-
‹اطلبوا اللّٰه فتجدوه›اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٨
‹اُطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَتَجِدُوهُ›
بُولُسُ يَتَكَيَّفُ مَعَ سَامِعِيهِ وَيَبْنِي عَلَى نِقَاطٍ مُشْتَرَكَةٍ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٧:١٦-٣٤
١-٣ (أ) لِمَ ٱضْطَرَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ فِي أَثِينَا؟ (ب) مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلتَّأَمُّلِ فِي مِثَالِ بُولُسَ؟
يَغْلِي ٱلدَّمُ فِي عُرُوقِ بُولُسَ. إِنَّهُ ٱلْآنَ فِي مَدِينَةِ أَثِينَا ٱلْيُونَانِيَّةِ، عَاصِمَةِ ٱلثَّقَافَةِ حَيْثُ حَاضَرَ قَبْلَ قُرُونٍ سُقْرَاطُ وَأَفْلَاطُونُ وَأَرِسْطُو. لٰكِنَّ أَهْلَ أَثِينَا ٱلْمُتَدَيِّنِينَ أَغْرَقُوا ٱلْمَدِينَةَ بِتَمَاثِيلَ لآِلِهَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. أَصْنَامٌ عَلَى أَصْنَامٍ تَمْلَأُ ٱلْهَيَاكِلَ وَٱلسَّاحَاتِ وَٱلشَّوَارِعَ! يَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّسُولُ ٱلْأَمِينُ رَأْيَ يَهْوَهَ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ فِي ٱلصَّنَمِيَّةِ، فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يُطِيقَ رُؤْيَتَهَا؟! — خر ٢٠:٤، ٥.
٢ وَفَوْرَ دُخُولِ بُولُسَ سَاحَةَ ٱلسُّوقِ ٱلْمَلْأَى بِٱلْمَزَارَاتِ، يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَنْظَرٍ تَقْشَعِرُّ لَهُ ٱلْأَبْدَانُ: عَدَدٍ هَائِلٍ مِنْ تَمَاثِيلِ ٱلْإِلٰهِ هِرْمِسَ ٱلَّتِي تُبْرِزُ أَعْضَاءَهُ ٱلتَّنَاسُلِيَّةَ تَشْغَلُ ٱلنَّاحِيَةَ ٱلشَّمَالِيَّةَ ٱلْغَرْبِيَّةَ قُرْبَ ٱلْمَدْخَلِ ٱلرَّئِيسِيِّ! فَكَيْفَ سَيُنَادِي ٱلرَّسُولُ ٱلْغَيُورُ بِٱلْبِشَارَةِ فِي جَوٍّ مُشْبَعٍ بِٱلصَّنَمِيَّةِ؟ هَلْ يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ وَيَجِدُ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةً مَعَ حُضُورِهِ؟ وَهَلْ يُوَفَّقُ فِي مُسَاعَدَةِ أَيٍّ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِ وَإِيجَادِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ؟
٣ إِنَّ خِطَابَ بُولُسَ أَمَامَ رِجَالِ أَثِينَا ٱلْمُثَقَّفِينَ كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي ٱلْأَعْمَال ١٧:٢٢-٣١ لَمِثَالٌ فِي ٱللَّبَاقَةِ وَٱلْفَصَاحَةِ وَحُسْنِ ٱلتَّمْيِيزِ. وَبِٱلتَّمَعُّنِ فِيهِ نَسْتَقِي ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلدُّرُوسِ عَنْ إِيجَادِ أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِينَا وَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى ٱلتَّحْلِيلِ مَنْطِقِيًّا.
يُعَلِّمُ «فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ» (اعمال ١٧:١٦-٢١)
٤، ٥ أَيْنَ بَشَّرَ بُولُسُ فِي أَثِينَا، وَمَنْ ضَمَّ حُضُورُهُ؟
٤ زَارَ بُولُسُ أَثِينَا نَحْوَ ٱلْعَامِ ٥٠ بم خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ.a وَفِيمَا كَانَ مُنْتَظِرًا وُصُولَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسَ مِنْ بِيرِيَةَ، أَخَذَ ٱلرَّسُولُ كَعَادَتِهِ «يُحَاجُّ مَنْطِقِيًّا ٱلْيَهُودَ» فِي ٱلْمَجْمَعِ. غَيْرَ أَنَّهُ حَاوَلَ أَيْضًا بُلُوغَ سُكَّانِ أَثِينَا غَيْرِ ٱلْيَهُودِ، فَقَصَدَ «سَاحَةَ ٱلسُّوقِ» أَوِ ٱلْأَغُورَا. (اع ١٧:١٧) كَانَتِ ٱلْأَغُورَا تَقَعُ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُول، وَقَدْ بَلَغَتْ مِسَاحَتُهَا حَوَالَيْ خَمْسِينَ أَلْفَ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ. وَلَمْ تَكُنْ هٰذِهِ مُجَرَّدَ رُقْعَةٍ مِنَ ٱلْأَرْضِ مُخَصَّصَةٍ لِعَمَلِيَّاتِ ٱلْبَيْعِ وَٱلشِّرَاءِ. فَقَدْ كَانَتِ ٱلسَّاحَةَ ٱلْعَامَّةَ فِي ٱلْمَدِينَةِ. يَصِفُهَا أَحَدُ ٱلْمَرَاجِعِ بِأَنَّهَا «قَلْبُ ٱلْمَدِينَةِ ٱلِٱقْتِصَادِيُّ وَٱلسِّيَاسِيُّ وَٱلثَّقَافِيُّ». وَقَدْ سُرَّ ٱلْأَثِينِيُّونَ بِٱلِٱلْتِقَاءِ هُنَاكَ لِيَخُوضُوا فِي نِقَاشَاتٍ فِكْرِيَّةٍ.
٥ وَفِي هٰذِهِ ٱلسَّاحَةِ، وَاجَهَ بُولُسُ حُضُورًا صَعْبًا. فَمِنْ جُمْلَةِ سَامِعِيهِ كَانَ هُنَاكَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ ٱلَّذِينَ ٱنْتَمَوْا إِلَى مَدْرَسَتَيْنِ فَلْسَفِيَّتَيْنِ مُتَنَافِسَتَيْنِ.b اِعْتَقَدَ ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ مِنْ جِهَتِهِمْ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ وُجِدَتْ بِٱلصُّدْفَةِ. وَعُصَارَةُ فِكْرِهِمْ تُلَخَّصُ بِٱلْآتِي: «لَا خَوْفَ مِنَ ٱللّٰهِ؛ لَا عَذَابَ بَعْدَ ٱلْمَوْتِ؛ اَلْخَيْرُ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ؛ اَلشَّرُّ يُمْكِنُ تَحَمُّلُهُ». أَمَّا ٱلرِّوَاقِيُّونَ فَشَدَّدُوا عَلَى ٱلْعَقْلِ وَٱلْمَنْطِقِ وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَنَّ ٱللّٰهَ كَائِنٌ لَهُ شَخْصِيَّةٌ. وَلٰكِنْ لَا ٱلْأَبِيقُورِيُّونَ وَلَا ٱلرِّوَاقِيُّونَ آمَنُوا بِٱلْقِيَامَةِ كَمَا عَلَّمَهَا تَلَامِيذُ ٱلْمَسِيحِ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مَفَاهِيمَهُمُ ٱلْفَلْسَفِيَّةَ لَمْ تَتَوَافَقْ مَعَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلسَّامِيَةِ ٱلَّتِي حَمَلَتْهَا ٱلْمَسِيحِيَّةُ ٱلْحَقَّةُ وَنَادَى بِهَا ٱلرَّسُولُ بُولُسُ.
٦، ٧ كَيْفَ قَابَلَ بَعْضُ ٱلْمُثَقَّفِينَ ٱلْيُونَانِيِّينَ تَعْلِيمَ بُولُسَ، وَكَيْفَ نُوَاجِهُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ حَالَةً مُمَاثِلَةً؟
٦ فَكَيْفَ قَابَلَ ٱلْمُثَقَّفُونَ ٱلْيُونَانِيُّونَ تَعْلِيمَ بُولُسَ؟ لَقَدْ وَصَفَهُ ٱلْبَعْضُ بِأَنَّهُ «مِهْذَارٌ»، مُسْتَعْمِلِينَ كَلِمَةً يُونَانِيَّةً تَعْنِي حَرْفِيًّا «مُلْتَقِطَ ٱلْحَبِّ». (اع ١٧:١٨) يُعَلِّقُ أَحَدُ ٱلْعُلَمَاءِ عَلَى هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ كَمَا يَلِي: «قِيلَتْ مِنْ حَيْثُ ٱلْأَسَاسُ فِي وَصْفِ طَائِرٍ صَغِيرٍ يَتَنَقَّلُ مُلْتَقِطًا ٱلْحَبَّ. ثُمَّ ٱسْتُخْدِمَتْ فِي وَصْفِ مَنْ يَلْتَقِطُونَ بَقَايَا ٱلطَّعَامِ وَٱلْفَضَلَاتِ مِنْ كُلِّ مَا هَبَّ وَدَبَّ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ. بَعْدَئِذٍ بَاتَتْ تُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى مَنْ يُجَمِّعُ ٱلْمَعْلُومَاتِ مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ ٱلرَّبْطِ بَيْنَهَا مَنْطِقِيًّا». بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، زَعَمَ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنَّ بُولُسَ جَاهِلٌ مُتَّهِمِينَهُ بِسَرِقَةِ أَفْكَارِ ٱلْآخَرِينَ. لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَأْبَهْ بِهٰذِهِ ٱلْإِهَانَاتِ كَمَا سَنَرَى تَالِيًا.
٧ أَلَا يُذَكِّرُنَا هٰذَا ٱلِٱخْتِبَارُ بِمَا يُوَاجِهُهُ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ؟ فَغَالِبًا مَا يُقَالُ بِحَقِّنَا كَلَامٌ جَارِحٌ بِسَبَبِ مُعْتَقَدَاتِنَا ٱلْمُؤَسَّسَةِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، يُعَلِّمُ بَعْضُ ٱلْأَسَاتِذَةِ أَنَّ ٱلتَّطَوُّرَ وَاقِعٌ أَكِيدٌ. فَيَفْرِضُونَ عَلَى كُلِّ «عَاقِلٍ» ٱلتَّسْلِيمَ بِهِ، وَكَأَنَّهُمْ بِذٰلِكَ يَنْعَتُونَ بِٱلْجَهْلِ كُلَّ مَنْ يَرْفُضُ هٰذِهِ ٱلنَّظَرِيَّةَ. وَيُحَاوِلُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُثَقَّفُونَ أَنْ يَغْرِسُوا فِي عُقُولِ ٱلنَّاسِ أَنَّنَا ‹نَهْذِرُ› فِي كَلَامِنَا كُلَّمَا أَوْضَحْنَا مَاذَا يُعَلِّمُ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ وَأَشَرْنَا إِلَى ٱلْأَدِلَّةِ ٱلطَّبِيعِيَّةِ عَلَى وُجُودِ مُصَمِّمٍ. أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَأْبَهُ بِذٰلِكَ أَلْبَتَّةَ! بَلْ عَلَى ٱلْعَكْسِ، نُدَافِعُ بِٱلْفَمِ ٱلْمَلْآنِ عَنْ إِيمَانِنَا بِأَنَّ ٱلْحَيَاةَ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنْ تَصْمِيمِ خَالِقٍ ذَكِيٍّ، هُوَ يَهْوَهُ ٱللّٰهُ. — رؤ ٤:١١.
٨ (أ) كَيْفَ نَظَرَ ٱلْبَعْضُ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ إِلَى كِرَازَةِ بُولُسَ؟ (ب) مَاذَا رُبَّمَا عَنَى ٱقْتِيَادُ بُولُسَ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
٨ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى بُولُسَ، نَجِدُ ٱلْبَعْضَ ٱلْآخَرَ فِي سَاحَةِ ٱلسُّوقِ يَنْظُرُونَ إِلَى كِرَازَتِهِ نَظْرَةً مُخْتَلِفَةً. قَالُوا: «يَبْدُو مُنَادِيًا بِمَعْبُودَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ». (اع ١٧:١٨) فَهَلْ نَادَى بُولُسُ حَقًّا لِلْأَثِينِيِّينَ بِآلِهَةٍ جَدِيدَةٍ؟ مَا كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةُ لِتَمُرَّ مُرُورَ ٱلْكِرَامِ. فَكَلِمَاتُهُمْ تُذَكِّرُ بِإِحْدَى ٱلتُّهَمِ ٱلَّتِي حُوكِمَ سُقْرَاط بِسَبَبِهَا قَبْلَ قُرُونٍ وَأُدِينَ بِٱلْمَوْتِ. فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنِ ٱقْتِيدَ ٱلرَّسُولُ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَسِّرَ ٱلتَّعَالِيمَ ٱلْغَرِيبَةَ فِي نَظَرِ أَهْلِ أَثِينَا.c فَكَيْفَ سَيُدَافِعُ عَنْ رِسَالَتِهِ أَمَامَ أَشْخَاصٍ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنِ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ؟
«يَا رِجَالَ أَثِينَا، أَرَى أَنَّكُمْ . . .» (اعمال ١٧:٢٢، ٢٣)
٩-١١ (أ) كَيْفَ سَعَى بُولُسُ إِلَى إِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ سَامِعِيهِ؟ (ب) كَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟
٩ تَذَكَّرْ كَمِ ٱنْفَعَلَ بُولُسُ لِرُؤْيَةِ ٱلصَّنَمِيَّةِ ٱلْمُسْتَشْرِيَةِ فِي ٱلْمَدِينَةِ. لٰكِنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَفْقِدْ أَعْصَابَهُ، مُطْلِقًا حَمْلَةً شَعْوَاءَ عَلَى عِبَادَةِ ٱلْأَوْثَانِ، بَلْ حَافَظَ عَلَى رِبَاطَةِ جَأْشِهِ. فَحَاوَلَ بِمُنْتَهَى ٱللَّبَاقَةِ ٱسْتِمَالَةَ حُضُورِهِ بِإِيجَادِ قَوَاسِمَ مُشْتَرَكَةٍ تَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمْ. فَٱسْتَهَلَّ خِطَابَهُ بِٱلْقَوْلِ: «يَا رِجَالَ أَثِينَا، أَرَى أَنَّكُمْ، مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، تَخَافُونَ ٱلْمَعْبُودَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِكُمْ». (اع ١٧:٢٢) فَكَمَا لَوْ أَنَّهُ يَقُولُ: ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكُمْ أَشْخَاصٌ مُتَدَيِّنُونَ›. وَقَدْ أَصَابَ بُولُسُ فِي مَدْحِ سَامِعِيهِ عَلَى ٱهْتِمَامِهِمِ ٱلدِّينِيِّ. فَهُوَ أَدْرَكَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّنْ تُعْمِي ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلْبَاطِلَةُ بَصِيرَتَهُمْ يَمِيلُونَ فِي ٱلْوَاقِعِ إِلَى قُبُولِ ٱلْحَقِّ. أَوَلَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسُهُ ذَاتَ يَوْمٍ «جَاهِلًا وَبِعَدَمِ إِيمَانٍ عَمِلَ»؟! — ١ تي ١:١٣.
١٠ وَلِيَبْنِيَ عَلَى أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، قَالَ بُولُسُ إِنَّهُ شَاهَدَ دَلِيلًا مَلْمُوسًا عَلَى تَعَبُّدِ أَهْلِ أَثِينَا: مَذْبَحًا مُكَرَّسًا «لِإِلٰهٍ مَجْهُولٍ». بِحَسَبِ أَحَدِ ٱلْمَرَاجِعِ، «كَانَ مِنْ عَادَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ تَكْرِيسُ مَذَابِحَ ‹لآِلِهَةٍ مَجْهُولَةٍ› خَشْيَةَ أَنْ يَغْفُلُوا عَنْ أَحَدِهَا، فَيُثِيرُوا بِٱلتَّالِي غَضَبَهُ». لِذٰلِكَ دَلَّ مَذْبَحٌ كَهٰذَا أَنَّ ٱلْأَثِينِيِّينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ إِلٰهٍ يَجْهَلُونَهُ. فَٱسْتَغَلَّ ٱلرَّسُولُ هٰذَا ٱلْمَذْبَحَ تَمْهِيدًا لِلْبِشَارَةِ ٱلَّتِي يَكْرِزُ بِهَا. قَالَ: «اَلَّذِي تَتَعَبَّدُونَ لَهُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَهُ، هٰذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ». (اع ١٧:٢٣) لَقَدْ حَلَّلَ بُولُسُ ٱلْمَوْضُوعَ بِأُسْلُوبٍ دِبْلُومَاسِيٍّ مُقَدِّمًا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ حُجَجًا مُقْنِعَةً. فَهُوَ لَمْ يُنَادِ بِإِلٰهٍ جَدِيدٍ أَوْ غَرِيبٍ كَمَا زَعَمَ ٱلْبَعْضُ، بَلْ كَشَفَ لَهُمْ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لَا يَعْرِفُونَهُ.
١١ وَكَيْفَ نَقْتَدِي بِبُولُسَ فِي كِرَازَتِنَا؟ حِينَ نَكُونُ دَقِيقِي ٱلْمُلَاحَظَةِ، قَدْ نَنْتَبِهُ إِلَى تَفَاصِيلَ مُعَيَّنَةٍ فِي هِنْدَامِ سَامِعِنَا أَوْ مَنْزِلِهِ تَكْشِفُ لَنَا أَنَّهُ مُتَدَيِّنٌ. إِذَّاكَ بِإِمْكَانِنَا أَنْ نَسْتَهِلَّ ٱلْحَدِيثَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ: ‹مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّكَ شَخْصٌ مُتَدَيِّنٌ. وَأَنَا أَرْغَبُ فِي ٱلتَّحَدُّثِ مَعَ أَشْخَاصٍ يَهْتَمُّونَ بِٱلدِّينِ مِثْلَكَ›. فَعِنْدَمَا نَمْدَحُ سَامِعَنَا بِلَبَاقَةٍ عَلَى تَدَيُّنِهِ، قَدْ نَجِدُ أَرْضِيَّةً مُشْتَرَكَةً يُمْكِنُنَا ٱلْبِنَاءُ عَلَيْهَا. وَلٰكِنْ لِنُبْقِ فِي بَالِنَا أَنَّ هَدَفَنَا لَيْسَ ٱلْحُكْمَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدَاتِهِمِ ٱلدِّينِيَّةِ. فَمَا أَكْثَرَ مَنْ آمَنُوا ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِمْ بِعَقَائِدَ دِينِيَّةٍ بَاطِلَةٍ، لٰكِنَّهُمْ أَصْبَحُوا فِي مَا بَعْدُ إِخْوَةً لَنَا!
ابحث عن ارضية مشتركة وابنِ حديثك عليها
اَللّٰهُ «لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا» (اعمال ١٧:٢٤-٢٨)
١٢ بِأَيَّةِ طَرَائِقَ كَيَّفَ بُولُسُ أُسْلُوبَهُ مِنْ أَجْلِ سَامِعِيهِ؟
١٢ وَجَدَ بُولُسُ قَاسِمًا مُشْتَرَكًا. وَلٰكِنْ هَلْ يَنْجَحُ فِي إِبْقَاءِ ٱلْحَدِيثِ دَائِرًا فِي فَلَكِهِ؟ لَقَدْ أَدْرَكَ ٱلرَّسُولُ أَنَّ سَامِعِيهِ مُثَقَّفُونَ فِي ٱلْفَلْسَفَةِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرُ مُطَّلِعِينَ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، فَكَيَّفَ أُسْلُوبَهُ عَلَى هٰذَا ٱلْأَسَاسِ. أَوَّلًا، قَدَّمَ حَقَائِقَ مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ دُونَ ٱلِٱقْتِبَاسِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً. ثَانِيًا، ٱسْتَعْمَلَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِلْإِيحَاءِ أَنَّهُ يَتَفَهَّمُ سَامِعِيهِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. ثَالِثًا، ضَمَّنَ كَلَامَهُ ٱقْتِبَاسَاتٍ مِنَ ٱلْأَدَبِ ٱلْيُونَانِيِّ لِيُرِيَهُمْ أَنَّ كِتَابَاتِهِمْ تَأْتِي عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ ٱلْأَفْكَارِ ٱلَّتِي يُنَادِي بِهَا. فَلْنُفَنِّدْ فِي مَا يَلِي خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُقْنِعَ وَلْنَتَأَمَّلْ فِي مَا كَشَفَهُ مِنْ حَقَائِقَ مُهِمَّةٍ عَنِ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ أَهْلُ أَثِينَا.
١٣ مَاذَا قَالَ بُولُسُ عَنْ نَشْأَةِ ٱلْكَوْنِ، وَمَا فَحْوَى كَلِمَاتِهِ؟
١٣ اَللّٰهُ خَلَقَ ٱلْكَوْنَ. قَالَ بُولُسُ: «إِنَّ هٰذَا ٱلْإِلٰهَ ٱلَّذِي صَنَعَ ٱلْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، إِذْ هُوَ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ، لَا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِ ٱلْأَيْدِي».d (اع ١٧:٢٤) فَٱلْكَوْنُ إِذًا لَيْسَ وَلِيدَ ٱلصُّدْفَةِ؛ اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ ٱلْأَشْيَاءِ. (مز ١٤٦:٦) وَخِلَافًا لِلْإِلَاهَةِ أَثِينَا وَسَائِرِ ٱلْمَعْبُودَاتِ ٱلَّتِي يَعْتَمِدُ مَجْدُهَا عَلَى ٱلْهَيَاكِلِ وَٱلْمَزَارَاتِ وَٱلْمَذَابِحِ، فَإِنَّ ٱلرَّبَّ ٱلْمُتَسَلِّطَ عَلَى ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ لَا تَسَعُهُ هَيَاكِلُ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ. (١ مل ٨:٢٧) وَعَلَيْهِ، يَكُونُ فَحْوَى ٱلْكَلِمَاتِ وَاضِحًا لَا لُبْسَ فِيهِ: اَلْإِلٰهُ ٱلْحَقُّ أَعْظَمُ مِنْ أَيَّةِ أَصْنَامٍ أَوْجَدَهَا ٱلْبَشَرُ وَأَسْكَنُوهَا هَيَاكِلَ مِنْ صُنْعِهِمْ. — اش ٤٠:١٨-٢٦.
١٤ كَيْفَ بَيَّنَ بُولُسُ أَنَّ ٱللّٰهَ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ؟
١٤ اَللّٰهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ٱلْبَشَرِ. اِعْتَادَ ٱلْوَثَنِيُّونَ أَنْ يُلْبِسُوا ٱلْأَصْنَامَ أَثْوَابًا غَالِيَةً أَوْ يُمْطِرُوهَا بِهَدَايَا نَفِيسَةٍ أَوْ يُقَدِّمُوا ٱلطَّعَامَ وَٱلشَّرَابَ إِلَيْهَا؛ كَمَا لَوْ أَنَّ أَوْثَانًا لَا حَيَاةَ فِيهَا بِحَاجَةٍ أَسَاسًا إِلَى عَطَايَا كَهٰذِهِ! وَلٰكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِئَةً مِنَ ٱلْفَلَاسِفَةِ ٱلْيُونَانِيِّينَ بَيْنَ سَامِعِي بُولُسَ آمَنَتْ أَنَّ ٱلْآلِهَةَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ ٱلْبَشَرِ. وَهٰؤُلَاءِ وَافَقُوا دُونَ شَكٍّ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ ٱللّٰهَ «لَا يُخْدَمُ بِأَيْدٍ بَشَرِيَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ». فِعْلًا، كَيْفَ لِلْبَشَرِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَيَّ عَطِيَّةٍ مَادِّيَّةٍ لِخَالِقِ ٱلْكَوْنِ؟! فَهُوَ مَنْ يَهَبُهُمْ كُلَّ حَاجَاتِهِمْ وَيُعْطِيهِمْ «حَيَاةً وَنَسَمَةً وَكُلَّ شَيْءٍ»، بِمَا فِي ذٰلِكَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْمَطَرُ وَٱلتُّرْبَةُ ٱلْخِصْبَةُ. — اع ١٧:٢٥؛ تك ٢:٧.
