-
العولمة — الآمال والمخاوفاستيقظ! ٢٠٠٢ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
العولمة — الآمال والمخاوف
«العولمة هي الحدث الاقتصادي الكبير في عصرنا. . . . انها تقدّم الآن فرصا لم يسبق لها مثيل لبلايين الاشخاص حول العالم». — مارتن وولف، صحافي يكتب في عمود الشؤون المالية.
«نحن سكان الارض عائلة كبيرة واحدة. والعصر الجديد يقدّم تحديات جديدة ومشاكل عالمية جديدة، مثل الكوارث البيئية، نفاد الموارد، الصراعات الدموية، والفقر». — ادوارد شيفاردنادزه، رئيس جمهورية جورجيا.
في كانون الاول (ديسمبر) ١٩٩٩، قاطع شغب اجتماعا كانت تعقده منظمة التجارة العالمية في سيياتل، الولايات المتحدة الاميركية. فاستعملت الشرطة غازا مسيلا للدموع، رصاصا مطاطيا، ورذاذ الفلفل لإعادة النظام. وأخيرا اوقفت مئات المعارضين.
فما سبب هذا الشغب؟ قائمة لا تنتهي من المخاوف المتعلقة بخسارة المرء وظيفته، بالبيئة، وبالظلم الاجتماعي. وبكلمات ابسط، خوف المتظاهرين من العولمة — تأثيرها في الناس وفي الارض بكاملها.
لم تخمد المخاوف. فمنذ سنة ١٩٩٩، تزداد المظاهرات ضد العولمة حجما وحدّة. وفي بعض الاحيان، يسعى قادة العالم اليوم الى عقد مؤتمرات القمم في مناطق منعزلة حيث يصعب على المعارضين مقاطعة الجلسات.
طبعا، لا يعتبر الجميعُ العولمةَ تهديدا. ففيما يدينها البعض كمصدر لمشاكل العالم، يرحّب بها آخرون كعلاج لمعظم هذه المشاكل. صحيح ان هذا الجدل المستمر يبدو وكأن لا تأثير مباشر له على حياة اغلبية الجنس البشري، فأشخاص عديدون لا يملكون سوى فكرة مبهمة عن العولمة. ولكن مهما كانت وجهة نظركم، فالعولمة تؤثر فيكم اليوم وسيزيد تأثيرها على الارجح في المستقبل.
ما هي العولمة بالتحديد؟
«العولمة» هي التعبير الذي يستعمله البعض لوصف الاعتماد المتبادل بين الناس والبلدان الذي يحدث بشكل متزايد عالميا. وقد تسارعت هذه العملية بشدة في العقد المنصرم، بشكل رئيسي بسبب التقدم الضخم في التكنولوجيا. (انظروا الاطار في الصفحة ٥.) فخلال هذه الفترة، اختفت الكتل المقسِّمة الناجمة عن الحرب الباردة، أُزيلت العوائق التجارية، اندمجت الاسواق المالية العالمية الرئيسية، وصار السفر ارخص وأسهل.
وهذا الاندماج العالمي المتزايد انتج سلسلة طويلة من العواقب — الاقتصادية، السياسية، الثقافية، والبيئية. وللأسف، يمكن ان تكون بعض هذه العواقب سلبية. اوضحت مطبوعة الامم المتحدة تقرير التنمية البشرية لسنة ١٩٩٩ (بالانكليزية): «لم يسبق ان صارت حياة الناس مرتبطة بشكل عميق ووثيق ومباشر كما هي اليوم. وهذا الامر يفسح المجال امام فرص كثيرة، معطيا زخما جديدا لحدوث تطورات حسنة وسيئة». فمثل الكثير من الانجازات البشرية، للعولمة حسنات وسيئات على السواء.
امل في عالم اكثر ازدهارا
يدّعي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، أمارتيا سِن، ان العولمة «اغنت العالم علميا وثقافيا، كما افادت كثيرين اقتصاديا». وعلى نحو مماثل، يشير تقرير التنمية البشرية لسنة ١٩٩٩ ان العولمة «تقدم امكانية هائلة لاستئصال الفقر في القرن الـ ٢١». وسبب هذا التفاؤل هو الازدياد السريع في الازدهار الذي نجم عن العولمة. فدخْل عائلات الطبقة المتوسطة في العالم اليوم هو ثلاثة اضعاف دخلها منذ ٥٠ سنة.a
ويرى بعض المحلِّلين وجها ايجابيا آخر للاندماج الاقتصادي: انهم يشعرون انه يجعل البلدان تتردد في خوض الحروب. يؤكد توماس ل. فريتمان في كتابه سيارة الليكزوس وشجرة الزيتون (بالانكليزية) ان العولمة «تعزِّز الرغبة في تجنب الحروب، كما تزيد تكاليف خوض الحروب من عدة نواحٍ لم يسبق ان شهدتها اية حقبة في التاريخ العصري».
