مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ‏‹اطلبوا اللّٰه فتجدوه›‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ١٨

      ‏‹اُطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَتَجِدُوهُ›‏

      بُولُسُ يَتَكَيَّفُ مَعَ سَامِعِيهِ وَيَبْنِي عَلَى نِقَاطٍ مُشْتَرَكَةٍ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:‏١٦-‏٣٤

      ١-‏٣ (‏أ)‏ لِمَ ٱضْطَرَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ فِي أَثِينَا؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلتَّأَمُّلِ فِي مِثَالِ بُولُسَ؟‏

      يَغْلِي ٱلدَّمُ فِي عُرُوقِ بُولُسَ.‏ إِنَّهُ ٱلْآنَ فِي مَدِينَةِ أَثِينَا ٱلْيُونَانِيَّةِ،‏ عَاصِمَةِ ٱلثَّقَافَةِ حَيْثُ حَاضَرَ قَبْلَ قُرُونٍ سُقْرَاطُ وَأَفْلَاطُونُ وَأَرِسْطُو.‏ لٰكِنَّ أَهْلَ أَثِينَا ٱلْمُتَدَيِّنِينَ أَغْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِتَمَاثِيلَ لآِلِهَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.‏ أَصْنَامٌ عَلَى أَصْنَامٍ تَمْلَأُ ٱلْهَيَاكِلَ وَٱلسَّاحَاتِ وَٱلشَّوَارِعَ!‏ يَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّسُولُ ٱلْأَمِينُ رَأْيَ يَهْوَهَ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ فِي ٱلصَّنَمِيَّةِ،‏ فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يُطِيقَ رُؤْيَتَهَا؟‏!‏ —‏ خر ٢٠:‏٤،‏ ٥‏.‏

      ٢ وَفَوْرَ دُخُولِ بُولُسَ سَاحَةَ ٱلسُّوقِ ٱلْمَلْأَى بِٱلْمَزَارَاتِ،‏ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَنْظَرٍ تَقْشَعِرُّ لَهُ ٱلْأَبْدَانُ:‏ عَدَدٍ هَائِلٍ مِنْ تَمَاثِيلِ ٱلْإِلٰهِ هِرْمِسَ ٱلَّتِي تُبْرِزُ أَعْضَاءَهُ ٱلتَّنَاسُلِيَّةَ تَشْغَلُ ٱلنَّاحِيَةَ ٱلشَّمَالِيَّةَ ٱلْغَرْبِيَّةَ قُرْبَ ٱلْمَدْخَلِ ٱلرَّئِيسِيِّ!‏ فَكَيْفَ سَيُنَادِي ٱلرَّسُولُ ٱلْغَيُورُ بِٱلْبِشَارَةِ فِي جَوٍّ مُشْبَعٍ بِٱلصَّنَمِيَّةِ؟‏ هَلْ يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ وَيَجِدُ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةً مَعَ حُضُورِهِ؟‏ وَهَلْ يُوَفَّقُ فِي مُسَاعَدَةِ أَيٍّ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِ وَإِيجَادِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ؟‏

      ٣ إِنَّ خِطَابَ بُولُسَ أَمَامَ رِجَالِ أَثِينَا ٱلْمُثَقَّفِينَ كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي ٱلْأَعْمَال ١٧:‏٢٢-‏٣١ لَمِثَالٌ فِي ٱللَّبَاقَةِ وَٱلْفَصَاحَةِ وَحُسْنِ ٱلتَّمْيِيزِ.‏ وَبِٱلتَّمَعُّنِ فِيهِ نَسْتَقِي ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلدُّرُوسِ عَنْ إِيجَادِ أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِينَا وَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى ٱلتَّحْلِيلِ مَنْطِقِيًّا.‏

      يُعَلِّمُ «فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ» (‏اعمال ١٧:‏١٦-‏٢١‏)‏

      ٤،‏ ٥ أَيْنَ بَشَّرَ بُولُسُ فِي أَثِينَا،‏ وَمَنْ ضَمَّ حُضُورُهُ؟‏

      ٤ زَارَ بُولُسُ أَثِينَا نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٠ ب‌م خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ.‏a وَفِيمَا كَانَ مُنْتَظِرًا وُصُولَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ مِنْ بِيرِيَةَ،‏ أَخَذَ ٱلرَّسُولُ كَعَادَتِهِ «يُحَاجُّ مَنْطِقِيًّا ٱلْيَهُودَ» فِي ٱلْمَجْمَعِ.‏ غَيْرَ أَنَّهُ حَاوَلَ أَيْضًا بُلُوغَ سُكَّانِ أَثِينَا غَيْرِ ٱلْيَهُودِ،‏ فَقَصَدَ «سَاحَةَ ٱلسُّوقِ» أَوِ ٱلْأَغُورَا.‏ (‏اع ١٧:‏١٧‏)‏ كَانَتِ ٱلْأَغُورَا تَقَعُ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُول،‏ وَقَدْ بَلَغَتْ مِسَاحَتُهَا حَوَالَيْ خَمْسِينَ أَلْفَ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ.‏ وَلَمْ تَكُنْ هٰذِهِ مُجَرَّدَ رُقْعَةٍ مِنَ ٱلْأَرْضِ مُخَصَّصَةٍ لِعَمَلِيَّاتِ ٱلْبَيْعِ وَٱلشِّرَاءِ.‏ فَقَدْ كَانَتِ ٱلسَّاحَةَ ٱلْعَامَّةَ فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ يَصِفُهَا أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ بِأَنَّهَا «قَلْبُ ٱلْمَدِينَةِ ٱلِٱقْتِصَادِيُّ وَٱلسِّيَاسِيُّ وَٱلثَّقَافِيُّ».‏ وَقَدْ سُرَّ ٱلْأَثِينِيُّونَ بِٱلِٱلْتِقَاءِ هُنَاكَ لِيَخُوضُوا فِي نِقَاشَاتٍ فِكْرِيَّةٍ.‏

      ٥ وَفِي هٰذِهِ ٱلسَّاحَةِ،‏ وَاجَهَ بُولُسُ حُضُورًا صَعْبًا.‏ فَمِنْ جُمْلَةِ سَامِعِيهِ كَانَ هُنَاكَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ ٱلَّذِينَ ٱنْتَمَوْا إِلَى مَدْرَسَتَيْنِ فَلْسَفِيَّتَيْنِ مُتَنَافِسَتَيْنِ.‏b اِعْتَقَدَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ مِنْ جِهَتِهِمْ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ وُجِدَتْ بِٱلصُّدْفَةِ.‏ وَعُصَارَةُ فِكْرِهِمْ تُلَخَّصُ بِٱلْآتِي:‏ «لَا خَوْفَ مِنَ ٱللّٰهِ؛‏ لَا عَذَابَ بَعْدَ ٱلْمَوْتِ؛‏ اَلْخَيْرُ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ؛‏ اَلشَّرُّ يُمْكِنُ تَحَمُّلُهُ».‏ أَمَّا ٱلرِّوَاقِيُّونَ فَشَدَّدُوا عَلَى ٱلْعَقْلِ وَٱلْمَنْطِقِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّ ٱللّٰهَ كَائِنٌ لَهُ شَخْصِيَّةٌ.‏ وَلٰكِنْ لَا ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَلَا ٱلرِّوَاقِيُّونَ آمَنُوا بِٱلْقِيَامَةِ كَمَا عَلَّمَهَا تَلَامِيذُ ٱلْمَسِيحِ.‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مَفَاهِيمَهُمُ ٱلْفَلْسَفِيَّةَ لَمْ تَتَوَافَقْ مَعَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلسَّامِيَةِ ٱلَّتِي حَمَلَتْهَا ٱلْمَسِيحِيَّةُ ٱلْحَقَّةُ وَنَادَى بِهَا ٱلرَّسُولُ بُولُسُ.‏

      أَثِينَا:‏ عَاصِمَةُ ٱلثَّقَافَةِ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ

      كَانَ أَكْرُوبُول أَثِينَا فِي ٱلْأَصْلِ قَلْعَةً حَصِينَةً قَبْلَ وَقْتٍ طَوِيلٍ مِنْ بِدَايَةِ تَسْجِيلِ تَارِيخِ ٱلْمَدِينَةِ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّابِعِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ.‏ وَقَدْ أَصْبَحَتْ أَثِينَا ٱلْمَدِينَةَ ٱلرَّئِيسِيَّةَ فِي إِقْلِيمِ أَتِيكَا،‏ فَهَيْمَنَتْ عَلَى مِسَاحَةٍ تُقَارِبُ ٥٠٠‏,٢ كِيلُومِتْرٍ مُرَبَّعٍ يُحِيطُ بِهَا ٱلْبَحْرُ وَٱلْجِبَالُ.‏ أَمَّا ٱسْمُهَا فَيَبْدُو مُرْتَبِطًا بِٱلْإِلَاهَةِ أَثِينَا،‏ حَامِيَةِ ٱلْمَدِينَةِ.‏

      فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّادِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ،‏ أَدْخَلَ مُشْتَرِعٌ أَثْينَوِيٌّ يُدْعَى صُولُون إِصْلَاحَاتٍ ٱجْتِمَاعِيَّةً وَسِيَاسِيَّةً وَقَضَائِيَّةً وَٱقْتِصَادِيَّةً فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ فَحَسَّنَ مُسْتَوَى مَعِيشَةِ ٱلْفُقَرَاءِ وَأَرْسَى حَجَرَ ٱلْأَسَاسِ لِنِظَامِ حُكْمٍ دِيمُوقْرَاطِيٍّ.‏ غَيْرَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلدِّيمُوقْرَاطِيَّةَ لَمْ تَشْمُلْ سِوَى ٱلْأَحْرَارِ فَقَطْ،‏ فِيمَا رَزَحَ قِسْمٌ كَبِيرٌ مِنَ ٱلسُّكَّانِ تَحْتَ نِيرِ ٱلْعُبُودِيَّةِ.‏

      عَقِبَ ٱلِٱنْتِصَارَاتِ ٱلْيُونَانِيَّةِ عَلَى ٱلْفُرْسِ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْخَامِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ،‏ بَاتَتْ أَثِينَا عَاصِمَةَ إِمْبَرَاطُورِيَّةٍ صَغِيرَةٍ ٱمْتَدَّتْ تِجَارَتُهَا ٱلْبَحْرِيَّةُ مِنْ إِيطَالِيَا وَصِقِلِّيَةَ غَرْبًا حَتَّى قُبْرُصَ وَسُورِيَّةَ شَرْقًا.‏ وَفِي عَصْرِهَا ٱلذَّهَبِيِّ،‏ كَانَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَاصِمَةَ ٱلثَّقَافِيَّةَ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ وَلَمَعَ نَجْمُهَا فِي ٱلْفُنُونِ وَٱلْمَسْرَحِ وَٱلْفَلْسَفَةِ وَٱلْخِطَابَةِ وَٱلْعُلُومِ وَٱلْكِتَابَةِ.‏ كَمَا زُيِّنَتْ بِٱلْعَدِيدِ مِنَ ٱلْهَيَاكِلِ وَٱلْمَبَانِي ٱلْعَامَّةِ.‏ أَمَّا أَوَّلُ مَا ٱسْتَأْثَرَ بِٱنْتِبَاهِ ٱلْقَادِمِينَ إِلَيْهَا فَكَانَ ٱلْأَكْرُوبُول،‏ تَلٌّ مَهِيبٌ ٱنْتَصَبُ فَوْقَهُ ٱلْبَارْثِينُونُ ٱلَّذِي ٱحْتَوَى تِمْثَالًا مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْعَاجِ لِلْإِلَاهَةِ أَثِينَا طُولُهُ ١٢ م.‏

      سَقَطَتْ أَثِينَا فِي يَدِ ٱلْإِسْبَارْطِيِّينَ ثُمَّ ٱلْمَقْدُونِيِّينَ وَأَخِيرًا ٱلرُّومَانِ ٱلَّذِينَ نَهَبُوا ثَرَوَاتِهَا.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ كَانَتِ ٱلْمَدِينَةُ أَيَّامَ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ لَا تَزَالُ تَتَمَتَّعُ بِمَكَانَةٍ خَاصَّةٍ بِفَضْلِ تَارِيخِهَا ٱلْعَرِيقِ.‏ حَتَّى إِنَّ رُومَا لَمْ تَضُمَّهَا قَطُّ إِلَى أَيٍّ مِنْ وِلَايَاتِهَا،‏ بَلْ أَعْفَتْهَا مِنَ ٱلضَّرَائِبِ وَأَعْطَتْهَا حَقَّ ٱلتَّشْرِيعِ.‏ وَمَعَ أَنَّ نَجْمَهَا كَانَ قَدْ خَبَا بِحُلُولِ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ،‏ ظَلَّتْ أَثِينَا مَدِينَةً جَامِعِيَّةً يَقْصِدُهَا أَبْنَاءُ ٱلْأَثْرِيَاءِ طَلَبًا لِلْعِلْمِ.‏

      ٦،‏ ٧ كَيْفَ قَابَلَ بَعْضُ ٱلْمُثَقَّفِينَ ٱلْيُونَانِيِّينَ تَعْلِيمَ بُولُسَ،‏ وَكَيْفَ نُوَاجِهُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ حَالَةً مُمَاثِلَةً؟‏

      ٦ فَكَيْفَ قَابَلَ ٱلْمُثَقَّفُونَ ٱلْيُونَانِيُّونَ تَعْلِيمَ بُولُسَ؟‏ لَقَدْ وَصَفَهُ ٱلْبَعْضُ بِأَنَّهُ «مِهْذَارٌ»،‏ مُسْتَعْمِلِينَ كَلِمَةً يُونَانِيَّةً تَعْنِي حَرْفِيًّا «مُلْتَقِطَ ٱلْحَبِّ».‏ (‏اع ١٧:‏١٨‏)‏ يُعَلِّقُ أَحَدُ ٱلْعُلَمَاءِ عَلَى هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ كَمَا يَلِي:‏ «قِيلَتْ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَسَاسُ فِي وَصْفِ طَائِرٍ صَغِيرٍ يَتَنَقَّلُ مُلْتَقِطًا ٱلْحَبَّ.‏ ثُمَّ ٱسْتُخْدِمَتْ فِي وَصْفِ مَنْ يَلْتَقِطُونَ بَقَايَا ٱلطَّعَامِ وَٱلْفَضَلَاتِ مِنْ كُلِّ مَا هَبَّ وَدَبَّ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ.‏ بَعْدَئِذٍ بَاتَتْ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَنْ يُجَمِّعُ ٱلْمَعْلُومَاتِ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ،‏ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ ٱلرَّبْطِ بَيْنَهَا مَنْطِقِيًّا».‏ بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى،‏ زَعَمَ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنَّ بُولُسَ جَاهِلٌ مُتَّهِمِينَهُ بِسَرِقَةِ أَفْكَارِ ٱلْآخَرِينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَأْبَهْ بِهٰذِهِ ٱلْإِهَانَاتِ كَمَا سَنَرَى تَالِيًا.‏

      ٧ أَلَا يُذَكِّرُنَا هٰذَا ٱلِٱخْتِبَارُ بِمَا يُوَاجِهُهُ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ؟‏ فَغَالِبًا مَا يُقَالُ بِحَقِّنَا كَلَامٌ جَارِحٌ بِسَبَبِ مُعْتَقَدَاتِنَا ٱلْمُؤَسَّسَةِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ يُعَلِّمُ بَعْضُ ٱلْأَسَاتِذَةِ أَنَّ ٱلتَّطَوُّرَ وَاقِعٌ أَكِيدٌ.‏ فَيَفْرِضُونَ عَلَى كُلِّ «عَاقِلٍ» ٱلتَّسْلِيمَ بِهِ،‏ وَكَأَنَّهُمْ بِذٰلِكَ يَنْعَتُونَ بِٱلْجَهْلِ كُلَّ مَنْ يَرْفُضُ هٰذِهِ ٱلنَّظَرِيَّةَ.‏ وَيُحَاوِلُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنْ يَغْرِسُوا فِي عُقُولِ ٱلنَّاسِ أَنَّنَا ‹نَهْذِرُ› فِي كَلَامِنَا كُلَّمَا أَوْضَحْنَا مَاذَا يُعَلِّمُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ وَأَشَرْنَا إِلَى ٱلْأَدِلَّةِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ عَلَى وُجُودِ مُصَمِّمٍ.‏ أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَأْبَهُ بِذٰلِكَ أَلْبَتَّةَ!‏ بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ،‏ نُدَافِعُ بِٱلْفَمِ ٱلْمَلْآنِ عَنْ إِيمَانِنَا بِأَنَّ ٱلْحَيَاةَ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنْ تَصْمِيمِ خَالِقٍ ذَكِيٍّ،‏ هُوَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ.‏ —‏ رؤ ٤:‏١١‏.‏

      ٨ (‏أ)‏ كَيْفَ نَظَرَ ٱلْبَعْضُ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ إِلَى كِرَازَةِ بُولُسَ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا رُبَّمَا عَنَى ٱقْتِيَادُ بُولُسَ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟‏ (‏اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏

      ٨ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى بُولُسَ،‏ نَجِدُ ٱلْبَعْضَ ٱلْآخَرَ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ يَنْظُرُونَ إِلَى كِرَازَتِهِ نَظْرَةً مُخْتَلِفَةً.‏ قَالُوا:‏ «يَبْدُو مُنَادِيًا بِمَعْبُودَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ».‏ (‏اع ١٧:‏١٨‏)‏ فَهَلْ نَادَى بُولُسُ حَقًّا لِلْأَثِينِيِّينَ بِآ‌لِهَةٍ جَدِيدَةٍ؟‏ مَا كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةُ لِتَمُرَّ مُرُورَ ٱلْكِرَامِ.‏ فَكَلِمَاتُهُمْ تُذَكِّرُ بِإِحْدَى ٱلتُّهَمِ ٱلَّتِي حُوكِمَ سُقْرَاط بِسَبَبِهَا قَبْلَ قُرُونٍ وَأُدِينَ بِٱلْمَوْتِ.‏ فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنِ ٱقْتِيدَ ٱلرَّسُولُ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَ ٱلتَّعَالِيمَ ٱلْغَرِيبَةَ فِي نَظَرِ أَهْلِ أَثِينَا.‏c فَكَيْفَ سَيُدَافِعُ عَنْ رِسَالَتِهِ أَمَامَ أَشْخَاصٍ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ؟‏

      اَلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ

      اِتَّبَعَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ مَدْرَسَتَيْنِ فَلْسَفِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا لَمْ يَكُونَا يُؤْمِنَانِ بِٱلْقِيَامَةِ.‏

      آمَنَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ بِوُجُودِ آلِهَةٍ،‏ لٰكِنَّهُمُ ٱعْتَقَدُوا أَنَّهَا لَا تَحْفِلُ بِٱلْبَشَرِ؛‏ لَا تُكَافِئُهُمْ وَلَا تُعَاقِبُهُمْ.‏ وَعَلَيْهِ،‏ لَمْ يَرَوْا دَاعِيًا إِلَى تَقْدِيمِ ٱلصَّلَوَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ.‏ وَقَدِ ٱعْتَقَدَتْ هٰذِهِ ٱلْمَدْرَسَةُ أَنَّ ٱللَّذَّةَ هِيَ ٱلْخَيْرُ ٱلْأَسْمَى فِي ٱلْحَيَاةِ.‏ غَيْرَ أَنَّهُمْ شَجَّعُوا عَلَى ٱلِٱعْتِدَالِ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُجَنِّبُ ٱلْمَرْءَ مَسَاوِئَ ٱلْإِسْرَافِ.‏ كَمَا أَنَّهُمْ طَلَبُوا ٱلْمَعْرِفَةَ عَلَى ٱعْتِبَارِ أَنَّهَا تُحَرِّرُ ٱلْإِنْسَانَ مِنَ ٱلْمُخَاوِفِ ٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْخُرَافَاتِ.‏

      بِٱلْمُقَابِلِ،‏ آمَنَ ٱلرِّوَاقِيُّونَ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ جُزْءٌ مِنْ إِلٰهٍ مُجَرَّدٍ غَيْرِ مُجَسَّدٍ تَنْبَثِقُ مِنْهُ ٱلنَّفْسُ ٱلْبَشَرِيَّةُ.‏ وَٱعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ٱلنَّفْسَ وَٱلْكَوْنَ يَنْحَلَّانِ فِي نِهَايَةِ ٱلْمَطَافِ.‏ أَمَّا ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ فَظَنُّوا أَنَّ ٱلنَّفْسَ تَذُوبُ فِي ٱلذَّاتِ ٱلْإِلٰهِيَّةِ.‏ وَوَفْقًا لِفَلَاسِفَتِهِمْ،‏ يُحَقِّقُ ٱلْبَشَرُ ٱلسَّعَادَةَ بِٱتِّبَاعِ ٱلطَّبِيعَةِ.‏

      ‏«يَا رِجَالَ أَثِينَا،‏ أَرَى أَنَّكُمْ .‏ .‏ .‏» (‏اعمال ١٧:‏٢٢،‏ ٢٣‏)‏

      ٩-‏١١ (‏أ)‏ كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى إِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِيهِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟‏

      ٩ تَذَكَّرْ كَمِ ٱنْفَعَلَ بُولُسُ لِرُؤْيَةِ ٱلصَّنَمِيَّةِ ٱلْمُسْتَشْرِيَةِ فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَفْقِدْ أَعْصَابَهُ،‏ مُطْلِقًا حَمْلَةً شَعْوَاءَ عَلَى عِبَادَةِ ٱلْأَوْثَانِ،‏ بَلْ حَافَظَ عَلَى رِبَاطَةِ جَأْشِهِ.‏ فَحَاوَلَ بِمُنْتَهَى ٱللَّبَاقَةِ ٱسْتِمَالَةَ حُضُورِهِ بِإِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ تَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ.‏ فَٱسْتَهَلَّ خِطَابَهُ بِٱلْقَوْلِ:‏ «يَا رِجَالَ أَثِينَا،‏ أَرَى أَنَّكُمْ،‏ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ،‏ تَخَافُونَ ٱلْمَعْبُودَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِكُمْ».‏ (‏اع ١٧:‏٢٢‏)‏ فَكَمَا لَوْ أَنَّهُ يَقُولُ:‏ ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكُمْ أَشْخَاصٌ مُتَدَيِّنُونَ›.‏ وَقَدْ أَصَابَ بُولُسُ فِي مَدْحِ سَامِعِيهِ عَلَى ٱهْتِمَامِهِمِ ٱلدِّينِيِّ.‏ فَهُوَ أَدْرَكَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّنْ تُعْمِي ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلْبَاطِلَةُ بَصِيرَتَهُمْ يَمِيلُونَ فِي ٱلْوَاقِعِ إِلَى قُبُولِ ٱلْحَقِّ.‏ أَوَلَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسُهُ ذَاتَ يَوْمٍ «جَاهِلًا وَبِعَدَمِ إِيمَانٍ عَمِلَ»؟‏!‏ —‏ ١ تي ١:‏١٣‏.‏

      ١٠ وَلِيَبْنِيَ عَلَى أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ،‏ قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ شَاهَدَ دَلِيلًا مَلْمُوسًا عَلَى تَعَبُّدِ أَهْلِ أَثِينَا:‏ مَذْبَحًا مُكَرَّسًا «لِإِلٰهٍ مَجْهُولٍ».‏ بِحَسَبِ أَحَدِ ٱلْمَرَاجِعِ،‏ «كَانَ مِنْ عَادَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ تَكْرِيسُ مَذَابِحَ ‹لآِلِهَةٍ مَجْهُولَةٍ› خَشْيَةَ أَنْ يَغْفُلُوا عَنْ أَحَدِهَا،‏ فَيُثِيرُوا بِٱلتَّالِي غَضَبَهُ».‏ لِذٰلِكَ دَلَّ مَذْبَحٌ كَهٰذَا أَنَّ ٱلْأَثِينِيِّينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ إِلٰهٍ يَجْهَلُونَهُ.‏ فَٱسْتَغَلَّ ٱلرَّسُولُ هٰذَا ٱلْمَذْبَحَ تَمْهِيدًا لِلْبِشَارَةِ ٱلَّتِي يَكْرِزُ بِهَا.‏ قَالَ:‏ «اَلَّذِي تَتَعَبَّدُونَ لَهُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ،‏ هٰذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ».‏ (‏اع ١٧:‏٢٣‏)‏ لَقَدْ حَلَّلَ بُولُسُ ٱلْمَوْضُوعَ بِأُسْلُوبٍ دِبْلُومَاسِيٍّ مُقَدِّمًا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ حُجَجًا مُقْنِعَةً.‏ فَهُوَ لَمْ يُنَادِ بِإِلٰهٍ جَدِيدٍ أَوْ غَرِيبٍ كَمَا زَعَمَ ٱلْبَعْضُ،‏ بَلْ كَشَفَ لَهُمْ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لَا يَعْرِفُونَهُ.‏

      ١١ وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟‏ حِينَ نَكُونُ دَقِيقِي ٱلْمُلَاحَظَةِ،‏ قَدْ نَنْتَبِهُ إِلَى تَفَاصِيلَ مُعَيَّنَةٍ فِي هِنْدَامِ سَامِعِنَا أَوْ مَنْزِلِهِ تَكْشِفُ لَنَا أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ.‏ إِذَّاكَ بِإِمْكَانِنَا أَنْ نَسْتَهِلَّ ٱلْحَدِيثَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ:‏ ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكَ شَخْصٌ مُتَدَيِّنٌ.‏ وَأَنَا أَرْغَبُ فِي ٱلتَّحَدُّثِ مَعَ أَشْخَاصٍ يَهْتَمُّونَ بِٱلدِّينِ مِثْلَكَ›.‏ فَعِنْدَمَا نَمْدَحُ سَامِعَنَا بِلَبَاقَةٍ عَلَى تَدَيُّنِهِ،‏ قَدْ نَجِدُ أَرْضِيَّةً مُشْتَرَكَةً يُمْكِنُنَا ٱلْبِنَاءُ عَلَيْهَا.‏ وَلٰكِنْ لِنُبْقِ فِي بَالِنَا أَنَّ هَدَفَنَا لَيْسَ ٱلْحُكْمَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدَاتِهِمِ ٱلدِّينِيَّةِ.‏ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ آمَنُوا ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ بِعَقَائِدَ دِينِيَّةٍ بَاطِلَةٍ،‏ لٰكِنَّهُمْ أَصْبَحُوا فِي مَا بَعْدُ إِخْوَةً لَنَا!‏

      شاب يدافع عن ايمانه بالخالق في الصف

      ابحث عن ارضية مشتركة وابنِ حديثك عليها

      اَللّٰهُ «لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا» (‏اعمال ١٧:‏٢٤-‏٢٨‏)‏

      ١٢ بِأَيَّةِ طَرَائِقَ كَيَّفَ بُولُسُ أُسْلُوبَهُ مِنْ أَجْلِ سَامِعِيهِ؟‏

      ١٢ وَجَدَ بُولُسُ قَاسِمًا مُشْتَرَكًا.‏ وَلٰكِنْ هَلْ يَنْجَحُ فِي إِبْقَاءِ ٱلْحَدِيثِ دَائِرًا فِي فَلَكِهِ؟‏ لَقَدْ أَدْرَكَ ٱلرَّسُولُ أَنَّ سَامِعِيهِ مُثَقَّفُونَ فِي ٱلْفَلْسَفَةِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرُ مُطَّلِعِينَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ،‏ فَكَيَّفَ أُسْلُوبَهُ عَلَى هٰذَا ٱلْأَسَاسِ.‏ أَوَّلًا،‏ قَدَّمَ حَقَائِقَ مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ دُونَ ٱلِٱقْتِبَاسِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً.‏ ثَانِيًا،‏ ٱسْتَعْمَلَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِلْإِيحَاءِ أَنَّهُ يَتَفَهَّمُ سَامِعِيهِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.‏ ثَالِثًا،‏ ضَمَّنَ كَلَامَهُ ٱقْتِبَاسَاتٍ مِنَ ٱلْأَدَبِ ٱلْيُونَانِيِّ لِيُرِيَهُمْ أَنَّ كِتَابَاتِهِمْ تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ ٱلْأَفْكَارِ ٱلَّتِي يُنَادِي بِهَا.‏ فَلْنُفَنِّدْ فِي مَا يَلِي خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُقْنِعَ وَلْنَتَأَمَّلْ فِي مَا كَشَفَهُ مِنْ حَقَائِقَ مُهِمَّةٍ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ أَهْلُ أَثِينَا.‏

      ١٣ مَاذَا قَالَ بُولُسُ عَنْ نَشْأَةِ ٱلْكَوْنِ،‏ وَمَا فَحْوَى كَلِمَاتِهِ؟‏

      ١٣ اَللّٰهُ خَلَقَ ٱلْكَوْنَ.‏ قَالَ بُولُسُ:‏ «إِنَّ هٰذَا ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ،‏ إِذْ هُوَ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ،‏ لَا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِ ٱلْأَيْدِي».‏d (‏اع ١٧:‏٢٤‏)‏ فَٱلْكَوْنُ إِذًا لَيْسَ وَلِيدَ ٱلصُّدْفَةِ؛‏ اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ ٱلْأَشْيَاءِ.‏ (‏مز ١٤٦:‏٦‏)‏ وَخِلَافًا لِلْإِلَاهَةِ أَثِينَا وَسَائِرِ ٱلْمَعْبُودَاتِ ٱلَّتِي يَعْتَمِدُ مَجْدُهَا عَلَى ٱلْهَيَاكِلِ وَٱلْمَزَارَاتِ وَٱلْمَذَابِحِ،‏ فَإِنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْمُتَسَلِّطَ عَلَى ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ لَا تَسَعُهُ هَيَاكِلُ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ.‏ (‏١ مل ٨:‏٢٧‏)‏ وَعَلَيْهِ،‏ يَكُونُ فَحْوَى ٱلْكَلِمَاتِ وَاضِحًا لَا لُبْسَ فِيهِ:‏ اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ أَعْظَمُ مِنْ أَيَّةِ أَصْنَامٍ أَوْجَدَهَا ٱلْبَشَرُ وَأَسْكَنُوهَا هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِهِمْ.‏ —‏ اش ٤٠:‏١٨-‏٢٦‏.‏

      ١٤ كَيْفَ بَيَّنَ بُولُسُ أَنَّ ٱللّٰهَ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ؟‏

