-
نمو عدد السكان العالمي — مسألة حيويةاستيقظ! ١٩٩١ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
نمو عدد السكان العالمي — مسألة حيوية
«الطفل الخمسة آلاف مليون.» ذلك كان ما دعت به حكومة الصين وانڠ هي، طفلة وُلدت في مستشفى في پكين في ١١ تموز ١٩٨٧، في منتصف الليل. وما اذا اوصلت تلك الطفلة فعليا عدد السكان الاجمالي للعالم الى ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٥ في ذلك الحين، لا احد يعرف. ومع ذلك، فقد وُلدت في الوقت المحدَّد الذي عيَّنته الامم المتحدة بصفته الوقت الذي فيه يبلغ عدد سكان العالم هذا الرقم. والحكومة الصينية انما استغلت الحدث لتصوِّر بطريقة مسرحية المسألة الكبيرة لنمو عدد السكان التي تواجه الصين والعالم.
تشير الاحصاءات الى ان عدد الناس على الارض يتزايد بنسبة تنذر بعض الخبراء بالخطر. وبنسبة النمو الحالية، سيتضاعف عدد سكان الارض خلال نحو ٤٠ سنة فقط. وبنسبة التقدم هذه، يقول لنا الخبراء، فان مقدار الطعام اللازم لاطعام سكان العالم سيفوق قريبا الانتاج، وستكون النتيجة جوعا عالميا. وعلاوة على ذلك، بما ان مخزون العالم للموارد الطبيعية محدود، فسيستنفدها سريعا جدا عدد سكان متزايد، ويمكن ان يعني ذلك فقط كارثة عالمية. واذا كان النقص في الطعام والموارد لا يسبب دمارنا، يقول الخبراء، فإن الضرر البيئي الذي نسببه سيفعل ذلك بمنتهى التأكيد. فنحن حرفيا نخنق انفسنا بما نفعله للهواء، الماء، والارض، والمزيد من الناس سيزيدون فقط سرعة ذلك. ويبدو كل هذا مثل كارثة توشك ان تحدث.
ولكن، ماذا يمكن فعله بشأن ذلك؟ هنالك آراء كثيرة حول القضية. فيشعر البعض انه ما لم يُتخذ اجراء قاس للتخفيف من نمو عدد السكان، سيجري تهديد خير كل البشر. ويعتقد الآخرون انه كما صحّ في الماضي، سيجري ايجاد طرائق جديدة لمعالجة المشاكل المتعلقة بالطعام، الموارد، التلوُّث، وأي شيء آخر مشمول. ولا يزال الآخرون يشعرون ان عدد السكان الاجمالي سيستقر في آخر الامر، لذلك لا يلزم الانفعال اكثر مما ينبغي بشأن ذلك. وفي الواقع، هنالك آراء وافكار متطرفة حول كل وجه تقريبا من الموضوع. فمن الواضح ان نمو عدد السكان العالمي مسألة مثيرة للجدل وحيوية.
لكنَّ ما هو جدير بالملاحظة هو ان الناس الذين يعيشون في البلدان التي لا تزال فسيحة وغنية نسبيا هم عموما الاشخاص الذين يتكلمون جهارا بمنتهى القوة عن الهلاك الآتي. انهم يعبِّرون عن مخاوفهم لانهم يشعرون ان مستوى عيشهم او خيرهم المستقبلي مهدَّد. ولكن ماذا عن اولئك العائشين في البلدان الافقر، المتخلفة، والمكتظة بالسكان؟ كيف يشعرون بشأن مسألة عدد السكان؟ ما هي عليه الحياة في البقع المزدحمة للعالم؟
تأخذكم استيقظ! الى بعض الاماكن الحافلة اكثر في العالم لتقدِّم لكم لمحة مباشرة لما هو عليه العيش تحت ضغط الانفجار السكاني ولمساعدتكم على فهم بعض المسائل المشمولة.
-
-
يوم في حياتي في هونڠ كونڠ الحافلةاستيقظ! ١٩٩١ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
يوم في حياتي في هونڠ كونڠ الحافلة
هونڠ كونڠ هي احد الاماكن الآهلة بالسكان على نحو كثيف جدا في العالم. وب ٨,٥ ملايين شخص يسكنون في الـ ٤١٣ ميلا مربعا (٠٧٠,١ كلم٢) التي لها من الارض، لديها ٤٨٣,١٤ شخصا في كل ميل مربع (٥٩٢,٥ في كل كلم٢). وبما ان ١٠ في المئة فقط من الارض مسكون، يمثِّل ذلك معدلا من نحو ٠٠٠,١٤٠ في كل ميل مربع (٠٠٠,٥٤ في كل كلم٢) مسكون! ومع ذلك، يبدو ان الشعب المحلي تكيَّف على نحو رائع مع النشاط المفرط والصاخب لمدينة حافلة، بمساحتها الضيقة للعيش، حركة مرورها المحدثة ضجيجا شديدا، وتلوثها.
ايقظني الصوت الحاد لمنبِّهي عند الساعة ٣٠:٧ قظ، نهضت من فراش اريكتي، وارتديت بسرعة. انني اشارك والديَّ وثلاث اخوات اصغر سنا، وجميعهم يعملون، في الشقة الصغيرة. وهكذا، هنالك دائما وقوف في الصف للحمام، ووقتنا محدود. بعد فطور سريع، امسك بدراجتي للرحلة الى محطة القطار. لقد بدأت المحنة اليومية. وأصير واحدا من الحشد الضخم المتَّجه الى العمل في هونڠ كونڠ ذات النشاط الصاخب.
