-
هل ينفد الماء من العالم؟استيقظ! ٢٠٠١ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
هل ينفد الماء من العالم؟
«يعتمد بقاء الجنس البشري على قيد الحياة، سلامته، وتطوره الاقتصادي والاجتماعي على نيله باستمرار ما يكفي من الماء العذب وغير الملوَّث. لكننا ما زلنا نتصرف كما لو ان الماء العذب مورد غزير لا ينضب. وهو ليس كذلك». — كوفي انان، امين عام الامم المتحدة.
منذ الف سنة، تُعقد ظهر كل يوم خميس محكمة فريدة من نوعها في مدينة ڤَلَنسيا الاسپانية. ومهمتها حل الخلافات المتعلقة بالماء.
فالمزارعون الساكنون في سهول ڤَلَنسيا الخصبة يعتمدون على الرَّي، والرَّي يحتاج الى الكثير من الماء — الذي لم يكن يوما كافيا في هذه البقعة من اسپانيا. لذلك كلما شعر هؤلاء المزارعون انهم لا ينالون حصتهم من الماء لجأوا الى المحكمة المختصَّة. والخلافات على الماء ليست بالامر الجديد، لكنها نادرا ما تُحل بإنصاف كما تُحل في ڤَلَنسيا.
قبل حوالي ٠٠٠,٤ سنة، حصل خلاف حاد بين مجموعة رعاة بسبب بئر قرب منطقة بئر سبع في اسرائيل. (تكوين ٢١:٢٥) ومنذ ذلك الوقت، لم يتحسن الوضع في الشرق الاوسط بل صار اسوأ بكثير. فقد صرَّح على الاقل زعيمان بارزان في هذه المنطقة ان قضية الماء هي من القضايا التي قد تدفعهما الى اعلان الحرب على دولة مجاورة.
وفي البلدان شبه القاحلة في العالم، يثير موضوع الماء دائما ردود فعل قوية. والسبب بسيط: لا حياة دون ماء. وكما اوضح كوفي انان، «الماء العذب ثمين جدا، فلا يمكن ان نحيا بدونه. ولا بديل له. وهو مادة حساسة، اذ يؤثر النشاط البشري تأثيرا عميقا في كمية ونوعية المياه العذبة المتوفرة».
ان كمية ونوعية المياه العذبة في كوكبنا مهدَّدتان اليوم بشكل لم يسبق له مثيل. ولا ينبغي ان تخدعنا الكميات التي تبدو غزيرة والتي تنعم بها بعض المناطق المحظوظة في العالم.
الموارد المائية المتقلِّصة
قالت اليزابيث داودسويل، وكيلة الامين العام للامم المتحدة: «من اكبر التناقضات في الطبيعة البشرية اننا لا نقدِّر قيمة الاشياء إلّا بعد ان تندر». وأضافت: «نحن لا نقدِّر الماء إلّا عندما تجف البئر. ولا تجف الآبار في المناطق الجافة فحسب، بل ايضا في المناطق التي لا تشحّ عادة فيها المياه».
ان الذين يعانون شح المياه يوميا هم اكثر مَن يدركون عمق المشكلة. اليكم مثلا أسوكان، موظف في مكتب في مَدْراس بالهند. فهو مضطر ان يستيقظ كل يوم قبل انبلاج الفجر بساعتين، ان يحمل خمس دلاء ويتوجه نحو حنفية الماء العامة التي تبعد خمس دقائق سيرا على الاقدام. وبما ان الماء لا يتوفر إلّا بين الساعة الـ ٤ والساعة الـ ٦ صباحا، فعليه ان يصل باكرا وينتظر دوره في الصف. والماء الذي يعود به في دلائه الى البيت يجب ان يكفيه اليوم كله. لكنَّ الكثير من سكان الهند — وبليون شخص آخر على الارض — ليسوا ذوي حظوة مثله. فهم يفتقرون الى وجود حنفية ماء، نهر، او بئر قرب منزلهم.
وبين هؤلاء صبي يدعى عبد اللّٰه يعيش في منطقة «الساحل» في افريقيا. لقد اختفت المياه والاشجار منذ امد بعيد من ضيعته التي كانت يوما من الايام واحة حسبما تصفها اللافتة التي تذكر اسمها. واليوم يجلب عبد اللّٰه الماء لعائلته من بئر تبعد اكثر من كيلومتر.