١٥ كَيْفَ قَارَبَ بُولُسُ ٱعْتِقَادَ ٱلْأَثِينِيِّينَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ، وَأَيُّ دَرْسٍ قَيِّمٍ نَتَعَلَّمُهُ؟
١٥ اَللّٰهُ صَنَعَ ٱلْإِنْسَانَ. اِعْتَقَدَ ٱلْأَثِينِيُّونَ أَنَّهُمْ مُتَفَوِّقُونَ عَلَى غَيْرِ ٱلْيُونَانِيِّينَ. لٰكِنَّ ٱلْعَصَبِيَّةَ ٱلْوَطَنِيَّةَ أَوِ ٱلْعِرْقِيَّةَ فِي وَادٍ وَحَقُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ فِي وَادٍ! (تث ١٠:١٧) لِذٰلِكَ قَارَبَ بُولُسُ هٰذِهِ ٱلنُّقْطَةَ ٱلْحَسَّاسَةَ بِلَبَاقَةٍ وَحَذَاقَةٍ. فَقَالَ إِنَّ ٱللّٰهَ «صَنَعَ مِنْ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ»، مُشِيرًا إِلَى رِوَايَةِ ٱلتَّكْوِينِ عَنْ آدَمَ أَبِي ٱلْبَشَرِ. (اع ١٧:٢٦؛ تك ١:٢٦-٢٨) وَلَا شَكَّ أَنَّ كَلِمَاتِهِ حَمَلَتْ مُسْتَمِعِيهِ عَلَى ٱلتَّفْكِيرِ. فَإِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ جَمِيعًا مُتَحَدِّرِينَ مِنْ سَلَفٍ وَاحِدٍ، فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تَتَفَوَّقَ عُرُوقٌ أَوْ جِنْسِيَّاتٌ عَلَى أُخْرَى؟! كَانَ كَلَامُ بُولُسَ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ يُوَضَّحَ. وَفِي مِثَالِهِ دَرْسٌ قَيِّمٌ لَنَا. فَنَحْنُ نَسْعَى أَنْ نَتَّصِفَ بِٱللَّبَاقَةِ أَثْنَاءَ كِرَازَتِنَا وَنُنَاقِشَ ٱلنَّاسَ مَنْطِقِيًّا، لٰكِنَّنَا فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ لَا نُلَطِّفُ حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِمْ قُبُولُهُ.
١٦ مَا قَصْدُ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ؟
١٦ اَللّٰهُ قَصَدَ أَنْ يَتَقَرَّبَ مِنْهُ ٱلْبَشَرُ. لَطَالَمَا جَادَلَ ٱلْفَلَاسِفَةُ بَيْنَ حُضُورِ بُولُسَ حَوْلَ ٱلْهَدَفِ مِنَ ٱلْحَيَاةِ، لٰكِنَّهُمْ بَقُوا عَاجِزِينَ عَنْ إِيجَادِ ٱلْجَوَابِ ٱلشَّافِي. أَمَّا هُوَ فَكَشَفَ بِوُضُوحٍ قَصْدَ ٱلْخَالِقِ لِلْبَشَرِ، قَائِلًا إِنَّهُمْ صُنِعُوا «لِكَيْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُونَهُ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا». (اع ١٧:٢٧) فَمَعْرِفَةُ ٱلْإِلٰهِ ٱلَّذِي يَجْهَلُهُ ٱلْأَثِينِيُّونَ لَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً. فَهُوَ فِي ٱلْوَاقِعِ غَيْرُ بَعِيدٍ عَمَّنْ يَرْغَبُونَ حَقًّا فِي إِيجَادِهِ وَٱلتَّعَلُّمِ عَنْهُ. (مز ١٤٥:١٨) وَمِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَخْدَمَ ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ ٱلْجَمْعَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ هُوَ أَيْضًا وَاحِدٌ مِمَّنْ عَلَيْهِمْ أَنْ «يَطْلُبُوا» ٱللّٰهَ ‹وَيَتَلَمَّسُوهُ›.
١٧، ١٨ لِمَ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ، وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ أُسْلُوبِ بُولُسَ فِي مُخَاطَبَةِ مُسْتَمِعِيهِ؟
١٧ مِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ يَنْجَذِبَ ٱلْبَشَرُ إِلَى ٱللّٰهِ. ذَكَرَ بُولُسُ أَحَدَ ٱلْأَسْبَابِ لِذٰلِكَ، قَائِلًا إِنَّنَا «نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» بِفَضْلِ ٱلْخَالِقِ. وَوَفْقًا لِبَعْضِ ٱلْعُلَمَاءِ، يَتَكَلَّمُ ٱلرَّسُولُ هُنَا تَلْمِيحًا عَنْ أَقْوَالِ إِبِيمِنِيدِيس، شَاعِرٍ كِرِيتِيٍّ عَاشَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلسَّادِسِ قَبْلَ ٱلْمِيلَادِ ٱعْتُبِرَ «شَخْصِيَّةً لَهَا مَكَانَتُهَا فِي ٱلتَّقْلِيدِ ٱلدِّينِيِّ ٱلْأَثِينَوِيِّ». هٰذَا وَقَدْ أَوْرَدَ بُولُسُ سَبَبًا إِضَافِيًّا يَدْفَعُ ٱلْبَشَرَ إِلَى ٱلِٱقْتِرَابِ مِنَ ٱللّٰهِ. ذَكَرَ: «قَالَ بَعْضُ ٱلشُّعَرَاءِ بَيْنَكُمْ: ‹لِأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ›». (اع ١٧:٢٨) عَلَى ضَوْءِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ، لَا عَجَبَ أَنْ نَشْعُرَ أَنَّنَا شَدِيدُو ٱلْقُرْبِ مِنَ ٱللّٰهِ. فَهُوَ مَنْ خَلَقَ ٱلْإِنْسَانَ ٱلَّذِي تَتَحَدَّرُ مِنْهُ ٱلْبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ. وَمَرَّةً جَدِيدَةً، ٱقْتَبَسَ ٱلرَّسُولُ كِتَابَاتٍ يُونَانِيَّةً لَا بُدَّ أَنَّ مُسْتَمِعِيهِ أَقَامُوا لَهَا وَزْنًا.e وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَتَشَبَّهُ بِبُولُسَ. فَفِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ، نَقْتَبِسُ إِلَى ٱلْحَدِّ ٱلْمَعْقُولِ مِنَ ٱلتَّارِيخِ ٱلدُّنْيَوِيِّ وَٱلْمَوْسُوعَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلْمَرَاجِعِ ٱلْمُحْتَرَمَةِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، قَدْ يُسَاهِمُ ٱقْتِبَاسٌ مُنَاسِبٌ مِنْ مَرْجِعٍ مَقْبُولٍ فِي إِقْنَاعِ ٱلنَّاسِ بِأَصْلِ بَعْضِ ٱلْمُمَارَسَاتِ أَوِ ٱلِٱحْتِفَالَاتِ ٱلدِّينِيَّةِ ٱلْبَاطِلَةِ.
١٨ نَقَلَ بُولُسُ حَتَّى ٱلْآنَ حَقَائِقَ أَسَاسِيَّةً عَنِ ٱللّٰهِ، مُكَيِّفًا كَلِمَاتِهِ بِمَهَارَةٍ لِتُلَائِمَ حُضُورَهُ. وَلٰكِنْ مَا ٱلْمَطْلُوبُ مِنَ ٱلْأَثِينِيِّينَ بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَاتِ ٱلْمُهِمَّةَ؟ لِنَنْتَقِلْ إِلَى ٱلْجُزْءِ ٱلتَّالِي مِنَ ٱلْخِطَابِ وَنَكْتَشِفِ ٱلْجَوَابَ.
‹تُوبُوا جَمِيعًا› (اعمال ١٧:٢٩-٣١)
١٩، ٢٠ (أ) كَيْفَ فَضَحَ بُولُسُ بِلَبَاقَةٍ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟ (ب) أَيُّ إِجْرَاءٍ وَجَبَ عَلَى ٱلْحَاضِرِينَ ٱتِّخَاذُهُ؟
١٩ حَانَ ٱلْوَقْتُ ٱلْآنَ لِيَحُثَّ بُولُسُ سَامِعِيهِ عَلَى ٱتِّخَاذِ مَوْقِفٍ مُحَدَّدٍ. فَنَجِدُهُ يَبْنِي عَلَى مَا ٱقْتَبَسَهُ مِنَ ٱلْكِتَابَاتِ ٱلْيُونَانِيَّةِ وَيَقُولُ: «فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ ٱللّٰهِ، لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ أَنَّ ٱلذَّاتَ ٱلْإِلٰهِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ، بِمَنْحُوتَةٍ مِنْ فَنِّ ٱلْإِنْسَانِ وَٱخْتِرَاعِهِ». (اع ١٧:٢٩) وَبِٱلْفِعْلِ، إِذَا كَانَ ٱلْبَشَرُ مِنْ صُنْعِ ٱللّٰهِ، فَكَيْفَ يَتَّخِذُ ٱللّٰهُ شَكْلَ صَنَمٍ مِنْ صُنْعِ ٱلْبَشَرِ؟! هٰكَذَا فَضَحَ بُولُسُ بِتَحْلِيلِهِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱللَّبِقِ حَمَاقَةَ تَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ لِأَوْثَانٍ صَنَعَتْهَا أَيْدٍ بَشَرِيَّةٌ. (مز ١١٥:٤-٨؛ اش ٤٤:٩-٢٠) وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفَّفَ مِنْ وَطْأَةِ ٱنْتِقَادِهِ لَهُمْ حِينَ شَمَلَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ بِٱلْقَوْلِ: «لَا يَجِبُ أَنْ نَظُنَّ . . .».
٢٠ بَعْدَئِذٍ سَلَّطَ ٱلرَّسُولُ ٱلضَّوْءَ عَلَى ضَرُورَةِ ٱتِّخَاذِ إِجْرَاءٍ مُعَيَّنٍ. شَرَحَ: «قَدْ تَغَاضَى ٱللّٰهُ عَنْ أَزْمِنَةِ هٰذَا ٱلْجَهْلِ [اَلِٱعْتِقَادِ بِأَنَّ ٱللّٰهَ يَرْضَى عَمَّنْ يَعْبُدُونَ ٱلْأَصْنَامَ]، لٰكِنَّهُ يَقُولُ ٱلْآنَ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا جَمِيعًا». (اع ١٧:٣٠) لَرُبَّمَا نَزَلَ نِدَاءُ ٱلتَّوْبَةِ هٰذَا نُزُولَ ٱلصَّاعِقَةِ عَلَى بَعْضِ ٱلْحَاضِرِينَ. غَيْرَ أَنَّ خِطَابَ بُولُسَ ٱلْمُفْحِمَ بَرْهَنَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِحَيَاتِهِمْ لِلّٰهِ، وَهُمْ بِٱلتَّالِي مَسْؤُولُونَ أَمَامَهُ. لِذٰلِكَ لَزِمَ أَنْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ، يَتَعَلَّمُوا ٱلْحَقِيقَةَ عَنْهُ، وَيُغَيِّرُوا حَيَاتَهُمْ بِرُمَّتِهَا وَفْقًا لَهَا. وَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلْأَثِينِيِّينَ، عَنَى ذٰلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ ٱلصَّنَمِيَّةَ مُمَارَسَةٌ خَاطِئَةٌ وَيَرْجِعُوا عَنْهَا.
٢١، ٢٢ بِمَ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ، وَأَيَّ مَعَانٍ تَحْمِلُ كَلِمَاتُهُ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟
٢١ خَتَمَ بُولُسُ خِطَابَهُ بِكَلِمَاتٍ مُدَوِّيَةٍ: «حَدَّدَ [ٱللّٰهُ] يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْبِرِّ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، وَزَوَّدَ ضَمَانَةً لِلْجَمِيعِ إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ». (اع ١٧:٣١) وَهَلْ مِنْ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ تَرَقُّبِ يَوْمٍ لِلدَّيْنُونَةِ حَتَّى يَنْدَفِعَ ٱلنَّاسُ إِلَى طَلَبِ ٱلْإِلٰهِ ٱلْحَقِّ وَإِيجَادِهِ؟! ثُمَّ إِنَّ بُولُسَ لَمْ يُسَمِّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ، بَلْ قَدَّمَ مَعْلُومَاتٍ تَدْعُو إِلَى ٱلْعَجَبِ: إِنَّهُ رَجُلٌ عَاشَ وَمَاتَ ثُمَّ أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ!
٢٢ تَحْمِلُ لَنَا هٰذِهِ ٱلْخَاتِمَةُ ٱلْمُؤَثِّرَةُ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْمَعَانِي. فَنَحْنُ نَعْرِفُ أَنَّ ٱلدَّيَّانَ ٱلْمُعَيَّنَ مِنَ ٱللّٰهِ هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمُقَامُ. (يو ٥:٢٢) كَمَا نُدْرِكُ أَنَّ يَوْمَ ٱلدَّيْنُونَةِ طُولُهُ أَلْفُ سَنَةٍ، وَقَدْ بَاتَ قَرِيبًا عَلَى ٱلْأَبْوَابِ. (رؤ ٢٠:٤، ٦) مَعَ ذٰلِكَ نَحْنُ لَا نَخَافُهُ، إِذْ نُدْرِكُ مَا يُخَبِّئُ مِنْ بَرَكَاتٍ جَزِيلَةٍ لِمَنْ يُدَانُونَ دَيْنُونَةً مُؤَاتِيَةً. وَأَمَلُنَا بِهٰذَا ٱلْمُسْتَقْبَلِ ٱلْمَجِيدِ مَدْعُومٌ بِضَمَانَةٍ. أَيُّ ضَمَانَةٍ؟ إِنَّهَا أَعْظَمُ ٱلْعَجَائِبِ قَاطِبَةً: قِيَامَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ!
«أُنَاسٌ . . . صَارُوا مُؤْمِنِينَ» (اعمال ١٧:٣٢-٣٤)
٢٣ أَيُّ رُدُودِ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةٍ أَثَارَهَا خِطَابُ بُولُسَ؟
٢٣ أَثَارَ خِطَابُ بُولُسَ رُدُودَ فِعْلٍ مُتَفَاوِتَةً. فَقَدِ «ٱبْتَدَأَ ٱلْبَعْضُ يَسْخَرُونَ» لَمَّا سَمِعُوا بِقِيَامَةِ ٱلْأَمْوَاتِ. أَمَّا ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ فَلَمْ يَتَصَرَّفُوا بِفَظَاظَةٍ، وَلٰكِنَّهُمْ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ لَمْ يُحَرِّكُوا سَاكِنًا، إِذْ قَالُوا: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هٰذَا مَرَّةً أُخْرَى». (اع ١٧:٣٢) «غَيْرَ أَنَّ أُنَاسًا ٱنْضَمُّوا إِلَيْهِ وَصَارُوا مُؤْمِنِينَ، وَمِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ، قَاضٍ فِي مَحْكَمَةِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ، وَٱمْرَأَةٌ ٱسْمُهَا دَامَرِسُ، وَآخَرُونَ مَعَهُمَا». (اع ١٧:٣٤) وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا نُوَاجِهُهُ فِي كِرَازَتِنَا. فَٱلْبَعْضُ يَهْزَأُونَ بِنَا، فِيمَا يَتَبَنَّى ٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ مَوْقِفًا دِبْلُومَاسِيًّا. وَلٰكِنْ كَمْ نُسَرُّ حِينَ يَقْبَلُ ٱلْبَعْضُ رِسَالَةَ ٱلْمَلَكُوتِ وَيَصِيرُونَ مُؤْمِنِينَ!
٢٤ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ خِطَابِ بُولُسَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ وَسَطَ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ؟
٢٤ يَزْخَرُ خِطَابُ بُولُسَ بِٱلدُّرُوسِ ٱلْقَيِّمَةِ. فَهُوَ يُعَلِّمُنَا ٱلْكَثِيرَ عَنِ ٱلتَّحْلِيلِ ٱلْمَنْطِقِيِّ وَٱلْمُنَاقَشَةِ ٱلْمُقْنِعَةِ وَٱلتَّكَيُّفِ مَعَ سَامِعِينَا. وَيُسَاعِدُنَا أَيْضًا أَنْ نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ ٱلتَّحَلِّي بِٱلصَّبْرِ وَٱللَّبَاقَةِ مَعَ أَشْخَاصٍ تُعْمِي بَصِيرَتَهُمُ ٱلْمُعْتَقَدَاتُ ٱلدِّينِيَّةُ ٱلْبَاطِلَةُ. كَمَا أَنَّهُ يُبْرِزُ دَرْسًا بَالِغَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ، إِذْ يَحُثُّنَا أَلَّا نُلَطِّفَ أَبَدًا حَقَّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ لِمُجَرَّدِ إِرْضَاءِ مُسْتَمِعِينَا. وَحِينَ نَقْتَدِي بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ، تَزْدَادُ فَعَّالِيَّتُنَا كَمُعَلِّمِينَ فِي خِدْمَةِ ٱلْحَقْلِ. أَمَّا ٱلنُّظَّارُ فَيُصْبِحُونَ مُعَلِّمِينَ أَكْثَرَ كَفَاءَةً فِي ٱلْجَمَاعَةِ. بِٱلنَّتِيجَةِ، نَصِيرُ جَمِيعُنَا مُجَهَّزِينَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ لِنُسَاعِدَ ٱلْآخَرِينَ أَنْ ‹يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ فَيَجِدُوهُ›. — اع ١٧:٢٧.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «أَثِينَا: عَاصِمَةُ ٱلثَّقَافَةِ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْقَدِيمِ».
b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «اَلْأَبِيقُورِيُّونَ وَٱلرِّوَاقِيُّونَ».
c كَانَ أَرِيُوسُ بَاغُوسُ، تَلٌّ وَاقِعٌ شَمَالَ غَرْبِ ٱلْأَكْرُوبُولَ، ٱلْمُلْتَقَى ٱلتَّقْلِيدِيَّ لِلْمَجْلِسِ ٱلْأَعْلَى فِي أَثِينَا. لٰكِنَّ عِبَارَةَ «أَرِيُوسَ بَاغُوسَ» كَانَتْ تُشِيرُ إِمَّا إِلَى ٱلْمَجْلِسِ أَوْ إِلَى ٱلتَّلِّ نَفْسِهِ. لِذٰلِكَ يَعْتَقِدُ بَعْضُ ٱلْعُلَمَاءِ أَنَّ بُولُسَ ٱقْتِيدَ إِلَى هٰذَا ٱلتَّلِّ أَوْ جِوَارِهِ، فِيمَا يَظُنُّ غَيْرُهُمْ أَنَّهُ سِيقَ إِلَى مَكَانِ ٱنْعِقَادِ ٱلْمَجْلِسِ فِي مَوْقِعٍ آخَرَ، كَٱلْأَغُورَا مَثَلًا.
d إِنَّ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْيُونَانِيَّةَ ٱلْمَنْقُولَةَ إِلَى «عَالَمٍ» هِيَ كوسموس ٱلَّتِي ٱسْتَخْدَمَهَا ٱلْيُونَانُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى ٱلْكَوْنِ ٱلْمَادِّيِّ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ ٱسْتَعْمَلَهَا بِهٰذَا ٱلْمَعْنَى فِي مُحَاوَلَةٍ لِلتَّرْكِيزِ عَلَى ٱلنِّقَاطِ ٱلْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُضُورِهِ ٱلْيُونَانِيِّ.
e اِقْتَبَسَ بُولُسُ مِنَ ٱلْقَصِيدَةِ ٱلْفَلَكِيَّةِ فِينُومِينَا لِلشَّاعِرِ ٱلرِّوَاقِيِّ أَرَاتُوس. وَقَدْ وَرَدَتْ كَلِمَاتٌ مُشَابِهَةٌ فِي مُؤَلَّفَاتٍ يُونَانِيَّةٍ أُخْرَى مِثْلِ نَشِيدٌ لِزِيُوس لِلْكَاتِبِ ٱلرِّوَاقِيِّ كِلِيَانْتِيس.
-
-
«واظب على التكلم ولا تسكت»اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ١٩
«وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ»
بُولُسُ يَعْمَلُ لِإِعَالَةِ نَفْسِهِ لٰكِنَّهُ يُعْطِي ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِخِدْمَتِهِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٨:١-٢٢
١-٣ لِمَ قَصَدَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ مَدِينَةَ كُورِنْثُوسَ، وَأَيَّ تَحَدِّيَيْنِ وَاجَهَ هُنَاكَ؟
إِنَّهُ خَرِيفُ ٱلْعَامِ ٥٠ بم. يَصِلُ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ إِلَى كُورِنْثُوسَ، مَدِينَةٍ تِجَارِيَّةٍ مُزْدَهِرَةٍ تُقِيمُ فِيهَا أَعْدَادٌ كَبِيرَةٌ مِنَ ٱلْيُونَانِ وَٱلرُّومَانِ وَٱلْيَهُودِ.a لٰكِنَّهُ لَمْ يَأْتِهَا بَحْثًا عَنْ عَمَلٍ أَوْ سَعْيًا وَرَاءَ صَفْقَةٍ تِجَارِيَّةٍ. فَهَدَفُ زِيَارَتِهِ أَسْمَى بِأَشْوَاطٍ: تَأْدِيَةُ ٱلشَّهَادَةِ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ بِحَاجَةٍ إِلَى مَكَانٍ يَنْزِلُ فِيهِ، وَهُوَ مُصَمِّمٌ أَلَّا يُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ وَيُعْطِيَ ٱلِٱنْطِبَاعَ أَنَّهُ يَتَكَسَّبُ مِنْ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. فَمَا عَسَاهُ يَفْعَلُ؟
٢ كَانَ بُولُسُ مُتَمَرِّسًا بِصِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ. حِرْفَتُهُ هٰذِهِ شَاقَّةٌ، لٰكِنَّهُ مُسْتَعِدٌّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا كَيْ يُعِيلَ نَفْسَهُ. فَهَلْ يَسْتَطِيعُ مُزَاوَلَةَ مِهْنَتِهِ فِي مَدِينَةِ كُورِنْثُوسَ ٱلْمُزْدَحِمَةِ؟ وَهَلْ يَهْتَدِي إِلَى مَكَانٍ مُلَائِمٍ لِلسَّكَنِ؟ حَتَّى فِي وَجْهِ تَحَدِّيَاتٍ كَهٰذِهِ، لَا يُحَوِّلُ ٱلرَّسُولُ بَصَرَهُ عَنْ عَمَلِهِ ٱلْأَهَمِّ، أَلَا وَهُوَ ٱلْمُنَادَاةُ بِٱلْبِشَارَةِ.