      ١٤ اَللّٰهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ.‏ اِعْتَادَ ٱلْوَثَنِيُّونَ أَنْ يُلْبِسُوا ٱلْأَصْنَامَ أَثْوَابًا غَالِيَةً أَوْ يُمْطِرُوهَا بِهَدَايَا نَفِيسَةٍ أَوْ يُقَدِّمُوا ٱلطَّعَامَ وَٱلشَّرَابَ إِلَيْهَا؛‏ كَمَا لَوْ أَنَّ أَوْثَانًا لَا حَيَاةَ فِيهَا بِحَاجَةٍ أَسَاسًا إِلَى عَطَايَا كَهٰذِهِ!‏ وَلٰكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِئَةً مِنَ ٱلْفَلَاسِفَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ بَيْنَ سَامِعِي بُولُسَ آمَنَتْ أَنَّ ٱلْآلِهَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ ٱلْبَشَرِ.‏ وَهٰؤُلَاءِ وَافَقُوا دُونَ شَكٍّ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ ٱللّٰهَ «لَا يُخْدَمُ بِأَيْدٍ بَشَرِيَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ».‏ فِعْلًا،‏ كَيْفَ لِلْبَشَرِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّ عَطِيَّةٍ مَادِّيَّةٍ لِخَالِقِ ٱلْكَوْنِ؟‏!‏ فَهُوَ مَنْ يَهَبُهُمْ كُلَّ حَاجَاتِهِمْ وَيُعْطِيهِمْ «حَيَاةً وَنَسَمَةً وَكُلَّ شَيْءٍ»،‏ بِمَا فِي ذٰلِكَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْمَطَرُ وَٱلتُّرْبَةُ ٱلْخِصْبَةُ.‏ —‏ اع ١٧:‏٢٥؛‏ تك ٢:‏٧‏.‏

      ١٥ كَيْفَ قَارَبَ بُولُسُ ٱعْتِقَادَ ٱلْأَثِينِيِّينَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ،‏ وَأَيُّ دَرْسٍ قَيِّمٍ نَتَعَلَّمُهُ؟‏

      ١٥ اَللّٰهُ صَنَعَ ٱلْإِنْسَانَ.‏ اِعْتَقَدَ ٱلْأَثِينِيُّونَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلْعَصَبِيَّةَ ٱلْوَطَنِيَّةَ أَوِ ٱلْعِرْقِيَّةَ فِي وَادٍ وَحَقُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ فِي وَادٍ!‏ (‏تث ١٠:‏١٧‏)‏ لِذٰلِكَ قَارَبَ بُولُسُ هٰذِهِ ٱلنُّقْطَةَ ٱلْحَسَّاسَةَ بِلَبَاقَةٍ وَحَذَاقَةٍ.‏ فَقَالَ إِنَّ ٱللّٰهَ «صَنَعَ مِنْ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ»،‏ مُشِيرًا إِلَى رِوَايَةِ ٱلتَّكْوِينِ عَنْ آدَمَ أَبِي ٱلْبَشَرِ.‏ (‏اع ١٧:‏٢٦؛‏ تك ١:‏٢٦-‏٢٨‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَاتِهِ حَمَلَتْ مُسْتَمِعِيهِ عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ.‏ فَإِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ جَمِيعًا مُتَحَدِّرِينَ مِنْ سَلَفٍ وَاحِدٍ،‏ فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَتَفَوَّقَ عُرُوقٌ أَوْ جِنْسِيَّاتٌ عَلَى أُخْرَى؟‏!‏ كَانَ كَلَامُ بُولُسَ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ يُوَضَّحَ.‏ وَفِي مِثَالِهِ دَرْسٌ قَيِّمٌ لَنَا.‏ فَنَحْنُ نَسْعَى أَنْ نَتَّصِفَ بِٱللَّبَاقَةِ أَثْنَاءَ كِرَازَتِنَا وَنُنَاقِشَ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا،‏ لٰكِنَّنَا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ لَا نُلَطِّفُ حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِمْ قُبُولُهُ.‏

      ١٦ مَا قَصْدُ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ؟‏

      ١٦ اَللّٰهُ قَصَدَ أَنْ يَتَقَرَّبَ مِنْهُ ٱلْبَشَرُ.‏ لَطَالَمَا جَادَلَ ٱلْفَلَاسِفَةُ بَيْنَ حُضُورِ بُولُسَ حَوْلَ ٱلْهَدَفِ مِنَ ٱلْحَيَاةِ،‏ لٰكِنَّهُمْ بَقُوا عَاجِزِينَ عَنْ إِيجَادِ ٱلْجَوَابِ ٱلشَّافِي.‏ أَمَّا هُوَ فَكَشَفَ بِوُضُوحٍ قَصْدَ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ،‏ قَائِلًا إِنَّهُمْ صُنِعُوا «لِكَيْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُونَهُ،‏ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا».‏ (‏اع ١٧:‏٢٧‏)‏ فَمَعْرِفَةُ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي يَجْهَلُهُ ٱلْأَثِينِيُّونَ لَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً.‏ فَهُوَ فِي ٱلْوَاقِعِ غَيْرُ بَعِيدٍ عَمَّنْ يَرْغَبُونَ حَقًّا فِي إِيجَادِهِ وَٱلتَّعَلُّمِ عَنْهُ.‏ (‏مز ١٤٥:‏١٨‏)‏ وَمِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَخْدَمَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ هُوَ أَيْضًا وَاحِدٌ مِمَّنْ عَلَيْهِمْ أَنْ «يَطْلُبُوا» ٱللّٰهَ ‹وَيَتَلَمَّسُوهُ›.‏

      ١٧،‏ ١٨ لِمَ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ،‏ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ أُسْلُوبِ بُولُسَ فِي مُخَاطَبَةِ مُسْتَمِعِيهِ؟‏

      ١٧ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ.‏ ذَكَرَ بُولُسُ أَحَدَ ٱلْأَسْبَابِ لِذٰلِكَ،‏ قَائِلًا إِنَّنَا «نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» بِفَضْلِ ٱلْخَالِقِ.‏ وَوَفْقًا لِبَعْضِ ٱلْعُلَمَاءِ،‏ يَتَكَلَّمُ ٱلرَّسُولُ هُنَا تَلْمِيحًا عَنْ أَقْوَالِ إِبِيمِنِيدِيس،‏ شَاعِرٍ كِرِيتِيٍّ عَاشَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّادِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ ٱعْتُبِرَ «شَخْصِيَّةً لَهَا مَكَانَتُهَا فِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلدِّينِيِّ ٱلْأَثِينَوِيِّ».‏ هٰذَا وَقَدْ أَوْرَدَ بُولُسُ سَبَبًا إِضَافِيًّا يَدْفَعُ ٱلْبَشَرَ إِلَى ٱلِٱقْتِرَابِ مِنَ ٱللّٰهِ.‏ ذَكَرَ:‏ «قَالَ بَعْضُ ٱلشُّعَرَاءِ بَيْنَكُمْ:‏ ‹لِأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ›».‏ (‏اع ١٧:‏٢٨‏)‏ عَلَى ضَوْءِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ،‏ لَا عَجَبَ أَنْ نَشْعُرَ أَنَّنَا شَدِيدُو ٱلْقُرْبِ مِنَ ٱللّٰهِ.‏ فَهُوَ مَنْ خَلَقَ ٱلْإِنْسَانَ ٱلَّذِي تَتَحَدَّرُ مِنْهُ ٱلْبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ.‏ وَمَرَّةً جَدِيدَةً،‏ ٱقْتَبَسَ ٱلرَّسُولُ كِتَابَاتٍ يُونَانِيَّةً لَا بُدَّ أَنَّ مُسْتَمِعِيهِ أَقَامُوا لَهَا وَزْنًا.‏e وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَتَشَبَّهُ بِبُولُسَ.‏ فَفِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ،‏ نَقْتَبِسُ إِلَى ٱلْحَدِّ ٱلْمَعْقُولِ مِنَ ٱلتَّارِيخِ ٱلدُّنْيَوِيِّ وَٱلْمَوْسُوعَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلْمَرَاجِعِ ٱلْمُحْتَرَمَةِ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ قَدْ يُسَاهِمُ ٱقْتِبَاسٌ مُنَاسِبٌ مِنْ مَرْجِعٍ مَقْبُولٍ فِي إِقْنَاعِ ٱلنَّاسِ بِأَصْلِ بَعْضِ ٱلْمُمَارَسَاتِ أَوِ ٱلِٱحْتِفَالَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْبَاطِلَةِ.‏

      ١٨ نَقَلَ بُولُسُ حَتَّى ٱلْآنَ حَقَائِقَ أَسَاسِيَّةً عَنِ ٱللّٰهِ،‏ مُكَيِّفًا كَلِمَاتِهِ بِمَهَارَةٍ لِتُلَائِمَ حُضُورَهُ.‏ وَلٰكِنْ مَا ٱلْمَطْلُوبُ مِنَ ٱلْأَثِينِيِّينَ بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُهِمَّةَ؟‏ لِنَنْتَقِلْ إِلَى ٱلْجُزْءِ ٱلتَّالِي مِنَ ٱلْخِطَابِ وَنَكْتَشِفِ ٱلْجَوَابَ.‏

      ‏‹تُوبُوا جَمِيعًا› (‏اعمال ١٧:‏٢٩-‏٣١‏)‏

      ١٩،‏ ٢٠ (‏أ)‏ كَيْفَ فَضَحَ بُولُسُ بِلَبَاقَةٍ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ إِجْرَاءٍ وَجَبَ عَلَى ٱلْحَاضِرِينَ ٱتِّخَاذُهُ؟‏

      ١٩ حَانَ ٱلْوَقْتُ ٱلْآنَ لِيَحُثَّ بُولُسُ سَامِعِيهِ عَلَى ٱتِّخَاذِ مَوْقِفٍ مُحَدَّدٍ.‏ فَنَجِدُهُ يَبْنِي عَلَى مَا ٱقْتَبَسَهُ مِنَ ٱلْكِتَابَاتِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَيَقُولُ:‏ «فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ ٱللّٰهِ،‏ لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ أَنَّ ٱلذَّاتَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ،‏ بِمَنْحُوتَةٍ مِنْ فَنِّ ٱلْإِنْسَانِ وَٱخْتِرَاعِهِ».‏ (‏اع ١٧:‏٢٩‏)‏ وَبِٱلْفِعْلِ،‏ إِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ مِنْ صُنْعِ ٱللّٰهِ،‏ فَكَيْفَ يَتَّخِذُ ٱللّٰهُ شَكْلَ صَنَمٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟‏!‏ هٰكَذَا فَضَحَ بُولُسُ بِتَحْلِيلِهِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱللَّبِقِ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ صَنَعَتْهَا أَيْدٍ بَشَرِيَّةٌ.‏ (‏مز ١١٥:‏٤-‏٨؛‏ اش ٤٤:‏٩-‏٢٠‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفَّفَ مِنْ وَطْأَةِ ٱنْتِقَادِهِ لَهُمْ حِينَ شَمَلَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ بِٱلْقَوْلِ:‏ «لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ .‏ .‏ .‏».‏

      ٢٠ بَعْدَئِذٍ سَلَّطَ ٱلرَّسُولُ ٱلضَّوْءَ عَلَى ضَرُورَةِ ٱتِّخَاذِ إِجْرَاءٍ مُعَيَّنٍ.‏ شَرَحَ:‏ «قَدْ تَغَاضَى ٱللّٰهُ عَنْ أَزْمِنَةِ هٰذَا ٱلْجَهْلِ [اَلِٱعْتِقَادِ بِأَنَّ ٱللّٰهَ يَرْضَى عَمَّنْ يَعْبُدُونَ ٱلْأَصْنَامَ]،‏ لٰكِنَّهُ يَقُولُ ٱلْآنَ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا جَمِيعًا».‏ (‏اع ١٧:‏٣٠‏)‏ لَرُبَّمَا نَزَلَ نِدَاءُ ٱلتَّوْبَةِ هٰذَا نُزُولَ ٱلصَّاعِقَةِ عَلَى بَعْضِ ٱلْحَاضِرِينَ.‏ غَيْرَ أَنَّ خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُفْحِمَ بَرْهَنَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِحَيَاتِهِمْ لِلّٰهِ،‏ وَهُمْ بِٱلتَّالِي مَسْؤُولُونَ أَمَامَهُ.‏ لِذٰلِكَ لَزِمَ أَنْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ،‏ يَتَعَلَّمُوا ٱلْحَقِيقَةَ عَنْهُ،‏ وَيُغَيِّرُوا حَيَاتَهُمْ بِرُمَّتِهَا وَفْقًا لَهَا.‏ وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلْأَثِينِيِّينَ،‏ عَنَى ذٰلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ ٱلصَّنَمِيَّةَ مُمَارَسَةٌ خَاطِئَةٌ وَيَرْجِعُوا عَنْهَا.‏

      ٢١،‏ ٢٢ بِمَ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ،‏ وَأَيَّ مَعَانٍ تَحْمِلُ كَلِمَاتُهُ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟‏

      ٢١ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ بِكَلِمَاتٍ مُدَوِّيَةٍ:‏ «حَدَّدَ [ٱللّٰهُ] يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْبِرِّ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ،‏ وَزَوَّدَ ضَمَانَةً لِلْجَمِيعِ إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ».‏ (‏اع ١٧:‏٣١‏)‏ وَهَلْ مِنْ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ تَرَقُّبِ يَوْمٍ لِلدَّيْنُونَةِ حَتَّى يَنْدَفِعَ ٱلنَّاسُ إِلَى طَلَبِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ وَإِيجَادِهِ؟‏!‏ ثُمَّ إِنَّ بُولُسَ لَمْ يُسَمِّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ،‏ بَلْ قَدَّمَ مَعْلُومَاتٍ تَدْعُو إِلَى ٱلْعَجَبِ:‏ إِنَّهُ رَجُلٌ عَاشَ وَمَاتَ ثُمَّ أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ!‏

      ٢٢ تَحْمِلُ لَنَا هٰذِهِ ٱلْخَاتِمَةُ ٱلْمُؤَثِّرَةُ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْمَعَانِي.‏ فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ مِنَ ٱللّٰهِ هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمُقَامُ.‏ (‏يو ٥:‏٢٢‏)‏ كَمَا نُدْرِكُ أَنَّ يَوْمَ ٱلدَّيْنُونَةِ طُولُهُ أَلْفُ سَنَةٍ،‏ وَقَدْ بَاتَ قَرِيبًا عَلَى ٱلْأَبْوَابِ.‏ (‏رؤ ٢٠:‏٤،‏ ٦‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ نَحْنُ لَا نَخَافُهُ،‏ إِذْ نُدْرِكُ مَا يُخَبِّئُ مِنْ بَرَكَاتٍ جَزِيلَةٍ لِمَنْ يُدَانُونَ دَيْنُونَةً مُؤَاتِيَةً.‏ وَأَمَلُنَا بِهٰذَا ٱلْمُسْتَقْبَلِ ٱلْمَجِيدِ مَدْعُومٌ بِضَمَانَةٍ.‏ أَيُّ ضَمَانَةٍ؟‏ إِنَّهَا أَعْظَمُ ٱلْعَجَائِبِ قَاطِبَةً:‏ قِيَامَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ!‏

      ‏«أُنَاسٌ .‏ .‏ .‏ صَارُوا مُؤْمِنِينَ» (‏اعمال ١٧:‏٣٢-‏٣٤‏)‏

      ٢٣ أَيُّ رُدُودِ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةٍ أَثَارَهَا خِطَابُ بُولُسَ؟‏

      ٢٣ أَثَارَ خِطَابُ بُولُسَ رُدُودَ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةً.‏ فَقَدِ «ٱبْتَدَأَ ٱلْبَعْضُ يَسْخَرُونَ» لَمَّا سَمِعُوا بِقِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ.‏ أَمَّا ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ فَلَمْ يَتَصَرَّفُوا بِفَظَاظَةٍ،‏ وَلٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُحَرِّكُوا سَاكِنًا،‏ إِذْ قَالُوا:‏ «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هٰذَا مَرَّةً أُخْرَى».‏ (‏اع ١٧:‏٣٢‏)‏ «غَيْرَ أَنَّ أُنَاسًا ٱنْضَمُّوا إِلَيْهِ وَصَارُوا مُؤْمِنِينَ،‏ وَمِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ،‏ قَاضٍ فِي مَحْكَمَةِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ،‏ وَٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا دَامَرِسُ،‏ وَآخَرُونَ مَعَهُمَا».‏ (‏اع ١٧:‏٣٤‏)‏ وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا نُوَاجِهُهُ فِي كِرَازَتِنَا.‏ فَٱلْبَعْضُ يَهْزَأُونَ بِنَا،‏ فِيمَا يَتَبَنَّى ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ مَوْقِفًا دِبْلُومَاسِيًّا.‏ وَلٰكِنْ كَمْ نُسَرُّ حِينَ يَقْبَلُ ٱلْبَعْضُ رِسَالَةَ ٱلْمَلَكُوتِ وَيَصِيرُونَ مُؤْمِنِينَ!‏

      ٢٤ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ خِطَابِ بُولُسَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ وَسَطَ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟‏

      ٢٤ يَزْخَرُ خِطَابُ بُولُسَ بِٱلدُّرُوسِ ٱلْقَيِّمَةِ.‏ فَهُوَ يُعَلِّمُنَا ٱلْكَثِيرَ عَنِ ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱلْمُنَاقَشَةِ ٱلْمُقْنِعَةِ وَٱلتَّكَيُّفِ مَعَ سَامِعِينَا.‏ وَيُسَاعِدُنَا أَيْضًا أَنْ نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ ٱلتَّحَلِّي بِٱلصَّبْرِ وَٱللَّبَاقَةِ مَعَ أَشْخَاصٍ تُعْمِي بَصِيرَتَهُمُ ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ ٱلْبَاطِلَةُ.‏ كَمَا أَنَّهُ يُبْرِزُ دَرْسًا بَالِغَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ،‏ إِذْ يَحُثُّنَا أَلَّا نُلَطِّفَ أَبَدًا حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ لِمُجَرَّدِ إِرْضَاءِ مُسْتَمِعِينَا.‏ وَحِينَ نَقْتَدِي بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ،‏ تَزْدَادُ فَعَّالِيَّتُنَا كَمُعَلِّمِينَ فِي خِدْمَةِ ٱلْحَقْلِ.‏ أَمَّا ٱلنُّظَّارُ فَيُصْبِحُونَ مُعَلِّمِينَ أَكْثَرَ كَفَاءَةً فِي ٱلْجَمَاعَةِ.‏ بِٱلنَّتِيجَةِ،‏ نَصِيرُ جَمِيعُنَا مُجَهَّزِينَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ لِنُسَاعِدَ ٱلْآخَرِينَ أَنْ ‹يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَيَجِدُوهُ›.‏ —‏ اع ١٧:‏٢٧‏.‏

      a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏أَثِينَا:‏ عَاصِمَةُ ٱلثَّقَافَةِ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ‏».‏

      b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏اَلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ‏».‏

      c كَانَ أَرِيُوسُ بَاغُوسُ،‏ تَلٌّ وَاقِعٌ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُولَ،‏ ٱلْمُلْتَقَى ٱلتَّقْلِيدِيَّ لِلْمَجْلِسِ ٱلْأَعْلَى فِي أَثِينَا.‏ لٰكِنَّ عِبَارَةَ «أَرِيُوسَ بَاغُوسَ» كَانَتْ تُشِيرُ إِمَّا إِلَى ٱلْمَجْلِسِ أَوْ إِلَى ٱلتَّلِّ نَفْسِهِ.‏ لِذٰلِكَ يَعْتَقِدُ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ أَنَّ بُولُسَ ٱقْتِيدَ إِلَى هٰذَا ٱلتَّلِّ أَوْ جِوَارِهِ،‏ فِيمَا يَظُنُّ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ سِيقَ إِلَى مَكَانِ ٱنْعِقَادِ ٱلْمَجْلِسِ فِي مَوْقِعٍ آخَرَ،‏ كَٱلْأَغُورَا مَثَلًا.‏

      d إِنَّ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْيُونَانِيَّةَ ٱلْمَنْقُولَةَ إِلَى «عَالَمٍ» هِيَ كوسموس ٱلَّتِي ٱسْتَخْدَمَهَا ٱلْيُونَانُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى ٱلْكَوْنِ ٱلْمَادِّيِّ.‏ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَعْمَلَهَا بِهٰذَا ٱلْمَعْنَى فِي مُحَاوَلَةٍ لِلتَّرْكِيزِ عَلَى ٱلنِّقَاطِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُضُورِهِ ٱلْيُونَانِيِّ.‏

      e اِقْتَبَسَ بُولُسُ مِنَ ٱلْقَصِيدَةِ ٱلْفَلَكِيَّةِ فِينُومِينَا لِلشَّاعِرِ ٱلرِّوَاقِيِّ أَرَاتُوس.‏ وَقَدْ وَرَدَتْ كَلِمَاتٌ مُشَابِهَةٌ فِي مُؤَلَّفَاتٍ يُونَانِيَّةٍ أُخْرَى مِثْلِ نَشِيدٌ لِزِيُوس لِلْكَاتِبِ ٱلرِّوَاقِيِّ كِلِيَانْتِيس.‏

  • ‏«واظب على التكلم ولا تسكت»‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ١٩

      ‏«وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ»‏

      بُولُسُ يَعْمَلُ لِإِعَالَةِ نَفْسِهِ لٰكِنَّهُ يُعْطِي ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِخِدْمَتِهِ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٨:‏١-‏٢٢

      ١-‏٣ لِمَ قَصَدَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ مَدِينَةَ كُورِنْثُوسَ،‏ وَأَيَّ تَحَدِّيَيْنِ وَاجَهَ هُنَاكَ؟‏

      إِنَّهُ خَرِيفُ ٱلْعَامِ ٥٠ ب‌م.‏ يَصِلُ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ إِلَى كُورِنْثُوسَ،‏ مَدِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ مُزْدَهِرَةٍ تُقِيمُ فِيهَا أَعْدَادٌ كَبِيرَةٌ مِنَ ٱلْيُونَانِ وَٱلرُّومَانِ وَٱلْيَهُودِ.‏a لٰكِنَّهُ لَمْ يَأْتِهَا بَحْثًا عَنْ عَمَلٍ أَوْ سَعْيًا وَرَاءَ صَفْقَةٍ تِجَارِيَّةٍ.‏ فَهَدَفُ زِيَارَتِهِ أَسْمَى بِأَشْوَاطٍ:‏ تَأْدِيَةُ ٱلشَّهَادَةِ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ.‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ بِحَاجَةٍ إِلَى مَكَانٍ يَنْزِلُ فِيهِ،‏ وَهُوَ مُصَمِّمٌ أَلَّا يُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ وَيُعْطِيَ ٱلِٱنْطِبَاعَ أَنَّهُ يَتَكَسَّبُ مِنْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ.‏ فَمَا عَسَاهُ يَفْعَلُ؟‏

      ٢ كَانَ بُولُسُ مُتَمَرِّسًا بِصِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ.‏ حِرْفَتُهُ هٰذِهِ شَاقَّةٌ،‏ لٰكِنَّهُ مُسْتَعِدٌّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا كَيْ يُعِيلَ نَفْسَهُ.‏ فَهَلْ يَسْتَطِيعُ مُزَاوَلَةَ مِهْنَتِهِ فِي مَدِينَةِ كُورِنْثُوسَ ٱلْمُزْدَحِمَةِ؟‏ وَهَلْ يَهْتَدِي إِلَى مَكَانٍ مُلَائِمٍ لِلسَّكَنِ؟‏ حَتَّى فِي وَجْهِ تَحَدِّيَاتٍ كَهٰذِهِ،‏ لَا يُحَوِّلُ ٱلرَّسُولُ بَصَرَهُ عَنْ عَمَلِهِ ٱلْأَهَمِّ،‏ أَلَا وَهُوَ ٱلْمُنَادَاةُ بِٱلْبِشَارَةِ.‏

      ٣ بِٱلنَّتِيجَةِ،‏ يَبْقَى بُولُسُ فِي كُورِنْثُوسَ بَعْضَ ٱلْوَقْتِ وَيَجْنِي ثَمَرًا جَزِيلًا مِنْ خِدْمَتِهِ.‏ فَأَيَّةُ دُرُوسٍ نَسْتَقِيهَا مِنْ نَشَاطَاتِ ٱلرَّسُولِ تُسَاعِدُنَا عَلَى تَأْدِيَةِ شَهَادَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ فِي مُقَاطَعَتِنَا؟‏

      كُورِنْثُوسُ:‏ سَيِّدَةُ ٱلْبَحْرَيْنِ

      كَانَتْ مَدِينَةُ كُورِنْثُوسَ ٱلْقَدِيمَةُ تَقَعُ عَلَى بَرْزَخٍ يَصِلُ بَيْنَ ٱلْبَرِّ ٱلْيُونَانِيِّ ٱلرَّئِيسِيِّ وَشِبْهِ جَزِيرَةِ ٱلْبِيلُوبُونِيز إِلَى ٱلْجَنُوبِ.‏ وَبَلَغَ عَرْضُ ٱلْبَرْزَخِ عِنْدَ أَضْيَقِ نُقْطَةٍ ٦ كلم تَقْرِيبًا.‏ لِذٰلِكَ كَانَ لِكُورِنْثُوسَ مَرْفَآ‌نِ عَلَى جَانِبَيْهِ.‏ أَوَّلُهُمَا عَلَى خَلِيجِ كُورِنْثُوسَ وَهُوَ مَرْفَأُ لِيخِيُومَ ٱلَّذِي خَدَمَ ٱلْخُطُوطَ ٱلْبَحْرِيَّةَ ٱلْمُتَّجِهَةَ غَرْبًا نَحْوَ إِيطَالِيَا وَصِقِلِّيَةَ وَإِسْبَانِيَا؛‏ وَثَانِيهِمَا عَلَى خَلِيجِ سَارُونِيك وَيُدْعَى مَرْفَأَ كَنْخَرِيَا حَيْثُ تَوَقَّفَتِ ٱلسُّفُنُ ٱلْمُبْحِرَةُ مِنْ وَإِلَى مِنْطَقَةِ بَحْرِ إِيجَه وَآسِيَا ٱلصُّغْرَى وَسُورِيَّةَ وَمِصْرَ.‏

      كَانَ ٱلْإِبْحَارُ قُرْبَ ٱلرُّؤُوسِ عِنْدَ ٱلطَّرَفِ ٱلْجَنُوبِيِّ مِنْ شِبْهِ جَزِيرَةِ ٱلْبِيلُوبُونِيز خَطِرًا بِسَبَبِ سُوءِ ٱلْأَحْوَالِ ٱلْجَوِّيَّةِ هُنَاكَ.‏ لِذٰلِكَ غَالِبًا مَا ٱخْتَارَ ٱلْمَلَّاحُونَ إِرْسَاءَ ٱلسُّفُنِ فِي أَحَدِ مَرْفَأَيْ كُورِنْثُوسَ،‏ ثُمَّ نَقْلَ ٱلْحُمُولَةِ بَرًّا وَتَحْمِيلَهَا مُجَدَّدًا فِي ٱلْمَرْفَإِ ٱلْآخَرِ عَلَى ٱلْجِهَةِ ٱلْمُقَابِلَةِ.‏ أَمَّا ٱلسُّفُنُ ٱلصَّغِيرَةُ فَكَانَتْ تُوضَعُ عَلَى مِنَصَّةٍ بِدَوَالِيبَ وَتُجَرُّ عَبْرَ ٱلْبَرْزَخِ عَلَى سِكَّةٍ فَوْقَ طَرِيقٍ مَرْصُوفٍ.‏ وَهٰكَذَا هَيْمَنَتْ كُورِنْثُوسُ بِفَضْلِ مَوْقِعِهَا ٱلْإِسْتِرَاتِيجِيِّ عَلَى حَرَكَةِ ٱلتِّجَارَةِ بَيْنَ ٱلشَّرْقِ وَٱلْغَرْبِ بَحْرًا وَٱلشَّمَالِ وَٱلْجَنُوبِ بَرًّا.‏ بِٱلنَّتِيجَةِ،‏ تَمَتَّعَتِ ٱلْمَدِينَةُ بِغِنًى عَظِيمٍ.‏ لٰكِنَّ ٱلْحَرَكَةَ ٱلتِّجَارِيَّةَ ٱلنَّاشِطَةَ حَمَلَتْ إِلَيْهَا أَيْضًا ٱلْفَسَادَ ٱلْمُسْتَشْرِيَ عَادَةً فِي ٱلْعَدِيدِ مِنَ ٱلْمَرَافِئِ.‏

      كَانَتْ كُورِنْثُوسُ أَيَّامَ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ عَاصِمَةَ وِلَايَةِ أَخَائِيَةَ ٱلرُّومَانِيَّةِ وَمَرْكَزًا إِدَارِيًّا مُهِمًّا.‏ وَقَدْ تَمَيَّزَتْ بِتَعَدُّدِيَّةٍ دِينِيَّةٍ يَشْهَدُ عَلَيْهَا وُجُودُ هَيْكَلٍ لِعِبَادَةِ ٱلْإِمْبَرَاطُورِ،‏ مَزَارَاتٍ وَهَيَاكِلَ مُكَرَّسَةٍ لآِلِهَةٍ يُونَانِيَّةٍ وَمِصْرِيَّةٍ عَدِيدَةٍ،‏ فَضْلًا عَنْ مَجْمَعٍ لِلْيَهُودِ.‏ —‏ اع ١٨:‏٤‏.‏

      وَعَلَى بَرْزَخِ كُورِنْثُوسَ أُقِيمَتْ كُلَّ سَنَتَيْنِ مُبَارَيَاتٌ رِيَاضِيَّةٌ كَانَتِ ٱلثَّانِيَةَ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَهَمِّيَّةُ بَعْدَ ٱلْأَلْعَابِ ٱلْأُولَمْبِيَّةِ.‏ وَمِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ ٱلرَّسُولَ بُولُسَ كَانَ مَوْجُودًا فِي ٱلْمَدِينَةِ خِلَالَ دَوْرَةِ ٱلْعَامِ ٥١ ب‌م.‏ لِذٰلِكَ يُعَلِّقُ أَحَدُ قَوَامِيسِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ،‏ قَائِلًا:‏ «لَيْسَ مِنْ بَابِ ٱلصُّدْفَةِ أَنِ ٱسْتَخْدَمَ بُولُسُ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى صُوَرًا بَيَانِيَّةً مُسْتَوْحَاةً مِنَ ٱلْأَلْعَابِ ٱلرِّيَاضِيَّةِ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ».‏ —‏ ١ كو ٩:‏٢٤-‏٢٧‏.‏

      ‏«كَانَا صَانِعَيْ خِيَامٍ» (‏اعمال ١٨:‏١-‏٤‏)‏

      ٤،‏ ٥ (‏أ)‏ أَيْنَ مَكَثَ بُولُسُ خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ،‏ وَأَيَّ عَمَلٍ دُنْيَوِيٍّ زَاوَلَ؟‏ (‏ب)‏ لِمَ تَعَلَّمَ بُولُسُ صُنْعَ ٱلْخِيَامِ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ؟‏