وفي بعض اقطار العالم، صار الطلب على الماء العذب والنظيف يفوق ما هو متوفّر. والسبب بسيط: نسبة كبيرة من الناس تعيش في مناطق قاحلة او شبه قاحلة، حيث الماء شحيح منذ زمن بعيد. (انظروا الخريطة في الصفحة ٣.) وبحسب معهد البيئة في ستوكهولم، يعيش ثلث سكان العالم في مناطق تعاني نقصا في المياه يتراوح بين المعتدل والشديد. والطلب على الماء يزداد بنسبة تتجاوز ضعف نسبة ازدياد السكان.
لكنَّ مخزون الماء ثابت من حيث الاساس. صحيح ان حفر آبار اعمق وبناء سدود جديدة قد يجلبان الفرج مؤقتا، لكنَّ كمية الامطار المتساقطة على الارض وكمية الماء المخزَّنة في جوف الارض ثابتة لا تتغير. لذلك تُظهر حسابات علماء الارصاد الجوية انه في غضون ٢٥ سنة، قد تصير كمية الماء المتوفرة لكل فرد على الارض نصف الكمية المتوفرة اليوم.
التأثير في الصحة والطعام
كيف يؤثر شح المياه في الناس؟ بادئ ذي بدء، انه يؤذي صحتهم. صحيح انهم لن يموتوا من العطش، لكنَّ نوعية ماء الشرب والطهي الرديئة قد تمرضهم. توضح اليزابيث داودسويل: «تسبّب المياه الملوَّثة في البلدان النامية حوالي ٨٠ في المئة من الامراض وأكثر من ثلث الوفيات». ففي بلدان العالم النامي شبه القاحلة، تتلوَّث الموارد المائية باستمرار بفضلات البشر والحيوانات، مبيدات الآفات، الاسمدة، او المواد الكيميائية الصناعية. ولا حيلة للعائلة الفقيرة سوى استعمال المياه الملوّثة.
وكما تحتاج اجسامنا الى الماء لتصريف الفضلات، كذلك يلزم ماء غزير للتخلص منها. لكنَّ معظم الناس يفتقرون اليه. فقد ارتفع عدد الاشخاص الذين تنقصهم التدابير الصحية الملائمة من ٦,٢ بليونا سنة ١٩٩٠ الى ٩,٢ بليونا سنة ١٩٩٧، ما يعادل نصف عدد سكان الارض تقريبا. والتدابير الصحية هي حرفيا قضية حياة او موت. حذَّر رسميّان في الامم المتحدة كارول بيلامي ونيتين دِساي بالقول في بيان مشترك: «عندما يفتقر الاولاد الى الماء الصالح للشرب والتدابير الصحية، صحتهم ونموهم يكونان فعليا في خطر».
ويعتمد انتاج الطعام على الماء. صحيح ان الامطار تروي الكثير من المحاصيل الزراعية، لكنَّ استخدام وسائل الرَّي صار مؤخرا الطريقة الاساسية لإطعام سكان العالم الذين يزدادون بسرعة. فاليوم يعتمد ٣٦ في المئة من المحاصيل العالمية على الرَّي. لكنَّ المساحة الاجمالية للأراضي المزروعة المروية بلغت ذروتها منذ ٢٠ سنة، ثم استمرت تتقلص منذ ذلك الوقت.
اذا كان الماء يتدفق بقوة من كل حنفية في بيتنا وإذا كانت لدينا حمامات صحية يسهل فيها التخلص من الاقذار، فقد يصعب علينا التصديق ان الماء اللازم ينفد من العالم. لكن ينبغي ان نتذكر ان ٢٠ في المئة فقط من الجنس البشري يتمتعون بهذه الرفاهيات. ففي افريقيا تقضي نساء كثيرات ست ساعات يوميا في جلب الماء، الذي يكون ملوَّثا معظم الاحيان. وهؤلاء النساء يدركن اكثر بكثير من الآخرين الواقع المرير ان الماء النظيف وغير الملوَّث نادر وأن الحالة تزداد سوءا.
فهل يمكن ان تحل التكنولوجيا المشكلة؟ وهل يمكن الاقتصاد عند استعمال الماء؟ اين ذهب الماء؟ ستجيب المقالتان التاليتان عن هذه الاسئلة.
-
-
هل ينفد الماء من العالم؟استيقظ! ٢٠٠١ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
[الاطار في الصفحة ٥]
ازمة المياه
▪ التلوُّث في پولندا، ٥ في المئة فقط من مياه الانهار يصلح للشرب، و ٧٥ في المئة منها ملوَّث جدا لا يصلح حتى ليُستخدم في الصناعة.
