-
«تذكَّروا پيرل هاربر!»استيقظ! ١٩٩١ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
«تذكَّروا پيرل هاربر!»
كان ذلك صباح يوم احد جميل في جزيرة أوواهو. وكانت أدِلايْن، فتاة يابانية-هاوايية في الصف السادس الابتدائي، خارجا في فناء بيتها في الجزء التجاري من هونولولو. فرأت طائرات تحلِّق ودخانا يتصاعد من جهة پيرل هاربر. فهل كان ذلك تدريبا عسكريا آخر؟
اعتاد الناس في أوواهو المناورات العسكرية واطلاق النار الوهمي، الى حد ان اللواء وليم س. پاي في الاسطول الپاسيفيكي الاميركي اطلَّ من نافذة شقَّته وقال لزوجته، «يبدو غريبا ان يتمرن الجيش على الاهداف صباح يوم الاحد.» وصباح يوم الاحد هذا كان ٧ كانون الاول ١٩٤١.
اذ سمع طائرات تقترب، حدَّق صبي بعمر ١٣ سنة من النافذة. «ابي،» ابلغ والده، الذي كان قائد المحطة البحرية الجوية لـ كانييوئي، «هذه الطائرات عليها دوائر حمراء.» ان لمح القرص الاحمر، الشمس الشارقة، على طائرات الاسطول الامبراطوري الياباني، كان كافيا ليخبر القصة بكاملها — هجوم مفاجئ!
تسلَّم الاميرال ه. إ. كيمِل، قائد الاسطول الپاسيفيكي الاميركي في پيرل هاربر، تقريرا عن الهجوم بواسطة الهاتف. فصار وجهه «ابيض كالبزَّة التي كان يرتديها» فيما وقف مصعوقا، يراقب الطائرات العدوّة تئزُّ كالزنابير وهي تقصف اسطوله. «عرفت حالا،» روى، «ان شيئا مريعا يجري، ان ذلك لم يكن غارة عرضية من مجرد طائرات تائهة قليلة. فالسماء كانت ملآنة بالاعداء.»
«تورا، تورا، تورا»
قبل ان حطَّمت انفجارات الطرابيد والقنابل هدوءَ پيرل هاربر بدقائق قليلة، رأى ضابط على متن قاذفة انقضاض يابانية جزيرة أوواهو. «هذه الجزيرة مسالمة اكثر من ان تُهاجَم،» فكَّر.
لكنَّ الفجوة في الغيوم اثَّرت في الضابط ميتْسوو فوشيدا، قائد القوة الهجومية للطيران، بطريقة مختلفة كليا. «لا بد ان اللّٰه معنا،» فكَّر. «لا بد ان يد اللّٰه هي ما دفع جانبا الغيوم التي كانت مباشرة فوق پيرل هاربر.»
في الساعة ٤٩:٧ صباحا، اعطى فوشيدا اشارة الهجوم، «تو، تو، تو،» التي تمثِّل «هجوم!» في اليابانية. واذ كان واثقا ان القوات الاميركية أُخذت على حين غِرَّة، امر ان تُنقل الرسالة برقيا ليشير الى ان الهجوم المفاجئ قد تحقق — كلمات الرموز الشهيرة «تورا، تورا، تورا» («النمر، النمر، النمر»).
انجاز الهجوم المفاجئ
كيف تمكَّنت حملة كبيرة شملت ست حاملات للطائرات ان تتسلَّل وتصير قريبة على بعد ٢٣٠ ميلا (٣٧٠ كلم) من أوواهو وتُطلِق في الموجة الاولى للهجوم ١٨٣ طائرة، تملَّصت من شبكات الرادار وسدَّدت مثل هذه الضربة الرهيبة الى الاسطول الپاسيفيكي الاميركي؟ من جهة اولى، اتخذت الحملة اليابانية طريقا شماليا على الرغم من بحار الشتاء الهائجة. فالدوريات الاميركية كانت الاضعف شمالي پيرل هاربر. وحاملات الطائرات اليابانية حافظت على صمت لاسلكي تام.