والاحتكاك المتزايد بين الناس يساهم ايضا في تحسين التضامن العالمي. فقد استطاعت بعض منظمات حقوق الانسان ان تستفيد مما تقدمه الإنترنت في سبيل ترويج قضاياها بفعالية. مثلا، سنة ١٩٩٧ جرى التوصل الى وضع المعاهدة الدولية التي تحظر الالغام الارضية بالاستعانة جزئيا بالبريد الالكتروني لحشد فرق مختلفة من حول العالم تقلقها هذه القضية. وهذه الطريقة بالاقتراب من عامة الشعب رحِّب بها على انها «طريقة جديدة في تولي السياسة الدولية، حيث تعمل الحكومات والمجتمع المدني جنبا الى جنب لمعالجة الازمة التي تتعلق بالخير العام العالمي».
رغم هذه النتائج الايجابية، لا يزال كثيرون يخشون ان تطغى التأثيرات المؤذية للعولمة على فوائدها.
التخوُّف من عالم اكثر انقساما
ان اكثر ما يقلق في العولمة على الارجح هو توسيع الهوة بين الميسورين والمعدِمين. ففيما ازدادت الثروة العالمية، صارت حكرا على اشخاص اقل وبلدان اقل. والقيمة الصافية لممتلكات اغنى ٢٠٠ شخص في العالم تتخطى اليوم مجموع دخل ٤٠ في المئة من سكان الارض — حوالي ٤,٢ بليون شخص. وفيما تستمر الاجور في الارتفاع في البلدان الغنية، يشهد ٨٠ بلدا فقيرا في الواقع تدهورا في معدل الدخل منذ عشر سنوات.
ومن القضايا المقلقة الاساسية الاخرى مسألة البيئة. فالعولمة الاقتصادية دعمتها قوى السوق التي يتمحور همها حول المكسب عوض حماية الكوكب. يقول آڠوس پورنومو، رئيس الصندوق العالمي للطبيعة في إندونيسيا، موضحا المعضلة: «نحن في سباق مستمر مع التطوّر. . . . وأخشى اننا، بعد عشر سنوات، عندما نكون قد ادركنا وانتبهنا لكل ما يتعلق بالبيئة، تكون الخسارة قد وقعت ولا يبقى اي شيء لحمايته».
يخشى الناس ايضا خسارة وظائفهم. فالوظائف والمداخيل تصير غير ثابتة، اذ يدفع الاندماج العالمي والمنافسة الشديدة الشركات الى جعل عملياتها ابسط وأكثر فعالية. ان عملية توظيف وطرد العمال وفق الحاجات السائدة للسوق تبدو منطقية بالنسبة الى شركة همها الشاغل زيادة ارباحها، لكنها توقع اضطرابا شديدا في حياة الناس.
وأدخلت عولمة الاسواق النقدية عاملا آخر مخلا بالاستقرار. فالمستثمرون الدوليون قد يودعون مبالغ هائلة من الاموال في البلدان النامية، لكنهم سرعان ما يسحبونها حين تبدو الاحوال الاقتصادية سيئة. ان عمليات السحب الكبيرة هذه يمكن ان تغرق بلدا بعد آخر في ازمة اقتصادية. فبسبب الازمة المالية في شرق آسيا خلال سنة ١٩٩٨ خسر ١٣ مليون شخص وظائفهم. وفي إندونيسيا، حتى العمال الذين بقوا في وظائفهم شهدوا خسارة خمسين في المئة من القوة الشرائية لأجورهم.
لا عجب اذًا ان تنتج العولمة المخاوف والآمال على السواء. فهل من سبب يدعوكم ان تخشوا العولمة؟ او هل يمكن ان تتوقعوا ان تجعل حياتكم اكثر ازدهارا؟ هل اعطتنا العولمة سببا للنظر الى المستقبل بتفاؤل؟ ستعالج مقالتنا التالية هذه الاسئلة.
[الحاشية]
a لكنّ المعدّلات، وخصوصا المعدّلات العالمية، يمكن ان تكون مضلِّلة. ففي مناطق كثيرة، لم يشهد دخل العائلات اية زيادات على الاطلاق في السنوات الـ ٥٠ المنصرمة، فيما تضاعفت اجور البعض الآخر مرارا وتكرارا.
[النبذة في الصفحة ٣]
ان القيمة الصافية لممتلكات اغنى ٢٠٠ شخص في العالم تتخطى مجموع دخل ٤٠ في المئة من سكان الارض
[الاطار/الصور في الصفحة ٥]
التكنولوجيا التي تدعم العولمة
احدثت التكنولوجيا ثورة في الاتصالات في العقد الماضي. فالاتصال بالناس ونيل المعلومات — تقريبا في اي مكان في العالم — صارا اسرع، ارخص، وأسهل.
التلفزيون يستطيع معظم الناس حول العالم اليوم مشاهدة التلفزيون، حتى لو لم يكن في بيتهم تلفزيون. بحلول سنة ١٩٩٥، كان هنالك ٢٣٥ جهاز تلفزيون لكل ٠٠٠,١ شخص حول العالم، تقريبا ضعف العدد في سنة ١٩٨٠. ومجرد صحن لاقط صغير satellite dish يتيح للناس الذين يعيشون في مناطق نائية مشاهدة برامج اذاعية من كل انحاء العالم. يوضح فرنسيس فوكوياما، پروفسور في الاقتصاد السياسي: «اليوم، لا يستطيع اي بلد الانعزال عن وسائل الاعلام العالمية».
