كَانَ يُوسُف مِنْ أَصْغَرِ أَبْنَاءِ يَعْقُوب.‏ وَيَعْقُوب أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ بَاقِي أَوْلَادِهِ،‏ فَصَارُوا يَغَارُونَ مِنْهُ وَيَكْرَهُونَهُ.‏ وَبَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ ٱلْوَقْتِ،‏ رَأَى يُوسُف حُلْمَيْنِ غَرِيبَيْنِ.‏ وَلَمَّا أَخْبَرَ إِخْوَتَهُ عَنْهُمَا،‏ فَهِمُوا أَنَّ ٱلْحُلْمَيْنِ يَعْنِيَانِ أَنَّهُمْ سَيَسْجُدُونَ أَمَامَهُ.‏ فَصَارُوا يَكْرَهُونَهُ أَكْثَرَ!‏

وَفِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ،‏ كَانَ إِخْوَةُ يُوسُف يَرْعَوْنَ ٱلْخِرَافَ قُرْبَ مَدِينَةٍ ٱسْمُهَا شَكِيم.‏ فَطَلَبَ يَعْقُوب مِنْ يُوسُف أَنْ يَذْهَبَ لِيَطْمَئِنَّ عَلَيْهِمْ.‏ وَلَمَّا رَآهُ إِخْوَتُهُ مِنْ بَعِيدٍ،‏ قَالُوا:‏ ‹اُنْظُرُوا،‏ أَتَى صَاحِبُ ٱلْأَحْلَامِ!‏ تَعَالَوْا نَقْتُلُهُ›.‏ فَأَمْسَكُوهُ وَرَمَوْهُ فِي بِئْرٍ.‏ وَمَرَّ مِنْ هُنَاكَ تُجَّارٌ مِنْ مِنْطَقَةِ مِدْيَان ذَاهِبُونَ إِلَى مِصْر.‏ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُف ٱسْمُهُ يَهُوذَا:‏ ‹لَا تَقْتُلُوهُ!‏ تَعَالَوْا نَبِيعُهُ لِهٰؤُلَاءِ ٱلتُّجَّارِ›.‏ فَبَاعُوهُ مُقَابِلَ ٢٠ قِطْعَةً مِنَ ٱلْفِضَّةِ.‏

بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ ذَبَحُوا تَيْسًا وَغَمَّسُوا ثَوْبَ يُوسُف فِي دَمِ ٱلتَّيْسِ.‏ وَأَرْسَلُوا ٱلثَّوْبَ إِلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوب،‏ وَقَالُوا لَهُ:‏ ‹وَجَدْنَا هٰذَا.‏ هَلْ هُوَ ثَوْبُ ٱبْنِكَ؟‏›.‏ فَصَرَخَ يَعْقُوب:‏ ‹إِنَّهُ ثَوْبُ يُوسُف!‏ أَكِيدٌ أَنَّ حَيَوَانًا هَجَمَ عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ!‏›.‏ فَحَزِنَ يَعْقُوب كَثِيرًا،‏ وَمَا كَانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ حُزْنِهِ.‏

لٰكِنَّ يُوسُف لَمْ يَمُتْ.‏ فَٱلتُّجَّارُ وَصَلُوا إِلَى مِصْر،‏ وَبَاعُوهُ عَبْدًا لِمَسْؤُولٍ مُهِمٍّ ٱسْمُهُ فُوطِيفَار.‏ فَصَارَ يُوسُف يَشْتَغِلُ عِنْدَهُ.‏ وَيَهْوَه كَانَ مَعَ يُوسُف.‏ وَرَأَى فُوطِيفَار أَنَّ يُوسُف نَشِيطٌ فِي عَمَلِهِ،‏ وَلَا يَكْذِبُ وَلَا يَسْرِقُ.‏ فَوَثِقَ بِهِ وَجَعَلَهُ يَهْتَمُّ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُهُ.‏

لٰكِنَّ زَوْجَةَ فُوطِيفَار رَأَتْ أَنَّ يُوسُف جَمِيلٌ وَقَوِيٌّ.‏ وَصَارَتْ تَطْلُبُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَنْ يَنَامَ مَعَهَا.‏ فَمَاذَا فَعَلَ يُوسُف؟‏ قَالَ لَهَا:‏ ‹لَا!‏ هٰذَا خَطَأٌ!‏ سَيِّدِي يَثِقُ بِي،‏ وَأَنْتِ زَوْجَتُهُ.‏ وَإِذَا فَعَلْتُ ذٰلِكَ،‏ أُخْطِئُ إِلَى ٱللّٰهِ!‏›.‏

وَفِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ،‏ جَرَّبَتْ زَوْجَةُ فُوطِيفَار أَنْ تُجْبِرَ يُوسُف أَنْ يَنَامَ مَعَهَا.‏ فَأَمْسَكَتْهُ بِثِيَابِهِ،‏ لٰكِنَّهُ هَرَبَ بِسُرْعَةٍ.‏ وَلَمَّا رَجَعَ فُوطِيفَار إِلَى ٱلْبَيْتِ،‏ كَذَبَتْ زَوْجَتُهُ وَقَالَتْ إِنَّ يُوسُف هُوَ ٱلَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنَامَ مَعَهَا.‏ فَغَضِبَ فُوطِيفَار وَوَضَعَ يُوسُف فِي ٱلسِّجْنِ.‏ لٰكِنَّ يَهْوَه لَمْ يَنْسَ يُوسُف.‏

مَرَّ وَقْتٌ طَوِيلٌ وَيُوسُف فِي ٱلسِّجْنِ.‏ وَلٰكِنْ فِي يَوْمٍ مِنَ ٱلْأَيَّامِ،‏ حَلَمَ فِرْعَوْن مَلِكُ مِصْر حُلْمَيْنِ.‏ وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُخْبِرَهُ مَاذَا يَعْنِيَانِ.‏ فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ خُدَّامِهِ إِنَّ يُوسُف يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ ذٰلِكَ.‏ فَطَلَبَ فِرْعَوْن بِسُرْعَةٍ أَنْ يَأْتِيَ يُوسُف إِلَيْهِ.‏

سَأَلَ فِرْعَوْن يُوسُف:‏ ‹هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُفَسِّرَ لِيَ ٱلْحُلْمَيْنِ؟‏›.‏ جَاوَبَهُ يُوسُف:‏ ‹اَلْحُلْمَانِ يَعْنِيَانِ أَنَّهُ سَتَأْتِي عَلَى مِصْر ٧ سِنِينَ فِيهَا ٱلْكَثِيرُ مِنَ ٱلطَّعَامِ.‏ وَمِنْ بَعْدِهَا سَتَأْتِي ٧ سِنِينَ فِيهَا جُوعٌ.‏ لِذٰلِكَ ٱخْتَرْ شَخْصًا حَكِيمًا لِيَجْمَعَ ٱلطَّعَامَ وَيُخَزِّنَهُ.‏ وَهٰكَذَا لَا يَمُوتُ شَعْبُكَ مِنَ ٱلْجُوعِ›.‏ فَقَالَ فِرْعَوْن:‏ ‹اِخْتَرْتُكَ أَنْتَ.‏ وَسَتَكُونُ أَهَمَّ رَجُلٍ مِنْ بَعْدِي فِي كُلِّ مِصْر›.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ عَرَفَ يُوسُف مَاذَا يَعْنِي ٱلْحُلْمَانِ؟‏ يَهْوَه سَاعَدَهُ وَأَخْبَرَهُ.‏

جَاءَتِ ٱلسَّنَوَاتُ ٱل‍ ٧ ٱلَّتِي فِيهَا طَعَامٌ كَثِيرٌ.‏ وَجَمَعَ يُوسُف ٱلطَّعَامَ وَخَزَّنَهُ.‏ بَعْدَ ذٰلِكَ،‏ صَارَ هُنَاكَ جُوعٌ فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ،‏ مِثْلَمَا قَالَ يُوسُف.‏ فَأَتَى ٱلنَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لِيَشْتَرُوا ٱلطَّعَامَ مِنْهُ.‏ وَسَمِعَ يَعْقُوب أَبُوهُ أَنَّ فِي مِصْر ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلطَّعَامِ.‏ فَقَالَ لِـ‍ ١٠ مِنْ أَبْنَائِهِ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى هُنَاكَ وَيَشْتَرُوا طَعَامًا.‏

