-
مشكلة عالميةاستيقظ! ٢٠٠١ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
مشكلة عالمية
«الانتحار مشكلة خطيرة تتعلق بمجال الصحة العامة». — دايڤيد ساتشر، مدير دائرة الصحة العامة في الولايات المتحدة، سنة ١٩٩٩.
هذه العبارة تسم المرة الاولى في التاريخ التي يطرح فيها مدير لدائرة الصحة العامة في الولايات المتحدة موضوع الانتحار على طاولة البحث. فعدد الذين يقتلون نفسهم في هذا البلد يفوق عدد الذين يقتلهم الآخرون. لذلك لا عجب ان يعلن مجلس الشيوخ الاميركي ان مكافحة الانتحار مسألة ينبغي ان تحتل الاولوية في كل ارجاء البلد.
لكنَّ نسبة الانتحار في الولايات المتحدة، التي كانت ٤,١١ لكل ٠٠٠,١٠٠ سنة ١٩٩٧، هي دون النسبة العالمية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية سنة ٢٠٠٠ — ١٦ لكل ٠٠٠,١٠٠. وقد ازدادت نسب الانتحار حول العالم ٦٠ في المئة في الـ ٤٥ سنة الماضية. واليوم، في سنة واحدة، ينتحر حوالي مليون شخص حول العالم، مما يعادل تقريبا ميتة واحدة كل ٤٠ ثانية!
لكنَّ الاحصائيات لا تخبر الحقيقة كاملة. ففي حالات عديدة ينكر اعضاء العائلة ان الموت كان سببه الانتحار. وعلاوة على ذلك، يقدَّر ان مقابل كل عملية انتحار تتم، هنالك ١٠ الى ٢٥ محاولة انتحار. وفي احد الاستطلاعات، اعترف ٢٧ في المئة من التلامذة في المدارس الثانوية في الولايات المتحدة انه خلال السنة السابقة راودتهم فعليا فكرة الانتحار؛ وأقدم ٨ في المئة ممَّن شملهم الاستطلاع على محاولة الانتحار. كما وجدت دراسات اخرى ان ٥ الى ١٥ في المئة من الراشدين راودتهم افكار انتحارية في بعض الاوقات.
الاختلافات الحضارية
ان الطريقة التي ينظر بها الناس الى الانتحار تتفاوت الى حد بعيد. فالبعض يعتبرونه جريمة، والبعض الآخر وسيلة يلجأ اليها الجبناء للهرب من مشاكلهم، وينظر اليه آخرون ايضا كطريقة شريفة للاعتذار عن خطإ. ويذهب البعض الى حد اعتباره طريقة نبيلة لدعم قضية ما. فلمَ يوجد مثل هذا التفاوت في الآراء؟ تلعب الحضارة دورا اساسيا. تذكر رسالة هارڤرد للصحة العقلية ان الحضارة «تؤثر في امكانية حدوث الانتحار».
تأملوا في بلد يقع في اوروپا الوسطى — هنڠاريا. يشير الطبيب زولتان ريمر الى ان نسبة الانتحار العالية في هذا البلد هي «‹تقليد› مؤسف». وذكر بيلا بودا، مدير المعهد الوطني للصحة في هنڠاريا، ان الهنڠاريين يقدمون على الانتحار دون تردد، لأي سبب تقريبا. والقول «انه مصاب بالسرطان وهو يعرف كيف ينهي هذا الوضع» هو رد فعل شائع، كما يقول بودا.
وفي الهند، درج قديما تقليد ديني معروف بالسُّوتية يقضي ان ترمي الارملة نفسها فوق محرقة زوجها الجنائزية. ورغم ان هذه الممارسة مُنعت منذ زمن طويل، فهي لم تنقرض كاملا. ويُقال انه عندما انتحرت احدى النساء بهذه الطريقة، جعل السكان المحليون من المأساة عملا بطوليا. ووفقا لمجلة الهند اليوم (بالانكليزية)، فإن تلك المنطقة في الهند «شهدت على مدى ٢٥ سنة موت حوالي ٢٥ امرأة ألقين بأنفسهن فوق محرقات ازواجهن الجنائزية».
والجدير بالملاحظة ان عدد الضحايا الذي يحصده الانتحار في اليابان هو ثلاثة اضعاف الضحايا التي تحصدها حوادث السير! تقول اليابان — دائرة معارف مصوَّرة (بالانكليزية): «ان حضارة اليابان التقليدية، التي لم تدِن قط الانتحار، معروفة بعادة متأصلة جدا في بنيتها، عادة نزع الاحشاء (السيپوكو، او الهاراكيري)».