٣ بِٱلنَّتِيجَةِ، يَبْقَى بُولُسُ فِي كُورِنْثُوسَ بَعْضَ ٱلْوَقْتِ وَيَجْنِي ثَمَرًا جَزِيلًا مِنْ خِدْمَتِهِ. فَأَيَّةُ دُرُوسٍ نَسْتَقِيهَا مِنْ نَشَاطَاتِ ٱلرَّسُولِ تُسَاعِدُنَا عَلَى تَأْدِيَةِ شَهَادَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ فِي مُقَاطَعَتِنَا؟
«كَانَا صَانِعَيْ خِيَامٍ» (اعمال ١٨:١-٤)
٤، ٥ (أ) أَيْنَ مَكَثَ بُولُسُ خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ، وَأَيَّ عَمَلٍ دُنْيَوِيٍّ زَاوَلَ؟ (ب) لِمَ تَعَلَّمَ بُولُسُ صُنْعَ ٱلْخِيَامِ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ؟
٤ بَعْدَ وُصُولِ بُولُسَ إِلَى كُورِنْثُوسَ، ٱلْتَقَى يَهُودِيًّا يُدْعَى أَكِيلَا وَزَوْجَتَهُ بِرِيسْكِلَّا، أَوْ بِرِيسْكَا. وَكَانَ هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْمِضْيَافَانِ قَدِ ٱسْتَقَرَّا فِي كُورِنْثُوسَ بِسَبَبِ مَرْسُومٍ أَصْدَرَهُ ٱلْإِمْبَرَاطُورُ كُلُودِيُوسُ أَمَرَ فِيهِ «كُلَّ ٱلْيَهُودِ أَنْ يَرْحَلُوا عَنْ رُومَا». (اع ١٨:١، ٢) فَعَرَضَا عَلَى بُولُسَ ٱلْمُكُوثَ فِي بَيْتِهِمَا وَمُشَارَكَتَهُمَا ٱلْعَمَلَ أَيْضًا. نَقْرَأُ: «لِكَوْنِهِ مِنْ صَنْعَتِهِمَا مَكَثَ فِي بَيْتِهِمَا وَعَمِلَ مَعَهُمَا، لِأَنَّهُمَا فِي صَنْعَتِهِمَا كَانَا صَانِعَيْ خِيَامٍ». (اع ١٨:٣) فَأَصْبَحَ مَنْزِلُهُمَا مَحَلَّ إِقَامَةِ ٱلرَّسُولِ طِيلَةَ فَتْرَةِ خِدْمَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ. وَلَرُبَّمَا كَتَبَ وَهُوَ فِي ضِيَافَتِهِمَا بَعْضَ رَسَائِلِهِ ٱلَّتِي أُدْرِجَتْ فِي مَا بَعْدُ فِي قَانُونِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.b
٥ وَلٰكِنْ لَعَلَّكَ تَتَسَاءَلُ: ‹كَيْفَ لِرَجُلٍ مِثْلِ بُولُسَ تَثَقَّفَ «عِنْدَ قَدَمَيْ غَمَالَائِيلَ» أَنْ يَكُونَ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ صَانِعَ خِيَامٍ؟›. (اع ٢٢:٣) عَلَى مَا يَبْدُو، لَمْ يَنْظُرْ يَهُودُ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ نَظْرَةً دُونِيَّةً إِلَى تَعْلِيمِ أَوْلَادِهِمْ صَنْعَةً مَا، وَلَوْ حَصَّلَ بَنُوهُمْ تَعْلِيمًا عَالِيًا. وَبُولُسُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ مَدِينَةِ طَرْسُوسَ فِي كِيلِيكِيَةَ، مِنْطَقَةٍ ٱشْتُهِرَتْ بِإِنْتَاجِ قُمَاشٍ ٱسْمُهُ كِيلِيكِيُومُ ٱسْتُخْدِمَ فِي صِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ. لِذٰلِكَ يُرَجَّحُ أَنَّهُ تَعَلَّمَ هٰذِهِ ٱلصَّنْعَةَ فِي صِغَرِهِ. وَعَلَامَ ٱشْتَمَلَتْ؟ كَانَ ٱلصَّانِعُ يَنْسِجُ ٱلْأَقْمِشَةَ أَوْ يُفَصِّلُ وَيَخِيطُ ٱلْأَنْسِجَةَ ٱلْخَشِنَةَ وَٱلْقَاسِيَةَ. وَفِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ، تَطَلَّبَتْ هٰذِهِ ٱلْمِهْنَةُ جُهْدًا وَعَنَاءً كَبِيرَيْنِ.
٦، ٧ (أ) كَيْفَ نَظَرَ بُولُسُ إِلَى صِنَاعَةِ ٱلْخِيَامِ، وَمَاذَا يَدُلُّ أَنَّ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا شَاطَرَاهُ نَظْرَتَهُ؟ (ب) كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ وَأَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا؟
٦ لَمْ يَعْتَبِرْ بُولُسُ صُنْعَ ٱلْخِيَامِ شُغْلَهُ ٱلشَّاغِلَ، أَوْ عَمَلَهُ ٱلرَّئِيسِيَّ. فَقَدِ ٱمْتَهَنَ هٰذِهِ ٱلْحِرْفَةَ لِمُجَرَّدِ إِعَالَةِ نَفْسِهِ فِيمَا يُنَادِي بِٱلْبِشَارَةِ «بِغَيْرِ كُلْفَةٍ». (٢ كو ١١:٧) وَمَاذَا عَنْ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا؟ كَيْفَ نَظَرَا إِلَى صَنْعَتِهِمَا؟ لَا رَيْبَ أَنَّ شَخْصَيْنِ مَسِيحِيَّيْنِ مِثْلَهُمَا شَاطَرَا بُولُسَ نَظْرَتَهُ إِلَى ٱلْعَمَلِ ٱلدُّنْيَوِيِّ. فَحِينَ غَادَرَ ٱلرَّسُولُ كُورِنْثُوسَ عَامَ ٥٢ بم، وَضَّبَا أَمْتِعَتَهُمَا وَلَحِقَا بِهِ إِلَى أَفَسُسَ حَيْثُ عَقَدَتِ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلْمَحَلِّيَّةُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ فِي مَنْزِلِهِمَا. (١ كو ١٦:١٩) وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، عَادَا إِلَى رُومَا ثُمَّ إِلَى أَفَسُسَ ثَانِيَةً. حَقًّا لَقَدْ وَضَعَ هٰذَانِ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْغَيُورَانِ مَصَالِحَ ٱلْمَلَكُوتِ أَوَّلًا وَبَذَلَا أَنْفُسَهُمَا طَوْعًا فِي خِدْمَةِ ٱلْآخَرِينَ، فَٱسْتَحَقَّا ٱمْتِنَانَ «جَمِيعِ جَمَاعَاتِ ٱلْأُمَمِ». — رو ١٦:٣-٥؛ ٢ تي ٤:١٩.
٧ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ وَأَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا. فَيَجْتَهِدُ ٱلْخُدَّامُ ٱلْغَيُورُونَ كَيْ لَا يَضَعُوا «عِبْئًا مُكَلِّفًا عَلَى أَحَدٍ». (١ تس ٢:٩) مَثَلًا، إِنَّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ ٱلْمُبَشِّرِينَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ يَعْمَلُونَ إِمَّا بِدَوَامٍ جُزْئِيٍّ أَوْ شُهُورًا قَلِيلَةً فِي ٱلسَّنَةِ كَيْ يُعِيلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي عَمَلِهِمِ ٱلرَّئِيسِيِّ، أَيِ ٱلْخِدْمَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. أَوَلَا يَسْتَحِقُّ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةُ ٱلْمَدْحَ؟! فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ، يَفْتَحُ مَسِيحِيُّونَ مِضْيَافُونَ كَثِيرُونَ بُيُوتَهُمْ لِلنُّظَّارِ ٱلْجَائِلِينَ عَلَى غِرَارِ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا. وَبِٱتِّبَاعِهِمْ «مَسْلَكَ ٱلضِّيَافَةِ»، يَتَشَجَّعُونَ وَيَتَشَدَّدُونَ لِلْغَايَةِ. — رو ١٢:١٣.
«كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ . . . آمَنُوا» (اعمال ١٨:٥-٨)
٨، ٩ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ حِينَ قُوبِلَتْ بِشَارَتُهُ ٱلْمُكَثَّفَةُ لِلْيَهُودِ بِٱلْمُقَاوَمَةِ، وَأَيْنَ رَاحَ يَكْرِزُ؟
٨ حِينَ وَصَلَ سِيلَا وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَقْدُونِيَةَ حَامِلَيْنِ مُسَاعَدَاتٍ سَخِيَّةً، لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لِلشَّكِّ أَنَّ بُولُسَ ٱعْتَبَرَ ٱلْعَمَلَ ٱلدُّنْيَوِيَّ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ، لَا هَدَفًا بِحَدِّ ذَاتِهِ. (٢ كو ١١:٩) فَدُونَ إِبْطَاءٍ، أَصْبَحَ «بُولُسُ أَكْثَرَ ٱنْشِغَالًا بِٱلْكَلِمَةِ [«تَفَرَّغَ بُولُسُ تَمَامًا لِلتَّبْشِيرِ»، كِتَابُ ٱلْحَيَاةِ — تَرْجَمَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ]». (اع ١٨:٥) غَيْرَ أَنَّ بِشَارَتَهُ ٱلْمُكَثَّفَةَ لِلْيَهُودِ قُوبِلَتْ بِمُقَاوَمَةٍ شَرِسَةٍ. فَنَفَضَ ٱلرَّسُولُ عِنْدَئِذٍ ثِيَابَهُ، رَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ مَسْؤُولِيَّةَ رَفْضِهِمْ بِشَارَةَ ٱلْخَلَاصِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ. وَقَالَ لِمُقَاوِمِيهِ ٱلْيَهُودِ: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ! أَنَا طَاهِرٌ مِنْهُ. مِنَ ٱلْآنَ أَذْهَبُ إِلَى ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ». — اع ١٨:٦؛ حز ٣:١٨، ١٩.
٩ فَأَيْنَ لِبُولُسَ أَنْ يَكْرِزَ ٱلْآنَ؟ عِوَضًا عَنِ ٱلْمَجْمَعِ، رَاحَ ٱلرَّسُولُ يُبَشِّرُ فِي مَنْزِلِ تِيطِيُوسَ يُوسْتُسَ، وَهُوَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مُتَهَوِّدٌ كَانَ بَيْتُهُ مُلَاصِقًا لِلْمَجْمَعِ. (اع ١٨:٧) صَحِيحٌ أَنَّ بُولُسَ ظَلَّ سَاكِنًا مَعَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي كُورِنْثُوسَ، غَيْرَ أَنَّهُ ٱتَّخَذَ مِنْ بَيْتِ يُوسْتُسَ مَرْكَزًا لِبِشَارَتِهِ.
١٠ مَا ٱلْبُرْهَانُ أَنَّ بُولُسَ لَمْ يَقْصُرْ كِرَازَتَهُ عَلَى ٱلْأُمَمِيِّينَ فَقَطْ؟
١٠ وَلٰكِنْ هَلْ عَنَى قَوْلُ بُولُسَ: «مِنَ ٱلْآنَ أَذْهَبُ إِلَى ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلْأُمَمِ» أَنَّهُ صَرَفَ ٱلنَّظَرَ كُلِّيًّا عَنْ جَمِيعِ ٱلْيَهُودِ وَٱلْمُتَهَوِّدِينَ، حَتَّى ٱلْمُتَجَاوِبِينَ مِنْهُمْ؟ إِطْلَاقًا! عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، «آمَنَ كِرِيسْبُسُ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ بِٱلرَّبِّ، وَكَذٰلِكَ كُلُّ أَهْلِ بَيْتِهِ». وَعَلَى مَا يَبْدُو، ٱنْضَمَّ إِلَيْهِ أَيْضًا عَدَدٌ مِمَّنْ تَرَدَّدُوا عَلَى ٱلْمَجْمَعِ. فَٱلسِّجِلُّ يَذْكُرُ: «كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا آمَنُوا وَٱعْتَمَدُوا». (اع ١٨:٨) وَهٰكَذَا أَصْبَحَ مَنْزِلُ تِيطِيُوسَ يُوسْتُسَ مُلْتَقَى ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْجَدِيدَةِ فِي كُورِنْثُوسَ. وَفِي حَالِ كَانَ سِجِلُّ ٱلْأَعْمَالِ يَتَّبِعُ أُسْلُوبَ لُوقَا ٱلْمَعْهُودَ، أَيْ تَرْتِيبَ ٱلْأَحْدَاثِ وَفْقًا لِلتَّسَلْسُلِ ٱلزَّمَنِيِّ، يَكُونُ ٱهْتِدَاءُ هٰؤُلَاءِ ٱلْيَهُودِ أَوِ ٱلْمُتَهَوِّدِينَ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ ‹نَفَضَ بُولُسُ ثِيَابَهُ›. وَإِذَا صَحَّ ذٰلِكَ، فَإِنَّ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةَ تُشَكِّلُ بُرْهَانًا سَاطِعًا عَلَى مُرُونَةِ ٱلرَّسُولِ.
١١ كَيْفَ يَقْتَدِي شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ بِبُولُسَ فِي مُحَاوَلَتِهِمْ بُلُوغَ ٱلْمُنْتَمِينَ إِلَى ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ؟
١١ وَمَا ٱلْقَوْلُ فِي عَالَمِنَا ٱلْيَوْمَ؟ إِنَّ كَنَائِسَ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ مُتَجَذِّرَةٌ بِعُمْقٍ فِي بُلْدَانٍ عَدِيدَةٍ، وَلَهَا سَطْوَةٌ عَلَى أَعْضَائِهَا. هٰذَا وَقَدْ نَجَحَ مُرْسَلُوهَا فِي «هِدَايَةِ» أَعْدَادٍ كَبِيرَةٍ فِي بَعْضِ ٱلْمَنَاطِقِ. وَعَلَى غِرَارِ ٱلْيَهُودِ فِي كُورِنْثُوسِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، غَالِبًا مَا يَتَشَبَّثُ مُدَّعُو ٱلْمَسِيحِيَّةِ بِٱلتَّقَالِيدِ. غَيْرَ أَنَّ شُهُودَ يَهْوَهَ يُحَاوِلُونَ بِغَيْرَةٍ أَنْ يَبْلُغُوا هٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْخَاصَ وَيُحَسِّنُوا فَهْمَهُمْ لِلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، تَمَثُّلًا بِٱلرَّسُولِ بُولُسَ. وَهُمْ لَا يَفْقِدُونَ ٱلْأَمَلَ وَلَوْ قَاوَمَهُمْ عُمُومُ ٱلنَّاسِ أَوِ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ. فَمِنْ بَيْنِ مَنْ «لَهُمْ غَيْرَةٌ لِلّٰهِ، وَلٰكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ ٱلدَّقِيقَةِ»، هُنَاكَ حُلَمَاءُ مِنْ وَاجِبِنَا ٱلْبَحْثُ عَنْهُمْ وَإِيجَادُهُمْ. — رو ١٠:٢.
«إِنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ» (اعمال ١٨:٩-١٧)
١٢ أَيُّ تَأْكِيدٍ نَالَهُ بُولُسُ فِي رُؤْيَا؟
١٢ فِي حَالِ سَاوَرَتْ بُولُسَ أَيَّةُ شُكُوكٍ حَوْلَ مُوَاصَلَةِ ٱلْكِرَازَةِ فِي كُورِنْثُوسَ، لَا بُدَّ أَنَّهَا ٱنْجَلَتْ لَيْلَةَ تَرَاءَى لَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ فِي رُؤْيَا، قَائِلًا: «لَا تَخَفْ، بَلْ وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، فَإِنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ». (اع ١٨:٩، ١٠) يَا لَهٰذِهِ ٱلرُّؤْيَا ٱلْمُشَجِّعَةِ! فَٱلرَّبُّ نَفْسُهُ أَكَّدَ لِبُولُسَ أَنَّهُ يُصَانُ مِنَ ٱلْأَذَى وَأَنَّ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ ٱلسُّكَّانِ يَسْتَحِقُّونَ سَمَاعَ ٱلْبِشَارَةِ. فَكَيْفَ تَجَاوَبَ ٱلرَّسُولُ؟ نَقْرَأُ: «مَكَثَ هُنَاكَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ». — اع ١٨:١١.
١٣ مَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ فِي بَالِ بُولُسَ فِيمَا دَنَا مِنْ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ، وَلٰكِنْ لِمَ عَرَفَ أَنَّهُ لَنْ يَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ؟
١٣ بَعْدَ قَضَاءِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا فِي كُورِنْثُوسَ، لَمَسَ ٱلرَّسُولُ بُرْهَانًا إِضَافِيًّا عَلَى دَعْمِ ٱلرَّبِّ. فَقَدْ «قَامَ ٱلْيَهُودُ مَعًا عَلَى بُولُسَ وَسَاقُوهُ إِلَى كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ» ٱلْمَدْعُوِّ بِما. (اع ١٨:١٢) وَكُرْسِيُّ ٱلْقَضَاءِ فِي ٱعْتِقَادِ ٱلْبَعْضِ مِنَصَّةٌ مُرْتَفِعَةٌ مِنَ ٱلرُّخَامِ ٱلْأَزْرَقِ وَٱلْأَبْيَضِ مُزَخْرَفَةٌ بِٱلنُّقُوشِ ٱلْجَمِيلَةِ، تَقَعُ كَمَا يَبْدُو بِٱلْقُرْبِ مِنْ وَسَطِ سَاحَةِ ٱلسُّوقِ فِي كُورِنْثُوسَ. وَٱلْبَاحَةُ أَمَامَ ٱلْكُرْسِيِّ كَانَتْ كَافِيَةً لِتَسَعَ حَشْدًا كَبِيرًا. وَتُشِيرُ ٱلِٱكْتِشَافَاتُ ٱلْأَثَرِيَّةُ أَنَّ هٰذِهِ ٱلْمِنَصَّةَ لَمْ تَكُنْ تَبْعُدُ سِوَى بِضْعِ خُطُوَاتٍ عَنِ ٱلْمَجْمَعِ ٱلْمُلَاصِقِ لِبَيْتِ يُوسْتُسَ. فَبِمَ كَانَ بُولُسُ يُفَكِّرُ فِيمَا دَنَا مِنْ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ؟ لَرُبَّمَا ٱسْتَذْكَرَ رَجْمَ إِسْتِفَانُوسَ ٱلْمُشَارِ إِلَيْهِ عُمُومًا بِصِفَتِهِ أَوَّلَ شَهِيدٍ مَسِيحِيٍّ. آنَذَاكَ، كَانَ شَاوُلُ، ٱلْمَعْرُوفُ ٱلْآنَ بِبُولُسَ، «رَاضِيًا بِقَتْلِهِ». (اع ٨:١) فَهَلْ يَذُوقُ هُوَ ٱلْيَوْمَ ٱلْكَأْسَ نَفْسَهَا؟ كَلَّا، فَيَسُوعُ وَعَدَهُ: «لَنْ يُؤْذِيَكَ أَحَدٌ». — اع ١٨:١٠، الترجمة العربية الجديدة.
«أبعَدَهم عن كرسي القضاء». — اعمال ١٨:١٦
١٤، ١٥ (أ) بِمَ ٱتَّهَمَ ٱلْيَهُودُ بُولُسَ، وَلِمَ رَدَّ غَالِيُونُ ٱلدَّعْوَى؟ (ب) مَاذَا جَرَى لِسُوسْتَانِيسَ، وَإِلَامَ رُبَّمَا آلَتِ ٱلْحَادِثَةُ؟
١٤ وَمَاذَا حَصَلَ عِنْدَمَا مَثَلَ بُولُسُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ؟ كَانَ ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْكُرْسِيِّ هُوَ غَالِيُونَ وَالِيَ أَخَائِيَةَ وَٱلْأَخَ ٱلْأَكْبَرَ لِلْفَيْلَسُوفِ ٱلرُّومَانِيِّ سَنِيكَا. هُنَاكَ وَجَّهَ ٱلْيَهُودُ إِلَى بُولُسَ ٱلِٱتِّهَامَ ٱلتَّالِيَ: «إِنَّ هٰذَا يُقْنِعُ ٱلنَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا ٱللّٰهَ بِخِلَافِ ٱلشَّرِيعَةِ». (اع ١٨:١٣) فَلَمَّحُوا بِكَلِمَاتِهِمْ أَنَّهُ مُذْنِبٌ بِٱلْهِدَايَةِ غَيْرِ ٱلشَّرْعِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّ غَالِيُونَ رَأَى أَنَّ بُولُسَ بَرِيءٌ مِنْ أَيِّ «خَطَإٍ أَوْ جِنَايَةٍ فَاحِشَةٍ». (اع ١٨:١٤) فَلَمْ يَكُنِ ٱلْوَالِي يَنْوِي ٱلتَّدَخُّلَ فِي مُجَادَلَاتِ ٱلْيَهُودِ. حَتَّى إِنَّهُ رَدَّ ٱلدَّعْوَى نِهَائِيًّا قَبْلَ أَنْ يَتَفَوَّهَ بُولُسُ بِأَيِّ كَلِمَةٍ! فَٱسْتَشَاطَ ٱلْمُتَّهِمُونَ غَيْظًا وَصَبُّوا جَامَ غَضَبِهِمْ عَلَى سُوسْتَانِيسَ، رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ ٱلَّذِي رُبَّمَا حَلَّ مَحَلَّ كِرِيسْبُسَ. فَأَمْسَكُوا بِهِ «وَأَخَذُوا يَضْرِبُونَهُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ». — اع ١٨:١٧.
١٥ وَلٰكِنْ لِمَ لَمْ يَكُفَّ غَالِيُونُ ٱلْجَمْعَ عَنْ ضَرْبِ سُوسْتَانِيسَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا؟ لَرُبَّمَا ٱعْتَقَدَ ٱلْوَالِي أَنَّ سُوسْتَانِيسَ هُوَ مَنْ حَرَّضَ ٱلرَّعَاعَ عَلَى بُولُسَ، فَٱسْتَحَقَّ بِٱلتَّالِي جَزَاءَ فَعْلَتِهِ. فِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ، يُحْتَمَلُ أَنَّ ٱلْحَادِثَةَ آلَتْ إِلَى نِهَايَةٍ سَعِيدَةٍ. فَحِينَ رَاسَلَ بُولُسُ جَمَاعَةَ كُورِنْثُوسَ لِلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى بَعْدَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ، ذَكَرَ بِٱلِٱسْمِ أَخًا يُدْعَى سُوسْتَانِيسَ. (١ كو ١:١، ٢) فَهَلْ هٰذَا ٱلْأَخُ هُوَ نَفْسُهُ رَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ ٱلَّذِي ضُرِبَ فِي تِلْكَ ٱلْحَادِثَةِ؟ لَا نَعْرِفُ يَقِينًا. وَلٰكِنْ إِذَا صَحَّ هٰذَا ٱلتَّخْمِينُ، فَمِنَ ٱلْمَعْقُولِ أَنَّ ٱلِٱخْتِبَارَ ٱلْأَلِيمَ ٱلَّذِي مَرَّ بِهِ سَاهَمَ فِي ٱعْتِنَاقِهِ ٱلْمَسِيحِيَّةَ.
١٦ كَيْفَ تُؤَثِّرُ كَلِمَاتُ ٱلرَّبِّ إِلَى بُولُسَ فِي خِدْمَتِنَا؟
١٦ فَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ؟ تَذَكَّرْ مَا قَالَهُ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ لِبُولُسَ بَعْدَمَا رَفَضَ ٱلْيَهُودُ كِرَازَتَهُ: «لَا تَخَفْ، بَلْ وَاظِبْ عَلَى ٱلتَّكَلُّمِ وَلَا تَسْكُتْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ». (اع ١٨:٩، ١٠) وَيَحْسُنُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نُبْقِيَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ فِي بَالِنَا، خُصُوصًا حِينَ تُرْفَضُ رِسَالَتُنَا. وَلَا نَنْسَ أَيْضًا أَنَّ يَهْوَهَ يَرَى ٱلْقَلْبَ وَيَجْتَذِبُ أَصْحَابَ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ إِلَيْهِ. (١ صم ١٦:٧؛ يو ٦:٤٤) فَٱلْمِئَاتُ يَعْتَمِدُونَ كُلَّ يَوْمٍ، وَمِئَاتُ ٱلْآلَافِ كُلَّ سَنَةٍ. أَوَلَا يُشَجِّعُنَا ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُثَابَرَةِ فِي ٱلْخِدْمَةِ مِنْ كُلِّ ٱلنَّفْسِ؟! وَيَسُوعُ يُطَمْئِنُ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَتْبَعُونَ وَصِيَّتَهُ ‹مُتَلْمِذِينَ أُنَاسًا مِنْ جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ›، فَيَقُولُ: «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱخْتِتَامِ نِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ». — مت ٢٨:١٩، ٢٠.