▪ الموارد المدينية في مدينة مكسيكو، ثاني اكبر عاصمة في العالم، ينخفض منسوب المياه الجوفية، التي تغذي ٨٠ في المئة من مياه المدينة بشكل لا يُصدَّق. فالضخ يفوق ٥٠ في المئة وأكثر التجددَ الطبيعي لمنسوب الماء. وتعاني پكين، عاصمة الصين، مشكلة مشابهة. فقد نقص مكمنها المائي اكثر من متر خلال سنة، وجف ثلث آبارها.
▪ الرَّي شحَّ مكمن اوڠالالا المائي الهائل في الولايات المتحدة الى درجة ان ثلث الاراضي المروية في شمال غرب تكساس لم تعُد تُروى بسبب النقص في المياه. وتواجه الصين والهند كلتاهما، وهما ثاني وثالث اكبر بلدَين منتجَين للمواد الغذائية، ازمة مماثلة. ففي ولاية تاميل نادو الواقعة في جنوب الهند، انخفض منسوب المياه بسبب الرَّي اكثر من ٢٣ مترا في غضون عشر سنوات.
▪ انهار تختفي لم يعد نهر الغانج العظيم يصل الى البحر خلال الفصل الجاف، بسبب تحويل كل مياهه قبل ذلك. ويصح الامر عينه في نهر كولورادو في اميركا الشمالية.
[الخريطة في الصفحة ٣]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
حيث تنقص الموارد المائية
المناطق التي تفتقر الى الماء
-
-
اين تذهب كل المياه؟استيقظ! ٢٠٠١ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
اين تذهب كل المياه؟
تشيرّاپوندجي في الهند، هي احد الأماكن حيث تهطل اغزر الامطار على الارض. فخلال فصل الرياح الموسمية، يتساقط ٠٠٠,٩ مليمتر من الامطار على تلالها الجاثمة عند سفح جبال الهملايا. لكن ما يثير العجب هو ان تشيرّاپوندجي تعاني ايضا نقصا في المياه.
بسبب وجود القليل من النبات لاحتجاز مياه الامطار، تجري هذه المياه بالسرعة التي تهطل فيها من السماء. وبعد شهرين من انقضاء امطار الرياح الموسمية، تشحّ المياه. ومنذ سنوات، تحدث روبن كلارك عن تشيرّاپوندجي في كتابه الماء: الازمة الدولية (بالانكليزية)، واصفا إياها بأنها «الصحراء التي تهطل فيها اغزر الامطار على الارض».a
ومن تشيرّاپوندجي يقودنا مجرى النهر الى بنڠلادش القريبة المكتظة بالسكان، التي تتحمل بسبب موقعها المنخفض وطأة مياه الرياح الموسمية المندفعة بغزارة عبر منحدرات التلال العارية في الهند ونيپال. وفي بعض السنوات، تكتسح الفيضانات ثلثي بنڠلادش. لكن ما ان تهمد مياه الفيضانات، حتى يسيل نهر الغانج هزيلا رقيقا وتجف الارض. ان اكثر من ١٠٠ مليون شخص في بنڠلادش يواجهون هذه الدورة السنوية القاسية من الفيضانات والجفاف. وما يزيد الطين بلة ان مياه الآبار هناك تتلوَّث بالزرنيخ، الذي سمَّم على الارجح ملايين الناس حتى الآن.
اما في مدينة نوكوس في اوزبكستان، القريبة من بحر آرال، فلا تأتي المشكلة من الزرنيخ بل من الملح. فالقشور البيضاء المترسِّبة تغلف نبتات القطن وتعيق نموها، اذ ان الملح يرتفع من التربة التحتية المشبَّعة بالماء ويتجمع على سطحها. وهذه المشكلة التي تدعى التمليح ليست بجديدة. فمنذ اربعة آلاف سنة تدهورت الزراعة في بلاد ما بين النهرين للسبب عينه. ان الرَّي الكثير الذي لا يرافقه تصريف جيد للماء يجعل الملح الموجود في التربة يتجمع على سطحها. وللحصول على غلة معقولة، ينبغي استعمال المزيد والمزيد من المياه العذبة. لكن في النهاية تصبح التربة غير نافعة — للأجيال القادمة.
اين تذهب كل المياه؟
للأسف، غالبا ما تأتي الامطار غزيرة وجارفة، فلا تسبب الفيضانات فحسب بل ايضا سيولا تجري باتجاه البحر. وتغزر الامطار في بعض الاماكن في حين تقل في اماكن اخرى. فمن المعروف ان معدل الامطار في تشيرّاپوندجي يبلغ اكثر من ٠٠٠,٢٦ مليمتر على مدى ١٢ شهرا، في حين يندر جدا تساقط الامطار طوال سنوات في صحراء آتاكاما الواقعة في شمالي تشيلي.
