-
ما هو حقا ذو قيمة؟برج المراقبة ١٩٨٧ | ١ شباط (فبراير)
-
-
ما هو حقا ذو قيمة؟
«كثيرون منهم يحيون حياة فراغ، لا يستطيعون حيازة عمل، لا يملكون علائق دائمة ويتنقلون بلا هدف من مكان الى مكان في فلك منعزل — ولا احد يهتم. السبب: انهم اغنياء بافراط.» — النيويورك تايمز، ١٥ ايار ١٩٨٤.
تعلمون جيدا ان المال لازم للحصول على الطعام والثياب والمأوى والتنقل والاسعاف الطبي والضرورات الاخرى للحياة. وفي الواقع، ربما تدركون انه في المجتمع العصري من الصعب العيش بدون مال لانه، كما يقول الكتاب المقدس، «أما الفضة فتحصّل الكل.» — جامعة ١٠:١٩.
ومع ذلك، عالجت مقالة الجريدة المقتبسة آنفا المشاكل العاطفية للاغنياء. وبشكل واضح، هنالك خطر في تركيز حياتكم على اقتناء المال والممتلكات. ومع ذلك فهذا ما يفعله كثيرون من الناس. وأحيانا يكون الطموح الجشع قتالا. فنحن نسمع عن رجال مناضلين بكدّ في الثلاثينات والاربعينات من عمرهم يموتون بالسكتة القلبية. وبعض هؤلاء خاطروا بصحتهم، وحتى بحياتهم، لتحقيق طموحاتهم المتعلقة بالمال. ولا يلزم ان نكون متديّنين بعمق لنوافق على انه كان من الافضل لو فكروا جديا في كلمات يسوع المسيح: «ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه.» — متى ١٦:٢٦.
ما هو ذو قيمة حقيقية؟
تعلمون بالتأكيد انه لا نهاية للاشياء التي قد نُغرى بطلبها. فجهاز تسجيل الفيديو، المنزل الخاص، تجهيزات الرياضة الغالية الثمن — هذه في بعض البلدان هي اشياء لابتغائها. وفي اماكن اخرى قد يكون الهدف ذا قيمة محدودة اكثر. وثمة امرأة شابة في احد البلدان ارتكبت العهارة للحصول على المال من اجل ملابس اجمل.
وفيما قد ندرك ان هنالك مخاطر تقترن بالاقتراب المادي الصرف الى الحياة، كيف يمكننا ان نحمي انفسنا؟ هل يجب ان ندير ظهرنا الى المجتمع صائرين منعزلين او نساكا كما فعل البعض؟ وأيضا عندما نأخذ بالاعتبار ما هو حقا ذو قيمة يجب ان نسأل، ماذا سيجلب لي السعادة والاكتفاء الاصيلين على المدى الطويل؟
كمساعد، دعونا نأخذ بالاعتبار مثال رجل كان لقرون محترما ومستحسنا كنموذج يُقتدى به. لقد كان احد علماء الشريعة الربابنة وجزءا من الشيعة اليهودية للقرن الاول التي يشتهر اعضاؤها بأنهم «محبون للمال.» (لوقا ١٦:١٤) كان اسمه بولس، وكان يملك الثقافة والاندفاع اللازم لجمع الثراء ونيل المركز الاعظم في المجتمع.
ومع ذلك، من خلال اختبار مريع، ادرك ان شيئا مختلفا تماما كان في الواقع ذا قيمة اعظم في الحياة. وسواء كنتم حاليا من نفس الرأي ام لا، فانه يستحق اهتمامكم ان تتأملوا في ما استنتجه بولس.
لقد قرر ان الشيء الرئيسي ذا القيمة في الحياة كان موقفا مقبولا لدى اللّٰه كتلميذ ليسوع. وكان هذا ذا قيمة حتى ان بولس، كرسول ليسوع، كان قادرا على احتمال المشقات والاضطهادات. وكان كالرجل الاقدم ذي الشهرة، موسى، الذي حسب «عار المسيح غنى اعظم من خزائن مصر.» — عبرانيين ١١:٢٦؛ ٢ كورنثوس ١١:٢٣-٢٧.