وهذا الافتتان الحضاري بالموت اوضحه إينازو نيتوبي، الذي صار لاحقا وكيل الامين العام لعصبة الامم، في كتابه البوشيدو — روح اليابان (بالانكليزية). كتب: «[السيپوكو] ابتكار يعود الى القرون الوسطى، لجأ اليه المحاربون ليكفروا عن جرائمهم، يعتذروا عن اخطائهم، يهربوا من العار، يفدوا اصدقاءهم، او ليبرهنوا عن اخلاصهم». ورغم ان هذا الشكل الشعائري من الانتحار مضى عليه الزمن، لا يزال قليلون يلجأون اليه للتأثير في المجتمع.
اما في العالم المسيحي، فقد اعتُبر الانتحار جريمة فترة طويلة. فبحلول القرنين السادس والسابع، كانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تحرم الذين ينتحرون ولا تسمح بإجراء الطقوس الجنائزية لهم. وفي بعض الاماكن، ادّت الحماسة الدينية الى عادات غريبة تتعلق بالمنتحرين — بما فيها تعليق الجثث، وغرز الاوتاد في القلوب.
لكنَّ الغريب في الامر ان الذين كانوا يحاولون الانتحار تعرضوا لعقاب الموت. فقد شُنق رجل انكليزي في القرن التاسع عشر بعدما فشل في ذبح نفسه. وهكذا كانت السلطات تُكمل ما فشل الرجل نفسه في القيام به. ورغم ان هذا العقاب تبدل على مر السنين، لم يكن حتى سنة ١٩٦١ ان اعلن البرلمان البريطاني انه لم يعد الانتحار او محاولة الانتحار يعتبران جريمة. اما في ايرلندا، فقد استمر اعتبار الانتحار جريمة حتى سنة ١٩٩٣.
واليوم، يشجع بعض الكتّاب على الانتحار باعتباره احد الخيارات. ففي كتاب صادر سنة ١٩٩١ يتناول موضوع انتحار من يعانون مرضا مميتا بمساعدة طبيب، عُرضت طرائق ينهي بها المرء حياته. ولاحقا، صار عدد متزايد من المرضى الذين لا يشكون من مرض مميت يلجأون ايضا الى احدى هذه الطرائق المذكورة.
فهل الانتحار هو حقا الحل لمشاكل المرء؟ ام ان هنالك اسبابا وجيهة للاستمرار في العيش؟ قبل التأمل في هذين السؤالين، لنفحص اولا الاسباب التي تؤدي الى الانتحار.
[النبذة في الصفحة ٤]
في سنة واحدة، ينتحر حوالي مليون شخص حول العالم، مما يعادل ميتة واحدة كل ٤٠ ثانية تقريبا!
-
-
لماذا ييأس الناس من الحياةاستيقظ! ٢٠٠١ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
لماذا ييأس الناس من الحياة
«لكل امرئ دوافع تؤدي به الى الانتحار: دوافع شخصية الى ابعد حدود، لا سبيل الى معرفتها، ومروِّعة». كاي رادفيلد جايميسن، طبيبة نفسانية.
«الحياة عذاب». كتب هذه الكلمات ريونوسوكي أكوتاڠاوا، اديب ياباني اشتهر في مطلع القرن العشرين، قبيل اقدامه على الانتحار. لكنه مهَّد لهذه العبارة بقوله: «طبعا، انا لا ارغب في الموت ولكن . . .».
مثل أكوتاڠاوا، كثيرون ممن ينتحرون لا يرغبون في الموت بقدر ما يودون «انهاء معاناتهم»، كما ذكر بروفسور في علم النفس. وهذا ما تعكسه ايضا التعابير التي كثيرا ما نجدها في الرسائل التي يتركها المنتحرون. فعبارات مثل ‹لا استطيع ان اتحمل اكثر من ذلك› او، ‹لمَ الاستمرار في العيش؟› تُظهر رغبة قوية في الهروب من واقع الحياة المرير. لكنّ اللجوء الى الانتحار، كما وصفه احد الاطباء، هو «كاستخدام قنبلة نووية لمعالجة الزكام».
ورغم ان الاسباب التي تدفع الناس الى الانتحار تختلف، هنالك حالات شائعة مشتركة تكمن وراء الانتحار.
حالات تؤدي الى الانتحار
ليس غريبا ان ييأس الاحداث ويقدمون على الانتحار حتى لأسباب تظهر تافهة للآخرين. فعندما يتعرض الاحداث للأذى ولا يستطيعون شيئا للحؤول دونه، قد يعتبرون موتهم وسيلة للانتقام من الذين آذوهم. كتب هيروشي إينَمورا، اختصاصي في معالجة الميالين الى الانتحار في اليابان: «يرغب الاولاد بشدة في معاقبة الشخص الذي عذبهم، من خلال موتهم».