      ٤ بَعْدَ وُصُولِ بُولُسَ إِلَى كُورِنْثُوسَ،‏ ٱلْتَقَى يَهُودِيًّا يُدْعَى أَكِيلَا وَزَوْجَتَهُ بِرِيسْكِلَّا،‏ أَوْ بِرِيسْكَا.‏ وَكَانَ هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْمِضْيَافَانِ قَدِ ٱسْتَقَرَّا فِي كُورِنْثُوسَ بِسَبَبِ مَرْسُومٍ أَصْدَرَهُ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ كُلُودِيُوسُ أَمَرَ فِيهِ «كُلَّ ٱلْيَهُودِ أَنْ يَرْحَلُوا عَنْ رُومَا».‏ (‏اع ١٨:‏١،‏ ٢‏)‏ فَعَرَضَا عَلَى بُولُسَ ٱلْمُكُوثَ فِي بَيْتِهِمَا وَمُشَارَكَتَهُمَا ٱلْعَمَلَ أَيْضًا.‏ نَقْرَأُ:‏ «لِكَوْنِهِ مِنْ صَنْعَتِهِمَا مَكَثَ فِي بَيْتِهِمَا وَعَمِلَ مَعَهُمَا،‏ لِأَنَّهُمَا فِي صَنْعَتِهِمَا كَانَا صَانِعَيْ خِيَامٍ».‏ (‏اع ١٨:‏٣‏)‏ فَأَصْبَحَ مَنْزِلُهُمَا مَحَلَّ إِقَامَةِ ٱلرَّسُولِ طِيلَةَ فَتْرَةِ خِدْمَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ.‏ وَلَرُبَّمَا كَتَبَ وَهُوَ فِي ضِيَافَتِهِمَا بَعْضَ رَسَائِلِهِ ٱلَّتِي أُدْرِجَتْ فِي مَا بَعْدُ فِي قَانُونِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏b

      ٥ وَلٰكِنْ لَعَلَّكَ تَتَسَاءَلُ:‏ ‹كَيْفَ لِرَجُلٍ مِثْلِ بُولُسَ تَثَقَّفَ «عِنْدَ قَدَمَيْ غَمَالَائِيلَ» أَنْ يَكُونَ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ صَانِعَ خِيَامٍ؟‏›.‏ (‏اع ٢٢:‏٣‏)‏ عَلَى مَا يَبْدُو،‏ لَمْ يَنْظُرْ يَهُودُ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ نَظْرَةً دُونِيَّةً إِلَى تَعْلِيمِ أَوْلَادِهِمْ صَنْعَةً مَا،‏ وَلَوْ حَصَّلَ بَنُوهُمْ تَعْلِيمًا عَالِيًا.‏ وَبُولُسُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ مَدِينَةِ طَرْسُوسَ فِي كِيلِيكِيَةَ،‏ مِنْطَقَةٍ ٱشْتُهِرَتْ بِإِنْتَاجِ قُمَاشٍ ٱسْمُهُ كِيلِيكِيُومُ ٱسْتُخْدِمَ فِي صِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ.‏ لِذٰلِكَ يُرَجَّحُ أَنَّهُ تَعَلَّمَ هٰذِهِ ٱلصَّنْعَةَ فِي صِغَرِهِ.‏ وَعَلَامَ ٱشْتَمَلَتْ؟‏ كَانَ ٱلصَّانِعُ يَنْسِجُ ٱلْأَقْمِشَةَ أَوْ يُفَصِّلُ وَيَخِيطُ ٱلْأَنْسِجَةَ ٱلْخَشِنَةَ وَٱلْقَاسِيَةَ.‏ وَفِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ،‏ تَطَلَّبَتْ هٰذِهِ ٱلْمِهْنَةُ جُهْدًا وَعَنَاءً كَبِيرَيْنِ.‏

      ٦،‏ ٧ (‏أ)‏ كَيْفَ نَظَرَ بُولُسُ إِلَى صِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ،‏ وَمَاذَا يَدُلُّ أَنَّ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا شَاطَرَاهُ نَظْرَتَهُ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ وَأَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا؟‏

      ٦ لَمْ يَعْتَبِرْ بُولُسُ صُنْعَ ٱلْخِيَامِ شُغْلَهُ ٱلشَّاغِلَ،‏ أَوْ عَمَلَهُ ٱلرَّئِيسِيَّ.‏ فَقَدِ ٱمْتَهَنَ هٰذِهِ ٱلْحِرْفَةَ لِمُجَرَّدِ إِعَالَةِ نَفْسِهِ فِيمَا يُنَادِي بِٱلْبِشَارَةِ «بِغَيْرِ كُلْفَةٍ».‏ (‏٢ كو ١١:‏٧‏)‏ وَمَاذَا عَنْ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا؟‏ كَيْفَ نَظَرَا إِلَى صَنْعَتِهِمَا؟‏ لَا رَيْبَ أَنَّ شَخْصَيْنِ مَسِيحِيَّيْنِ مِثْلَهُمَا شَاطَرَا بُولُسَ نَظْرَتَهُ إِلَى ٱلْعَمَلِ ٱلدُّنْيَوِيِّ.‏ فَحِينَ غَادَرَ ٱلرَّسُولُ كُورِنْثُوسَ عَامَ ٥٢ ب‌م،‏ وَضَّبَا أَمْتِعَتَهُمَا وَلَحِقَا بِهِ إِلَى أَفَسُسَ حَيْثُ عَقَدَتِ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلْمَحَلِّيَّةُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ فِي مَنْزِلِهِمَا.‏ (‏١ كو ١٦:‏١٩‏)‏ وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ،‏ عَادَا إِلَى رُومَا ثُمَّ إِلَى أَفَسُسَ ثَانِيَةً.‏ حَقًّا لَقَدْ وَضَعَ هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْغَيُورَانِ مَصَالِحَ ٱلْمَلَكُوتِ أَوَّلًا وَبَذَلَا أَنْفُسَهُمَا طَوْعًا فِي خِدْمَةِ ٱلْآخَرِينَ،‏ فَٱسْتَحَقَّا ٱمْتِنَانَ «جَمِيعِ جَمَاعَاتِ ٱلْأُمَمِ».‏ —‏ رو ١٦:‏٣-‏٥؛‏ ٢ تي ٤:‏١٩‏.‏

      ٧ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ وَأَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا.‏ فَيَجْتَهِدُ ٱلْخُدَّامُ ٱلْغَيُورُونَ كَيْ لَا يَضَعُوا «عِبْئًا مُكَلِّفًا عَلَى أَحَدٍ».‏ (‏١ تس ٢:‏٩‏)‏ مَثَلًا،‏ إِنَّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ ٱلْمُبَشِّرِينَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ يَعْمَلُونَ إِمَّا بِدَوَامٍ جُزْئِيٍّ أَوْ شُهُورًا قَلِيلَةً فِي ٱلسَّنَةِ كَيْ يُعِيلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي عَمَلِهِمِ ٱلرَّئِيسِيِّ،‏ أَيِ ٱلْخِدْمَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ أَوَلَا يَسْتَحِقُّ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةُ ٱلْمَدْحَ؟‏!‏ فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ،‏ يَفْتَحُ مَسِيحِيُّونَ مِضْيَافُونَ كَثِيرُونَ بُيُوتَهُمْ لِلنُّظَّارِ ٱلْجَائِلِينَ عَلَى غِرَارِ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا.‏ وَبِٱتِّبَاعِهِمْ «مَسْلَكَ ٱلضِّيَافَةِ»،‏ يَتَشَجَّعُونَ وَيَتَشَدَّدُونَ لِلْغَايَةِ.‏ —‏ رو ١٢:‏١٣‏.‏

      رَسَائِلُ مُلْهَمَةٌ تَمُدُّ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ

      خِلَالَ ٱلسَّنَةِ وَنِصْفِ ٱلسَّنَةِ ٱلَّتِي قَضَاهَا بُولُسُ فِي كُورِنْثُوسَ (‏نَحْوَ ٥٠-‏٥٢ ب‌م)‏،‏ كَتَبَ عَلَى ٱلْأَقَلِّ رِسَالَتَيْنِ أَصْبَحَتَا فِي مَا بَعْدُ جُزْءًا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْيُونَانِيَّةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ،‏ هُمَا ٱلرِّسَالَتَانِ ٱلْأُولَى وَٱلثَّانِيَةُ إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي.‏ وَيُعْتَقَدُ أَيْضًا أَنَّهُ كَتَبَ فِي ٱلْفَتْرَةِ نَفْسِهَا أَوْ بَعْدَ ذٰلِكَ بِوَقْتٍ قَصِيرٍ رِسَالَتَهُ إِلَى أَهْلِ غَلَاطِيَةَ.‏

      تَسَالُونِيكِي ٱلْأُولَى.‏ هِيَ أَوَّلُ رِسَالَةٍ مُلْهَمَةٍ يَخُطُّهَا بُولُسُ.‏ كَانَ ٱلرَّسُولُ قَدْ زَارَ مَدِينَةَ تَسَالُونِيكِي نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٠ ب‌م خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلتَّبْشِيرِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ.‏ وَلٰكِنْ سُرْعَانَ مَا ضَيَّقَ ٱلْمُقَاوِمُونَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمُشَكَّلَةِ حَدِيثًا هُنَاكَ،‏ مِمَّا أَجْبَرَ بُولُسَ وَسِيلَا عَلَى مُغَادَرَةِ ٱلْمَدِينَةِ.‏ (‏اع ١٧:‏١-‏١٠،‏ ١٣‏)‏ وَحِرْصًا عَلَى خَيْرِ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْفَتِيَّةِ،‏ حَاوَلَ ٱلرَّسُولُ مَرَّتَيْنِ ٱلْعَوْدَةَ إِلَيْهَا،‏ ‹لٰكِنَّ ٱلشَّيْطَانَ ٱعْتَرَضَ سَبِيلَهُ›.‏ عِنْدَئِذٍ أَوْفَدَ تِيمُوثَاوُسَ لِتَعْزِيَةِ ٱلْإِخْوَةِ وَتَقْوِيَتِهِمْ.‏ وَعَلَى ٱلْأَغْلَبِ،‏ ٱنْضَمَّ إِلَيْهِ هٰذَا ٱلشَّابُّ مُجَدَّدًا فِي كُورِنْثُوسَ أَوَاخِرَ ٱلْعَامِ ٥٠ ب‌م،‏ حَامِلًا أَنْبَاءً مُطَمْئِنَةً عَنْ أَهْلِ تَسَالُونِيكِي.‏ بُعَيْدَ ذٰلِكَ،‏ كَتَبَ بُولُسُ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةَ ٱلْمُلْهَمَةَ.‏ —‏ ١ تس ٢:‏١٧–‏٣:‏٧‏.‏

      تَسَالُونِيكِي ٱلثَّانِيَةُ.‏ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ،‏ لَمْ يَفْصِلْ وَقْتٌ طَوِيلٌ بَيْنَ كِتَابَةِ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ وَسَابِقَتِهَا،‏ إِذْ رُبَّمَا دَوَّنَهَا ٱلرَّسُولُ عَامَ ٥١ ب‌م.‏ فَبُولُسُ يُرْفِقُ كِلْتَا ٱلرِّسَالَتَيْنِ بِتَحِيَّاتِهِ هُوَ وَتِيمُوثَاوُسَ وَسِلْوَانُسَ (‏ٱلْمَدْعُوِّ سِيلَا فِي ٱلْأَعْمَالِ)‏،‏ وَلَا مَعْلُومَاتِ لَدَيْنَا أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلثَّلَاثَةَ ٱجْتَمَعُوا ثَانِيَةً بَعْدَمَا غَادَرَ بُولُسُ كُورِنْثُوسَ.‏ (‏اع ١٨:‏٥،‏ ١٨؛‏ ١ تس ١:‏١؛‏ ٢ تس ١:‏١‏)‏ وَمَاذَا دَفَعَ ٱلرَّسُولَ إِلَى كِتَابَةِ ٱلرِّسَالَةِ ٱلثَّانِيَةِ؟‏ عَلَى مَا يَبْدُو،‏ بَلَغَتْ مَسَامِعَهُ أَخْبَارٌ جَدِيدَةٌ عَنِ ٱلْجَمَاعَةِ،‏ رُبَّمَا عَنْ طَرِيقِ مَنْ أَوْصَلَ ٱلرِّسَالَةَ ٱلْأُولَى.‏ فَرَاسَلَ عِنْدَئِذٍ ٱلْإِخْوَةَ مَادِحًا إِيَّاهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَٱحْتِمَالِهِمْ،‏ وَمُصَحِّحًا أَفْكَارَ بَعْضِهِمْ مِمَّنِ ٱعْتَقَدُوا أَنَّ حُضُورَ ٱلرَّبِّ كَانَ وَشِيكًا.‏ —‏ ٢ تس ١:‏٣-‏١٢؛‏ ٢:‏١،‏ ٢‏.‏

      غَلَاطِيَةُ.‏ تُشِيرُ ٱلرِّسَالَةُ إِلَى ٱلْغَلَاطِيِّينَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ زَارَهُمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى ٱلْأَقَلِّ قَبْلَ مُرَاسَلَتِهِمْ.‏ وَسِفْرُ ٱلْأَعْمَالِ يُخْبِرُنَا أَنَّ بُولُسَ وَبَرْنَابَا زَارَا بَيْنَ ٱلْعَامَيْنِ ٤٧-‏٤٨ ب‌م عِدَّةَ مُدُنٍ فِي وِلَايَةِ غَلَاطِيَةَ ٱلرُّومَانِيَّةِ،‏ مِنْهَا أَنْطَاكِيَةُ بِيسِيدِيَةَ وَإِيقُونِيَةُ وَلِسْتَرَةُ وَدِرْبَةُ.‏ ثُمَّ عَادَ بُولُسُ وَزَارَهَا ثَانِيَةً بِرِفْقَةِ سِيلَا سَنَةَ ٤٩ ب‌م.‏ (‏اع ١٣:‏١–‏١٤:‏٢٣؛‏ ١٦:‏١-‏٦‏)‏ وَمَا ٱلْبَاعِثُ وَرَاءَ كِتَابَةِ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ؟‏ بَعْدَ مُغَادَرَةِ ٱلرَّسُولِ،‏ جَاءَ سَرِيعًا ‹إِخْوَةٌ دَجَّالُونَ› مُعَلِّمِينَ أَنَّ ٱلْخِتَانَ وَحِفْظَ ٱلشَّرِيعَةِ ٱلْمُوسَوِيَّةِ ضَرُورِيَّانِ لِلْمَسِيحِيِّينَ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ رَاسَلَ ٱلْجَمَاعَةَ فَوْرَ سَمَاعِهِ بِهٰذَا ٱلتَّعْلِيمِ ٱلْبَاطِلِ.‏ لِذَا يُحْتَمَلُ أَنَّ مَكَانَ ٱلْكِتَابَةِ هُوَ إِمَّا كُورِنْثُوسُ أَوْ أَفَسُسُ (‏خِلَالَ تَوَقُّفِهِ ٱلْقَصِيرِ هُنَاكَ فِيمَا كَانَ عَائِدًا إِلَى أَنْطَاكِيَةِ سُورِيَّةَ)‏ أَوْ أَنْطَاكِيَةُ نَفْسُهَا.‏ —‏ اع ١٨:‏١٨-‏٢٣‏.‏

      ‏«كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ .‏ .‏ .‏ آمَنُوا» (‏اعمال ١٨:‏٥-‏٨‏)‏

      ٨،‏ ٩ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ حِينَ قُوبِلَتْ بِشَارَتُهُ ٱلْمُكَثَّفَةُ لِلْيَهُودِ بِٱلْمُقَاوَمَةِ،‏ وَأَيْنَ رَاحَ يَكْرِزُ؟‏

      ٨ حِينَ وَصَلَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَقْدُونِيَةَ حَامِلَيْنِ مُسَاعَدَاتٍ سَخِيَّةً،‏ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لِلشَّكِّ أَنَّ بُولُسَ ٱعْتَبَرَ ٱلْعَمَلَ ٱلدُّنْيَوِيَّ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ،‏ لَا هَدَفًا بِحَدِّ ذَاتِهِ.‏ (‏٢ كو ١١:‏٩‏)‏ فَدُونَ إِبْطَاءٍ،‏ أَصْبَحَ «بُولُسُ أَكْثَرَ ٱنْشِغَالًا بِٱلْكَلِمَةِ [«تَفَرَّغَ بُولُسُ تَمَامًا لِلتَّبْشِيرِ»،‏ كِتَابُ ٱلْحَيَاةِ —‏ تَرْجَمَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ‏]».‏ (‏اع ١٨:‏٥‏)‏ غَيْرَ أَنَّ بِشَارَتَهُ ٱلْمُكَثَّفَةَ لِلْيَهُودِ قُوبِلَتْ بِمُقَاوَمَةٍ شَرِسَةٍ.‏ فَنَفَضَ ٱلرَّسُولُ عِنْدَئِذٍ ثِيَابَهُ،‏ رَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ مَسْؤُولِيَّةَ رَفْضِهِمْ بِشَارَةَ ٱلْخَلَاصِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ.‏ وَقَالَ لِمُقَاوِمِيهِ ٱلْيَهُودِ:‏ «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ!‏ أَنَا طَاهِرٌ مِنْهُ.‏ مِنَ ٱلْآنَ أَذْهَبُ إِلَى ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ».‏ —‏ اع ١٨:‏٦؛‏ حز ٣:‏١٨،‏ ١٩‏.‏

      ٩ فَأَيْنَ لِبُولُسَ أَنْ يَكْرِزَ ٱلْآنَ؟‏ عِوَضًا عَنِ ٱلْمَجْمَعِ،‏ رَاحَ ٱلرَّسُولُ يُبَشِّرُ فِي مَنْزِلِ تِيطِيُوسَ يُوسْتُسَ،‏ وَهُوَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُتَهَوِّدٌ كَانَ بَيْتُهُ مُلَاصِقًا لِلْمَجْمَعِ.‏ (‏اع ١٨:‏٧‏)‏ صَحِيحٌ أَنَّ بُولُسَ ظَلَّ سَاكِنًا مَعَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ،‏ غَيْرَ أَنَّهُ ٱتَّخَذَ مِنْ بَيْتِ يُوسْتُسَ مَرْكَزًا لِبِشَارَتِهِ.‏

      ١٠ مَا ٱلْبُرْهَانُ أَنَّ بُولُسَ لَمْ يَقْصُرْ كِرَازَتَهُ عَلَى ٱلْأُمَمِيِّينَ فَقَطْ؟‏

      ١٠ وَلٰكِنْ هَلْ عَنَى قَوْلُ بُولُسَ:‏ «مِنَ ٱلْآنَ أَذْهَبُ إِلَى ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ» أَنَّهُ صَرَفَ ٱلنَّظَرَ كُلِّيًّا عَنْ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ وَٱلْمُتَهَوِّدِينَ،‏ حَتَّى ٱلْمُتَجَاوِبِينَ مِنْهُمْ؟‏ إِطْلَاقًا!‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ «آمَنَ كِرِيسْبُسُ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ بِٱلرَّبِّ،‏ وَكَذٰلِكَ كُلُّ أَهْلِ بَيْتِهِ».‏ وَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ ٱنْضَمَّ إِلَيْهِ أَيْضًا عَدَدٌ مِمَّنْ تَرَدَّدُوا عَلَى ٱلْمَجْمَعِ.‏ فَٱلسِّجِلُّ يَذْكُرُ:‏ «كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا آمَنُوا وَٱعْتَمَدُوا».‏ (‏اع ١٨:‏٨‏)‏ وَهٰكَذَا أَصْبَحَ مَنْزِلُ تِيطِيُوسَ يُوسْتُسَ مُلْتَقَى ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ فِي كُورِنْثُوسَ.‏ وَفِي حَالِ كَانَ سِجِلُّ ٱلْأَعْمَالِ يَتَّبِعُ أُسْلُوبَ لُوقَا ٱلْمَعْهُودَ،‏ أَيْ تَرْتِيبَ ٱلْأَحْدَاثِ وَفْقًا لِلتَّسَلْسُلِ ٱلزَّمَنِيِّ،‏ يَكُونُ ٱهْتِدَاءُ هٰؤُلَاءِ ٱلْيَهُودِ أَوِ ٱلْمُتَهَوِّدِينَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ ‹نَفَضَ بُولُسُ ثِيَابَهُ›.‏ وَإِذَا صَحَّ ذٰلِكَ،‏ فَإِنَّ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةَ تُشَكِّلُ بُرْهَانًا سَاطِعًا عَلَى مُرُونَةِ ٱلرَّسُولِ.‏

      ١١ كَيْفَ يَقْتَدِي شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ فِي مُحَاوَلَتِهِمْ بُلُوغَ ٱلْمُنْتَمِينَ إِلَى ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ؟‏

      ١١ وَمَا ٱلْقَوْلُ فِي عَالَمِنَا ٱلْيَوْمَ؟‏ إِنَّ كَنَائِسَ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ مُتَجَذِّرَةٌ بِعُمْقٍ فِي بُلْدَانٍ عَدِيدَةٍ،‏ وَلَهَا سَطْوَةٌ عَلَى أَعْضَائِهَا.‏ هٰذَا وَقَدْ نَجَحَ مُرْسَلُوهَا فِي «هِدَايَةِ» أَعْدَادٍ كَبِيرَةٍ فِي بَعْضِ ٱلْمَنَاطِقِ.‏ وَعَلَى غِرَارِ ٱلْيَهُودِ فِي كُورِنْثُوسِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ،‏ غَالِبًا مَا يَتَشَبَّثُ مُدَّعُو ٱلْمَسِيحِيَّةِ بِٱلتَّقَالِيدِ.‏ غَيْرَ أَنَّ شُهُودَ يَهْوَهَ يُحَاوِلُونَ بِغَيْرَةٍ أَنْ يَبْلُغُوا هٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْخَاصَ وَيُحَسِّنُوا فَهْمَهُمْ لِلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ،‏ تَمَثُّلًا بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ.‏ وَهُمْ لَا يَفْقِدُونَ ٱلْأَمَلَ وَلَوْ قَاوَمَهُمْ عُمُومُ ٱلنَّاسِ أَوِ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ.‏ فَمِنْ بَيْنِ مَنْ «لَهُمْ غَيْرَةٌ لِلّٰهِ،‏ وَلٰكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلدَّقِيقَةِ»،‏ هُنَاكَ حُلَمَاءُ مِنْ وَاجِبِنَا ٱلْبَحْثُ عَنْهُمْ وَإِيجَادُهُمْ.‏ —‏ رو ١٠:‏٢‏.‏

      ‏«إِنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ» (‏اعمال ١٨:‏٩-‏١٧‏)‏

      ١٢ أَيُّ تَأْكِيدٍ نَالَهُ بُولُسُ فِي رُؤْيَا؟‏

      ١٢ فِي حَالِ سَاوَرَتْ بُولُسَ أَيَّةُ شُكُوكٍ حَوْلَ مُوَاصَلَةِ ٱلْكِرَازَةِ فِي كُورِنْثُوسَ،‏ لَا بُدَّ أَنَّهَا ٱنْجَلَتْ لَيْلَةَ تَرَاءَى لَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ فِي رُؤْيَا،‏ قَائِلًا:‏ «لَا تَخَفْ،‏ بَلْ وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ،‏ لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ،‏ فَإِنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ».‏ (‏اع ١٨:‏٩،‏ ١٠‏)‏ يَا لَهٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا ٱلْمُشَجِّعَةِ!‏ فَٱلرَّبُّ نَفْسُهُ أَكَّدَ لِبُولُسَ أَنَّهُ يُصَانُ مِنَ ٱلْأَذَى وَأَنَّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ ٱلسُّكَّانِ يَسْتَحِقُّونَ سَمَاعَ ٱلْبِشَارَةِ.‏ فَكَيْفَ تَجَاوَبَ ٱلرَّسُولُ؟‏ نَقْرَأُ:‏ «مَكَثَ هُنَاكَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ».‏ —‏ اع ١٨:‏١١‏.‏

      ١٣ مَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ فِي بَالِ بُولُسَ فِيمَا دَنَا مِنْ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ،‏ وَلٰكِنْ لِمَ عَرَفَ أَنَّهُ لَنْ يَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ؟‏

      ١٣ بَعْدَ قَضَاءِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا فِي كُورِنْثُوسَ،‏ لَمَسَ ٱلرَّسُولُ بُرْهَانًا إِضَافِيًّا عَلَى دَعْمِ ٱلرَّبِّ.‏ فَقَدْ «قَامَ ٱلْيَهُودُ مَعًا عَلَى بُولُسَ وَسَاقُوهُ إِلَى كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ» ٱلْمَدْعُوِّ بِما.‏ (‏اع ١٨:‏١٢‏)‏ وَكُرْسِيُّ ٱلْقَضَاءِ فِي ٱعْتِقَادِ ٱلْبَعْضِ مِنَصَّةٌ مُرْتَفِعَةٌ مِنَ ٱلرُّخَامِ ٱلْأَزْرَقِ وَٱلْأَبْيَضِ مُزَخْرَفَةٌ بِٱلنُّقُوشِ ٱلْجَمِيلَةِ،‏ تَقَعُ كَمَا يَبْدُو بِٱلْقُرْبِ مِنْ وَسَطِ سَاحَةِ ٱلسُّوقِ فِي كُورِنْثُوسَ.‏ وَٱلْبَاحَةُ أَمَامَ ٱلْكُرْسِيِّ كَانَتْ كَافِيَةً لِتَسَعَ حَشْدًا كَبِيرًا.‏ وَتُشِيرُ ٱلِٱكْتِشَافَاتُ ٱلْأَثَرِيَّةُ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمِنَصَّةَ لَمْ تَكُنْ تَبْعُدُ سِوَى بِضْعِ خُطُوَاتٍ عَنِ ٱلْمَجْمَعِ ٱلْمُلَاصِقِ لِبَيْتِ يُوسْتُسَ.‏ فَبِمَ كَانَ بُولُسُ يُفَكِّرُ فِيمَا دَنَا مِنْ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ؟‏ لَرُبَّمَا ٱسْتَذْكَرَ رَجْمَ إِسْتِفَانُوسَ ٱلْمُشَارِ إِلَيْهِ عُمُومًا بِصِفَتِهِ أَوَّلَ شَهِيدٍ مَسِيحِيٍّ.‏ آنَذَاكَ،‏ كَانَ شَاوُلُ،‏ ٱلْمَعْرُوفُ ٱلْآنَ بِبُولُسَ،‏ «رَاضِيًا بِقَتْلِهِ».‏ (‏اع ٨:‏١‏)‏ فَهَلْ يَذُوقُ هُوَ ٱلْيَوْمَ ٱلْكَأْسَ نَفْسَهَا؟‏ كَلَّا،‏ فَيَسُوعُ وَعَدَهُ:‏ «لَنْ يُؤْذِيَكَ أَحَدٌ».‏ —‏ اع ١٨:‏١٠‏،‏ الترجمة العربية الجديدة.‏

      غاليون يُبعد مقاومي بولس

      ‏«أبعَدَهم عن كرسي القضاء».‏ —‏ اعمال ١٨:‏١٦

      ١٤،‏ ١٥ (‏أ)‏ بِمَ ٱتَّهَمَ ٱلْيَهُودُ بُولُسَ،‏ وَلِمَ رَدَّ غَالِيُونُ ٱلدَّعْوَى؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا جَرَى لِسُوسْتَانِيسَ،‏ وَإِلَامَ رُبَّمَا آلَتِ ٱلْحَادِثَةُ؟‏

      ١٤ وَمَاذَا حَصَلَ عِنْدَمَا مَثَلَ بُولُسُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ؟‏ كَانَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْكُرْسِيِّ هُوَ غَالِيُونَ وَالِيَ أَخَائِيَةَ وَٱلْأَخَ ٱلْأَكْبَرَ لِلْفَيْلَسُوفِ ٱلرُّومَانِيِّ سَنِيكَا.‏ هُنَاكَ وَجَّهَ ٱلْيَهُودُ إِلَى بُولُسَ ٱلِٱتِّهَامَ ٱلتَّالِيَ:‏ «إِنَّ هٰذَا يُقْنِعُ ٱلنَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا ٱللّٰهَ بِخِلَافِ ٱلشَّرِيعَةِ».‏ (‏اع ١٨:‏١٣‏)‏ فَلَمَّحُوا بِكَلِمَاتِهِمْ أَنَّهُ مُذْنِبٌ بِٱلْهِدَايَةِ غَيْرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ.‏ غَيْرَ أَنَّ غَالِيُونَ رَأَى أَنَّ بُولُسَ بَرِيءٌ مِنْ أَيِّ «خَطَإٍ أَوْ جِنَايَةٍ فَاحِشَةٍ».‏ (‏اع ١٨:‏١٤‏)‏ فَلَمْ يَكُنِ ٱلْوَالِي يَنْوِي ٱلتَّدَخُّلَ فِي مُجَادَلَاتِ ٱلْيَهُودِ.‏ حَتَّى إِنَّهُ رَدَّ ٱلدَّعْوَى نِهَائِيًّا قَبْلَ أَنْ يَتَفَوَّهَ بُولُسُ بِأَيِّ كَلِمَةٍ!‏ فَٱسْتَشَاطَ ٱلْمُتَّهِمُونَ غَيْظًا وَصَبُّوا جَامَ غَضَبِهِمْ عَلَى سُوسْتَانِيسَ،‏ رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ ٱلَّذِي رُبَّمَا حَلَّ مَحَلَّ كِرِيسْبُسَ.‏ فَأَمْسَكُوا بِهِ «وَأَخَذُوا يَضْرِبُونَهُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ».‏ —‏ اع ١٨:‏١٧‏.‏

      ١٥ وَلٰكِنْ لِمَ لَمْ يَكُفَّ غَالِيُونُ ٱلْجَمْعَ عَنْ ضَرْبِ سُوسْتَانِيسَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا؟‏ لَرُبَّمَا ٱعْتَقَدَ ٱلْوَالِي أَنَّ سُوسْتَانِيسَ هُوَ مَنْ حَرَّضَ ٱلرَّعَاعَ عَلَى بُولُسَ،‏ فَٱسْتَحَقَّ بِٱلتَّالِي جَزَاءَ فَعْلَتِهِ.‏ فِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ،‏ يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلْحَادِثَةَ آلَتْ إِلَى نِهَايَةٍ سَعِيدَةٍ.‏ فَحِينَ رَاسَلَ بُولُسُ جَمَاعَةَ كُورِنْثُوسَ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى بَعْدَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ،‏ ذَكَرَ بِٱلِٱسْمِ أَخًا يُدْعَى سُوسْتَانِيسَ.‏ (‏١ كو ١:‏١،‏ ٢‏)‏ فَهَلْ هٰذَا ٱلْأَخُ هُوَ نَفْسُهُ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ ٱلَّذِي ضُرِبَ فِي تِلْكَ ٱلْحَادِثَةِ؟‏ لَا نَعْرِفُ يَقِينًا.‏ وَلٰكِنْ إِذَا صَحَّ هٰذَا ٱلتَّخْمِينُ،‏ فَمِنَ ٱلْمَعْقُولِ أَنَّ ٱلِٱخْتِبَارَ ٱلْأَلِيمَ ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ سَاهَمَ فِي ٱعْتِنَاقِهِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ.‏