وَصَلَ أَبْنَاءُ يَعْقُوب عِنْدَ يُوسُف.‏ وَلَمَّا رَآهُمْ،‏ عَرَفَهُمْ بِسُرْعَةٍ.‏ لٰكِنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ.‏ وَسَجَدُوا أَمَامَهُ مِثْلَمَا رَأَى فِي ٱلْحُلْمِ عِنْدَمَا كَانَ صَغِيرًا.‏ وَأَرَادَ يُوسُف أَنْ يَعْرِفَ هَلْ تَغَيَّرَ إِخْوَتُهُ أَمْ لَا.‏ فَقَالَ لَهُمْ:‏ ‹أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ.‏ جِئْتُمْ لِتَرَوْا نِقَاطَ ٱلضُّعْفِ فِي أَرْضِنَا›.‏ أَجَابَ إِخْوَتُهُ:‏ ‹لَا!‏ نَحْنُ ١٢ أَخًا مِنْ مِنْطَقَةِ كَنْعَان.‏ وَاحِدٌ مِنَّا مَاتَ،‏ وَٱلصَّغِيرُ بَقِيَ مَعَ أَبِينَا›.‏ فَقَالَ لَهُمْ يُوسُف:‏ ‹لَنْ أُصَدِّقَكُمْ إِلَّا إِذَا رَجَعْتُمْ وَمَعَكُمْ أَخُوكُمُ ٱلصَّغِيرُ›.‏ فَأَخَذَ إِخْوَةُ يُوسُف طَعَامًا وَرَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ فِي كَنْعَان.‏

مَعَ ٱلْوَقْتِ،‏ لَمْ يَبْقَ طَعَامٌ عِنْدَ عَائِلَةِ يَعْقُوب.‏ فَطَلَبَ يَعْقُوب مِنْ أَوْلَادِهِ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى مِصْر مَرَّةً ثَانِيَةً.‏ وَأَخَذُوا مَعَهُمْ أَخَاهُمُ ٱلصَّغِيرَ بِنْيَامِين.‏ وَكَيْ يَرَى يُوسُف هَلْ تَغَيَّرَ إِخْوَتُهُ،‏ خَبَّأَ كَأْسَهُ ٱلَّذِي مِنْ فِضَّةٍ فِي شِوَالِ بِنْيَامِين.‏ ثُمَّ قَالَ إِنَّ إِخْوَتَهُ سَرَقُوا كَأْسَهُ.‏ وَلَمَّا وَجَدَ خُدَّامُ يُوسُف ٱلْكَأْسَ فِي شِوَالِ بِنْيَامِين،‏ ٱنْصَدَمَ إِخْوَتُهُ!‏ وَبَدَأُوا يَتَرَجَّوْنَ يُوسُف وَيَقُولُونَ:‏ ‹مِنْ فَضْلِكَ،‏ لَا تُعَاقِبْ بِنْيَامِين.‏ عَاقِبْنَا نَحْنُ بَدَلًا مِنْهُ›.‏

فَعَرَفَ يُوسُف أَنَّ إِخْوَتَهُ تَغَيَّرُوا.‏ وَمَا عَادَ يَقْدِرُ أَنْ يُخَبِّئَ مَشَاعِرَهُ.‏ فَبَكَى كَثِيرًا وَقَالَ لَهُمْ:‏ ‹أَنَا أَخُوكُمْ يُوسُف.‏ هَلْ أَبِي حَيٌّ؟‏›.‏ فَتَفَاجَأُوا كَثِيرًا!‏ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:‏ ‹لَا تَتَضَايَقُوا لِأَنَكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى مِصْر.‏ اَللّٰهُ أَرْسَلَنِي إِلَى هُنَا كَيْ أُخَلِّصَ حَيَاتَكُمْ.‏ وَٱلْآنَ،‏ ٱذْهَبُوا بِسُرْعَةٍ وَٱجْلُبُوا أَبِي›.‏

فَرَجَعُوا إِلَى كَنْعَان لِيُخْبِرُوا أَبَاهُمُ ٱلْأَخْبَارَ ٱلْحُلْوَةَ عَنْ يُوسُف،‏ وَيَأْخُذُوهُ مَعَهُمْ إِلَى مِصْر.‏ وَأَخِيرًا،‏ ٱلْتَقَى يُوسُف بِأَبِيهِ بَعْدَ سِنِينَ طَوِيلَةٍ وَعَاشَا مَعًا مِنْ جَدِيدٍ.‏