يأخذني قطاري مندفعا بسرعة مجتازا المساكن المملوءة على نحو متراصّ وناطحات السحاب الآهلة بالسكان على نحو كثيف. وأنتقل بعد ذلك الى باص لأعبر المرفأ. ونتقدم عبر نفق، في حركة مرور كثيفة. ويا لها من راحة ان اطلع الى جزيرة هونڠ كونڠ حيث يقع مكتبي في المنطقة المالية المركزية. ويمكن ان تقتضي الرحلة بكاملها ما يتراوح بين الساعة والساعة والنصف، اذ يتوقف ذلك على حركة المرور. وأخيرا اصل في الساعة ٣٠:٩ . ولكن ليس هنالك وقت للاسترخاء — يبدأ جرس الهاتف بالرَّنين. زبوني الاول للنهار. ويصير ذلك قصة نهاري — مكالمة بعد اخرى، اذ يكون الهاتف مشغولا في اغلب الاحيان. وبعد ذلك راحة قصيرة للغداء.
ان المشكلة الآن هي ايجاد مقعد في احد المطاعم المتعددة في المنطقة. فيبدو كما لو ان كل امرىء يحاول ان يأكل في الوقت نفسه وفي المكان نفسه وغالبا على المائدة نفسها! ومرة ثانية اشارك غرباء كاملا في مائدتي. هذه هي الحياة في هونڠ كونڠ الحافلة. ثم بعد وجبتي الصينية السريعة ولكن المغذية، اعود ثانية الى المكتب.
يُفترض ان ينتهي يوم عملي عند الساعة ٣٠:٥، ولكن قلما يكون ذلك ممكنا. وكما يجري توقعه، عندما استريح اخيرا وأنظر الى الساعة، تكون ١٥:٦ . وفي بعض الايام يكون الوقت قد تجاوز كثيرا الساعة السابعة قبل ان اتمكن من المغادرة. وبعد ذلك تأتي الرحلة ثانية الى البيت.
اولا الباص، ثم القطار. وأخيرا يصل الى محطتي، وأتجه الى دراجتي. وفيما اركب دراجتي عائدا الى البيت، اتذكر كيف نمَت بلدتنا الصغيرة الى مدينة عصرية ذات نشاط صاخب ومتضخمة. فاستُبدلت البيوت القروية المنخفضة بمبان شاهقة بالغة الارتفاع، علوها من ٢٠ الى ٣٠ طابقا. وحلَّت الطرق العامة الكبيرة والواسعة محل الاقسام الكبيرة من الارض، والممرات العلوية الهائلة تعجُّ بموكب متواصل من السير المحدث ضجيجا شديدا. لقد انقضت طريقة الحياة المتمهلة القديمة الى الابد.
ان البيت صغير الى حد ما — اقل من ٣٠٠ قدم مربعة (٢٨ م٢) لنا نحن الستة ولا توجد غرفة خاصة بي. لهذا السبب انام على اريكة في غرفة الجلوس. وعلى الاقل يملك والداي غرفة لهما، وتنام اخواتي الثلاث على اسرَّة فوق بعضها في غرفتهن البالغة الصغر. ان العزلة رفاهية بالنسبة الينا.
وعلى الرغم من انه صغير، فهو تحسُّن عظيم بالنسبة الى ما كان لدينا من قبل، حينما كنا نعيش جميعا في غرفة واحدة في عقار اسكان للحكومة. ولكن كم يكون حتى ذلك جيدا بالمقارنة مع نصيب الالوف الذين يعيشون في منطقة مونڠ ڠوك الذين يستأجرون «شققا قفصية،» مكدَّسة كل ثلاث بعضها فوق بعض وبقياس يبلغ ست اقدام (٨,١ م) طولا و ٣٠ انشا (٨,٠ م) عمقا و ٣٠ انشا (٨,٠ م) ارتفاعا. فتكون لديهم فسحة لفراش وممتلكات شخصية قليلة. ولا فسحة للاثاث.
بحلول الساعة التاسعة يكون كل شخص في البيت، فنجلس لوجبتنا المسائية. وبعد العشاء يدير احدٌ التلفزيون. فيقضي ذلك على رجائي ببعض القراءة والدرس الهادئَين. وأنتظر حتى يذهب الجميع الى الفراش عند الساعة ١١، وبعد ذلك اصير وحدي في الغرفة ولديّ بعض السكون والهدوء للتركيز. وبحلول منتصف الليل اصير انا ايضا مستعدا للنوم.
انا اعمل منذ تركت المدرسة قبل نحو ١٢ سنة. وأحب ان اتزوج في يوم من الايام، ولكن عليَّ ان اعمل بكدّ من اجل الرزق بحيث لا املك الكثير من الوقت حتى لأتعرف بامرأة جيدا على نحو كاف. وايجاد مكان للسكن اصعب من تسلُّق السماء، كما نقول. وعلى الرغم من اننا تعلمنا ان نتغلب على ذلك، فإن هذا النوع من الحياة المنهمكة في المدينة لا يبدو طبيعيا بالنسبة اليَّ. ومع ذلك ادرك انني افضل بكثير من الملايين وربما آلاف الملايين في اجزاء اخرى من العالم الذين يعيشون بدون بيوت لائقة، كهرباء، مياه جارية، او تدابير ملائمة لحفظ الصحة. فنحن نحتاج بالتأكيد الى نظام افضل، عالم افضل، حياة افضل. — كما رواها كين كورن.
