الخلايا التائية والخلايا البائية تذهب الى الكلِّيَّة
لا يمكن للخلايا التائية والخلايا البائية ان تخرج مباشرة من نِقْي العظم وتنتقل الى الحرب. فأسلحتها عصرية جدا. والتدريب ذو التقنية المتطورة إلزامي قبل ان تمضي الى ساحة القتال. فستنهمك الخلايا التائية في الحرب الحيوية. وستتخصص الخلايا البائية في الصواريخ الموجَّهة. وهي تحصل على تدريبها على ذلك في الكلِّيَّات التقنية للجهاز المناعي.
لذلك يذهب نصف الملايين من الخلايا اللمفاوية التي يجري انتاجها كل دقيقة في نِقْي العظم الى غدة التوتة — غدة صغيرة مستقرة خلف عظم القص — من اجل تدريبها كخلايا تائية. وفي ما يتعلق بذلك، يقول كتاب الجسم المنتصر: «ان الخلايا اللمفاوية التي تحضر الكلِّيَّة التقنية لغدة التوتة هي الخلايا المساعِدة helper، الكابتة suppressor، والفاتكة killer التي تُدعى اللمفاويات التائية (او الخلايا التائية). وهي من بين القوى المسلَّحة الاكثر ضرورة للجهاز المناعي.»
الاجسام المضادة — ٠٠٠,١٠ للخلية الواحدة في الثانية!
ان «النصف [الآخر] من الخلايا اللمفاوية غير المدرَّبة،» يخبرنا الجسم المنتصر، هو الخلايا البائية التي تذهب الى العقد اللمفاوية والانسجة ذات العلاقة من اجل تدريبها لتستطيع ان تصنِّع وتطلق الصواريخ الموجَّهة، التي تُدعى الاجسام المضادة. وعندما «تحتشد [الخلايا البائية] في هذه الانسجة، تكون كالصفحات البيضاء: لا تعرف شيئا، ولا بد ان تتعلَّم من اللاشيء» لكي «تكتسب المقدرة لتقاوم على نحو خصوصي المواد الغريبة بالنسبة الى الجسم.» وفي العقد اللمفاوية، فان الخلية البائية الناضجة، التي تنشِّطها الخلايا التائية المساعِدة ومولد الضد ذو العلاقة، «تتكاثر وتتميَّز لتشكِّل خلايا پلازمية تفرز اجساما مضادة متماثلة ذات نوعية واحدة بمعدل ٠٠٠,١٠ جزَيْء تقريبا للخلية الواحدة في الثانية.» — علم المناعة.
لمساعدتنا على استيعاب عِظَم ما ينجزه الجهاز المناعي، تفصِّل مقالة في ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، المشكلةَ التي تواجه غدة التوتة: «بطريقة ما، اذ تنضج الخلايا التائية في غدة التوتة، تتعلَّم الواحدة ان تميِّز مولدات الضد التي لڤيروس الكُباد hepatitis virus، مثلا، والاخرى ان تثبت هوية ذرّية من مولدات الضد التي للانفلونزا، والثالثة ان تكتشف الڤيروس الانفي ١٤ 14 rhinovirus [ڤيروس للزكام]، وهلم جرا.» وبعد التعليق على «المهمة المذهلة التي تواجهها غدة التوتة،» تقول المقالة انه في الطبيعة هنالك «مولدات ضد بمئات الملايين من الاشكال المختلفة. ولا بد ان تنتج غدة التوتة مجموعة من الخلايا التائية تميِّز كل واحد. . . . وغدة التوتة تزوِّد خلايا تائية بعشرات الملايين. وعلى الرغم من ان القليل منها فقط يمكن ان يميِّز واحدا من مولدات الضد، فان القوة الاستطلاعية الجماعية واسعة على نحو يكفي لاثبات هوية التنوُّع غير المحدود تقريبا لمولدات الضد التي تنتجها الطبيعة.»
بينما كان بعض الخلايا التائية المساعِدة يحث البلاعم الكبيرة على التكاثر، كانت الاخرى في العقد اللمفاوية تقترن بالخلايا البائية الموجودة هناك، مسبِّبة تكاثرها. ويصير الكثير منها خلايا پلازمية. ومرة اخرى، لا بد ان تكون هنالك المستقبِلات الصائبة على الخلايا التائية المساعِدة لتتحد بالخلايا البائية وتجعلها تنتج الخلايا الپلازمية. وهذه الخلايا الپلازمية هي التي تبدأ بانتاج آلاف الاجسام المضادة في الثانية.