«إِنْ شَاءَ يَهْوَهُ» (اعمال ١٨:١٨-٢٢)
١٧، ١٨ فِيمَ تَأَمَّلَ بُولُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِلَى أَفَسُسَ؟
١٧ لَا يُمْكِنُنَا ٱلْجَزْمُ هَلْ أَسْفَرَ مَوْقِفُ غَالِيُونَ مِنْ مُتَّهِمِي بُولُسَ عَنْ فَتْرَةِ سَلَامٍ لِلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْفَتِيَّةِ فِي كُورِنْثُوسَ. غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ «مَكَثَ أَيَّامًا كَثِيرَةً» قَبْلَمَا وَدَّعَ ٱلْإِخْوَةَ هُنَاكَ. ثُمَّ فِي رَبِيعِ عَامِ ٥٢ بم، خَطَّطَ لِلْإِبْحَارِ إِلَى سُورِيَّةَ مِنْ مَرْفَإِ كَنْخَرِيَا عَلَى بُعْدِ ١١ كلم تَقْرِيبًا شَرْقِيَّ كُورِنْثُوسَ. وَلٰكِنْ قَبْلَ مُغَادَرَةِ كَنْخَرِيَا، «قَصَّ شَعْرَهُ قَصِيرًا . . . لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ».c (اع ١٨:١٨) ثُمَّ ٱصْطَحَبَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا وَأَبْحَرَ عَبْرَ بَحْرِ إِيجَه إِلَى أَفَسُسَ فِي آسِيَا ٱلصُّغْرَى.
١٨ وَفِيمَا تَوَارَى مَرْفَأُ كَنْخَرِيَا عَنِ ٱلْأَنْظَارِ، ٱسْتَعْرَضَ ٱلرَّسُولُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ مَا ٱخْتَبَرَهُ فِي كُورِنْثُوسَ، مُسْتَرْجِعًا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلذِّكْرَيَاتِ ٱلْحُلْوَةِ وَٱلْأَسْبَابِ ٱلَّتِي تَبُثُّ فِيهِ ٱكْتِفَاءً عَمِيقًا. فَٱلسَّنَةُ وَٱلنِّصْفُ ٱلَّتِي قَضَاهَا فِي كُورِنْثُوسَ أَثْمَرَتْ بِوَفْرَةٍ. فَقَدْ تَأَسَّسَتِ ٱلْجَمَاعَةُ ٱلْأُولَى فِي ٱلْمَدِينَةِ. وَمِنْ جُمْلَةِ أَعْضَائِهَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ يُوسْتُسَ كَانَ كِرِيسْبُسُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، إِضَافَةً إِلَى كَثِيرِينَ غَيْرِهِمْ. وَلَا شَكَّ أَنَّ بُولُسَ أَعَزَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْجُدُدَ ٱلَّذِينَ سَاعَدَهُمْ عَلَى ٱعْتِنَاقِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. فَقَدْ رَاسَلَهُمْ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ وَاصِفًا إِيَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ رِسَالَةُ تَوْصِيَةٍ، مَكْتُوبَةً فِي قَلْبِهِ. أَوَلَا نَشْعُرُ نَحْنُ أَيْضًا أَنَّ رِبَاطًا وَثِيقًا يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ نُسَاعِدُهُمْ عَلَى إِيجَادِ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ؟! فَكَمْ نَفْرَحُ لِرُؤْيَتِهِمْ، هُمُ ٱلَّذِينَ يُعْتَبَرُونَ «رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ» حَيَّةً لَنَا! — ٢ كو ٣:١-٣.
١٩، ٢٠ مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ حَالَمَا وَصَلَ إِلَى أَفَسُسَ، وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْهُ عَنِ ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ أَهْدَافٍ رُوحِيَّةٍ؟
١٩ حَالَمَا وَصَلَ بُولُسُ إِلَى أَفَسُسَ، بَاشَرَ عَمَلَهُ دُونَمَا تَأْخِيرٍ. «فَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ وَحَاجَّ ٱلْيَهُودَ مَنْطِقِيًّا». (اع ١٨:١٩) وَهٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ، لَمْ يُطِلِ ٱلْبَقَاءَ فِي أَفَسُسَ. فَرَغْمَ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَبْقَى زَمَانًا أَطْوَلَ، «لَمْ يُوَافِقْ» عَلَى طَلَبِهِمْ. قَالَ لَهُمْ وَهُوَ يُوَدِّعُهُمْ: «سَأَعُودُ إِلَيْكُمْ ثَانِيَةً، إِنْ شَاءَ يَهْوَهُ». (اع ١٨:٢٠، ٢١) فَقَدْ أَدْرَكَ دُونَ شَكٍّ أَنَّ هُنَاكَ بَعْدُ عَمَلًا كَثِيرًا يَجِبُ إِنْجَازُهُ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ. لِذٰلِكَ خَطَّطَ لِلْعَوْدَةِ إِلَيْهَا، لٰكِنَّهُ فِي ٱلْوَقْتِ عَيْنِهِ تَرَكَ ٱلْأُمُورَ بَيْنَ يَدَيْ يَهْوَهَ. وَفِي هٰذَا مِثَالٌ لَنَا. فَمِنْ جِهَةٍ، عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ ٱلْمُبَادَرَةَ فِي ٱلسَّعْيِ وَرَاءَ ٱلْأَهْدَافِ ٱلرُّوحِيَّةِ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلضَّرُورِيِّ فِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ أَنْ نَتَّكِلَ دَائِمًا عَلَى إِرْشَادِ يَهْوَهَ وَنَسْعَى لِلْعَمَلِ ٱنْسِجَامًا مَعَ مَشِيئَتِهِ. — يع ٤:١٥.
٢٠ تَرَكَ بُولُسُ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا فِي أَفَسُسَ وَنَزَلَ بَحْرًا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. ثُمَّ «صَعِدَ» إِلَى أُورُشَلِيمَ عَلَى مَا يَبْدُو حَيْثُ سَلَّمَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ هُنَاكَ. (اع ١٨:٢٢؛ حاشية الكتاب المقدس — ترجمة العالم الجديد، بشواهد [بالانكليزية]) بَعْدَئِذٍ عَادَ ٱلرَّسُولُ إِلَى نُقْطَةِ ٱنْطِلَاقِهِ، أَيْ أَنْطَاكِيَةِ سُورِيَّةَ. وَهٰكَذَا ٱخْتَتَمَ بِنَجَاحٍ رِحْلَتَهُ ٱلْإِرْسَالِيَّةَ ٱلثَّانِيَةَ. فَمَاذَا تُخَبِّئُ لَهُ رِحْلَتُهُ ٱلْأَخِيرَةُ يَا تُرَى؟
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «كُورِنْثُوسُ: سَيِّدَةُ ٱلْبَحْرَيْنِ».
b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «رَسَائِلُ مُلْهَمَةٌ تَمُدُّ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ».
c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «نَذْرُ بُولُسَ».
-
-
«كلمة يهوه تنمو وتقوى» رغم المقاومةاشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٠
«كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى» رَغْمَ ٱلْمُقَاوَمَةِ
أَبُلُّوسُ وَبُولُسُ يُسَاهِمَانِ فِي تَقَدُّمِ ٱلْبِشَارَةِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ١٨:٢٣–١٩:٤١
١، ٢ (أ) أَيُّ خَطَرٍ وَاجَهَهُ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ فِي أَفَسُسَ؟ (ب) مَاذَا نُنَاقِشُ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟
أَفَسُسُ غَارِقَةٌ فِي ٱلْفَوْضَى . . . أَفْوَاجٌ هَائِجَةٌ مِنَ ٱلْبَشَرِ يَتَدَافَعُونَ! يَصِيحُونَ! يَصْرُخُونَ! يَخْبِطُونَ ٱلْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ! مَوْجَةُ ٱلرَّعَاعِ تَجْرُفُ فِي طَرِيقِهَا ٱثْنَيْنِ مِنْ رُفَقَاءِ بُولُسَ وَتَحْمِلُهُمَا إِلَى مُدَرَّجِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلضَّخْمِ. فَيَخْلُو ٱلشَّارِعُ ٱلْعَرِيضُ حَيْثُ ٱلْمَتَاجِرُ، فِيمَا يَتَضَاعَفُ ٱلْجَمْعُ ٱلْمَسْعُورُ وَيَقْتَحِمُ ٱلْمُدَرَّجَ ٱلَّذِي يَسَعُ ٠٠٠,٢٥ شَخْصٍ. اَلْجَمْعُ بِمُعْظَمِهِ يَجْهَلُ سَبَبَ ٱلشَّغَبِ. لٰكِنَّهُمْ يَشْتَبِهُونَ أَنَّ هَيْكَلَهُمْ وَإِلَاهَتَهُمُ ٱلْحَبِيبَةَ أَرْطَامِيسَ فِي خَطَرٍ. فَيَرُوحُونَ يُرَدِّدُونَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!». — اع ١٩:٣٤.
٢ مَرَّةً جَدِيدَةً، يَعْمِدُ ٱلشَّيْطَانُ إِلَى عُنْفِ ٱلرَّعَاعِ لِلْحَدِّ مِنِ ٱنْتِشَارِ ٱلْبِشَارَةِ. إِلَّا أَنَّ ٱلتَّهْدِيدَ بِٱلْعُنْفِ لَيْسَ تَكْتِيكَهُ ٱلْوَحِيدَ. وَفِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ، نَسْتَعْرِضُ عَدَدًا مِنْ مَكَايِدِهِ ٱلَّتِي لَجَأَ إِلَيْهَا لِتَقْوِيضِ عَمَلِ وَوَحْدَةِ مَسِيحِيِّي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ. لٰكِنَّنَا سَنَجِدُ أَنَّ تَكْتِيكَاتِهِ كُلَّهَا فَشِلَتْ فَشَلًا ذَرِيعًا. فَقَدْ «كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى بِٱقْتِدَارٍ». (اع ١٩:٢٠) فَكَيْفَ ٱنْتَصَرَ أُولٰئِكَ ٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي حَرْبِهِمْ؟ لَا شَكَّ أَنَّ ٱلْفَضْلَ عَائِدٌ أَوَّلًا وَأَخِيرًا إِلَى يَهْوَهَ ٱللّٰهِ. وَلٰكِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ هُمْ أَيْضًا أَنْ يَلْعَبُوا ٱلدَّوْرَ ٱلْمَنُوطَ بِهِمْ. وَٱلْأَمْرُ عَيْنُهُ يَصِحُّ فِينَا نَحْنُ ٱلْيَوْمَ. فَبِمَعُونَةِ رُوحِ يَهْوَهَ، عَلَيْنَا ٱكْتِسَابُ صِفَاتٍ تُسَاعِدُنَا أَنْ نُتَمِّمَ خِدْمَتَنَا بِنَجَاحٍ. وَفِي هٰذَا ٱلْإِطَارِ، لِنَتَأَمَّلْ بِدَايَةً فِي مِثَالِ أَبُلُّوسَ.
«مُتَضَلِّعٌ مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ» (اعمال ١٨:٢٤-٢٨)
٣، ٤ أَيُّ نَقْصٍ تَبَيَّنَهُ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا عِنْدَ أَبُلُّوسَ، وَكَيْفَ سَاعَدَاهُ؟
٣ فِيمَا كَانَ بُولُسُ مُتَوَجِّهًا إِلَى أَفَسُسَ خِلَالَ رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلثَّالِثَةِ، وَصَلَ إِلَى هُنَاكَ يَهُودِيٌّ ٱسْمُهُ أَبُلُّوسُ. وَأَبُلُّوسُ فِي ٱلْأَصْلِ مِنْ مَدِينَةٍ مِصْرِيَّةٍ عَرِيقَةٍ تُدْعَى ٱلْإِسْكَنْدَرِيَّةَ. وَقَدِ ٱمْتَازَ بِصِفَاتٍ ٱسْتِثْنَائِيَّةٍ؛ فَكَانَ فَصِيحَ ٱللِّسَانِ، ‹مُتَضَلِّعًا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ›، ‹وَمُتَّقِدًا بِٱلرُّوحِ›. كَمَا نَقْرَأُ عَنْهُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِجُرْأَةٍ وَحَمَاسَةٍ أَمَامَ ٱلْيَهُودِ فِي ٱلْمَجْمَعِ. — اع ١٨:٢٤، ٢٥.
٤ وَفِي أَفَسُسَ، سَمِعَ ٱلزَّوْجَانِ ٱلْمَسِيحِيَّانِ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا أَبُلُّوسَ يَتَكَلَّمُ. وَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا سُرَّا بِسَمَاعِهِ يُعَلِّمُ «عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ مَا يَخْتَصُّ بِيَسُوعَ». غَيْرَ أَنَّهُمَا سُرْعَانَ مَا تَبَيَّنَا ثُغْرَةً بَارِزَةً فِي مَعْرِفَتِهِ. فَهُوَ كَانَ «عَارِفًا مَعْمُودِيَّةَ يُوحَنَّا فَقَطْ». فَهَلْ تَهَيَّبَ صَانِعَا ٱلْخِيَامِ ٱلْمُتَوَاضِعَانِ فَصَاحَةَ أَوْ تَعْلِيمَ أَبُلُّوسَ؟ كَلَّا. بَلْ «أَخَذَاهُ إِلَيْهِمَا وَفَصَّلَا لَهُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ عَلَى وَجْهٍ أَصَحَّ». (اع ١٨:٢٥، ٢٦) وَمَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ أَبُلُّوسَ ٱلْخَطِيبِ ٱلْبَارِعِ وَٱلْمُثَقَّفِ؟ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّهُ أَعْرَبَ عَنْ إِحْدَى أَهَمِّ ٱلصِّفَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ: اَلتَّوَاضُعِ.
٥، ٦ مَاذَا مَكَّنَ أَبُلُّوسَ مِنْ زِيَادَةِ كَفَاءَتِهِ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ، وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِهِ؟
٥ وَبَعْدَمَا قَبِلَ مُسَاعَدَةَ أَكِيلَا وَبِرِيسْكِلَّا، أَصْبَحَ أَبُلُّوسُ خَادِمًا أَكْثَرَ كَفَاءَةً. فَسَافَرَ إِلَى أَخَائِيَةَ حَيْثُ «سَاعَدَ كَثِيرًا» ٱلَّذِينَ آمَنُوا. كَمَا نَجَحَ فِي ٱلْكِرَازَةِ لِيَهُودِ تِلْكَ ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلَّذِينَ أَصَرُّوا أَنَّ يَسُوعَ لَيْسَ ٱلْمَسِيَّا ٱلْمُنْبَأَ بِهِ. يَرْوِي لُوقَا: «كَانَ بِٱشْتِدَادٍ يُفْحِمُ ٱلْيَهُودَ عَلَانِيَةً، وَهُوَ يُبَيِّنُ مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ». (اع ١٨:٢٧، ٢٨) وَهٰكَذَا أَصْبَحَ أَبُلُّوسُ عُضْوًا فَعَّالًا فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. وَمِثْلَ بُولُسَ، لَعِبَ دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَقْوِيَةِ «كَلِمَةِ يَهْوَهَ». فَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِهِ؟
٦ لَا غِنَى لِلْمَسِيحِيِّينَ عَنْ تَنْمِيَةِ ٱلتَّوَاضُعِ. صَحِيحٌ أَنَّنَا نَنْعَمُ بِبَرَكَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَوَاهِبَ طَبِيعِيَّةً أَمْ خِبْرَةً أَمْ مَعْرِفَةً مُكْتَسَبَةً، وَلٰكِنْ عَلَيْنَا دَوْمًا أَنْ نُرَجِّحَ كَفَّةَ ٱلتَّوَاضُعِ؛ وَإِلَّا تَتَحَوَّلُ ٱلنِّعْمَةُ إِلَى نَقْمَةٍ! فَنُصْبِحُ عِنْدَئِذٍ تُرْبَةً خِصْبَةً لِزِوَانِ ٱلْكِبْرِيَاءِ. (١ كو ٤:٧؛ يع ٤:٦) أَمَّا إِذَا كُنَّا مُتَوَاضِعِينَ بِكُلِّ مَعْنَى ٱلْكَلِمَةِ، فَسَنُصَمِّمُ عَلَى ٱعْتِبَارِ ٱلْآخَرِينَ يَفُوقُونَنَا. (في ٢:٣) فَلَا نَسْتَاءُ عِنْدَئِذٍ مِنَ ٱلتَّقْوِيمِ وَلَا نَرْفُضُ ٱلتَّعَلُّمَ مِنَ ٱلْآخَرِينَ. وَلَا نَتَشَبَّثُ بِآرَائِنَا حِينَ نُدْرِكُ أَنَّهَا تَتَعَارَضُ مَعَ أَحْدَثِ مَا يَكْشِفُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ. وَمَا دُمْنَا مُتَوَاضِعِينَ، نَظَلُّ نَافِعِينَ لِيَهْوَهَ وَلِيَسُوعَ. — لو ١:٥١، ٥٢.
٧ كَيْفَ رَسَمَ بُولُسُ وَأَبُلُّوسُ مِثَالًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ؟
٧ إِضَافَةً إِلَى ذٰلِكَ، يَنْزِعُ ٱلتَّوَاضُعُ فَتِيلَ ٱلْمُنَافَسَةِ. تَخَيَّلْ كَمْ تَحَرَّقَ ٱلشَّيْطَانُ لِنَشْرِ بُذُورِ ٱلشِّقَاقِ بَيْنَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْأَوَائِلِ. وَكَمْ كَانَ سَيَفْرَحُ دُونَ شَكٍّ لَوِ ٱنْجَرَّ شَخْصَانِ نَشِيطَانِ كَأَبُلُّوسَ وَبُولُسَ إِلَى ٱلْمُنَافَسَةِ، أَوْ رُبَّمَا ٱلتَّسَابُقِ عَنْ حَسَدٍ إِلَى مَرْكَزِ ٱلصَّدَارَةِ بَيْنَ ٱلْإِخْوَةِ! كَانَ ٱلْوُقُوعُ فِي هٰذَا ٱلْفَخِّ مِنْ أَسْهَلِ مَا يَكُونُ. فَفِي كُورِنْثُوسَ رَاحَ ٱلْبَعْضُ يَقُولُونَ: «أَنَا لِبُولُسَ»، وَٱلْبَعْضُ ٱلْآخَرُ: «أَنَا لِأَبُلُّوسَ». فَهَلْ أَجَّجَ هٰذَانِ ٱلْمَسِيحِيَّانِ رُوحَ ٱلِٱنْقِسَامِ هٰذَا؟ مُطْلَقًا! فَقَدِ ٱعْتَرَفَ بُولُسُ بِتَوَاضُعٍ بِمُسَاهَمَةِ أَبُلُّوسَ فِي ٱلْعَمَلِ، مَانِحًا إِيَّاهُ ٱمْتِيَازَاتٍ إِضَافِيَّةً. وَمِنْ نَاحِيَتِهِ، ٱتَّبَعَ أَبُلُّوسُ تَوْجِيهَ ٱلرَّسُولِ بُولُسَ. (١ كو ١:١٠-١٢؛ ٣:٦، ٩؛ تي ٣:١٢، ١٣) فَيَا لَلْمِثَالِ ٱلرَّائِعِ ٱلَّذَي رَسَمَاهُ لَنَا!
حَاجَّ «لِإِقْنَاعِهِمْ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ» (اعمال ١٨:٢٣؛ ١٩:١-١٠)
٨ أَيُّ مَسَارٍ ٱتَّخَذَهُ بُولُسُ وَهُوَ عَائِدٌ إِلَى أَفَسُسَ، وَلِمَاذَا؟
٨ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ، وَعَدَ ٱلرَّسُولُ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى أَفَسُسَ.a وَبِٱلْفِعْلِ، صَدَقَ بُولُسُ بِوَعْدِهِ. (اع ١٨:٢٠، ٢١) وَلٰكِنْ لَاحِظْ كَيْفَ عَادَ إِلَيْهَا. لَقَدْ تَرَكْنَاهُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ فِي أَنْطَاكِيَةِ سُورِيَّةَ. وَكُلُّ مَا تَوَجَّبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِلْوُصُولِ إِلَى أَفَسُسَ ٱجْتِيَازُ ٱلْمَسَافَةِ ٱلْقَصِيرَةِ إِلَى سَلُوقِيَةَ، ثُمَّ رُكُوبُ إِحْدَى ٱلسُّفُنِ وَٱلْإِبْحَارُ مُبَاشَرَةً إِلَى وُجْهَتِهِ. لٰكِنَّ ٱلسِّجِلَّ يُخْبِرُنَا أَنَّ بُولُسَ «ٱجْتَازَ فِي ٱلنَّوَاحِي ٱلدَّاخِلِيَّةِ». وَبِحَسَبِ أَحَدِ ٱلتَّقْدِيرَاتِ، نَاهَزَ طُولُ سَفْرَتِهِ كَمَا تَصِفُهَا ٱلْأَعْمَال ١٨:٢٣ وَ ١٩:١ مَسَافَةَ ٦٠٠,١ كلم. فَلِمَ آثَرَ ٱلرَّسُولُ هٰذَا ٱلْمَسَارَ ٱلشَّاقَّ؟ لِأَنَّهُ جَعَلَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ أَنْ «يُقَوِّيَ جَمِيعَ ٱلتَّلَامِيذِ». (اع ١٨:٢٣) صَحِيحٌ أَنَّ رِحْلَتَهُ ٱلْإِرْسَالِيَّةَ ٱلثَّالِثَةَ تَطَلَّبَتْ مِنْهُ ٱلْكَثِيرَ تَمَامًا كَٱلْأُولَى وَٱلثَّانِيَةِ، إِلَّا أَنَّهَا ٱسْتَأْهَلَتْ فِي نَظَرِهِ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ فِيهَا. وَٱلْيَوْمَ، أَوَلَا يُعْرِبُ ٱلْخُدَّامُ ٱلْجَائِلُونَ وَزَوْجَاتُهُمْ مَشْكُورِينَ عَنْ رُوحٍ مُمَاثِلَةٍ؟!
٩ لِمَ وَجَبَ عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ ٱلتَّلَامِيذِ أَنْ يَعْتَمِدُوا مُجَدَّدًا، وَمَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنْهُمْ؟
٩ فَوْرَ وُصُولِهِ إِلَى أَفَسُسَ، وَجَدَ ٱلرَّسُولُ نَحْوَ ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ تَلَامِيذِ يُوحَنَّا ٱلْمُعَمِّدِ. وَعَرَفَ مِنْهُمْ أَنَّهُمُ ٱعْتَمَدُوا بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا ٱلَّتِي مَا عَادَتْ نَافِذَةً. أَمَّا مَعْلُومَاتُهُمْ عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَكَانَتْ شِبْهَ مَعْدُومَةٍ. فَأَطْلَعَهُمْ بُولُسُ عَلَى أَحْدَثِ ٱلْمَعْلُومَاتِ. وَهُمْ بِدَوْرِهِمْ تَجَاوَبُوا بِتَوَاضُعٍ وَكَانُوا رَاغِبِينَ فِي ٱلتَّعَلُّمِ مَثَلُهُمْ مَثَلُ أَبُلُّوسَ. وَبَعْدَمَا ٱعْتَمَدُوا بِٱسْمِ يَسُوعَ، نَالُوا ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ وَبَعْضَ ٱلْمَوَاهِبِ ٱلْعَجَائِبِيَّةِ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ مُجَارَاةَ هَيْئَةِ يَهْوَهَ ٱلثِّيُوقْرَاطِيَّةِ ٱلتَّقَدُّمِيَّةِ تَعُودُ عَلَى ٱلْمَرْءِ بِٱلْفَوَائِدِ. — اع ١٩:١-٧.
١٠ لِمَ ٱنْتَقَلَ بُولُسُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ إِلَى قَاعَةِ مَدْرَسَةٍ، وَكَيْفَ رَسَمَ لَنَا مِثَالًا فِي ذٰلِكَ؟
١٠ كَانَتْ مَدِينَةُ أَفَسُسَ بِٱنْتِظَارِ ٱلْمَزِيدِ بَعْدُ. تَأَمَّلْ فِي مَا حَدَثَ. لَقَدْ كَرَزَ بُولُسُ بِجُرْأَةٍ فِي ٱلْمَجْمَعِ عَلَى مَدَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. لٰكِنَّ ٱلْبَعْضَ تَقَسَّوْا وَأَصْبَحُوا مُقَاوِمِينَ لِلْبِشَارَةِ مَعَ أَنَّهُ حَاجَّهُمْ «لِإِقْنَاعِهِمْ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ». إِذَّاكَ، لَمْ يُضَيِّعْ بُولُسُ ٱلْوَقْتَ مَعَ هٰؤُلَاءِ ‹ٱلطَّاعِنِينَ فِي «ٱلطَّرِيقِ»›، بَلْ رَتَّبَ لِيَخْطُبَ فِي قَاعَةِ مَدْرَسَةٍ. (اع ١٩:٨، ٩) وَكُلُّ مَنْ رَغِبَ فِي إِحْرَازِ تَقَدُّمٍ رُوحِيٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ ٱلِٱنْتِقَالُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ إِلَى ٱلْقَاعَةِ. وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نُنْهِي ٱلْمُنَاقَشَةَ بَعْضَ ٱلْأَحْيَانِ عِنْدَمَا نُلَاحِظُ أَنَّ صَاحِبَ ٱلْبَيْتِ غَيْرُ مُسْتَعِدٍّ لِلْإِصْغَاءِ إِلَيْنَا، أَوْ أَنَّ جُلَّ مَا يُرِيدُ هُوَ ٱلْخَوْضُ فِي جَدَلٍ بِيزَنْطِيٍّ. فَمَا زَالَ هُنَاكَ ٱلْكَثِيرُ بَعْدُ مِنَ ٱلْمُشَبَّهِينَ بِٱلْخِرَافِ ٱلرَّاغِبِينَ فِي سَمَاعِ رِسَالَتِنَا ٱلْمُشَجِّعَةِ.