يجب ان تعرفوا ايضا ان بولس لم يندم قط على ان الصيرورة رسولا مسيحيا قد انتجت خسارة الشهرة في المجتمع اليهودي. فبعد ان تمتع بنحو ٢٥ سنة كمسيحي منتذر كتب: «ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من اجل المسيح خسارة. بل اني احسب كل شيء ايضا خسارة من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من اجله خسرت كل الاشياء وانا احسبها نفاية لكي اربح المسيح وأُوجد (في اتحاد به).» (فيلبي ٣:٧-٩) ويجب ان توافقوا على ان بولس كان مقتنعا بأنه قد ربح شيئا ذا قيمة حقا.
ان اختيار بولس لم يعنِ انه لم يعد يملك ايا من الامور المادية. تأملوا، مثلا، في كلماته: «في كل شيء وفي جميع الاشياء قد تدرّبت ان اشبع وان اجوع وان استفضل وان انقص.» — فيلبي ٤:١٢.
مهما كانت حالتكم في ما يتعلق بالمسيحية يمكنكم على الارجح ان تروا كم كانت النتيجة حسنة لبولس. فان اختياره المتعلق بما هو ذو قيمة جلب له الاكتفاء الذي يفوت رجال ونساء العالم الاكثر غنى. اعترف جان بول غيتي، رجل البترول وصاحب الملايين: «المال ليست له بالضرورة اية علاقة بالسعادة. ربما بالشقاوة.»
على الرغم من ذلك، قد يدّعي الشخص انه مسيحي ومع ذلك يفشل في ادراك ما هو ذو قيمة اعظم. وقد صحَّ ذلك في القرن الاول، لان بولس قال عن احد العشراء: «ديماس قد تركني اذ احب العالم الحاضر.» (٢ تيموثاوس ٤:١٠) ففي الوقت الذي فيه كان يستطيع ان يساعد الرسول السجين استسلم ديماس، مفضلا ما يقدّمه له النظام الحاضر.
وفي الاشارة الى الخطر الجسيم الذي فيه يمكن للنظرة المادية ان تضع المسيحي ذكر بولس: «أما الذين يريدون ان يكونوا اغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرّة تغرّق الناس في العطب والهلاك. لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم. . . طعنوا انفسهم بأوجاع كثيرة.» — ١ تيموثاوس ٦:٩، ١٠.
قد تسألون، اذاً، اي دور يجب ان يلعبه المال او الممتلكات في حياتي؟ دعونا نفحص الامر اكثر لنرى كيف يمكنكم ان تملكوا ما هو حقا ذو قيمة.
-
-
رجاؤكم — اللّٰه ام الغنى؟برج المراقبة ١٩٨٧ | ١ شباط (فبراير)
-
-
رجاؤكم — اللّٰه ام الغنى؟
«لسنوات انكمشت مرتعدة في بيتها الجميل المحاط بسياج من حلقات مترابطة والمختوم ببوابتين حديديتين مقفلتين.»
هكذا وصف تقرير اخباري ارملة ثرية ماتت على يد لصوص سرقوا مجوهرات ومليون دولار من بيتها. وبعدما عُثر على جثتها استعمل البوليس عربة بقول لاخذ ٥ ملايين دولار آخر نقدا من بيتها. وعثر البوليس ايضا على آلاف من «هدايا يوم الميلاد» ببطائق مرفقة موجَّهة «الى يسوع المسيح» و «الى اللّٰه.»
يبدو ان هذه الوريثة لم يكن لها اصدقاء وكانت تعيش في خوف دائم. اسألوا نفسكم، كم كانت حقا ذات قيمة تلك الملايين التي كانت تقدّرها على نحو رفيع؟ وفضلًا عن ذلك، كم كانت غنية للّٰه؟ انتم تعرفون بالتأكيد ان اللّٰه لا يمكن ربحه بواسطة «هدايا يوم الميلاد،» وسلام اللّٰه لا ينتج من امتلاك الغنى. ويمكن ان يُرى ذلك من مشورة الكتاب المقدس ان لا نلقي رجاءنا «على غير يقينية الغنى بل على اللّٰه الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع.» — ١ تيموثاوس ٦:١٧.