-
-
‹الاولاد ذوو قيمة، لكنَّ الابناء ضروريون›استيقظ! ١٩٩١ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
‹الاولاد ذوو قيمة، لكنَّ الابناء ضروريون›
بعدد سكان اكثر من ٨٥٠ مليونا ونسبة ولادة من ٣١ في الـ ٠٠٠,١، تشهد الهند نحو ٢٦ مليون طفل جديد يولد كل سنة، ما يعادل عدد سكان كندا. فليس مدهشا ان احد مشاريع الحكومة الاكثر الحاحا هو السيطرة على الازدياد السريع لعدد سكانها. فالى اي حد يكون ذلك ناجحا؟ وما هي بعض العوائق التي يواجهها؟
«قبل الـ ٢٠، لا! بعد الـ ٣٠، قطعا لا! ولدان فقط— جيد!» هي النصيحة التي يعطيها احد الملصقات الملوَّنة التي تغطي الممر الى المركز الرئيسي لتنظيم الاسرة في بومباي، الهند. ويصوِّر آخر أُما قلقة يحيط بها خمسة اولاد. وهو يحذِّر: «لا تندموا لاحقا!» والرسالة تأتي عالية وواضحة: ولدان في كل عائلة امر كاف. لكنَّ جعل الناس يقبلون ويعملون وفق توصية الحكومة بولدين في كل عائلة ليس سهلا.
«يعتبر الهندوس الرجل سعيدا بنسبة عدد الاولاد الذين له. وفي الواقع، بينهم، يُعتبر الاولاد بركة البيت. ومهما تكن عائلة الرجل كثيرة العدد، فهو لا يكفّ ابدا عن تقديم الصلوات من اجل ازديادها،» يقول الكتاب سلوك الهندوس، عاداتهم وطقوسهم. ولكن، من وجهة نظر دينية، فإن الطفل الذكر ذو قيمة اكبر بالنسبة الى رب الاسرة. «ليست هنالك بلية تساوي تلك التي لعدم انجاب ابن او حفيد لانجاز الواجبات الاخيرة المرتبطة بجنازته،» يتابع الكتاب موضحا. «ان حرمانا كهذا يُعتبر قادرا على منع كل وصول الى مسكن النعيم بعد الموت.»
والابناء لازمون ايضا لمواصلة شعيرة عبادة الاسلاف، او سْرُدا. «كان ابن واحد على الاقل ضروريا تقريبا،» يكتب ا. ل. بَشام في العجيبة التي كانت الهند. «ان الشعور العائلي القوي للهند الهندوسية عزز الرغبة في الابناء، الذين بدونهم تختفي سلسلة النسب.»
وبالاضافة الى المعتقدات الدينية، فان العامل الثقافي الذي يؤثر في الرغبة في الابناء هو ترتيب العائلة التقليدي المشترَك، او المتَّسع، الذي بواسطته يستمر الابناء المتزوجون في السكن مع والديهم. «تتزوج البنات ويذهبن ليسكنّ في بيوت اقربائهنّ بالزواج، ولكن يبقى الابناء في البيت مع والديهم؛ ويتوقع الوالدون ان يهتم ابناؤهم بهم في سنِّهم المتقدمة،» توضح الدكتورة لَليتا س. شوپرا في قسم الانعاش العائلي والصحي لمجلس بلدية بومباي. «هذا هو امنهم. يشعر الوالدون بالامان مع ابنَين. فمنطقيا اذًا، اذا بلغ الزوجان حدّ الولدَين المقترَح وكلا الولدَين فتاتان، فهنالك امكانية كبيرة انهما سيستمران في المحاولة للحصول على ابن.»
على الرغم من انه نظريا يُنظر الى كل الاولاد كعطية من اللّٰه، فإن حقائق الحياة اليومية تفرض خلاف ذلك. «ان الاهمال الطبي للفتيات واضح،» تخبر إنديان اكسپرِس. «فلا يُعتبر بقاؤهنّ مهمّا حقا لبقاء العائلة.» ويذكر التقرير دراسة في بومباي تكشف انه من بين ٠٠٠,٨ جنين أُجهض إثر اختبارات تحديد الجنس، ٩٩٩,٧ كنَّ اناثا.
كفاح شاق
«في العائلة، يقرر الذكر عموما عدد الاولاد الذين سيُنجَبون وكم سيكون كبر العائلة،» يوضح الدكتور س. س. سَبنيس، الموظف الصحي التنفيذي لمجلس بلدية بومباي، في احدى المقابلات. وحتى اذا ارادت المرأة ان تباعد بين اولادها او تحدِّد عائلتها، تكون تحت ضغط من زوجها الذي يمكن ان يعارض ذلك. «هذا هو السبب الذي لاجله نرسل فرقا من ذكور واناث الى كل بيت في احياء الفقراء بآمال ان يقْدر العامل الصحي الذكر ان يتكلم مع اب البيت ويشجع على تحديد حجم العائلة، مساعدا اياه على الادراك انه يستطيع ان يعتني على نحو افضل بأولاد اقل.» ولكنَّ العوائق، كما رأينا، كثيرة.