ولكنَّ الرادار كان يحرس الجزيرة الاستراتيجية ليكتشف اية طائرة مقتربة. ونحو الساعة السابعة في ذلك الصباح الحاسم، لاحظ جنديان اثناء عملهما في محطة الرادار المتحركة في أوپانا في جزيرة أوواهو ومضات كبيرة غير عادية على كاشف الاهتزاز بالاشعة المَهبِطية، ممثِّلة «على الارجح اكثر من ٥٠» طائرة. ولكن عندما انذرا مركز المعلومات، قيل لهما ان لا يقلقا بشأن ذلك. فالضابط في مركز المعلومات افترض ان ذلك سرب طائرات من القاذفات الاميركية طراز ب-١٧ كان برنامجه ان يأتي من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، ألم تشتمَّ الحكومة الاميركية رائحة البارود في الهواء، اذا جاز التعبير؟ فالحكومة اليابانية كانت قد ارسلت رسالة من ١٤ جزءا الى مبعوثيها في واشنطن دي. سي.، لنقلها الى كورديل هَلّ، وزير الخارجية، في الساعة ٠٠:١ ب.ظ. تماما بالتوقيت الموحَّد الشرقي في ٧ كانون الاول ١٩٤١. وذلك كان صباح ٧ كانون الاول في پيرل هاربر. لقد احتوت الرسالة على تصريح بأن اليابان ستقطع المفاوضات مع الولايات المتحدة حول المسائل السياسية الهامة. واذ التقطت لاسلكيا الرسالة بواسطة اجهزة التنصُّت، ادركت الحكومة الاميركية خطورة الوضع. ففي الليلة التي سبقت اليوم البالغ الاهمية، تسلَّم فرانكلن روزفلت، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، الاجزاء الـ ١٣ الاولى للوثيقة الملتقطة لاسلكيا. وبعد قراءتها قال ما مغزاه، «ان ذلك يعني الحرب.»
على الرغم من ان رسميي الولايات المتحدة شعروا بأن العمل العدواني الياباني وشيك، تقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة: «لم تكن لديهم معرفة عن الوقت او المكان الذي سيحدث فيه ذلك.» فالغالبية اعتقدوا انه سيكون في مكان ما في الشرق الاقصى، ربما تايلند.
كان يلزم تأجيل موعد الساعة ٠٠:١ ب.ظ. لان سكرتيريي السفارة اليابانية كانوا بطيئين في طبع الرسالة بالانكليزية. وعندما سلَّم السفير الياباني الوثيقة لـ هَلّ، كانت الساعة ٢٠:٢ ب.ظ. في واشنطن. وفي ذلك الوقت، كان پيرل هاربر يتعرَّض لنيران العدو ومهدَّدا بهجوم الموجة الثانية. وأخبار الغارة كانت قد وصلت الى هَلّ. فلم يقترح حتى ان يجلس المبعوثون؛ قرأ الوثيقة وببرودة اومأ اليهم برأسه ان يخرجوا.
ان التأخير في تسليم الانذار النهائي المقصود زاد حدَّة الغضب الاميركي على اليابان. حتى ان بعض اليابانيين شعروا بأن هذه الحادثة حوَّلت الهجوم على پيرل هاربر من هجوم مفاجئ استراتيجي الى هجوم غادر. «ان الكلمات ‹تذكَّروا پيرل هاربر› صارت قَسَما يثير روح القتال في الشعب الاميركي،» كتب ميتْسوو فوشيدا، قائد الطيران في هجوم الموجة الاولى. واعترف: «الهجوم جلب على اليابان عارا لم يتلاشَ حتى بعد هزيمتها في الحرب.»