      ١٦ كَيْفَ تُؤَثِّرُ كَلِمَاتُ ٱلرَّبِّ إِلَى بُولُسَ فِي خِدْمَتِنَا؟‏

      ١٦ فَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ؟‏ تَذَكَّرْ مَا قَالَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ لِبُولُسَ بَعْدَمَا رَفَضَ ٱلْيَهُودُ كِرَازَتَهُ:‏ «لَا تَخَفْ،‏ بَلْ وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ،‏ لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ».‏ (‏اع ١٨:‏٩،‏ ١٠‏)‏ وَيَحْسُنُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نُبْقِيَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ فِي بَالِنَا،‏ خُصُوصًا حِينَ تُرْفَضُ رِسَالَتُنَا.‏ وَلَا نَنْسَ أَيْضًا أَنَّ يَهْوَهَ يَرَى ٱلْقَلْبَ وَيَجْتَذِبُ أَصْحَابَ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ إِلَيْهِ.‏ (‏١ صم ١٦:‏٧؛‏ يو ٦:‏٤٤‏)‏ فَٱلْمِئَاتُ يَعْتَمِدُونَ كُلَّ يَوْمٍ،‏ وَمِئَاتُ ٱلْآلَافِ كُلَّ سَنَةٍ.‏ أَوَلَا يُشَجِّعُنَا ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُثَابَرَةِ فِي ٱلْخِدْمَةِ مِنْ كُلِّ ٱلنَّفْسِ؟‏!‏ وَيَسُوعُ يُطَمْئِنُ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَتْبَعُونَ وَصِيَّتَهُ ‹مُتَلْمِذِينَ أُنَاسًا مِنْ جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ›،‏ فَيَقُولُ:‏ «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱخْتِتَامِ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ».‏ —‏ مت ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏.‏

      ‏«إِنْ شَاءَ يَهْوَهُ» (‏اعمال ١٨:‏١٨-‏٢٢‏)‏

      ١٧،‏ ١٨ فِيمَ تَأَمَّلَ بُولُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِلَى أَفَسُسَ؟‏

      ١٧ لَا يُمْكِنُنَا ٱلْجَزْمُ هَلْ أَسْفَرَ مَوْقِفُ غَالِيُونَ مِنْ مُتَّهِمِي بُولُسَ عَنْ فَتْرَةِ سَلَامٍ لِلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْفَتِيَّةِ فِي كُورِنْثُوسَ.‏ غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ «مَكَثَ أَيَّامًا كَثِيرَةً» قَبْلَمَا وَدَّعَ ٱلْإِخْوَةَ هُنَاكَ.‏ ثُمَّ فِي رَبِيعِ عَامِ ٥٢ ب‌م،‏ خَطَّطَ لِلْإِبْحَارِ إِلَى سُورِيَّةَ مِنْ مَرْفَإِ كَنْخَرِيَا عَلَى بُعْدِ ١١ كلم تَقْرِيبًا شَرْقِيَّ كُورِنْثُوسَ.‏ وَلٰكِنْ قَبْلَ مُغَادَرَةِ كَنْخَرِيَا،‏ «قَصَّ شَعْرَهُ قَصِيرًا .‏ .‏ .‏ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ».‏c (‏اع ١٨:‏١٨‏)‏ ثُمَّ ٱصْطَحَبَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا وَأَبْحَرَ عَبْرَ بَحْرِ إِيجَه إِلَى أَفَسُسَ فِي آسِيَا ٱلصُّغْرَى.‏

      ١٨ وَفِيمَا تَوَارَى مَرْفَأُ كَنْخَرِيَا عَنِ ٱلْأَنْظَارِ،‏ ٱسْتَعْرَضَ ٱلرَّسُولُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مَا ٱخْتَبَرَهُ فِي كُورِنْثُوسَ،‏ مُسْتَرْجِعًا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلذِّكْرَيَاتِ ٱلْحُلْوَةِ وَٱلْأَسْبَابِ ٱلَّتِي تَبُثُّ فِيهِ ٱكْتِفَاءً عَمِيقًا.‏ فَٱلسَّنَةُ وَٱلنِّصْفُ ٱلَّتِي قَضَاهَا فِي كُورِنْثُوسَ أَثْمَرَتْ بِوَفْرَةٍ.‏ فَقَدْ تَأَسَّسَتِ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلْأُولَى فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ وَمِنْ جُمْلَةِ أَعْضَائِهَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ يُوسْتُسَ كَانَ كِرِيسْبُسُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ،‏ إِضَافَةً إِلَى كَثِيرِينَ غَيْرِهِمْ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ أَعَزَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْجُدُدَ ٱلَّذِينَ سَاعَدَهُمْ عَلَى ٱعْتِنَاقِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ فَقَدْ رَاسَلَهُمْ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ وَاصِفًا إِيَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ رِسَالَةُ تَوْصِيَةٍ،‏ مَكْتُوبَةً فِي قَلْبِهِ.‏ أَوَلَا نَشْعُرُ نَحْنُ أَيْضًا أَنَّ رِبَاطًا وَثِيقًا يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ نُسَاعِدُهُمْ عَلَى إِيجَادِ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ؟‏!‏ فَكَمْ نَفْرَحُ لِرُؤْيَتِهِمْ،‏ هُمُ ٱلَّذِينَ يُعْتَبَرُونَ «رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ» حَيَّةً لَنَا!‏ —‏ ٢ كو ٣:‏١-‏٣‏.‏

      ١٩،‏ ٢٠ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ حَالَمَا وَصَلَ إِلَى أَفَسُسَ،‏ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْهُ عَنِ ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ أَهْدَافٍ رُوحِيَّةٍ؟‏

      ١٩ حَالَمَا وَصَلَ بُولُسُ إِلَى أَفَسُسَ،‏ بَاشَرَ عَمَلَهُ دُونَمَا تَأْخِيرٍ.‏ «فَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ وَحَاجَّ ٱلْيَهُودَ مَنْطِقِيًّا».‏ (‏اع ١٨:‏١٩‏)‏ وَهٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ،‏ لَمْ يُطِلِ ٱلْبَقَاءَ فِي أَفَسُسَ.‏ فَرَغْمَ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَبْقَى زَمَانًا أَطْوَلَ،‏ «لَمْ يُوَافِقْ» عَلَى طَلَبِهِمْ.‏ قَالَ لَهُمْ وَهُوَ يُوَدِّعُهُمْ:‏ «سَأَعُودُ إِلَيْكُمْ ثَانِيَةً،‏ إِنْ شَاءَ يَهْوَهُ».‏ (‏اع ١٨:‏٢٠،‏ ٢١‏)‏ فَقَدْ أَدْرَكَ دُونَ شَكٍّ أَنَّ هُنَاكَ بَعْدُ عَمَلًا كَثِيرًا يَجِبُ إِنْجَازُهُ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ.‏ لِذٰلِكَ خَطَّطَ لِلْعَوْدَةِ إِلَيْهَا،‏ لٰكِنَّهُ فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ تَرَكَ ٱلْأُمُورَ بَيْنَ يَدَيْ يَهْوَهَ.‏ وَفِي هٰذَا مِثَالٌ لَنَا.‏ فَمِنْ جِهَةٍ،‏ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ ٱلْمُبَادَرَةَ فِي ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ ٱلْأَهْدَافِ ٱلرُّوحِيَّةِ.‏ وَلٰكِنْ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ أَنْ نَتَّكِلَ دَائِمًا عَلَى إِرْشَادِ يَهْوَهَ وَنَسْعَى لِلْعَمَلِ ٱنْسِجَامًا مَعَ مَشِيئَتِهِ.‏ —‏ يع ٤:‏١٥‏.‏

      ٢٠ تَرَكَ بُولُسُ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا فِي أَفَسُسَ وَنَزَلَ بَحْرًا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ.‏ ثُمَّ «صَعِدَ» إِلَى أُورُشَلِيمَ عَلَى مَا يَبْدُو حَيْثُ سَلَّمَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ هُنَاكَ.‏ (‏اع ١٨:‏٢٢‏؛‏ حاشية الكتاب المقدس —‏ ترجمة العالم الجديد،‏ بشواهد [بالانكليزية])‏ بَعْدَئِذٍ عَادَ ٱلرَّسُولُ إِلَى نُقْطَةِ ٱنْطِلَاقِهِ،‏ أَيْ أَنْطَاكِيَةِ سُورِيَّةَ.‏ وَهٰكَذَا ٱخْتَتَمَ بِنَجَاحٍ رِحْلَتَهُ ٱلْإِرْسَالِيَّةَ ٱلثَّانِيَةَ.‏ فَمَاذَا تُخَبِّئُ لَهُ رِحْلَتُهُ ٱلْأَخِيرَةُ يَا تُرَى؟‏

      a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏كُورِنْثُوسُ:‏ سَيِّدَةُ ٱلْبَحْرَيْنِ‏».‏

      b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏رَسَائِلُ مُلْهَمَةٌ تَمُدُّ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ‏».‏

      c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏نَذْرُ بُولُسَ‏».‏

      نَذْرُ بُولُسَ

      نَقْرَأُ فِي ٱلْأَعْمَال ١٨:‏١٨ أَنَّ بُولُسَ «قَصَّ شَعْرَهُ قَصِيرًا فِي كَنْخَرِيَا،‏ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ».‏ فَأَيُّ نَوْعٍ مِنَ ٱلنُّذُورِ مَذْكُورٌ هُنَا؟‏

      اَلنَّذْرُ عُمُومًا عَهْدٌ رَسْمِيٌّ يَقْطَعُهُ ٱلْمَرْءُ طَوْعًا أَمَامَ ٱللّٰهِ يُوجِبُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ تَأْدِيَةَ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ وَهْبَ تَقْدِمَةٍ مَا أَوِ ٱلِٱلْتِزَامَ بِحَالَةٍ مُحَدَّدَةٍ.‏ وَيَظُنُّ ٱلْبَعْضُ أَنَّ بُولُسَ قَصَّ شَعْرَهُ لِيُتِمَّ نَذْرَ نَذِيرٍ.‏ لٰكِنَّ ٱلنَّذِيرَ بِحَسَبِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ عِنْدَ تَمَامِ أَيَّامِ خِدْمَتِهِ ٱلْخُصُوصِيَّةِ لِيَهْوَهَ «عِنْدَ مَدْخَلِ خَيْمَةِ ٱلِٱجْتِمَاعِ».‏ لِذَا يَبْدُو أَنَّ مَطْلَبًا كَهٰذَا يُنَفَّذُ فَقَطْ فِي أُورُشَلِيمَ،‏ لَا فِي كَنْخَرِيَا.‏ —‏ عد ٦:‏٥،‏ ١٨‏.‏

      وَمَتَى قَطَعَ بُولُسُ نَذْرَهُ؟‏ لَا مَعْلُومَاتِ لَدَيْنَا بِهٰذَا ٱلْخُصُوصِ.‏ لِذَا مِنَ ٱلْمُمْكِنِ أَنْ يَرْجِعَ نَذْرُهُ إِلَى مَا قَبْلَ ٱعْتِنَاقِهِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ.‏ وَٱلسِّفْرُ أَيْضًا لَا يُخْبِرُنَا هَلْ كَانَ بُولُسُ بِنَذْرِهِ يَلْتَمِسُ مِنَ ٱللّٰهِ طِلْبَةً مُحَدَّدَةً.‏ وَعَلَيْهِ،‏ يَقْتَرِحُ أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ أَنَّ ٱلرَّسُولَ قَصَّ شَعْرَهُ قَصِيرًا «لِيَشْكُرَ ٱللّٰهَ عَلَى حِمَايَتِهِ،‏ مِمَّا مَكَّنَهُ مِنْ إِتْمَامِ خِدْمَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ».‏

  • ‏«كلمة يهوه تنمو وتقوى» رغم المقاومة
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢٠

      ‏«كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى» رَغْمَ ٱلْمُقَاوَمَةِ

      أَبُلُّوسُ وَبُولُسُ يُسَاهِمَانِ فِي تَقَدُّمِ ٱلْبِشَارَةِ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٨:‏٢٣–‏١٩:‏٤١

      ١،‏ ٢ (‏أ)‏ أَيُّ خَطَرٍ وَاجَهَهُ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ فِي أَفَسُسَ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا نُنَاقِشُ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟‏

      أَفَسُسُ غَارِقَةٌ فِي ٱلْفَوْضَى .‏ .‏ .‏ أَفْوَاجٌ هَائِجَةٌ مِنَ ٱلْبَشَرِ يَتَدَافَعُونَ!‏ يَصِيحُونَ!‏ يَصْرُخُونَ!‏ يَخْبِطُونَ ٱلْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ!‏ مَوْجَةُ ٱلرَّعَاعِ تَجْرُفُ فِي طَرِيقِهَا ٱثْنَيْنِ مِنْ رُفَقَاءِ بُولُسَ وَتَحْمِلُهُمَا إِلَى مُدَرَّجِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلضَّخْمِ.‏ فَيَخْلُو ٱلشَّارِعُ ٱلْعَرِيضُ حَيْثُ ٱلْمَتَاجِرُ،‏ فِيمَا يَتَضَاعَفُ ٱلْجَمْعُ ٱلْمَسْعُورُ وَيَقْتَحِمُ ٱلْمُدَرَّجَ ٱلَّذِي يَسَعُ ٠٠٠‏,٢٥ شَخْصٍ.‏ اَلْجَمْعُ بِمُعْظَمِهِ يَجْهَلُ سَبَبَ ٱلشَّغَبِ.‏ لٰكِنَّهُمْ يَشْتَبِهُونَ أَنَّ هَيْكَلَهُمْ وَإِلَاهَتَهُمُ ٱلْحَبِيبَةَ أَرْطَامِيسَ فِي خَطَرٍ.‏ فَيَرُوحُونَ يُرَدِّدُونَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ:‏ «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!‏».‏ —‏ اع ١٩:‏٣٤‏.‏

      ٢ مَرَّةً جَدِيدَةً،‏ يَعْمِدُ ٱلشَّيْطَانُ إِلَى عُنْفِ ٱلرَّعَاعِ لِلْحَدِّ مِنِ ٱنْتِشَارِ ٱلْبِشَارَةِ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلتَّهْدِيدَ بِٱلْعُنْفِ لَيْسَ تَكْتِيكَهُ ٱلْوَحِيدَ.‏ وَفِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ،‏ نَسْتَعْرِضُ عَدَدًا مِنْ مَكَايِدِهِ ٱلَّتِي لَجَأَ إِلَيْهَا لِتَقْوِيضِ عَمَلِ وَوَحْدَةِ مَسِيحِيِّي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ.‏ لٰكِنَّنَا سَنَجِدُ أَنَّ تَكْتِيكَاتِهِ كُلَّهَا فَشِلَتْ فَشَلًا ذَرِيعًا.‏ فَقَدْ «كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى بِٱقْتِدَارٍ».‏ (‏اع ١٩:‏٢٠‏)‏ فَكَيْفَ ٱنْتَصَرَ أُولٰئِكَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي حَرْبِهِمْ؟‏ لَا شَكَّ أَنَّ ٱلْفَضْلَ عَائِدٌ أَوَّلًا وَأَخِيرًا إِلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ.‏ وَلٰكِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ هُمْ أَيْضًا أَنْ يَلْعَبُوا ٱلدَّوْرَ ٱلْمَنُوطَ بِهِمْ.‏ وَٱلْأَمْرُ عَيْنُهُ يَصِحُّ فِينَا نَحْنُ ٱلْيَوْمَ.‏ فَبِمَعُونَةِ رُوحِ يَهْوَهَ،‏ عَلَيْنَا ٱكْتِسَابُ صِفَاتٍ تُسَاعِدُنَا أَنْ نُتَمِّمَ خِدْمَتَنَا بِنَجَاحٍ.‏ وَفِي هٰذَا ٱلْإِطَارِ،‏ لِنَتَأَمَّلْ بِدَايَةً فِي مِثَالِ أَبُلُّوسَ.‏

      ‏«مُتَضَلِّعٌ مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ» (‏اعمال ١٨:‏٢٤-‏٢٨‏)‏

      ٣،‏ ٤ أَيُّ نَقْصٍ تَبَيَّنَهُ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا عِنْدَ أَبُلُّوسَ،‏ وَكَيْفَ سَاعَدَاهُ؟‏

      ٣ فِيمَا كَانَ بُولُسُ مُتَوَجِّهًا إِلَى أَفَسُسَ خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّالِثَةِ،‏ وَصَلَ إِلَى هُنَاكَ يَهُودِيٌّ ٱسْمُهُ أَبُلُّوسُ.‏ وَأَبُلُّوسُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ مَدِينَةٍ مِصْرِيَّةٍ عَرِيقَةٍ تُدْعَى ٱلْإِسْكَنْدَرِيَّةَ.‏ وَقَدِ ٱمْتَازَ بِصِفَاتٍ ٱسْتِثْنَائِيَّةٍ؛‏ فَكَانَ فَصِيحَ ٱللِّسَانِ،‏ ‹مُتَضَلِّعًا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ›،‏ ‹وَمُتَّقِدًا بِٱلرُّوحِ›.‏ كَمَا نَقْرَأُ عَنْهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِجُرْأَةٍ وَحَمَاسَةٍ أَمَامَ ٱلْيَهُودِ فِي ٱلْمَجْمَعِ.‏ —‏ اع ١٨:‏٢٤،‏ ٢٥‏.‏

      ٤ وَفِي أَفَسُسَ،‏ سَمِعَ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْمَسِيحِيَّانِ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا أَبُلُّوسَ يَتَكَلَّمُ.‏ وَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا سُرَّا بِسَمَاعِهِ يُعَلِّمُ «عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ مَا يَخْتَصُّ بِيَسُوعَ».‏ غَيْرَ أَنَّهُمَا سُرْعَانَ مَا تَبَيَّنَا ثُغْرَةً بَارِزَةً فِي مَعْرِفَتِهِ.‏ فَهُوَ كَانَ «عَارِفًا مَعْمُودِيَّةَ يُوحَنَّا فَقَطْ».‏ فَهَلْ تَهَيَّبَ صَانِعَا ٱلْخِيَامِ ٱلْمُتَوَاضِعَانِ فَصَاحَةَ أَوْ تَعْلِيمَ أَبُلُّوسَ؟‏ كَلَّا.‏ بَلْ «أَخَذَاهُ إِلَيْهِمَا وَفَصَّلَا لَهُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ عَلَى وَجْهٍ أَصَحَّ».‏ (‏اع ١٨:‏٢٥،‏ ٢٦‏)‏ وَمَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ أَبُلُّوسَ ٱلْخَطِيبِ ٱلْبَارِعِ وَٱلْمُثَقَّفِ؟‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُ أَعْرَبَ عَنْ إِحْدَى أَهَمِّ ٱلصِّفَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ:‏ اَلتَّوَاضُعِ.‏

      ٥،‏ ٦ مَاذَا مَكَّنَ أَبُلُّوسَ مِنْ زِيَادَةِ كَفَاءَتِهِ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ،‏ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِهِ؟‏

      ٥ وَبَعْدَمَا قَبِلَ مُسَاعَدَةَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا،‏ أَصْبَحَ أَبُلُّوسُ خَادِمًا أَكْثَرَ كَفَاءَةً.‏ فَسَافَرَ إِلَى أَخَائِيَةَ حَيْثُ «سَاعَدَ كَثِيرًا» ٱلَّذِينَ آمَنُوا.‏ كَمَا نَجَحَ فِي ٱلْكِرَازَةِ لِيَهُودِ تِلْكَ ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلَّذِينَ أَصَرُّوا أَنَّ يَسُوعَ لَيْسَ ٱلْمَسِيَّا ٱلْمُنْبَأَ بِهِ.‏ يَرْوِي لُوقَا:‏ «كَانَ بِٱشْتِدَادٍ يُفْحِمُ ٱلْيَهُودَ عَلَانِيَةً،‏ وَهُوَ يُبَيِّنُ مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ».‏ (‏اع ١٨:‏٢٧،‏ ٢٨‏)‏ وَهٰكَذَا أَصْبَحَ أَبُلُّوسُ عُضْوًا فَعَّالًا فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ وَمِثْلَ بُولُسَ،‏ لَعِبَ دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَقْوِيَةِ «كَلِمَةِ يَهْوَهَ».‏ فَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِهِ؟‏

      ٦ لَا غِنَى لِلْمَسِيحِيِّينَ عَنْ تَنْمِيَةِ ٱلتَّوَاضُعِ.‏ صَحِيحٌ أَنَّنَا نَنْعَمُ بِبَرَكَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ،‏ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَوَاهِبَ طَبِيعِيَّةً أَمْ خِبْرَةً أَمْ مَعْرِفَةً مُكْتَسَبَةً،‏ وَلٰكِنْ عَلَيْنَا دَوْمًا أَنْ نُرَجِّحَ كَفَّةَ ٱلتَّوَاضُعِ؛‏ وَإِلَّا تَتَحَوَّلُ ٱلنِّعْمَةُ إِلَى نَقْمَةٍ!‏ فَنُصْبِحُ عِنْدَئِذٍ تُرْبَةً خِصْبَةً لِزِوَانِ ٱلْكِبْرِيَاءِ.‏ (‏١ كو ٤:‏٧؛‏ يع ٤:‏٦‏)‏ أَمَّا إِذَا كُنَّا مُتَوَاضِعِينَ بِكُلِّ مَعْنَى ٱلْكَلِمَةِ،‏ فَسَنُصَمِّمُ عَلَى ٱعْتِبَارِ ٱلْآخَرِينَ يَفُوقُونَنَا.‏ (‏في ٢:‏٣‏)‏ فَلَا نَسْتَاءُ عِنْدَئِذٍ مِنَ ٱلتَّقْوِيمِ وَلَا نَرْفُضُ ٱلتَّعَلُّمَ مِنَ ٱلْآخَرِينَ.‏ وَلَا نَتَشَبَّثُ بِآ‌رَائِنَا حِينَ نُدْرِكُ أَنَّهَا تَتَعَارَضُ مَعَ أَحْدَثِ مَا يَكْشِفُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ.‏ وَمَا دُمْنَا مُتَوَاضِعِينَ،‏ نَظَلُّ نَافِعِينَ لِيَهْوَهَ وَلِيَسُوعَ.‏ —‏ لو ١:‏٥١،‏ ٥٢‏.‏

      ٧ كَيْفَ رَسَمَ بُولُسُ وَأَبُلُّوسُ مِثَالًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ؟‏

      ٧ إِضَافَةً إِلَى ذٰلِكَ،‏ يَنْزِعُ ٱلتَّوَاضُعُ فَتِيلَ ٱلْمُنَافَسَةِ.‏ تَخَيَّلْ كَمْ تَحَرَّقَ ٱلشَّيْطَانُ لِنَشْرِ بُذُورِ ٱلشِّقَاقِ بَيْنَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْأَوَائِلِ.‏ وَكَمْ كَانَ سَيَفْرَحُ دُونَ شَكٍّ لَوِ ٱنْجَرَّ شَخْصَانِ نَشِيطَانِ كَأَبُلُّوسَ وَبُولُسَ إِلَى ٱلْمُنَافَسَةِ،‏ أَوْ رُبَّمَا ٱلتَّسَابُقِ عَنْ حَسَدٍ إِلَى مَرْكَزِ ٱلصَّدَارَةِ بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ!‏ كَانَ ٱلْوُقُوعُ فِي هٰذَا ٱلْفَخِّ مِنْ أَسْهَلِ مَا يَكُونُ.‏ فَفِي كُورِنْثُوسَ رَاحَ ٱلْبَعْضُ يَقُولُونَ:‏ «أَنَا لِبُولُسَ»،‏ وَٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ:‏ «أَنَا لِأَبُلُّوسَ».‏ فَهَلْ أَجَّجَ هٰذَانِ ٱلْمَسِيحِيَّانِ رُوحَ ٱلِٱنْقِسَامِ هٰذَا؟‏ مُطْلَقًا!‏ فَقَدِ ٱعْتَرَفَ بُولُسُ بِتَوَاضُعٍ بِمُسَاهَمَةِ أَبُلُّوسَ فِي ٱلْعَمَلِ،‏ مَانِحًا إِيَّاهُ ٱمْتِيَازَاتٍ إِضَافِيَّةً.‏ وَمِنْ نَاحِيَتِهِ،‏ ٱتَّبَعَ أَبُلُّوسُ تَوْجِيهَ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ.‏ (‏١ كو ١:‏١٠-‏١٢؛‏ ٣:‏٦،‏ ٩؛‏ تي ٣:‏١٢،‏ ١٣‏)‏ فَيَا لَلْمِثَالِ ٱلرَّائِعِ ٱلَّذَي رَسَمَاهُ لَنَا!‏

      حَاجَّ «لِإِقْنَاعِهِمْ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ» (‏اعمال ١٨:‏٢٣؛‏ ١٩:‏١-‏١٠‏)‏

      ٨ أَيُّ مَسَارٍ ٱتَّخَذَهُ بُولُسُ وَهُوَ عَائِدٌ إِلَى أَفَسُسَ،‏ وَلِمَاذَا؟‏

      ٨ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ،‏ وَعَدَ ٱلرَّسُولُ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى أَفَسُسَ.‏a وَبِٱلْفِعْلِ،‏ صَدَقَ بُولُسُ بِوَعْدِهِ.‏ (‏اع ١٨:‏٢٠،‏ ٢١‏)‏ وَلٰكِنْ لَاحِظْ كَيْفَ عَادَ إِلَيْهَا.‏ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ فِي أَنْطَاكِيَةِ سُورِيَّةَ.‏ وَكُلُّ مَا تَوَجَّبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِلْوُصُولِ إِلَى أَفَسُسَ ٱجْتِيَازُ ٱلْمَسَافَةِ ٱلْقَصِيرَةِ إِلَى سَلُوقِيَةَ،‏ ثُمَّ رُكُوبُ إِحْدَى ٱلسُّفُنِ وَٱلْإِبْحَارُ مُبَاشَرَةً إِلَى وُجْهَتِهِ.‏ لٰكِنَّ ٱلسِّجِلَّ يُخْبِرُنَا أَنَّ بُولُسَ «ٱجْتَازَ فِي ٱلنَّوَاحِي ٱلدَّاخِلِيَّةِ».‏ وَبِحَسَبِ أَحَدِ ٱلتَّقْدِيرَاتِ،‏ نَاهَزَ طُولُ سَفْرَتِهِ كَمَا تَصِفُهَا ٱلْأَعْمَال ١٨:‏٢٣ وَ ١٩:‏١ مَسَافَةَ ٦٠٠‏,١ كلم.‏ فَلِمَ آثَرَ ٱلرَّسُولُ هٰذَا ٱلْمَسَارَ ٱلشَّاقَّ؟‏ لِأَنَّهُ جَعَلَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ أَنْ «يُقَوِّيَ جَمِيعَ ٱلتَّلَامِيذِ».‏ (‏اع ١٨:‏٢٣‏)‏ صَحِيحٌ أَنَّ رِحْلَتَهُ ٱلْإِرْسَالِيَّةَ ٱلثَّالِثَةَ تَطَلَّبَتْ مِنْهُ ٱلْكَثِيرَ تَمَامًا كَٱلْأُولَى وَٱلثَّانِيَةِ،‏ إِلَّا أَنَّهَا ٱسْتَأْهَلَتْ فِي نَظَرِهِ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ فِيهَا.‏ وَٱلْيَوْمَ،‏ أَوَلَا يُعْرِبُ ٱلْخُدَّامُ ٱلْجَائِلُونَ وَزَوْجَاتُهُمْ مَشْكُورِينَ عَنْ رُوحٍ مُمَاثِلَةٍ؟‏!‏

      أَفَسُسُ:‏ عَاصِمَةُ آسِيَا

      كَانَتْ أَفَسُسُ كُبْرَى مُدُنِ غَرْبِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى.‏ وَفِي أَيَّامِ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ،‏ تَجَاوَزَ عَدَدُ سُكَّانِهَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ رُبْعَ مِلْيُونِ نَسَمَةٍ.‏ وَبِٱعْتِبَارِهَا عَاصِمَةَ وِلَايَةِ آسِيَا ٱلرُّومَانِيَّةِ،‏ حَمَلَتْ بِٱعْتِزَازٍ لَقَبَ «أُولَى وَعُظْمَى ٱلْمُدُنِ ٱلْكُبْرَى فِي آسِيَا».‏

      كَسَبَتْ أَفَسُسُ ثَرْوَةً هَائِلَةً مِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱلدِّينِ.‏ فَمِنْ نَاحِيَةٍ،‏ تَمَتَّعَ مِينَاؤُهَا بِمَوْقِعٍ إِسْتِرَاتِيجِيٍّ عِنْدَ تَقَاطُعِ طُرُقٍ تِجَارِيَّةٍ بِفَضْلِ قُرْبِهَا مِنْ مَصَبِّ نَهْرٍ صَالِحٍ لِلْمِلَاحَةِ.‏ وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى،‏ ٱحْتَوَتِ ٱلْمَدِينَةُ هَيْكَلَ أَرْطَامِيسَ ٱلْمَشْهُورَ،‏ إِضَافَةً إِلَى مَزَارَاتٍ وَهَيَاكِلَ لِعِدَّةِ مَعْبُودَاتٍ يُونَانِيَّةٍ –‏ رُومَانِيَّةٍ،‏ مِصْرِيَّةٍ،‏ وَأَنَاضُولِيَّةٍ.‏

      وَلٰكِنْ لَعَلَّ أَشْهَرَ مَبَانِي أَفَسُسَ هُوَ هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ ٱلْمُعْتَبَرُ إِحْدَى عَجَائِبِ ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ ٱلسَّبْعِ.‏ فَقَدْ نَاهَزَ طُولُهُ ١٠٥ م وَعَرْضُهُ ٥٠ م.‏ وَٱحْتَوَى عَلَى مَا يُقَارِبُ ١٠٠ عَمُودٍ رُخَامِيٍّ،‏ قُطْرُ كُلٍّ مِنْهَا مِتْرَانِ تَقْرِيبًا عِنْدَ ٱلْقَاعِدَةِ وَٱرْتِفَاعُهُ نَحْوَ ١٧ م.‏ وَٱعْتُبِرَ هٰذَا ٱلْمَعْبَدُ مِنْ أَقْدَسِ ٱلْمُقَدَّسَاتِ فِي كُلِّ أَرْجَاءِ حَوْضِ ٱلْمُتَوَسِّطِ قَدِيمًا.‏ كَمَا أُودِعَتْ فِيهِ أَمْوَالٌ طَائِلَةٌ،‏ فَأَصْبَحَ أَهَمَّ مَرْكَزٍ مَصْرِفِيٍّ فِي آسِيَا.‏