١١، ١٢ (أ) كَيْفَ رَسَمَ بُولُسُ مِثَالًا فِي ٱلتَّحَلِّي بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ؟ (ب) كَيْفَ يَسْعَى شُهُودُ يَهْوَهَ إِلَى ٱلِٱتِّصَافِ بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ فِي خِدْمَتِهِمِ ٱلْعَلَنِيَّةِ؟
١١ يُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ تَكَلَّمَ فِي قَاعَةِ ٱلْمَدْرَسَةِ تِلْكَ يَوْمِيًّا مِنَ ٱلسَّاعَةِ ١١ قظ حَتَّى ٤ بظ. (اع ١٩:٩) وَهٰذِهِ ٱلْفَتْرَةُ كَانَتْ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَكْثَرَ سَاعَاتِ ٱلنَّهَارِ هُدُوءًا، وَلٰكِنْ أَشَدَّهَا حَرًّا. وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ تَوَقَّفُوا فِيهَا عَنِ ٱلْعَمَلِ لِيَأْكُلُوا وَيَرْتَاحُوا. تَخَيَّلْ: إِذَا دَاوَمَ بُولُسُ عَلَى هٰذَا ٱلْبَرْنَامَجِ ٱلْحَافِلِ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ، يَتَخَطَّى مَجْمُوعُ ٱلسَّاعَاتِ ٱلَّتِي صَرَفَهَا فِي ٱلتَّعْلِيمِ ٠٠٠,٣ سَاعَةٍ!b وَهُنَا عَامِلٌ آخَرُ يُفَسِّرُ لمَ كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى. فَقَدِ ٱتَّصَفَ ٱلرَّسُولُ بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ، مُكَيِّفًا بَرْنَامَجَ خِدْمَتِهِ لِكَيْ تُلَائِمَ حَاجَاتِ ٱلنَّاسِ فِي ذٰلِكَ ٱلْمُجْتَمَعِ. وَبِأَيِّ نَتِيجَةٍ؟ «جَمِيعُ سُكَّانِ إِقْلِيمِ آسِيَا، يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، سَمِعُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ». (اع ١٩:١٠) فَهَلْ يَخْتَلِفُ ٱثْنَانِ فِي أَنَّ بُولُسَ أَدَّى بِٱلْفِعْلِ شَهَادَةً كَامِلَةً؟!
نحن نسعى الى بلوغ الجميع أينما كانوا
١٢ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، نَتَحَلَّى نَحْنُ شُهُودَ يَهْوَهَ ٱلْعَصْرِيِّينَ بِٱلِٱجْتِهَادِ وَٱلْمُرُونَةِ، فَنَسْعَى إِلَى بُلُوغِ ٱلْجَمِيعِ أَيْنَمَا كَانُوا وَوَقْتَمَا وُجِدُوا. فَنُبَشِّرُ فِي ٱلشَّوَارِعِ وَٱلْأَسْوَاقِ وَمَوَاقِفِ ٱلسَّيَّارَاتِ. وَنُرَاسِلُ ٱلنَّاسَ أَوْ نَتَّصِلُ بِهِمْ عَبْرَ ٱلْهَاتِفِ. وَنُخَطِّطُ لِزِيَارَتِهِمْ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ حِينَمَا يَتَوَاجَدُونَ عَادَةً فِي بُيُوتِهِمْ.
«تَنْمُو وَتَقْوَى» فِي وَجْهِ ٱلْأَرْوَاحِ ٱلشِّرِّيرَةِ (اعمال ١٩:١١-٢٢)
١٣، ١٤ (أ) مَاذَا مَكَّنَ يَهْوَهُ بُولُسَ مِنْ فِعْلِهِ؟ (ب) كَيْفَ أَخْطَأَ أَبْنَاءُ سَكَاوَا، وَكَيْفَ يَرْتَكِبُ كَثِيرُونَ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلْيَوْمَ ٱلْخَطَأَ نَفْسَهُ؟
١٣ يُخْبِرُنَا لُوقَا أَنَّ ٱلْأَيَّامَ ٱلتَّالِيَةَ شَهِدَتْ أَحْدَاثًا مُمَيَّزَةً، إِذْ مَكَّنَ يَهْوَهُ بُولُسَ أَنْ يَصْنَعَ «قُوَّاتٍ عَظِيمَةً». تَصَوَّرْ: حَتَّى مَنَادِيلُهُ وَمَآزِرُهُ كَانَتْ تُؤْخَذُ إِلَى ٱلْمُتَأَلِّمِينَ، فَتَتْرُكُهُمُ ٱلْعِلَلُ وَتَخْرُجُ مِنْهُمُ ٱلْأَرْوَاحُ ٱلشِّرِّيرَةُ!c (اع ١٩:١١، ١٢) وَقَدِ ٱسْتَقْطَبَتْ هٰذِهِ ٱلِٱنْتِصَارَاتُ ٱلْكَاسِحَةُ عَلَى قِوَى ٱلشَّيْطَانِ ٱهْتِمَامَ ٱلْكَثِيرِينَ. لٰكِنَّ نَوَايَا بَعْضِهِمْ لَمْ تَكُنْ حَسَنَةً.
١٤ فَقَدْ حَاوَلَ قَوْمٌ مِنَ «ٱلْيَهُودِ ٱلطَّوَّافِينَ، ٱلَّذِينَ كَانُوا يُمَارِسُونَ إِخْرَاجَ ٱلشَّيَاطِينِ»، أَنْ يُقَلِّدُوا عَجَائِبَ ٱلرَّسُولِ. فَجَرَّبَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَطْرُدُوا ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِ يَسُوعَ وَبُولُسَ. وَهٰذَا مَا حَصَلَ مَثَلًا مَعَ سَبْعَةِ رِجَالٍ مِنْ عَائِلَةٍ كَهَنُوتِيَّةٍ، أَبْنَاءِ رَجُلٍ يُدْعَى سَكَاوَا. إِلَّا أَنَّ ٱلشَّيْطَانَ قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَعْرِفُ يَسُوعَ وَأَعْلَمُ مَنْ هُوَ بُولُسُ، أَمَّا أَنْتُمْ فَمَنْ تَكُونُونَ؟». ثُمَّ ٱنْقَضَّ «ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱلرُّوحُ ٱلشِّرِّيرُ» عَلَى هٰؤُلَاءِ ٱلدَّجَّالِينَ، وَاثِبًا كَوَحْشٍ ضَارٍ. فَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ وَلَّوْا هَارِبِينَ، عُرَاةً وَمُجَرَّحِينَ. (اع ١٩:١٣-١٦) فَيَا لَلِٱنْتِصَارِ ٱلْكَاسِحِ ٱلَّذِي حَقَّقَتْهُ «كَلِمَةُ يَهْوَهَ»! يَكْفِي فَقَطْ أَنْ نُقَارِنَ بَيْنَ ٱلْقُدْرَةِ ٱلْهَائِلَةِ ٱلَّتِي مُنِحَتْ لِبُولُسَ وَٱلْعَجْزِ ٱلْمُطْبِقِ ٱلَّذِي ٱبْتُلِيَ بِهِ أَتْبَاعُ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْبَاطِلَةِ. وَٱلْيَوْمَ يَفْتَرِضُ ٱلْمَلَايِينُ أَنَّ مُجَرَّدَ ٱلِٱدِّعَاءِ أَنَّهُمْ مَسِيحِيُّونَ أَوِ ٱلِٱسْتِعَانَةِ بِٱسْمِ يَسُوعَ كَافِيَانِ. وَلٰكِنْ كَمَا عَلَّمَ يَسُوعُ نَفْسُهُ، لَا رَجَاءَ حَقِيقِيًّا إِلَّا لِمَنْ يَعْمَلُونَ مَشِيئَةَ أَبِيهِ. — مت ٧:٢١-٢٣.
١٥ كَيْفَ نَقْتَدِي بِمِثَالِ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِٱلْأَرْوَاحِيَّةِ وَٱلْأَغْرَاضِ ٱلْمُرْتَبِطَةِ بِهَا؟
١٥ بَعْدَمَا أُذِلَّ أَبْنَاءُ سَكَاوَا، ٱنْتَشَرَ خَوْفُ ٱللّٰهِ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، مِمَّا دَفَعَ أَشْخَاصًا كَثِيرِينَ إِلَى ٱعْتِنَاقِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ وَتَرْكِ ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلْأَرْوَاحِيَّةِ. فَٱلْمُجْتَمَعُ ٱلْأَفَسُسِيُّ كَانَ مُنْغَمِسًا فِي ٱلْفُنُونِ ٱلسِّحْرِيَّةِ. وَقَدَ شَاعَ ٱسْتِعْمَالُ ٱلرُّقَى وَٱلتَّمَائِمِ وَٱلتَّعَاوِيذِ ٱلَّتِي غَالِبًا مَا كَانَتْ تُكْتَبُ كِتَابَةً. أَمَّا ٱلْآنَ فَٱنْدَفَعَ أَفَسُسِيُّونَ كُثُرٌ إِلَى إِحْضَارِ كُتُبِهِمْ عَنِ ٱلْفُنُونِ ٱلسِّحْرِيَّةِ وَإِحْرَاقِهَا عَلَنًا، مَعَ أَنَّ قِيمَتَهَا تُسَاوِي فِي أَيَّامِنَا عَشَرَاتِ آلَافِ ٱلدُّولَارَاتِ.d «وَهٰكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى بِٱقْتِدَارٍ». (اع ١٩:١٧-٢٠) فَمِنْ جَدِيدٍ، أَحْرَزَ ٱلْحَقُّ ٱنْتِصَارًا بَاهِرًا عَلَى ٱلشَّيْطَانِيَّةِ وَٱلتَّعَالِيمِ ٱلْبَاطِلَةِ. وَيَحْسُنُ بِنَا نَحْنُ أَيْضًا ٱلْعَائِشِينَ فِي عَالَمٍ غَارِقٍ فِي ٱلْأَرْوَاحِيَّةِ أَنْ نَقْتَدِيَ بِأَهْلِ أَفَسُسَ ٱلْأُمَنَاءِ. فَإِذَا عَرَفْنَا أَنَّ أَحَدَ أَغْرَاضِنَا مُرْتَبِطٌ بِهَا، فَلْنُبَادِرْ فَوْرًا إِلَى ٱلتَّخَلُّصِ مِنْهُ. وَلْنَتَحَاشَ تَمَامًا هٰذِهِ ٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلْمَقِيتَةَ مَهْمَا كَانَ ٱلثَّمَنُ!
«حَدَثَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ» (اعمال ١٩:٢٣-٤١)
«أيها الرجال، انتم تعرفون جيدا ان رغد عيشنا هو من هذا العمل». — اعمال ١٩:٢٥
١٦، ١٧ (أ) كَيْفَ أَثَارَ دِيمِتْرِيُوسُ ٱلشَّغَبَ فِي أَفَسُسَ؟ (ب) كَيْفَ تَجَلَّتْ نُعَرَةُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ ٱلدِّينِيَّةُ؟
١٦ لِنَتَفَحَّصِ ٱلْآنَ تَكْتِيكًا شَيْطَانِيًّا آخَرَ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ لُوقَا. نَقْرَأُ: «حَدَثَ ٱضْطِرَابٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِشَأْنِ ‹ٱلطَّرِيقِ›». وَكَلَامُ لُوقَا عَنِ «ٱضْطِرَابٍ لَيْسَ بِقَلِيلٍ» لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ ٱلْمُبَالَغَةِ.e (اع ١٩:٢٣) أَمَّا أَصْلُ ٱلْمُشْكِلَةِ فَهُوَ صَائِغُ فِضَّةٍ ٱسْمُهُ دِيمِتْرِيُوسُ. فَكَيْفَ أَشْعَلَ فَتِيلَ ٱلشَّغَبِ؟ لَقَدِ ٱسْتَأْثَرَ دِيمِتْرِيُوسُ بِٱنْتِبَاهِ غَيْرِهِ مِنَ «ٱلصُّنَّاعِ» بِتَذْكِيرِهِمْ أَوَّلًا أَنَّ رَغْدَ عَيْشِهِمْ مَرَدُّهُ إِلَى بَيْعِ ٱلْأَصْنَامِ. ثُمَّ لَمَّحَ أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلَّتِي كَرَزَ بِهَا بُولُسُ تَقْطَعُ رِزْقَهُمْ لِأَنَّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ لَا يَعْبُدُونَ ٱلْأَوْثَانَ. بَعْدَئِذٍ خَاطَبَ فِيهِمْ رُوحَهُمُ ٱلْقَوْمِيَّةَ وَعَصَبِيَّتَهُمْ لِمَدِينَتِهِمْ، مُحَذِّرًا أَنَّ إِلَاهَتَهُمْ أَرْطَامِيسَ وَهَيْكَلَهُمُ ٱلْمَشْهُورَ عَالَمِيًّا يُوَاجِهَانِ خَطَرَ ‹ٱلِٱنْهِيَارِ›. — اع ١٩:٢٤-٢٧.
١٧ بَلَغَ دِيمِتْرِيُوسُ مَأْرَبَهُ. فَقَدْ رَاحَ صَاغَةُ ٱلْفِضَّةِ يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ». فَٱمْتَلَأَتِ ٱلْمَدِينَةُ بَلْبَلَةً وَتَشَكَّلَ جَمْعُ ٱلرَّعَاعِ كَمَا مَرَّ مَعَنَا فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ.f أَمَّا بُولُسُ فَهَمَّ بِٱلذَّهَابِ إِلَى ٱلْمُدَرَّجِ لِمُخَاطَبَةِ ٱلْحَشْدِ، مَدْفُوعًا بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّلَامِيذَ أَصَرُّوا عَلَيْهِ أَنْ يَتَلَافَى ٱلْخَطَرَ. فِي تِلْكَ ٱلْأَثْنَاءِ، وَقَفَ رَجُلٌ ٱسْمُهُ ٱلْإِسْكَنْدَرُ أَمَامَ ٱلْجَمْعِ وَحَاوَلَ مُكَالَمَتَهُمْ. فَبِمَا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَلَرُبَّمَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّطَ ٱلضَّوْءَ عَلَى ٱلْفَرْقِ بَيْنَ ٱلْيَهُودِ وَهٰؤُلَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ. لٰكِنَّ ٱلْجَمْعَ ٱلْهَائِجَ مَا كَانَ لِيُعَلِّقَ أَيَّ أَهَمِّيَّةٍ عَلَى كَلَامِهِ. فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، سَكَّتُوهُ مُرَدِّدِينَ نَحْوَ سَاعَتَيْنِ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ ٱلْأَفَسُسِيِّينَ!». وَإِلَى يَوْمِنَا هٰذَا، تَبْقَى ٱلنُّعَرَةُ ٱلدِّينِيَّةُ آفَةً يَفْقِدُ مَنْ يُصَابُ بِهَا ٱلسَّيْطَرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. — اع ١٩:٢٨-٣٤.
١٨، ١٩ (أ) كَيْفَ هَدَّأَ رَئِيسُ دِيوَانِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْجَمْعَ؟ (ب) كَيْفَ تَحْمِي ٱلسُّلُطَاتُ ٱلدُّنْيَوِيَّةُ أَحْيَانًا شَعْبَ يَهْوَهَ، وَأَيُّ دَوْرٍ نَلْعَبُهُ نَحْنُ فِي نَيْلِ حِمَايَةٍ كَهٰذِهِ؟
١٨ أَخِيرًا، هَدَّأَ رَئِيسُ دِيوَانِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْجَمْعَ ٱلثَّائِرَ. فَأَكَّدَ لَهُمْ هٰذَا ٱلرَّجُلُ ٱلرَّزِينُ أَنَّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ لَا يُشَكِّلُونَ خَطَرًا لَا عَلَى هَيْكَلِ أَفَسُسَ وَلَا عَلَى إِلَاهَتِهَا، وَأَنَّ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ لَمْ يُخْطِئُوا فِي حَقِّ هَيْكَلِ أَرْطَامِيسَ. كَمَا ذَكَّرَهُمْ بِٱلْأُصُولِ ٱلْمَرْعِيَّةِ لِبَتِّ مَسَائِلَ كَهٰذِهِ. وَلٰكِنْ لَعَلَّ أَكْثَرَ حُجَجِهِ تَأْثِيرًا إِشَارَتُهُ أَنَّهُمْ فِي خَطَرِ إِثَارَةِ غَضَبِ ٱلرُّومَانِ بِسَبَبِ تَجَمُّعِهِمْ غَيْرِ ٱلْمَشْرُوعِ. وَبَعْدَ أَنْ قَالَ هٰذَا صَرَفَ ٱلْحَشْدَ. وَهٰكَذَا، بِفَضْلِ كَلِمَاتِهِ ٱلْمَنْطِقِيَّةِ وَٱلْعَمَلِيَّةِ، خَمَدَ غَضَبُ ٱلرَّعَاعِ بِٱلسُّرْعَةِ نَفْسِهَا ٱلَّتِي ثَارَ بِهَا. — اع ١٩:٣٥-٤١.
١٩ لَيْسَتْ هٰذِهِ أَوَّلَ أَوْ آخِرَ مَرَّةٍ يَتَدَخَّلُ فِيهَا شَخْصٌ مُتَّزِنٌ فِي مَرْكَزِ مَسْؤُولِيَّةٍ لِيَحْمِيَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ. وَفِي ٱلْوَاقِعِ، رَأَى ٱلرَّسُولُ يُوحَنَّا فِي رُؤْيَا أَنَّ أَرْكَانَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلثَّابِتَةَ ٱلْمَرْمُوزَ إِلَيْهَا بِٱلْأَرْضِ تَبْتَلِعُ خِلَالَ ٱلْأَيَّامِ ٱلْأَخِيرَةِ فَيْضًا مِنَ ٱلِٱضْطِهَادِ ٱلشَّيْطَانِيِّ عَلَى أَتْبَاعِ يَسُوعَ. (رؤ ١٢:١٥، ١٦) وَبِٱلْفِعْلِ، نَشْهَدُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ إِتْمَامَ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ. فَفِي حَالَاتٍ كَثِيرَةٍ، يَنْدَفِعُ قُضَاةٌ عَادِلُونَ إِلَى ضَمَانِ حُرِّيَّةِ شُهُودِ يَهْوَهَ فِي ٱلِٱجْتِمَاعِ مَعًا لِتَقْدِيمِ ٱلْعِبَادَةِ، وَحِمَايَةِ حَقِّهِمْ فِي ٱلْكِرَازَةِ بِٱلْبِشَارَةِ. وَفِي هٰذَا ٱلْإِطَارِ، قَدْ يَلْعَبُ سُلُوكُنَا دَوْرًا فِي ٱنْتِصَارَاتٍ مُمَاثِلَةٍ. فَعَلَى مَا يَبْدُو، كَسَبَ بُولُسُ بِفَضْلِ سُلُوكِهِ ٱحْتِرَامَ وَوِدَّ بَعْضِ ٱلْمَسْؤُولِينَ ٱلْحُكُومِيِّينَ فِي أَفَسُسَ، فَحَرَصُوا عَلَى سَلَامَتِهِ. (اع ١٩:٣١) فَلْيَتْرُكْ سُلُوكُنَا ٱلْمُتَّصِفُ بِٱلنَّزَاهَةِ وَٱلِٱحْتِرَامِ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ ٱنْطِبَاعًا مُسْتَحَبًّا عِنْدَ ٱلْآخَرِينَ. فَمَنْ يَدْرِي أَيَّ خَيْرٍ جَزِيلٍ قَدْ نَجْنِي بِفَضْلِهِ؟
٢٠ (أ) مَا ٱنْطِبَاعَاتُكَ عَنْ نُمُوِّ كَلِمَةِ يَهْوَهَ فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ وَٱلْيَوْمَ؟ (ب) إِلَامَ تَنْدَفِعُ حِينَ تَرَى ٱنْتِصَارَاتِ يَهْوَهَ فِي أَيَّامِنَا؟
٢٠ لَا شَكَّ أَنَّنَا تَشَجَّعْنَا كَثِيرًا بَعْدَمَا رَأَيْنَا كَيْفَ «كَانَتْ كَلِمَةُ يَهْوَهَ تَنْمُو وَتَقْوَى» فِي ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ. بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، أَلَا نَتَشَجَّعُ حِينَ نَرَى ٱنْتِصَارَاتٍ مُشَابِهَةً تَتَحَقَّقُ بِفَضْلِ يَهْوَهَ؟ فَهَلْ تَرْغَبُ أَنْ تَحْظَى بِٱمْتِيَازِ ٱلْمُسَاهَمَةِ فِيهَا وَلَوْ قَلِيلًا؟ فِي هٰذِهِ ٱلْحَالِ، تَعَلَّمْ مِنَ ٱلْأَمْثِلَةِ ٱلْوَارِدَةِ فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ. حَافِظْ عَلَى تَوَاضُعِكَ، جَارِ هَيْئَةَ يَهْوَهَ ٱلتَّقَدُّمِيَّةَ، ٱجْتَهِدْ عَلَى ٱلدَّوَامِ، ٱهْرُبْ مِنَ ٱلْأَرْوَاحِيَّةِ، وَٱبْذُلْ قُصَارَى جُهْدِكَ لِتُقَدِّمَ شَهَادَةً حَسَنَةً مِنْ خِلَالِ سُلُوكِكَ ٱلْمُتَّسِمِ بِٱلنَّزَاهَةِ وَٱلِٱحْتِرَامِ.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «أَفَسُسُ: عَاصِمَةُ آسِيَا».
b كَتَبَ بُولُسُ أَيْضَا ١ كُورِنْثُوسَ خِلَالَ إِقَامَتِهِ فِي أَفَسُسَ.
c يَجُوزُ أَنَّ بُولُسَ لَفَّ هٰذِهِ ٱلْمَنَادِيلَ حَوْلَ جَبِينِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ ٱلْعَرَقُ فِي عَيْنَيْهِ. أَمَّا ٱلْمَآزِرُ فَلَعَلَّهُ لَبِسَهَا لِأَنَّهُ زَاوَلَ صِنَاعَةَ ٱلْخِيَامِ خِلَالَ أَوْقَاتِ فَرَاغِهِ، رُبَّمَا فِي ٱلصَّبَاحِ ٱلْبَاكِرِ. — اع ٢٠:٣٤، ٣٥.
d يَذْكُرُ لُوقَا أَنَّ ثَمَنَ ٱلْكُتُبِ بَلَغَ ٠٠٠,٥٠ قِطْعَةٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. وَفِي حَالِ كَانَتْ قِطَعُ ٱلْفِضَّةِ دَنَانِيرَ، تَطَلَّبَ جَمْعُ هٰذَا ٱلْمَبْلَغِ آنَذَاكَ ٱلْعَمَلَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ ٠٠٠,٥٠ يَوْمٍ، أَيْ مَا يُقَارِبُ ١٣٧ سَنَةً.
e يَرَى ٱلْبَعْضُ أَنَّ بُولُسَ أَشَارَ إِلَى هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ حِينَ قَالَ لِلْكُورِنْثِيِّينَ: «كُنَّا إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ حَيَاتِنَا». (٢ كو ١:٨) وَلٰكِنْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّ حَادِثَةً أَخْطَرَ بِكَثِيرٍ كَانَتْ فِي بَالِهِ. فَعِنْدَمَا كَتَبَ أَنَّهُ ‹قَاتَلَ وُحُوشًا فِي أَفَسُسَ›، لَرُبَّمَا قَصَدَ مُجَابَهَةَ وُحُوشٍ ضَارِيَةٍ فِي حَلْبَةٍ أَوْ مُوَاجَهَةَ ٱلْمُقَاوِمِينَ هُنَاكَ. (١ كو ١٥:٣٢) فَكِلَا ٱلْمَعْنَيَيْنِ ٱلْحَرْفِيُّ وَٱلْمَجَازِيُّ جَائِزٌ.
f كَانَتْ رَابِطَاتُ أَوْ نِقَابَاتُ ٱلصُّنَّاعِ قَادِرَةً عَلَى ٱلتَّأْثِيرِ بِعُمْقٍ فِي ٱلْمُجْتَمَعِ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، حَرَّضَتْ رَابِطَةُ ٱلْخَبَّازِينَ فِي أَفَسُسَ عَلَى أَعْمَالِ شَغَبٍ مُمَاثِلَةٍ بَعْدَ نَحْوِ قَرْنٍ.