وأشار استطلاع حديث في بريطانيا انه عندما يتعرض الاولاد للتهجُّم الشديد، يزيد احتمال اقدامهم على الانتحار سبعة اضعاف. والالم العاطفي الذي يعانيه هؤلاء حقيقي. فثمة ولد في الـ ١٣ من عمره شنق نفسه بعدما ترك رسالة تتضمن اسماء خمسة احداث عذبوه وانتزعوا منه المال ايضا. كتب يقول: «ارجوكم، خلصوا الاولاد الآخرين».
وقد يحاول آخرون الانتحار عندما يواجهون مشاكل في المدرسة او مع القانون، يفشلون في علاقة غرامية، ينالون علامات دراسية منخفضة، يختبرون الاجهاد عند التحضير للامتحانات، او حين تثقل كاهلهم هموم المستقبل. وبالنسبة الى المراهقين المتفوقين في دراستهم الذين يجدّون في اثر الكمال، يمكن ان تؤدي نكسة او فشل — سواء كان واقعيا او خياليا —الى محاولة الانتحار.
اما بالنسبة الى الراشدين، فالحالات الشائعة التي قد تؤدي الى الانتحار هي المشاكل المالية او المشاكل المتعلقة بالعمل. ففي اليابان، بعد سنوات من التدهور الاقتصادي، فاق عدد المنتحرين مؤخرا الـ ٠٠٠,٣٠ في السنة. ووفقا لصحيفة ماينيتشي دايلي نيوز (بالانكليزية)، ٧٥ في المئة من الرجال المتوسطي العمر الذين قتلوا انفسهم اقدموا على ذلك «بسبب المشاكل الناجمة عن الديون، الفشل في الاعمال، الفقر والبطالة». وتؤدي المشاكل العائلية ايضا الى الانتحار. ذكرت صحيفة فنلندية: «ان الرجال المتوسطي الاعمار المطلَّقين حديثا» هم بين المجموعات الاكثر عرضة للانتحار. ووجدت دراسة في هنڠاريا ان غالبية الفتيات اللواتي راودتهن فكرة الانتحار نشأن في عائلات محطمة.
التقاعد والعلل الجسدية هي ايضا عوامل اساسية تؤدي الى الانتحار، وخصوصا بين المسنين. فغالبا ما يجري اللجوء الى الانتحار كمنفذ، ليس بالضرورة عندما يكون المرض مميتا، بل حين يشعر المريض انه لا يستطيع تحمل آلامه.
لكن لا يتجاوب الجميع مع هذه الحالات المؤدية الى الانتحار بقتل انفسهم. على العكس، ان معظم الناس الذين يواجهون مثل هذه الحالات المجهدة لا ينتحرون. فلماذا اذًا يعتبر البعض الانتحار حلا بعكس الغالبية؟
العوامل الضمنية
تقول كاي رادفيلد جايميسن، بروفسورة في الطب النفسي في كلية الطب في جامعة جونز هوپكنز: «ان اتخاذ قرار الموت يتوقف الى حد بعيد على الطريقة التي تفسَّر بها الاحداث». وتضيف: «غالبية العقول، عندما تكون سليمة، لا تعتبر اي حدث مدمرا الى حد يبرّر الاقدام على الانتحار». وتذكر إيڤ ك. موشتشتسكي، من المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة، ان عوامل كثيرة — بما فيها عوامل ضمنية — تعمل معا لتؤدي الى السلوك الانتحاري. وتشمل هذه العوامل الضمنية الاضطرابات العقلية والاضطرابات الناجمة عن اساءة استعمال المواد المسببة للادمان، التركيب الوراثي، وكيمياء الدماغ. فلنتأمل في بعض منها.
في طليعة هذه العوامل تأتي الاضطرابات العقلية والاضطرابات الناجمة عن اساءة استعمال المواد المسببة للادمان. وتشمل هذه الاضطرابات، على سبيل المثال، الكآبة، الاضطراب الثنائي القطب، الفُصام، وإساءة استعمال الكحول او المخدِّرات. وتشير الابحاث في أوروپا وفي الولايات المتحدة على السواء ان اكثر من ٩٠ في المئة من عمليات الانتحار له علاقة بهذه الاضطرابات. وفي الواقع، وجد باحثون سويديون ان بين الرجال الذين لم يشخص لديهم اي اضطراب من هذا النوع، بلغت نسبة الانتحار ٣,٨ لكل ٠٠٠,١٠٠، في حين قفزت النسبة الى ٦٥٠ لكل ٠٠٠,١٠٠ بين المكتئبين! ويقول الخبراء ان العوامل المؤدية الى الانتحار مشابهة في البلدان الشرقية. لكنّ هذه العوامل بالاضافة الى الكآبة لا تجعل من الانتحار امرا محتوما.