دعا فرانكلن د. روزفلت ٧ كانون الاول «تاريخا سيبقى عارا.» ففي ذلك اليوم في پيرل هاربر، أُغرقت او أُصيبت بشدة ثماني بوارج اميركية وعشر سفن اخرى، ودُمِّرت اكثر من ١٤٠ طائرة. وخسر اليابانيون ٢٩ طائرة من نحو ٣٦٠ مقاتلة وقاذفة هجمت في موجتين، بالاضافة الى خمس غواصات صغيرة. وخسر اكثر من ٣٣٠,٢ اميركيا حياتهم، وجُرح ١٤٠,١.
استجابة لصرخة «تذكَّروا پيرل هاربر!» توحَّد الرأي العام الاميركي ضد اليابان. «بصوت معارض واحد فقط في مجلس النواب،» يقول كتاب پيرل هاربر كتاريخ — العلاقات اليابانية-الاميركية ١٩٣١-١٩٤١، «واتَّحد الكونڠرس (كالشعب الاميركي عامة) داعمين الرئيس روزفلت في التصميم على هزم العدو.» ان طلب الثأر بسبب الغارة كان اكثر من سبب كاف لهم للبدء بالاعمال العدوانية ضد ارض الشمس الشارقة.
هجوم مفاجئ من اجل سلام عالمي؟
كيف برَّر اليابانيون اعمالهم العدوانية؟ على الرغم من انه قد يبدو شيئا لا يصدَّق، فقد ادَّعوا ان ذلك كان لتأسيس سلام عالمي بتوحيد ‹العالم بكامله في عائلة كبيرة،› او هاكو إيتشييو. وهذا صار الشعار الذي يدفع اليابانيين الى سفك الدماء. «ان الهدف الاساسي لسياسة اليابان القومية،» اعلنت الوزارة اليابانية في سنة ١٩٤٠، «يكمن في التأسيس الثابت لسلام عالمي انسجاما مع الروح النبيلة لـ هاكو إيتشييو التي فيها نشأ البلد، وكخطوة اولى، في بناء نظام جديد في آسيا الشرقية الكبرى.»
وبالاضافة الى شعار هاكو إيتشييو، صار تحرير آسيا من الدول الغربية الهدف العظيم الآخر للجهد الحربي الياباني. وهذان السببان اعتُبرا ارادة الامبراطور. ومن اجل انجاز هذا الانتصار العالمي، قاد انصار استعمال القوة العسكرية الامة الى حرب مع الصين وبعد ذلك مع الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة.
ومع ذلك، استنتج ايسوروكو ياماماتو، القائد العام لاسطول اليابان المشترك، على نحو واقعي انه ما من طريقة يمكن بها للقوات اليابانية ان تُخضع الولايات المتحدة. ورأى مجرد فرصة واحدة للمحافظة على الهيمنة اليابانية في آسيا. فالاسطول البحري الامبراطوري يجب ان «يهاجم بعنف ويدمر الاسطول الرئيسي الاميركي في بداية الحرب، بحيث تضعف معنويات اسطول الولايات المتحدة وشعبها الى الحد الذي عنده لا يمكن ان تُسترد،» فكَّر. وهكذا وُلدت فكرة الهجوم المفاجئ على پيرل هاربر.
[الصورة في الصفحة ٤]
پيرل هاربر تتعرَّض للهجوم
[مصدر الصورة]
U.S. Navy/U.S. National Archives photo
-
-
«لا مزيد من هيروشيما!»استيقظ! ١٩٩١ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
«لا مزيد من هيروشيما!»
على الرغم من ان اليابانيين تباهوا بانتصار پيرل هاربر وتذكَّروا ذلك فيما كانوا يربحون، فقد صار التاريخ منسيّا بعد ان خسروا الحرب. وعندما سُئلت الحكومة اليابانية مؤخرا عن عدم اعتذارها عن الهجوم، اجاب سكرتير رئيس مجلس الوزراء: «استراتيجيا وعموما، لديَّ الشعور بأن الهجوم على پيرل هاربر كان ايّ شيء سوى عمل جدير بالثناء. ولكنّ المسائل المتعلقة بالحرب بين الولايات المتحدة واليابان حسمتها معاهدة سان فرانسيسكو للسلام.»
