-
بابِلبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
يقول هيرودوتس، مؤرخ يوناني من القرن الخامس قم، ان رصيفا نهريا متواصلا كان يمتد عند كلا جانبي مجرى الفرات، كما كانت اسوار لها عدة بوابات تفصل هذا الرصيف عن المدينة. وعلى حد قوله، بلغ ارتفاع اسوار المدينة نحو ٩٠ م (٢٩٥ قدما) وسماكتها ٥,٢٦ م (٨٧ قدما) وطولها نحو ٩٥ كلم (٥٩ ميلا). ولكن يبدو ان هيرودوتس كان يبالغ في سرده للوقائع عن بابل. فالادلة الاثرية تُظهر ان مساحة بابل كانت اصغر جدا، وأن طول وارتفاع الاستحكامات الخارجية كانا اقل بكثير. ولا يوجد دليل يؤكد على وجود رصيف نهريّ مباشرةً على الضفة الغربية للنهر.
اخترقت الشوارع المدينة بدءا من البوابات الموجودة في الاسوار الضخمة. وكان شارع المواكب، وهو الطريق الرئيسي، مرصوفا والجدران على جانبيه مزخرفة برسوم الاسود. (الصورة في المجلد ٢، ص X) وقام نبوخذنصر الثاني بترميم القصر القديم وتوسيعه، وبنى قصرا صيفيا على مسافة نحو كيلومترين (٥,١ ميل) شمالا. كما شيد بناء ضخما مؤلفا من عدة طبقات من القناطر، وهو ما يُعرف بجنائن بابل المعلقة المعتبرة احدى «عجائب العالم القديم».
-
-
بابِلبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
وُجد لوح مسماري يشير الى حملة على مصر في السنة الـ ٣٧ لنبوخذنصر (سنة ٥٨٨ قم). وربما صارت مصر الجبارة نتيجة هذه الحملة تحت النفوذ البابلي، حسبما انبأ النبي حزقيال سنة ٥٩١ قم كما يتضح. (حز ٢٩:١٧-١٩) وفي النهاية، بعد ٤٣ سنة من الحكم رافقها غزو امم كثيرة وتنفيذ مشروع بناء ضخم في بلاد بابل نفسها، مات نبوخذنصر الثاني في تشرين الاول ٥٨٢ قم وخلفه اويل مردوك (اويل مرودخ). وقد اظهر هذا الحاكم الجديد اللطف للملك يهوياكين الاسير. (٢ مل ٢٥:٢٧-٣٠) اما بالنسبة الى حكم نريجليصر (الذي خلف اويل مرودخ كما يتبين) وحكم لاباشي مردوك، فيكاد لا يُعرف شيء عنهما.
تتوفر معلومات تاريخية اوسع عن نبونيد وابنه بيلشاصر اللذين كانا دون شك شريكين في الحكم في فترة سقوط بابل.
ففي تلك الفترة كان الماديون والفرس، بقيادة كورش الكبير، يتقدمون ليستولوا على بلاد بابل ويتحولوا الى الدولة العالمية الرابعة. وفي ليلة ٥ تشرين الاول ٥٣٩ قم (بحسب التقويم الڠريڠوري)، احتُلت مدينة بابل وقُتل بيلشاصر. وفي السنة الاولى لكورش، بعد فتح مدينة بابل، اصدر مرسومه الشهير الذي سمح فيه لمجموعة ضمت ٣٦٠,٤٢ ذكرا، بالاضافة الى الكثير من العبيد والمرنمين المحترفين، بالعودة الى اورشليم. وبعد نحو ٢٠٠ سنة، انتهى النفوذ الفارسي على بلاد بابل عندما احتل الاسكندر الكبير مدينة بابل سنة ٣٣١ قم. وبحلول اواسط القرن الثاني قم، كان الفرثيون بقيادة ملكهم مثرادتس الاول يسيطرون على بلاد بابل.
بما ان جاليات يهودية كانت تزدهر في تلك الارض، ذهب بطرس (الرسول لليهود) الى بابل، ومن هناك كتب واحدة على الاقل من رسالتيه الملهمتين. (غل ٢:٧-٩؛ ١ بط ٥:١٣) كما ان القادة اليهود في تلك المجتمعات الشرقية اعدّوا الترجوم البابلي، المعروف ايضا باسم ترجوم أونكلوس، وصنعوا عددا من مخطوطات الاسفار العبرانية. ويتميز «مجلد پيترسبرڠ للانبياء اللاحقين»، الذي يرجع تاريخه الى سنة ٩١٦ بم، بأنه يجسد مزيجا من القراءة الشرقية (البابلية) والقراءة الغربية (الطبرية) على السواء.