تقول البروفسورة جايميسن التي حاولت هي نفسها الانتحار: «يظهر ان الناس قادرون على تحمل الكآبة ما دام هنالك بارقة امل». لكنها وجدت انه فيما يتفاقم اليأس باستمرار ويصبح غير محتمل، تضعف تدريجيا مقدرة العقل على كبح الدوافع الانتحارية. وهي تشبّه الحالة بفرامل السيارة التي تبلى بسبب الضغط المستمر.
من المهم ادراك هذه النزعة لأن الكآبة يمكن معالجتها. والشعور بالعجز يمكن عكسه. فعندما تعالج العوامل الضمنية، يمكن ان يتجاوب الناس بشكل مختلف مع الحزن والاجهاد اللذين غالبا ما يؤديا الى الانتحار.
ويظن البعض ان تركيب المرء الوراثي ايضا عامل ضمني قد يكون وراء الكثير من حالات الانتحار. دون شك، ان المورِّثات تلعب دورا في تحديد طبع الشخص، ولبعض العائلات تاريخ حافل بالانتحار، كما تُظهر بعض الدراسات. لكن، «الاستعداد الوراثي لا يعني بأي شكل ان الانتحار لا مفر منه»، كما تقول جايميسن.
ويمكن ان تكون كيمياء الدماغ ايضا عاملا ضمنيا. ففي الدماغ تتصل بلايين العصبونات بطريقة كهركيميائية. وعند اطراف الالياف العصبية المتشعبة، هنالك فجوات صغيرة تدعى المشابك تمرر المرسِلات العصبية عبرها المعلومات كيميائيا. ومستوى احد هذه المرسِلات العصبية، السيروتونين، قد يكون له علاقة بميل الشخص بيولوجيا الى الانتحار. يوضح كتاب داخل الدماغ (بالانكليزية): «ان مستوى السيروتونين المنخفض . . . قد يسلب المرء سعادته، فيشعر ان لا معنى لوجوده، ويزداد خطر الكآبة والانتحار».
لكنّ الانتحار ليس امرا محتوما. فملايين الناس يتكيفون مع الاحزان والضغوط. وما يدفع البعض الى قتل انفسهم هو الطريقة التي بها يتجاوب العقل والقلب مع الضغوط. لذلك لا يجب معالجة الحوافز المباشرة فحسب بل ايضا العوامل الضمنية.
اذًا ماذا يمكن فعله لخلق نظرة اكثر تفاؤلا تعيد نوعا ما الى المرء لذته في الحياة؟
[الاطار في الصفحة ٦]
وقائع عن انتحار الرجال والنساء
اظهرت دراسة اجريت في الولايات المتحدة ان نسبة محاولة الانتحار عند النساء هي ضعف الى ثلاثة اضعاف النسبة عند الرجال، لكنَّ نسبة نجاح الرجال في الانتحار هي اربعة اضعاف النسبة عند النساء. وما يفسر سبب محاولة انتحار عدد اكبر من النساء هو ان معاناتهن من الكآبة هي على الاقل ضعف معاناة الرجال. ولكن بما ان كآبة النساء عموما اقل شدة من كآبة الرجال، فهن يلجأن الى وسائل اقل عنفا لينهين حياتهن. اما الرجال فيلجأون الى استعمال وسائل قاضية وعنيفة اكثر ليتأكدوا من نجاح مسعاهم.
لكن في الصين، تنجح النساء في الانتحار اكثر من الرجال. وفي الواقع، تظهر دراسة ان حوالي ٥٦ في المئة من عمليات الانتحار التي تقوم بها النساء حول العالم تحدث في الصين، وخصوصا في المناطق الريفية. ويقال ان احد الاسباب التي تدفع النساء في هذه المناطق الى الإقدام بتهور على الانتحار والنجاح في مسعاهن هو سهولة حصولهن على مبيدات الآفات المميتة.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
الانتحار والوحدة
الوحدة هي احد العوامل التي تدفع الناس الى الكآبة والانتحار. قال يوكو لونكويست، الذي ترأس دراسة تناولت موضوع الانتحار في فنلندا: «العديدون [ممَن اقدموا على الانتحار]، كانت حياتهم اليومية موحشة. فقد كان لديهم الكثير من اوقات الفراغ ولكن القليل من العلاقات الاجتماعية». وعلَّق كنشيرو اوهارا، طبيب نفساني في كلية الطب في جامعة هاماماتسو في اليابان، قائلا ان «الاعتزال» هو وراء موجة الانتحار التي حصلت مؤخرا بين الرجال المتوسطي العمر في ذلك البلد.