فلماذا يقترن الغنى بعدم اليقين؟ حسنا، ربما تعرفون كم صحيحة هي كلمات يسوع: «لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يُفسد السوس والصَّدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون.» (متى ٦:١٩) وكما تدركون، هنالك دائما خطر ان تلتهم النار البيت. ويخزن بعض الناس اشياءهم الثمينة في البنوك، ولكن ألم يسرق اللصوص من هذه ايضا؟ والسيارة الجديدة ايضا تصدأ.
وماذا عن اقتصاد الامم؟ في بلدان كثيرة يكون التضخم المالي كلص. فهو يخفض موجودات الشخص. «بعد التضخم المالي المفرط الذي ضرب المانيا في اوائل عشرينات الـ ١٩٠٠ احتاج المتسوّقون الى سلال من النقود. . . لشراء البقول. . . والاسعار في المانيا زادت اكثر من تريليون في المئة من آب ١٩٢٢ الى تشرين الثاني ١٩٢٣.» (دائرة المعارف العالمية) فكم يمكن ان تكون الثقة بالمال مخيّبة!
نصح يسوع بحكمة: «اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يُفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.» (متى ٦:٢٠) فما هي هذه «الكنوز»؟ انها تشكل سجلنا الفردي من الاعمال الصالحة، كوننا اغنياء للّٰه. وقد تسألون، ماذا يتطلبه ذلك مني؟ جزئيا، يجيب الكتاب المقدس ان ذلك يعني ان تصنعوا صلاحا وان تكونوا اغنياء في اعمال صالحة وان تكونوا اسخياء في العطاء كرماء في التوزيع. — ١ تيموثاوس ٦:١٨.
هنالك حول الارض اليوم ملايين من شهود يهوه الذين بامكانهم ان يُثبتوا باستقامة ان اعطاء الامور الروحية والمادية للآخرين — وخصوصا مساعدة الناس على التعلم عن رجاء الملكوت بالانهماك في نشاطات الكرازة والتعليم والتلمذة — هو اعمال صالحة تنال رضى يهوه وتجلب الاكتفاء الحقيقي. ولا الموت ايضا يستطيع ان يسلب الشخص المكافآت التي يجلبها ادّخار كهذا للكنوز في السماء. فلماذا الامر كذلك؟ وعد يسوع: «انا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا.» — يوحنا ١١:٢٥.
كنوز لا تُقدَّر بثمن يمكننا التمتع بها الآن
بعد القول انه يجب علينا ان نلقي رجاءنا «على اللّٰه» يتابع بولس ان اللّٰه هو «الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع.» (١ تيموثاوس ٦:١٧) فبالاضافة الى ضرورات الحياة اليومية، يزوّد العلي بمحبة كنوزا لا تقدَّر بثمن لاولئك الذين يرضى عنهم. فما هي هذه الكنوز؟
لاحظوا ما تقوله الامثال ٣:١٣–١٨: «طوبى للانسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم. لان تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص. هي اثمن من اللآلىء وكل جواهرك لا تساويها. في يمينها طول ايام وفي يسارها الغنى والمجد.. . . هي شجرة حياة لممسكيها والمتمسك بها مغبوط.» ولذلك فان «الحكمة» كنز يفوق قيمة كل غنى العالم.
الحكمة هي تطبيق المعرفة بالطريقة الصحيحة. انها القدرة على استعمال المعرفة والفهم بنجاح لحل المشاكل، لتجنب المخاطر او الابتعاد عنها، لبلوغ اهداف معينة او لمساعدة الآخرين على ذلك. ألا توافقون على اننا نحتاج اليوم الى حكمة كهذه لكي نعالج محن الحياة بنجاح ونحافظ على موقف جيد امام اللّٰه؟
في وصف الحكمة تُبرز الامثال ٣:١٣-١٨ السعادة. أليست السعادة كنزا نرغب فيه جميعا؟ ان الحكمة الالهية تعطينا هذه السعادة لان السعادة الحقيقية يمكن ان تأتي فقط من مصدرها، يهوه اللّٰه. لقد برهن الاختبار ان السعادة الحقيقية لا يمكن بلوغها بمعزل عن الطاعة للعلي والاذعان لعمل روحه. والسعادة الموعود بها في الكتاب المقدس تتوقف على علاقتنا اللائقة، او موقفنا المقبول، لدى ابينا السماوي. (متى ٥:٣-١٠) ولذلك، بتطبيق ما نتعلمه من درس الكتاب المقدس، سنعرب عن «الحكمة التي من فوق» التي تعطينا السعادة التي لا يمكن لكل غنى العالم ان يسببها.