      عِلَاوَةً عَلَى ذٰلِكَ،‏ ضَمَّتِ ٱلْمَدِينَةُ مَلْعَبًا أُقِيمَتْ فِيهِ ٱلْمُبَارَيَاتُ ٱلرِّيَاضِيَّةُ وَرُبَّمَا مُصَارَعَاتُ ٱلْمُجَالِدِينَ.‏ وَمِنَ ٱلْمَبَانِي ٱلْمُهِمَّةِ أَيْضًا مَسْرَحٌ ضَخْمٌ،‏ صَفَّا أَعْمِدَةٍ يُشَكِّلَانِ وَاجِهَةً لِسِلْسِلَةِ مَحَالَّ تِجَارِيَّةٍ،‏ وَسَاحَتَانِ عَامَّتَانِ إِحْدَاهُمَا مُخَصَّصَةٌ لِلْأَعْمَالِ ٱلتِّجَارِيَّةِ وَٱلْأُخْرَى لِلشُّؤُونِ ٱلْإِدَارِيَّةِ.‏

      وَحَسْبَمَا يُخْبِرُ ٱلْجُغْرَافِيُّ ٱلْيُونَانِيُّ سْتْرَابُو،‏ كَانَتْ تَرَسُّبَاتٌ مِنَ ٱلطَّمْيِ تَجْتَاحُ مِينَاءَ أَفَسُسَ.‏ وَمَعَ ٱلْوَقْتِ،‏ تَوَقَّفَ هٰذَا ٱلْمِينَاءُ عَنِ ٱلْعَمَلِ فَفَرَغَتِ ٱلْمَدِينَةُ مِنَ ٱلسُّكَّانِ.‏ وَحَتَّى يَوْمِنَا هٰذَا،‏ لَمْ يُبْنَ عَلَى خَرَائِبِهَا أَيُّ مَدِينَةٍ حَدِيثَةٍ.‏ لِذَا يَتَمَتَّعُ ٱلزُّوَّارُ بِرُؤْيَةِ أَطْلَالِهَا ٱلشَّاسِعَةِ،‏ كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ بِٱلزَّمَنِ إِلَى ٱلْوَرَاءِ.‏

      ٩ لِمَ وَجَبَ عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ أَنْ يَعْتَمِدُوا مُجَدَّدًا،‏ وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ؟‏

      ٩ فَوْرَ وُصُولِهِ إِلَى أَفَسُسَ،‏ وَجَدَ ٱلرَّسُولُ نَحْوَ ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا ٱلْمُعَمِّدِ.‏ وَعَرَفَ مِنْهُمْ أَنَّهُمُ ٱعْتَمَدُوا بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا ٱلَّتِي مَا عَادَتْ نَافِذَةً.‏ أَمَّا مَعْلُومَاتُهُمْ عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَكَانَتْ شِبْهَ مَعْدُومَةٍ.‏ فَأَطْلَعَهُمْ بُولُسُ عَلَى أَحْدَثِ ٱلْمَعْلُومَاتِ.‏ وَهُمْ بِدَوْرِهِمْ تَجَاوَبُوا بِتَوَاضُعٍ وَكَانُوا رَاغِبِينَ فِي ٱلتَّعَلُّمِ مَثَلُهُمْ مَثَلُ أَبُلُّوسَ.‏ وَبَعْدَمَا ٱعْتَمَدُوا بِٱسْمِ يَسُوعَ،‏ نَالُوا ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ وَبَعْضَ ٱلْمَوَاهِبِ ٱلْعَجَائِبِيَّةِ.‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مُجَارَاةَ هَيْئَةِ يَهْوَهَ ٱلثِّيُوقْرَاطِيَّةِ ٱلتَّقَدُّمِيَّةِ تَعُودُ عَلَى ٱلْمَرْءِ بِٱلْفَوَائِدِ.‏ —‏ اع ١٩:‏١-‏٧‏.‏

      ١٠ لِمَ ٱنْتَقَلَ بُولُسُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ إِلَى قَاعَةِ مَدْرَسَةٍ،‏ وَكَيْفَ رَسَمَ لَنَا مِثَالًا فِي ذٰلِكَ؟‏

      ١٠ كَانَتْ مَدِينَةُ أَفَسُسَ بِٱنْتِظَارِ ٱلْمَزِيدِ بَعْدُ.‏ تَأَمَّلْ فِي مَا حَدَثَ.‏ لَقَدْ كَرَزَ بُولُسُ بِجُرْأَةٍ فِي ٱلْمَجْمَعِ عَلَى مَدَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.‏ لٰكِنَّ ٱلْبَعْضَ تَقَسَّوْا وَأَصْبَحُوا مُقَاوِمِينَ لِلْبِشَارَةِ مَعَ أَنَّهُ حَاجَّهُمْ «لِإِقْنَاعِهِمْ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ».‏ إِذَّاكَ،‏ لَمْ يُضَيِّعْ بُولُسُ ٱلْوَقْتَ مَعَ هٰؤُلَاءِ ‹ٱلطَّاعِنِينَ فِي «ٱلطَّرِيقِ»›،‏ بَلْ رَتَّبَ لِيَخْطُبَ فِي قَاعَةِ مَدْرَسَةٍ.‏ (‏اع ١٩:‏٨،‏ ٩‏)‏ وَكُلُّ مَنْ رَغِبَ فِي إِحْرَازِ تَقَدُّمٍ رُوحِيٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ ٱلِٱنْتِقَالُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ إِلَى ٱلْقَاعَةِ.‏ وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نُنْهِي ٱلْمُنَاقَشَةَ بَعْضَ ٱلْأَحْيَانِ عِنْدَمَا نُلَاحِظُ أَنَّ صَاحِبَ ٱلْبَيْتِ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ لِلْإِصْغَاءِ إِلَيْنَا،‏ أَوْ أَنَّ جُلَّ مَا يُرِيدُ هُوَ ٱلْخَوْضُ فِي جَدَلٍ بِيزَنْطِيٍّ.‏ فَمَا زَالَ هُنَاكَ ٱلْكَثِيرُ بَعْدُ مِنَ ٱلْمُشَبَّهِينَ بِٱلْخِرَافِ ٱلرَّاغِبِينَ فِي سَمَاعِ رِسَالَتِنَا ٱلْمُشَجِّعَةِ.‏

      ١١،‏ ١٢ (‏أ)‏ كَيْفَ رَسَمَ بُولُسُ مِثَالًا فِي ٱلتَّحَلِّي بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ يَسْعَى شُهُودُ يَهْوَهَ إِلَى ٱلِٱتِّصَافِ بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ فِي خِدْمَتِهِمِ ٱلْعَلَنِيَّةِ؟‏

      ١١ يُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ تَكَلَّمَ فِي قَاعَةِ ٱلْمَدْرَسَةِ تِلْكَ يَوْمِيًّا مِنَ ٱلسَّاعَةِ ١١ ق‌ظ حَتَّى ٤ ب‌ظ.‏ (‏اع ١٩:‏٩‏)‏ وَهٰذِهِ ٱلْفَتْرَةُ كَانَتْ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَكْثَرَ سَاعَاتِ ٱلنَّهَارِ هُدُوءًا،‏ وَلٰكِنْ أَشَدَّهَا حَرًّا.‏ وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ تَوَقَّفُوا فِيهَا عَنِ ٱلْعَمَلِ لِيَأْكُلُوا وَيَرْتَاحُوا.‏ تَخَيَّلْ:‏ إِذَا دَاوَمَ بُولُسُ عَلَى هٰذَا ٱلْبَرْنَامَجِ ٱلْحَافِلِ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ،‏ يَتَخَطَّى مَجْمُوعُ ٱلسَّاعَاتِ ٱلَّتِي صَرَفَهَا فِي ٱلتَّعْلِيمِ ٠٠٠‏,٣ سَاعَةٍ!‏b وَهُنَا عَامِلٌ آخَرُ يُفَسِّرُ لمَ كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى.‏ فَقَدِ ٱتَّصَفَ ٱلرَّسُولُ بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ،‏ مُكَيِّفًا بَرْنَامَجَ خِدْمَتِهِ لِكَيْ تُلَائِمَ حَاجَاتِ ٱلنَّاسِ فِي ذٰلِكَ ٱلْمُجْتَمَعِ.‏ وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟‏ «جَمِيعُ سُكَّانِ إِقْلِيمِ آسِيَا،‏ يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ،‏ سَمِعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ».‏ (‏اع ١٩:‏١٠‏)‏ فَهَلْ يَخْتَلِفُ ٱثْنَانِ فِي أَنَّ بُولُسَ أَدَّى بِٱلْفِعْلِ شَهَادَةً كَامِلَةً؟‏!‏

      اختان تبشران علی الهاتف

      نحن نسعى الى بلوغ الجميع أينما كانوا

      ١٢ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ،‏ نَتَحَلَّى نَحْنُ شُهُودَ يَهْوَهَ ٱلْعَصْرِيِّينَ بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ،‏ فَنَسْعَى إِلَى بُلُوغِ ٱلْجَمِيعِ أَيْنَمَا كَانُوا وَوَقْتَمَا وُجِدُوا.‏ فَنُبَشِّرُ فِي ٱلشَّوَارِعِ وَٱلْأَسْوَاقِ وَمَوَاقِفِ ٱلسَّيَّارَاتِ.‏ وَنُرَاسِلُ ٱلنَّاسَ أَوْ نَتَّصِلُ بِهِمْ عَبْرَ ٱلْهَاتِفِ.‏ وَنُخَطِّطُ لِزِيَارَتِهِمْ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ حِينَمَا يَتَوَاجَدُونَ عَادَةً فِي بُيُوتِهِمْ.‏

      ‏«تَنْمُو وَتَقْوَى» فِي وَجْهِ ٱلْأَرْوَاحِ ٱلشِّرِّيرَةِ (‏اعمال ١٩:‏١١-‏٢٢‏)‏

      ١٣،‏ ١٤ (‏أ)‏ مَاذَا مَكَّنَ يَهْوَهُ بُولُسَ مِنْ فِعْلِهِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ أَخْطَأَ أَبْنَاءُ سَكَاوَا،‏ وَكَيْفَ يَرْتَكِبُ كَثِيرُونَ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلْيَوْمَ ٱلْخَطَأَ نَفْسَهُ؟‏

      ١٣ يُخْبِرُنَا لُوقَا أَنَّ ٱلْأَيَّامَ ٱلتَّالِيَةَ شَهِدَتْ أَحْدَاثًا مُمَيَّزَةً،‏ إِذْ مَكَّنَ يَهْوَهُ بُولُسَ أَنْ يَصْنَعَ «قُوَّاتٍ عَظِيمَةً».‏ تَصَوَّرْ:‏ حَتَّى مَنَادِيلُهُ وَمَآ‌زِرُهُ كَانَتْ تُؤْخَذُ إِلَى ٱلْمُتَأَلِّمِينَ،‏ فَتَتْرُكُهُمُ ٱلْعِلَلُ وَتَخْرُجُ مِنْهُمُ ٱلْأَرْوَاحُ ٱلشِّرِّيرَةُ!‏c (‏اع ١٩:‏١١،‏ ١٢‏)‏ وَقَدِ ٱسْتَقْطَبَتْ هٰذِهِ ٱلِٱنْتِصَارَاتُ ٱلْكَاسِحَةُ عَلَى قِوَى ٱلشَّيْطَانِ ٱهْتِمَامَ ٱلْكَثِيرِينَ.‏ لٰكِنَّ نَوَايَا بَعْضِهِمْ لَمْ تَكُنْ حَسَنَةً.‏

      ١٤ فَقَدْ حَاوَلَ قَوْمٌ مِنَ «ٱلْيَهُودِ ٱلطَّوَّافِينَ،‏ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُمَارِسُونَ إِخْرَاجَ ٱلشَّيَاطِينِ»،‏ أَنْ يُقَلِّدُوا عَجَائِبَ ٱلرَّسُولِ.‏ فَجَرَّبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَطْرُدُوا ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِ يَسُوعَ وَبُولُسَ.‏ وَهٰذَا مَا حَصَلَ مَثَلًا مَعَ سَبْعَةِ رِجَالٍ مِنْ عَائِلَةٍ كَهَنُوتِيَّةٍ،‏ أَبْنَاءِ رَجُلٍ يُدْعَى سَكَاوَا.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ قَالَ لَهُمْ:‏ «إِنِّي أَعْرِفُ يَسُوعَ وَأَعْلَمُ مَنْ هُوَ بُولُسُ،‏ أَمَّا أَنْتُمْ فَمَنْ تَكُونُونَ؟‏».‏ ثُمَّ ٱنْقَضَّ «ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ» عَلَى هٰؤُلَاءِ ٱلدَّجَّالِينَ،‏ وَاثِبًا كَوَحْشٍ ضَارٍ.‏ فَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ وَلَّوْا هَارِبِينَ،‏ عُرَاةً وَمُجَرَّحِينَ.‏ (‏اع ١٩:‏١٣-‏١٦‏)‏ فَيَا لَلِٱنْتِصَارِ ٱلْكَاسِحِ ٱلَّذِي حَقَّقَتْهُ «كَلِمَةُ يَهْوَهَ»!‏ يَكْفِي فَقَطْ أَنْ نُقَارِنَ بَيْنَ ٱلْقُدْرَةِ ٱلْهَائِلَةِ ٱلَّتِي مُنِحَتْ لِبُولُسَ وَٱلْعَجْزِ ٱلْمُطْبِقِ ٱلَّذِي ٱبْتُلِيَ بِهِ أَتْبَاعُ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْبَاطِلَةِ.‏ وَٱلْيَوْمَ يَفْتَرِضُ ٱلْمَلَايِينُ أَنَّ مُجَرَّدَ ٱلِٱدِّعَاءِ أَنَّهُمْ مَسِيحِيُّونَ أَوِ ٱلِٱسْتِعَانَةِ بِٱسْمِ يَسُوعَ كَافِيَانِ.‏ وَلٰكِنْ كَمَا عَلَّمَ يَسُوعُ نَفْسُهُ،‏ لَا رَجَاءَ حَقِيقِيًّا إِلَّا لِمَنْ يَعْمَلُونَ مَشِيئَةَ أَبِيهِ.‏ —‏ مت ٧:‏٢١-‏٢٣‏.‏

      ١٥ كَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِٱلْأَرْوَاحِيَّةِ وَٱلْأَغْرَاضِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِهَا؟‏

      ١٥ بَعْدَمَا أُذِلَّ أَبْنَاءُ سَكَاوَا،‏ ٱنْتَشَرَ خَوْفُ ٱللّٰهِ بَيْنَ ٱلنَّاسِ،‏ مِمَّا دَفَعَ أَشْخَاصًا كَثِيرِينَ إِلَى ٱعْتِنَاقِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ وَتَرْكِ ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلْأَرْوَاحِيَّةِ.‏ فَٱلْمُجْتَمَعُ ٱلْأَفَسُسِيُّ كَانَ مُنْغَمِسًا فِي ٱلْفُنُونِ ٱلسِّحْرِيَّةِ.‏ وَقَدَ شَاعَ ٱسْتِعْمَالُ ٱلرُّقَى وَٱلتَّمَائِمِ وَٱلتَّعَاوِيذِ ٱلَّتِي غَالِبًا مَا كَانَتْ تُكْتَبُ كِتَابَةً.‏ أَمَّا ٱلْآنَ فَٱنْدَفَعَ أَفَسُسِيُّونَ كُثُرٌ إِلَى إِحْضَارِ كُتُبِهِمْ عَنِ ٱلْفُنُونِ ٱلسِّحْرِيَّةِ وَإِحْرَاقِهَا عَلَنًا،‏ مَعَ أَنَّ قِيمَتَهَا تُسَاوِي فِي أَيَّامِنَا عَشَرَاتِ آلَافِ ٱلدُّولَارَاتِ.‏d «وَهٰكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى بِٱقْتِدَارٍ».‏ (‏اع ١٩:‏١٧-‏٢٠‏)‏ فَمِنْ جَدِيدٍ،‏ أَحْرَزَ ٱلْحَقُّ ٱنْتِصَارًا بَاهِرًا عَلَى ٱلشَّيْطَانِيَّةِ وَٱلتَّعَالِيمِ ٱلْبَاطِلَةِ.‏ وَيَحْسُنُ بِنَا نَحْنُ أَيْضًا ٱلْعَائِشِينَ فِي عَالَمٍ غَارِقٍ فِي ٱلْأَرْوَاحِيَّةِ أَنْ نَقْتَدِيَ بِأَهْلِ أَفَسُسَ ٱلْأُمَنَاءِ.‏ فَإِذَا عَرَفْنَا أَنَّ أَحَدَ أَغْرَاضِنَا مُرْتَبِطٌ بِهَا،‏ فَلْنُبَادِرْ فَوْرًا إِلَى ٱلتَّخَلُّصِ مِنْهُ.‏ وَلْنَتَحَاشَ تَمَامًا هٰذِهِ ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلْمَقِيتَةَ مَهْمَا كَانَ ٱلثَّمَنُ!‏

      ‏«حَدَثَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ» (‏اعمال ١٩:‏٢٣-‏٤١‏)‏

      ديمتريوس يخاطب صنَّاعا في أفسس

      ‏«أيها الرجال،‏ انتم تعرفون جيدا ان رغد عيشنا هو من هذا العمل».‏ —‏ اعمال ١٩:‏٢٥

      ١٦،‏ ١٧ (‏أ)‏ كَيْفَ أَثَارَ دِيمِتْرِيُوسُ ٱلشَّغَبَ فِي أَفَسُسَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَجَلَّتْ نُعَرَةُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ ٱلدِّينِيَّةُ؟‏

      ١٦ لِنَتَفَحَّصِ ٱلْآنَ تَكْتِيكًا شَيْطَانِيًّا آخَرَ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ لُوقَا.‏ نَقْرَأُ:‏ «حَدَثَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِشَأْنِ ‹ٱلطَّرِيقِ›».‏ وَكَلَامُ لُوقَا عَنِ «ٱضْطِرَابٍ لَيْسَ بِقَلِيلٍ» لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ ٱلْمُبَالَغَةِ.‏e (‏اع ١٩:‏٢٣‏)‏ أَمَّا أَصْلُ ٱلْمُشْكِلَةِ فَهُوَ صَائِغُ فِضَّةٍ ٱسْمُهُ دِيمِتْرِيُوسُ.‏ فَكَيْفَ أَشْعَلَ فَتِيلَ ٱلشَّغَبِ؟‏ لَقَدِ ٱسْتَأْثَرَ دِيمِتْرِيُوسُ بِٱنْتِبَاهِ غَيْرِهِ مِنَ «ٱلصُّنَّاعِ» بِتَذْكِيرِهِمْ أَوَّلًا أَنَّ رَغْدَ عَيْشِهِمْ مَرَدُّهُ إِلَى بَيْعِ ٱلْأَصْنَامِ.‏ ثُمَّ لَمَّحَ أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي كَرَزَ بِهَا بُولُسُ تَقْطَعُ رِزْقَهُمْ لِأَنَّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ لَا يَعْبُدُونَ ٱلْأَوْثَانَ.‏ بَعْدَئِذٍ خَاطَبَ فِيهِمْ رُوحَهُمُ ٱلْقَوْمِيَّةَ وَعَصَبِيَّتَهُمْ لِمَدِينَتِهِمْ،‏ مُحَذِّرًا أَنَّ إِلَاهَتَهُمْ أَرْطَامِيسَ وَهَيْكَلَهُمُ ٱلْمَشْهُورَ عَالَمِيًّا يُوَاجِهَانِ خَطَرَ ‹ٱلِٱنْهِيَارِ›.‏ —‏ اع ١٩:‏٢٤-‏٢٧‏.‏

      ١٧ بَلَغَ دِيمِتْرِيُوسُ مَأْرَبَهُ.‏ فَقَدْ رَاحَ صَاغَةُ ٱلْفِضَّةِ يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ:‏ «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ».‏ فَٱمْتَلَأَتِ ٱلْمَدِينَةُ بَلْبَلَةً وَتَشَكَّلَ جَمْعُ ٱلرَّعَاعِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ.‏f أَمَّا بُولُسُ فَهَمَّ بِٱلذَّهَابِ إِلَى ٱلْمُدَرَّجِ لِمُخَاطَبَةِ ٱلْحَشْدِ،‏ مَدْفُوعًا بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ.‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّلَامِيذَ أَصَرُّوا عَلَيْهِ أَنْ يَتَلَافَى ٱلْخَطَرَ.‏ فِي تِلْكَ ٱلْأَثْنَاءِ،‏ وَقَفَ رَجُلٌ ٱسْمُهُ ٱلْإِسْكَنْدَرُ أَمَامَ ٱلْجَمْعِ وَحَاوَلَ مُكَالَمَتَهُمْ.‏ فَبِمَا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ،‏ فَلَرُبَّمَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّطَ ٱلضَّوْءَ عَلَى ٱلْفَرْقِ بَيْنَ ٱلْيَهُودِ وَهٰؤُلَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ.‏ لٰكِنَّ ٱلْجَمْعَ ٱلْهَائِجَ مَا كَانَ لِيُعَلِّقَ أَيَّ أَهَمِّيَّةٍ عَلَى كَلَامِهِ.‏ فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ،‏ سَكَّتُوهُ مُرَدِّدِينَ نَحْوَ سَاعَتَيْنِ:‏ «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!‏».‏ وَإِلَى يَوْمِنَا هٰذَا،‏ تَبْقَى ٱلنُّعَرَةُ ٱلدِّينِيَّةُ آفَةً يَفْقِدُ مَنْ يُصَابُ بِهَا ٱلسَّيْطَرَةَ عَلَى نَفْسِهِ.‏ —‏ اع ١٩:‏٢٨-‏٣٤‏.‏

      ١٨،‏ ١٩ (‏أ)‏ كَيْفَ هَدَّأَ رَئِيسُ دِيوَانِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْجَمْعَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَحْمِي ٱلسُّلُطَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ أَحْيَانًا شَعْبَ يَهْوَهَ،‏ وَأَيُّ دَوْرٍ نَلْعَبُهُ نَحْنُ فِي نَيْلِ حِمَايَةٍ كَهٰذِهِ؟‏

      ١٨ أَخِيرًا،‏ هَدَّأَ رَئِيسُ دِيوَانِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْجَمْعَ ٱلثَّائِرَ.‏ فَأَكَّدَ لَهُمْ هٰذَا ٱلرَّجُلُ ٱلرَّزِينُ أَنَّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ لَا يُشَكِّلُونَ خَطَرًا لَا عَلَى هَيْكَلِ أَفَسُسَ وَلَا عَلَى إِلَاهَتِهَا،‏ وَأَنَّ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ لَمْ يُخْطِئُوا فِي حَقِّ هَيْكَلِ أَرْطَامِيسَ.‏ كَمَا ذَكَّرَهُمْ بِٱلْأُصُولِ ٱلْمَرْعِيَّةِ لِبَتِّ مَسَائِلَ كَهٰذِهِ.‏ وَلٰكِنْ لَعَلَّ أَكْثَرَ حُجَجِهِ تَأْثِيرًا إِشَارَتُهُ أَنَّهُمْ فِي خَطَرِ إِثَارَةِ غَضَبِ ٱلرُّومَانِ بِسَبَبِ تَجَمُّعِهِمْ غَيْرِ ٱلْمَشْرُوعِ.‏ وَبَعْدَ أَنْ قَالَ هٰذَا صَرَفَ ٱلْحَشْدَ.‏ وَهٰكَذَا،‏ بِفَضْلِ كَلِمَاتِهِ ٱلْمَنْطِقِيَّةِ وَٱلْعَمَلِيَّةِ،‏ خَمَدَ غَضَبُ ٱلرَّعَاعِ بِٱلسُّرْعَةِ نَفْسِهَا ٱلَّتِي ثَارَ بِهَا.‏ —‏ اع ١٩:‏٣٥-‏٤١‏.‏

      ١٩ لَيْسَتْ هٰذِهِ أَوَّلَ أَوْ آخِرَ مَرَّةٍ يَتَدَخَّلُ فِيهَا شَخْصٌ مُتَّزِنٌ فِي مَرْكَزِ مَسْؤُولِيَّةٍ لِيَحْمِيَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ.‏ وَفِي ٱلْوَاقِعِ،‏ رَأَى ٱلرَّسُولُ يُوحَنَّا فِي رُؤْيَا أَنَّ أَرْكَانَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلثَّابِتَةَ ٱلْمَرْمُوزَ إِلَيْهَا بِٱلْأَرْضِ تَبْتَلِعُ خِلَالَ ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ فَيْضًا مِنَ ٱلِٱضْطِهَادِ ٱلشَّيْطَانِيِّ عَلَى أَتْبَاعِ يَسُوعَ.‏ (‏رؤ ١٢:‏١٥،‏ ١٦‏)‏ وَبِٱلْفِعْلِ،‏ نَشْهَدُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ إِتْمَامَ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ.‏ فَفِي حَالَاتٍ كَثِيرَةٍ،‏ يَنْدَفِعُ قُضَاةٌ عَادِلُونَ إِلَى ضَمَانِ حُرِّيَّةِ شُهُودِ يَهْوَهَ فِي ٱلِٱجْتِمَاعِ مَعًا لِتَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ،‏ وَحِمَايَةِ حَقِّهِمْ فِي ٱلْكِرَازَةِ بِٱلْبِشَارَةِ.‏ وَفِي هٰذَا ٱلْإِطَارِ،‏ قَدْ يَلْعَبُ سُلُوكُنَا دَوْرًا فِي ٱنْتِصَارَاتٍ مُمَاثِلَةٍ.‏ فَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ كَسَبَ بُولُسُ بِفَضْلِ سُلُوكِهِ ٱحْتِرَامَ وَوِدَّ بَعْضِ ٱلْمَسْؤُولِينَ ٱلْحُكُومِيِّينَ فِي أَفَسُسَ،‏ فَحَرَصُوا عَلَى سَلَامَتِهِ.‏ (‏اع ١٩:‏٣١‏)‏ فَلْيَتْرُكْ سُلُوكُنَا ٱلْمُتَّصِفُ بِٱلنَّزَاهَةِ وَٱلِٱحْتِرَامِ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ ٱنْطِبَاعًا مُسْتَحَبًّا عِنْدَ ٱلْآخَرِينَ.‏ فَمَنْ يَدْرِي أَيَّ خَيْرٍ جَزِيلٍ قَدْ نَجْنِي بِفَضْلِهِ؟‏

      ٢٠ (‏أ)‏ مَا ٱنْطِبَاعَاتُكَ عَنْ نُمُوِّ كَلِمَةِ يَهْوَهَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلْيَوْمَ؟‏ (‏ب)‏ إِلَامَ تَنْدَفِعُ حِينَ تَرَى ٱنْتِصَارَاتِ يَهْوَهَ فِي أَيَّامِنَا؟‏

      ٢٠ لَا شَكَّ أَنَّنَا تَشَجَّعْنَا كَثِيرًا بَعْدَمَا رَأَيْنَا كَيْفَ «كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى» فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ.‏ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ،‏ أَلَا نَتَشَجَّعُ حِينَ نَرَى ٱنْتِصَارَاتٍ مُشَابِهَةً تَتَحَقَّقُ بِفَضْلِ يَهْوَهَ؟‏ فَهَلْ تَرْغَبُ أَنْ تَحْظَى بِٱمْتِيَازِ ٱلْمُسَاهَمَةِ فِيهَا وَلَوْ قَلِيلًا؟‏ فِي هٰذِهِ ٱلْحَالِ،‏ تَعَلَّمْ مِنَ ٱلْأَمْثِلَةِ ٱلْوَارِدَةِ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ.‏ حَافِظْ عَلَى تَوَاضُعِكَ،‏ جَارِ هَيْئَةَ يَهْوَهَ ٱلتَّقَدُّمِيَّةَ،‏ ٱجْتَهِدْ عَلَى ٱلدَّوَامِ،‏ ٱهْرُبْ مِنَ ٱلْأَرْوَاحِيَّةِ،‏ وَٱبْذُلْ قُصَارَى جُهْدِكَ لِتُقَدِّمَ شَهَادَةً حَسَنَةً مِنْ خِلَالِ سُلُوكِكَ ٱلْمُتَّسِمِ بِٱلنَّزَاهَةِ وَٱلِٱحْتِرَامِ.‏

      a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏أَفَسُسُ:‏ عَاصِمَةُ آسِيَا‏».‏

      b كَتَبَ بُولُسُ أَيْضَا ١ كُورِنْثُوسَ خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي أَفَسُسَ.‏

      c يَجُوزُ أَنَّ بُولُسَ لَفَّ هٰذِهِ ٱلْمَنَادِيلَ حَوْلَ جَبِينِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ ٱلْعَرَقُ فِي عَيْنَيْهِ.‏ أَمَّا ٱلْمَآ‌زِرُ فَلَعَلَّهُ لَبِسَهَا لِأَنَّهُ زَاوَلَ صِنَاعَةَ ٱلْخِيَامِ خِلَالَ أَوْقَاتِ فَرَاغِهِ،‏ رُبَّمَا فِي ٱلصَّبَاحِ ٱلْبَاكِرِ.‏ —‏ اع ٢٠:‏٣٤،‏ ٣٥‏.‏

      d يَذْكُرُ لُوقَا أَنَّ ثَمَنَ ٱلْكُتُبِ بَلَغَ ٠٠٠‏,٥٠ قِطْعَةٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ.‏ وَفِي حَالِ كَانَتْ قِطَعُ ٱلْفِضَّةِ دَنَانِيرَ،‏ تَطَلَّبَ جَمْعُ هٰذَا ٱلْمَبْلَغِ آنَذَاكَ ٱلْعَمَلَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ ٠٠٠‏,٥٠ يَوْمٍ،‏ أَيْ مَا يُقَارِبُ ١٣٧ سَنَةً.‏

      e يَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّ بُولُسَ أَشَارَ إِلَى هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ حِينَ قَالَ لِلْكُورِنْثِيِّينَ:‏ «كُنَّا إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِنَا».‏ (‏٢ كو ١:‏٨‏)‏ وَلٰكِنْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّ حَادِثَةً أَخْطَرَ بِكَثِيرٍ كَانَتْ فِي بَالِهِ.‏ فَعِنْدَمَا كَتَبَ أَنَّهُ ‹قَاتَلَ وُحُوشًا فِي أَفَسُسَ›،‏ لَرُبَّمَا قَصَدَ مُجَابَهَةَ وُحُوشٍ ضَارِيَةٍ فِي حَلْبَةٍ أَوْ مُوَاجَهَةَ ٱلْمُقَاوِمِينَ هُنَاكَ.‏ (‏١ كو ١٥:‏٣٢‏)‏ فَكِلَا ٱلْمَعْنَيَيْنِ ٱلْحَرْفِيُّ وَٱلْمَجَازِيُّ جَائِزٌ.‏

      f كَانَتْ رَابِطَاتُ أَوْ نِقَابَاتُ ٱلصُّنَّاعِ قَادِرَةً عَلَى ٱلتَّأْثِيرِ بِعُمْقٍ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ حَرَّضَتْ رَابِطَةُ ٱلْخَبَّازِينَ فِي أَفَسُسَ عَلَى أَعْمَالِ شَغَبٍ مُمَاثِلَةٍ بَعْدَ نَحْوِ قَرْنٍ.‏