الإنترنت كل اسبوع يشترك حوالي ٠٠٠,٣٠٠ شخص جديد في الإنترنت. وفي سنة ١٩٩٩، قُدّر ان ٧٠٠ مليون شخص يُتوقَّع ان يشتركوا في الإنترنت سنة ٢٠٠١. يوضح الكاتب توماس ل. فريدمان: «النتيجة هي انه لم يسبق في تاريخ الجنس البشري ان صار ممكنا ان يتعلم هذا العدد الضخم من الناس عن عدد هائل من الاشخاص، المنتجات، والافكار».
الهاتف ان كبلات الالياف البصرية وشبكات الاقمار الاصطناعية خفضت كثيرا تكاليف المكالمات الهاتفية. فكلفة مخابرة تستغرق ثلاث دقائق بين نيويورك ولندن انخفضت من ٢٤٥ دولارا اميركيا سنة ١٩٣٠ الى ٣٥ سنتا سنة ١٩٩٩. وجعلت الشبكات اللاسلكية اجهزة الهاتف الخلوي شائعة كأجهزة الكمپيوتر. وبحلول نهاية سنة ٢٠٠٢، سيكون هنالك ما يقدر ببليون شخص يستعملون الهاتف الخلوي، وكثيرون من هؤلاء سيتمكنون من استعمال هواتفهم للدخول الى الإنترنت.
الرقاقة الصغرية MICROCHIP كل الوسائل المذكورة آنفا، والتي يجري تحسينها باستمرار، تعتمد على الرقاقات الصغرية. وعلى مر السنوات الـ ٣٠ السابقة، كانت قدرة هذه الرقاقات على معالجة المعلومات تتضاعف كل ١٨ شهرا. ولم يسبق ان جرى تخزين مثل هذه الكمية الكبيرة من المعلومات في مكان بالغ الصغر مثل هذا.
-
-
هل يمكن ان تحل العولمة مشاكلنا حقا؟استيقظ! ٢٠٠٢ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
هل يمكن ان تحل العولمة مشاكلنا حقا؟
«ان المجتمع العالمي اليوم، مثل معظم المجتمعات، بعيد كل البعد عن المثالية، وعيوبه كثيرة. افراده لا يعامَلون بعدل؛ فهم لا يحظون بالفرص نفسها. والملايين غارقون في الحرمان بحيث لا يخطر على بالهم انهم ينتمون الى مجتمع».—«مجتمعنا العالمي» (بالانكليزية).
تقيم فاطمة في مدينة افريقية كبيرة، وتعتبر نفسها موفقة. فهي على الاقل تملك برّادا. لكنّ منزل عائلتها ليس سوى كوخ معدني قائم بجانب ثلاثة قبور رخامية. انها تعيش، مثل نصف مليون شخص آخر، في مدفن كبير. حتى المدفن صار مكتظا. تتشكى فاطمة: «كثيرون ينتقلون للعيش هنا، وخصوصا داخل القبور».
على بعد خمسة عشر كيلومترا من مكان اقامة فاطمة يمتد مجمّع سكني جديد فخم، يضم مطاعم فخمة وملعب ڠولف كبيرا جدا. وجولة واحدة في ملعب الڠولف تكلف اكثر من الاجر الشهري الذي يتقاضاه الفرد في هذا البلد الافريقي. لطالما كان الفقر سمة المدينة، لكن ملاعب الڠولف — رمز اصحاب الحظوة — هي حدث جديد مثير ومزعج في الوقت نفسه. ان الترف والفقر المدقع متواجدان معا على نحو متقلقل في مجتمعنا العالمي.
ان وادي حَضرَمَوت، الذي يتعرج عبر ارض اليمن القاحلة في الشرق الاوسط، هو طريق قديمة للقوافل تنتثر حولها المدن القديمة. للوهلة الاولى يبدو وكأن الزمن توقف في هذا الوادي البعيد. لكن المظاهر الخارجية تخدع احيانا. ففي مدينة سايوون المجاورة، استعان المتحف بخرّيجة جامعة لمساعدته على تحضير موقع وبْ يُدرج فيه كل نفائسه. ورغم ان خرّيجة الجامعة هي فتاة من اهل البلد، فقد درست في أوهايو، الولايات المتحدة الاميركية. فاليوم، يمكن للناس والافكار على السواء الانتقال حول العالم بشكل لم يسبق له مثيل.
وعلى بعد حوالي ألفي كيلومتر الى الغرب، في الصحراء الكبرى، تسير قافلة من ثلاث شاحنات ببطء نحو الجنوب على طريق منعزلة. يوضح ماشالا، احد السائقين، انه ينقل اجهزة تلفزيون وأجهزة ڤيديو وصحونا لاقطة. وهو نفسه يطّلع باستمرار على احداث العالم من خلال مشاهدة نشرات الاخبار الاميركية. ويوضح ان الجميع في بلدته «لديهم صحون لاقطة». نعم، ان امكنة قليلة في الارض لا تصلها وسائل الاعلام العالمية.