-
-
«اني طاهر من دم الجميع»اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢١
«إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ»
غَيْرَةُ بُولُسَ فِي ٱلْكِرَازَةِ وَمَشُورَتُهُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢٠:١-٣٨
١-٣ (أ) صِفُوا ٱلظُّرُوفَ ٱلْمُحِيطَةَ بِمَوْتِ أَفْتِيخُوسَ. (ب) مَاذَا فَعَلَ بُولُسُ، وَمَاذَا تَكْشِفُ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةُ عَنْهُ؟
يَحْتَشِدُ ٱلْإِخْوَةُ فِي عُلِّيَّةٍ بِتَرُوَاسَ مُصْغِينَ إِلَى خِطَابِ بُولُسَ ٱلْوَدَاعِيِّ. إِنَّهَا لَيْلَتُهُ ٱلْأَخِيرَةُ مَعَهُمْ. لٰكِنَّ ٱلْخِطَابَ يَطُولُ . . . وَيَطُولُ . . . حَتَّى يَنْتَصِفَ ٱللَّيْلُ. اَلسُّرُجُ كَثِيرَةٌ تَتَرَاقَصُ شُعَلُهَا يَمِينًا وَيَسَارًا لِتُنِيرَ ٱلْمَكَانَ. وَلٰكِنْ مَعَ ٱلْوَقْتِ يَشْتَدُّ ٱلْحَرُّ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، وَرُبَّمَا تَعْبَقُ بِٱلْغُرْفَةِ رَائِحَةُ ٱلدُّخَانِ أَيْضًا. وَفِيمَا يُطِيلُ ٱلرَّسُولُ ٱلْكَلَامَ، يَغْلِبُ ٱلنُّعَاسُ عَلَى شَابٍّ يُدْعَى أَفْتِيخُوسَ كَانَ جَالِسًا عَلَى حَرْفِ ٱلنَّافِذَةِ. وَفَجْأَةً يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ: فَٱلشَّابُّ أَفْتِيخُوسُ يَهْوِي أَرْضًا مِنَ ٱلطَّبَقَةِ ٱلثَّالِثَةِ!
٢ لَا نَسْتَغْرِبُ إِنْ كَانَ لُوقَا ٱلطَّبِيبُ هُوَ أَوَّلَ مَنْ هَبَّ لِتَفَقُّدِ أَفْتِيخُوسَ. إِلَّا أَنَّ حَالَةَ ٱلشَّابِّ وَاضِحَةٌ تَمَامًا: إِنَّهُ «مَيِّتٌ»! (اع ٢٠:٩) فَهَلْ يَرْجِعُ ٱلْإِخْوَةُ إِلَى بُيُوتِهِمْ حَزَانَى؟ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ! فَهَا بُولُسُ يَرْتَمِي عَلَى أَفْتِيخُوسَ، ثُمَّ يَأْمُرُ ٱلْحُضُورَ قَائِلًا: «كُفُّوا عَنْ إِثَارَةِ ٱلضَّجِيجِ لِأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ». نَعَمْ، لَقَدْ صَنَعَ ٱلرَّسُولُ عَجِيبَةً وَأَعَادَ ٱلشَّابَّ إِلَى ٱلْحَيَاةِ! — اع ٢٠:١٠.
٣ فِي هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ، تَجَلَّتْ قُدْرَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَلٰكِنْ لِمَ صَنَعَ بُولُسُ أَسَاسًا هٰذِهِ ٱلْعَجِيبَةَ؟ فَهُوَ أَوَّلًا وَآخِرًا لَمْ يَكُنْ مَلُومًا عَلَى مَوْتِ أَفْتِيخُوسَ. اَلْوَاقِعُ هُوَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تُفْسِدَ هٰذِهِ ٱلْفَاجِعَةُ ٱلْمُنَاسَبَةَ ٱلْهَامَّةَ أَوْ أَنْ تُعْثِرَ أَيًّا مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ. وَبِإِقَامَةِ أَفْتِيخُوسَ، كَانَتْ لِلْجَمَاعَةِ تَعْزِيَةٌ، وَتَنَشَّطَ أَعْضَاؤُهَا لِمُتَابَعَةِ خِدْمَتِهِمْ بَعْدَ مُغَادَرَةِ بُولُسَ. وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلرَّسُولَ لَمْ يَنْظُرْ بِٱسْتِخْفَافٍ إِلَى حَيَاةِ ٱلْآخَرِينَ. قَالَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ: «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ». (اع ٢٠:٢٦) فَلْنَتَأَمَّلْ إِذًا كَيْفَ يُفِيدُنَا مِثَالُهُ.
«خَرَجَ لِيُسَافِرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ» (اعمال ٢٠:١، ٢)
٤ أَيُّ مِحْنَةٍ شَدِيدَةٍ أَلَمَّتْ بِبُولُسَ؟
٤ قَرَأْنَا فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ أَنَّ بُولُسَ عَانَى ٱلْأَمَرَّيْنِ فِيمَا كَانَ فِي أَفَسُسَ. فَكِرَازَتُهُ هُنَاكَ أَثَارَتْ ضَجَّةً قَوِيَّةً، إِذْ إِنَّ صَاغَةَ ٱلْفِضَّةِ ٱلَّذِينَ كَسَبُوا مَعِيشَتَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ أَرْطَامِيسَ أَثَارُوا ٱضْطِرَابًا ضِدَّهُ. «وَبَعْدَ أَنْ هَمَدَ ٱلشَّغَبُ، ٱسْتَدْعَى بُولُسُ ٱلتَّلَامِيذَ، فَشَجَّعَهُمْ وَوَدَّعَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ لِيُسَافِرَ إِلَى مَقْدُونِيَةَ». — اع ٢٠:١.
٥، ٦ (أ) كَمْ مِنَ ٱلْوَقْتِ رُبَّمَا قَضَى بُولُسُ فِي مَقْدُونِيَةَ، وَمَاذَا فَعَلَ مِنْ أَجْلِ ٱلْإِخْوَةِ هُنَاكَ؟ (ب) أَيُّ مَوْقِفٍ حَافَظَ عَلَيْهِ بُولُسُ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ؟
٥ فِي طَرِيقِهِ إِلَى مَقْدُونِيَةَ، عَرَّجَ ٱلرَّسُولُ عَلَى مَرْفَإِ تَرُوَاسَ آمِلًا أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ تِيطُسُ، مُوْفَدُهُ إِلَى كُورِنْثُوسَ. (٢ كو ٢:١٢، ١٣) وَلٰكِنْ حِينَ تَأَكَّدَ أَنَّ تِيطُسَ لَنْ يَأْتِيَ، تَابَعَ طَرِيقَهُ إِلَى مَقْدُونِيَةَ حَيْثُ أَمْضَى سَنَةً عَلَى ٱلْأَرْجَحِ، ‹مُشَجِّعًا ٱلْإِخْوَةَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ›.a (اع ٢٠:٢) وَهُنَاكَ ٱلْتَقَى أَخِيرًا بِتِيطُسَ ٱلَّذِي حَمَلَ إِلَيْهِ أَخْبَارًا سَارَّةً عَنْ تَجَاوُبِ ٱلْكُورِنْثِيِّينَ مَعَ ٱلرِّسَالَةِ ٱلْأُولَى إِلَيْهِمْ. (٢ كو ٧:٥-٧) فَٱنْدَفَعَ ٱلرَّسُولُ إِذَّاكَ إِلَى كِتَابَةِ رِسَالَةٍ أُخْرَى، نُشِيرُ إِلَيْهَا ٱلْيَوْمَ بِٱسْمِ ٢ كُورِنْثُوسَ.
٦ مِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ بُولُسَ «شَجَّعَ» إِخْوَتَهُ فِي أَفَسُسَ وَمَقْدُونِيَةَ، حَسْبَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا. وَهٰذَا ٱلتَّفْصِيلُ يَرْسُمُ صُورَةً وَاضِحَةً عَنْ مَوْقِفِ ٱلرَّسُولِ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ. فَبِعَكْسِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ ٱلَّذِينَ ٱزْدَرَوْا بِعَامَّةِ ٱلشَّعْبِ، ٱعْتَبَرَ بُولُسُ ٱلْخِرَافَ رُفَقَاءَ لَهُ فِي ٱلْعَمَلِ. (يو ٧:٤٧-٤٩؛ ١ كو ٣:٩) وَقَدْ حَافَظَ عَلَى هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةِ حَتَّى عِنْدَمَا قَدَّمَ لَهُمْ مَشُورَةً قَوِيَّةً. — ٢ كو ٢:٤.
٧ كَيْفَ يَقْتَدِي ٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِ بُولُسَ؟
٧ وَفِي أَيَّامِنَا، يَسْعَى ٱلشُّيُوخُ وَٱلنُّظَّارُ ٱلْجَائِلُونَ لِلِٱقْتِدَاءِ بِبُولُسَ. فَهُمْ يَهْدِفُونَ إِلَى تَقْوِيَةِ مَنْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مُسَاعَدَةٍ، حَتَّى عِنْدَ تَوْبِيخِهِمْ. كَمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَتَعَاطَفُوا مَعَ ٱلْإِخْوَةِ وَيُشَجِّعُوهُمْ، لَا أَنْ يَدِينُوهُمْ. عَلَّقَ أَخٌ خَدَمَ لِسَنَوَاتٍ نَاظِرًا جَائِلًا بِٱلْقَوْلِ: «يَرْغَبُ مُعْظَمُ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا أَنْ يَسْلُكُوا حَسَنًا، لٰكِنَّهُمْ غَالِبًا مَا يُصَارِعُونَ ٱلتَّثَبُّطَ وَٱلْقَلَقَ وَٱلْإِحْسَاسَ بِٱلْعَجْزِ أَمَامَ مَشَاكِلِهِمْ». وَٱلنُّظَّارُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ قَادِرُونَ أَنْ يَمُدُّوا هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةَ بِٱلتَّشْجِيعِ. — عب ١٢:١٢، ١٣.
«خُطَّةٌ خَبِيثَةٌ كَانَتْ تُحَاكُ ضِدَّهُ» (اعمال ٢٠:٣، ٤)
٨، ٩ (أ) مَاذَا عَرْقَلَ خُطَطَ بُولُسَ فِي ٱلْإِبْحَارِ إِلَى سُورِيَّةَ؟ (ب) مَا بَعْضُ ٱلْأَسْبَابِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ لِلْعَدَاوَةِ ٱلَّتِي أَكَنَّهَا ٱلْيَهُودُ لِبُولُسَ؟
٨ مِنْ مَقْدُونِيَةَ تَوَجَّهَ بُولُسُ إِلَى كُورِنْثُوسَ.b وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، هَمَّ بِٱلذَّهَابِ إِلَى كَنْخَرِيَا حَيْثُ كَانَ فِي نِيَّتِهِ أَنْ يُبْحِرَ إِلَى سُورِيَّةَ ثُمَّ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُوصِلَ ٱلتَّبَرُّعَاتِ أَخِيرًا إِلَى إِخْوَتِهِ ٱلْمُحْتَاجِينَ.c (اع ٢٤:١٧؛ رو ١٥:٢٥، ٢٦) لٰكِنَّ حَدَثًا لَمْ يَكُنْ فِي ٱلْحُسْبَانِ بَدَّلَ خُطَطَهُ. فَٱلْأَعْمَال ٢٠:٣ تَكْشِفُ أَنَّ «خُطَّةً خَبِيثَةً كَانَتْ تُحَاكُ ضِدَّهُ مِنَ ٱلْيَهُودِ».
٩ وَلَا نَسْتَغْرِبُ أَنَّ ٱلْيَهُودَ أَضْمَرُوا ٱلْعِدَاءَ لِبُولُسَ. فَهُوَ فِي نَظَرِهِمْ مُرْتَدٌّ عَنْ دِيَانَتِهِمْ. وَكِرَازَتُهُ سَابِقًا أَدَّتْ إِلَى ٱهْتِدَاءِ كِرِيسْبُسَ، ٱلْعُضْوِ ٱلْبَارِزِ فِي مَجْمَعِ كُورِنْثُوسَ. (اع ١٨:٧، ٨؛ ١ كو ١:١٤) وَمَا حَصَلَ لَاحِقًا زَادَهُمْ حَنَقًا عَلَيْهِ. فَقَدْ شَكَوْهُ إِلَى غَالِيُونَ وَالِي أَخَائِيَةَ، غَيْرَ أَنَّ هٰذَا ٱلْأَخِيرَ رَدَّ ٱلدَّعْوَى مُعْتَبِرًا أَنَّهَا غَيْرُ مُبَرَّرَةٍ. (اع ١٨:١٢-١٧) أَمَّا ٱلْآنَ فَلَعَلَّهُمْ عَرَفُوا أَوِ ٱسْتَنْتَجُوا أَنَّ ٱلرَّسُولَ مُوشِكٌ أَنْ يُبْحِرَ مِنْ مَرْفَإِ كَنْخَرِيَا ٱلْمُجَاوِرِ. فَعَمَدُوا إِلَى تَدْبِيرِ مَكِيدَةٍ لِيَكْمُنُوا لَهُ هُنَاكَ. فَمَا عَسَاهُ يَفْعَلُ ٱلْآنَ؟
١٠ هَلْ كَانَ تَفَادِي ٱلْمُرُورِ بِكَنْخَرِيَا عَمَلًا جَبَانًا؟ أَوْضِحُوا.
١٠ تَجَنُّبًا لِلْمَخَاطِرِ ٱلْمُحْتَمَلَةِ وَحِرْصًا عَلَى ٱلْأَمْوَالِ ٱلْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا، قَرَّرَ بُولُسُ عَدَمَ ٱلذَّهَابِ إِلَى كَنْخَرِيَا. عِوَضَ ذٰلِكَ آثَرَ ٱلرُّجُوعَ عَبْرَ مَقْدُونِيَةَ، مَعَ ٱلْعِلْمِ أَنَّ ٱلسَّفَرَ بَرًّا ٱنْطَوَى هُوَ ٱلْآخَرُ عَلَى مَخَاطِرَ جَمَّةٍ. فَغَالِبًا مَا كَمَنَ قُطَّاعُ ٱلطُّرُقِ لِلْمُسَافِرِينَ؛ وَٱلْفَنَادِقُ نَفْسُهَا لَمْ تَكُنْ آمِنَةً. لٰكِنَّ بُولُسَ ٱخْتَارَ أَهْوَنَ ٱلشَّرَّيْنِ وَفَضَّلَ مَخَاطِرَ ٱلسَّفَرِ بَرًّا عَلَى تِلْكَ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ فِي كَنْخَرِيَا. وَٱلشُّكْرُ لِلّٰهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَحْدَهُ. فَمِنْ بَيْنِ رُفَقَائِهِ فِي هٰذِهِ ٱلسَّفْرَةِ نَعُدُّ: أَرِسْتَرْخُسَ، تُرُوفِيمُسَ، تِيخِيكُسَ، تِيمُوثَاوُسَ، سَكُونْدُسَ، سُوبَاتَرُسَ، وَغَايُسَ. — اع ٢٠:٣، ٤.
١١ كَيْفَ يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ ٱلتَّدَابِيرَ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ، وَأَيُّ مِثَالٍ رَسَمَهُ يَسُوعُ فِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ؟
١١ تَشَبُّهًا بِبُولُسَ، يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ ٱحْتِيَاطَاتِهِمْ أَثْنَاءَ ٱلْكِرَازَةِ. فَفِي بَعْضِ ٱلْمَنَاطِقِ، لَا يَتَنَقَّلُونَ فِي ٱلْمُقَاطَعَةِ مُنْفَرِدِينَ، بَلْ يَخْدُمُونَ فِي فِرَقٍ أَوْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ. وَمَا نَظْرَتُهُمْ إِلَى ٱلِٱضْطِهَادِ؟ يُدْرِكُ ٱلشُّهُودُ أَنْ لَا مَفَرَّ مِنْ أَنْ يُضْطَهَدُوا. (يو ١٥:٢٠؛ ٢ تي ٣:١٢) مَعَ ذٰلِكَ، هُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ تَعْرِيضَ أَنْفُسِهِمْ لِلْخَطَرِ. وَفِي هٰذَا ٱلْمَجَالِ، مِنَ ٱلْمُفِيدِ ٱلتَّأَمُّلُ فِي مِثَالِ يَسُوعَ. فَذَاتَ مَرَّةٍ، رَاحَ ٱلْمُقَاوِمُونَ فِي أُورُشَلِيمَ يَرْفَعُونَ حِجَارَةً لِيَرْمُوهُ بِهَا. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَنْ «تَوَارَى وَخَرَجَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ». (يو ٨:٥٩) وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، حِينَ خَطَّطَ ٱلْيَهُودُ لِقَتْلِهِ، «لَمْ يَعُدْ يَسُوعُ يَتَجَوَّلُ عَلَانِيَةً بَيْنَ ٱلْيَهُودِ، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ». (يو ١١:٥٤) بِٱخْتِصَارٍ، ٱتَّخَذَ يَسُوعُ ٱلتَّدَابِيرَ لِحِمَايَةِ نَفْسِهِ قَدْرَ ٱلْإِمْكَانِ مَا دَامَ ذٰلِكَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ لَهُ. وَهٰذَا بِٱلضَّبْطِ مَا يَفْعَلُهُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعَصْرِيُّونَ. — مت ١٠:١٦.
«كَانَتْ لَهُمْ تَعْزِيَةٌ لَا حَدَّ لَهَا» (اعمال ٢٠:٥-١٢)
١٢، ١٣ (أ) كَيْفَ أَثَّرَتْ قِيَامَةُ أَفْتِيخُوسَ فِي ٱلْجَمَاعَةِ؟ (ب) أَيُّ رَجَاءٍ مُؤَسَّسٍ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُعَزِّي فِي أَيَّامِنَا مَنْ غَيَّبَ ٱلْمَوْتُ عَزِيزًا عَلَى قَلْبِهِمْ؟
١٢ اِجْتَازَ بُولُسُ وَرُفَقَاؤُهُ مَقْدُونِيَةَ مَعًا، ثُمَّ ٱفْتَرَقُوا عَلَى مَا يَبْدُو. بَعْدَئِذٍ يُخْبِرُنَا لُوقَا: «أَتَيْنَا إِلَيْهِمْ فِي تَرُوَاسَ فِي غُضُونِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ».d (اع ٢٠:٦) فَكَمَا يَظْهَرُ، عَادَ ٱلرِّجَالُ وَٱجْتَمَعُوا فِي تَرُوَاسَ.e وَكَانَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ أَنَّ ٱلشَّابَّ أَفْتِيخُوسَ أُقِيمَ مِنَ ٱلْمَوْتِ، بِحَسَبِ مَا رَأَيْنَا فِي مُسْتَهَلِّ ٱلْفَصْلِ. وَيَا لَلْفَرْحَةِ ٱلَّتِي غَمَرَتِ ٱلْإِخْوَةَ حِينَ عَادَ رَفِيقُهُمْ إِلَى ٱلْحَيَاةِ! فَٱلسِّفْرُ يُطْلِعُنَا أَنَّهُمْ تَعَزَّوْا «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا». — اع ٢٠:١٢.
١٣ طَبْعًا، لَا نَشْهَدُ فِي أَيَّامِنَا عَجَائِبَ كَهٰذِهِ. إِلَّا أَنَّ رَجَاءَ ٱلْقِيَامَةِ ٱلْمُؤَسَّسَ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يُقَدِّمُ «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا» لِمَنْ يَفْقِدُونَ عَزِيزًا عَلَى قَلْبِهِمْ. (يو ٥:٢٨، ٢٩) فَكِّرْ فِي مَا يَلِي: رَغْمَ أَنَّ بُولُسَ أَقَامَ أَفْتِيخُوسَ، عَادَ هٰذَا ٱلشَّابُّ وَمَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ بِسَبَبِ ٱلنَّقْصِ ٱلْبَشَرِيِّ. (رو ٦:٢٣) لٰكِنَّ ٱلْمُقَامِينَ فِي عَالَمِ ٱللّٰهِ ٱلْجَدِيدِ يَرْجُونَ ٱلْعَيْشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ! وَكَذٰلِكَ ٱلْمُقَامُونَ لِيَحْكُمُوا مَعَ يَسُوعَ فِي ٱلسَّمَاءِ ‹يَلْبَسُونَ ٱلْخُلُودَ› كَمَا تُخْبِرُنَا ٱلْأَسْفَارُ ٱلْمُقَدَّسَةُ. (١ كو ١٥:٥١-٥٣) لِذٰلِكَ لَدَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ جَمِيعًا، سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ ٱلْمَمْسُوحِينَ أَوْ مِنَ ‹ٱلْخِرَافِ ٱلْأُخَرِ›، سَبَبٌ وَجِيهٌ لِيَتَعَزَّوْا «تَعْزِيَةً لَا حَدَّ لَهَا». — يو ١٠:١٦.
«عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ» (اعمال ٢٠:١٣-٢٤)
١٤ مَاذَا قَالَ بُولُسُ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ عِنْدَمَا ٱلْتَقَاهُمْ فِي مِيلِيتُسَ؟
١٤ سَافَرَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ تَرُوَاسَ إِلَى أَسُّوسَ فَمِيتِيلِينِي فَخِيُوسَ فَسَامُوسَ وُصُولًا إِلَى مِيلِيتُسَ. وَكَانَ ٱلرَّسُولُ يُسْرِعُ لِلْوُصُولِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ. وَهٰذَا مَا يُفَسِّرُ لِمَ «قَرَّرَ أَنْ يُبْحِرَ مُتَجَاوِزًا أَفَسُسَ». غَيْرَ أَنَّهُ رَغِبَ فِي ٱلتَّحَدُّثِ إِلَى شُيُوخِ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ. لِذَا طَلَبَ مِنْهُمْ مُوَافَاتَهُ فِي مِيلِيتُسَ. (اع ٢٠:١٣-١٧) وَعِنْدَ وُصُولِهِمْ، قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ جَيِّدًا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَطِئَتْ قَدَمِي إِقْلِيمَ آسِيَا، كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ ٱلزَّمَانِ، عَابِدًا لِلرَّبِّ بِكُلِّ ٱتِّضَاعٍ عَقْلِيٍّ وَدُمُوعٍ وَمِحَنٍ أَصَابَتْنِي مِنْ خُطَطِ ٱلْيَهُودِ ٱلْخَبِيثَةِ، فِيمَا لَمْ أُمْسِكْ عَنْ إِخْبَارِكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ مُفِيدٌ، وَلَا عَنْ تَعْلِيمِكُمْ عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ. إِنَّمَا شَهِدْتُ كَامِلًا لِلْيَهُودِ وَٱلْيُونَانِيِّينَ بِٱلتَّوْبَةِ إِلَى ٱللّٰهِ وَٱلْإِيمَانِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ». — اع ٢٠:١٨-٢١.