بالاضافة الى ذلك، يعيش معظم الناس حول الارض في مناطق لا تغزر فيها المياه. على سبيل المثال، قليلون نسبيا يعيشون في المناطق المدارية من افريقيا وأميركا الجنوبية حيث تغزر الامطار. ومع ان نهر الأمازون العظيم يُفرغ ١٥ في المئة من الصرف السطحي العالمي السنوي في المحيط الاطلسي، لا يستهلك العدد الضئيل من الناس في تلك المنطقة سوى القليل جدا من الماء. من جهة اخرى، يعيش نحو ٦٠ مليون شخص في مصر، حيث معدل تساقط الامطار قليل جدا، فيضطرون الى استعمال مياه النيل التي تُستنفد لتلبية كل حاجاتهم تقريبا.
ان هذا التباين في كمية المياه المتوفرة لم يكن ليُحدث قبل سنوات مشاكل خطيرة. فوفقا لأحد الاستطلاعات، لم تكن اية منطقة في الارض تعاني سنة ١٩٥٠ شحّا شديدا او شديدا جدا في المياه. لكنَّ ايام المياه الغزيرة ولَّت. ففي المناطق القاحلة في افريقيا الشمالية وآسيا الوسطى، صارت كمية المياه المتوفرة للشخص عُشر ما كانت عليه سنة ١٩٥٠.
وبالاضافة الى ازدياد عدد السكان وقلة الامطار في الكثير من المناطق المكتظة، ازداد الطلب على الماء لأسباب اخرى ايضا. ففي العالم اليوم، يرتبط التقدم والازدهار ارتباطا وثيقا بتوفر مخزون مياه سليم.
الطلب المتزايد على المياه
اذا كنتم تعيشون في بلد صناعي، فلا شك انكم لاحظتم ان المصانع تحتشد حول الانهار المهمة. والسبب بسيط: الصناعة تحتاج الى الماء لإنتاج كل شيء تقريبا، من اجهزة الكمپيوتر حتى مشابك الورق. كما تُستخدم كمية كبيرة من المياه في تصنيع المواد الغذائية. ونجد محطات توليد الكهرباء قرب البحيرات او الانهار بسبب حاجتها المستمرة الى كميات هائلة من المياه.
وفي الزراعة، تعظم الحاجة الى الماء اكثر. ففي اماكن كثيرة تكون الامطار اما قليلة جدا او لا يُعتمد عليها بتاتا لإنتاج محاصيل وافرة، لذلك بدا الرَّي الحل المثالي لإطعام كوكب جائع. وبسبب الاعتماد على المحاصيل المروية، تستعمل الزراعة جزءا كبيرا من المياه العذبة في الارض.
بالاضافة الى ذلك، يزداد استهلاك المياه في البيوت. فخلال تسعينات الـ ١٩٠٠، احتاج عدد مذهل من سكان المدن الجدد، بلغ ٩٠٠ مليون نسمة، الى تدابير صحية ملائمة وإلى الحصول على ماء غير ملوَّث. ولم تعد مصادر المياه التقليدية مثل الانهار والآبار تكفي المدن الكبيرة. مثلا، تضطر مدينة مكسيكو اليوم الى مدّ انابيب لجر المياه من مسافة تبعد اكثر من ١٢٥ كيلومترا، ضاخة اياها عبر سلسلة جبال تعلو ٢٠٠,١ متر فوق المدينة. يقول ديتر كرامر في تقريره الماء: مصدر الحياة (بالانكليزية) ان هذه الحالة هي «اشبه بأخطبوط؛ فالاذرع تخرج من المدينة سعيا وراء الماء».
وبالتالي فإن الصناعة، الزراعة، والمدن تصرخ كلها من اجل المزيد من الماء. وقد لُبِّي الكثير من متطلباتها في الوقت الحاضر من خلال استعمال احتياطي الماء في كوكبنا — المياه الجوفية. فالمكامن المائية هي احد مستودعات المياه العذبة الاساسية في الارض. لكنَّ ذلك لا يعني انها لا يمكن ان تنضب. فهذه المستودعات المائية هي مثل المصارف: لا يمكنكم ان تستمروا في سحب المال منها اذا كانت ودائعكم قليلة، فعاجلا ام آجلا سيحين وقت تصفية الحسابات.