ان التدفق المستمر للناس، الافكار، الاخبار، المال، والتكنولوجيا يخلق مجتمعا عالميا جديدا يمكن ان يجلب الفوائد. فالعولمة تساعد على نشر حضارة اليمن المحلية، وتتيح لماشالا ان يكسب ما يصل الى ٠٠٠,٣ دولار اميركي مقابل قيامه برحلة تستغرق ثلاثة اسابيع. لكنّ المال لا يصل الى يد كل شخص. ففاطمة وجيرانها يرون كيف يتمتع قليلون بفوائد العولمة، فيما يبقون هم عالقين في دوامة الفقر.
رغم ان مجتمعنا العالمي بعيد كل البعد عن المثالية، فإن عملية الاندماج العالمي لا رجوع عنها على الارجح. فهل سيطفئ الناس التلفزيون، يرمون اجهزة الهاتف الخلوي، يدمرون اجهزة الكمپيوتر، ويتوقفون عن السفر الى بلدان اخرى؟ هل ستحاول البلدان عزل نفسها تماما عن باقي العالم، سياسيا واقتصاديا؟ يبدو ذلك بعيد الاحتمال. ولا احد يريد ان ينبذ فوائد العولمة. لكن ماذا عن المشاكل المرافقة؟ انها تسبب قلقا متزايدا، وتمس حياة كل فرد. فلنتأمل بإيجاز في قليل من اخطر التأثيرات الجانبية للعولمة.
الهوة تتَّسع
ان توزيع الثروة العالمية لم يكن مرةً عادلا، لكن العولمة الاقتصادية وسّعت الهوة بين الغني والفقير. صحيح ان بعض البلدان على ما يبدو استفادت من اندماجها في الاقتصاد العالمي. فبعض الخبراء يدّعون انه خلال السنوات العشر الماضية، انخفض عدد الاشخاص الذين هم دون الحد الادنى للفقر في الهند من ٣٩ الى ٢٦ في المئة، وأن آسيا ككل شهدت تحسنا مشابها. كما تُظهر احدى الدراسات انه في سنة ١٩٩٨، كان ١٥ في المئة فقط من سكان شرق آسيا يعيشون بدولار اميركي واحد في اليوم، بالمقارنة مع ٢٧ في المئة قبل عشر سنوات. لكنّ الصورة العالمية ليست مشرقة الى هذا الحد.
ففي افريقيا السوداء وبلدان نامية اخرى، انخفض الدخل في الواقع في السنوات الـ ٣٠ الماضية. يذكر كوفي انان، الامين العام للامم المتحدة: «ان المجتمع الدولي . . . يسمح ان يعيش ٣ بلايين شخص تقريبا — حوالي نصف سكان الارض — بمجرد دولارَين اميركيين او اقل يوميا في عالم غني بشكل لم يسبق له مثيل». ان احد الاسباب الرئيسية وراء هذه الهوة الاجتماعية الهائلة هو المصلحة الذاتية المالية. يوضح لاري سامرز، وزير المالية الاميركي السابق: «في كل انحاء العالم، لا تأخذ الاسواق المالية الخاصة المعدِمين بعين الاعتبار». يتابع قائلا: «والمصارف العادية لا تسعى الى فتح فروع لها في المناطق الفقيرة — لأن ذلك لن يعود عليها بالفائدة».
ان الفرق الشاسع بين مداخيل الاغنياء والفقراء يفرز الناس وكذلك البلدان بعضهم عن بعض. فمنذ عهد ليس ببعيد، كانت ثروة اغنى شخص في الولايات المتحدة تفوق القيمة الصافية لممتلكات اكثر من ١٠٠ مليون اميركي. كما عزّزت العولمة نمو الشركات المتعددة الجنسيات الغنية التي استولت تقريبا على السوق العالمية لبعض المنتجات. على سبيل المثال، تحكمت عشر شركات فقط، سنة ١٩٩٨، في ٨٦ في المئة من تجارة الاتصالات من بُعد التي يبلغ حجمها ٢٦٢ بليون دولار اميركي. وفي اغلب الاحيان، يفوق التأثير الاقتصادي لهذه الشركات المتعددة الجنسيات ذاك الذي للحكومات. وكما تشير منظمة العفو الدولية، فإن «حقوق الانسان وحقوق العمال ليست ضمن الاولويات على جدول اعمال هذه الشركات».
فلا عجب ان تقلق منظمات حقوق الانسان بشأن تجمع ثروة العالم بين ايدي قليلين من اصحاب الحظوة. فهل تحبون العيش في مجتمع حيث ٢٠ في المئة من الاشخاص المعتبرين الشريحة الاغنى يفوق دخلهم ما تكسبه الشريحة الافقر بـ ٧٤ مرة؟ وبفضل التلفزيون، فإن المعدِمين الذين يشكّلون ٢٠ في المئة من الجنس البشري يعلمون تماما كيف يعيش الاغنياء، لكنهم لا يرون اي بصيص امل يعد بتحسين حالهم. لا شك ان مثل هذا الظلم الساحق في مجتمعنا العالمي يزرع بذور القلق والتثبُّط.