  • ‏«اني طاهر من دم الجميع»‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢١

      ‏«إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ»‏

      غَيْرَةُ بُولُسَ فِي ٱلْكِرَازَةِ وَمَشُورَتُهُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢٠:‏١-‏٣٨

      ١-‏٣ (‏أ)‏ صِفُوا ٱلظُّرُوفَ ٱلْمُحِيطَةَ بِمَوْتِ أَفْتِيخُوسَ.‏ (‏ب)‏ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ،‏ وَمَاذَا تَكْشِفُ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةُ عَنْهُ؟‏

      يَحْتَشِدُ ٱلْإِخْوَةُ فِي عُلِّيَّةٍ بِتَرُوَاسَ مُصْغِينَ إِلَى خِطَابِ بُولُسَ ٱلْوَدَاعِيِّ.‏ إِنَّهَا لَيْلَتُهُ ٱلْأَخِيرَةُ مَعَهُمْ.‏ لٰكِنَّ ٱلْخِطَابَ يَطُولُ .‏ .‏ .‏ وَيَطُولُ .‏ .‏ .‏ حَتَّى يَنْتَصِفَ ٱللَّيْلُ.‏ اَلسُّرُجُ كَثِيرَةٌ تَتَرَاقَصُ شُعَلُهَا يَمِينًا وَيَسَارًا لِتُنِيرَ ٱلْمَكَانَ.‏ وَلٰكِنْ مَعَ ٱلْوَقْتِ يَشْتَدُّ ٱلْحَرُّ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ،‏ وَرُبَّمَا تَعْبَقُ بِٱلْغُرْفَةِ رَائِحَةُ ٱلدُّخَانِ أَيْضًا.‏ وَفِيمَا يُطِيلُ ٱلرَّسُولُ ٱلْكَلَامَ،‏ يَغْلِبُ ٱلنُّعَاسُ عَلَى شَابٍّ يُدْعَى أَفْتِيخُوسَ كَانَ جَالِسًا عَلَى حَرْفِ ٱلنَّافِذَةِ.‏ وَفَجْأَةً يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ:‏ فَٱلشَّابُّ أَفْتِيخُوسُ يَهْوِي أَرْضًا مِنَ ٱلطَّبَقَةِ ٱلثَّالِثَةِ!‏

      ٢ لَا نَسْتَغْرِبُ إِنْ كَانَ لُوقَا ٱلطَّبِيبُ هُوَ أَوَّلَ مَنْ هَبَّ لِتَفَقُّدِ أَفْتِيخُوسَ.‏ إِلَّا أَنَّ حَالَةَ ٱلشَّابِّ وَاضِحَةٌ تَمَامًا:‏ إِنَّهُ «مَيِّتٌ»!‏ (‏اع ٢٠:‏٩‏)‏ فَهَلْ يَرْجِعُ ٱلْإِخْوَةُ إِلَى بُيُوتِهِمْ حَزَانَى؟‏ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ!‏ فَهَا بُولُسُ يَرْتَمِي عَلَى أَفْتِيخُوسَ،‏ ثُمَّ يَأْمُرُ ٱلْحُضُورَ قَائِلًا:‏ «كُفُّوا عَنْ إِثَارَةِ ٱلضَّجِيجِ لِأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ».‏ نَعَمْ،‏ لَقَدْ صَنَعَ ٱلرَّسُولُ عَجِيبَةً وَأَعَادَ ٱلشَّابَّ إِلَى ٱلْحَيَاةِ!‏ —‏ اع ٢٠:‏١٠‏.‏

      ٣ فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ،‏ تَجَلَّتْ قُدْرَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.‏ وَلٰكِنْ لِمَ صَنَعَ بُولُسُ أَسَاسًا هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ؟‏ فَهُوَ أَوَّلًا وَآخِرًا لَمْ يَكُنْ مَلُومًا عَلَى مَوْتِ أَفْتِيخُوسَ.‏ اَلْوَاقِعُ هُوَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تُفْسِدَ هٰذِهِ ٱلْفَاجِعَةُ ٱلْمُنَاسَبَةَ ٱلْهَامَّةَ أَوْ أَنْ تُعْثِرَ أَيًّا مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ.‏ وَبِإِقَامَةِ أَفْتِيخُوسَ،‏ كَانَتْ لِلْجَمَاعَةِ تَعْزِيَةٌ،‏ وَتَنَشَّطَ أَعْضَاؤُهَا لِمُتَابَعَةِ خِدْمَتِهِمْ بَعْدَ مُغَادَرَةِ بُولُسَ.‏ وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَنْظُرْ بِٱسْتِخْفَافٍ إِلَى حَيَاةِ ٱلْآخَرِينَ.‏ قَالَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ:‏ «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ».‏ (‏اع ٢٠:‏٢٦‏)‏ فَلْنَتَأَمَّلْ إِذًا كَيْفَ يُفِيدُنَا مِثَالُهُ.‏

      ‏«خَرَجَ لِيُسَافِرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ» (‏اعمال ٢٠:‏١،‏ ٢‏)‏

      ٤ أَيُّ مِحْنَةٍ شَدِيدَةٍ أَلَمَّتْ بِبُولُسَ؟‏

      ٤ قَرَأْنَا فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ أَنَّ بُولُسَ عَانَى ٱلْأَمَرَّيْنِ فِيمَا كَانَ فِي أَفَسُسَ.‏ فَكِرَازَتُهُ هُنَاكَ أَثَارَتْ ضَجَّةً قَوِيَّةً،‏ إِذْ إِنَّ صَاغَةَ ٱلْفِضَّةِ ٱلَّذِينَ كَسَبُوا مَعِيشَتَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ أَرْطَامِيسَ أَثَارُوا ٱضْطِرَابًا ضِدَّهُ.‏ «وَبَعْدَ أَنْ هَمَدَ ٱلشَّغَبُ،‏ ٱسْتَدْعَى بُولُسُ ٱلتَّلَامِيذَ،‏ فَشَجَّعَهُمْ وَوَدَّعَهُمْ،‏ ثُمَّ خَرَجَ لِيُسَافِرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ».‏ —‏ اع ٢٠:‏١‏.‏

      ٥،‏ ٦ (‏أ)‏ كَمْ مِنَ ٱلْوَقْتِ رُبَّمَا قَضَى بُولُسُ فِي مَقْدُونِيَةَ،‏ وَمَاذَا فَعَلَ مِنْ أَجْلِ ٱلْإِخْوَةِ هُنَاكَ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ مَوْقِفٍ حَافَظَ عَلَيْهِ بُولُسُ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ؟‏

      ٥ فِي طَرِيقِهِ إِلَى مَقْدُونِيَةَ،‏ عَرَّجَ ٱلرَّسُولُ عَلَى مَرْفَإِ تَرُوَاسَ آمِلًا أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ تِيطُسُ،‏ مُوْفَدُهُ إِلَى كُورِنْثُوسَ.‏ (‏٢ كو ٢:‏١٢،‏ ١٣‏)‏ وَلٰكِنْ حِينَ تَأَكَّدَ أَنَّ تِيطُسَ لَنْ يَأْتِيَ،‏ تَابَعَ طَرِيقَهُ إِلَى مَقْدُونِيَةَ حَيْثُ أَمْضَى سَنَةً عَلَى ٱلْأَرْجَحِ،‏ ‹مُشَجِّعًا ٱلْإِخْوَةَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ›.‏a (‏اع ٢٠:‏٢‏)‏ وَهُنَاكَ ٱلْتَقَى أَخِيرًا بِتِيطُسَ ٱلَّذِي حَمَلَ إِلَيْهِ أَخْبَارًا سَارَّةً عَنْ تَجَاوُبِ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ مَعَ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْأُولَى إِلَيْهِمْ.‏ (‏٢ كو ٧:‏٥-‏٧‏)‏ فَٱنْدَفَعَ ٱلرَّسُولُ إِذَّاكَ إِلَى كِتَابَةِ رِسَالَةٍ أُخْرَى،‏ نُشِيرُ إِلَيْهَا ٱلْيَوْمَ بِٱسْمِ ٢ كُورِنْثُوسَ.‏

      ٦ مِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ ‏«شَجَّعَ»‏ إِخْوَتَهُ فِي أَفَسُسَ وَمَقْدُونِيَةَ،‏ حَسْبَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا.‏ وَهٰذَا ٱلتَّفْصِيلُ يَرْسُمُ صُورَةً وَاضِحَةً عَنْ مَوْقِفِ ٱلرَّسُولِ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ.‏ فَبِعَكْسِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِينَ ٱزْدَرَوْا بِعَامَّةِ ٱلشَّعْبِ،‏ ٱعْتَبَرَ بُولُسُ ٱلْخِرَافَ رُفَقَاءَ لَهُ فِي ٱلْعَمَلِ.‏ (‏يو ٧:‏٤٧-‏٤٩؛‏ ١ كو ٣:‏٩‏)‏ وَقَدْ حَافَظَ عَلَى هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةِ حَتَّى عِنْدَمَا قَدَّمَ لَهُمْ مَشُورَةً قَوِيَّةً.‏ —‏ ٢ كو ٢:‏٤‏.‏

      ٧ كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ بُولُسَ؟‏

      ٧ وَفِي أَيَّامِنَا،‏ يَسْعَى ٱلشُّيُوخُ وَٱلنُّظَّارُ ٱلْجَائِلُونَ لِلِٱقْتِدَاءِ بِبُولُسَ.‏ فَهُمْ يَهْدِفُونَ إِلَى تَقْوِيَةِ مَنْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مُسَاعَدَةٍ،‏ حَتَّى عِنْدَ تَوْبِيخِهِمْ.‏ كَمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَتَعَاطَفُوا مَعَ ٱلْإِخْوَةِ وَيُشَجِّعُوهُمْ،‏ لَا أَنْ يَدِينُوهُمْ.‏ عَلَّقَ أَخٌ خَدَمَ لِسَنَوَاتٍ نَاظِرًا جَائِلًا بِٱلْقَوْلِ:‏ «يَرْغَبُ مُعْظَمُ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا أَنْ يَسْلُكُوا حَسَنًا،‏ لٰكِنَّهُمْ غَالِبًا مَا يُصَارِعُونَ ٱلتَّثَبُّطَ وَٱلْقَلَقَ وَٱلْإِحْسَاسَ بِٱلْعَجْزِ أَمَامَ مَشَاكِلِهِمْ».‏ وَٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ قَادِرُونَ أَنْ يَمُدُّوا هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ.‏ —‏ عب ١٢:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

      رَسَائِلُ بُولُسَ مِنْ مَقْدُونِيَةَ

      فِي رِسَالَةِ بُولُسَ ٱلثَّانِيَةِ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ،‏ يَذْكُرُ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ كَانَ قَلِقًا عَلَى إِخْوَتِهِ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَى مَقْدُونِيَةَ.‏ غَيْرَ أَنَّ تِيطُسَ أَتَاهُ بِأَخْبَارٍ مُفْرِحَةٍ عَنْهُمْ،‏ فَٱطْمَأَنَّ بَالُهُ.‏ وَعَلَى ٱلْأَثَرِ،‏ رَاسَلَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٥ ب‌م،‏ مُشِيرًا فِي مَعْرِضِ حَدِيثِهِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ فِي مَقْدُونِيَةَ.‏ (‏٢ كو ٧:‏٥-‏٧؛‏ ٩:‏٢-‏٤‏)‏ وَفِي تِلْكَ ٱلْفَتْرَةِ،‏ ٱنْشَغَلَ فِكْرُهُ فِي كَيْفِيَّةِ ٱلِٱنْتِهَاءِ مِنْ جَمْعِ ٱلتَّبَرُّعَاتِ مِنْ أَجْلِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ.‏ (‏٢ كو ٨:‏١٨-‏٢١‏)‏ كَمَا أَقْلَقَهُ وُجُودُ ‹رُسُلٍ دَجَّالِينَ،‏ عَامِلِينَ خَدَّاعِينَ›،‏ فِي كُورِنْثُوسَ.‏ —‏ ٢ كو ١١:‏٥،‏ ١٣،‏ ١٤‏.‏

      وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ،‏ يُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ كَتَبَ مِنْ مَقْدُونِيَةَ أَيْضًا رِسَالَتَهُ إِلَى تِيطُسَ ٱلْمَوْجُودِ فِي كِرِيتَ.‏ فَٱلرَّسُولُ كَانَ قَدْ زَارَ هٰذِهِ ٱلْجَزِيرَةَ فِي وَقْتٍ مَا بَيْنَ ٱلْعَامَيْنِ ٦١ وَ ٦٤ ب‌م بَعْدَمَا أَطْلَقَ ٱلرُّومَانُ سَرَاحَهُ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى.‏ إِذَّاكَ تَرَكَ بُولُسُ تِيطُسَ هُنَاكَ لِيُقَوِّمَ بَعْضَ ٱلْمَشَاكِلِ وَيُعَيِّنَ شُيُوخًا فِي ٱلْجَمَاعَاتِ.‏ (‏تي ١:‏٥‏)‏ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ فِي رِسَالَتِهِ أَنْ يُلَاقِيَهُ فِي نِيكُوبُولِيسَ.‏ صَحِيحٌ أَنَّ مُدُنًا عِدَّةً حَمَلَتْ هٰذَا ٱلِٱسْمَ فِي حَوْضِ ٱلْمُتَوَسِّطِ قَدِيمًا،‏ وَلٰكِنْ يَبْدُو أَنَّ ٱلرَّسُولَ عَنَى ٱلْمَدِينَةَ ٱلْوَاقِعَةَ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْيُونَانِ.‏ فَهُوَ كَانَ يَخْدُمُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ فِي تِلْكَ ٱلْمِنْطَقَةِ حِينَ كَاتَبَ تِيطُسَ.‏ —‏ تي ٣:‏١٢‏.‏

      وَرِسَالَةُ بُولُسَ ٱلْأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ تَعُودُ هِيَ أَيْضًا إِلَى ٱلْفَتْرَةِ ٱلْمُمْتَدَّةِ بَيْنَ سَجْنِهِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلثَّانِي فِي رُومَا (‏٦١ إِلَى ٦٤ ب‌م)‏.‏ فَفِي مُقَدِّمَتِهَا،‏ يُشِيرُ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ طَلَبَ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ مِنْ تِيمُوثَاوُسَ ٱلْبَقَاءَ فِي أَفَسُسَ،‏ فِيمَا ذَهَبَ هُوَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ.‏ (‏١ تي ١:‏٣‏)‏ وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى مَا يَبْدُو،‏ رَاسَلَ بُولُسُ ٱلشَّابَّ وَخَاطَبَهُ خِطَابَ ٱلْأَبِ لِٱبْنِهِ.‏ وَفِي هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةِ،‏ قَدَّمَ لَهُ ٱلنُّصْحَ،‏ شَجَّعَهُ،‏ وَأَعْطَاهُ إِرْشَادَاتٍ حَوْلَ إِجْرَاءَاتٍ مُحَدَّدَةٍ يَجِبُ ٱتِّبَاعُهَا فِي ٱلْجَمَاعَاتِ.‏

      ‏«خُطَّةٌ خَبِيثَةٌ كَانَتْ تُحَاكُ ضِدَّهُ» (‏اعمال ٢٠:‏٣،‏ ٤‏)‏

      ٨،‏ ٩ (‏أ)‏ مَاذَا عَرْقَلَ خُطَطَ بُولُسَ فِي ٱلْإِبْحَارِ إِلَى سُورِيَّةَ؟‏ (‏ب)‏ مَا بَعْضُ ٱلْأَسْبَابِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ لِلْعَدَاوَةِ ٱلَّتِي أَكَنَّهَا ٱلْيَهُودُ لِبُولُسَ؟‏

      ٨ مِنْ مَقْدُونِيَةَ تَوَجَّهَ بُولُسُ إِلَى كُورِنْثُوسَ.‏b وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ،‏ هَمَّ بِٱلذَّهَابِ إِلَى كَنْخَرِيَا حَيْثُ كَانَ فِي نِيَّتِهِ أَنْ يُبْحِرَ إِلَى سُورِيَّةَ ثُمَّ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُوصِلَ ٱلتَّبَرُّعَاتِ أَخِيرًا إِلَى إِخْوَتِهِ ٱلْمُحْتَاجِينَ.‏c (‏اع ٢٤:‏١٧؛‏ رو ١٥:‏٢٥،‏ ٢٦‏)‏ لٰكِنَّ حَدَثًا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ بَدَّلَ خُطَطَهُ.‏ فَٱلْأَعْمَال ٢٠:‏٣ تَكْشِفُ أَنَّ «خُطَّةً خَبِيثَةً كَانَتْ تُحَاكُ ضِدَّهُ مِنَ ٱلْيَهُودِ».‏

      ٩ وَلَا نَسْتَغْرِبُ أَنَّ ٱلْيَهُودَ أَضْمَرُوا ٱلْعِدَاءَ لِبُولُسَ.‏ فَهُوَ فِي نَظَرِهِمْ مُرْتَدٌّ عَنْ دِيَانَتِهِمْ.‏ وَكِرَازَتُهُ سَابِقًا أَدَّتْ إِلَى ٱهْتِدَاءِ كِرِيسْبُسَ،‏ ٱلْعُضْوِ ٱلْبَارِزِ فِي مَجْمَعِ كُورِنْثُوسَ.‏ (‏اع ١٨:‏٧،‏ ٨؛‏ ١ كو ١:‏١٤‏)‏ وَمَا حَصَلَ لَاحِقًا زَادَهُمْ حَنَقًا عَلَيْهِ.‏ فَقَدْ شَكَوْهُ إِلَى غَالِيُونَ وَالِي أَخَائِيَةَ،‏ غَيْرَ أَنَّ هٰذَا ٱلْأَخِيرَ رَدَّ ٱلدَّعْوَى مُعْتَبِرًا أَنَّهَا غَيْرُ مُبَرَّرَةٍ.‏ (‏اع ١٨:‏١٢-‏١٧‏)‏ أَمَّا ٱلْآنَ فَلَعَلَّهُمْ عَرَفُوا أَوِ ٱسْتَنْتَجُوا أَنَّ ٱلرَّسُولَ مُوشِكٌ أَنْ يُبْحِرَ مِنْ مَرْفَإِ كَنْخَرِيَا ٱلْمُجَاوِرِ.‏ فَعَمَدُوا إِلَى تَدْبِيرِ مَكِيدَةٍ لِيَكْمُنُوا لَهُ هُنَاكَ.‏ فَمَا عَسَاهُ يَفْعَلُ ٱلْآنَ؟‏

      ١٠ هَلْ كَانَ تَفَادِي ٱلْمُرُورِ بِكَنْخَرِيَا عَمَلًا جَبَانًا؟‏ أَوْضِحُوا.‏

      ١٠ تَجَنُّبًا لِلْمَخَاطِرِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ وَحِرْصًا عَلَى ٱلْأَمْوَالِ ٱلْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا،‏ قَرَّرَ بُولُسُ عَدَمَ ٱلذَّهَابِ إِلَى كَنْخَرِيَا.‏ عِوَضَ ذٰلِكَ آثَرَ ٱلرُّجُوعَ عَبْرَ مَقْدُونِيَةَ،‏ مَعَ ٱلْعِلْمِ أَنَّ ٱلسَّفَرَ بَرًّا ٱنْطَوَى هُوَ ٱلْآخَرُ عَلَى مَخَاطِرَ جَمَّةٍ.‏ فَغَالِبًا مَا كَمَنَ قُطَّاعُ ٱلطُّرُقِ لِلْمُسَافِرِينَ؛‏ وَٱلْفَنَادِقُ نَفْسُهَا لَمْ تَكُنْ آمِنَةً.‏ لٰكِنَّ بُولُسَ ٱخْتَارَ أَهْوَنَ ٱلشَّرَّيْنِ وَفَضَّلَ مَخَاطِرَ ٱلسَّفَرِ بَرًّا عَلَى تِلْكَ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ فِي كَنْخَرِيَا.‏ وَٱلشُّكْرُ لِلّٰهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَحْدَهُ.‏ فَمِنْ بَيْنِ رُفَقَائِهِ فِي هٰذِهِ ٱلسَّفْرَةِ نَعُدُّ:‏ أَرِسْتَرْخُسَ،‏ تُرُوفِيمُسَ،‏ تِيخِيكُسَ،‏ تِيمُوثَاوُسَ،‏ سَكُونْدُسَ،‏ سُوبَاتَرُسَ،‏ وَغَايُسَ.‏ —‏ اع ٢٠:‏٣،‏ ٤‏.‏

      ١١ كَيْفَ يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ ٱلتَّدَابِيرَ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ،‏ وَأَيُّ مِثَالٍ رَسَمَهُ يَسُوعُ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ؟‏

      ١١ تَشَبُّهًا بِبُولُسَ،‏ يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ ٱحْتِيَاطَاتِهِمْ أَثْنَاءَ ٱلْكِرَازَةِ.‏ فَفِي بَعْضِ ٱلْمَنَاطِقِ،‏ لَا يَتَنَقَّلُونَ فِي ٱلْمُقَاطَعَةِ مُنْفَرِدِينَ،‏ بَلْ يَخْدُمُونَ فِي فِرَقٍ أَوْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ.‏ وَمَا نَظْرَتُهُمْ إِلَى ٱلِٱضْطِهَادِ؟‏ يُدْرِكُ ٱلشُّهُودُ أَنْ لَا مَفَرَّ مِنْ أَنْ يُضْطَهَدُوا.‏ (‏يو ١٥:‏٢٠؛‏ ٢ تي ٣:‏١٢‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ هُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ تَعْرِيضَ أَنْفُسِهِمْ لِلْخَطَرِ.‏ وَفِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ،‏ مِنَ ٱلْمُفِيدِ ٱلتَّأَمُّلُ فِي مِثَالِ يَسُوعَ.‏ فَذَاتَ مَرَّةٍ،‏ رَاحَ ٱلْمُقَاوِمُونَ فِي أُورُشَلِيمَ يَرْفَعُونَ حِجَارَةً لِيَرْمُوهُ بِهَا.‏ فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ «تَوَارَى وَخَرَجَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ».‏ (‏يو ٨:‏٥٩‏)‏ وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ،‏ حِينَ خَطَّطَ ٱلْيَهُودُ لِقَتْلِهِ،‏ «لَمْ يَعُدْ يَسُوعُ يَتَجَوَّلُ عَلَانِيَةً بَيْنَ ٱلْيَهُودِ،‏ بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ».‏ (‏يو ١١:‏٥٤‏)‏ بِٱخْتِصَارٍ،‏ ٱتَّخَذَ يَسُوعُ ٱلتَّدَابِيرَ لِحِمَايَةِ نَفْسِهِ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ مَا دَامَ ذٰلِكَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ لَهُ.‏ وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا يَفْعَلُهُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعَصْرِيُّونَ.‏ —‏ مت ١٠:‏١٦‏.‏

      بُولُسُ يَنْقُلُ إِعَانَاتٍ

      فِي ٱلسَّنَوَاتِ ٱلَّتِي تَلَتْ يَوْمَ ٱلْخَمْسِينَ سَنَةَ ٣٣ ب‌م،‏ أَلَمَّتْ بِٱلْمَسِيحِيِّينَ فِي أُورُشَلِيمَ مِحَنٌ مُتَنَوِّعَةٌ.‏ فَقَدْ عَانَوُا ٱلْمَجَاعَةَ وَٱلِٱضْطِهَادَ وَخَسَارَةَ مُمْتَلَكَاتِهِمْ،‏ فَوَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ.‏ (‏اع ١١:‏٢٧–‏١٢:‏١؛‏ عب ١٠:‏٣٢-‏٣٤‏)‏ لِذٰلِكَ عِنْدَمَا أَوْصَى ٱلشُّيُوخُ فِي أُورُشَلِيمَ بُولُسَ نَحْوَ ٱلْعَامِ ٤٩ ب‌م أَنْ يُرَكِّزَ بِشَارَتَهُ عَلَى ٱلْأُمَمِ،‏ حَثُّوهُ أَيْضًا أَنْ ‹يَذْكُرَ ٱلْفُقَرَاءَ›.‏ وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا فَعَلَهُ ٱلرَّسُولُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى جَمْعِ ٱلْإِعَانَاتِ مِنَ ٱلْجَمَاعَاتِ.‏ —‏ غل ٢:‏١٠‏.‏

      وَفِي عَامِ ٥٥ ب‌م،‏ قَالَ بُولُسُ لِلْكُورِنْثِيِّينَ:‏ «كَمَا أَوْصَيْتُ جَمَاعَاتِ غَلَاطِيَةَ،‏ هٰكَذَا ٱفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا.‏ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلٌّ مِنْكُمْ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا جَانِبًا،‏ مُدَّخِرًا حَسْبَمَا يُوَفَّقُ،‏ حَتَّى مَتَى جِئْتُ لَا يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ.‏ بَلْ مَتَى وَصَلْتُ،‏ فَٱلَّذِينَ تَرْتَضُونَهُمْ بِمُوجَبِ رَسَائِلَ،‏ أُرْسِلُهُمْ لِيَحْمِلُوا إِحْسَانَكُمْ إِلَى أُورُشَلِيمَ».‏ (‏١ كو ١٦:‏١-‏٣‏)‏ وَبُعَيْدَ ذٰلِكَ،‏ حِينَ كَتَبَ بُولُسُ رِسَالَتَهُ ٱلْمُلْهَمَةَ ٱلثَّانِيَةَ إِلَى ٱلْكُورِنْثِيِّينَ،‏ حَثَّهُمْ أَنْ يُعِدُّوا عَطِيَّتَهُمْ وَذَكَرَ أَنَّ ٱلْمَقْدُونِيِّينَ أَيْضًا مُشَارِكُونَ فِي ٱلتَّبَرُّعِ.‏ —‏ ٢ كو ٨:‏١–‏٩:‏١٥‏.‏

      وَأَخِيرًا عَامَ ٥٦ ب‌م،‏ ٱنْضَمَّ ثَمَانِيَةُ مُمَثِّلِينَ عَنْ عِدَّةِ جَمَاعَاتٍ إِلَى بُولُسَ لِنَقْلِ ٱلتَّبَرُّعَاتِ.‏ وَوُجُودُ هٰؤُلَاءِ ٱلتِّسْعَةِ مَعًا لَمْ يَقِ مِنْ بَعْضِ مَخَاطِرِ ٱلسَّفَرِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ حَمَى بُولُسَ أَيْضًا مِنْ أَيِّ تُهْمَةٍ قَدْ تُوَجَّهُ إِلَيْهِ بِإِسَاءَةِ ٱسْتِخْدَامِ ٱلْأَمْوَالِ.‏ (‏٢ كو ٨:‏٢٠‏)‏ وَإِيصَالُ هٰذِهِ ٱلتَّبَرُّعَاتِ كَانَ ٱلْهَدَفَ ٱلرَّئِيسِيَّ مِنْ رِحْلَةِ بُولُسَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.‏ (‏رو ١٥:‏٢٥،‏ ٢٦‏)‏ فَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ،‏ أَوْضَحَ ٱلرَّسُولُ سَبَبَ زِيَارَتِهِ حِينَ قَالَ لِلْحَاكِمِ فِيلِكْسَ:‏ «بَعْدَ سِنِينَ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ،‏ وَصَلْتُ أَحْمِلُ صَدَقَاتٍ إِلَى أُمَّتِي مَعَ قَرَابِينَ».‏ —‏ اع ٢٤:‏١٧‏.‏

      ‏«كَانَتْ لَهُمْ تَعْزِيَةٌ لَا حَدَّ لَهَا»‏ ‏(‏اعمال ٢٠:‏٥-‏١٢‏)‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ كَيْفَ أَثَّرَتْ قِيَامَةُ أَفْتِيخُوسَ فِي ٱلْجَمَاعَةِ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ رَجَاءٍ مُؤَسَّسٍ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُعَزِّي فِي أَيَّامِنَا مَنْ غَيَّبَ ٱلْمَوْتُ عَزِيزًا عَلَى قَلْبِهِمْ؟‏

      ١٢ اِجْتَازَ بُولُسُ وَرُفَقَاؤُهُ مَقْدُونِيَةَ مَعًا،‏ ثُمَّ ٱفْتَرَقُوا عَلَى مَا يَبْدُو.‏ بَعْدَئِذٍ يُخْبِرُنَا لُوقَا:‏ «أَتَيْنَا إِلَيْهِمْ فِي تَرُوَاسَ فِي غُضُونِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ».‏d (‏اع ٢٠:‏٦‏)‏ فَكَمَا يَظْهَرُ،‏ عَادَ ٱلرِّجَالُ وَٱجْتَمَعُوا فِي تَرُوَاسَ.‏e وَكَانَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ أَنَّ ٱلشَّابَّ أَفْتِيخُوسَ أُقِيمَ مِنَ ٱلْمَوْتِ،‏ بِحَسَبِ مَا رَأَيْنَا فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ.‏ وَيَا لَلْفَرْحَةِ ٱلَّتِي غَمَرَتِ ٱلْإِخْوَةَ حِينَ عَادَ رَفِيقُهُمْ إِلَى ٱلْحَيَاةِ!‏ فَٱلسِّفْرُ يُطْلِعُنَا أَنَّهُمْ تَعَزَّوْا «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا».‏ —‏ اع ٢٠:‏١٢‏.‏

      ١٣ طَبْعًا،‏ لَا نَشْهَدُ فِي أَيَّامِنَا عَجَائِبَ كَهٰذِهِ.‏ إِلَّا أَنَّ رَجَاءَ ٱلْقِيَامَةِ ٱلْمُؤَسَّسَ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُقَدِّمُ «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا» لِمَنْ يَفْقِدُونَ عَزِيزًا عَلَى قَلْبِهِمْ.‏ (‏يو ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ فَكِّرْ فِي مَا يَلِي:‏ رَغْمَ أَنَّ بُولُسَ أَقَامَ أَفْتِيخُوسَ،‏ عَادَ هٰذَا ٱلشَّابُّ وَمَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ بِسَبَبِ ٱلنَّقْصِ ٱلْبَشَرِيِّ.‏ (‏رو ٦:‏٢٣‏)‏ لٰكِنَّ ٱلْمُقَامِينَ فِي عَالَمِ ٱللّٰهِ ٱلْجَدِيدِ يَرْجُونَ ٱلْعَيْشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ!‏ وَكَذٰلِكَ ٱلْمُقَامُونَ لِيَحْكُمُوا مَعَ يَسُوعَ فِي ٱلسَّمَاءِ ‹يَلْبَسُونَ ٱلْخُلُودَ› كَمَا تُخْبِرُنَا ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ.‏ (‏١ كو ١٥:‏٥١-‏٥٣‏)‏ لِذٰلِكَ لَدَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ جَمِيعًا،‏ سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ ٱلْمَمْسُوحِينَ أَوْ مِنَ ‹ٱلْخِرَافِ ٱلْأُخَرِ›،‏ سَبَبٌ وَجِيهٌ لِيَتَعَزَّوْا «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا».‏ —‏ يو ١٠:‏١٦‏.‏