«بين الاشخاص الافقر، تكون نسبة وفيات الاطفال مرتفعة بسبب احوال العيش الفقيرة،» يقول الدكتور سَبنيس. «وهكذا هنالك دون شك رغبة في انجاب اولاد كثيرين، عارفين ان البعض سيموتون.» ولكن يجري فعل القليل للاعتناء بالاولاد. فيتجولون غير مصحوبين، مستعطين او ربما ملتقطين من بين النفايات من اجل القوت. والوالدون؟ «انهم لا يعرفون اين هم اولادهم،» ينوح الدكتور سَبنيس.
غالبا ما تصوِّر الاعلانات في الهند زوجَين سعيدَين يبدوان بصحة جيدة يتمتعان بالحياة مع ولدَيهما، عادة صبي وفتاة، اللذين من الواضح انه جرى الاعتناء بهما جيدا. ويحدث انه في هذا الجزء من المجتمع— الطبقة الوسطى— تكون فكرة الولدَين مقبولة عموما جيدا. ولكنها بعيدة جدا عن اذهان الفقراء، الذين يفكرون، ‹اذا كان لآبائنا او اجدادنا ١٠ او ١٢ ولدا، فلمَ لا نستطيع نحن؟ لماذا يجب ان نتقيَّد باثنين؟› ويحدث هنا بين الاغلبية المعدِمة للهند ان الحرب حول السيطرة على عدد السكان تواجه عراكا شاقا. «ان السكان صغار السن الآن وبسن انجاب الاولاد،» تفكر الدكتورة شوپرا. «فيبدو انها معركة خاسرة. ولدينا عمل هائل امامنا.»
-
-
النمو في مدينة افريقيةاستيقظ! ١٩٩١ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
النمو في مدينة افريقية
ان نسب نمو عدد السكان في البلدان الافريقية المجاورة للصحراء الكبرى هي بين النسب الاعلى في العالم. فهناك تلد كل امرأة، كمعدل، اكثر من ستة اولاد. والفقر، البيئة المتدهورة، وقلة الموارد انما تضيف الى المشقة. هنا رواية مباشرة عما هي عليه الحياة في ذلك الجزء من العالم.
نمَوْت هنا، في مدينة رئيسية في افريقيا الغربية. كنا سبعة اولاد في العائلة، ولكن مات اثنان منا في مرحلة باكرة. كان بيتنا غرفة نوم وغرفة استقبال مستأجَرتَين. وكان امي وابي ينامان في غرفة النوم، ونحن الاولاد ننام على حُصُر في ارضية غرفة الاستقبال، الصبيان في ناحية من الغرفة والفتيات في الاخرى.
ومثل معظم الناس في جوارنا، لم يكن لدينا الكثير من المال، ولم يكن لدينا دائما كل ما نحتاج اليه. وأحيانا لم يكن هنالك ايضا ما يكفي من القوت. وفي الصباح، غالبا ما لم يكن لدينا شيء نأكله سوى ارز معاد تسخينه بقي من اليوم السابق. وفي بعض الاحيان كان ذلك ايضا قليلا. وبخلاف البعض الذين يفكرون ان الزوج، بصفته كاسب الرزق، يجب ان يحصل على الحصة الكبرى من الطعام، والزوجة من بعده والاولاد ينالون ما تُرك، كان والدانا يُحرمان منه ويجعلاننا نحن الاولاد نشترك في ايّ مقدار صغير موجود. لقد قدَّرت تضحيتهما.
الذهاب الى المدرسة
يعتقد بعض الناس في افريقيا ان الصبيان فقط يجب ان يذهبوا الى المدرسة. ويشعرون انه غير ضروري ان تذهب الفتيات لانهن يتزوجن ويعتني ازواجهن بهن. ولم يقبل والداي هذه الفكرة. فأُرسلنا نحن الخمسة الى المدرسة. ولكن كان ذلك اجهادا ماليا على والديَّ. والاشياء مثل الاقلام والاوراق لم تكن مشكلة كبيرة، لكنَّ الكتب الدراسية كانت غالية، وكذلك البذلات الالزامية للمدرسة.
عندما بدأت اذهب الى المدرسة، لم يكن لديَّ حذاء. ولم يحدث إلاّ حتى سنتي الثانية في المدرسة الثانوية، عندما كنت في الـ ١٤ من عمري، ان والديَّ تمكنا من شراء حذاء لي. وأريد ان تعرفوا ان ذلك لا يعني انه لم يكن لديَّ ايّ حذاء على الاطلاق. فالزوج الوحيد الذي كنت املكه كان للكنيسة، ولم يُسمح لي بأن البسه الى المدرسة او الى اية امكنة اخرى. فكان عليَّ ان اسير حافيا. وكان ابي احيانا قادرا على شراء بطائق للباص، ولكن عندما لم يكن بامكانه ان يفعل ذلك، كان علينا ان نمشي الى المدرسة ومنها. وكانت تبعد نحو ميلَيْن (٣ كلم) في كل من الذهاب والاياب.