هذه الكلمات تمثِّل مشاعر بعض اليابانيين نحو الهجوم المفاجئ الذي اشعل حرب الپاسيفيك. ومع ان اكثر من مليون ياباني يزورون هاوايي كل سنة، تخبر صحيفة مَينيتشي شيمبون، فان مجرد عدد قليل نسبيا يزور نصب أريزونا التذكاري لسفن الولايات المتحدة، الذي بُني لاحياء ذكرى الهجوم على پيرل هاربر.
وبينما يُعيد الشعار «تذكَّروا پيرل هاربر!» ذكريات مُرَّة الى بعض الاميركيين، يتذكر اليابانيون آلامهم بصرخة «لا مزيد من هيروشيما!» فالقنبلتان الذريتان اللتان انفجرتا فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي في آب ١٩٤٥ كان لهما تأثير صادم ليس فقط في الضحايا المباشرين بل في الامة ككل.
ان سماع اختبارات الناجين منهم مباشرة يساعدنا على فهم مشاعرهم. خذوا، مثلا، ايتوكو، التي كانت قد تخرَّجت من المدرسة وصارت سكرتيرة في معهد البحرية في هيروشيما. ومع انها كانت داخل المبنى حيث كانت تعمل، شعرت بوميض القنبلة الذرية، وكأن الضوء نفسه جعلها تتمايل. «عملت مع الجنود في تنظيف المدينة من الجثث،» توضح ايتوكو. «وفي نهر، كان الجنود يُنزلون شبكة للصيد من مركب ويسترجعون اكثر من ٥٠ جثة كل مرة يسحبون فيها الشبكة. اخذنا الجثث الى الشاطئ وجمعناها في كوم كل خمس معا وأحرقناها. معظمها كانت عارية. لم اتمكن من معرفة الرجال من النساء، وشفاههم كانت منتفخة مثل مناقير البط.» فاليابانيون لا يمكنهم ان ينسوا الاهوال التي سببتها القنبلتان الذريتان.
لماذا استُعمل سلاح الابادة الجماعية
كتب الپروفسور شيڠِتوشي ايواماتْسو من جامعة ناغازاكي، الذي هو نفسه ضحية القنبلة الذرية، الى صحف غربية منذ اكثر من ٢٠ سنة ليُعلمهم عن بلوى الضحايا. «لقد صدمته الردود،» تذكر اساهي ايڤننڠ نيوز. «فنصف الاجوبة كان ان القنبلتين الذريتين هما اللتان اوقفتا العدوان الياباني وانه غريب ان يطلب ضحايا القنبلتين السلام.»
واذ توضح سبب استعمال سلاح الابادة الجماعية، تقول دائرة المعارف الاميركية: «اتَّخذ [هاري س. ترومان] قرار استعمال القنبلتين الذريتين ضد اليابان، معتقدا انهما ستوقفان الحرب بسرعة وتنقذان حياة الناس.» ومع انه ليس غير حسّاس لمشاعر ضحايا القنبلتين الذريتين، يعترف كِنكيتْشي تومييوكا، صحافي ياباني اخبر عن احوال الفوضى بعد الحرب: «اذ ترجع بنا الذاكرة الى الفترة بين آذار/نيسان وآب ١٩٤٥، عندما وصلت العمليات لانهاء الحرب الى ذروة وضعت مصير الامة في خطر، لا يمكننا ان نتجاهل الدور الذي قامت به الجرعتان من الدواء الشافي [القنبلتان الذريتان]، العلاج الخاص لتبريد الرؤوس الحارة، اللتان أُعطيتا لانصار استعمال القوة العسكرية الذين طالبوا بحسم للدفاع عن الوطن. والحسم كان سيعني ڠيوكوساي (الاندفاع الى الموت بدلا من الاستسلام) للـ ١٠٠ مليون من السكان.»