استعمال وإساءة استعمال المياه الجوفية
ان المياه الجوفية هي مصدر الماء الذي نجده عندما نحفر بئرا. يذكر تقرير المياه الجوفية: المورد الخفي والمعرَّض للخطر (بالانكليزية)، الصادر عن صندوق رعاية الطفولة التابع للامم المتحدة (اليونيسف)، ان نصف كمية المياه المستعملة في المنازل او في ريّ المحاصيل يأتي من هذا المصدر. وبما ان نسبة التلوُّث في المياه الجوفية هي عادة اقل منها في المياه السطحية، فهي تزوِّد المدن والقرى على السواء بالكثير من مياه الشرب ايضا. وإذا جرى الاستقاء من المياه الجوفية بشكل معتدل يبقى هذا المورد مستقرا، اذ تتجدد مياهه قانونيا بواسطة الامطار التي تتسرب بهدوء الى هذه الخزّانات الجوفية. لكنَّ الجنس البشري يستعمل طوال عقود كميات من الماء تفوق كثيرا ما يمكن ان تعوضه الدورة المائية الطبيعية.
والنتيجة هي ان مستوى المياه الجوفية ينخفض، ويصير الحفر عميقا لبلوغها مكلِّفا جدا او غير عملي. وعندما تجف الآبار، تنتج الكوارث الاقتصادية والبشرية. وقد بدأت الهند تُبتلى بمثل هذه الكوارث. وإذ يعتمد توفير القوت اللازم لإطعام بليون شخص يعيشون في السهول الوسطى من الصين والهند على الماء المخزَّن في جوف الارض، يبدو المستقبل قاتما.
وبالاضافة الى النقص في المياه الجوفية يساهم تلوّثها في خطورة الوضع. فالسماد الزراعي، فضلات البشر والحيوانات، والمواد الكيميائية الصناعية تتسرب كلها الى المياه الجوفية. يوضح تقرير نشرته المنظمة العالمية للارصاد الجوية: «عندما يتلوَّث المكمن المائي يمكن ان تستغرق الاجراءات لمعالجة الوضع وقتا طويلا، وقد تكون مكلفة ومستحيلة ايضا. ويُدعى التسرّب البطيء للمواد الملوِّثة الى المياه الجوفية ‹قنبلة كيميائية موقوتة›. فهو يهدِّد الجنس البشري».
والمفارقة الاخيرة العجيبة هي ان المياه التي تُضخ من المكامن المائية الجوفية قد ينتهي بها المطاف الى إلحاق الضرر بالارض نفسها التي كان يُفترض ان ترويها. فالكثير من الاراضي المروية في البلدان القاحلة او شبه القاحلة من العالم يعاني اليوم التمليح. وقد تضرر بشدة ٢٥ في المئة من الاراضي المروية في الهند والولايات المتحدة، وهما اثنان من اكبر البلدان المنتجة للمواد الغذائية في العالم.
لا تبذِّر فتفقَر
رغم كل هذه المصاعب، يمكن ان يكون الوضع افضل اذا استُعملت مياه الارض النفيسة بتأنٍ اكبر. فوسائل الرَّي غير الفعالة غالبا ما تؤدي الى هدر ٦٠ في المئة من الماء قبل ان يصل الى المحاصيل. وبالنسبة الى المياه الصناعية، فإن زيادة الفعالية — باستعمال التكنولوجيا المتوفرة — يمكن ان تخفض استهلاكها الى النصف. حتى استعمال المياه في المدن قد ينخفض ٣٠ في المئة اذا أُصلحت الانابيب المكسورة بسرعة.
تتطلب اجراءات الحفاظ على الماء الارادة والوسيلة على السواء. فهل مِن اسباب سليمة تجعلنا نثق ان المياه النفيسة في ارضنا ستُحفظ للاجيال القادمة؟ ستعالج مقالتنا الاخيرة هذا السؤال.
[الحاشية]
a انظروا المقالة «تشيرّاپوندجي — احد الأماكن حيث تهطل اغزر الأمطار على الارض»، في عدد ٨ ايار (مايو) ٢٠٠١ من استيقظ!.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
الماء يدير عجلة الحياة
جميع العمليات الصناعية تقريبا تستهلك كميات كبيرة من الماء.
◼ يمكن ان يستهلك انتاج طن واحد من الفولاذ ٢٨٠ طنا من الماء.
◼ قد يلزم ٧٠٠ كيلوڠرام من الماء لصناعة كيلوڠرام واحد من الورق (اذا لم يُعِد المصنع تكرير الماء).
◼ لصنع سيارة اميركية نموذجية، تلزم كمية ماء تفوق ٥٠ مرة وزن السيارة.
في مجال الزراعة، كما في الصناعة، تتطلب تربية الحيوانات ايضا كميات هائلة من الماء وخصوصا اذا كانت المواشي تُربّى في المناطق شبه القاحلة من الارض.
◼ لإنتاج كيلوڠرام واحد من شرائح اللحم من بقر كاليفورنيا يلزم ٥٠٠,٢٠ لتر من الماء.