[الصورة في الصفحة ٥]
بالنسبة الى الراشدين، ان الحالات الشائعة التي قد تؤدي الى الانتحار هي المشاكل المالية او المشاكل المتعلقة بالعمل
-
-
يمكنكم ايجاد العوناستيقظ! ٢٠٠١ | تشرين الاول (اكتوبر) ٢٢
-
-
يمكنكم ايجاد العون
تساءل رجل سويسري في الـ ٢٨ من عمره: ‹تسع وأربعون حبة منوم في الفنجان. هل اتناولها ام لا؟›. لقد تخلت عنه زوجته وتركه أولاده، فتملكته كآبة عارمة. لكن بعد ان تناول الجرعة، قال لنفسه ‹لا، لا اريد ان اموت!›. ولحسن التوفيق، نجا ليخبر قصته. فالنزعات الانتحارية لا تؤدي دائما الى الموت.
قال ألكس كروزبي الذي يعمل في مراكز مكافحة الامراض والوقاية منها في الولايات المتحدة بشأن محاولات انتحار المراهقين: «اذا استطعتم تأخير محاولة الانتحار ولو بضع ساعات، يمكنكم الحؤول دون حدوثها. فتدخلكم قد يمنع عددا كبيرا من الاشخاص من النجاح في مسعاهم وينقذ حياتهم».
وفيما كان البروفسور هيساتشي كوروساوا يعمل في مركز الطوارئ والانقاذ في كلية الطب في اليابان، ساعد مئات الاشخاص الميالين الى الانتحار على استعادة رغبتهم في الحياة. نعم، ان التدخل بطريقة ما يمكن ان ينقذ حياة الكثيرين. فأي عون يلزم؟
مواجهة المشاكل الضمنية
كما ذُكر في المقالة السابقة، يقول الباحثون ان ٩٠ في المئة من الذين انتحروا كانوا مصابين باضطرابات نفسية او يعانون مشاكل تتعلق بإساءة استعمال المواد المسببة للادمان. لذلك، تقول إيف ك. موشتشتسكي من المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة: «ان الامل بالقضاء على انتحار الاشخاص من كل فئات الاعمار يتوقف على معالجة الاضطرابات العقلية والاضطرابات المتعلقة بإساءة استعمال المواد المسبِّبة للادمان».
لكنَّ المؤسف ان الذين يعانون هذه الاضطرابات لا ينشدون عادة المساعدة. ولمَ لا؟ «بسبب نظرة التحامل الشديد في المجتمع»، كما يعلق يوشيتومو تاكاهاشي من معهد الطب النفسي المتروبوليتي في طوكيو. ويضيف قائلا انه بسبب هذا التحامل، حتى الاشخاص الذين يدركون نوعا ما انهم يعانون علة نفسية يترددون في طلب معالجة فورية.
لكنَّ البعض لا يردعهم الخجل. فثمة مذيع مشهور يدعى هيروشي أوڠاوا قضى ١٧ سنة يُعدّ ويقدم برنامجا تلفزيونيا في اليابان، اعترف علنا انه يعاني الكآبة وانه وصل الى شفير الانتحار. قال أوڠاوا: «تشبَّه الكآبة بزكام». فأي كان يمكن ان يلتقطه، كما اوضح، لكنَّ شفاءه ممكن.
تحدثوا الى شخص ما
يقول بيلا بودا، المسؤول الصحي الهنڠاري، المقتبس منه سابقا: «عندما يكون شخص وحيدا مع مشاكله، يراها عادة اضخم بكثير مما هي عليه ولا يرى املا في حلها». ويؤكد هذا التعليق حكمة مثل قديم في الكتاب المقدس: «المعتزل يطلب شهوته. بكل مشورة يغتاظ». — امثال ١٨:١.
اصغوا الى هذه الكلمات الحكيمة. لا تسمحوا لنفسكم بأن تتخبطوا وحدكم في بحر من المشاكل الشخصية الساحقة. ابحثوا عن شخص يمكنكم الوثوق به وتستطيعون ان تبوحوا له بمكنونات قلبكم. ‹لكن›، قد تقولون، ‹لا يوجد احد استطيع التحدث اليه›. كثيرون يخالجهم شعور مماثل، كما يقول الاختصاصي في الصحة العقلية الطبيب ناووكي ساتو. ويذكر ساتو ايضا ان المرضى قد يتجنبون الافضاء بمشاكلهم الى آخرين لأنهم لا يرغبون في اظهار ضعفهم.