      ‏«عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ» (‏اعمال ٢٠:‏١٣-‏٢٤‏)‏

      ١٤ مَاذَا قَالَ بُولُسُ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ عِنْدَمَا ٱلْتَقَاهُمْ فِي مِيلِيتُسَ؟‏

      ١٤ سَافَرَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ تَرُوَاسَ إِلَى أَسُّوسَ فَمِيتِيلِينِي فَخِيُوسَ فَسَامُوسَ وُصُولًا إِلَى مِيلِيتُسَ.‏ وَكَانَ ٱلرَّسُولُ يُسْرِعُ لِلْوُصُولِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ.‏ وَهٰذَا مَا يُفَسِّرُ لِمَ «قَرَّرَ أَنْ يُبْحِرَ مُتَجَاوِزًا أَفَسُسَ».‏ غَيْرَ أَنَّهُ رَغِبَ فِي ٱلتَّحَدُّثِ إِلَى شُيُوخِ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ.‏ لِذَا طَلَبَ مِنْهُمْ مُوَافَاتَهُ فِي مِيلِيتُسَ.‏ (‏اع ٢٠:‏١٣-‏١٧‏)‏ وَعِنْدَ وُصُولِهِمْ،‏ قَالَ لَهُمْ:‏ «أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ جَيِّدًا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَطِئَتْ قَدَمِي إِقْلِيمَ آسِيَا،‏ كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ ٱلزَّمَانِ،‏ عَابِدًا لِلرَّبِّ بِكُلِّ ٱتِّضَاعٍ عَقْلِيٍّ وَدُمُوعٍ وَمِحَنٍ أَصَابَتْنِي مِنْ خُطَطِ ٱلْيَهُودِ ٱلْخَبِيثَةِ،‏ فِيمَا لَمْ أُمْسِكْ عَنْ إِخْبَارِكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ مُفِيدٌ،‏ وَلَا عَنْ تَعْلِيمِكُمْ عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ.‏ إِنَّمَا شَهِدْتُ كَامِلًا لِلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ بِٱلتَّوْبَةِ إِلَى ٱللّٰهِ وَٱلْإِيمَانِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ».‏ —‏ اع ٢٠:‏١٨-‏٢١‏.‏

      ١٥ مَا بَعْضُ حَسَنَاتِ ٱلْخِدْمَةِ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ؟‏

      ١٥ وَفِي زَمَنِنَا،‏ يَسْتَعْمِلُ شُهُودُ يَهْوَهَ طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً لِإِيصَالِ ٱلْبِشَارَةِ إِلَى ٱلنَّاسِ.‏ فَعَلَى غِرَارِ بُولُسَ نَقْصِدُهُمْ حَيْثُمَا وُجِدُوا،‏ سَوَاءٌ فِي مَحَطَّاتِ ٱلْبَاصِ أَوِ ٱلشَّوَارِعِ ٱلْمُزْدَحِمَةِ أَوِ ٱلْأَسْوَاقِ.‏ غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّبْشِيرَ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ يَبْقَى ٱلطَّرِيقَةَ ٱلرَّئِيسِيَّةَ ٱلَّتِي نَسْتَعْمِلُهَا.‏ لِمَاذَا؟‏ أَوَّلًا،‏ يَعْكِسُ هٰذَا ٱلْأُسْلُوبُ عَدْلَ ٱللّٰهِ،‏ إِذْ يُهَيِّئُ لِلْجَمِيعِ دُونَ مُحَابَاةٍ فُرْصَةَ سَمَاعِ رِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ بِٱنْتِظَامٍ.‏ ثَانِيًا،‏ يُتِيحُ لِأَصْحَابِ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ أَنْ يَنَالُوا ٱلْمُسَاعَدَةَ إِفْرَادِيًّا،‏ كُلٌّ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ.‏ فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ،‏ تَبْنِي ٱلْكِرَازَةُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ إِيمَانَ وَٱحْتِمَالَ ٱلْمُبَشِّرِينَ.‏ فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنْ تُصْبِحَ ٱلْغَيْرَةُ فِي ٱلشَّهَادَةِ «عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ» عَلَامَةً فَارِقَةً تُمَيِّزُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ ٱلْيَوْمَ.‏

      ١٦،‏ ١٧ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنِ ٱلشَّجَاعَةِ،‏ وَكَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِهِ؟‏

      ١٦ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى حَدِيثِ بُولُسَ مَعَ شُيُوخِ أَفَسُسَ،‏ أَوْضَحَ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ يَجْهَلُ ٱلْمَخَاطِرَ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ عِنْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.‏ لٰكِنَّهُ تَابَعَ:‏ «لَا أَحْسِبُ نَفْسِي ذَاتَ قِيمَةٍ،‏ كَأَنَّمَا هِيَ عَزِيزَةٌ عَلَيَّ،‏ حَسْبِي أَنْ أُنْهِيَ شَوْطِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ،‏ لِأَشْهَدَ كَامِلًا بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ».‏ (‏اع ٢٠:‏٢٤‏)‏ فَبُولُسُ مَا كَانَ لِيَسْمَحَ لِأَيِّ عَائِقٍ،‏ كَٱلْمَشَاكِلِ ٱلصِّحِّيَّةِ أَوِ ٱلْمُقَاوَمَةِ ٱلشَّرِسَةِ،‏ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إِتْمَامِ تَعْيِينِهِ.‏

      ١٧ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ،‏ يَحْتَمِلُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعَصْرِيُّونَ ٱلشَّدَائِدَ مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا.‏ فَبَعْضُهُمْ يُوَاجِهُونَ ٱلِٱضْطِهَادَ وَٱلْحَظْرَ ٱلْحُكُومِيَّ.‏ وَبَعْضُهُمْ يُصَارِعُونَ بِشَجَاعَةٍ أَمْرَاضًا جَسَدِيَّةً أَوْ نَفْسِيَّةً تُنْهِكُ قِوَاهُمْ.‏ أَمَّا ٱلشَّبَابُ فِي ٱلْمَدَارِسِ فَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ رُفَقَاؤُهُمْ لِكَيْ يُسَايِرُوا فِي إِيمَانِهِمْ.‏ وَلٰكِنْ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ يُعْرِبُ شُهُودُ يَهْوَهَ عَنِ ٱلثَّبَاتِ،‏ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنِ ٱلْعَوَائِقِ ٱلَّتِي تَعْتَرِضُ سَبِيلَهُمْ.‏ فَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى ‹ٱلشَّهَادَةِ كَامِلًا بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ›.‏

      ‏«اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ» (‏اعمال ٢٠:‏٢٥-‏٣٨‏)‏

      ١٨ كَيْفَ بَقِيَ بُولُسُ طَاهِرًا مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ،‏ وَكَيْفَ يُمْكِنُ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِهِ؟‏

      ١٨ بَعْدَئِذٍ وَجَّهَ بُولُسُ إِلَى شُيُوخِ أَفَسُسَ تَنْبِيهًا صَرِيحًا،‏ مُسْتَشْهِدًا بِمِثَالِهِ هُوَ.‏ فَبَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْهُ ثَانِيَةً عَلَى ٱلْأَرْجَحِ،‏ قَالَ:‏ «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ،‏ لِأَنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْ إِخْبَارِكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللّٰهِ».‏ فَكَيْفَ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ وَيَبْقَوْا أَطْهَارًا مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ؟‏ أَوْصَاهُمُ ٱلرَّسُولُ:‏ «اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي عَيَّنَكُمْ فِيهَا ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ نُظَّارًا،‏ لِتَرْعَوْا جَمَاعَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا بِدَمِ ٱبْنِهِ».‏ (‏اع ٢٠:‏٢٦-‏٢٨‏)‏ ثُمَّ حَذَّرَهُمْ مِنْ أَشْخَاصٍ شَبِيهِينَ ‹بِذِئَابٍ جَائِرَةٍ› سَيَنْسَلُّونَ إِلَى ٱلْجَمَاعَةِ وَ «يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُعَوَّجَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ».‏ فَمَاذَا عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ لِمُوَاجَهَةِ هٰذَا ٱلْخَطَرِ؟‏ حَضَّهُمْ بُولُسُ:‏ «اِبْقَوْا مُسْتَيْقِظِينَ،‏ وَٱذْكُرُوا أَنِّي ثَلَاثَ سِنِينَ،‏ لَيْلًا وَنَهَارًا،‏ لَمْ أَكُفَّ عَنْ أَنْ أُنَبِّهَ كُلَّ وَاحِدٍ بِدُمُوعٍ».‏ —‏ اع ٢٠:‏٢٩-‏٣١‏.‏

      ١٩ أَيُّ ٱرْتِدَادٍ نَشَأَ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ،‏ وَإِلَامَ أَدَّى ذٰلِكَ فِي ٱلْقُرُونِ ٱللَّاحِقَةِ؟‏

      ١٩ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ،‏ كَانَتِ ‹ٱلذِّئَابُ ٱلْجَائِرَةُ› قَدْ ظَهَرَتْ فِي ٱلْجَمَاعَةِ.‏ فَنَحْوَ سَنَةِ ٩٨ ب‌م،‏ كَتَبَ ٱلرَّسُولُ يُوحَنَّا:‏ «يُوجَدُ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ .‏ .‏ .‏ مِنَّا خَرَجُوا،‏ وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا؛‏ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا،‏ لَبَقُوا مَعَنَا».‏ (‏١ يو ٢:‏١٨،‏ ١٩‏)‏ أَمَّا بِحُلُولِ ٱلْقَرْنِ ٱلثَّالِثِ،‏ فَكَانَ ٱلِٱرْتِدَادُ قَدْ أَدَّى إِلَى نَشْأَةِ صَفِّ رِجَالِ ٱلدِّينِ.‏ وَفِي ٱلْقَرْنِ ٱلرَّابِعِ،‏ أَضْفَى ٱلْإِمْبَرَاطُورُ قُسْطَنْطِين طَابَعًا رَسْمِيًّا عَلَى هٰذِهِ «ٱلْمَسِيحِيَّةِ» ٱلْفَاسِدَةِ.‏ وَحِينَ تَبَنَّى ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ طُقُوسًا وَثَنِيَّةً وَأَلْبَسُوهَا قِنَاعًا مَسِيحِيًّا،‏ كَانُوا فِي ٱلْحَقِيقَةِ «يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُعَوَّجَةٍ».‏ وَلَا تَزَالُ آثَارُ هٰذَا ٱلِٱرْتِدَادِ حَيَّةً فِي تَعَالِيمِ وَتَقَالِيدِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ.‏

      ٢٠،‏ ٢١ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنْ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ،‏ وَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ ٱلشُّيُوخُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي زَمَنِنَا؟‏

      ٢٠ بِٱلْمُقَابِلِ،‏ عَاشَ بُولُسُ حَيَاةً تَتَبَايَنُ تَبَايُنًا صَارِخًا مَعَ حَيَاةِ مَنْ حَاوَلُوا لَاحِقًا ٱسْتِغْلَالَ ٱلرَّعِيَّةِ.‏ فَقَدْ عَمِلَ لِإِعَالَةِ نَفْسِهِ كَيْ لَا يُثَقِّلَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ.‏ وَٱلْجُهُودُ ٱلَّتِي بَذَلَهَا مِنْ أَجْلِ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَكُنْ بِهَدَفِ ٱلرِّبْحِ ٱلْمَادِّيِّ.‏ وَقَدْ حَضَّ ٱلرَّسُولُ شُيُوخَ أَفَسُسَ عَلَى ٱلتَّشَبُّهِ بِهِ وَإِظْهَارِ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ عِنْدَمَا ذَكَرَ:‏ «لَا بُدَّ أَنْ تَعْضُدُوا ٱلضُّعَفَاءَ،‏ وَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرُوا كَلِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ حِينَ قَالَ:‏ ‹اَلسَّعَادَةُ فِي ٱلْعَطَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي ٱلْأَخْذِ›».‏ —‏ اع ٢٠:‏٣٥‏.‏

      ٢١ وَعَلَى غِرَارِ بُولُسَ،‏ يَتَحَلَّى ٱلشُّيُوخُ ٱلْيَوْمَ بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ.‏ فَبِخِلَافِ رِجَالِ دِينِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ رَعَايَاهُمْ،‏ يُنْجِزُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُؤْتَمَنُونَ عَلَى ‹رِعَايَةِ جَمَاعَةِ ٱللّٰهِ› مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ مُتَرَفِّعِينَ عَنِ ٱلْأَنَانِيَّةِ.‏ فَلَا مَكَانَ لِلْكِبْرِيَاءِ وَٱلطُّمُوحِ ٱلْأَنَانِيِّ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ،‏ لِأَنَّ مَنْ يَطْلُبُونَ «مَجْدَ أَنْفُسِهِمْ» يَفْشَلُونَ عَلَى ٱلْمَدَى ٱلْبَعِيدِ.‏ (‏ام ٢٥:‏٢٧‏)‏ فَعَاقِبَةُ ٱلِٱجْتِرَاءِ ٱلْوَحِيدَةُ هِيَ ٱلْهَوَانُ.‏ —‏ ام ١١:‏٢‏.‏

      بولس ورفاقه يركبون سفينة فيما يودعه الشيوخ وهم يبكون

      ‏«كان بكاء كثير من الجميع».‏ —‏ اعمال ٢٠:‏٣٧

      ٢٢ مَاذَا حَبَّبَ بُولُسَ إِلَى شُيُوخِ أَفَسُسَ؟‏

      ٢٢ لَا شَكَّ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ أَحَبُّوا بُولُسَ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا.‏ فَعِنْدَمَا حَانَتْ لَحْظَةُ ٱلْوَدَاعِ،‏ «كَانَ بُكَاءٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ،‏ وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ وَقَبَّلُوهُ».‏ (‏اع ٢٠:‏٣٧،‏ ٣٨‏)‏ وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ،‏ يُكِنُّ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ كُلَّ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلتَّقْدِيرِ لِمَنْ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّعِيَّةِ.‏ وَخِتَامًا،‏ بَعْدَ ٱلتَّمَعُّنِ فِي مِثَالِ بُولُسَ ٱلرَّائِعِ،‏ أَلَا تُوَافِقُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَتَبَجَّحُ أَوْ يُبَالِغُ حِينَمَا قَالَ:‏ «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ»؟‏ —‏ اع ٢٠:‏٢٦‏.‏

      a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏رَسَائِلُ بُولُسَ مِنْ مَقْدُونِيَةَ‏».‏

      b مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ بُولُسَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ إِلَى أَهْلِ رُومَا خِلَالَ زِيَارَتِهِ هٰذِهِ إِلَى كُورِنْثُوسَ.‏

      c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏بُولُسُ يَنْقُلُ إِعَانَاتٍ‏».‏

      d يَسْتَعْمِلُ لُوقَا ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ فِي ٱلْأَعْمَال ٢٠:‏٥،‏ ٦‏،‏ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّهُ ٱجْتَمَعَ بِبُولُسَ فِي فِيلِبِّي حَيْثُ كَانَ ٱلرَّسُولُ قَدْ تَرَكَهُ قَبْلَ مُدَّةٍ.‏ —‏ اع ١٦:‏١٠-‏١٧،‏ ٤٠‏.‏

      e يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلرِّيَاحَ عَاكَسَتِ ٱلسَّفِينَةَ فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ.‏ فَٱلرِّحْلَةُ مِنْ فِيلِبِّي إِلَى تَرُوَاسَ ٱسْتَغْرَقَتْ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ،‏ فِي حِينِ ٱسْتَلْزَمَتِ ٱلرِّحْلَةُ نَفْسُهَا سَابِقًا يَوْمَيْنِ فَقَطْ.‏ —‏ اع ١٦:‏١١‏.‏

  • ‏«لتكن مشيئة يهوه»‏
    اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
    • الفصل ٢٢

      ‏«لِتَكُنْ مَشِيئَةُ يَهْوَهَ»‏

      بُولُسُ يَقْصِدُ أُورُشَلِيمَ عَازِمًا عَلَى فِعْلِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ

      مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢١:‏١-‏١٧

      ١-‏٤ لِمَ يَتَوَجَّهُ بُولُسُ إِلَى مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ،‏ وَمَاذَا يَنْتَظِرُهُ فِيهَا؟‏

      مَا أَصْعَبَ لَحَظَاتِ ٱلْوَدَاعِ!‏ وَكَمْ يَعِزُّ عَلَى بُولُسَ وَلُوقَا أَنْ يَنْسَلِخَا عَنْ شُيُوخِ أَفَسُسَ ٱلْأَحِبَّاءِ!‏ يَقِفُ ٱلْمُرْسَلَانِ عَلَى سَطْحِ ٱلسَّفِينَةِ ٱلْمُبْحِرَةِ مِنْ مِيلِيتُسَ فِيمَا ٱلرِّيحُ ٱلْخَفِيفَةُ تَهُبُّ فِي ٱلْأَشْرِعَةِ.‏ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ لَا يَحْمِلُ بُولُسُ وَلُوقَا لَوَازِمَ ٱلسَّفَرِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ فِي عُهْدَتِهِمَا تَبَرُّعَاتٌ أَيْضًا.‏ تَبَرُّعَاتٌ يَعُدَّانِ ٱلدَّقَائِقَ حَتَّى يُوصِلَاهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْمُعْوِزِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ.‏

      ٢ تَبْتَعِدُ ٱلسَّفِينَةُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا عَنِ ٱلْمِينَاءِ وَضَوْضَائِهِ.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ لِبُولُسَ وَلُوقَا وَرُفَقَائِهِمَا ٱلسَّبْعَةِ أَنْ يُحَوِّلُوا أَبْصَارَهُمْ عَنْ تِلْكَ ٱلْوُجُوهِ ٱلْحَزِينَةِ عَلَى ٱلشَّاطِئِ؟‏!‏ (‏اع ٢٠:‏٤،‏ ١٤،‏ ١٥‏)‏ فَيَظَلُّونَ يُلَوِّحُونَ لَهُمْ حَتَّى يَتَوَارَوْا أَخِيرًا خَلْفَ ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ.‏

      ٣ لَقَدْ عَمِلَ ٱلرَّسُولُ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مَعَ شُيُوخِ أَفَسُسَ عَلَى مَدَى ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ تَقْرِيبًا.‏ أَمَّا ٱلْآنَ فَنَرَاهُ عَائِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ نُزُولًا عِنْدَ تَوْجِيهِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.‏ لَا يَجْهَلُ بُولُسُ كُلِّيًّا مَا يَنْتَظِرُهُ هُنَاكَ.‏ فَفِي وَدَاعِهِ هٰؤُلَاءِ ٱلشُّيُوخَ،‏ قَالَ لَهُمْ:‏ «هَا أَنَا أُسَافِرُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدًا بِٱلرُّوحِ،‏ مَعَ أَنَّنِي لَا أَعْلَمُ مَاذَا يَحْدُثُ لِي فِيهَا،‏ سِوَى أَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ لِي مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ،‏ قَائِلًا إِنَّ قُيُودًا وَضِيقَاتٍ تَنْتَظِرُنِي».‏ (‏اع ٢٠:‏٢٢،‏ ٢٣‏)‏ فَرَغْمَ ٱلْخَطَرِ ٱلْمُحْدِقِ بِهِ،‏ يَشْعُرُ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ «مُقَيَّدٌ» بِٱلرُّوحِ،‏ أَيْ أَنَّهُ مُلْزَمٌ بِٱتِّبَاعِ إِرْشَادِهِ وَٱلسَّفَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَرَاغِبٌ فِي ٱلِٱنْصِيَاعِ لَهُ.‏ صَحِيحٌ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ غَالِيَةٌ فِي نَظَرِهِ،‏ لٰكِنَّ فِعْلَ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ يَحْتَلُّ ٱلْمَقَامَ ٱلْأَوَّلَ دُونَ مُنَازِعٍ.‏

      ٤ فَهَلْ نُشَاطِرُ ٱلرَّسُولَ مَشَاعِرَهُ،‏ نَحْنُ ٱلَّذِينَ نَذَرْنَا حَيَاتَنَا لِيَهْوَهَ قَاطِعِينَ عَهْدًا رَسْمِيًّا بِأَنْ نُعْطِيَ ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِفِعْلِ مَشِيئَتِهِ؟‏ لِنَتَأَمَّلْ مِثَالَ بُولُسَ فِي مَا يَلِي وَنَسْتَقِ ٱلْفَوَائِدَ مِنْ مَسْلَكِهِ ٱلْأَمِينِ.‏

      ‏«لَاحَتْ لَنَا جَزِيرَةُ قُبْرُصَ» (‏اعمال ٢١:‏١-‏٣‏)‏

      ٥ أَيَّ مَسَارٍ ٱتَّبَعَ بُولُسُ وَرِفَاقُهُ فِي رِحْلَتِهِمْ إِلَى صُورَ؟‏

      ٥ جَرَى مَرْكَبُ بُولُسَ وَرِفَاقِهِ «فِي مَسَارٍ مُسْتَقِيمٍ»،‏ مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ أَبْحَرَ بِرِيحٍ خَلْفِيَّةٍ مُؤَاتِيَةٍ دُونَ تَعَرُّجٍ.‏ وَبَعْدَ عِدَّةِ سَاعَاتٍ،‏ بَلَغُوا جَزِيرَةَ كُوسَ.‏ (‏اع ٢١:‏١‏)‏ وَيَبْدُو أَنَّ ٱلْمَرْكَبَ رَسَا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعُوا رِحْلَتَهُمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي إِلَى رُودُسَ وَبَاتَارَا.‏ وَفِي بَاتَارَا،‏ عَلَى سَاحِلِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى ٱلْجَنُوبِيِّ،‏ رَكِبَ ٱلْإِخْوَةُ سَفِينَةَ شَحْنٍ كَبِيرَةً حَمَلَتْهُمْ مُبَاشَرَةً إِلَى مَدِينَةِ صُورَ ٱلْفِينِيقِيَّةِ.‏ وَفِيمَا كَانُوا مُبْحِرِينَ،‏ تَجَاوَزُوا جَزِيرَةَ قُبْرُصَ «بَعْدَ أَنْ لَاحَتْ [لَهُمْ] .‏ .‏ .‏ عَلَى ٱلْجَانِبِ ٱلْأَيْسَرِ»،‏ حَسْبَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا.‏ (‏اع ٢١:‏٣‏)‏ فَلِمَ أَتَى كَاتِبُ ٱلْأَعْمَالِ عَلَى ذِكْرِ هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَةِ؟‏

      ٦ (‏أ)‏ لِمَ يُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ تَشَجَّعَ عِنْدَ رُؤْيَةِ جَزِيرَةِ قُبْرُصَ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا تَسْتَخْلِصُ عِنْدَمَا تَتَذَكَّرُ كَيْفَ بَارَكَكَ يَهْوَهُ وَسَاعَدَكَ فِي ٱلْمَاضِي؟‏

      ٦ لَعَلَّ بُولُسَ أَشَارَ إِلَى ٱلْجَزِيرَةِ وَرَوَى لَهُمْ مَا جَرَى مَعَهُ هُنَاكَ.‏ فَفِي رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلْأُولَى قَبْلَ تِسْعِ سَنَوَاتٍ تَقْرِيبًا،‏ وَاجَهَ هُوَ وَبَرْنَابَا وَمُرَافِقُهُمَا يُوحَنَّا مَرْقُسُ عَلِيمًا ٱلسَّاحِرَ ٱلَّذِي قَاوَمَ عَمَلَ ٱلْكِرَازَةِ.‏ (‏اع ١٣:‏٤-‏١٢‏)‏ وَحِينَ رَأَى ٱلرَّسُولُ ٱلْجَزِيرَةَ ثَانِيَةً،‏ لَا بُدَّ أَنَّهُ ٱسْتَرْجَعَ ٱلذِّكْرَيَاتِ،‏ فَتَشَجَّعَ وَتَقَوَّى لِمُوَاجَهَةِ مَا يَنْتَظِرُهُ.‏ وَمِنْ جِهَتِنَا،‏ يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ كَيْفَ يُبَارِكُنَا يَهْوَهُ وَيُسَاعِدُنَا عَلَى ٱحْتِمَالِ ٱلْمِحَنِ.‏ إِذَّاكَ نَضُمُّ صَوْتَنَا إِلَى صَوْتِ دَاوُدَ ٱلَّذِي قَالَ:‏ «كَثِيرَةٌ هِيَ بَلَايَا ٱلْبَارِّ،‏ وَلٰكِنْ مِنْ جَمِيعِهَا يُنْقِذُهُ يَهْوَهُ».‏ —‏ مز ٣٤:‏١٩‏.‏

      ‏«وَجَدْنَا ٱلتَّلَامِيذَ» (‏اعمال ٢١:‏٤-‏٩‏)‏

      ٧ مَاذَا فَعَلَ ٱلْإِخْوَةُ عِنْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى صُورَ؟‏

      ٧ قَدَّرَ بُولُسُ كَثِيرًا رِفْقَةَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ،‏ فَتَلَهَّفَ لِلِٱلْتِقَاءِ بِهِمْ.‏ يُخْبِرُ لُوقَا عَمَّا حَدَثَ عِنْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى صُورَ،‏ قَائِلًا:‏ «بَعْدَ بَحْثٍ وَجَدْنَا ٱلتَّلَامِيذَ».‏ (‏اع ٢١:‏٤‏)‏ فَقَدْ عَرَفَ ٱلْمُسَافِرُونَ أَنَّ لَهُمْ إِخْوَةً فِي ٱلْمَدِينَةِ.‏ لِذَا بَحَثُوا عَنْهُمْ وَمَكَثُوا عِنْدَهُمْ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ.‏ حَقًّا إِنَّ إِحْدَى أَعْظَمِ ٱلْبَرَكَاتِ ٱلَّتِي يَحْصُدُهَا مَنْ يَعْتَنِقُونَ ٱلْحَقَّ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُؤْمِنِينَ مِثْلَهُمْ يُرَحِّبُونَ بِهِمْ أَيْنَمَا ذَهَبُوا.‏ فَمُحِبُّو يَهْوَهَ وَعُبَّادُهُ لَدَيْهِمْ أَصْدِقَاءُ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ ٱلْمَسْكُونَةِ.‏

      ٨ مَا ٱلْمَقْصُودُ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلْوَارِدَةِ فِي ٱلْأَعْمَال ٢١:‏٤‏؟‏

      ٨ فِيمَا يُتَابِعُ لُوقَا ٱلرِّوَايَةَ وَاصِفًا ٱلْأَيَّامَ ٱلسَّبْعَةَ ٱلَّتِي قَضَوْهَا فِي صُورَ،‏ يُطْلِعُنَا عَلَى تَفْصِيلٍ قَدْ يَبْدُو لِلْوَهْلَةِ ٱلْأُولَى مُحَيِّرًا.‏ يَذْكُرُ:‏ «كَانَ [ٱلْإِخْوَةُ ٱلصُّورِيُّونَ] يَقُولُونَ لِبُولُسَ بِٱلرُّوحِ أَلَّا تَطَأَ قَدَمُهُ أُورُشَلِيمَ».‏ (‏اع ٢١:‏٤‏)‏ لٰكِنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَانَ قَدْ كَشَفَ لِبُولُسَ أَنَّهُ سَيُقَاسِي ضِيقَاتٍ عَظِيمَةً هُنَاكَ وَلَمْ يُوصِهِ بِعَدَمِ زِيَارَةِ ٱلْمَدِينَةِ.‏ فَهَلْ تَعْنِي كَلِمَاتُ ٱلصُّورِيِّينَ أَنَّ يَهْوَهَ عَدَلَ عَنْ رَأْيِهِ؟‏ هَلْ يَطْلُبُ ٱلْآنَ مِنْ بُولُسَ أَلَّا يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟‏ كَلَّا.‏ فَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ أَدْرَكَ ٱلْإِخْوَةُ فِي صُورَ بِمُسَاعَدَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أَنَّ بُولُسَ سَيُعَانِي فِي أُورُشَلِيمَ.‏ لِذٰلِكَ حِرْصًا عَلَى سَلَامَتِهِ رَاحُوا يَحُثُّونَهُ أَلَّا يَصْعَدَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ.‏ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَرْغَبَ ٱلْإِخْوَةُ فِي حِمَايَةِ ٱلرَّسُولِ مِنَ ٱلْخَطَرِ ٱلدَّاهِمِ.‏ غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ تَابَعَ طَرِيقَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ،‏ عَازِمًا عَلَى فِعْلِ مَشِيئَةِ يَهْوَهَ.‏ —‏ اع ٢١:‏١٢‏.‏

      ٩،‏ ١٠ (‏أ)‏ أَيُّ حَادِثَةٍ رُبَّمَا خَطَرَتْ عَلَى بَالِ بُولُسَ عِنْدَمَا عَبَّرَ ٱلْإِخْوَةُ فِي صُورَ عَنْ مَخَاوِفِهِمْ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ مَوْقِفٍ يَشِيعُ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْيَوْمَ،‏ وَكَيْفَ يَتَعَارَضُ مَعَ وَصِيَّةِ يَسُوعَ؟‏

      ٩ عِنْدَمَا عَبَّرَ ٱلْإِخْوَةُ عَنْ مَخَاوِفِهِمْ،‏ لَرُبَّمَا ٱسْتَذْكَرَ بُولُسُ أَنَّ يَسُوعَ لَاقَى هُوَ ٱلْآخَرُ ٱعْتِرَاضًا مُمَاثِلًا.‏ فَبَعْدَمَا أَخْبَرَ تَلَامِيذَهُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ سَيُعَانِي كَثِيرًا وَيُقْتَلُ،‏ تَحَرَّكَتْ عَوَاطِفُ بُطْرُسَ وَقَالَ:‏ «اُلْطُفْ بِنَفْسِكَ يَا رَبُّ؛‏ لَنْ تَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ أَبَدًا».‏ لٰكِنَّ يَسُوعَ أَجَابَهُ:‏ «اِذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ!‏ أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي،‏ لِأَنَّكَ لَا تُفَكِّرُ تَفْكِيرَ ٱللّٰهِ،‏ بَلْ تَفْكِيرَ ٱلنَّاسِ».‏ (‏مت ١٦:‏٢١-‏٢٣‏)‏ وَعَلَى غِرَارِ يَسُوعَ،‏ صَمَّمَ بُولُسُ أَنْ يُتَمِّمَ ٱلتَّعْيِينَ ٱلْإِلٰهِيَّ مُعْرِبًا عَنْ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ.‏ وَفِي حِينِ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ ٱلصُّورِيِّينَ تَكَلَّمُوا بِلَا شَكٍّ عَنْ حُسْنِ نِيَّةٍ تَمَامًا كَبُطْرُسَ،‏ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا مَا هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ.‏