ومع ذلك، فان اولئك الذين خسروا احباءهم من جراء قذف القنبلتين الذريتين واولئك الذين عانوا الامراض التي سبَّبها الاشعاع يجدون ان ألمهم لا يمكن ان تسكِّنه الكلمات التي تبرِّر القاء الـ پيكادون، او «الوميض والانفجار،» كما دعا الناجون القنبلتين الذريتين. ومع انهم اعتبروا انفسهم لوقت طويل ضحايا ابرياء، يدرك الآن بعض الناجين من القنبلتين الذريتين انهم كيابانيين لا بد ان يعترفوا، كما مضى الپروفسور ايواماتْسو يقول، بـ «الجرائم التي ارتكبوها في عدوانهم على بلدان اخرى في منطقة آسيا-الپاسيفيك.» وفي سنة ١٩٩٠ اعتذر احد ضحايا القنبلتين الذريتين عن جرائم الحرب التي لليابان امام مندوبين اجنبيين في المظاهرات السنوية ضد القنابل الذرية في هيروشيما.
هل كانت لديهم فعلا اسباب ليقتلوا؟
يكمن اشمئزاز شديد من الحرب في قلوب الكثير من الناجين وشهود العيان لـ پيرل هاربر، هيروشيما، وناغازاكي. واذ ينظرون الى الوراء، يتساءل البعض عمّا اذا كانت لدى بلدانهم اسباب شرعية لطلب التضحية بأحبّائهم.
ومن اجل اثارة الحماسة للحرب وتبرير القتل، شنَّ كلا الجانبين هجومات شفهية ايضا. فالاميركيون دعوا اليابانيين «اليابانيون الجبناء» (sneaky Japs) ووجدوه سهلا ان يهيِّجوا لُهُب الكراهية والانتقام بالكلمات «تذكَّروا پيرل هاربر!» وفي اليابان جرى تعليم الشعب ان الانكلو-اميركيين هم كيتشيكو، اي «وحوش شيطانية.» وكثيرون في أوكيناوا جرى اقتيادهم ايضا الى الانتحار بدلا من الوقوع في ايدي «وحوش.» وهكذا، بعد استسلام اليابانيين، عندما نزلت قوات الغزو الاميركية في ميناء قريب أُعطيت الشابة ايتوكو، المذكورة آنفا، جرعتان من سِيانيد البوتاسيوم السام من قبل قائدها. «لا تكوني لعبة للجنود الغرباء،» امر.
ولكن من خلال اصدقائها اليابانيين-الهاواييين، وسَّعت ايتوكو تدريجيا نظرتها وصارت تدرك ان الاميركيين والبريطانيين كليهما يمكن ان يكونوا ودِّيين، مهذَّبين، ولطفاء. والتقت جورج، رجلا ايرلنديا وُلد في سنغافورة، قُتل والده على ايدي اليابانيين. فعرف احدهما الآخر وتزوَّجا. انهما مجرد مثال واحد لكثيرين وجدوا ان اعداءهم السابقين هم اشخاص حُبيُّون. فلو نظر الجميع الى «الاعداء،» لا من خلال نظارات لوَّنتها الحرب، بل من خلال عيونهم غير المتحيِّزة، لتمكنوا من ان يُمطروا المحبة عليهم بدلا من القنابل.
نعم، ان السلام بين الافراد المؤسس على التفاهم المتبادل اساسي من اجل سلام عالمي. ولكن نظرا الى الاعداد الكبيرة من الحروب التي جرى خوضها منذ ١٩٤٥، من الواضح ان البشر لم يتعلَّموا هذا الدرس الاساسي من پيرل هاربر وهيروشيما. ومع ذلك، فحتى السلام بين الافراد ليس كافيا لجلب سلام عالمي. فماذا يتطلب ذلك؟ ان المقالة التالية ستوضح هذا الامر.