بما ان كل خلية پلازمية تصنع نوعا واحدا فقط من الاجسام المضادة، بمستقبِلة خاصة بمولد ضد مَرَضي واحد فقط، تكون البلايين بسرعة في الخطوط الامامية متوجِّهة نحو مولدات الضد التي لمرض خاص واحد. فتدرك الغزاة، مبطِّئة اياهم، مسبِّبة ان يتجمَّعوا معا، جاعلة اياهم طبق طعام اكثر اغراء لتلتهمه الخلايا البُلعمية. وهذا، بالاضافة الى اطلاق الخلايا التائية مواد كيميائية معيَّنة، يثير البلاعم الكبيرة الى جنون التغذي، مسبِّبا ان تلتهم ملايين العضويات الدقيقة الغازية.
وعلاوة على ذلك، يمكن للاجسام المضادة نفسها ان تؤدّي الى موت هذه العضويات الدقيقة. فحالما تقتفي مولدات الضد السطحية التي لها، فان جزَيْئات پروتينية خصوصية، تُدعى عوامل المتمِّمة complement factors، تندفع الى الجرثومة. وعندما يصير العدد المطلوب من عوامل المتمِّمة في المكان الصحيح، تثقب غشاء العضوية الدقيقة، يتدفَّق السائل الى الداخل، فتنفجر الخلية وتموت.
وطبعا، لا بد ان تكون لهذه الاجسام المضادة ايضا المستقبِلات الصائبة لتدرك الدخلاء. وعن هذه النقطة يقول الكتاب السنوي الطبي والصحي لعام ١٩٨٩ الذي لـ دائرة المعارف البريطانية، الصفحة ٢٧٨، ان الخلايا البائية قادرة «على انتاج ما بين ١٠٠ مليون وبليون جسم مضاد مختلف.»
الخلايا التائية الفاتكة تشنُّ الحرب الحيوية
استنفرت الخلايا التائية المساعِدة حتى الآن ملايين البلاعم الكبيرة القمَّامة لتلتهم العدوّ وأثارت الخلايا البائية بالاجسام المضادة التي لها لتنضم الى النزاع ضد الغزاة، ولكن لا تزال هنالك قوى اخرى تدعوها الخلايا التائية المساعِدة الى المعركة. فهي تنظِّم ملايين المقاتلات الاكثر اهلاكا لتنضم الى الصراع — الخلايا التائية الفاتكة.
ان هدف الڤيروسات، البكتريا، والطفيليات هو ان تدخل خلايا الجسم لانه حالما تكون هناك تصير آمنة من البلاعم الكبيرة والخلايا البائية والاجسام المضادة التي لها — ولكن ليس من الخلايا التائية الفاتكة! فالواحدة من هذه الخلايا المخموجة لا يلزم إلا ان تمر بسرعة امام خلية تائية فاتكة لتجعلها تطلق على الخلية المخموجة پروتينات مهلكة مالئة اياها ثقوبا، تدمِّر الدنا DNA التي لها، وتدلق محتوياتها في الموت. وبهذه الطريقة تستطيع الخلايا التائية الفاتكة ان تهاجم وتدمِّر حتى الخلايا الطافرة mutant والخلايا التي تحوَّلت الى سرطانية.
وبالاضافة الى الخلايا التائية الفاتكة، هنالك خلايا فاتكة اخرى في اسلحة الجهاز المناعي، اي الخلايا الفاتكة الطبيعية. وبخلاف الخلايا التائية والبائية، فان هذه الخلايا الفاتكة الطبيعية لا تحتاج ان يثيرها مولد ضد خاص. والخلايا السرطانية والخلايا التي تغزوها ڤيروسات اخرى هي عرضة لهجومها. لكنّ مقدرتها ربما لا تقتصر على الڤيروسات. والاميركية العلمية، كانون الثاني ١٩٨٨، تقول انه «يجري الاعتقاد ان اهدافها الرئيسية هي الخلايا الورمية، وربما ايضا الخلايا المخموجة بعوامل غير الڤيروسات.»
وكيف تلتقي مقاتلات المرض هذه العضويات الدقيقة الغازية؟ هل ذلك بمجرد الصدفة؟ كلا. لا يُترك شيء للصدفة. فمولدات الضد المَرَضية والخلايا التائية، الخلايا البائية، الخلايا البُلعمية، والاجسام المضادة تدور في كل الجسم بواسطة مجرى الدم والجهاز اللمفاوي. والاعضاء اللمفاوية الثانوية، كالعقد اللمفاوية، الطحال، اللوزتين، الغدّانيات adenoids، بقع النسيج المتخصص في المعي الدقيق، والزائدة، هي مواقع حيث تبدأ الاستجابات المناعية. وتقوم العقد اللمفاوية بدور رئيسي. واللِمف هو السائل الذي يغمر الخلايا في انسجتنا. وهو ينشأ في هذه الانسجة، يتجمَّع في اوعية دقيقة الجدران ويتدفق الى العقد اللمفاوية، يستمر في باقي الجهاز اللمفاوي، وأخيرا يُكمل دورته بالصبِّ في الاوردة الكبيرة التي تؤدّي الى القلب.
