون لكم نظرة ايجابية، رجاء اصيل للمستقبل. — رومية ١٥:١٣.
ان ملكوت اللّٰه هو الحل الحقيقي للاولاد المشرَّدين، نعم، لجميع الذين يحبون ما هو صواب. واكتساب معرفة الكتاب المقدس الدقيقة الآن سيمكِّنكم من التمتع بالسعادة والحياة الابدية في عالم اللّٰه الجديد. وتوقُّع هذه المواعد ليس من نتاج الخيال. وكما تعلن امثال ١١:١٩: «البر يؤول الى الحياة.»
[الاطار في الصفحة ١١]
حلّ مؤقَّت؟
ان يدًا ممدودة من طفل متشرِّد بنظرة مفعمة بالعاطفة يمكن ان تحرِّك القلب. ولكنّ الافراد المهتمين متحيِّرون في ما يتعلق بكيفية مساعدة ولد مشرَّد. ولكي يشعروا بذنب اقل يلقي بعض الناس القليل من النقود في راحة يد الولد ويبتعدون بسرعة. ومع ذلك، تكون احتمالات صرف الحسنة على الطعام والمأوى ضئيلة. وعوض ذلك، من الممكن تماما ان ينتهي بها الامر الى استعمالها لشراء المخدرات او الكحول. لذلك فإن بعض الراشدين المهتمين بشؤون المواطن يولون انتباههم ومالهم للبرامج المحلية التي ترعاها الحكومة، والتي يشعرون بأنها ستساعد الاولاد المشرَّدين. ويعتقد اناس آخرون ان الاقتراب العملي اكثر هو ان يوجِّهوا الولد المشرَّد الى الوكالة الملائمة للمساعدة. وبهذه الطريقة، فإن المواطنين المهتمين يشعرون بأنهم يحاولون جعل مجتمعهم اكثر انسانية.
-