ولكن تذكَّروا ايضا ان الامثال ٣:١٦ تعلن: «في يمينها طول ايام.» ومن المفهوم ان ذلك يشير الى يد الحماية اليمنى، اليد المستعدة لمساعدة الشخص ووقايته في الازمنة الصعبة. واليوم ينهمك كثيرون في الحياة الخليعة والفساد الادبي الجنسي واساءة استعمال المخدرات وهلم جرا. وعلى الارجح قرأتم ان الآيدس (الاعراض المتزامنة لنقص المناعة المكتسبة) يرتبط بمثل هذه الممارسات. فمما لاحظتم، هل الناس الذين يمارسون هذه الامور سعداء حقا؟ ام هل يجلبون على انفسهم والآخرين كثيرا من الحزن والوجع وحتى الموت؟
وعلى العكس، فان تطبيق المشورة الحكيمة من كلمة اللّٰه يكون دائما عن «يميننا» لحمايتنا من مخاطر كهذه. ولذلك يمكن للحكمة ان تطيل حياتنا، حافظة ايانا من مسلك يقود الى الموت قبل الآوان. وهكذا فان الحكمة الالهية لا بد ان تجعل حياتنا الحاضرة اكثر متعة.
سيروا بحكمة الآن
ان الادلة حولنا تظهر اننا نعيش في «الايام الاخيرة» من نظام الاشياء هذا. (٢ تيموثاوس ٣:١-٥) اذاً، من الحيوي ان نحترز من الاستسلام لروح العالم. وروح كهذه تشدد على الامور المادية اذ تروق للرغبات الانانية. واحدى التهم التي وقعت على ايوب، رجل امين في سجل الكتاب المقدس، هي ان هذا الرجل خدم اللّٰه من اجل اعتبارات انانية، من اجل ربح مادي. (ايوب ١:٩-١١) فهل يمكن لاتهام كهذا ان يقع علينا بشكل صحيح؟
اذا اجبنا لا قد نكون ناجحين في مقاومة مادية اليوم. ولكنّ هذا الخطر، المادية، هو من اكثر الامور التي نواجهها خبثا. وقال يسوع المسيح ان «همّ هذا العالم (والقوة الخدّاعة للغنى) يخنقان الكلمة.» (متى ١٣:٢٢) فمن الواضح انه يجب علينا باستمرار ان نحترز من «القوة الخدّاعة للغنى،» لان هذه ليست حقا ذات قيمة.
يلزم ان نذكّر انفسنا بالقيمة النسبية للامور المادية. تقول كلمة اللّٰه: «ثروة الغني مدينته الحصينة ومثل سور عال في تصوّره.» (امثال ١٨:١١) نعم، ان الامن الذي يمكن ان يزوّده الغنى هو مجرد تصوّر، خدعة. ليس ان الامور المادية بحد ذاتها رديئة. فالخطأ هو تركيز حياتنا حولها لا على ربح رضى اللّٰه. ويسوع، المعروف كواحد من اكثر المعلمين حكمة في التاريخ، قال بوضوح: «متى كان لاحد كثير فليست حياته من امواله.» — لوقا ١٢:١٥.
ولذلك دعونا نتبع مسلكا في الحياة يجعلنا شخصا «غنيا للّٰه.» (لوقا ١٢:٢١) فلا شيء اكثر قيمة من الموقف المقبول لدى الخالق. وكل الجهود للمحافظة على ذلك تساهم في ادّخارنا لانفسنا اساسا حسنا للمستقبل لكي نمسك بالحياة الحقيقية. — ١ تيموثاوس ٦:١٩.
-