عولمة الحضارة
ما يقلق ايضا هو التضارب في الحضارات وانتشار القيم المادية. فتبادل الافكار سمة بارزة في العولمة، ولا شيء يجسّد هذه الظاهرة اكثر من الإنترنت. لكنّ الإنترنت لا تُستعمل للأسف لمجرد نشر المعلومات المفيدة، الثقافة، والتجارة. فبعض مواقع الوبْ تروّج الفن الاباحي، التمييز العنصري، والمقامرة. حتى ان بعضها يعطي ارشادات عن كيفية صنع قنابل في البيت. وكما يذكر توماس ل. فريتمان، «على الإنترنت، لا تحتاجون سوى الى بضع نقرات على الفأرة للوقوع في المشاكل. فتدخلون مواقع تعرّفكم بالنازيين الجدد او تأخذكم الى مكتبة الفن الاباحي، . . . ولا احد هناك ليردعكم او يرشدكم».
وللتلفزيون والافلام تأثير هائل في الطريقة التي يفكر فيها الناس. فالرسائل المبعوثة عبر الشاشة غالبا ما تأتي من هوليوُود، المكان الاساسي لإنتاج افلام تغرق الناس في عالم الخيال. والقيم التي تعكسها صناعة التسلية الضخمة هذه غالبا ما تروّج المادية، العنف، او الفساد الادبي. وقد تكون غريبة كليا عن الحضارة المحلية لبلدان كثيرة في العالم. رغم ذلك، يستحيل دائما على الحكومات، المعلّمين، والوالدين ان يوقفوا هذا التيار.
اوضح مقيم في هاڤانا، كوبا، لزائر من اميركا الشمالية: «نحن نحب الحضارة الاميركية. . . . ونعرف كل نجومكم في هوليوُود». والحضارة الغربية تروّج ايضا الوجبات السريعة والمشروبات الغازيّة. ذكر رجل اعمال ماليزي: «يحب الناس هنا كل ما يأتي من الغرب، وخصوصا من اميركا. . . . انهم يحبون اكل طعامهم والتشبه بهم». واعترف مدير كلية في هاڤانا بأسف: «لم تعد كوبا جزيرة. بل لم تعد هنالك جزر. لم يعد هنالك سوى عالم واحد».
تؤثر الحضارة الغربية الغازية في آمال الناس ورغباتهم. ذكر تقرير التنمية البشرية لسنة ١٩٩٨(بالانكليزية): «‹الرغبة في مجاراة المرء نظيره› تحولت من مجاراة الجار الى السعي وراء انماط حياة الاغنياء والمشاهير المصورة في الافلام والبرامج التلفزيونية». فمن الواضح ان الغالبية الساحقة للجنس البشري لن تبلغ ابدا نمط الحياة هذا.
هل العولمة حل للمشاكل؟
مثل الكثير من المشاريع التي يقوم بها الجنس البشري، تبيّن ان العولمة هي مفيدة ومؤذية على السواء. فقد جلبت للبعض حسنات اقتصادية، وأدخلت عصرا من الاتصالات العالمية. لكنها تعمل لصالح الغني والقوي وليس لصالح الفقير والمحتاج. وقد استفاد المجرمون والڤيروسات المسببة للامراض من العولمة اكثر مما استفادت الحكومات. — انظروا الاطارين في الصفحتين ٨ و ٩.
الى حد بعيد، ضخَّمت العولمة المشاكل التي طالما وُجدت في عالمنا الناقص. وعوض تقديم حل لمشاكل العالم، صارت جزءا من المشكلة. واتّسعت الهوة بين الطبقات الاجتماعية، وازداد التثبُّط. وحول العالم، تكافح الحكومات للاستفادة من حسنات العولمة فيما تحمي مواطنيها من اوجهها المؤذية. فهل تنجح في ذلك؟ وهل يمكن ان تكون العولمة المتسمة بالانسانية هي الحل؟ سيجري تحليل هذين السؤالين في المقالة التالية.
[الاطارات/الصور في الصفحتين ٨ و ٩]
عولمة الجريمة والارهاب
للأسف، ان الوسائل التي تستخدمها التجارة يمكن ان تتحول بسهولة الى ادوات للجريمة. يوضح تقرير التنمية البشرية لسنة ١٩٩٩: «مثلما اخذت الشركات المتعددة الجنسيات القيادة في عولمة الاقتصاد العالمي، سارعت الاتحادات ‹المتعددة الجنسيات› للجريمة المنظمة في الاستفادة من العولمة». فكيف تستفيد الجريمة المنظمة من العولمة؟
لقد وجدت المنظمات الاجرامية التي تتاجر بالمخدِّرات فرصا جديدة كثيرة لتبييض ارباحها التي تساوي بلايين الدولارات. ومع تخفيف الرقابة الجمركية وزيادة تنقل الناس سهُل على هذه المنظمات ايضا نقل المخدِّرات غير الشرعية من بلد الى آخر او من قارة الى اخرى. والمثير للاهتمام انه خلال تسعينات الـ ١٩٠٠ تضاعف انتاج الكوكائين مرتين وإنتاج الأفيون ثلاث مرات. كما جعلت المافيات الدولية من الاتّجار بالبغاء عملا مربحا. فكل سنة تنقل حوالي ٠٠٠,٥٠٠ امرأة وفتاة الى اوروپا الغربية لهذا الغرض — ومعظمهن ضد ارادتهن.
