-
يسوع المسيحبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
معطيات تثبت ان خدمة يسوع امتدت ثلاث سنوات ونصفا: بناء على معطيات اخرى يزوِّدها تسلسل الاحداث الزمني، يمكن التوصل الى استنتاج اكثر تحديدا بخصوص مدة خدمة يسوع وتاريخ موته. فالنبوة في دانيال ٩:٢٤-٢٧ (نوقشت بالتفصيل في المقالة «السبعون اسبوعا») تشير الى ظهور المسيا في بداية ‹الاسبوع› السبعين المؤلف من سنين (دا ٩:٢٥) وموته الفدائي في وسط او «في نصف» هذا الاسبوع، مبطلا بذلك قيمة الذبائح وقرابين التقدمة تحت عهد الشريعة. (دا ٩:٢٦، ٢٧؛ قارن عب ٩:٩-١٤؛ ١٠:١-١٠.) وهذا يعني ان خدمة يسوع المسيح كانت ستمتد ثلاث سنوات ونصفا (نصف «اسبوع» مؤلف من سبع سنوات).
-
-
يسوع المسيحبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
الخلاصة: بما ان يسوع مات في الشهر الربيعي نيسان القمري، فلا بد ان خدمته، التي استهلَّها قبل ثلاث سنوات ونصف بحسب دانيال ٩:٢٤-٢٧، بدأت في الخريف، تقريبا في شهر إيثانيم (ايلول [سبتمبر] – تشرين الاول [اكتوبر]). وهكذا، لا بد ان خدمة يوحنا (التي استهلَّها في السنة الـ ١٥ لطيباريوس) بدأت في ربيع سنة ٢٩ بم. وعليه، فإن يوحنا وُلد في ربيع سنة ٢ قم، ويسوع وُلد بعد حوالي ٦ اشهر في خريف سنة ٢ قم، وخدمته بدأت بعد نحو ٣٠ سنة في خريف سنة ٢٩ بم، وموته حصل سنة ٣٣ بم (في الربيع يوم ١٤ نيسان القمري كما ذُكر آنفا).
-
-
السبعون اسبوعابصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
العهد ساري المفعول «اسبوعا واحدا»: تذكر دانيال ٩:٢٧: «ويُبقي العهد لكثيرين ساري المفعول اسبوعا واحدا [اي سبع سنوات]، وفي نصف الاسبوع يُبطِل الذبيحة وقربان التقدمة». ولا يمكن ان يكون هذا «العهد» هو عهد الشريعة، لأن ذبيحة المسيح التي قُدِّمت بعد ٣ سنوات ونصف من بداية ‹الاسبوع› السبعين، ادت الى الغائه. فالكتاب المقدس يقول ان اللّٰه «ازالها [اي الشريعة] من الطريق بتسميرها على خشبة الآلام». (كو ٢:١٤) اضافة الى ذلك، تقول الاسفار المقدسة: «المسيح بشرائنا حرَّرنا من لعنة الشريعة . . . وذلك لكي تصير بركة ابراهيم للامم بيسوع المسيح». (غل ٣:١٣، ١٤) فمن خلال المسيح، شمل اللّٰه النسل الطبيعي لإبراهيم ببركات العهد الابراهيمي، مستثنيا الامم الى ان وصلتهم البشارة عندما بشر بطرس كرنيليوس الايطالي. (اع ٣:٢٥، ٢٦؛ ١٠:١-٤٨) وقد اهتدى كرنيليوس وأهل بيته بعد اهتداء شاول الطرسوسي، الذي حدث كما يُعتقد عموما نحو سنة ٣٤ بم ونعمت بعده الجماعة بفترة سلام وازدهار. (اع ٩:١-١٦، ٣١) بناء عليه يتبين ان كرنيليوس انضم الى الجماعة المسيحية في خريف سنة ٣٦ بم تقريبا، اي في نهاية ‹الاسبوع› السبعين، بعد ٤٩٠ سنة من عام ٤٥٥ قم.
«يُبطِل» الذبائح والتقدمات: ان الفعل «ابطل»، الذي استُعمل اشارة الى الذبيحة وقربان التقدمة، يعني حرفيا «ادخل في سبت، اراح، اوقف عن العمل». و «الذبيحة وقربان التقدمة» اللذان ‹يُبطَلان› حسب دانيال ٩:٢٧ لا يمكن ان يشيرا الى ذبيحة يسوع الفدائية، ومن غير المنطقي ان يشيرا الى الذبائح الروحية التي يقدِّمها اتباعه. فلا بد اذًا انهما يشيران الى الذبائح وقرابين التقدمة التي قدَّمها اليهود في هيكل اورشليم تبعا لشريعة موسى.
و «نصف الاسبوع» هو منتصف السبع سنوات، اي بعد مرور ٣ سنوات ونصف من ذلك ‹الاسبوع› المؤلف من سنين. وبما ان ‹الاسبوع› السبعين بدأ نحو خريف سنة ٢٩ بم عند معمودية يسوع وتعيينه مسيحا، فنصف ذلك الاسبوع (٣ سنوات ونصف) يقع في ربيع سنة ٣٣ بم، اي وقت الفصح (١٤ نيسان القمري) في تلك السنة. وهذا اليوم يصادف كما يتضح ١ نيسان (ابريل) سنة ٣٣ بم حسب التقويم الغريغوري. (انظر «عشاء الرب» [متى تأسس].) ويخبر الرسول بولس ان يسوع ‹اتى ليفعل مشيئة اللّٰه› اي «يلغي ما هو اول [الذبائح والتقدمات حسب الشريعة] لكي يُثبِت ما هو ثانٍ». وهذا ما فعله بتقديم جسده ذبيحة. — عبرانيين ١٠:١-١٠.
ومع ان الكهنة اليهود استمروا في تقديم الذبائح في هيكل اورشليم حتى دماره سنة ٧٠ بم، فالذبائح التي قُدِّمت عن الخطايا فقدت قيمتها في نظر اللّٰه ولم تعد ترضيه. فقبل وقت قصير من موت يسوع، قال لأورشليم: «ها هو بيتكم يُترك لكم». (مت ٢٣:٣٨) فالمسيح «قرَّب ذبيحة واحدة عن الخطايا الى مدى الدهر . . . فإنه بقربان واحد، ذبيحة، جعل المقدسين كاملين الى مدى الدهر». و «حيث توجد مغفرة [للخطايا والتعديات على الشريعة]، لا تبقى حاجة بعد الى قربان عن الخطايا». (عب ١٠:١٢-١٤، ١٨) والرسول بولس ذكر ان نبوة ارميا تحدثت عن عهد جديد، ما يعني ان العهد السابق (عهد الشريعة) عُتِّق وشاخ وصار ‹قريبا من الاضمحلال›. — عب ٨:٧-١٣.
-
-
السبعون اسبوعابصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
خراب المدينة والموضع المقدس: بعد نهاية السبعين «اسبوعا»، تم الجزءان الاخيران من دانيال ٩:٢٦ و ٢٧ نتيجة رفض اليهود للمسيح خلال ‹الاسبوع› السبعين. فالتاريخ يخبر ان تيطس ابن الامبراطور الروماني فسبازيان قاد القوات الرومانية التي زحفت نحو اورشليم. ودخلت هذه الجيوش الى اورشليم وهيكلها كالفيضان وخرَّبت المدينة والهيكل. ووجود الجيوش الوثنية في الموضع المقدس جعلها ‹رجسا›. (مت ٢٤:١٥) وقد فشلت كل الجهود لتهدئة الوضع في اورشليم قبل دمارها، لأن اللّٰه حكم عليها حين قال: «المقرَّر خِرَب»، و «ينصبُّ المقرَّر على المخرَّب الى ان يكون فناء».
النبوة من منظار يهودي: أُعد النص الماسوري الذي يتضمن نظام حركات وترقيم في الجزء الثاني من الالف الاول بعد الميلاد. وكما يتضح، كان رفض الماسوريين ليسوع المسيح بصفته المسيا هو ما جعلهم يضيفون آثناح (اي علامة وقف) الى النص العبراني في دانيال ٩:٢٥ بعد عبارة «سبعة اسابيع»، وذلك لفصلها عن ‹الاثنين والستين اسبوعا› بحيث يبدو ان الاسابيع الـ ٦٢ في النبوة (اي ٤٣٤ سنة) تنطبق على فترة اعادة بناء اورشليم القديمة. وتقول ترجمة العالِم اليهودي اسحاق ليسَر: «لهذا اعلَمْ وافهم انه من خروج الكلمة لرد اورشليم وبنائها الى الممسوح الرئيس سبعة اسابيع: [النقطتان هنا تمثلان علامة وقف] و خلال اثنين وستين اسبوعا تُبنى من جديد بشوارع وخنادق (حولها)، حتى في ضيق الاوقات». كما تنقل ترجمة جمعية النشر اليهودية في اميركا هذه الآية الى: «تكون سبعة اسابيع؛ و أثناء ستين اسبوعا وأسبوعين، تُبنى من جديد». وقد اضافت هاتان الترجمتان كلمتا «خلال» و «اثناء» في النص الانكليزي على ما يظهر لدعم مفهوم المترجمين.
الا ان البروفسور إ. ب. بوزاي كتب في حاشية احدى محاضراته في جامعة اوكسفورد معلِّقا على الترقيم الماسوري: «وضع اليهود الوقفة الرئيسية في الآية تحت שִׁבְעָה [سبعة]، بهدف الفصل بين الرقمين ٧ و ٦٢. ولا بد انهم فعلوا ذلك بهدف الخداع למען המינים (كما قال راشي [رابي يهودي شهير من القرنين ١١ و ١٢ بم] رافضا التفسيرات الحرفية التي لصالح المسيحيين) ‹بسبب الهراطقة›، اي المسيحيين. فالجملة الاخيرة اذا فُصلت هكذا، لا تحمل الا هذا المعنى: ‹و خلال ستين اسبوعا وأسبوعين يُردّ الشارع والسور ويُعاد بناؤهما›، اي ان اعادة بناء اورشليم كانت ستستغرق ٤٣٤ سنة، وهذا كلام لا معنى له». — دانيال النبي (بالانكليزية)، ١٨٨٥، ص ١٩٠.