يوم الغسل وجلب الماء
كنا نغسل ثيابنا في الجدول. اتذكَّر الذهاب الى هناك مع امي، التي كانت تحمل دلوا، قطعة من الصابون، والثياب. وعند الجدول، كانت تملأ الدلو ماء، تضع الثياب فيها، وتحكُّ الصابون عليها، ثم تضرب الثياب على الصخور الناعمة وتشطفها في الجدول. وبعد ذلك تنشرها على الصخور الاخرى لتجفَّ لانها تكون ثقيلة جدا اذا حُملت الى البيت مبتلَّة. كنت صغيرا في ذلك الوقت، لذلك عُيِّنت لحراسة الثياب التي تجفّ لئلا يسرقها احد. وقامت امي بمعظم العمل.
اناس قليلون نُقل الماء الى بيوتهم بالانابيب، لذلك كان احد اعمالي اليومية ان اذهب بسطل لاجلب الماء من صنبور خارجي، يدعى ماسورة قائمة. وكانت المشكلة انه خلال موسم الجفاف، يجري اقفال الكثير من المواسير القائمة لحفظ الماء. وفي احدى المناسبات، تحمَّلنا يوما بكامله بدون ماء للشرب. ولا قطرة واحدة! وكان عليَّ ان امشي احيانا اميالا بحثا عن مجرد سطل واحد من الماء. وحمل الماء على رأسي مسافات طويلة كهذه اسقط شعري حيث أُسند السطل. فكانت لديَّ رقعة جرداء في العاشرة من عمري! وأُسرُّ ان اقول ان الشعر نما ثانية.
الاولاد كضمان
اذ انظر الى الوراء، اقول ان نصيبنا في الحياة كان متوسطا، وربما حتى فوق المتوسط بالنسبة الى منطقتنا في افريقيا. انني اعرف الكثير من العائلات الاخرى التي كان مستوى عيشها اسوأ بكثير من الذي لنا. فكان على الكثير من اصدقائي في المدرسة ان يتاجروا في السوق قبل المدرسة وبعدها من اجل الاتيان بالمال الى عائلاتهم. ولم يتمكن الآخرون من شراء شيء للاكل في الصباح قبل المدرسة، وكانوا يغادرون البيت جياعا ويبقَوْن في المدرسة كل النهار بدون طعام. اتذكر مرارا كثيرة عندما كان يأتي واحد من هؤلاء الاولاد ويتوسل اليَّ فيما كنت آكل خبزي في المدرسة. فكنت اقطع جزءا لاعطيه اياه.
على الرغم من مثل هذه المشقات والصعوبات، لا يزال اغلبية الناس يحبون ان تكون لهم عائلات كبيرة. «ولد واحد ليس ولدا،» يقول اناس كثيرون هنا. «ولدان هما واحد، وأربعة اولاد اثنان.» ذلك لان نسبة موت الاطفال هي بين النسب الاعلى في العالم. ويعرف الوالدون انه على الرغم من ان بعض اولادهم سيموتون، فإن البعض سيحيَوْن، ينمون، يحصلون على اعمال، ويأتون بالمال الى البيت. ثم سيكونون في وضع يتمكنون فيه من الاعتناء بوالديهم الذين شاخوا. وفي بلد يفتقر الى فوائد الضمان الاجتماعي، يعني ذلك الكثير. — كما رواها دونالد ڤنسَنت.
-
-
عدد السكان العالمي — ماذا عن المستقبل؟استيقظ! ١٩٩١ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
عدد السكان العالمي — ماذا عن المستقبل؟
مساكن متهدِّمة، احوال غير صحية، قلة في الطعام والماء النظيف، مرض، سوء تغذية — هذه ومشقات اخرى متعددة هي حقيقة يومية في حياة القسم الاعظم من سكان العالم. ومع ذلك، كما رأينا، فان معظم الناس الذين يعيشون في تلك الظروف يدبِّرون الامر بطريقة ما للتغلب عليها ومواصلة حياتهم اليومية.
ولكن ماذا عن المستقبل؟ هل سيضطر الناس ان يستمروا في تحمُّل مثل هذه الحقائق المزعجة للحياة الى ما لا نهاية؟ ولتعقيد الامور، ماذا عن المصير المشؤوم والكآبة اللذين ينبئ بهما علماء البيئة والآخرون كنتيجة للنمو المستمر لعدد السكان؟ انهم يخبروننا اننا نفسد مأوانا بتلويث الهواء، الماء، والتربة التي نعتمد عليها. ويشيرون ايضا الى مفعول الجُنَّة — انبعاث الغازات، مثل ثاني اكسيد الكربون، المِتان، مركّبات كلورو فلور الكربون (مواد التبريد وعميلات الارغاء)، الذي سيؤدي الى تدفئة الجو وتغييرات في نموذج الطقس العالمي، بعواقب تنذر بالكارثة. فهل سيُحدث ذلك اخيرا زوال الحضارة كما نعرفها؟ لنفحص عن كثب اكثر عددا من العوامل الرئيسية.
هل هنالك الكثير جدا من الناس؟
اولا، هل سيستمر عدد سكان العالم في الازدياد الى ما لا نهاية؟ هل هنالك ما يدل الى اي مدى سيستمر؟ انه، طبعا، واقع ان عدد السكان العالمي ينمو على الرغم من الجهود لتنظيم الاسرة. والزيادة السنوية هي الآن نحو ٩٠ مليونا (ما يعادل امة مكسيك اخرى كل سنة). ويبدو انه ليست هنالك امكانية مباشرة لايقاف ذلك. ولكن اذ يتطلعون الى الامام، يوافق معظم علماء السكان ان عدد السكان سيستقر في آخر الامر. والسؤال في ذهنهم هو بأي مستوى ومتى.