١٥ مَا بَعْضُ حَسَنَاتِ ٱلْخِدْمَةِ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ؟
١٥ وَفِي زَمَنِنَا، يَسْتَعْمِلُ شُهُودُ يَهْوَهَ طُرُقًا مُتَعَدِّدَةً لِإِيصَالِ ٱلْبِشَارَةِ إِلَى ٱلنَّاسِ. فَعَلَى غِرَارِ بُولُسَ نَقْصِدُهُمْ حَيْثُمَا وُجِدُوا، سَوَاءٌ فِي مَحَطَّاتِ ٱلْبَاصِ أَوِ ٱلشَّوَارِعِ ٱلْمُزْدَحِمَةِ أَوِ ٱلْأَسْوَاقِ. غَيْرَ أَنَّ ٱلتَّبْشِيرَ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ يَبْقَى ٱلطَّرِيقَةَ ٱلرَّئِيسِيَّةَ ٱلَّتِي نَسْتَعْمِلُهَا. لِمَاذَا؟ أَوَّلًا، يَعْكِسُ هٰذَا ٱلْأُسْلُوبُ عَدْلَ ٱللّٰهِ، إِذْ يُهَيِّئُ لِلْجَمِيعِ دُونَ مُحَابَاةٍ فُرْصَةَ سَمَاعِ رِسَالَةِ ٱلْمَلَكُوتِ بِٱنْتِظَامٍ. ثَانِيًا، يُتِيحُ لِأَصْحَابِ ٱلْقُلُوبِ ٱلطَّيِّبَةِ أَنْ يَنَالُوا ٱلْمُسَاعَدَةَ إِفْرَادِيًّا، كُلٌّ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ. فَضْلًا عَنْ ذٰلِكَ، تَبْنِي ٱلْكِرَازَةُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ إِيمَانَ وَٱحْتِمَالَ ٱلْمُبَشِّرِينَ. فَلَا عَجَبَ إِذًا أَنْ تُصْبِحَ ٱلْغَيْرَةُ فِي ٱلشَّهَادَةِ «عَلَانِيَةً وَمِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ» عَلَامَةً فَارِقَةً تُمَيِّزُ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ ٱلْيَوْمَ.
١٦، ١٧ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنِ ٱلشَّجَاعَةِ، وَكَيْفَ يَقْتَدِي ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْيَوْمَ بِمِثَالِهِ؟
١٦ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى حَدِيثِ بُولُسَ مَعَ شُيُوخِ أَفَسُسَ، أَوْضَحَ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ يَجْهَلُ ٱلْمَخَاطِرَ ٱلَّتِي تَنْتَظِرُهُ عِنْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. لٰكِنَّهُ تَابَعَ: «لَا أَحْسِبُ نَفْسِي ذَاتَ قِيمَةٍ، كَأَنَّمَا هِيَ عَزِيزَةٌ عَلَيَّ، حَسْبِي أَنْ أُنْهِيَ شَوْطِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِأَشْهَدَ كَامِلًا بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ». (اع ٢٠:٢٤) فَبُولُسُ مَا كَانَ لِيَسْمَحَ لِأَيِّ عَائِقٍ، كَٱلْمَشَاكِلِ ٱلصِّحِّيَّةِ أَوِ ٱلْمُقَاوَمَةِ ٱلشَّرِسَةِ، أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إِتْمَامِ تَعْيِينِهِ.
١٧ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، يَحْتَمِلُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ ٱلْعَصْرِيُّونَ ٱلشَّدَائِدَ مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا. فَبَعْضُهُمْ يُوَاجِهُونَ ٱلِٱضْطِهَادَ وَٱلْحَظْرَ ٱلْحُكُومِيَّ. وَبَعْضُهُمْ يُصَارِعُونَ بِشَجَاعَةٍ أَمْرَاضًا جَسَدِيَّةً أَوْ نَفْسِيَّةً تُنْهِكُ قِوَاهُمْ. أَمَّا ٱلشَّبَابُ فِي ٱلْمَدَارِسِ فَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ رُفَقَاؤُهُمْ لِكَيْ يُسَايِرُوا فِي إِيمَانِهِمْ. وَلٰكِنْ عَلَى غِرَارِ بُولُسَ يُعْرِبُ شُهُودُ يَهْوَهَ عَنِ ٱلثَّبَاتِ، بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنِ ٱلْعَوَائِقِ ٱلَّتِي تَعْتَرِضُ سَبِيلَهُمْ. فَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى ‹ٱلشَّهَادَةِ كَامِلًا بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ›.
«اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ» (اعمال ٢٠:٢٥-٣٨)
١٨ كَيْفَ بَقِيَ بُولُسُ طَاهِرًا مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ ٱلِٱقْتِدَاءُ بِهِ؟
١٨ بَعْدَئِذٍ وَجَّهَ بُولُسُ إِلَى شُيُوخِ أَفَسُسَ تَنْبِيهًا صَرِيحًا، مُسْتَشْهِدًا بِمِثَالِهِ هُوَ. فَبَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَرَوْهُ ثَانِيَةً عَلَى ٱلْأَرْجَحِ، قَالَ: «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ، لِأَنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْ إِخْبَارِكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ ٱللّٰهِ». فَكَيْفَ لِشُيُوخِ أَفَسُسَ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ وَيَبْقَوْا أَطْهَارًا مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ؟ أَوْصَاهُمُ ٱلرَّسُولُ: «اِنْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي عَيَّنَكُمْ فِيهَا ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ نُظَّارًا، لِتَرْعَوْا جَمَاعَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا بِدَمِ ٱبْنِهِ». (اع ٢٠:٢٦-٢٨) ثُمَّ حَذَّرَهُمْ مِنْ أَشْخَاصٍ شَبِيهِينَ ‹بِذِئَابٍ جَائِرَةٍ› سَيَنْسَلُّونَ إِلَى ٱلْجَمَاعَةِ وَ «يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُعَوَّجَةٍ لِيَجْتَذِبُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَرَاءَهُمْ». فَمَاذَا عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ لِمُوَاجَهَةِ هٰذَا ٱلْخَطَرِ؟ حَضَّهُمْ بُولُسُ: «اِبْقَوْا مُسْتَيْقِظِينَ، وَٱذْكُرُوا أَنِّي ثَلَاثَ سِنِينَ، لَيْلًا وَنَهَارًا، لَمْ أَكُفَّ عَنْ أَنْ أُنَبِّهَ كُلَّ وَاحِدٍ بِدُمُوعٍ». — اع ٢٠:٢٩-٣١.
١٩ أَيُّ ٱرْتِدَادٍ نَشَأَ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، وَإِلَامَ أَدَّى ذٰلِكَ فِي ٱلْقُرُونِ ٱللَّاحِقَةِ؟
١٩ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ٱلْقَرْنِ ٱلْأَوَّلِ، كَانَتِ ‹ٱلذِّئَابُ ٱلْجَائِرَةُ› قَدْ ظَهَرَتْ فِي ٱلْجَمَاعَةِ. فَنَحْوَ سَنَةِ ٩٨ بم، كَتَبَ ٱلرَّسُولُ يُوحَنَّا: «يُوجَدُ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ . . . مِنَّا خَرَجُوا، وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا؛ فَإِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا، لَبَقُوا مَعَنَا». (١ يو ٢:١٨، ١٩) أَمَّا بِحُلُولِ ٱلْقَرْنِ ٱلثَّالِثِ، فَكَانَ ٱلِٱرْتِدَادُ قَدْ أَدَّى إِلَى نَشْأَةِ صَفِّ رِجَالِ ٱلدِّينِ. وَفِي ٱلْقَرْنِ ٱلرَّابِعِ، أَضْفَى ٱلْإِمْبَرَاطُورُ قُسْطَنْطِين طَابَعًا رَسْمِيًّا عَلَى هٰذِهِ «ٱلْمَسِيحِيَّةِ» ٱلْفَاسِدَةِ. وَحِينَ تَبَنَّى ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ طُقُوسًا وَثَنِيَّةً وَأَلْبَسُوهَا قِنَاعًا مَسِيحِيًّا، كَانُوا فِي ٱلْحَقِيقَةِ «يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُعَوَّجَةٍ». وَلَا تَزَالُ آثَارُ هٰذَا ٱلِٱرْتِدَادِ حَيَّةً فِي تَعَالِيمِ وَتَقَالِيدِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ.
٢٠، ٢١ كَيْفَ أَعْرَبَ بُولُسُ عَنْ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ، وَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ ٱلشُّيُوخُ ٱلْمَسِيحِيُّونَ فِي زَمَنِنَا؟
٢٠ بِٱلْمُقَابِلِ، عَاشَ بُولُسُ حَيَاةً تَتَبَايَنُ تَبَايُنًا صَارِخًا مَعَ حَيَاةِ مَنْ حَاوَلُوا لَاحِقًا ٱسْتِغْلَالَ ٱلرَّعِيَّةِ. فَقَدْ عَمِلَ لِإِعَالَةِ نَفْسِهِ كَيْ لَا يُثَقِّلَ عَلَى ٱلْجَمَاعَةِ. وَٱلْجُهُودُ ٱلَّتِي بَذَلَهَا مِنْ أَجْلِ رُفَقَائِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَكُنْ بِهَدَفِ ٱلرِّبْحِ ٱلْمَادِّيِّ. وَقَدْ حَضَّ ٱلرَّسُولُ شُيُوخَ أَفَسُسَ عَلَى ٱلتَّشَبُّهِ بِهِ وَإِظْهَارِ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ عِنْدَمَا ذَكَرَ: «لَا بُدَّ أَنْ تَعْضُدُوا ٱلضُّعَفَاءَ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرُوا كَلِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ حِينَ قَالَ: ‹اَلسَّعَادَةُ فِي ٱلْعَطَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي ٱلْأَخْذِ›». — اع ٢٠:٣٥.
٢١ وَعَلَى غِرَارِ بُولُسَ، يَتَحَلَّى ٱلشُّيُوخُ ٱلْيَوْمَ بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ. فَبِخِلَافِ رِجَالِ دِينِ ٱلْعَالَمِ ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ رَعَايَاهُمْ، يُنْجِزُ هٰؤُلَاءِ ٱلْمُؤْتَمَنُونَ عَلَى ‹رِعَايَةِ جَمَاعَةِ ٱللّٰهِ› مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ مُتَرَفِّعِينَ عَنِ ٱلْأَنَانِيَّةِ. فَلَا مَكَانَ لِلْكِبْرِيَاءِ وَٱلطُّمُوحِ ٱلْأَنَانِيِّ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ، لِأَنَّ مَنْ يَطْلُبُونَ «مَجْدَ أَنْفُسِهِمْ» يَفْشَلُونَ عَلَى ٱلْمَدَى ٱلْبَعِيدِ. (ام ٢٥:٢٧) فَعَاقِبَةُ ٱلِٱجْتِرَاءِ ٱلْوَحِيدَةُ هِيَ ٱلْهَوَانُ. — ام ١١:٢.
«كان بكاء كثير من الجميع». — اعمال ٢٠:٣٧
٢٢ مَاذَا حَبَّبَ بُولُسَ إِلَى شُيُوخِ أَفَسُسَ؟
٢٢ لَا شَكَّ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ أَحَبُّوا بُولُسَ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا. فَعِنْدَمَا حَانَتْ لَحْظَةُ ٱلْوَدَاعِ، «كَانَ بُكَاءٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ، وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ وَقَبَّلُوهُ». (اع ٢٠:٣٧، ٣٨) وَبِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، يُكِنُّ شُهُودُ يَهْوَهَ ٱلْيَوْمَ كُلَّ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلتَّقْدِيرِ لِمَنْ يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّعِيَّةِ. وَخِتَامًا، بَعْدَ ٱلتَّمَعُّنِ فِي مِثَالِ بُولُسَ ٱلرَّائِعِ، أَلَا تُوَافِقُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَتَبَجَّحُ أَوْ يُبَالِغُ حِينَمَا قَالَ: «إِنِّي طَاهِرٌ مِنْ دَمِ ٱلْجَمِيعِ»؟ — اع ٢٠:٢٦.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «رَسَائِلُ بُولُسَ مِنْ مَقْدُونِيَةَ».
b مِنَ ٱلْمُرَجَّحِ أَنَّ بُولُسَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ إِلَى أَهْلِ رُومَا خِلَالَ زِيَارَتِهِ هٰذِهِ إِلَى كُورِنْثُوسَ.
c اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «بُولُسُ يَنْقُلُ إِعَانَاتٍ».
d يَسْتَعْمِلُ لُوقَا ضَمِيرَ ٱلْمُتَكَلِّمِ فِي ٱلْأَعْمَال ٢٠:٥، ٦، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّهُ ٱجْتَمَعَ بِبُولُسَ فِي فِيلِبِّي حَيْثُ كَانَ ٱلرَّسُولُ قَدْ تَرَكَهُ قَبْلَ مُدَّةٍ. — اع ١٦:١٠-١٧، ٤٠.
-
-
«لتكن مشيئة يهوه»اشهدوا كاملا عن ملكوت اللّٰه
-
-
الفصل ٢٢
«لِتَكُنْ مَشِيئَةُ يَهْوَهَ»
بُولُسُ يَقْصِدُ أُورُشَلِيمَ عَازِمًا عَلَى فِعْلِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ
مُؤَسَّسٌ عَلَى ٱلْأَعْمَال ٢١:١-١٧
١-٤ لِمَ يَتَوَجَّهُ بُولُسُ إِلَى مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ، وَمَاذَا يَنْتَظِرُهُ فِيهَا؟
مَا أَصْعَبَ لَحَظَاتِ ٱلْوَدَاعِ! وَكَمْ يَعِزُّ عَلَى بُولُسَ وَلُوقَا أَنْ يَنْسَلِخَا عَنْ شُيُوخِ أَفَسُسَ ٱلْأَحِبَّاءِ! يَقِفُ ٱلْمُرْسَلَانِ عَلَى سَطْحِ ٱلسَّفِينَةِ ٱلْمُبْحِرَةِ مِنْ مِيلِيتُسَ فِيمَا ٱلرِّيحُ ٱلْخَفِيفَةُ تَهُبُّ فِي ٱلْأَشْرِعَةِ. هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ لَا يَحْمِلُ بُولُسُ وَلُوقَا لَوَازِمَ ٱلسَّفَرِ فَحَسْبُ، بَلْ فِي عُهْدَتِهِمَا تَبَرُّعَاتٌ أَيْضًا. تَبَرُّعَاتٌ يَعُدَّانِ ٱلدَّقَائِقَ حَتَّى يُوصِلَاهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْمُعْوِزِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ.
٢ تَبْتَعِدُ ٱلسَّفِينَةُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا عَنِ ٱلْمِينَاءِ وَضَوْضَائِهِ. وَلٰكِنْ كَيْفَ لِبُولُسَ وَلُوقَا وَرُفَقَائِهِمَا ٱلسَّبْعَةِ أَنْ يُحَوِّلُوا أَبْصَارَهُمْ عَنْ تِلْكَ ٱلْوُجُوهِ ٱلْحَزِينَةِ عَلَى ٱلشَّاطِئِ؟! (اع ٢٠:٤، ١٤، ١٥) فَيَظَلُّونَ يُلَوِّحُونَ لَهُمْ حَتَّى يَتَوَارَوْا أَخِيرًا خَلْفَ ٱلْأُفُقِ ٱلْبَعِيدِ.
٣ لَقَدْ عَمِلَ ٱلرَّسُولُ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مَعَ شُيُوخِ أَفَسُسَ عَلَى مَدَى ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ تَقْرِيبًا. أَمَّا ٱلْآنَ فَنَرَاهُ عَائِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ نُزُولًا عِنْدَ تَوْجِيهِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. لَا يَجْهَلُ بُولُسُ كُلِّيًّا مَا يَنْتَظِرُهُ هُنَاكَ. فَفِي وَدَاعِهِ هٰؤُلَاءِ ٱلشُّيُوخَ، قَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُسَافِرُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدًا بِٱلرُّوحِ، مَعَ أَنَّنِي لَا أَعْلَمُ مَاذَا يَحْدُثُ لِي فِيهَا، سِوَى أَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ لِي مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، قَائِلًا إِنَّ قُيُودًا وَضِيقَاتٍ تَنْتَظِرُنِي». (اع ٢٠:٢٢، ٢٣) فَرَغْمَ ٱلْخَطَرِ ٱلْمُحْدِقِ بِهِ، يَشْعُرُ ٱلرَّسُولُ أَنَّهُ «مُقَيَّدٌ» بِٱلرُّوحِ، أَيْ أَنَّهُ مُلْزَمٌ بِٱتِّبَاعِ إِرْشَادِهِ وَٱلسَّفَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَرَاغِبٌ فِي ٱلِٱنْصِيَاعِ لَهُ. صَحِيحٌ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ غَالِيَةٌ فِي نَظَرِهِ، لٰكِنَّ فِعْلَ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ يَحْتَلُّ ٱلْمَقَامَ ٱلْأَوَّلَ دُونَ مُنَازِعٍ.
٤ فَهَلْ نُشَاطِرُ ٱلرَّسُولَ مَشَاعِرَهُ، نَحْنُ ٱلَّذِينَ نَذَرْنَا حَيَاتَنَا لِيَهْوَهَ قَاطِعِينَ عَهْدًا رَسْمِيًّا بِأَنْ نُعْطِيَ ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِفِعْلِ مَشِيئَتِهِ؟ لِنَتَأَمَّلْ مِثَالَ بُولُسَ فِي مَا يَلِي وَنَسْتَقِ ٱلْفَوَائِدَ مِنْ مَسْلَكِهِ ٱلْأَمِينِ.
«لَاحَتْ لَنَا جَزِيرَةُ قُبْرُصَ» (اعمال ٢١:١-٣)
٥ أَيَّ مَسَارٍ ٱتَّبَعَ بُولُسُ وَرِفَاقُهُ فِي رِحْلَتِهِمْ إِلَى صُورَ؟
٥ جَرَى مَرْكَبُ بُولُسَ وَرِفَاقِهِ «فِي مَسَارٍ مُسْتَقِيمٍ»، مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ أَبْحَرَ بِرِيحٍ خَلْفِيَّةٍ مُؤَاتِيَةٍ دُونَ تَعَرُّجٍ. وَبَعْدَ عِدَّةِ سَاعَاتٍ، بَلَغُوا جَزِيرَةَ كُوسَ. (اع ٢١:١) وَيَبْدُو أَنَّ ٱلْمَرْكَبَ رَسَا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعُوا رِحْلَتَهُمْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي إِلَى رُودُسَ وَبَاتَارَا. وَفِي بَاتَارَا، عَلَى سَاحِلِ آسِيَا ٱلصُّغْرَى ٱلْجَنُوبِيِّ، رَكِبَ ٱلْإِخْوَةُ سَفِينَةَ شَحْنٍ كَبِيرَةً حَمَلَتْهُمْ مُبَاشَرَةً إِلَى مَدِينَةِ صُورَ ٱلْفِينِيقِيَّةِ. وَفِيمَا كَانُوا مُبْحِرِينَ، تَجَاوَزُوا جَزِيرَةَ قُبْرُصَ «بَعْدَ أَنْ لَاحَتْ [لَهُمْ] . . . عَلَى ٱلْجَانِبِ ٱلْأَيْسَرِ»، حَسْبَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا. (اع ٢١:٣) فَلِمَ أَتَى كَاتِبُ ٱلْأَعْمَالِ عَلَى ذِكْرِ هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَةِ؟
٦ (أ) لِمَ يُحْتَمَلُ أَنَّ بُولُسَ تَشَجَّعَ عِنْدَ رُؤْيَةِ جَزِيرَةِ قُبْرُصَ؟ (ب) مَاذَا تَسْتَخْلِصُ عِنْدَمَا تَتَذَكَّرُ كَيْفَ بَارَكَكَ يَهْوَهُ وَسَاعَدَكَ فِي ٱلْمَاضِي؟
٦ لَعَلَّ بُولُسَ أَشَارَ إِلَى ٱلْجَزِيرَةِ وَرَوَى لَهُمْ مَا جَرَى مَعَهُ هُنَاكَ. فَفِي رِحْلَتِهِ ٱلْإِرْسَالِيَّةِ ٱلْأُولَى قَبْلَ تِسْعِ سَنَوَاتٍ تَقْرِيبًا، وَاجَهَ هُوَ وَبَرْنَابَا وَمُرَافِقُهُمَا يُوحَنَّا مَرْقُسُ عَلِيمًا ٱلسَّاحِرَ ٱلَّذِي قَاوَمَ عَمَلَ ٱلْكِرَازَةِ. (اع ١٣:٤-١٢) وَحِينَ رَأَى ٱلرَّسُولُ ٱلْجَزِيرَةَ ثَانِيَةً، لَا بُدَّ أَنَّهُ ٱسْتَرْجَعَ ٱلذِّكْرَيَاتِ، فَتَشَجَّعَ وَتَقَوَّى لِمُوَاجَهَةِ مَا يَنْتَظِرُهُ. وَمِنْ جِهَتِنَا، يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَأَمَّلَ كَيْفَ يُبَارِكُنَا يَهْوَهُ وَيُسَاعِدُنَا عَلَى ٱحْتِمَالِ ٱلْمِحَنِ. إِذَّاكَ نَضُمُّ صَوْتَنَا إِلَى صَوْتِ دَاوُدَ ٱلَّذِي قَالَ: «كَثِيرَةٌ هِيَ بَلَايَا ٱلْبَارِّ، وَلٰكِنْ مِنْ جَمِيعِهَا يُنْقِذُهُ يَهْوَهُ». — مز ٣٤:١٩.
«وَجَدْنَا ٱلتَّلَامِيذَ» (اعمال ٢١:٤-٩)
٧ مَاذَا فَعَلَ ٱلْإِخْوَةُ عِنْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى صُورَ؟
٧ قَدَّرَ بُولُسُ كَثِيرًا رِفْقَةَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ، فَتَلَهَّفَ لِلِٱلْتِقَاءِ بِهِمْ. يُخْبِرُ لُوقَا عَمَّا حَدَثَ عِنْدَ وُصُولِهِمْ إِلَى صُورَ، قَائِلًا: «بَعْدَ بَحْثٍ وَجَدْنَا ٱلتَّلَامِيذَ». (اع ٢١:٤) فَقَدْ عَرَفَ ٱلْمُسَافِرُونَ أَنَّ لَهُمْ إِخْوَةً فِي ٱلْمَدِينَةِ. لِذَا بَحَثُوا عَنْهُمْ وَمَكَثُوا عِنْدَهُمْ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ. حَقًّا إِنَّ إِحْدَى أَعْظَمِ ٱلْبَرَكَاتِ ٱلَّتِي يَحْصُدُهَا مَنْ يَعْتَنِقُونَ ٱلْحَقَّ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُؤْمِنِينَ مِثْلَهُمْ يُرَحِّبُونَ بِهِمْ أَيْنَمَا ذَهَبُوا. فَمُحِبُّو يَهْوَهَ وَعُبَّادُهُ لَدَيْهِمْ أَصْدِقَاءُ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ ٱلْمَسْكُونَةِ.
٨ مَا ٱلْمَقْصُودُ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلْوَارِدَةِ فِي ٱلْأَعْمَال ٢١:٤؟
٨ فِيمَا يُتَابِعُ لُوقَا ٱلرِّوَايَةَ وَاصِفًا ٱلْأَيَّامَ ٱلسَّبْعَةَ ٱلَّتِي قَضَوْهَا فِي صُورَ، يُطْلِعُنَا عَلَى تَفْصِيلٍ قَدْ يَبْدُو لِلْوَهْلَةِ ٱلْأُولَى مُحَيِّرًا. يَذْكُرُ: «كَانَ [ٱلْإِخْوَةُ ٱلصُّورِيُّونَ] يَقُولُونَ لِبُولُسَ بِٱلرُّوحِ أَلَّا تَطَأَ قَدَمُهُ أُورُشَلِيمَ». (اع ٢١:٤) لٰكِنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَانَ قَدْ كَشَفَ لِبُولُسَ أَنَّهُ سَيُقَاسِي ضِيقَاتٍ عَظِيمَةً هُنَاكَ وَلَمْ يُوصِهِ بِعَدَمِ زِيَارَةِ ٱلْمَدِينَةِ. فَهَلْ تَعْنِي كَلِمَاتُ ٱلصُّورِيِّينَ أَنَّ يَهْوَهَ عَدَلَ عَنْ رَأْيِهِ؟ هَلْ يَطْلُبُ ٱلْآنَ مِنْ بُولُسَ أَلَّا يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟ كَلَّا. فَعَلَى مَا يَبْدُو، أَدْرَكَ ٱلْإِخْوَةُ فِي صُورَ بِمُسَاعَدَةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أَنَّ بُولُسَ سَيُعَانِي فِي أُورُشَلِيمَ. لِذٰلِكَ حِرْصًا عَلَى سَلَامَتِهِ رَاحُوا يَحُثُّونَهُ أَلَّا يَصْعَدَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ. وَلَا عَجَبَ أَنْ يَرْغَبَ ٱلْإِخْوَةُ فِي حِمَايَةِ ٱلرَّسُولِ مِنَ ٱلْخَطَرِ ٱلدَّاهِمِ. غَيْرَ أَنَّ بُولُسَ تَابَعَ طَرِيقَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، عَازِمًا عَلَى فِعْلِ مَشِيئَةِ يَهْوَهَ. — اع ٢١:١٢.