والاتحادات الاجرامية، مثل الشركات المتعددة الجنسيات، وحّدت قواها في السنوات الماضية. فالكثير منها لديه عمليات عالمية النطاق، وتربح في ما بينها ما يقدَّر بـ ٥,١ ترليون دولار اميركي في السنة — اكثر من اجمالي الناتج القومي في فرنسا.a
وتبرهَن ان الإنترنت ايضا هي اداة مثالية لخبراء الكمپيوتر المخادعين. ففي سنة ١٩٩٥، سرق احد خبراء البرمجة معلومات يقال انها تساوي مليون دولار اميركي، كما سرق ارقام ٠٠٠,٢٠ بطاقة اعتماد خاصة. اوضح هوسّيه انطونيو سولير، مصرفي اسپاني: «السرقة باستخدام التكنولوجيا الحديثة اقل خطرا وأكثر ربحا».
يستعمل الارهابيون ايضا وسائل العولمة. فنتيجة التغطية الاخبارية العالمية، يمكن ان يساعد خطف سياح غربيين قليلين في بقعة نائية من العالم على نشر دعاية فورية لأية مظالم سياسية تقريبا.
«مسافرون» غير مرغوب فيهم
ان السفر ليس حكرا على الناس فقط. فالامراض تسافر ايضا حول العالم وبعضها مميت. يوضح الپروفسور جوناثان م. مان، احد الخبراء في الاوبئة: «ان الزيادات السريعة لحركة الناس، السلع، والافكار حول العالم هي القوى المحركة وراء عولمة المرض». ويضيف: «يصير العالم بسرعة معرّضا اكثر لظهور، والاخطر ايضا، لانتشار واسع وعالمي حتى للامراض الخمجية القديمة والجديدة على السواء».
لا شيء يجسّد هذا التعرّض للأمراض في العالم مثلما يجسّده وباء الأيدز، الذي يقتل الآن حوالي ثلاثة ملايين شخص كل سنة. وفي بعض بلدان افريقيا، يخشى العاملون في مجال الصحة ان يصل عدد ضحايا هذا المرض الى ثلثَي الشبان والشابات. يذكر برنامج الامم المتحدة المشترك حول الأيدز والـ HIV: «رغم آلاف السنين من الحروب والمجاعات والاوبئة لم يحدث في تاريخ الجنس البشري ان وصلت نسبة موت الشباب الى هذا الحد».
والميكروبات والڤيروسات ليست «المسافرين» الوحيدين غير المرغوب فيهم الذين يتنقلون حول العالم. فالحيوانات، النباتات، والحشرات هربت من موطنها المعتاد وغزت قارات اخرى. فثمة نوع من الافاعي السامة من أوستراليا يستعمر الآن جزر المحيط الهادئ، وقد تسلل على ما يبدو الى الطائرات المتجهة الى هناك. وقضى حتى الآن تقريبا على كل طيور الغابة في ڠوام. كما انتشرت جاسنت الماء التي من اميركا الجنوبية ووصلت الى ٥٠ بلدا مداريا، حيث تسدّ القنوات وتدمر برك السمك. تذكر صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون (بالانكليزية): «ان الغزاة ‹الغرباء› يكلفون الاقتصاد العالمي على الارجح مئات البلايين من الدولارات كل سنة، كما ينشرون الامراض ويدمرون البيئة».
[الحاشية]
a «اجمالي الناتج القومي» يشير الى القيمة الاجمالية للسلع التي ينتجها بلد ما والخدمات التي يقدمها في السنة.
[الصور]
تهريب المال
في شحنة دمى
تهريب الكوكائين
كمية كوكائين تساوي ٠٠٠,٠٠٠,٤ دولار اميركي وُجدت في عربة ضُبطت عند الحدود
الارهاب البيولوجي
جنود يبحثون عن الجمرة الخبيثة في تلة الكاپيتول في العاصمة واشنطن
الانفجارات
انفجار قنبلة في عربة
الانتشار العالمي للأيدز
وباء الأيدز يكتسح جنوب افريقيا بحيث عجزت بعض المستشفيات الحكومية عن استقبال المزيد من الناس
غزو الحيوانات
افعى الاشجار الدكناء قضت تقريبا على طيور الغابة في ڠوام
جاسنت الماء
هذه النبتة تسدّ القنوات وضفاف الانهار في حوالي ٥٠ بلدا
[مصدر الصورة]
Money and cocaine smuggling: James R. Tourtellotte and Todd Reeves/U.S. Customs Service; bioterrorism: AP Photo/Kenneth Lambert; burning bus: AP Photo/HO/Israeli Defense Forces; child: AP Photo/Themba Hadebe; snake: Photo by T. H. Fritts, USGS; water hyacinth: Staff CDFA, California Dept. of Food & Agriculture, Integrated Pest Control Branch
[الصورتان في الصفحة ٧]
وسعت العولمة الاقتصادية الهوة بين الاغنياء والفقراء
[مصدر الصورة]
UN PHOTO 148048/J. P. Laffont - SYGMA
[الصورتان في الصفحة ١٠]
تُستخدم الإنترنت لترويج الارهاب
-
-
العولمة التي ستفيدكماستيقظ! ٢٠٠٢ | ايار (مايو) ٢٢
-
-
العولمة التي ستفيدكم
«اذا كانت العولمة ستنجح، ينبغي ان تنجح على صعيد الفقراء والاغنياء على السواء. وعليها ان تؤمّن الحقوق مثلما تؤمّن الثروات. كما ينبغي ان تحقّق العدل الاجتماعي والمساواة مثلما تحقّق الازدهار الاقتصادي وتعزز الاتصال». — كوفي انان، الامين العام للامم المتحدة.
