-
المعرفة المسبقة، التعيين المسبقبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
فكرة القضاء والقدر: تقوم فكرة القضاء والقدر على الاعتقاد ان اللّٰه يستخدم معرفته المسبقة دون حدود وأنه يعيِّن، او يقدِّر مسبقا، مسار حياة كل شخص ومصيره. ويحاج مؤيدو هذه العقيدة ان ألوهة اللّٰه وكماله يقتضيان ان يكون كليَّ المعرفة، ليس عن الماضي والحاضر فقط، بل عن المستقبل ايضا. فبحسب هذا المفهوم، لا يكون اللّٰه كاملا إن لم يعرف كل الامور بأدق تفاصيلها. وهم يستخدمون قصة عيسو ويعقوب، ابني اسحاق التوأمين، كدليل ان اللّٰه قرَّر مسبقا مصير اشخاص قبل ولادتهم. (رو ٩:١٠-١٣) ويستشهدون بآيات مثل افسس ١:٤، ٥ ليبرهنوا ان اللّٰه سبق فعرف وعيَّن مستقبل كل مخلوقاته حتى قبل بدء الخليقة.
-
-
المعرفة المسبقة، التعيين المسبقبصيرة في الاسفار المقدسة
-
-
تعيين ‹المدعوين والمختارين› مسبقا: تبقى الآن مناقشة الآيات التي تتحدث عن المسيحيين «المدعوين»، او «المختارين». (يه ١؛ مت ٢٤:٢٤) فالسجل يقول انهم ‹مختارون بحسب عِلم اللّٰه الآب السابق› (١ بط ١:١، ٢)، ‹اختيروا قبل تأسيس العالم›، ‹عُيِّنوا مسبقا للتبني› كأولاد للّٰه (اف ١:٣-٥، ١١)، و ‹انتُقوا من البداية للخلاص ودُعوا الى هذا المصير عينه›. (٢ تس ٢:١٣، ١٤) ان شرح هذه الآيات يعتمد على ما اذا فُهمت انها تشير الى التعيين المسبق للاشخاص افراديا ام الى تعيين صف او فريق من الناس، اي الجماعة المسيحية، ‹الجسد الواحد› (١ كو ١٠:١٧) المؤلَّف من الذين سيكونون ورثة معاونين مع المسيح يسوع في ملكوته السماوي. — اف ١:٢٢، ٢٣؛ ٢:١٩-٢٢؛ عب ٣:١، ٥، ٦.
فإذا كانت هذه الكلمات تنطبق على افراد محدَّدين عُيِّن مسبقا انهم سينالون الخلاص الابدي، فهذا يعني ان من المستحيل ان يتخلوا عن امانتهم او يخسروا دعوتهم، لأن معرفة اللّٰه المسبقة بهم لا يمكن اطلاقا ان تكون خاطئة وتعيينه المسبق لهم ان ينالوا مصيرا معيَّنا لا يمكن ان يفشل او يُحبَط. غير ان الرسولين نفسيهما اللذين أُوحي اليهما ان يكتبا الكلمات الآنفة الذكر اظهرا ان بعض الذين ‹اشتُروا› و ‹قُدِّسوا› بدم ذبيحة المسيح الفدائية والذين «ذاقوا الهبة السماوية، وصاروا ممن نالوا نصيبا من روح قدس . . . وقوات نظام الاشياء الآتي» سيزلُّون بعيدا بحيث لا يمكن ردُّهم الى التوبة ويجلبون الهلاك على انفسهم. (٢ بط ٢:١، ٢، ٢٠-٢٢؛ عب ٦:٤-٦؛ ١٠:٢٦-٢٩) وقد حث هذان الرسولان الاشخاص الذين كتبا اليهم: «ابذلوا بالاكثر قصارى جهدكم لتجعلوا دعوتكم واختياركم اكيدين، لأنكم اذا داومتم على فعل هذه الامور، فلن تسقطوا ابدا»؛ و «اعملوا لأجل خلاصكم بخوف ورعدة». (٢ بط ١:١٠، ١١؛ في ٢:١٢-١٦) ومن الواضح ايضا ان بولس، «المدعو ليكون رسولا ليسوع المسيح» (١ كو ١:١)، لم يعتبر ان اللّٰه «قدَّر» له الخلاص الابدي. فهو يتحدث عن الجهود الكبيرة التي بذلها في سعيه «نحو الهدف لأجل جائزة دعوة اللّٰه العليا» (في ٣:٨-١٥) وحرصه ألا ‹يصير هو نفسه غير مرضي عنه›. — ١ كو ٩:٢٧.
كذلك الامر، ان «تاج الحياة» الموضوع امام هؤلاء يعتمد على بقائهم امناء حتى الموت تحت المحن. (رؤ ٢:١٠، ٢٣؛ يع ١:١٢) فهنالك احتمال ان يخسروا تاج المُلك مع ابن اللّٰه. (رؤ ٣:١١) صحيح ان الرسول بولس قال ان ‹تاج البر محفوظ له›، لكنه لم يعبِّر عن ثقته هذه إلا بعدما تيقَّن انه ‹انهى الشوط›، اي اقترب من خط النهاية. — ٢ تي ٤:٦-٨.
اما اذا انطبقت الآيات المقتبسة سابقا على فريق من الناس — اي الجماعة المسيحية، او ‹الامة المقدسة› من المدعوين كمجموعة (١ بط ٢:٩) — فيكون معناها ان اللّٰه عرف وعيَّن مسبقا ان هذا الفريق (وليس الافراد الذين يؤلِّفونه) سيتشكل. وهي تعني ايضا انه حدَّد مسبقا ‹المثال› الذي يجب ان يتبعه كل الذين سيُدعون في الوقت المعيَّن ليكونوا من اعضاء هذا الفريق، وكل ذلك بانسجام مع قصده. (رو ٨:٢٨-٣٠؛ اف ١:٣-١٢؛ ٢ تي ١:٩، ١٠) كما عيَّن مسبقا اية اعمال يُتوقع ان يقوموا بها وأنهم سيُمتحنون ويعانون الضيقات في العالم. — اف ٢:١٠؛ ١ تس ٣:٣، ٤.
-