٩، ١٠ (أ) أَيُّ حَادِثَةٍ رُبَّمَا خَطَرَتْ عَلَى بَالِ بُولُسَ عِنْدَمَا عَبَّرَ ٱلْإِخْوَةُ فِي صُورَ عَنْ مَخَاوِفِهِمْ؟ (ب) أَيُّ مَوْقِفٍ يَشِيعُ فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْيَوْمَ، وَكَيْفَ يَتَعَارَضُ مَعَ وَصِيَّةِ يَسُوعَ؟
٩ عِنْدَمَا عَبَّرَ ٱلْإِخْوَةُ عَنْ مَخَاوِفِهِمْ، لَرُبَّمَا ٱسْتَذْكَرَ بُولُسُ أَنَّ يَسُوعَ لَاقَى هُوَ ٱلْآخَرُ ٱعْتِرَاضًا مُمَاثِلًا. فَبَعْدَمَا أَخْبَرَ تَلَامِيذَهُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ سَيُعَانِي كَثِيرًا وَيُقْتَلُ، تَحَرَّكَتْ عَوَاطِفُ بُطْرُسَ وَقَالَ: «اُلْطُفْ بِنَفْسِكَ يَا رَبُّ؛ لَنْ تَلْقَى هٰذَا ٱلْمَصِيرَ أَبَدًا». لٰكِنَّ يَسُوعَ أَجَابَهُ: «اِذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لِأَنَّكَ لَا تُفَكِّرُ تَفْكِيرَ ٱللّٰهِ، بَلْ تَفْكِيرَ ٱلنَّاسِ». (مت ١٦:٢١-٢٣) وَعَلَى غِرَارِ يَسُوعَ، صَمَّمَ بُولُسُ أَنْ يُتَمِّمَ ٱلتَّعْيِينَ ٱلْإِلٰهِيَّ مُعْرِبًا عَنْ رُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ. وَفِي حِينِ أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ ٱلصُّورِيِّينَ تَكَلَّمُوا بِلَا شَكٍّ عَنْ حُسْنِ نِيَّةٍ تَمَامًا كَبُطْرُسَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا مَا هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ.
اتباع يسوع عليهم التحلي بروح التضحية بالذات
١٠ وَفِي أَيَّامِنَا، يَمِيلُ كَثِيرُونَ أَنْ ‹يَلْطُفُوا بِأَنْفُسِهِمْ›، أَوْ يَخْتَارُوا أَقَلَّ ٱلْمَسَالِكِ صُعُوبَةً. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، يُفَتِّشُ ٱلنَّاسُ عُمُومًا عَنْ دِينٍ «مُرِيحٍ» مُتَطَلَّبَاتُهُ قَلِيلَةٌ. وَلٰكِنْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ هٰذَا ٱلْمَوْقِفِ وَٱلْمَوْقِفِ ٱلْعَقْلِيِّ ٱلَّذِي شَجَّعَنَا عَلَيْهِ يَسُوعُ! فَقَدْ قَالَ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ كُلِّيًّا وَيَحْمِلْ خَشَبَةَ آلَامِهِ وَيَتْبَعْنِي عَلَى ٱلدَّوَامِ». (مت ١٦:٢٤) صَحِيحٌ أَنَّ تَطْبِيقَ وَصِيَّةِ يَسُوعَ لَيْسَ ٱلْخِيَارَ ٱلسَّهْلَ، لٰكِنَّهُ بِٱلتَّأْكِيدِ ٱلْخِيَارُ ٱلْحَكِيمُ وَٱلصَّائِبُ.
١١ كَيْفَ أَعْرَبَ ٱلتَّلَامِيذُ فِي صُورَ عَنْ مَحَبَّتِهِمْ وَتَقْدِيرِهِمْ لِبُولُسَ؟
١١ حَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلْآنَ لِيَرْحَلَ بُولُسُ وَلُوقَا وَرِفَاقُهُمَا. وَوَدَاعُ ٱلْإِخْوَةِ ٱلصُّورِيِّينَ أَظْهَرَ جَلِيًّا كَمْ يُحِبُّونَ ٱلرَّسُولَ وَيُقَدِّرُونَ خِدْمَتَهُ. فَقَدْ ذَهَبُوا جَمِيعًا إِلَى ٱلشَّطِّ، رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَوْلَادًا، بِرِفْقَةِ بُولُسَ وَمَنْ مَعَهُ. وَهُنَاكَ جَثَوْا وَصَلَّوْا مَعًا، ثُمَّ وَدَّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. إِنَّهُ بِٱلْفِعْلِ لَوَدَاعٌ مُؤَثِّرٌ. بَعْدَئِذٍ رَكِبَ ٱلْمُسَافِرُونَ سَفِينَةً أُخْرَى وَتَوَجَّهُوا إِلَى بَتُولِمَايِسَ حَيْثُ ٱلْتَقَوُا ٱلْإِخْوَةَ وَمَكَثُوا عِنْدَهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا. — اع ٢١:٥-٧.
١٢، ١٣ (أ) أَيُّ سِجِلٍّ رَائِعٍ تَرَكَهُ فِيلِبُّسُ فِي ٱلْخِدْمَةِ ٱلْأَمِينَةِ؟ (ب) كَيْفَ رَسَمَ فِيلِبُّسُ مِثَالًا جَيِّدًا لِلْآبَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ؟
١٢ يُتَابِعُ لُوقَا: «فِي ٱلْغَدِ ٱنْطَلَقْنَا وَجِئْنَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ، وَدَخَلْنَا بَيْتَ فِيلِبُّسَ ٱلْمُبَشِّرِ».a (اع ٢١:٨) وَكَمْ سُرُّوا دُونَ شَكٍّ لِرُؤْيَةِ أَخِيهِمْ فِيلِبُّسَ! فَقَبْلَ نَحْوِ ٢٠ سَنَةً، عَيَّنَهُ ٱلرُّسُلُ هُوَ وَآخَرِينَ لِلِٱهْتِمَامِ بِتَوْزِيعِ ٱلطَّعَامِ فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ ٱلْفَتِيَّةِ فِي أُورُشَلِيمَ. وَقَدْ قَضَى هٰذَا ٱلْأَخُ ٱلْغَيُورُ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً فِي ٱلْكِرَازَةِ. فَلَا نَنْسَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى ٱلسَّامِرَةِ وَرَاحَ يُبَشِّرُ فِيهَا حِينَ تَبَدَّدَ ٱلتَّلَامِيذُ بِسَبَبِ ٱلِٱضْطِهَادِ. ثُمَّ بَشَّرَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ ٱلْخَصِيَّ ٱلْحَبَشِيَّ وَعَمَّدَهُ. (اع ٦:٢-٦؛ ٨:٤-١٣، ٢٦-٣٨) فَيَا لَهٰذَا ٱلسِّجِلِّ ٱلرَّائِعِ وَٱلْأَمِينِ فِي خِدْمَةِ ٱللّٰهِ!
١٣ وَمِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ غَيْرَةَ فِيلِبُّسَ فِي ٱلْخِدْمَةِ لَمْ تَخْمُدْ قَطُّ. فَلَقَبُ «ٱلْمُبَشِّرِ» يَدُلُّ أَنَّهُ ظَلَّ مَشْغُولًا بِعَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ بَعْدَ أَنِ ٱسْتَقَرَّ فِي قَيْصَرِيَّةَ. كَمَا يُخْبِرُنَا لُوقَا عَنْ بَنَاتِهِ ٱلْأَرْبَعِ ٱللَّوَاتِي «تَنَبَّأْنَ»، مِمَّا يُشِيرُ أَنَّهُنَّ سِرْنَ عَلَى خُطَى أَبِيهِنَّ.b (اع ٢١:٩) فَلَا بُدَّ أَنَّ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلْمَسِيحِيَّ ٱجْتَهَدَ فِي تَنْمِيَةِ رُوحِيَّاتِ عَائِلَتِهِ. وَكَمْ يَحْسُنُ بِٱلْآبَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ أَنْ يَتْبَعُوا مِثَالَهُ، مُتَوَلِّينَ ٱلْقِيَادَةَ فِي ٱلْخِدْمَةِ وَمُسَاعِدِينَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى تَنْمِيَةِ ٱلْمَحَبَّةِ لِعَمَلِ ٱلْبِشَارَةِ!
١٤ مَاذَا حَصَلَ دُونَ شَكٍّ عِنْدَمَا زَارَ بُولُسُ ٱلرُّفَقَاءَ ٱلْمُؤْمِنِينَ، وَأَيَّةُ فُرَصٍ مُمَاثِلَةٍ مُتَاحَةٌ لَنَا ٱلْيَوْمَ؟
١٤ رَأَيْنَا حَتَّى ٱلْآنَ كَيْفَ فَتَّشَ بُولُسُ عَنِ ٱلرُّفَقَاءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي مَكَانٍ بَعْدَ آخَرَ وَأَمْضَى ٱلْوَقْتَ مَعَهُمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةَ بِدَوْرِهِمْ رَغِبُوا فِي ٱسْتِضَافَةِ هٰذَا ٱلْمُرْسَلِ وَرُفَقَائِهِ. نَتِيجَةً لِذٰلِكَ، ‹تَبَادَلَ ٱلْجَمِيعُ ٱلتَّشْجِيعَ› دُونَ شَكٍّ. (رو ١:١١، ١٢) وَنَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَحْظَى بِفُرَصٍ مُشَابِهَةٍ. فَفِي وِسْعِنَا أَنْ نَحْصُدَ فَوَائِدَ جَمَّةً إِذَا فَتَحْنَا بَيْتَنَا، وَلَوْ كَانَ مُتَوَاضِعًا، لِلنُّظَّارِ ٱلْجَائِلِينَ وَزَوْجَاتِهِمْ. — رو ١٢:١٣.
«إِنِّي مُسْتَعِدٌّ . . . أَنْ أَمُوتَ» (اعمال ٢١:١٠-١٤)
١٥، ١٦ أَيَّ رِسَالَةٍ حَمَلَ أَغَابُوسُ، وَكَيْفَ أَثَّرَتْ فِي ٱلْحَاضِرِينَ؟
١٥ أَثْنَاءَ مُكُوثِ بُولُسَ عِنْدَ فِيلِبُّسَ، وَصَلَ ضَيْفٌ مُحْتَرَمٌ آخَرُ، هُوَ أَغَابُوسُ. وَقَدْ عَرَفَ ٱلْمُجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ فِيلِبُّسَ أَنَّ أَغَابُوسَ نَبِيٌّ. فَهُوَ مَنْ تَنَبَّأَ بِحُدُوثِ مَجَاعَةٍ عَظِيمَةٍ خِلَالَ حُكْمِ كُلُودِيُوسَ. (اع ١١:٢٧، ٢٨) لِذَا لَرُبَّمَا تَسَاءَلُوا: ‹مَاذَا أَتَى بِهِ؟ أَيَّ رِسَالَةٍ يَحْمِلُ؟›. وَفِيمَا رَاقَبُوا بِٱنْتِبَاهٍ مَا يَحْدُثُ، أَخَذَ ٱلنَّبِيُّ مِنْطَقَةَ بُولُسَ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ شَرِيطٍ قُمَاشِيٍّ طَوِيلٍ يُلَفُّ حَوْلَ ٱلْوَسَطِ تُوضَعُ فِيهِ ٱلنُّقُودُ وَأَغْرَاضٌ أُخْرَى، ثُمَّ قَيَّدَ بِهَا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ وَرَاحَ يَتَكَلَّمُ. فَجَاءَ كَلَامُهُ فِي مُنْتَهَى ٱلْخُطُورَةِ! ذَكَرَ: «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ: ‹إِنَّ ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي لَهُ هٰذِهِ ٱلْمِنْطَقَةُ سَيُقَيِّدُهُ ٱلْيَهُودُ هٰكَذَا فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي أُنَاسٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ›». — اع ٢١:١١.
١٦ أَكَّدَتْ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةُ أَنَّ بُولُسَ سَيَذْهَبُ بِٱلْفِعْلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَشَارَتْ أَيْضًا أَنَّهُ سَيُسَلَّمُ «إِلَى أَيْدِي أُنَاسٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ» بِسَبَبِ كِرَازَتِهِ لِلْيَهُودِ هُنَاكَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقْوَالَ ٱلنَّبِيِّ هَزَّتِ ٱلْحَاضِرِينَ جَمِيعًا. يُخْبِرُ لُوقَا: «لَمَّا سَمِعْنَا هٰذَا، تَوَسَّلْنَا إِلَى [بُولُسَ] نَحْنُ وَٱلَّذِينَ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ أَلَّا يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. حِينَئِذٍ أَجَابَ بُولُسُ: ‹مَا بَالُكُمْ تَبْكُونَ وَتُضْعِفُونَ قَلْبِي؟ إِنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُقَيَّدَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ›». — اع ٢١:١٢، ١٣.
١٧، ١٨ كَيْفَ أَظْهَرَ بُولُسُ تَصْمِيمَهُ ٱلرَّاسِخَ، وَمَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ ٱلْإِخْوَةِ؟
١٧ لِنَتَخَيَّلْ مَعًا مَا قَرَأْنَاهُ لِلتَّوِّ: جَمِيعُ ٱلْحَاضِرِينَ، بِمَنْ فِيهِمْ لُوقَا، يَتَوَسَّلُونَ إِلَى بُولُسَ أَلَّا يُتَابِعَ رِحْلَتَهُ. وَيَغْلِبُ ٱلْقَلَقُ عَلَى بَعْضِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُ ٱلْبُكَاءُ. فَيَتَأَثَّرُ بُولُسُ بِقَلَقِهِمِ ٱلْمَجْبُولِ بِٱلْمَحَبَّةِ وَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ لُطْفٍ، قَائِلًا إِنَّهُمْ ‹يُضْعِفُونَ قَلْبَهُ›، أَوْ ‹يَكْسِرُونَ قَلْبَهُ› كَمَا تَذْكُرُ بَعْضُ ٱلتَّرْجَمَاتِ. مَعَ ذٰلِكَ، يَبْقَى تَصْمِيمُهُ رَاسِخًا كَمَا كَانَ حِينَ ٱلْتَقَى ٱلْإِخْوَةَ فِي صُورَ. فَمَا كَانَ ٱلرَّسُولُ لِيَسْمَحَ لِلتَّوَسُّلَاتِ أَوِ ٱلدُّمُوعِ أَنْ تَثْنِيَهُ عَنْ عَزْمِهِ. عِوَضَ ذٰلِكَ، أَوْضَحَ لَهُمْ مَا يَدْعُوهُ إِلَى ٱلْمُضِيِّ قُدُمًا. فَيَا لَلشَّجَاعَةِ وَٱلتَّصْمِيمِ ٱللَّذَيْنِ تَحَلَّى بِهِمَا! فَعَلَى غِرَارِ يَسُوعَ، عَزَمَ بُولُسُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. (عب ١٢:٢) وَلَمْ يَكُنِ ٱلرَّسُولُ بِذٰلِكَ يَتَعَمَّدُ أَنْ يَقْضِيَ شَهِيدًا. وَلٰكِنْ فِي حَالِ كَانَتِ ٱلشَّهَادَةُ هِيَ مَصِيرَهُ، فَٱلْمَوْتُ كَوَاحِدٍ مِنْ أَتْبَاعِ يَسُوعَ شَرَفٌ كَبِيرٌ فِي نَظَرِهِ.
١٨ فَمَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ ٱلْإِخْوَةِ؟ بِبَسِيطِ ٱلْعِبَارَةِ، نَزَلُوا عِنْدَ رَغْبَةِ ٱلرَّسُولِ. نَقْرَأُ: «وَلَمَّا لَمْ يَقْتَنِعْ رَضَخْنَا قَائِلِينَ: ‹لِتَكُنْ مَشِيئَةُ يَهْوَهَ!›». (اع ٢١:١٤) لَاحِظْ أَنَّ مَنْ حَاوَلُوا إِقْنَاعَ بُولُسَ بِعَدَمِ ٱلذَّهَابِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَوْقِفِهِمْ، بَلْ أَصْغَوْا إِلَيْهِ وَأَذْعَنُوا لَهُ. فَقَدْ أَدْرَكُوا أَنَّهَا مَشِيئَةُ يَهْوَهَ. لِذٰلِكَ قَبِلُوا بِهَا رَغْمَ صُعُوبَةِ ٱلْأَمْرِ عَلَيْهِمْ. زِدْ عَلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱلرَّسُولَ سَائِرٌ فِي دَرْبٍ سَيُؤَدِّي أَخِيرًا إِلَى مَوْتِهِ. فَكَمْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ ٱلْمُضِيُّ قُدُمًا حِينَ يُشَجِّعُهُ أَحِبَّاؤُهُ عِوَضَ أَنْ يُثَبِّطُوا عَزِيمَتَهُ!
١٩ أَيُّ دَرْسٍ نَسْتَمِدُّهُ مِمَّا حَدَثَ مَعَ بُولُسَ؟
١٩ وَمِنْ جِهَتِنَا نَسْتَمِدُّ دَرْسًا مُهِمًّا مِمَّا حَدَثَ مَعَ بُولُسَ. فَنَحْنُ أَيْضًا يَنْبَغِي أَلَّا نَثْنِيَ ٱلْآخَرِينَ عَنِ ٱلتَّحَلِّي بِرُوحِ ٱلتَّضْحِيَةِ بِٱلذَّاتِ فِي خِدْمَةِ ٱللّٰهِ. وَهٰذَا ٱلدَّرْسُ لَا يَصِحُّ فَقَطْ حِينَ تَكُونُ ٱلْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ. عَلَى سَبِيلِ ٱلْمِثَالِ، يَسْتَصْعِبُ وَالِدُونَ مَسِيحِيُّونَ كَثِيرُونَ أَنْ يَتْرُكَ أَوْلَادُهُمُ ٱلْمَنْزِلَ لِكَيْ يَخْدُمُوا فِي مَنَاطِقَ بَعِيدَةٍ. مَعَ ذٰلِكَ، يَعْقِدُونَ ٱلْعَزْمَ أَلَّا يُثَبِّطُوا هِمَّةَ أَوْلَادِهِمْ. تَسْتَذْكِرُ فِيلِيسُ ٱلَّتِي تَعِيشُ فِي إِنْكِلْتَرَا كَيْفَ شَعَرَتْ حِينَ ٱنْتَقَلَتِ ٱبْنَتُهَا ٱلْوَحِيدَةُ لِتَخْدُمَ مُرْسَلَةً فِي إِفْرِيقْيَا. تَقُولُ: «عِشْتُ أَيَّامًا صَعْبَةً. فَقَدْ عَزَّ عَلَيَّ أَنَّ مَسَافَةً شَاسِعَةً تَفْصِلُ بَيْنَنَا. صَحِيحٌ أَنَّنِي شَعَرْتُ بِٱلْفَخْرِ، لٰكِنِّي شَعَرْتُ بِٱلْحُزْنِ أَيْضًا. فَصَلَّيْتُ إِلَى يَهْوَهَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا بِهٰذَا ٱلْخُصُوصِ. غَيْرَ أَنَّنِي تَقَبَّلْتُ قَرَارَهَا، وَلَمْ أُحَاوِلْ قَطُّ إِقْنَاعَهَا بِٱلْعَوْدَةِ. فَلَطَالَمَا عَلَّمْتُهَا أَنَا بِنَفْسِي أَنْ تَضَعَ مَصَالِحَ ٱلْمَلَكُوتِ أَوَّلًا. وَٱلْيَوْمَ مَضَتْ ٣٠ سَنَةً عَلَى خِدْمَتِهَا فِي تَعْيِينَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَأَنَا أَشْكُرُ يَهْوَهَ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَمَانَتِهَا». خُلَاصَةُ ٱلْقَوْلِ: كَمْ جَمِيلٌ أَنْ نُشَجِّعَ ٱلْإِخْوَةَ ٱلَّذِينَ يُضَحُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ!
يحسن بنا ان نشجع مَن يعربون عن روح التضحية بالذات
«اِسْتَقْبَلَنَا ٱلْإِخْوَةُ بِسُرُورٍ» (اعمال ٢١:١٥-١٧)
٢٠، ٢١ مَا ٱلدَّلِيلُ أَنَّ بُولُسَ أَحَبَّ رِفْقَةَ ٱلْإِخْوَةِ، وَمَاذَا دَفَعَهُ إِلَى ذٰلِكَ؟
٢٠ أُعِدَّتِ ٱلتَّرْتِيبَاتُ وَتَابَعَ بُولُسُ طَرِيقَهُ بِرِفْقَةِ ٱلْإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ بَرْهَنُوا عَنْ دَعْمٍ كَامِلٍ لَهُ. وَكَمَا رَأَيْنَا، سَعَتِ ٱلْمَجْمُوعَةُ فِي كُلِّ مَحَطَّةٍ مِنْ مَحَطَّاتِ ٱلرِّحْلَةِ إِلَى ٱلتَّمَتُّعِ بِرِفْقَةِ إِخْوَتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ. فَفِي صُورَ، وَجَدُوا ٱلتَّلَامِيذَ وَقَضَوْا مَعَهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَفِي بَتُولِمَايِسَ، سَلَّمُوا عَلَى ٱلْإِخْوَةِ وَمَكَثُوا عِنْدَهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا. أَمَّا فِي قَيْصَرِيَّةَ فَمَكَثُوا أَيَّامًا فِي بَيْتِ فِيلِبُّسَ. بَعْدَئِذٍ، رَافَقَهُمْ بَعْضُ ٱلتَّلَامِيذِ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَيْثُ نَزَلُوا ضُيُوفًا عِنْدَ مَنَاسُونَ، أَحَدِ ٱلتَّلَامِيذِ ٱلْأَوَائِلِ. وَبِذٰلِكَ يَكُونُ ٱلْمُسَافِرُونَ قَدْ بَلَغُوا أَخِيرًا وُجْهَتَهُمْ حَيْثُ ‹ٱسْتَقْبَلَهُمُ ٱلْإِخْوَةُ بِسُرُورٍ›. — اع ٢١:١٧.
٢١ يَتَّضِحُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ بُولُسَ أَحَبَّ رِفْقَةَ مَنْ يُشَاطِرُونَهُ إِيمَانَهُ. فَقَدِ ٱسْتَمَدَّ ٱلتَّشْجِيعَ مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، تَمَامًا كَمَا نَفْعَلُ نَحْنُ ٱلْيَوْمَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هٰذَا ٱلتَّشْجِيعَ قَوَّاهُ لِمُوَاجَهَةِ ٱلْمُقَاوِمِينَ ٱلشَّرِسِينَ ٱلَّذِينَ سَيَطْلُبُونَ قَتْلَهُ.
a اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «قَيْصَرِيَّةُ: عَاصِمَةُ ٱلْيَهُودِيَّةِ».
b اُنْظُرِ ٱلْإِطَارَ «هَلْ تُوكَلُ إِلَى ٱلنِّسَاءِ ٱلْمَسِيحِيَّاتِ أَيُّ مَسْؤُولِيَّةٍ دِينِيَّةٍ؟».
-