◼ لتنظيف وتجميد دجاجة واحدة فقط يلزم على الاقل ٢٦ لترا من الماء.
[الرسم/الصور في الصفحة ٨]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
اين يُستعمل الماء؟
في المنازل ١٠٪
في الصناعة ٢٥٪
في الزراعة وتربية الحيوانات ٦٥٪
[الصورتان في الصفحة ٩]
ملايين اللترات من الماء تُبدَّد بسبب انابيب المياه المكسورة والحنفيات التي تُترك مفتوحة
[مصدر الصورة]
AP Photo/Richard Drew
-
-
سعيًا وراء ماء الحياةاستيقظ! ٢٠٠١ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
سعيًا وراء ماء الحياة
منذ اكثر من ألفي سنة، تبوأت مدينة من ٠٠٠,٣٠ نسمة عرش المجد في صحراء شبه الجزيرة العربية. ورغم مناخ المنطقة القاسي، حيث يبلغ معدل هطول الامطار ١٥٠ مليمترا في السنة فقط، تعلم سكان مدينة البتراء ان يتكيفوا مع قلة المياه. ونعمت البتراء بالثراء والازدهار.
لم يكن لدى سكان البتراء، الانباط، مضخات ماء كهربائية. ولم يبنوا سدودا ضخمة. لكنهم عرفوا كيف يجمعون مياههم ويحافظون عليها. فقد اتاحت لهم شبكة هائلة من خزانات، سدود، قنوات، وأحواض صغيرة ان يمدوا مدينتهم وقطع اراضيهم الصغيرة بالمياه المخزَّنة بعناية. ولم تكن لتفقد قطرة ماء واحدة. فبناء آبارهم وأحواضهم كان من الجودة بمكان، حتى ان البدو لا يزالون يستعملونها حتى ايامنا هذه.
صرح احد الاختصاصيين في علم المياه مندهشا: «ان التقنية التي طورها [الانباط] للاستفادة من المياه هي الوجه الخفي لجمال البتراء. فيا لهم من عباقرة». وقد سعى خبراء اسرائيليون مؤخرا ان يتعلموا من عبقرية الانباط الذين زرعوا ايضا المحاصيل في النَّقب، حيث لا يتعدى معدل هطول الامطار ١٠٠ مليمتر في السنة. وفحص بعض مهندسي الزراعة بقايا الآلاف من مزارع الانباط الصغيرة التي تميَّز مالكوها بالمهارة في توجيه ماء الشتاء عبر قنوات الى الحقول الصغيرة الممهَّدة على شكل مصاطب.
واليوم يستفيد المزارعون في دول «الساحل» الافريقية المبتلية بالجفاف من الدروس التي تعلَّموها من الانباط. لكنَّ الطرائق العصرية للحفاظ على الماء يمكن ان يكون لديها نفس الفعالية. ففي لانزاروت، احدى جزر كاناري، التي تقع قبالة ساحل افريقيا، تعلم المزارعون كيف يزرعون العنب والتين حيث لا تكاد الامطار تهطل تقريبا. فهم يغرسون الكروم او اشجار التين في قعر حفر مستديرة ثم يغطون التربة بطبقة من الرماد البركاني لمنع التبخر. فيتغلغل الى الجذور بعد ذلك ما يكفي من الندى لضمان محصول جيد.
حلول التقنيات البسيطة
يمكن ايجاد روايات مشابهة عن التكيف مع المناخ الجاف في كل اقطار العالم — مثلا، بين شعب بشنوي الذي يعيش في صحراء ثار في الهند؛ نساء توركانا في كينيا؛ وهنود النَّاڤاهو في آريزونا بالولايات المتحدة الاميركية. والوسائل التي يستعملونها لجمع مياه الامطار، والتي تعلموها على مر قرون عديدة، تثبت فعاليتها في حل المشاكل الزراعية اكثر بكثير من الحلول التي تقدمها التقنيات المتطورة المذهلة.
لقد كان القرن العشرون عصر بناء السدود. فسُخِّرت الانهار العظيمة وطوِّرت انظمة الرَّي الضخمة. ويقدِّر احد العلماء ان ٦٠ في المئة من مجاري المياه والانهار في العالم يجري التحكم به بطريقة او بأخرى. وفي حين ان هذه المشاريع تجلب بعض المنافع، يشير علماء البيئة الى الضرر الذي خلَّفته في البيئة، بالاضافة الى تأثيرها في ملايين الناس الذين خسروا منازلهم.