[النبذة في الصفحة ٧]
بينما يُعيد الشعار «تذكَّروا پيرل هاربر!» ذكريات مُرَّة الى بعض الاميركيين، يتذكر اليابانيون آلامهم بصرخة «لا مزيد من هيروشيما!»
[النبذة في الصفحة ٨]
السلام بين الافراد المؤسس على التفاهم المتبادل اساسي من اجل سلام عالمي
[الصورة في الصفحة ٧]
لُويْد باري وأدريان طومبسون، مرسلا جمعية برج المراقبة امام النصب التذكاري للسلام في هيروشيما سنة ١٩٥٠
[الصورة في الصفحة ٨]
هيروشيما مدمَّرة بعد انفجار القنبلة الذرية
[مصدر الصورة]
U.S. Army/Courtesy of The Japan Peace Museum
-
-
عندما تُشفى الجروح القديمةاستيقظ! ١٩٩١ | كانون الاول (ديسمبر) ٨
-
-
عندما تُشفى الجروح القديمة
طوَّرت أدِلايْن ناكو الصغيرة، المذكورة في مستهلّ هذه السلسلة، عداء قويا لوطن اجدادها، اليابان. وعندما كان الاولاد الآخرون يدعون اليابانيين-الهاواييين «يابانيين ادنياء،» «Japs» كانت تجيب بحدة، «نحن اميركيون.» لقد كتبت اعلانات تقول، «امحوا دول المحور هذه» وكانت في طليعة حملة شراء طوابع ضريبة الحرب. قالت أدِلايْن: «كنت فخورة جدا بالكتيبتين الـ ١٠٠ والـ ٤٤٢ المؤلَّفتين من النيسيِّين، او الجيل الثاني من اليابانيين-الاميركيين، الذين حاربوا بشجاعة من اجل اميركا.»
ولكن عندما كبرتْ، بدأت تتساءل: ‹لماذا يلزم ان يقتل الناس واحدهم الآخر؟› كل ذلك بدا خطأ. ‹البوذيون ذهبوا الى الحرب. المسيحيون ذهبوا الى الحرب. جميعهم مراؤون،› فكَّرت. وعندما بدأت بدرس الكتاب المقدس بمساعدة شهود يهوه، تحدَّت معلِّمها الشاهد بالسؤال، «هل تذهبون انتم شهود يهوه الى الحرب؟»
فقيل لها انهم لا يحملون اسلحة لقتل ايّ انسان. وفي ذلك الوقت كانت الحرب لا تزال محتدمة في اوروپا وأيضا في آسيا. واكتشفت أدِلايْن ان الشهود في المانيا يُرسَلون الى معسكرات الاعتقال واولئك الذين هم في الولايات المتحدة يُسجنون لسبب عدم حملهم السلاح في الحرب. ‹لا بد ان يكون هذا هو الدين الحقيقي،› فكَّرت.
مهمة سلمية
واذ ازدادت معرفتها للكتاب المقدس، اندفعت الى نذر حياتها ليهوه، اله الكتاب المقدس. وتعبُّدها لـ «اله السلام» دفعها الى توسيع محبتها باتِّباع خطوات اليابانيين-الهاواييين الخمسة الذين تطوَّعوا للذهاب الى اليابان بعيد الحرب العالمية الثانية. (فيلبي ٤:٩) لقد كانوا توَّاقين الى مساعدة الناس في بلد اسلافهم، اعدائهم السابقين، بالكرازة كمرسلين ببشارة الملكوت المعزية من الكتاب المقدس. — متى ٢٤:١٤.