فإلى اين يمكن ان يلجأ المرء لإيجاد اذن صاغية؟ في اماكن كثيرة، يمكن اللجوء الى مراكز مكافحة الانتحار او الى الخدمات الهاتفية للمساعدة على حل الازمات او الى اي طبيب ذي صيت جيد يعالج المشاكل العاطفية. لكنَّ بعض الخبراء يعترفون ايضا بمصدر آخر للمساعدة — الدين. فكيف يمكن ان يساعد ذلك؟
ايجاد العون اللازم
ثمة معوَّق في بلغاريا يدعى مارين، صارت تنتابه رغبة جامحة في قتل نفسه. لكن ذات يوم وجد صدفة مجلة برج المراقبة الدينية، التي يصدرها شهود يهوه. فتجاوب مع الدعوة في المجلة التي تشجع على قبول زيارة من شهود يهوه. يوضح مارين النتيجة: «تعلمت منهم ان الحياة هبة من ابينا السماوي واننا لا نملك حق ايذاء نفسنا او انهاء حياتنا عمدا. وهكذا، زالت رغبتي السابقة في الانتحار، ورغبت في الحياة مجددا!». ونال مارين ايضا الدعم الحبي من الجماعة المسيحية. ورغم انه ما زال معوَّقا، يقول: «ان ايامي اليوم يسودها الفرح والهدوء، وهي مليئة بأمور سارة اقوم بها — حتى ان الوقت لا يتسع لإنجازها كلها! وأنا ادين بهذا ليهوه ولشهوده».
والشاب السويسري المذكور في مستهل المقالة نال ايضا مساعدة من شهود يهوه. وهو يعلق اليوم على «لطف عائلة مسيحية» استضافته في بيتها. ويضيف: «لاحقا، صار اعضاء الجماعة [شهود يهوه] يتناوبون على دعوتي الى تناول الطعام معهم يوما بعد يوم. وما ساعدني ليس فقط استقبالي بترحاب بل ايضا التمكن من التكلم مع احد».
وقد تشجع هذا الرجل كثيرا بما درسه في الكتاب المقدس، وخصوصا عندما تعلم عن المحبة التي يكنّها الاله الحقيقي يهوه للجنس البشري. (يوحنا ٣:١٦) فلدى يهوه اللّٰه اذنان صاغيتان ليسمع لكم حين ‹تسكبون قدامه قلوبكم›. (مزمور ٦٢:٨) و‹عيناه تجولان في كل الارض› لا لتجد الاخطاء في الناس بل «ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه». (٢ أخبار ١٦:٩) يؤكد لنا يهوه: «لا تخف لأني معك. لا تتلفت لأني الهك. قد ايدتك وأعنتك وعضدتك بيمين برّي». — اشعياء ٤١:١٠.
وفي ما يتعلق بوعد اللّٰه بعالم جديد، قال الرجل السويسري: «لقد خفف كثيرا من وطأة تثبطي». وهذا الرجاء، الموصوف بأنه «مرساة للنفس»، يشمل الوعد بحياة ابدية في فردوس على الارض. — عبرانيين ٦:١٩؛ مزمور ٣٧:١٠، ١١، ٢٩.
حياتكم مهمة للآخرين
صحيح انكم قد تواجهون حالات تجعلكم تشعرون بوحدة تامة وبأن موتكم لن يهم احدا. لكن تذكروا: هناك فرق شاسع بين الشعور بالوحدة وكونكم فعلا وحيدين. ففي ازمنة الكتاب المقدس مرّ النبي ايليا بمرحلة من الكآبة. وقال ليهوه: «قتلوا انبياءك بالسيف فبقيت انا وحدي». نعم، لقد شعر ايليا بوحدة تامة — وذلك لسبب وجيه. فقد قُتل الكثير من اصدقائه الانبياء، وسُلِّط السيف فوق عنقه، وقضى فترة هاربا لينجو بحياته. لكن هل كان فعلا وحيدا؟ كلا. لقد جعله يهوه يدرك ان حوالي ٠٠٠,٧ شخص امين كانوا مثله يحاولون بإخلاص ان يخدموا الاله الحقيقي في تلك الاوقات العصيبة. (١ ملوك ١٩:١-١٨) فماذا عنكم؟ هل من المعقول ألّا تكونوا وحدكم بقدر ما تشعرون؟
هنالك اشخاص يهمهم امركم. قد تفكرون في والديكم، رفيق زواجكم، اولادكم، وأصدقائكم. لكن هنالك المزيد ايضا. فبين شهود يهوه، يمكن ان تجدوا مسيحيين ناضجين يهتمون بكم، يصغون اليكم، ويصلون معكم ولأجلكم. (يعقوب ٥:١٤، ١٥) حتى لو خذلكم كل انسان ناقص، فهنالك مَن لن يترككم ابدا. قال الملك داود الذي عاش قديما: «ان ابي وأمي قد تركاني والرب يضمني». (مزمور ٢٧:١٠) نعم ان يهوه «يهتم بكم». (١ بطرس ٥:٧) فلا تنسوا ابدا انكم اعزاء في عينيه.