علاوة على ذلك، ورغم النوايا الحسنة، نادرا ما يستفيد المزارعون الذين هم بأمس الحاجة الى الماء من هذه المشاريع. قال رئيس الوزراء السابق راجيف غاندي متحدثا عن مشاريع الرَّي في الهند: «طوال ١٦ سنة، انفقنا المال الكثير. ولكن لم يحصل الناس في المقابل على شيء: لا ريّ، لا ماء، لا زيادة في الانتاج، ولا تحسُّن في حياتهم اليومية».
من جهة اخرى، اثبتت الحلول التي تقدمها التقنيات البسيطة انها اكثر فائدة وأقل ايذاء للبيئة. فالاحواض والسدود الصغيرة التي بنتها المجتمعات المحلية لاقت نجاحا كبيرا في الصين، حيث بنيت ستة ملايين منها. وفي اسرائيل وجد الناس انه بقليل من الابداع، يمكن استعمال الماء نفسه للغسل اولا، للتدابير الصحية ثانيا، وللريّ اخيرا.
اما الحل العملي الآخر فهو الريّ بالتنقيط الذي يحافظ على التربة ويستهلك ٥ في المئة فقط من الماء المصروف عادة بالطرائق التقليدية. واستخدام الماء بشكل حكيم يعني ايضا اختيار زراعة المحاصيل التي تلائم المناخ الجاف، مثل الصَّرْغوم، والدُّخن، عوض المحاصيل التي تحتاج الى الكثير من الريّ مثل قصب السكر والذرة.
وبقليل من الجهد، يمكن ان يحدّ الناس من استهلاكهم للماء سواء في الاستعمال المنزلي او الصناعي. مثلا، يمكن ان يصنَّع كيلوڠرام من الورق بحوالي لتر من الماء اذا أُعيد تكرير الماء، مما يؤدي الى توفير ٩٩٪ من الماء الذي كان يُستعمَل. وقد ابدلت مدينة مكسيكو الحمامات التقليدية بحمامات تحتاج الى ثلث كمية الماء فقط. ورعت المدينة ايضا حملة تثقيفية هدفت الى خفض استعمال الماء الى حد كبير.
ما هو المطلوب للنجاح
يتطلب ايجاد الحلول لأزمة المياه — ومعظم المشاكل البيئية — التغيير في المواقف. فيلزم ان يتعاون الناس بعضهم مع بعض ويتجردوا من انانيتهم، يقوموا بالتضحيات المعقولة حيث يلزم، ويصمِّموا على الاهتمام بالارض من اجل الاجيال القادمة. وبشأن هذا الامر، توضح ساندرا پوستِل في كتابها الواحة الاخيرة — مواجهة شُحّ المياه (بالانكليزية): «نحتاج الى مجموعة من المبادئ الاخلاقية ترشدنا في ما يتعلق بقضية الماء، مبادئ تساعدنا ان نتصرف بطريقة صائبة حين يكون علينا اختيار قرارات لا يسهل ابدا اتخاذها بسبب التعقيدات التي تكتنفها والتي تتعلق بأنظمة الطبيعة التي لا ولن نفهمها كاملا».
طبعا، تتطلب مثل هذه ‹المبادئ الاخلاقية المتعلقة بالماء› اكثر من مجرد بذل جهود على صعيد محلي. فينبغي ان تتعاون البلدان مع جيرانها لأن الانهار لا تقيدها الحدود الدولية. يقول اسماعيل سراج الدين في تقريره التغلب على ازمة المياه (بالانكليزية): «ان المسائل المتعلقة بكمية ونوعية المياه — التي عولجت في الماضي كلٌّ على حدة — ينبغي ان تعتبر اليوم قضية عالمية».
لكنَّ حث البلدان على حل القضايا العالمية ليس بالمهمة السهلة، كما يعترف امين عام الامم المتحدة كوفي انان اذ يقول: «في عصر العولمة هذا، ما زالت الوسائل المتوفرة لبذل جهود متضامنة عالميا بدائية. وقد حان الوقت لكي نترجم عمليا فكرة ‹المجتمع الدولي›».
من الواضح ان ما نحتاج اليه للتمتع بحياة مفعمة بالصحة والسعادة لا يقتصر على وجود مخزون مياه ملائم — رغم اهميته للحياة. فعلى البشر الاعتراف اولا بالتزامهم تجاه الذي زودهم بالماء والحياة على السواء. (مزمور ٣٦:٩؛ ١٠٠:٣) فعوض ان يستثمروا الارض ومواردها دون ان يتحلوا ببعد النظر، يلزم ان ‹يعملوها ويحفظوها› كما امر الخالق ابوينا الاولين ان يفعلا. — تكوين ٢:٨، ١٥؛ مزمور ١١٥:١٦.