وأحد المتطوعين للمساعدة في بلد اليابان الذي مزَّقته الحرب، شينيتْشي توهارا، يتذكر كيف شعر تجاه مهمته. «تأمَّلت في امانة الشعب الياباني في ما يتعلق بخدمة الاسياد البشر والامبراطور،» يقول. «وفكَّرت في الطيَّارين الانتحاريين، الذين ضحّوا بحياتهم من اجل الامبراطور بتوجيه طائراتهم عمدا نحو السفن الحربية للاعداء. فاذا كان اليابانيون امناء على هذا النحو للبشر، فكَّرت، فماذا سيفعلون اذا وجدوا الرب الحقيقي، يهوه؟»
بهذه النظرة الايجابية دخل هؤلاء المتطوعون في سنة ١٩٤٩ طوكيو، التي تحوَّلت قبل وقت غير طويل الى انقاض بواسطة غارات ب-٢٩ الجوية. فماذا وجدوا في الاكواخ بين الخرائب؟ اناسا خجولين الى حد ما هم عمّال مخلصون. وطبعا، كان هنالك اناس لا يزالون يضمرون الاستياء والتحامل. ولكنّ كثيرين تجاوبوا على نحو مؤات مع رسالة الكتاب المقدس للسلام.
في سنة ١٩٥٣، انضمَّت أدِلايْن الى هؤلاء المرسلين الاوائل. وبتوق ساعدت الافراد الذين كانوا جياعا وعطاشا الى الرسالة المعزية الموجودة في الكتاب المقدس. والتقت اشخاصا معارضين في نشاطاتها الكرازية. فكانوا يقولون لها: «انتم الذين ألقيتم القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي!»
«حسنا،» كانت تجيب، «انتم تعرفون انني من هاوايي. واليابان هي التي شنَّت اولا الهجوم على پيرل هاربر وقتلت اناسا كثيرين هناك. ولكنّ ذلك لم يعقني عن المجيء الى اليابان لاخبر الناس هنا عن هذه البشارة.» فكان ذلك يهدِّئهم عادة، وكانوا يقبلون المطبوعات التي توضح الكتاب المقدس.
وبفضل الاساس الحسن الذي وضعه هؤلاء المرسلون الاولون من هاوايي وبلدان اخرى، فان اكثر من ٠٠٠,١٥٠ ياباني هم الآن جزء من اخوَّة اولئك الذين «لا يتعلمون الحرب في ما بعد.» — اشعياء ٢:٤؛ ١ بطرس ٢:١٧.
كيف تنتهي كل الحروب
حقا، ان معرفة واحدنا الآخر وتنمية المحبة غير الانانية احدنا نحو الآخر ضرورية للسلام العالمي. ولكنّ ذلك غير كاف. فالناس الذين يحبون السلام ولديهم اصدقاء في الجانب الآخر حُشدوا ايضا الى الحرب الپاسيفيكية تحت التزام قضايا «يمكن تبريرها». والدعاية القومية سيطرت على ميولهم الطبيعية. ومع ان البعض رفضوا ان يذهبوا الى الحرب حتى بتعريض انفسهم لخطر ارسالهم الى معسكرات الاعتقال او السجون، فان اعمالهم، كان لها تأثير زهيد، هذا اذا كان لها ايّ تأثير، في كبح الحماسة للحرب.
عندما تُقاد امة بكاملها الى الحرب، فان اكثر من ايدي البشر هو الذي يقود. ويصرّ عادة كل ذوي العلاقة انهم يرغبون في تفادي الحرب. ولكنّ قوة جبَّارة جدا تؤثر فيهم ضد رغباتهم. ويحدِّد الكتاب المقدس هوية هذه القوة الجبَّارة بصفتها «اله هذا الدهر.» (٢ كورنثوس ٤:٤) حقا، «العالم كله قد وضع في الشرير،» الشيطان ابليس. — ١ يوحنا ٥:١٩؛ انظروا ايضا يوحنا ١٢:٣١؛ ١٤:٣٠.