كما اشار كوفي انان، تحسّن العولمة الناجحة حقا حياة كل فرد في المجتمع العالمي. لكنّ ما رأيناه في السنوات الاخيرة ابعد ما يكون عن هذه المثالية. فالحقوق الانسانية والمساواة الاجتماعية تخلفت كثيرا عن السير في رِكاب التقدم المادي والتكنولوجي.
ان المشكلة الاساسية هي ان العولمة الاقتصادية تقودها الرغبة في كسب المال. والرغبة في الربح نادرا ما تأخذ بعين الاعتبار الفقراء والمحرومين او حاجات الكوكب الطويلة الامد. يحاجّ الدكتور دايڤيد كورتن: «ان الاقتصاد العالمي غير المضبوط الذي تديره شركات تجارية لا يهمها سوى جني المال هو اقتصاد متزعزع من حيث الاساس . . . وينهك الجنس البشري بكل معنى الكلمة».
هل ستكون حكومات العالم قادرة على ضبط الاقتصاد العالمي بطريقة تحقّق العدل الاجتماعي؟ ان ذلك بعيد الاحتمال. فحتى الآن، تجد الحكومات من الصعب حل اية مشكلة عالمية — سواء كانت الجريمة العالمية، الدفء العالمي، او الفقر العالمي. يقول كوفي انان: «العمل الجماعي ضروري لحماية المصالح العالمية». ويضيف: «لكن في مجتمع اليوم المعتمد على العولمة، لا تكاد الاجراءات المتخذة على صعيد عالمي تتعدى مراحلها البدائية».
والاجراءات المتخذة عالميا لمعالجة المشاكل العالمية ليست المطلب الوحيد. تحاج «لجنة الحُكْم العالمي»a ان العالم يحتاج ايضا الى قِيَم اخلاقية. يذكر تقريرها: «دون قِيَم اخلاقية عالمية، ستتفاقم الاختلافات والتوترات الناجمة عن العيش في مجتمع عالمي؛ ودون قيادة، ستفشل حتى افضل المؤسسات والخطط».
وما هي القِيَم الاخلاقية العالمية التي نصحت بها؟ ذكر التقرير: «ينبغي ان يعامل الناس الآخرين كما يحبون ان يعاملهم الآخرون». ان يسوع المسيح، اعظم قائد عرفه العالم، علّم مقياس السلوك هذا منذ حوالي ألفَي سنة. (متى ٧:١٢) لكن هذا المبدأ لا يزال صحيحا اليوم مثل اي وقت مضى. فالعولمة التي تعتمد ذلك المبدأ تفيد بلا شك الجميع. فهل يحصل ذلك يوما؟
حل عالمي من نوع آخر
ينبئ الكتاب المقدس انه في المستقبل القريب ستكون هنالك حكومة عالمية توحّد الجنس البشري على اساس عدم الانانية عوض المال والتكنولوجيا. وستنجح لأن لديها القوة والوسيلة لاتخاذ اجراءات عالمية لمصلحة كل الجنس البشري. وقد ركز يسوع المسيح نفسه على هذه الحكومة العالمية حين علّم اتباعه ان يصلّوا ‹ليأتِ ملكوت اللّٰه ولتكن مشيئة اللّٰه على الارض›. — متى ٦:١٠.
ان ملكوت اللّٰه، الحكومة السماوية تحت اشراف يسوع المسيح، سيجسّد قِيَما اخلاقية عالمية جديدة، القِيَم نفسها التي علّمها يسوع عندما كان على الارض. وستكون محبة اللّٰه ومحبة القريب المبدأين الاساسيين. (متى ٢٢:٣٧-٣٩) وتبرز نبوات كثيرة في الكتاب المقدس ما ستفعله هذه الحكومة الجديدة. فبالنسبة الى رئيسها، يسوع المسيح، يعد الكتاب المقدس: «يقضي للفقراء بالعدل وينصف الظالمين». (اشعياء ١١:٤، الترجمة العربية الجديدة) ولن يستغل الغنيُّ والقويُّ المحرومين. وسيشفق يسوع «على المسكين والبائس ويخلّص انفس الفقراء. من الظلم والخطف يفدي انفسهم». — مزمور ٧٢:١٣، ١٤.