نوع اسمى من الماء
بما ان الماء ضروري الى هذا الحد، فلا عجب ان يُعطى في الكتاب المقدس معنى رمزيا. ولكي نتمتع بالحياة كما كان القصد منذ البدء، يجب ان نعترف بمصدر هذه المياه الرمزية. كما يجب ان نتعلم ان نعكس موقف المرأة التي عاشت في القرن الاول وطلبت من يسوع المسيح: «يا سيد، أعطني هذا الماء». (يوحنا ٤:١٥) تأملوا في ما حدث.
لقد توقف يسوع بجانب بئر عميقة تقع قرب مدينة نابلس العصرية، البئر نفسها التي غالبا ما يؤمها اليوم اناس من كل اقطار العالم. وأتت امرأة سامرية ايضا الى البئر. ولا شك انها كانت تقصد المكان قانونيا لاستقاء الماء لبيتها، شأنها في ذلك شأن نساء كثيرات من القرن الاول. لكنَّ يسوع قال انه يمكن ان يعطيها «ماء حيا» — مصدر ماء لا ينضب ابدا. — يوحنا ٤:١٠، ١٣، ١٤.
من الطبيعي ان يُثار اهتمام المرأة. لكنَّ ‹الماء الحي› الذي تكلم عنه يسوع لم يكن طبعا ماء حرفيا. فقد عنى يسوع التدابير الروحية التي تمكِّن الناس من العيش الى الابد. فهنالك صلة ما بين الماء الرمزي والماء الحرفي، فنحن نحتاج الى الاثنين لنتمتع بالحياة كاملا.
في اكثر من مناسبة، حلَّ اللّٰه مشكلة النقص الفعلي في المياه الذي عانى منه شعبه. فقد ساعد الجموع الغفيرة من الاسرائيليين اللاجئين الذي عبروا صحراء سيناء في طريقهم الى ارض الموعد بتزويدهم عجائبيا بالماء. (خروج ١٧:١-٦؛ عدد ٢٠:٢-١١) كما طهَّر أليشع، نبي اللّٰه، بئر اريحا بعدما اصبحت ملوَّثة. (٢ ملوك ٢:١٩-٢٢) وعندما رجعت بقية من الاسرائيليين التائبين من بابل الى موطنهم، قادهم اللّٰه الى ‹الماء في البرية›. — اشعياء ٤٣:١٤، ١٩-٢١.
وما تحتاج اليه ارضنا اليوم على وجه السرعة هو مصدر ماء لا ينضب. وبما ان خالقنا، يهوه اللّٰه، حلَّ مشاكل الماء في الماضي، أفلن يحلّها مجددا في المستقبل؟ يؤكد لنا الكتاب المقدس انه سيفعل ذلك. ويقول اللّٰه واصفا الاحوال في ظل ملكوته الموعود به: «أفتح على الهضاب انهارا وفي وسط البقاع ينابيع. أجعل القفر اجمة ماء والارض اليابسة مفاجر مياه. لكي ينظروا ويعرفوا ويتنبهوا ويتأملوا معا ان يد الرب فعلت هذا». — اشعياء ٤١:١٨، ٢٠.
ويعدنا الكتاب المقدس ان الناس آنذاك ‹لن يجوعوا ولن يعطشوا›. (اشعياء ٤٩:١٠) فبفضل ادراة عالمية جديدة، سيكون هنالك حل نهائي لأزمة الماء. وهذه الادارة — الملكوت، الذي علمنا يسوع ان نصلي من اجل إتيانه — ستعمل «بالحق والبر من الآن الى الابد». (اشعياء ٩:٦، ٧؛ متى ٦:٩، ١٠) ونتيجة لذلك، سيؤلف الناس في كل اقطار العالم مجتمعا دوليا حقيقيا. — مزمور ٧٢:٥، ٧، ٨.
فإذا بحثنا الآن عن ماء الحياة، يمكن ان نتطلع بشوق الى يوم ستتوفر فيه حقا مياه تكفي الجميع.
[الصورتان في الصفحة ١٠]
في الاعلى: سكان البتراء القدماء عرفوا كيف يحافظون على الماء
في الاسفل: قناة ماء صنعها الانباط في البتراء
[مصدر الصورة]
Garo Nalbandian
[الصورة في الصفحة ١٠]
تعلم المزارعون في احدى جزر كاناري كيف يزرعون النبات حيث لا تكاد الامطار تهطل تقريبا
[الصورتان في الصفحة ١٣]
ماذا عنى يسوع عندما وعد هذه المرأة ان يعطيها «ماء حيا»؟
-