ان الحياة هبة من اللّٰه. صحيح انها قد تبدو احيانا عبئا اكثر منها هبة. لكن هل يمكنكم ان تتخيلوا شعوركم لو منحتم احدا هدية قيمة فرماها قبل ان يستعملها؟ نحن البشر الناقصين بالكاد بدأنا نستعمل هبة الحياة. فالكتاب المقدس يقول عن الحياة التي نعيشها اليوم انها ليست «الحياة الحقيقية» في نظر اللّٰه. (١ تيموثاوس ٦:١٩) نعم، في المستقبل القريب سننعم بحياة ذات قصد تمنحنا اقصى درجات الاكتفاء والسعادة. وكيف ذلك؟
يقول الكتاب المقدس: «سيمسح [اللّٰه] كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون نوح ولا صراخ ولا وجع في ما بعد. فالأمور السابقة قد زالت». (كشف ٢١:٣، ٤) حاولوا ان تتخيلوا كيف ستكون حياتكم عندما تتحقق هذه الكلمات. خذوا وقتكم. حاولوا ان تخلقوا في ذهنكم صورة كاملة نابضة بالحياة. وهذه الصورة ليست مجرد خيال لا قيمة له. وفيما تتأملون في كيفية تعامل يهوه مع شعبه في الماضي، ستعظم ثقتكم به وتصبح هذه الصورة حقيقية اكثر بالنسبة اليكم. — مزمور ١٣٦:١-٢٦.
قد يمضي بعض الوقت قبل ان تستعيدوا تماما رغبتكم في الحياة. فواظبوا على الصلاة الى «إله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا». (٢ كورنثوس ١:٣، ٤؛ روما ١٢:١٢؛ ١ تسالونيكي ٥:١٧) وسيمنحكم يهوه القوة التي تحتاجون اليها. كما انه سيعلمكم ان الحياة تستحق العيش. — اشعياء ٤٠:٢٩.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٩]
كيف يمكنكم مساعدة شخص ميال الى الانتحار
ماذا ينبغي ان تفعلوا عندما يبوح لكم احد برغبته في الانتحار؟ تنصح مراكز مكافحة الامراض والوقاية منها في الولايات المتحدة: «كونوا مستمعين جيادا». دعوه يعبّر عما يجيش في صدره. لكن في حالات كثيرة، يكون الشخص الميال الى الانتحار منطويا على نفسه ومتحفظا في الكلام. فاعترفوا بحقيقة الالم او اليأس الذي يعانيه. وقد تنجحون في جعله يبوح لكم بمكنونات قلبه اذا ذكرتم بلطف بعض التغييرات الخصوصية التي لاحظتموها في تصرفه.
وحين تصغون، أظهروا التقمص العاطفي. تقول مراكز مكافحة الامراض والوقاية منها: «من المهم ان تؤكدوا للشخص ان حياته تهمكم وتهم الآخرين ايضا». دعوه يعلم كم سيسحقكم موته، انتم والآخرين. وساعدوا الشخص على الادراك ان خالقه يهتم به. — ١ بطرس ٥:٧.
ينصح الخبراء ايضا بالتخلص من كل ما يمكن ان يلجأ اليه الشخص للانتحار — وخصوصا الاسلحة النارية. وإذا بدا الوضع خطرا، فقد ترغبون في تشجيع الشخص على طلب مساعدة طبية. وفي الحالات القصوى، قد لا يكون امامكم خيار سوى اللجوء الى الخدمات الطبية التي تُعنى بمثل هذه الحالات الطارئة.
[الاطار في الصفحة ١١]
‹هل يسامحني اللّٰه على تفكيري في الانتحار؟›
ساعدت معاشرة شهود يهوه الكثيرين ان يتغلبوا على الافكار الانتحارية. رغم ذلك، لا احد اليوم مستثنى من الاحداث المجهدة في الحياة او الكآبة. والمسيحيون الذين فكروا في الانتحار يكافحون غالبا مشاعر ذنب قوية. غير ان هذا الشعور بالذنب لا يعمل إلّا على زيادة اعبائهم. فكيف يمكن معالجة هذه المشاعر؟
من المهم الملاحظة ان بعض النساء والرجال الامناء في ازمنة الكتاب المقدس عبّروا بشدة عن مشاعر سلبية ازاء الحياة. فرفقة، زوجة الاب الجليل اسحق، التي كانت مرة مكتئبة جدا بسبب مشكلة عائلية قالت: «مللت حياتي». (تكوين ٢٧:٤٦) وأيوب الذي عانى خسارة اولاده، صحته، ثروته، ومكانته الاجتماعية، قال: «قد كرهَت نفسي حياتي». (ايوب ١٠:١) وصرخ موسى مرة الى اللّٰه: «اقتلني قتلا». (عدد ١١:١٥) وقال مرة ايليا، احد انبياء اللّٰه: «قد كفى الآن يا رب خذ نفسي». (١ ملوك ١٩:٤) كما ردَّد النبي يونان مرارا: «موتي خير من حياتي». — يونان ٤:٨.
