داود، مدينة
اسم أُطلق على «معقل صهيون» بعد انتزاعه من اليبوسيين. (٢ صم ٥:٦-٩) ويُظن ان هذا الجزء كان نتوءا صخريا او حيدا من جبل المريا يمتد باتجاه الجنوب، ويقع بالتالي جنوب الموقع حيث بنى سليمان الهيكل لاحقا. اما اليوم فهو هضبة جنوبية ضيقة ادنى بكثير من جبل المريا. وقد اقتُلعت حجارة كثيرة من تلك المنطقة، خصوصا خلال حكم الامبراطور هادريان وبناء المدينة الرومانية إيليا كاپيتولينا حوالي السنة ١٣٥ بم. لذلك يتضح انه في الازمنة القديمة كان هذا النتوء اكثر ارتفاعا، انما ادنى من موقع الهيكل على جبل المريا. — الصورة في المجلد ١، ص X، والمجلد ٢، ص X.
كان هذا الموقع ملائما جدا ‹لمعقل›، نظرا الى كونه محميا بأودية عميقة من ثلاث جهات. فمن الغرب احاط به وادي تيروپيون ومن الشرق وادي قدرون الذي يتصل بوادي هنوم عند الطرف الجنوبي للنتوء. (١ اخ ١١:٧) ولم تكن المدينة تتطلب حماية كبيرة إلا من جهة الشمال، علما بأن الحيد هنا يصير اضيق ايضا، مما يجعل اي هجوم صعبا جدا. وحتى الآن لم يُحدَّد بشكل اكيد التخم الشمالي ‹لمدينة داود› هذه، رغم ان بعض العلماء يرجحون انه المكان الضيق الذي ذُكر آنفا. على مر القرون، ملأ الحطام الاودية الى حد كبير، منتقصا من قوة هذا المكان وأهميته الاستراتيجية. وتقدَّر المساحة الاجمالية لمدينة داود القديمة بـ ٤ الى ٦ هكتارات (١٠ الى ١٥ اكرا).
في وادي قدرون قرب سفح الجانب الشرقي لهذا النتوء حيث يقع المعقل، يوجد نبع يدعى جيحون. (١ مل ١:٣٣) وتدل الحفريات الاثرية على انه في الازمنة القديمة حُفرت قناة في الصخر ووُصلت بنفق عمودي ممكنة سكان المدينة من الوصول الى مياه النبع دون مغادرة الاسوار. ويُعتقد انه بصعود هذا النفق العمودي تمكن يوآب ورجاله من اختراق المعقل والاستيلاء عليه. — ٢ صم ٥:٨؛ ١ اخ ١١:٥، ٦.
دُعي هذا المعقل «مدينة داود» لأن داود اتخذه مقرا ملكيا بعد ان حكم سبع سنين ونصفا في حبرون. وفي هذا المكان، وبمساهمة من حيرام ملك صور، بُني لداود «بيت من ارز». (٢ صم ٥:٥، ٩، ١١؛ ٧:٢) وحين اصعد داود تابوت العهد من بيت عوبيد ادوم الى مدينة داود، تمكنت زوجته ميكال من رؤية الموكب يقترب بالنظر من احدى نوافذ البيت. (٢ صم ٦:١٠-١٦؛ ١ اخ ١٥:١، ٢٩) بعد موت الملك داود دُفن في المدينة، وقد صار الدفن في هذا المكان عادة اتُّبعت عند موت ملوك آخرين كثيرين من سلالته. — ١ مل ٢:١٠.
بدءا من حكم سليمان: نقل سليمان تابوت العهد الى الهيكل المبني حديثا على الهضبة الاوسع شمال مدينة داود. وتُظهر عبارة ‹اصعاد التابوت من مدينة داود› ان منطقة الهيكل تقع على ارض اعلى، اي جبل المريا الذي كان اعلى من النتوء الجنوبي. (١ مل ٨:١) بعد زواج سليمان من ابنة فرعون اسكنها في مدينة داود. (١ مل ٣:١) ولكن عند اكمال البيت الجديد قرب منطقة الهيكل نقلها من مدينة داود، لأن المدينة اعتُبرت مقدسة بسبب وجود التابوت فيها سابقا. (١ مل ٩:٢٤؛ ٢ اخ ٨:١١) وقام سليمان بأعمال بناء اضافية في مدينة داود؛ ورمم حزقيا هناك استعدادا لهجوم سنحاريب الاشوري. (١ مل ١١:٢٧؛ ٢ اخ ٣٢:٥) كما حوَّل حزقيا مياه نبع جيحون الى الطرف الغربي لمدينة داود، وذلك على الارجح بواسطة القناة المحفورة في الصخر التي اكتُشفت والتي تبيَّن انها تصل ذلك النبع ببركة سلوام عند المنحدر الجنوبي الغربي للنتوء. (٢ اخ ٣٢:٣٠) وبنى منسى، ابن حزقيا وخلفه، سورا خارجيا على طول المنحدر الشرقي قبالة وادي قدرون. — ٢ اخ ٣٣:١٤.
يتضح من الآيات المذكورة آنفا ان مدينة داود بقيت قطاعا منفصلا، رغم ان منطقة اورشليم توسّعت بمرور الوقت. وقد صح هذا حتى بعد العودة من السبي البابلي، فبعض معالم المدينة ذُكرت في الحديث عن فِرَق العمل التي رممت اسوار المدينة. (نح ٣:١٥، ١٦) ويبدو ان «درج مدينة داود» كان يمتد نزولا من الطرف الجنوبي للمدينة. (نح ١٢:٣٧) وكشفت الحفريات هناك عن اجزاء من درج كهذا، ولا تزال درجات محفورة في الصخر بطريقة غير متقنة تمتد نزولا من الأكمة في ذلك الموقع.
في الاسفار اليونانية المسيحية تنطبق عبارة «مدينة داود» على بيت لحم، مسقط رأس داود ويسوع. — لو ٢:٤، ١١؛ يو ٧:٤٢؛ انظر «أُورُشَلِيم».