ولكن، يعد الكتاب المقدس ان «اله السلام سيسحق الشيطان.» (رومية ١٦:٢٠) ان بداية لهذا السحق حدثت في السماء منذ نحو ٧٧ سنة. أصغوا الى وصف ما رآه الرسول يوحنا في رؤيا مثيرة قبل ١٨ قرنا من اتمامها في سنة ١٩١٤: «حدثت حرب في السماء . . . فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو ابليس والشيطان الذي يضلّ العالم كله طرح الى الارض وطرحت معه ملائكته.» — رؤيا ١٢:٧-٩.
ومنذ ذلك الحين حُصر الشيطان ابليس في جوار الارض. وبتحريكه السياسيين والخبراء العسكريين كالدُّمى، اطلق العنان لآلام غير محدودة في حروب هذا القرن. ومع ذلك، فان عدم صبره انما يعكس غضبه العظيم، «عالما ان له زمانا قليلا.» (رؤيا ١٢:١٢) وبواسطة اليدين القديرتين لـ «رئيس السلام،» يسوع المسيح، سيعطِّل اللّٰه الشيطان عن عمله بعد «قتال ذلك اليوم العظيم يوم اللّٰه القادر على كل شيء» في «هرمجدون.» — اشعياء ٩:٦؛ رؤيا ١٦:١٤، ١٦.
وبخلاف كل الحروب التي شنَّها البشر، فان مقياس العدل الذي سيسود في حرب اللّٰه القادمة هذه مطلق. انه مقياس خالق الجنس البشري، الذي يهتم بأفضل مصالح البشر. وبخلاف القادة السياسيين الذين يدفعون شعبهم الى الحرب، سيقول يهوه، خالقنا، لشعبه كما قال لامته اسرائيل في ايام يهوشافاط ملك يهوذا في القرن العاشر قم: «ليس عليكم ان تحاربوا في هذه. قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم.» — ٢ أخبار الايام ٢٠:١٧.
وبنفخ غيوم تأثير الشيطان المظلمة بعيدا، سيتمتَّع الافراد من كل الامم بالسلام والامن الحقيقيين في كل الارض. حينئذ ستصير الاحوال التالية التي انبأ بها اشعياء حقيقة. «هأنذا خالق سموات جديدة وارضا جديدة فلا تُذكر الاولى ولا تخطر على بال.» — اشعياء ٦٥:١٧.
وهكذا، فان ما حدث في پيرل هاربر لن يُذكر في ما بعد على نحو مؤلم، ولن يصرخ ضحايا الانفجارين الذريين لـ هيروشيما وناغازاكي «لا مزيد من هيروشيما!» ولماذا؟ لان الكلمات التالية لنبوة اشعياء ستصح ايضا في كل شخص على الارض: «يقضي [اللّٰه] بين الامم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل. لا ترفع امة على امة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد.» — اشعياء ٢:٤.
ان اتمام هذه النبوات يتحقَّق الآن بين شهود يهوه، الذين يشكِّلون الآن اخوَّة عالمية تُعدُّ بالملايين. ويصير ذلك واضحا بشكل خصوصي في المحافل الاممية لشهود يهوه التي تُعقد في اجزاء مختلفة من العالم. وأنتم ايضا يمكنكم ان تكونوا جزءا من الوحدة والسلام الامميين هذين. فتعالوا وتعلَّموا كيف تكونون واحدا من الشعب الذي ‹طبع سيوفه سككا ورماحه مناجل،› الذي ‹لا يتعلم الحرب في ما بعد،› والذي يتطلع بشوق الى الفردوس الذي سيكون قريبا على الارض، حيث لن تحدث ابدا حروب من جديد. — مزمور ٤٦:٨، ٩.
[الصورة في الصفحة ٩]
جيري ويوشي توما، شينيتْشي وماساكو توهارا، وإِلْسي تانيڠاوا تطوَّعوا لمساعدة اعدائهم السابقين
[الصورة في الصفحة ١٠]
اخوَّة اممية اليوم تعبد اللّٰه بوحدة وسلام
-