بحسب التقديرات للاحتمالات المستقبلية للصندوق السكاني للامم المتحدة، قد يبلغ عدد السكان العالمي ١٤ الف مليون قبل الاستقرار. ولكن يقدِّر آخرون ان الذروة قد تبلغ ما يتراوح بين ١٠ آلاف مليون و١١ الف مليون. ومهما كانت الحالة، فإن السؤالَيْن الحاسمَيْن هما: هل سيكون هنالك الكثير جدا من الناس؟ هل يمكن ان تتسع الارض لعدد سكان يبلغ من مرتَيْن الى ثلاث مرات عدد السكان الحالي؟
من وجهة نظر احصائية، ان ١٤ الف مليون شخص عالميا سيصل معدلهم الى ٢٦٩ شخصا في كل ميل مربع (١٠٤ في كل كلم٢). وكما رأينا، تبلغ كثافة سكان هونڠ كونڠ ٤٨٣,١٤ شخصا في كل ميل مربع (٥٩٢,٥ في كل كلم٢). وحاليا، ان كثافة سكان النَّذَرلند تبلغ ١٤٠,١ (٤٣٠)، فيما تكون تلك التي لليابان ٨٤٨ (٣٢٧)، وهذه بلدان تتمتع بمستويات معيشة فوق المعدل. فمن الواضح انه حتى اذا نما عدد السكان العالمي الى الحد الذي جرى الانباء به، فإن عدد الناس ليس المشكلة.
هل سيكون هنالك طعام كفاية؟
ماذا، اذًا، عن مخزون الطعام؟ هل يمكن ان تنتج الارض ما يكفي لاطعام ١٠ آلاف مليون او ١٤ الف مليون شخص؟ من الواضح ان انتاج الطعام الحالي في العالم ليس كافيا للاعتناء بعدد سكان كهذا. وفي الواقع، غالبا ما نسمع عن المجاعات، سوء التغذية، والتضوُّر جوعا. فهل يعني ذلك اننا لا ننتج طعاما كفاية للاعتناء بالسكان الآن، اذا تجاوزنا عن ذكر العدد الزائد مرتين او ثلاثا؟
هذا سؤال تصعب الاجابة عنه لانه يتوقف على ما تعنيه «كفاية.» ففيما مئات الملايين من الناس في الامم الافقر في العالم لا يمكنهم ان ينالوا طعاما كفاية للحفاظ حتى على غذاء صحي في الحد الادنى، يتألم الناس في الامم الغنية الصناعية من عواقب غذاء غني اكثر مما ينبغي — سكتات، بعض انواع السرطان، مرض القلب، وهلم جرا. وكيف يؤثر ذلك في الوضع الغذائي؟ بحسب احد الحسابات، تلزم خمسة پاوندات (٥ كلغ) من الحبوب لانتاج پاوند واحد (١ كلغ) من شرائح اللحم البقري. ونتيجة لذلك فإن ربع سكان العالم الذي يأكل اللحم يستهلك تقريبا نصف انتاج حبوب العالم.
وبقدر ما يتعلق الامر بالكمية الاجمالية من الطعام الذي يجري انتاجه، لاحظوا ما يقوله الكتاب خبز للعالم: «اذا جرى توزيع انتاج الطعام الحالي في العالم بالتساوي بين كل الناس في العالم، بحد ادنى من التبديد، فستكون لكل امرىء كفاية. ربما يكاد يكون ذلك كفاية، ولكنه كفاية.» قُدِّمت هذه العبارة في سنة ١٩٧٥، منذ اكثر من ١٥ سنة. فما هي الحالة اليوم؟ بحسب معهد الموارد العالمية، «خلال العقدَيْن الماضيَيْن، ازداد محصول الطعام الاجمالي في العالم، فائقا الطلب. ونتيجة لذلك، في السنوات الاخيرة، انخفضت اسعار المواد الغذائية الرئيسية في الاسواق العالمية بتعبير حقيقي.» وتظهر دراسات اخرى ان اسعار المواد مثل الارز، الذرة، فول الصويا، وحبوب اخرى انخفضت الى النصف او اكثر خلال تلك الفترة.
ان ما يعنيه كل ذلك من حيث الاساس هو ان مشكلة الطعام لا تكمن في الكمية التي يجري انتاجها بقدر ما تكمن في مستوى الاستهلاك وعاداته. وقد وجدت التقنية الوراثية الجديدة طرائق لانتاج انواع من الارز، القمح، والحبوب الاخرى يمكن ان تضاعف المحصول الحالي. لكنَّ الكثير من الخبرة في هذا النطاق مركَّز على المنتجات التي تباع حالا، مثل التبغ والبندورة، لارضاء شهية الاغنياء عوضا عن ملء مِعَد الفقراء.
ماذا عن البيئة؟
ان اولئك الذين يراقبون بعناية الموضوع يعرفون اكثر فاكثر ان نمو عدد السكان هو فقط احد العوامل التي تشكِّل تهديدا للخير المستقبلي للجنس البشري. على سبيل المثال، في كتابهما الانفجار السكاني، يقترح پول وآن إيرليخ ان اثر النشاط البشري في بيئتنا يمكن التعبير عنه بهذه المعادلة البسيطة: الاثر = عدد السكان × مستوى الرفاهية × تأثير التقنيات السائدة في البيئة.