-
-
كُورُشبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
انبأت نبوات الكتاب المقدس المتعلقة بفتح كورش لبابل بجفاف انهار المدينة وبقاء بواباتها مفتوحة، وكذلك بحدوث غزو مفاجئ لها وعدم تمكن الجنود البابليين من المقاومة. (اش ٤٤:٢٧؛ ٤٥:١، ٢؛ ار ٥٠:٣٥-٣٨؛ ٥١:٣٠-٣٢) ويصف هيرودوتس خندقا مائيا عميقا وعريضا يحيط ببابل، ويتحدث عن وجود بوابات برونزية (او نحاسية) كثيرة يمكن من خلالها عبور الاسوار الداخلية الممتدة على طول نهر الفرات الذي كان يشطر المدينة. ويضيف هيرودوتس (١:١٩١، ١٩٢) ان كورش حاصر المدينة، ثم «حوّل مياه النهر عبر قناة الى البحيرة [البحيرة الاصطناعية التي يُقال ان الملكة نيتوكريس حفرتها في وقت سابق] التي كانت مستنقعا آنذاك، فانخفض منسوب النهر حتى بات بالامكان خوض مجراه الفعلي. عندئذ قام الفرس المعينون للدخول الى بابل بولوجها عبر مجرى نهر الفرات، الذي انخفض منسوب مياهه بحيث لم يعد يتعدى مستوى منتصف فخذ الرجل. ولو عرف البابليون مسبقا او اكتشفوا ما كان يخطط له كورش، لتركوا الفرس يدخلون المدينة وأوصلوهم الى نهاية مخزية؛ فقد كانوا سيغلقون كل البوابات التي تطل على النهر ويصعدون الاسوار الممتدة على طول ضفافه، موقعين اعداءهم في فخ. غير ان الفرس اخذوا البابليين على حين غرة؛ وبسبب حجم المدينة الكبير — على حد قول الساكنين فيها — هُزم الذين يعيشون عند اطرافها، فيما لم يكن القاطنون في وسطها على علم بشيء. فقد كانوا طوال ذلك الوقت يرقصون ويمرحون محتفلين . . . الى ان علموا، انما بعد فوات الاوان، حقيقة ما حل بهم. [قارن دا ٥:١-٤، ٣٠؛ ار ٥٠:٢٤؛ ٥١:٣١، ٣٢.] وهكذا أُخذت بابل آنذاك لأول مرة».
تختلف رواية زينوفون قليلا من حيث التفاصيل، لكنها تتضمن نفس العناصر الرئيسية الواردة في رواية هيرودوتس. فعلى حد قول زينوفون، اعتقد كورش ان اقتحام اسوار بابل الضخمة شبه مستحيل. وتابع كلامه ذاكرا ان كورش حاصر المدينة وحوّل مياه نهر الفرات الى خنادق، وأنه اثناء وجود احتفال في بابل ارسل قواته في مجرى النهر بمحاذاة اسوار المدينة. فتمكنت هذه الجيوش بقيادة جوبرياس وجاداتاس من اخذ الحراس على حين غرة وعبرت الى الداخل من خلال بوابات القصر. وهكذا في ليلة واحدة، «أُخذت المدينة وقُتل الملك». اما الجنود البابليون المتمركزون في مختلف الحصون، فاستسلموا في الصباح التالي. — كيروبيديا، ٧، ٥، ٣٣؛ قارن ار ٥١:٣٠.
ويدون المؤرخ اليهودي يوسيفوس رواية عن فتح كورش كتبها الكاهن البابلي بِروسوس (في القرن الثالث قم). تقول هذه الرواية: «في السنة السابعة عشرة من ملكه [نبونيد]، جاء كورش من فارس ومعه جيش كبير، وبعدما اخضع باقي المملكة زحف الى بابل. ولما علم نبونيدس [نبونيد] بقدومه قاد جيشه لملاقاته، وحارب وهُزم. ثم هرب مع بعض من اتباعه وحبس نفسه في مدينة بورسيپا [التي كانت هي وبابل مدينتين متتائمتين]. وأخذ كورش بابل. وبعدما امر بتدمير اسوار المدينة الخارجية لأنها كانت هائلة ومهيبة جدا، اكمل طريقه الى بورسيپا ليحاصر نبونيدس. لكن هذا الاخير استسلم قبل ان يُحاصر. فعومل بإنسانية من قِبل كورش الذي طرده من بلاد بابل لكنه اعطاه كرمان ليسكن فيها. فأمضى نبونيدس بقية حياته في كرمان ومات هناك». (ضد أبيون، ١:١٥٠-١٥٣ [٢٠]) ان اختلاف هذه الرواية عن الروايات الاخرى مرده بشكل رئيسي الى العبارات التي تتحدث عما فعله نبونيد وتعاملات كورش معه. لكنها تنسجم مع رواية الكتاب المقدس في قولها ان بيلشاصر، لا نبونيد، كان الملك الذي قُتل ليلة سقوط بابل. — انظر «بِيلْشاصَّر».
-
-
الفُراتبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
بُنيت مدينة بابل العظيمة في الاصل بحيث يعبر الفرات فيها، واستُخدمت مياه النهر لتشكل خندقا عميقا يحيط بالمدينة اضافة الى شبكة من القنوات داخل اسوارها. وعند سقوط بابل سنة ٥٣٩ قم، غيّر كورش مجرى مياه الفرات لكي يتمكن جنوده من عبور قاع النهر ودخول المدينة المطمئنة. وبهذا المعنى ‹جُفِّفت› مياه الفرات. (اش ٤٤:٢٧، ٢٨؛ ٤٥:١) وبكلمات رمزية، جرى التنبؤ بأن هذا الامر عينه سيحصل نتيجة سكب الملاك السادس «جامه على النهر العظيم، نهر الفرات»، كما هو مذكور في رؤيا ١٦:١٢. ويصف الاصحاح التالي دمار «بابل العظيمة» المجازية التي يقال انها «جالسة على مياه كثيرة»، وهذه المياه تمثّل «شعوبا وجموعا وأمما وألسنة». — رؤ ١٧:١، ٥، ١٥-١٨.
-