كما ستُعالَج المشاكل البيئية من غير ابطاء. فعوض التصحُّر الزاحف، «يبتهج القفر ويزهر كالنرجس». (اشعياء ٣٥:١) وعوض النقص في الطعام، «تكون حفنة بُرّ في الارض». — مزمور ٧٢:١٦.
ويوحّد ملكوت اللّٰه الناس من شتى الخلفيات. يعد اللّٰه: «اضعهم معا كغنم الحظيرة». وأيضا: ‹احوّلهم الى شفَة [«لغة»، عج] نقية ليعبدوني بكتف واحدة›. (ميخا ٢:١٢؛ صفنيا ٣:٩) وهذه ‹اللغة النقية›، التي تشمل مجموعة مشتركة من القِيَم الدينية والادبية، توحّد الناس اليوم ايضا.
بفضل تسهيلات السفر العالمية، يعقد شهود يهوه قانونيا محافل اممية كبيرة تقوي العلاقة بين اناس من عروق، قوميات، وحضارات مختلفة. وهذه المحافل هي دليل حي على الوحدة التي تشمل القلب والفكر، عوض التكنولوجيا والتجارة. (انظروا الاطار المرفق) كتب لاهوتي اسپاني حضر مثل هذه المحافل: ‹تركتُ المحفل وأنا منتعش. لم يكن السبب الخطابات المنوِّرة المؤسسة على الاسفار المقدسة فقط، بل ايضا الوحدة الموجودة بين هؤلاء الناس، مبادئهم الادبية السامية، وسلوكهم الجيد›.
ويستفيد شهود يهوه ايضا من اوجه اخرى للعولمة لتسهيل كرازتهم ببشارة ملكوت اللّٰه. مثلا، تُترجم مجلة استيقظ! بأكثر من ٨٠ لغة بواسطة مترجمين حول العالم يستعملون انظمة الكمپيوتر والبريد الالكتروني. تساعد هذه الادوات شهود يهوه على جعل برنامجهم التعليمي المؤسس على الكتاب المقدس برنامجا عالميا فعلا. فمن الواضح ان ادوات العولمة يمكن ان تُستعمل للبناء والهدم على السواء.
بشكل مماثل، عوض خلق المشاكل، كما فعلت العولمة البشرية، فإن الحكومة العالمية التي يؤسسها اللّٰه ستزود الحلول. ولدينا اسباب وجيهة للوثوق بهذه الادارة السماوية. يعد اللّٰه: «اخلق ارضا جديدة فلا يُذكَر الماضي ولا يخطر على البال. بل تهللوا وابتهجوا للأبد بما انا اخلق». (اشعياء ٦٥:١٧، ١٨، الترجمة اليسوعية الجديدة) ان ‹الارض الجديدة› التي سيخلقها اللّٰه ستفيد فعلا الناس حول العالم.
[الحاشية]
a تتألف هذه اللجنة من ٢٨ من قادة العالم البارزين. وقد اعدّت تقريرا مسهبا سنة ١٩٩٥، بعنوان «مجتمعنا العالمي»، قدّمت فيه اقتراحاتها لتحسين الحُكْم العالمي.
[الاطار في الصفحة ١٢]
منقسم رغم ارتباطه
فيما جعلت التكنولوجيا العالم متقاربا، لا تزال الانقسامات مترسخة. فقد تبرهن ان التلفزيون، الهواتف الخلوية، والإنترنت افادت الناس ليتصلوا بعضهم ببعض لكنها لم تنجح في توحيدهم. كما ان الاندماج الاقتصادي ونهاية المنافسة بين الدولتين العظميين خفضا عدد الحروب بين الدول، لكن الحروب الاهلية الوحشية تستمر في قتل وتشويه مئات آلاف الناس كل سنة.
ولماذا؟ لأن الحقد بين الناس من عروق وأديان متعادية — السبب الاساسي للحروب الاهلية — لا يبدو انه سيخمد. فالتجارة العالمية والاتحادات الاجرامية تعمل جاهدة لتكون الاسلحة الرخيصة متوافرة حتى تظل الفرق المتقاتلة مسلحة جيدا. ان الوحدة الحقيقية لا يمكن ابدا ان تصوغها الالكترونيَّات. كما ان الازدهار في سوق الاسهم المالية لا يروّج العدل الاجتماعي.
وفي الواقع، يمكن ان تساهم العولمة الاقتصادية بطريقة او بأخرى في الشقاق. فعندما يأتي ركود اقتصادي بعد فترة من الازدهار، يمكن ان يصبح الناس الفقراء فريسة سهلة بين ايدي السياسيين المتطرفين الذين يستغلون المظالم الاقتصادية ليحققوا اهدافهم. فما هو الحل؟ يعترف تقرير التنمية البشرية لسنة ١٩٩٩ (بالانكليزية): «ينبغي خلق شكل جديد من الحُكْم العالمي والقومي — يكون جوهره التنمية البشرية والمساواة». وهذا بالتحديد ما سيفعله ملكوت اللّٰه.
[الصور في الصفحة ١٣]
برنامج شهود يهوه التعليمي العالمي المؤسس على الكتاب المقدس يساعد على توحيد الناس من شتى الخلفيات
-