      اخ يشعر بالملل في الخدمة وينظر الی ساعته

      اتباع يسوع عليهم التحلي بروح التضحية بالذات

      ١٠ وَفِي أَيَّامِنَا،‏ يَمِيلُ كَثِيرُونَ أَنْ ‹يَلْطُفُوا بِأَنْفُسِهِمْ›،‏ أَوْ يَخْتَارُوا أَقَلَّ ٱلْمَسَالِكِ صُعُوبَةً.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ يُفَتِّشُ ٱلنَّاسُ عُمُومًا عَنْ دِينٍ «مُرِيحٍ» مُتَطَلَّبَاتُهُ قَلِيلَةٌ.‏ وَلٰكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ هٰذَا ٱلْمَوْقِفِ وَٱلْمَوْقِفِ ٱلْعَقْلِيِّ ٱلَّذِي شَجَّعَنَا عَلَيْهِ يَسُوعُ!‏ فَقَدْ قَالَ:‏ «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي،‏ فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ كُلِّيًّا وَيَحْمِلْ خَشَبَةَ آلَامِهِ وَيَتْبَعْنِي عَلَى ٱلدَّوَامِ».‏ (‏مت ١٦:‏٢٤‏)‏ صَحِيحٌ أَنَّ تَطْبِيقَ وَصِيَّةِ يَسُوعَ لَيْسَ ٱلْخِيَارَ ٱلسَّهْلَ،‏ لٰكِنَّهُ بِٱلتَّأْكِيدِ ٱلْخِيَارُ ٱلْحَكِيمُ وَٱلصَّائِبُ.‏

      ١١ كَيْفَ أَعْرَبَ ٱلتَّلَامِيذُ فِي صُورَ عَنْ مَحَبَّتِهِمْ وَتَقْدِيرِهِمْ لِبُولُسَ؟‏

      ١١ حَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلْآنَ لِيَرْحَلَ بُولُسُ وَلُوقَا وَرِفَاقُهُمَا.‏ وَوَدَاعُ ٱلْإِخْوَةِ ٱلصُّورِيِّينَ أَظْهَرَ جَلِيًّا كَمْ يُحِبُّونَ ٱلرَّسُولَ وَيُقَدِّرُونَ خِدْمَتَهُ.‏ فَقَدْ ذَهَبُوا جَمِيعًا إِلَى ٱلشَّطِّ،‏ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَوْلَادًا،‏ بِرِفْقَةِ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ.‏ وَهُنَاكَ جَثَوْا وَصَلَّوْا مَعًا،‏ ثُمَّ وَدَّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.‏ إِنَّهُ بِٱلْفِعْلِ لَوَدَاعٌ مُؤَثِّرٌ.‏ بَعْدَئِذٍ رَكِبَ ٱلْمُسَافِرُونَ سَفِينَةً أُخْرَى وَتَوَجَّهُوا إِلَى بَتُولِمَايِسَ حَيْثُ ٱلْتَقَوُا ٱلْإِخْوَةَ وَمَكَثُوا عِنْدَهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا.‏ —‏ اع ٢١:‏٥-‏٧‏.‏

      ١٢،‏ ١٣ (‏أ)‏ أَيُّ سِجِلٍّ رَائِعٍ تَرَكَهُ فِيلِبُّسُ فِي ٱلْخِدْمَةِ ٱلْأَمِينَةِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ رَسَمَ فِيلِبُّسُ مِثَالًا جَيِّدًا لِلْآبَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ؟‏

      ١٢ يُتَابِعُ لُوقَا:‏ «فِي ٱلْغَدِ ٱنْطَلَقْنَا وَجِئْنَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ،‏ وَدَخَلْنَا بَيْتَ فِيلِبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ».‏a (‏اع ٢١:‏٨‏)‏ وَكَمْ سُرُّوا دُونَ شَكٍّ لِرُؤْيَةِ أَخِيهِمْ فِيلِبُّسَ!‏ فَقَبْلَ نَحْوِ ٢٠ سَنَةً،‏ عَيَّنَهُ ٱلرُّسُلُ هُوَ وَآخَرِينَ لِلِٱهْتِمَامِ بِتَوْزِيعِ ٱلطَّعَامِ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْفَتِيَّةِ فِي أُورُشَلِيمَ.‏ وَقَدْ قَضَى هٰذَا ٱلْأَخُ ٱلْغَيُورُ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً فِي ٱلْكِرَازَةِ.‏ فَلَا نَنْسَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى ٱلسَّامِرَةِ وَرَاحَ يُبَشِّرُ فِيهَا حِينَ تَبَدَّدَ ٱلتَّلَامِيذُ بِسَبَبِ ٱلِٱضْطِهَادِ.‏ ثُمَّ بَشَّرَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ ٱلْخَصِيَّ ٱلْحَبَشِيَّ وَعَمَّدَهُ.‏ (‏اع ٦:‏٢-‏٦؛‏ ٨:‏٤-‏١٣،‏ ٢٦-‏٣٨‏)‏ فَيَا لَهٰذَا ٱلسِّجِلِّ ٱلرَّائِعِ وَٱلْأَمِينِ فِي خِدْمَةِ ٱللّٰهِ!‏

      ١٣ وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ غَيْرَةَ فِيلِبُّسَ فِي ٱلْخِدْمَةِ لَمْ تَخْمُدْ قَطُّ.‏ فَلَقَبُ «ٱلْمُبَشِّرِ» يَدُلُّ أَنَّهُ ظَلَّ مَشْغُولًا بِعَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ بَعْدَ أَنِ ٱسْتَقَرَّ فِي قَيْصَرِيَّةَ.‏ كَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا عَنْ بَنَاتِهِ ٱلْأَرْبَعِ ٱللَّوَاتِي «تَنَبَّأْنَ»،‏ مِمَّا يُشِيرُ أَنَّهُنَّ سِرْنَ عَلَى خُطَى أَبِيهِنَّ.‏b (‏اع ٢١:‏٩‏)‏ فَلَا بُدَّ أَنَّ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلْمَسِيحِيَّ ٱجْتَهَدَ فِي تَنْمِيَةِ رُوحِيَّاتِ عَائِلَتِهِ.‏ وَكَمْ يَحْسُنُ بِٱلْآبَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ أَنْ يَتْبَعُوا مِثَالَهُ،‏ مُتَوَلِّينَ ٱلْقِيَادَةَ فِي ٱلْخِدْمَةِ وَمُسَاعِدِينَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى تَنْمِيَةِ ٱلْمَحَبَّةِ لِعَمَلِ ٱلْبِشَارَةِ!‏

      ١٤ مَاذَا حَصَلَ دُونَ شَكٍّ عِنْدَمَا زَارَ بُولُسُ ٱلرُّفَقَاءَ ٱلْمُؤْمِنِينَ،‏ وَأَيَّةُ فُرَصٍ مُمَاثِلَةٍ مُتَاحَةٌ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟‏

      ١٤ رَأَيْنَا حَتَّى ٱلْآنَ كَيْفَ فَتَّشَ بُولُسُ عَنِ ٱلرُّفَقَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي مَكَانٍ بَعْدَ آخَرَ وَأَمْضَى ٱلْوَقْتَ مَعَهُمْ.‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةَ بِدَوْرِهِمْ رَغِبُوا فِي ٱسْتِضَافَةِ هٰذَا ٱلْمُرْسَلِ وَرُفَقَائِهِ.‏ نَتِيجَةً لِذٰلِكَ،‏ ‹تَبَادَلَ ٱلْجَمِيعُ ٱلتَّشْجِيعَ› دُونَ شَكٍّ.‏ (‏رو ١:‏١١،‏ ١٢‏)‏ وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَحْظَى بِفُرَصٍ مُشَابِهَةٍ.‏ فَفِي وِسْعِنَا أَنْ نَحْصُدَ فَوَائِدَ جَمَّةً إِذَا فَتَحْنَا بَيْتَنَا،‏ وَلَوْ كَانَ مُتَوَاضِعًا،‏ لِلنُّظَّارِ ٱلْجَائِلِينَ وَزَوْجَاتِهِمْ.‏ —‏ رو ١٢:‏١٣‏.‏

      قَيْصَرِيَّةُ:‏ عَاصِمَةُ ٱلْيَهُودِيَّةِ

      خِلَالَ ٱلْفَتْرَةِ ٱلَّتِي يُغَطِّيهَا سِفْرُ ٱلْأَعْمَالِ،‏ تَمَتَّعَتْ مَدِينَةُ قَيْصَرِيَّةَ بِمَكَانَةٍ مُهِمَّةٍ فِي وِلَايَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ ٱلرُّومَانِيَّةِ.‏ فَكَانَتْ عَاصِمَةَ ٱلْوِلَايَةِ وَمَقَرَّ حَاكِمِهَا وَمَرْكَزَ ٱلْفِرْقَةِ ٱلْعَسْكَرِيَّةِ ٱلتَّابِعَةِ لَهَا.‏ أَمَّا نَشْأَتُهَا فَعَائِدَةٌ إِلَى أَيَّامِ هِيرُودُسَ ٱلْكَبِيرِ ٱلَّذِي بَنَاهَا وَٱخْتَارَ ٱسْمَهَا تَكْرِيمًا لِأُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ.‏ وَقَدْ ضَمَّتِ ٱلْمَدِينَةُ جَمِيعَ ٱلْمَعَالِمِ ٱلَّتِي مَيَّزَتِ ٱلْمُدُنَ ٱلْهِلِّينِسْتِيَّةَ ٱلْوَثَنِيَّةَ آنَذَاكَ؛‏ مِنْ مَعْبَدٍ مُكَرَّسٍ لِأُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ وَمَسْرَحٍ وَمَيْدَانِ سِبَاقٍ وَمُدَرَّجٍ.‏ أَمَّا سُكَّانُهَا فَكَانُوا بِمُعْظَمِهِمْ مِنَ ٱلْأُمَمِيِّينَ.‏

      وَكَانَتْ قَيْصَرِيَّةُ مَدِينَةً مُحَصَّنَةً لَهَا مِينَاءٌ دُعِيَ سِيبَاسْطُوس (‏اَلِٱسْمُ ٱلْيُونَانِيُّ لِأُوغُسْطُسَ)‏.‏ وَهٰذَا ٱلْمِينَاءُ ٱلْجَدِيدُ جُهِّزَ بِحَاجِزِ أَمْوَاجٍ ضَخْمٍ أَصْبَحَ ٱلسَّاحِلُ بِفَضْلِهِ صَالِحًا لِلْمِلَاحَةِ.‏ وَقَدْ طَمَحَ هِيرُودُسُ أَنْ يُنَافِسَ مِينَاؤُهُ مِينَاءَ ٱلْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَيُصْبِحَ ٱلْمَرْكَزَ ٱلتِّجَارِيَّ ٱلْأَهَمَّ شَرْقَ ٱلْمُتَوَسِّطِ.‏ وَمَعَ أَنَّ قَيْصَرِيَّةَ لَمْ تَتَفَوَّقْ قَطُّ عَلَى ٱلْإِسْكَنْدَرِيَّةِ،‏ فَقَدْ حَقَّقَتْ أَهَمِّيَّةً عَالَمِيَّةً بِفَضْلِ مَوْقِعِهَا ٱلْإِسْتِرَاتِيجِيِّ عَلَى طُرُقٍ تِجَارِيَّةٍ رَئِيسِيَّةٍ.‏

      وَفِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ،‏ كَرَزَ فِيلِبُّسُ ٱلْمُبَشِّرُ ثُمَّ ٱسْتَقَرَّ فِيهَا مَعَ عَائِلَتِهِ كَمَا يَبْدُو.‏ (‏اع ٨:‏٤٠؛‏ ٢١:‏٨،‏ ٩‏)‏ وَهُنَاكَ أَيْضًا،‏ أَقَامَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ ٱلرُّومَانِيُّ كَرْنِيلِيُوسُ وَٱهْتَدَى إِلَى ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ —‏ اع ١٠:‏١‏.‏

      وَبُولُسُ بِدَوْرِهِ زَارَ مَدِينَةَ قَيْصَرِيَّةَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ.‏ فَحِينَ خَطَّطَ أَعْدَاؤُهُ لِقَتْلِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ ٱعْتِنَاقِهِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ،‏ أَسْرَعَ بِهِ ٱلتَّلَامِيذُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ عَلَى بُعْدِ ٩٠ كلم لِإِرْسَالِهِ بَحْرًا إِلَى طَرْسُوسَ.‏ وَمَرَّ ٱلرَّسُولُ أَيْضًا بِمِينَاءِ ٱلْمَدِينَةِ فِيمَا كَانَ مُتَّجِهًا إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي نِهَايَةِ رِحْلَتَيْهِ ٱلْإِرْسَالِيَّتَيْنِ ٱلثَّانِيَةِ وَٱلثَّالِثَةِ.‏ (‏اع ٩:‏٢٨-‏٣٠؛‏ ١٨:‏٢١،‏ ٢٢؛‏ ٢١:‏٧،‏ ٨‏)‏ كَمَا ٱحْتُجِزَ هُنَاكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ فِي قَصْرِ هِيرُودُسَ حَيْثُ حَاوَرَ فِيلِكْسَ وَفِسْتُوسَ وَأَغْرِيبَاسَ،‏ ثُمَّ أَبْحَرَ أَخِيرًا إِلَى رُومَا.‏ —‏ اع ٢٣:‏٣٣-‏٣٥؛‏ ٢٤:‏٢٧–‏٢٥:‏٤؛‏ ٢٧:‏١‏.‏

      هَلْ تُوكَلُ إِلَى ٱلنِّسَاءِ ٱلْمَسِيحِيَّاتِ أَيُّ مَسْؤُولِيَّةٍ دِينِيَّةٍ؟‏

      أَيُّ دَوْرٍ لَعِبَتْهُ ٱلنِّسَاءُ ٱلْمَسِيحِيَّاتُ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ؟‏ وَهَلْ تُوكَلُ إِلَيْهِنَّ عُمُومًا أَيُّ مَسْؤُولِيَّةٍ دِينِيَّةٍ؟‏

      أَوْصَى يَسُوعُ أَتْبَاعَهُ بِعَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ وَٱلتَّلْمَذَةِ.‏ (‏مت ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠؛‏ اع ١:‏٨‏)‏ وَهٰذَا ٱلتَّفْوِيضُ بِنَشْرِ ٱلْبِشَارَةِ يَنْطَبِقُ عَلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ جَمِيعًا ٱلرِّجَالِ مِنْهُمْ وَٱلنِّسَاءِ،‏ ٱلشُّبَّانِ وَٱلشَّابَّاتِ.‏ وَٱلدَّلِيلُ عَلَى ذٰلِكَ مَوْجُودٌ فِي نُبُوَّةِ يُوئِيل ٢:‏٢٨،‏ ٢٩ ٱلَّتِي رَدَّدَ كَلِمَاتِهَا بُطْرُسُ حِينَ تَمَّتْ يَوْمَ ٱلْخَمْسِينَ سَنَةَ ٣٣ ب‌م،‏ قَائِلًا:‏ «‹وَفِي ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ›،‏ يَقُولُ ٱللّٰهُ،‏ ‹أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى شَتَّى ٱلْبَشَرِ،‏ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ .‏ .‏ .‏ وَأَيْضًا عَلَى عَبِيدِي وَعَلَى إِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ،‏ فَيَتَنَبَّأُونَ›».‏ (‏اع ٢:‏١٧،‏ ١٨‏)‏ وَكَمَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا،‏ كَانَ لِفِيلِبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ أَرْبَعُ بَنَاتٍ يَتَنَبَّأْنَ.‏ —‏ اع ٢١:‏٨،‏ ٩‏.‏

      أَمَّا فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَسْؤُولِيَّةِ ٱلتَّعْلِيمِ دَاخِلَ ٱلْجَمَاعَةِ فَكَلِمَةُ ٱللّٰهِ تَقْصُرُ هٰذَا ٱلِٱمْتِيَازَ عَلَى ٱلرِّجَالِ ٱلْمُعَيَّنِينَ نُظَّارًا وَخُدَّامًا مُسَاعِدِينَ.‏ (‏١ تي ٣:‏١-‏١٣؛‏ تي ١:‏٥-‏٩‏)‏ كَمَا أَنَّ بُولُسَ قَالَ:‏ «لَا أَسْمَحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ،‏ وَلَا أَنْ تَتَسَلَّطَ عَلَى ٱلرَّجُلِ،‏ بَلْ أَنْ تَكُونَ فِي سُكُوتٍ».‏ —‏ ١ تي ٢:‏١٢‏.‏

      ‏«إِنِّي مُسْتَعِدٌّ .‏ .‏ .‏ أَنْ أَمُوتَ» (‏اعمال ٢١:‏١٠-‏١٤‏)‏

      ١٥،‏ ١٦ أَيَّ رِسَالَةٍ حَمَلَ أَغَابُوسُ،‏ وَكَيْفَ أَثَّرَتْ فِي ٱلْحَاضِرِينَ؟‏

      ١٥ أَثْنَاءَ مُكُوثِ بُولُسَ عِنْدَ فِيلِبُّسَ،‏ وَصَلَ ضَيْفٌ مُحْتَرَمٌ آخَرُ،‏ هُوَ أَغَابُوسُ.‏ وَقَدْ عَرَفَ ٱلْمُجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ فِيلِبُّسَ أَنَّ أَغَابُوسَ نَبِيٌّ.‏ فَهُوَ مَنْ تَنَبَّأَ بِحُدُوثِ مَجَاعَةٍ عَظِيمَةٍ خِلَالَ حُكْمِ كُلُودِيُوسَ.‏ (‏اع ١١:‏٢٧،‏ ٢٨‏)‏ لِذَا لَرُبَّمَا تَسَاءَلُوا:‏ ‹مَاذَا أَتَى بِهِ؟‏ أَيَّ رِسَالَةٍ يَحْمِلُ؟‏›.‏ وَفِيمَا رَاقَبُوا بِٱنْتِبَاهٍ مَا يَحْدُثُ،‏ أَخَذَ ٱلنَّبِيُّ مِنْطَقَةَ بُولُسَ،‏ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ شَرِيطٍ قُمَاشِيٍّ طَوِيلٍ يُلَفُّ حَوْلَ ٱلْوَسَطِ تُوضَعُ فِيهِ ٱلنُّقُودُ وَأَغْرَاضٌ أُخْرَى،‏ ثُمَّ قَيَّدَ بِهَا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ وَرَاحَ يَتَكَلَّمُ.‏ فَجَاءَ كَلَامُهُ فِي مُنْتَهَى ٱلْخُطُورَةِ!‏ ذَكَرَ:‏ «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ:‏ ‹إِنَّ ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي لَهُ هٰذِهِ ٱلْمِنْطَقَةُ سَيُقَيِّدُهُ ٱلْيَهُودُ هٰكَذَا فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي أُنَاسٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ›».‏ —‏ اع ٢١:‏١١‏.‏

      ١٦ أَكَّدَتْ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةُ أَنَّ بُولُسَ سَيَذْهَبُ بِٱلْفِعْلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ،‏ وَأَشَارَتْ أَيْضًا أَنَّهُ سَيُسَلَّمُ «إِلَى أَيْدِي أُنَاسٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ» بِسَبَبِ كِرَازَتِهِ لِلْيَهُودِ هُنَاكَ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقْوَالَ ٱلنَّبِيِّ هَزَّتِ ٱلْحَاضِرِينَ جَمِيعًا.‏ يُخْبِرُ لُوقَا:‏ «لَمَّا سَمِعْنَا هٰذَا،‏ تَوَسَّلْنَا إِلَى [بُولُسَ] نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ أَلَّا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.‏ حِينَئِذٍ أَجَابَ بُولُسُ:‏ ‹مَا بَالُكُمْ تَبْكُونَ وَتُضْعِفُونَ قَلْبِي؟‏ إِنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُقَيَّدَ فَقَطْ،‏ بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ›».‏ —‏ اع ٢١:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

      ١٧،‏ ١٨ كَيْفَ أَظْهَرَ بُولُسُ تَصْمِيمَهُ ٱلرَّاسِخَ،‏ وَمَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ ٱلْإِخْوَةِ؟‏

      ١٧ لِنَتَخَيَّلْ مَعًا مَا قَرَأْنَاهُ لِلتَّوِّ:‏ جَمِيعُ ٱلْحَاضِرِينَ،‏ بِمَنْ فِيهِمْ لُوقَا،‏ يَتَوَسَّلُونَ إِلَى بُولُسَ أَلَّا يُتَابِعَ رِحْلَتَهُ.‏ وَيَغْلِبُ ٱلْقَلَقُ عَلَى بَعْضِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُ ٱلْبُكَاءُ.‏ فَيَتَأَثَّرُ بُولُسُ بِقَلَقِهِمِ ٱلْمَجْبُولِ بِٱلْمَحَبَّةِ وَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ لُطْفٍ،‏ قَائِلًا إِنَّهُمْ ‹يُضْعِفُونَ قَلْبَهُ›،‏ أَوْ ‹يَكْسِرُونَ قَلْبَهُ› كَمَا تَذْكُرُ بَعْضُ ٱلتَّرْجَمَاتِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ يَبْقَى تَصْمِيمُهُ رَاسِخًا كَمَا كَانَ حِينَ ٱلْتَقَى ٱلْإِخْوَةَ فِي صُورَ.‏ فَمَا كَانَ ٱلرَّسُولُ لِيَسْمَحَ لِلتَّوَسُّلَاتِ أَوِ ٱلدُّمُوعِ أَنْ تَثْنِيَهُ عَنْ عَزْمِهِ.‏ عِوَضَ ذٰلِكَ،‏ أَوْضَحَ لَهُمْ مَا يَدْعُوهُ إِلَى ٱلْمُضِيِّ قُدُمًا.‏ فَيَا لَلشَّجَاعَةِ وَٱلتَّصْمِيمِ ٱللَّذَيْنِ تَحَلَّى بِهِمَا!‏ فَعَلَى غِرَارِ يَسُوعَ،‏ عَزَمَ بُولُسُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.‏ (‏عب ١٢:‏٢‏)‏ وَلَمْ يَكُنِ ٱلرَّسُولُ بِذٰلِكَ يَتَعَمَّدُ أَنْ يَقْضِيَ شَهِيدًا.‏ وَلٰكِنْ فِي حَالِ كَانَتِ ٱلشَّهَادَةُ هِيَ مَصِيرَهُ،‏ فَٱلْمَوْتُ كَوَاحِدٍ مِنْ أَتْبَاعِ يَسُوعَ شَرَفٌ كَبِيرٌ فِي نَظَرِهِ.‏

      ١٨ فَمَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ ٱلْإِخْوَةِ؟‏ بِبَسِيطِ ٱلْعِبَارَةِ،‏ نَزَلُوا عِنْدَ رَغْبَةِ ٱلرَّسُولِ.‏ نَقْرَأُ:‏ «وَلَمَّا لَمْ يَقْتَنِعْ رَضَخْنَا قَائِلِينَ:‏ ‹لِتَكُنْ مَشِيئَةُ يَهْوَهَ!‏›».‏ (‏اع ٢١:‏١٤‏)‏ لَاحِظْ أَنَّ مَنْ حَاوَلُوا إِقْنَاعَ بُولُسَ بِعَدَمِ ٱلذَّهَابِ إِلَى أُورُشَلِيمَ،‏ لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَوْقِفِهِمْ،‏ بَلْ أَصْغَوْا إِلَيْهِ وَأَذْعَنُوا لَهُ.‏ فَقَدْ أَدْرَكُوا أَنَّهَا مَشِيئَةُ يَهْوَهَ.‏ لِذٰلِكَ قَبِلُوا بِهَا رَغْمَ صُعُوبَةِ ٱلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ.‏ زِدْ عَلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ سَائِرٌ فِي دَرْبٍ سَيُؤَدِّي أَخِيرًا إِلَى مَوْتِهِ.‏ فَكَمْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ ٱلْمُضِيُّ قُدُمًا حِينَ يُشَجِّعُهُ أَحِبَّاؤُهُ عِوَضَ أَنْ يُثَبِّطُوا عَزِيمَتَهُ!‏

      ١٩ أَيُّ دَرْسٍ نَسْتَمِدُّهُ مِمَّا حَدَثَ مَعَ بُولُسَ؟‏

      ١٩ وَمِنْ جِهَتِنَا نَسْتَمِدُّ دَرْسًا مُهِمًّا مِمَّا حَدَثَ مَعَ بُولُسَ.‏ فَنَحْنُ أَيْضًا يَنْبَغِي أَلَّا نَثْنِيَ ٱلْآخَرِينَ عَنِ ٱلتَّحَلِّي بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ فِي خِدْمَةِ ٱللّٰهِ.‏ وَهٰذَا ٱلدَّرْسُ لَا يَصِحُّ فَقَطْ حِينَ تَكُونُ ٱلْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ.‏ عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ،‏ يَسْتَصْعِبُ وَالِدُونَ مَسِيحِيُّونَ كَثِيرُونَ أَنْ يَتْرُكَ أَوْلَادُهُمُ ٱلْمَنْزِلَ لِكَيْ يَخْدُمُوا فِي مَنَاطِقَ بَعِيدَةٍ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ يَعْقِدُونَ ٱلْعَزْمَ أَلَّا يُثَبِّطُوا هِمَّةَ أَوْلَادِهِمْ.‏ تَسْتَذْكِرُ فِيلِيسُ ٱلَّتِي تَعِيشُ فِي إِنْكِلْتَرَا كَيْفَ شَعَرَتْ حِينَ ٱنْتَقَلَتِ ٱبْنَتُهَا ٱلْوَحِيدَةُ لِتَخْدُمَ مُرْسَلَةً فِي إِفْرِيقْيَا.‏ تَقُولُ:‏ «عِشْتُ أَيَّامًا صَعْبَةً.‏ فَقَدْ عَزَّ عَلَيَّ أَنَّ مَسَافَةً شَاسِعَةً تَفْصِلُ بَيْنَنَا.‏ صَحِيحٌ أَنَّنِي شَعَرْتُ بِٱلْفَخْرِ،‏ لٰكِنِّي شَعَرْتُ بِٱلْحُزْنِ أَيْضًا.‏ فَصَلَّيْتُ إِلَى يَهْوَهَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا بِهٰذَا ٱلْخُصُوصِ.‏ غَيْرَ أَنَّنِي تَقَبَّلْتُ قَرَارَهَا،‏ وَلَمْ أُحَاوِلْ قَطُّ إِقْنَاعَهَا بِٱلْعَوْدَةِ.‏ فَلَطَالَمَا عَلَّمْتُهَا أَنَا بِنَفْسِي أَنْ تَضَعَ مَصَالِحَ ٱلْمَلَكُوتِ أَوَّلًا.‏ وَٱلْيَوْمَ مَضَتْ ٣٠ سَنَةً عَلَى خِدْمَتِهَا فِي تَعْيِينَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ،‏ وَأَنَا أَشْكُرُ يَهْوَهَ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَمَانَتِهَا».‏ خُلَاصَةُ ٱلْقَوْلِ:‏ كَمْ جَمِيلٌ أَنْ نُشَجِّعَ ٱلْإِخْوَةَ ٱلَّذِينَ يُضَحُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ!‏

      زوجان سعيدان لأنهما تلقيا اتصالا من ولديهما اللذين يخدمان كمرسلين في بلد اجنبي

      يحسن بنا ان نشجع مَن يعربون عن روح التضحية بالذات

      ‏«اِسْتَقْبَلَنَا ٱلْإِخْوَةُ بِسُرُورٍ» (‏اعمال ٢١:‏١٥-‏١٧‏)‏

      ٢٠،‏ ٢١ مَا ٱلدَّلِيلُ أَنَّ بُولُسَ أَحَبَّ رِفْقَةَ ٱلْإِخْوَةِ،‏ وَمَاذَا دَفَعَهُ إِلَى ذٰلِكَ؟‏

      ٢٠ أُعِدَّتِ ٱلتَّرْتِيبَاتُ وَتَابَعَ بُولُسُ طَرِيقَهُ بِرِفْقَةِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ بَرْهَنُوا عَنْ دَعْمٍ كَامِلٍ لَهُ.‏ وَكَمَا رَأَيْنَا،‏ سَعَتِ ٱلْمَجْمُوعَةُ فِي كُلِّ مَحَطَّةٍ مِنْ مَحَطَّاتِ ٱلرِّحْلَةِ إِلَى ٱلتَّمَتُّعِ بِرِفْقَةِ إِخْوَتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ.‏ فَفِي صُورَ،‏ وَجَدُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَقَضَوْا مَعَهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ.‏ وَفِي بَتُولِمَايِسَ،‏ سَلَّمُوا عَلَى ٱلْإِخْوَةِ وَمَكَثُوا عِنْدَهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا.‏ أَمَّا فِي قَيْصَرِيَّةَ فَمَكَثُوا أَيَّامًا فِي بَيْتِ فِيلِبُّسَ.‏ بَعْدَئِذٍ،‏ رَافَقَهُمْ بَعْضُ ٱلتَّلَامِيذِ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ نَزَلُوا ضُيُوفًا عِنْدَ مَنَاسُونَ،‏ أَحَدِ ٱلتَّلَامِيذِ ٱلْأَوَائِلِ.‏ وَبِذٰلِكَ يَكُونُ ٱلْمُسَافِرُونَ قَدْ بَلَغُوا أَخِيرًا وُجْهَتَهُمْ حَيْثُ ‹ٱسْتَقْبَلَهُمُ ٱلْإِخْوَةُ بِسُرُورٍ›.‏ —‏ اع ٢١:‏١٧‏.‏

      ٢١ يَتَّضِحُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ بُولُسَ أَحَبَّ رِفْقَةَ مَنْ يُشَاطِرُونَهُ إِيمَانَهُ.‏ فَقَدِ ٱسْتَمَدَّ ٱلتَّشْجِيعَ مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ،‏ تَمَامًا كَمَا نَفْعَلُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ هٰذَا ٱلتَّشْجِيعَ قَوَّاهُ لِمُوَاجَهَةِ ٱلْمُقَاوِمِينَ ٱلشَّرِسِينَ ٱلَّذِينَ سَيَطْلُبُونَ قَتْلَهُ.‏

      a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏قَيْصَرِيَّةُ:‏ عَاصِمَةُ ٱلْيَهُودِيَّةِ‏».‏

      b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «‏هَلْ تُوكَلُ إِلَى ٱلنِّسَاءِ ٱلْمَسِيحِيَّاتِ أَيُّ مَسْؤُولِيَّةٍ دِينِيَّةٍ؟‏‏».‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة