-
مَرْيَمبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
٣- امّ يسوع وابنة هالي، مع ان سلسلة النسب في سفر لوقا تذكر ان يوسف زوج مريم هو «ابن هالي». تذكر دائرة معارف مكلنتوك وسترونغ (١٨٨١، المجلد ٣، ص ٧٧٤ ]بالانكليزية[): «من المعروف ان اليهود كانوا يحسبون الذكور فقط عند تنظيم سلاسل انسابهم. وإذا تتابع نسل الجد ليصل الى الحفيد من خلال الابنة، يحذفون اسمها ويحسبون الصهر ابنا لجد الحفيد من جهة امه (عد ٢٦:٣٣؛ ٢٧:٤-٧)». ولا شك ان هذا السبب هو ما جعل المؤرخ لوقا يقول ان يوسف هو «ابن هالي». — لو ٣:٢٣.
كانت مريم من سبط يهوذا ومتحدرة من داود. لذا يمكن القول عن ابنها يسوع انه «تحدر من نسل داود بحسب الجسد». (رو ١:٣) وقد امتلك يسوع من خلال ابيه بالتبني، يوسف المتحدر من داود، حقا شرعيا في عرش داود؛ كما امتلك من خلال امه، بصفته «نسل» و «اصل» داود، الحق الوراثي الطبيعي في «عرش داود ابيه». — مت ١:١-١٦؛ لو ١:٣٢؛ اع ١٣:٢٢، ٢٣؛ ٢ تي ٢:٨؛ رؤ ٥:٥؛ ٢٢:١٦.
يذكر التقليد ان زوجة هالي، اي امّ مريم، تدعى حنة، وأن اخت حنة انجبت بنتا اسمها أليصابات التي هي امّ يوحنا المعمدان. وإذا كان هذا التقليد صحيحا، فهذا يعني ان أليصابات هي ابنة خالة مريم. وتؤكد الاسفار المقدسة نفسها وجود قرابة بين مريم وأليصابات التي كانت «من بنات هارون» من سبط لاوي. (لو ١:٥، ٣٦) فضلا عن ذلك، يظن البعض ان سالومة زوجة زبدي، التي كان ابناها يعقوب ويوحنا من رسل يسوع، هي اخت مريم. — مت ٢٧:٥٥، ٥٦؛ مر ١٥:٤٠؛ ١٦:١؛ يو ١٩:٢٥.
يزورها ملاك: نحو بداية سنة ٢ قم، ارسل اللّٰه الملاك جبرائيل الى العذراء مريم في بلدة الناصرة. وقد وجَّه اليها تحية استثنائية جدا قائلا: «طاب يومك، ايتها المنعم عليها، يهوه معك». وعندما قال انها ستحبل وتلد ابنا تدعوه يسوع، سألته مريم التي كانت آنذاك مخطوبة ليوسف: «كيف يكون هذا، وأنا ليس لي علاقة زوجية برجل؟». فأوضح الملاك: «روح قدس يأتي عليك، وقدرة العلي تظللك. لذلك ايضا يدعى المولود قدوسا، ابن اللّٰه». وإذ ابتهجت بالحدث المرتقب، اجابت بحشمة وتواضع لائقين: «هوذا أمَة يهوه! ليكن لي كما اعلنت». — لو ١:٢٦-٣٨.
ولتقوية ايمان مريم استعدادا لهذا الحدث البالغ الاهمية، قيل لها ان نسيبتها أليصابات حبلت في شيخوختها وبلغت الشهر السادس من حملها، وإنها لم تعد عاقرا بفضل قوة يهوه العجائبية. فذهبت مريم لزيارتها، وحين دخلت بيتها ارتكض الجنين فرحا في رحم أليصابات. عندئذ هنأت هذه الاخيرة مريم قائلة: «مباركة انت بين النساء، ومباركة ثمرة رحمك!». (لو ١:٣٦، ٣٧، ٣٩-٤٥) فاندفعت مريم الى التفوه بكلمات ملهمة تمجد يهوه على صلاحه. — لو ١:٤٦-٥٥.
رجعت مريم الى الناصرة بعدما اقامت نحو ثلاثة اشهر عند أليصابات في تلال اليهودية. (لو ١:٥٦) وعندما علم يوسف انها حامل (على الارجح اباحت هي اليه بذلك)، نوى ان يطلقها سرا بدلا من تعريضها للتشهير العلني. (اعتُبر المخطوبون كأنهم متزوجون، وكان يلزم اجراء طلاق لفسخ الخطبة.) لكن ملاك يهوه تراءى ليوسف وكشف له ان الذي حُبل به فيها هو من روح قدس. عندئذ اذعن يوسف للوصية الالهية وتزوج مريم، «ولم تكن له علاقة زوجية بها الى ان ولدت ابنا، ودعا اسمه يسوع». — مت ١:١٨-٢٥.
تلد يسوع في بيت لحم: تتوالى احداث هذه القصة ويُصدر القيصر اوغسطس مرسوما يُلزم فيه كل شخص بأن يكتتب في مسقط رأسه. وقد صدر المرسوم في ذلك الوقت بتدبير الهي، اذ كان لا بد ان تتم النبوة المتعلقة بمكان ولادة يسوع. (مي ٥:٢) وهكذا اخذ يوسف مريم، التي كان ‹حملها قد ثقل›، في رحلة شاقة تناهز الـ ١٥٠ كلم (٩٣ ميلا) من بيتهما في الناصرة شمالا الى بيت لحم جنوبا. وبما انه لم يكن لهما موضع في النزل، وُلد الطفل في احوال وضيعة للغاية وأُضجع في مذود. وقد حدث ذلك على الارجح نحو ١ تشرين الاول سنة ٢ قم. — لو ٢:١-٧؛ انظر الصورتين في المجلد ٢، ص X؛ «يسوع المسيح».
بعد سماع صوت ملاك يقول: «وُلد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب، في مدينة داود»، اسرع رعاة الى بيت لحم. وهناك وجدوا العلامة: طفل مريم ‹مقمط ومُضجَع في مذود›. فأخبروا العائلة السعيدة ما كانت الجوقة الملائكية العظيمة قد رنمته: «المجد للّٰه في الاعالي، وعلى الارض السلام بين اناس الرضى». وكانت مريم «تحفظ كل هذا الكلام، متفكرة فيه في قلبها». — لو ٢:٨-٢٠.
في اليوم الثامن اخذت مريم ابنها ليُختن اطاعة لشريعة يهوه. وفي اليوم الـ ٤٠ اتت هي وزوجها بالطفل الى الهيكل في اورشليم لتقريب الذبيحة الموصى بها. وقد امرت الشريعة بأن تكون الذبيحة حملا وفرخ يمام او ترغلة؛ وإن لم يكن في وسع العائلة ان تقدم شاة، لزم ان تقرب زوج ترغل او فرخي يمام. وبما ان مريم قربت إما «زوج ترغل او فرخي يمام»، فمن الواضح ان يوسف لم يكن ميسور الحال. (لو ٢:٢١-٢٤؛ لا ١٢:١-٤، ٦، ٨) وقد رأى الطفلَ رجلٌ بار يدعى سمعان، فسبّح يهوه لأنه سمح له برؤية المخلص قبل ان يموت بسبب شيخوخته. ثم التفت الى مريم وقال: «وأنتِ سيجوز في نفسك سيف طويل». لم يعنِ هذا انها ستُطعن بسيف حرفي، بل انها ستقاسي الالم والعذاب نتيجة موت ابنها المنبإ به على خشبة الآلام. — لو ٢:٢٥-٣٥.
تعود الى الناصرة: في وقت لاحق حذر ملاكٌ يوسف من مكيدة دبرها هيرودس الكبير لقتل الصغير، وأمره بأن يهرب بيسوع الى مصر. (مت ٢:١-١٨) وبعد موت هيرودس، عادت العائلة واستقرت في الناصرة، حيث انجبت مريم في السنين التالية اولادا آخرين: اربعة بنين على الاقل وعددا من البنات. — مت ٢:١٩-٢٣؛ ١٣:٥٥، ٥٦؛ مر ٦:٣.
كان من عادة مريم ان ترافق يوسف كل سنة في رحلة الى اورشليم من اجل الاحتفال السنوي بعيد الفصح، قاطعين مسافة ١٥٠ كلم (٩٣ ميلا) تقريبا، رغم ان الشريعة لم تُلزم النساء بالحضور. (خر ٢٣:١٧؛ ٣٤:٢٣) وفي احدى هذه الرحلات، نحو سنة ١٢ بم، اكتشفت العائلة في طريق عودتها، بعد مسيرة يوم من اورشليم، ان الصبي يسوع مفقود. فعاد ابواه على الفور الى اورشليم وأخذا يبحثان عنه. وبعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل يسمع للمعلمين ويسألهم. فصاحت مريم: «يا ولدي، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا ابوك وأنا كنا في كرب نفتش عنك». فأجاب يسوع: «لماذا تفتشان عني؟ ألم تعلما انني لا بد ان اكون في بيت ابي؟». لا شك ان العثور على ابن اللّٰه في الهيكل هو امر منطقي، فهناك يستطيع ان يتلقى الارشاد من الاسفار المقدسة. وقد كانت مريم «تحفظ باعتناء كل هذا الكلام في قلبها». — لو ٢:٤١-٥١.
تبين ان هذا الصبي يسوع، البالغ من العمر ١٢ سنة، يملك معرفة مذهلة تفوق ما يُتوقع من ولد في سنه. فقد «كان كل الذين يسمعونه مبهوتين من فهمه وأجوبته». (لو ٢:٤٧) غير ان المعرفة والفهم اللذين امتلكهما يسوع في الاسفار المقدسة كانا نتيجة تدريب ابويه الممتاز. فلا بد ان مريم ويوسف دأبا على تعليم الصبي وتدريبه. وقد ربّياه «في تأديب يهوه وتوجيهه الفكري» ونمّيا فيه التقدير لعادة الذهاب الى المجمع كل سبت. — لو ٤:١٦؛ اف ٦:٤.
يسوع احترمها وأحبها: لم يعامل يسوع مريم معاملة مميزة جدا بعد معموديته. فلم يخاطبها مستعملا كلمة ‹امي› بل كلمة «امرأة». (يو ٢:٤؛ ١٩:٢٦) ولا يُقصد ابدا بهذه الكلمة التقليل من الاحترام كما يمكن ان توحي للبعض. فالكلمة المستعملة بهذه الطريقة في اللغة الالمانية، مثلا، يُقصد بها «سيدة». وصحيح ان مريم كانت امّ يسوع بحسب الجسد، ولكن منذ ولادته بالروح وقت معموديته، صار بشكل رئيسي ابن اللّٰه الروحي وصارت ‹امه› «اورشليم العليا». (غل ٤:٢٦) وشدد يسوع على ذلك عندما قاطعته مريم وأولادها الآخرون فيما كان يعلّم، طالبين منه ان يخرج الى حيث هم واقفون. فقد اظهر ان مَن يعتبرهم فعليا امه وأقرب اقربائه هم الاشخاص الذين ينتمون الى عائلته الروحية، وأن المسائل الروحية لها الاولوية فوق الاهتمامات الجسدية. — مت ١٢:٤٦-٥٠؛ مر ٣:٣١-٣٥؛ لو ٨:١٩-٢١.
عندما نفدت الخمر في عرس في قانا الجليل وقالت مريم ليسوع: «ليس عندهم خمر»، اجابها قائلا: «ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد». (يو ٢:١-٤) استخدم يسوع هنا جملة استفهامية قديمة ترد ثماني مرات في الاسفار العبرانية (يش ٢٢:٢٤؛ قض ١١:١٢؛ ٢ صم ١٦:١٠؛ ١٩:٢٢؛ ١ مل ١٧:١٨؛ ٢ مل ٣:١٣؛ ٢ اخ ٣٥:٢١؛ هو ١٤:٨) وست مرات في الاسفار اليونانية. (مت ٨:٢٩؛ مر ١:٢٤؛ ٥:٧؛ لو ٤:٣٤؛ ٨:٢٨؛ يو ٢:٤) فالسؤال «ما لي ولك؟» يعني: «ماذا يجمع بيني وبينك؟» او «ماذا يجمعك بي؟» او «ما شأني بك؟». وفي كل مرة يُستعمل فيها هذا السؤال، يُقصد به الاعتراض على الشيء المقترح او المحتمل حدوثه. وهكذا، صاغ يسوع بمحبة توبيخه الرقيق باستعمال هذا السؤال، مظهرا لأمه انه لا يأخذ التوجيهات منها بل من صاحب السلطان الاسمى الذي ارسله. (١ كو ١١:٣) وقد فهمت مريم الحساسة والمتواضعة الفكرة على الفور وقبلت التقويم. فتراجعت وتركت يسوع يأخذ القيادة، قائلة للخدم: «مهما يقل لكم فافعلوا». — يو ٢:٥.
كانت مريم واقفة عند خشبة الآلام حين عُلق يسوع. فيسوع بالنسبة اليها هو اكثر من ابن محبوب؛ انه المسيا، ربها ومخلصها، وابن اللّٰه. ويبدو ان مريم كانت ارملة في ذلك الوقت. وبما ان يسوع هو البكر في عائلة يوسف، فقد تمم مسؤوليته حين طلب من الرسول يوحنا، ابن خالته على الارجح، ان يأخذ مريم الى بيته ويعتني بها كما لو كانت امه. (يو ١٩:٢٦، ٢٧) ولكن لماذا لم يعهد يسوع بها الى احد اخوته من امه؟ لا يُذكر ان ايا منهم كان حاضرا آنذاك. كما انهم لم يكونوا قد آمنوا بعد بيسوع، الذي اعتبر ان العلاقة الروحية اهم من العلاقة الجسدية. — يو ٧:٥؛ مت ١٢:٤٦-٥٠.
تلميذة امينة: يُظهر الكتاب المقدس في آخر ذكر لمريم انها امرأة ايمان وتعبُّد استمرت تعاشر المؤمنين الآخرين معاشرة لصيقة بعد صعود يسوع الى السماء. فقد اجتمع الرسل الـ ١١ ومريم وآخرون في علية وكانوا «يداومون معا على الصلاة». — اع ١:١٣، ١٤.
-
-
مَرْيَمبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
٣- امّ يسوع وابنة هالي، مع ان سلسلة النسب في سفر لوقا تذكر ان يوسف زوج مريم هو «ابن هالي». تذكر دائرة معارف مكلنتوك وسترونغ (١٨٨١، المجلد ٣، ص ٧٧٤ ]بالانكليزية[): «من المعروف ان اليهود كانوا يحسبون الذكور فقط عند تنظيم سلاسل انسابهم. وإذا تتابع نسل الجد ليصل الى الحفيد من خلال الابنة، يحذفون اسمها ويحسبون الصهر ابنا لجد الحفيد من جهة امه (عد ٢٦:٣٣؛ ٢٧:٤-٧)». ولا شك ان هذا السبب هو ما جعل المؤرخ لوقا يقول ان يوسف هو «ابن هالي». — لو ٣:٢٣.
كانت مريم من سبط يهوذا ومتحدرة من داود. لذا يمكن القول عن ابنها يسوع انه «تحدر من نسل داود بحسب الجسد». (رو ١:٣) وقد امتلك يسوع من خلال ابيه بالتبني، يوسف المتحدر من داود، حقا شرعيا في عرش داود؛ كما امتلك من خلال امه، بصفته «نسل» و «اصل» داود، الحق الوراثي الطبيعي في «عرش داود ابيه». — مت ١:١-١٦؛ لو ١:٣٢؛ اع ١٣:٢٢، ٢٣؛ ٢ تي ٢:٨؛ رؤ ٥:٥؛ ٢٢:١٦.
يذكر التقليد ان زوجة هالي، اي امّ مريم، تدعى حنة، وأن اخت حنة انجبت بنتا اسمها أليصابات التي هي امّ يوحنا المعمدان. وإذا كان هذا التقليد صحيحا، فهذا يعني ان أليصابات هي ابنة خالة مريم. وتؤكد الاسفار المقدسة نفسها وجود قرابة بين مريم وأليصابات التي كانت «من بنات هارون» من سبط لاوي. (لو ١:٥، ٣٦) فضلا عن ذلك، يظن البعض ان سالومة زوجة زبدي، التي كان ابناها يعقوب ويوحنا من رسل يسوع، هي اخت مريم. — مت ٢٧:٥٥، ٥٦؛ مر ١٥:٤٠؛ ١٦:١؛ يو ١٩:٢٥.
يزورها ملاك: نحو بداية سنة ٢ قم، ارسل اللّٰه الملاك جبرائيل الى العذراء مريم في بلدة الناصرة. وقد وجَّه اليها تحية استثنائية جدا قائلا: «طاب يومك، ايتها المنعم عليها، يهوه معك». وعندما قال انها ستحبل وتلد ابنا تدعوه يسوع، سألته مريم التي كانت آنذاك مخطوبة ليوسف: «كيف يكون هذا، وأنا ليس لي علاقة زوجية برجل؟». فأوضح الملاك: «روح قدس يأتي عليك، وقدرة العلي تظللك. لذلك ايضا يدعى المولود قدوسا، ابن اللّٰه». وإذ ابتهجت بالحدث المرتقب، اجابت بحشمة وتواضع لائقين: «هوذا أمَة يهوه! ليكن لي كما اعلنت». — لو ١:٢٦-٣٨.
ولتقوية ايمان مريم استعدادا لهذا الحدث البالغ الاهمية، قيل لها ان نسيبتها أليصابات حبلت في شيخوختها وبلغت الشهر السادس من حملها، وإنها لم تعد عاقرا بفضل قوة يهوه العجائبية. فذهبت مريم لزيارتها، وحين دخلت بيتها ارتكض الجنين فرحا في رحم أليصابات. عندئذ هنأت هذه الاخيرة مريم قائلة: «مباركة انت بين النساء، ومباركة ثمرة رحمك!». (لو ١:٣٦، ٣٧، ٣٩-٤٥) فاندفعت مريم الى التفوه بكلمات ملهمة تمجد يهوه على صلاحه. — لو ١:٤٦-٥٥.
رجعت مريم الى الناصرة بعدما اقامت نحو ثلاثة اشهر عند أليصابات في تلال اليهودية. (لو ١:٥٦) وعندما علم يوسف انها حامل (على الارجح اباحت هي اليه بذلك)، نوى ان يطلقها سرا بدلا من تعريضها للتشهير العلني. (اعتُبر المخطوبون كأنهم متزوجون، وكان يلزم اجراء طلاق لفسخ الخطبة.) لكن ملاك يهوه تراءى ليوسف وكشف له ان الذي حُبل به فيها هو من روح قدس. عندئذ اذعن يوسف للوصية الالهية وتزوج مريم، «ولم تكن له علاقة زوجية بها الى ان ولدت ابنا، ودعا اسمه يسوع». — مت ١:١٨-٢٥.
تلد يسوع في بيت لحم: تتوالى احداث هذه القصة ويُصدر القيصر اوغسطس مرسوما يُلزم فيه كل شخص بأن يكتتب في مسقط رأسه. وقد صدر المرسوم في ذلك الوقت بتدبير الهي، اذ كان لا بد ان تتم النبوة المتعلقة بمكان ولادة يسوع. (مي ٥:٢) وهكذا اخذ يوسف مريم، التي كان ‹حملها قد ثقل›، في رحلة شاقة تناهز الـ ١٥٠ كلم (٩٣ ميلا) من بيتهما في الناصرة شمالا الى بيت لحم جنوبا. وبما انه لم يكن لهما موضع في النزل، وُلد الطفل في احوال وضيعة للغاية وأُضجع في مذود. وقد حدث ذلك على الارجح نحو ١ تشرين الاول سنة ٢ قم. — لو ٢:١-٧؛ انظر الصورتين في المجلد ٢، ص X؛ «يسوع المسيح».
بعد سماع صوت ملاك يقول: «وُلد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب، في مدينة داود»، اسرع رعاة الى بيت لحم. وهناك وجدوا العلامة: طفل مريم ‹مقمط ومُضجَع في مذود›. فأخبروا العائلة السعيدة ما كانت الجوقة الملائكية العظيمة قد رنمته: «المجد للّٰه في الاعالي، وعلى الارض السلام بين اناس الرضى». وكانت مريم «تحفظ كل هذا الكلام، متفكرة فيه في قلبها». — لو ٢:٨-٢٠.
في اليوم الثامن اخذت مريم ابنها ليُختن اطاعة لشريعة يهوه. وفي اليوم الـ ٤٠ اتت هي وزوجها بالطفل الى الهيكل في اورشليم لتقريب الذبيحة الموصى بها. وقد امرت الشريعة بأن تكون الذبيحة حملا وفرخ يمام او ترغلة؛ وإن لم يكن في وسع العائلة ان تقدم شاة، لزم ان تقرب زوج ترغل او فرخي يمام. وبما ان مريم قربت إما «زوج ترغل او فرخي يمام»، فمن الواضح ان يوسف لم يكن ميسور الحال. (لو ٢:٢١-٢٤؛ لا ١٢:١-٤، ٦، ٨) وقد رأى الطفلَ رجلٌ بار يدعى سمعان، فسبّح يهوه لأنه سمح له برؤية المخلص قبل ان يموت بسبب شيخوخته. ثم التفت الى مريم وقال: «وأنتِ سيجوز في نفسك سيف طويل». لم يعنِ هذا انها ستُطعن بسيف حرفي، بل انها ستقاسي الالم والعذاب نتيجة موت ابنها المنبإ به على خشبة الآلام. — لو ٢:٢٥-٣٥.
تعود الى الناصرة: في وقت لاحق حذر ملاكٌ يوسف من مكيدة دبرها هيرودس الكبير لقتل الصغير، وأمره بأن يهرب بيسوع الى مصر. (مت ٢:١-١٨) وبعد موت هيرودس، عادت العائلة واستقرت في الناصرة، حيث انجبت مريم في السنين التالية اولادا آخرين: اربعة بنين على الاقل وعددا من البنات. — مت ٢:١٩-٢٣؛ ١٣:٥٥، ٥٦؛ مر ٦:٣.
كان من عادة مريم ان ترافق يوسف كل سنة في رحلة الى اورشليم من اجل الاحتفال السنوي بعيد الفصح، قاطعين مسافة ١٥٠ كلم (٩٣ ميلا) تقريبا، رغم ان الشريعة لم تُلزم النساء بالحضور. (خر ٢٣:١٧؛ ٣٤:٢٣) وفي احدى هذه الرحلات، نحو سنة ١٢ بم، اكتشفت العائلة في طريق عودتها، بعد مسيرة يوم من اورشليم، ان الصبي يسوع مفقود. فعاد ابواه على الفور الى اورشليم وأخذا يبحثان عنه. وبعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل يسمع للمعلمين ويسألهم. فصاحت مريم: «يا ولدي، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا ابوك وأنا كنا في كرب نفتش عنك». فأجاب يسوع: «لماذا تفتشان عني؟ ألم تعلما انني لا بد ان اكون في بيت ابي؟». لا شك ان العثور على ابن اللّٰه في الهيكل هو امر منطقي، فهناك يستطيع ان يتلقى الارشاد من الاسفار المقدسة. وقد كانت مريم «تحفظ باعتناء كل هذا الكلام في قلبها». — لو ٢:٤١-٥١.
تبين ان هذا الصبي يسوع، البالغ من العمر ١٢ سنة، يملك معرفة مذهلة تفوق ما يُتوقع من ولد في سنه. فقد «كان كل الذين يسمعونه مبهوتين من فهمه وأجوبته». (لو ٢:٤٧) غير ان المعرفة والفهم اللذين امتلكهما يسوع في الاسفار المقدسة كانا نتيجة تدريب ابويه الممتاز. فلا بد ان مريم ويوسف دأبا على تعليم الصبي وتدريبه. وقد ربّياه «في تأديب يهوه وتوجيهه الفكري» ونمّيا فيه التقدير لعادة الذهاب الى المجمع كل سبت. — لو ٤:١٦؛ اف ٦:٤.
يسوع احترمها وأحبها: لم يعامل يسوع مريم معاملة مميزة جدا بعد معموديته. فلم يخاطبها مستعملا كلمة ‹امي› بل كلمة «امرأة». (يو ٢:٤؛ ١٩:٢٦) ولا يُقصد ابدا بهذه الكلمة التقليل من الاحترام كما يمكن ان توحي للبعض. فالكلمة المستعملة بهذه الطريقة في اللغة الالمانية، مثلا، يُقصد بها «سيدة». وصحيح ان مريم كانت امّ يسوع بحسب الجسد، ولكن منذ ولادته بالروح وقت معموديته، صار بشكل رئيسي ابن اللّٰه الروحي وصارت ‹امه› «اورشليم العليا». (غل ٤:٢٦) وشدد يسوع على ذلك عندما قاطعته مريم وأولادها الآخرون فيما كان يعلّم، طالبين منه ان يخرج الى حيث هم واقفون. فقد اظهر ان مَن يعتبرهم فعليا امه وأقرب اقربائه هم الاشخاص الذين ينتمون الى عائلته الروحية، وأن المسائل الروحية لها الاولوية فوق الاهتمامات الجسدية. — مت ١٢:٤٦-٥٠؛ مر ٣:٣١-٣٥؛ لو ٨:١٩-٢١.
عندما نفدت الخمر في عرس في قانا الجليل وقالت مريم ليسوع: «ليس عندهم خمر»، اجابها قائلا: «ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد». (يو ٢:١-٤) استخدم يسوع هنا جملة استفهامية قديمة ترد ثماني مرات في الاسفار العبرانية (يش ٢٢:٢٤؛ قض ١١:١٢؛ ٢ صم ١٦:١٠؛ ١٩:٢٢؛ ١ مل ١٧:١٨؛ ٢ مل ٣:١٣؛ ٢ اخ ٣٥:٢١؛ هو ١٤:٨) وست مرات في الاسفار اليونانية. (مت ٨:٢٩؛ مر ١:٢٤؛ ٥:٧؛ لو ٤:٣٤؛ ٨:٢٨؛ يو ٢:٤) فالسؤال «ما لي ولك؟» يعني: «ماذا يجمع بيني وبينك؟» او «ماذا يجمعك بي؟» او «ما شأني بك؟». وفي كل مرة يُستعمل فيها هذا السؤال، يُقصد به الاعتراض على الشيء المقترح او المحتمل حدوثه. وهكذا، صاغ يسوع بمحبة توبيخه الرقيق باستعمال هذا السؤال، مظهرا لأمه انه لا يأخذ التوجيهات منها بل من صاحب السلطان الاسمى الذي ارسله. (١ كو ١١:٣) وقد فهمت مريم الحساسة والمتواضعة الفكرة على الفور وقبلت التقويم. فتراجعت وتركت يسوع يأخذ القيادة، قائلة للخدم: «مهما يقل لكم فافعلوا». — يو ٢:٥.
كانت مريم واقفة عند خشبة الآلام حين عُلق يسوع. فيسوع بالنسبة اليها هو اكثر من ابن محبوب؛ انه المسيا، ربها ومخلصها، وابن اللّٰه. ويبدو ان مريم كانت ارملة في ذلك الوقت. وبما ان يسوع هو البكر في عائلة يوسف، فقد تمم مسؤوليته حين طلب من الرسول يوحنا، ابن خالته على الارجح، ان يأخذ مريم الى بيته ويعتني بها كما لو كانت امه. (يو ١٩:٢٦، ٢٧) ولكن لماذا لم يعهد يسوع بها الى احد اخوته من امه؟ لا يُذكر ان ايا منهم كان حاضرا آنذاك. كما انهم لم يكونوا قد آمنوا بعد بيسوع، الذي اعتبر ان العلاقة الروحية اهم من العلاقة الجسدية. — يو ٧:٥؛ مت ١٢:٤٦-٥٠.
تلميذة امينة: يُظهر الكتاب المقدس في آخر ذكر لمريم انها امرأة ايمان وتعبُّد استمرت تعاشر المؤمنين الآخرين معاشرة لصيقة بعد صعود يسوع الى السماء. فقد اجتمع الرسل الـ ١١ ومريم وآخرون في علية وكانوا «يداومون معا على الصلاة». — اع ١:١٣، ١٤.
-