فهل أدان يهوه هؤلاء الافراد بسبب الطريقة التي كانوا يشعرون بها؟ كلا. حتى انه ابقى تعابيرهم في الكتاب المقدس. لكن من الحيوي الملاحظة ان لا احد من هؤلاء الامناء ترك مشاعره تقوده الى الانتحار. وقد قدرهم يهوه وأراد ان يحيوا. وفي الواقع يهتم يهوه حتى بحياة الاشرار. فهو يحثهم ان يغيروا طرقهم و‹يحيوا›. (حزقيال ٣٣:١١) فكم بالحري يرغب في ان يحيا الذين يسعون الى ربح رضاه!
لقد زوّدنا اللّٰه ذبيحة ابنه الفدائية، الجماعة المسيحية، الكتاب المقدس، وامتياز الصلاة. وخط الاتصال باللّٰه هذا — الصلاة — لا يكون مشغولا ابدا. فاللّٰه يستطيع ان يسمع، لا بل يسمع كل الذين يقتربون اليه بقلب مخلص ومتواضع. «فلنقترب إذا بحرية كلام من عرش النعمة، لكي ننال رحمة ونجد نعمة للعون في حينه». — عبرانيين ٤:١٦.
[الاطار في الصفحة ١٢]
هل خسَّركم الانتحار احد احبائكم؟
عندما ينتحر احد، يعاني اعضاء عائلته ورفقاؤه الاحماء تشويشا فكريا مروِّعا. فيلوم كثيرون انفسهم على المأساة. ويتفوهون بعبارات مثل: «لو استطعت على الاقل ان اقضي معه وقتا اكثر في ذلك اليوم»، «لو استطعت ان اضبط لساني آنذاك»، «يا ليتني فعلت المزيد لأساعده». وذلك يعني: «لو فعلت كذا وكذا لكان من احبه موجودا اليوم بيننا». فهل من المنطقي ان يحمِّل المرء نفسه مسؤولية انتحار شخص آخر؟
تذكروا انه من السهل جدا تمييز مؤشرات الميل الى الانتحار بعد ان ينتهي الامر. لكن قبل وقوعه يكون الوضع مختلفا. فالكتاب المقدس يقول: «القلب يعرف مرارة نفسه. وبفرحه لا يشاركه غريب». (امثال ١٤:١٠) فأحيانا يستحيل تمييز ما يشعر به الشخص الآخر او يفكر فيه. وأناس كثيرون ممَّن يميلون الى الانتحار يعجزون عن التعبير بشكل ملائم عن المشاعر التي تنتابهم، حتى لأعضاء العائلة الاحماء.
يقول كتاب التعبير عن الاسى بالكلمات (بالانكليزية) عن المؤشرات التي تميز ميل الشخص الى الانتحار: «الحقيقة هي انه من الصعب عادة تمييز هذه المؤشرات». ويضيف الكتاب نفسه انه حتى لو تعرفتم على بعض العلامات، لا يضمن ذلك بحد ذاته ان تحولوا دون حصول الانتحار. فعوض ان تعذبوا نفسكم، يمكنكم ان تجدوا العزاء في كلمات الملك الحكيم سليمان: «الاحياء يعلمون انهم سيموتون. اما الموتى فلا يعلمون شيئا». (جامعة ٩:٥) فالميت الذي تحبونه لا يتعذب في هاوية نارية. والكرب العاطفي والفكري الذي ادّى الى اقدامه على الانتحار انتهى. انه لا يتعذب بل هو راقد.
وقد يكون من الافضل ان تركزوا الآن على خير الاحياء، بمن فيهم انتم. فقد تابع سليمان: ‹كل ما تجده يدكم لتفعلوه فافعلوه بقوتكم› ما دمتم على قيد الحياة. (جامعة ٩:١٠) وثقوا بأن آمال الحياة المستقبلية للذين انتحروا هي في يد يهوه، ‹أبي المراحم الرقيقة وإله كل تعزية›. — ٢ كورنثوس ١:٣.a
[الحاشية]
a تجدون نظرة متزنة الى الآمال المستقبلية لمن انتحروا في مقالة «وجهة نظر الكتاب المقدس: المنتحرون — هل لهم قيامة؟» في عدد ٨ ايلول (سبتمبر) ١٩٩٠ من استيقظ!.
[الصورتان في الصفحة ٨]
تحدثوا الى شخص ما
[الصورة في الصفحة ١٠]
حياتكم تهم الآخرين
-