وبالنسبة الى دانيال ٩:٢٦ (ليسَر) التي تذكر جزئيا: «وبعد الستين اسبوعا وأسبوعين يُقطع ممسوح دون وريث يخلفه»، يطبِّق المعلِّقون اليهود الـ ٦٢ اسبوعا على الفترة التي تؤدي الى عصر المكابيين، وعبارة «ممسوح» على الملك اغريباس الثاني الذي عاش خلال فترة دمار اورشليم سنة ٧٠ بم. اما البعض الآخر فيقول ان الممسوح هو رئيس الكهنة اونيا الذي اقاله انطيوخوس ابيفانوس سنة ١٧٥ قم. لكن تطبيق هذه النبوة على اي من هذين الرجلين يسلبها مغزاها وأهميتها، والتناقض الكبير في تحديد التواريخ يفقدها دقتها. — انظر كتب سونسينو للكتاب المقدس، بالانكليزية (تعليق على دا ٩:٢٥، ٢٦)، تحرير أ. كوهِن، لندن، ١٩٥١.
وكي يبرر العلماء اليهود وجهة نظرهم، يقولون ان ‹السبعة اسابيع› هي ٧٠ سنة، وليست ٧ مضروبة في ٧، اي ٤٩ سنة. لكنهم في الوقت نفسه يحسبون الـ ٦٢ اسبوعا على انها ٦٢ مضروبة في ٧. وهم يدَّعون ان هذه الفترة اشارت الى السبي البابلي. ويقولون ان «المسيا» في دانيال ٩:٢٥ هو كورش او زربابل او رئيس الكهنة يِشوع، اما «المسيا» في دانيال ٩:٢٦ فهو شخص آخر.
لكن ترجمات كثيرة لا تتبع الترقيم الماسوري. فهي اما تضع فاصلة بعد عبارة «سبعة اسابيع»، او تدل في صياغتها ان الـ ٦٢ اسبوعا تلي الاسابيع السبعة وهي جزء من السبعين اسبوعا، ولا تشير ان الـ ٦٢ اسبوعا تنطبق على فترة اعادة بناء اورشليم. (قارن دا ٩:٢٥ في م ج، ت ا، د ي، ع ج، رذ، يغ، ع أ، يس.) وذكر البروفسور جايمس سترونغ في تعليق على الاسفار المقدسة (بالانكليزية) بقلم لانغيه (دا ٩:٢٥، الحاشية ص ١٩٨): «السبب الوحيد لهذه الترجمة، التي تفصل فترة السبعة اسابيع عن الاثنين والستين اسبوعا معتبرة ان الفترة الاولى تؤدي في نهايتها الى الرئيس الممسوح والفترة الثانية هي وقت اعادة البناء، هو الترقيم الماسوري الذي يضع الآثناك [علامة وقف] بينهما. . . . وطريقة النقل هذه تجعل تركيبة الجزء الثاني من الجملة غير مترابطة اذ ينقصها حرف جر. لذلك من الافضل والابسط اتباع الترجمة المرخَّصة التي تتبنى نهج كل الترجمات الاقدم». — ترجمة وتحرير ب. شاف، ١٩٧٦.
وثمة تفسيرات كثيرة اخرى لهذه النبوة، بعضها يطبِّق النبوة على المسيا والبعض الآخر لا. وجدير بالذكر ان اقدم نسخة متوفرة من الترجمة السبعينية تشوِّه النص العبراني بطريقة فاضحة. فكما اوضح البروفسور بوزاي في دانيال النبي (ص ٣٢٨، ٣٢٩)، تلاعب المترجم بالفترة الزمنية المذكورة وأضاف وغيَّر وبدَّل مكان كلمات كي تدعم النبوة المكابيين في صراعهم. لكن هذه الترجمة المحرَّفة حل محلها في معظم الطبعات الحديثة من السبعينية ترجمة تتطابق مع النص العبراني وضعها عالم يهودي يُدعى ثيودوتيون في القرن الثاني بم.
كما رأينا، يسعى البعض الى تغيير تسلسل الفترات الزمنية في النبوة، في حين يجعل البعض الآخر الاحداث تتزامن او ينكرون انها تتم في وقت معين. لكن اصحاب هذه الآراء يعلقون في متاهة لا تنتهي. وفيما يحاولون الخروج منها، يطرحون افكارا غير منطقية او تنكر صراحة ان النبوة صحيحة وموحى بها من اللّٰه. وحول هذه الافكار بالتحديد التي تطرح علامات استفهام جديدة عوض ان تجاوب على الاسئلة الموجودة اصلا، يعلِّق العالم المذكور آنفا إ. ب. بوزاي: «هذه المسائل وقف عديمو الايمان امامها عاجزين. فبحثوا عن حل يناسبهم. وهذا هو الحل الاسهل. فعديمو الايمان مستعدون ان يصدقوا اي شيء ما عدا الامور التي يكشفها اللّٰه». — ص ٢٠٦.
-