بحسب هذه القاعدة، يحاول المؤلفان ان يبرهنا ان البلدان مثل الولايات المتحدة مكتظة بالسكان، ليس لان لديها الكثير جدا من الناس، ولكن لان مستوى رفاهيتها يتوقف على نسبة عالية من استهلاك الموارد الطبيعية والتقنيات التي تقتضي ضرائب فادحة من البيئة.
ويبدو ان الدراسات الاخرى تثبت صحة ذلك. فتقتبس ذا نيويورك تايمز من العالِم الاقتصادي دانيال هامِرمِش قوله ان ‹الانبعاثات المتعلقة بمفعول الجُنَّة متصلة على نحو وثيق بمستوى النشاط الاقتصادي اكثر من أعداد الذين يسببون انبعاثها. فالاميركي العادي ينتج ثاني اكسيد الكربون ١٩ مرة اكثر مما ينتج الهندي العادي. ومن الممكن تماما، مثلا، ان برازيل نابضة بالنشاط اقتصاديا ذاتَ نمو بطيء في عدد السكان تهلك بالنار غاباتها المدارية بسرعة اكثر من برازيل معدِمة ذات نمو سريع في عدد السكان.›
واذ يقدِّم من حيث الاساس النقطة نفسها، يلاحظ ألِن دُرْنِنڠ لمعهد مراقبة العالم: «لقد خلق اغنى الف مليون شخص في العالم شكلا من حضارة مولعة بالاكتساب ومسرفة جدا الى حد ان الكوكب في خطر. ونمط حياة هذه الطبقة العليا — سائقي السيارات، آكلي لحم البقر، شاربي الصودا، ومستهلكي البضائع المعدَّة للطرح بعد الاستعمال — يؤلف تهديدا بيئيا لا يضاهيه في الخطورة شيء سوى ربما نمو عدد السكان.» ويشير الى ان هذا «الخمس الاغنى» من الجنس البشري ينتج تقريبا تسعة اعشار مركّبات كلورو فلور الكربون واكثر من نصف غازات مفعول الجُنَّة الاخرى التي تهدد البيئة.
المسألة الحقيقية
من المناقشة المذكورة آنفا، يصير واضحا ان لوم نمو عدد السكان وحده على الويلات التي تواجه الجنس البشري اليوم يقصِّر عن فهم النقطة الحقيقية. فالمسألة التي تواجهنا ليست انه ينفد ما عندنا من مكان للسكن او ان الارض غير قادرة على انتاج طعام كفاية لغذاء صحي لكل امرىء او ان كل الموارد الطبيعية ستُستنفد في وقت قريب. فهذه هي مجرد الاعراض. والمسألة الحقيقية هي ان المزيد والمزيد من الناس يطمحون الى مستوى اعلى فأعلى من الاستهلاك المادي دون اخذ عاقبة اعمالهم بعين الاعتبار. وهذه الرغبة التي لا تُشبَع في المزيد تأخذ ضريبة فادحة من بيئتنا بحيث ان عدد السكان الذين تستطيع الارض دعمهم يجري تجاوزه بسرعة. وبكلمات اخرى، لا تكمن المشكلة الاساسية في العدد بقدر ما تكمن في طبيعة البشرية.
يعبِّر الكاتب ألِن دُرْنِنڠ عن ذلك بهذه الطريقة: «في غلاف حيوي هشّ، قد يتوقف المصير الاخير للبشرية على ما اذا كان بامكاننا ان ننمي احساسا اعمق بكبح النفس، مؤسسا على مبادىء اخلاقية واسعة الانتشار لوضع حد للاستهلاك وايجاد إغناء غير مادي.» يجري لفت الانتباه الى النقطة بطريقة جيدة، ولكن لا بد من طرح السؤال، هل يُحتمل ان الناس في كل مكان سينمّون طوعيا كبح النفس، يضعون حدا للاستهلاك، ويتَّبعون الإغناء غير المادي؟ بالتأكيد لا. واذ نحكم على اساس نمط الحياة المتصف بالانغماس في الملذات وبالمتعة السائد كثيرا اليوم، فالعكس يُحتمل حدوثه اكثر. ويبدو ان معظم الناس اليوم يعيشون وفقا للشعار: «فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت.» — ١ كورنثوس ١٥:٣٢.
وحتى اذا ادرك عدد كاف من الناس الوقائع وبدأوا يغيِّرون طريقة حياتهم، فلن نقدر ايضا ان نبدِّل مجرى الامور في وقت قريب. انظروا الفِرَق الكثيرة المؤيدة للبيئة التي تتبنى استعمال القوة وأنماط الحياة الخارجة عن المألوف والتي ظهرت على مرّ السنين. ربما نجح بعضها في تصدُّر العناوين الرئيسية في الصحف، ولكن هل كان لها ايّ اثر حقيقي في طرق ما هو معروف بمجتمع القِيَم السائدة؟ بالتأكيد لا. فما هي المشكلة؟ هي ان النظام بكامله — التجاري، الثقافي، والسياسي — يعتمد على تعزيز مفهوم هجر الاستعمال الفطري وخاصية استهلاك البضائع المعدَّة للطرح بعد الاستعمال. وفي هذا المحيط لا يمكن ان يكون هنالك ايّ تغيير بدون اعادة بناء كاملة من الاساس فصاعدا. ويتطلب ذلك اعادة تثقيف ضخمة.
هل هنالك مستقبل مشرق؟
يمكن تشبيه الحالة بتلك التي لعائلة تسكن في بيت مزوَّد بالاثاث ومجهَّز كاملا هيَّأه محسن. ولجعلهم يشعرون انهم في بيتهم تماما، يُسمح لهم باستعمال كل التسهيلات في البيت لاكتفائهم. فماذا يحدث اذا بدأت العائلة باتلاف الاثاث، حفر الارضية، تحطيم النوافذ، سدّ انابيب المياه، تحميل الدارات الكهربائية بافراط — وباختصار، التهديد باهلاك البيت تماما؟ هل يراقب المالك فقط بصبر ولا يفعل شيئا؟ على الارجح لا. فلا شك انه يشرع في اخراج النزلاء المخرِّبين من ملكيَّته وبعد ذلك يعيدها الى حالتها اللائقة. ولا احد يقول ان عملا كهذا ليس مبرَّرا.
ماذا، اذًا، عن العائلة البشرية؟ ألسنا مثل النزلاء الساكنين في بيت مزوَّد جيدا بالاثاث ومجهَّز على نحو فخم هيَّأه الخالق، يهوه اللّٰه؟ بلى، نحن كذلك، لانه كما عبَّر عن ذلك صاحب المزمور: «للرب الارض وملؤها. المسكونة وكل الساكنين فيها.» (مزمور ٢٤:١؛ ٥٠:١٢) فلم يزوِّدنا اللّٰه بكل الضروريات التي تجعل الحياة ممكنة وحسب — النور، الهواء، الماء، والطعام — ولكنه هيَّأها بوفرة وتنوُّع كبيرَين لجعل الحياة ممتعة. ومع ذلك كنزلاء، كيف تصرَّف الجنس البشري؟ للاسف، ليس بطريقة جيدة جدا. فنحن نهلك حرفيا هذا البيت الجميل الذي نسكن فيه. وماذا سيفعل المالك، يهوه اللّٰه، بشأن ذلك؟
«يهلك الذين كانوا يهلكون الارض» — هذا ما سيفعله اللّٰه! (رؤيا ١١:١٨) وكيف سيفعل ذلك؟ يجيب الكتاب المقدس: «في ايام هؤلاء الملوك يقيم اله السموات مملكة لن تنقرض ابدا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت الى الابد.» — دانيال ٢:٤٤.
وماذا يمكننا ان نتوقع تحت حكم ملكوت اللّٰه الدائم الى ما لا نهاية؟ في كلمات النبي اشعياء، يجري اعطاؤنا لمحة مسبقة الى ما سيأتي:
«يبنون بيوتا ويسكنون فيها ويغرسون كروما ويأكلون اثمارها. لا يبنون وآخر يسكن ولا يغرسون وآخر يأكل. لانه كأيام شجرة ايام شعبي ويستعمل مختاري عمل ايديهم. لا يتعبون باطلا ولا يلدون للرعب لانهم نسل مباركي الرب وذريتهم معهم.» — اشعياء ٦٥:٢١-٢٣.
يا له من مستقبل مشرق للجنس البشري! ففي ذلك العالم الجديد من صنع اللّٰه، لن يتعذَّب الجنس البشري في ما بعد بمشاكل السكن، الطعام، الماء، الصحة، والاهمال. وأخيرا، سيكون الجنس البشري الطائع، تحت توجيه اللّٰه، قادرا على ملء الارض واخضاعها، بدون ايّ تهديد بالاكتظاظ بالسكان. — تكوين ١:٢٨.
[الاطار في الصفحة ١٣]
لماذا غالبا ما يكون الطعام غاليا؟
على الرغم من ان الثمن الحقيقي للطعام يهبط، فإن الاختبار الشائع هو ان اسعار الطعام ترتفع. ولماذا؟ احد الاسباب البسيطة هو التمدُّن. فلإطعام الاعداد الوافرة في المدن الدائمة النمو في العالم، لا بد من نقل الطعام مسافات كبيرة. ففي الولايات المتحدة، مثلا، «ان اللقمة النموذجية من الطعام تجتاز ٣٠٠,١ ميل (١٠٠,٢ كلم) من حقل المزرعة الى طبق العشاء،» تقول دراسة لمراقبة العالم. ولا بد ان يدفع المستهلك لا من اجل الطعام وحسب بل ايضا من اجل التكاليف المخفية لمعالجته، تعليبه، ونقله.
[الرسم في الصفحة ١٠]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
يحصر الغلاف الجوي الذي للارض حرارة الشمس. لكنَّ الحرارة التي تنشأ — اذ يحملها الاشعاع تحت الاحمر — لا يمكن ان تفلت بسهولة بسبب غازات مفعول الجُنَّة، مضيفة بالتالي الى دفء سطح الارض
غازات مفعول الجُنَّة
اشعاع فالت
اشعاع تحت الاحمر محصور
[الصورتان في الصفحة ١٢]
تلزم خمسة پاوندات (٥ كلغ) من الحبوب لانتاج پاوند واحد (١ كلغ) من شرائح اللحم البقري. وهكذا فإن ربع عدد سكان العالم الذي يأكل اللحم يستهلك تقريبا نصف انتاج حبوب العالم.
-