واذ تمرّ مولدات الضد المَرَضية عبر العقد اللمفاوية، يجري ترشيحها واحتجازها. ومقاتلات المرض للجهاز المناعي تتطلَّب ٢٤ ساعة لتكمل الدورة اللمفاوية كلها، لكنّ ٦ ساعات من هذا الوقت يجري قضاؤها في العقد اللمفاوية. وهناك تلتقي مولدات الضد الغازية المحتجَزة، وتبتدئ المعارك الرئيسية. وكذلك فان مولدات الضد المعادية التي تسير في مجرى الدم لا تفلت. فيجري توجيهها الى الطحال، حيث تنتظر مقاتلاتُ المرض لتواجهها.
والآن تنتهي الحرب في داخلنا. فقوى الغزو تُهزم. والجهاز المناعي بتريليوناته او اكثر من الكريَّات البيض قد انتصر. انه الوقت لتتولّى فئة اخرى من الخلايا التائية الامر، اي الخلايا التائية الكابتة. فعندما ترى ان الحرب قد جرى ربحها، توقف المعركة وتبطل انتاج القوى القتالية للجهاز المناعي.
الخلايا الذاكرة والمناعة، مع المضاعفات
ولكن، بحلول هذا الوقت، تكون الخلايا البائية والخلايا التائية قد انجزت خدمة حيوية اخرى: فقد انتجت الخلايا الذاكرة التي تدور في مجرى الدم والاوعية اللمفاوية طوال سنوات كثيرة — وفي بعض الحالات طوال العمر. فاذا أُصبتم يوما ما بعدوى بالذرّية نفسها لڤيروس الانفلونزا او ڤيروس الزكام، او بأية مادة غريبة اخرى جرت مواجهتها في الماضي، فان هذه الخلايا الذاكرة ستكتشفها حالا وتحث الجهاز المناعي على هجوم سريع وساحق. والخلايا الذاكرة ستُنتِج بسرعة فيضا من النوع الخاص من الخلايا البائية والخلايا التائية الذي قاوم الهجوم الاول لهذا المغير الخصوصي. وهذا الغزو الجديد يجري قمعه قبل ان ينال موطئ قدم. ان ما احتاج اولا ربما الى ثلاثة اسابيع لينهزم يجري التغلب عليه الآن قبل ان يبدأ بالعمل. فعدواكم السابقة بهذا الغازي الخصوصي تركتكم في مناعة منه.
لكنّ الصورة تتعقَّد بوجود الذرّيات المختلفة لڤيروسات الانفلونزا، الناشئة غالبا في الاجزاء المختلفة من العالم. وبالاضافة الى ذلك، هنالك نحو ٢٠٠ ذرّية من ڤيروس الزكام، وكل ذرّية لديها مولدها الضدي الخاص بها. لذلك لا بد ان يكون هنالك ٢٠٠ نوع مختلف من الخلايا التائية المساعِدة، كل نوع له مستقبِلة تطابق مولد الضد لواحد من الـ ٢٠٠ ڤيروس زكام. لكنّ ذلك ليس كل ما هنالك. فڤيروسات الزكام والانفلونزا تتغيَّر باستمرار، وكلما حدث ذلك، يكون هنالك مولد ضد زكامي او انفلونزي جديد يتطلَّب مستقبِلة خلية تائية مساعِدة جديدة لتوافقه. ان ڤيروس الزكام يستمر في تغيير الاقفال، لذلك لا بد ان تستمر الخلية التائية في تغيير المفاتيح.
وقبل ان تسخروا من الاطباء الذين لا يستطيعون معالجة الزكام الشائع، أدركوا المشكلة. فالزكام الخصوصي الذي تعانونه يمكن ان يُعالج ولا يهاجمكم ابدا مرة اخرى، لكنّ ڤيروس زكام متغيِّرا مؤخرا يظهر، ولا بد ان يزوِّد جهازكم المناعي خلية تائية مساعِدة جديدة كليا لحث القوى المناعية على مقاتلته. واذ تربحون معركة واحدة، تبتدئ الاخرى حالا. فالحرب لا نهاية لها.
الدماغ والجهاز المناعي يتصلان
لا عجب ان يُقارن الجهاز المناعي على نحو مؤات بالدماغ. والبحث يستمر ليظهر انه هو والدماغ يتحدثان احدهما مع الآخر عن صحتنا وأن العقل يمارس تأثيرا على جسمنا، بما في ذلك الجهاز المناعي. والاقتباسات التالية تشير الى علاقة بين الدماغ والجهاز المناعي. انها مسألة تأثير العقل على الجسم والجسم على العقل.
«علماء المناعة يكتشفون المزيد عن الروابط بين العقل والجسم، آليات المرض النفسي الجسدي.» — ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، ص ٧٣٣.
ان الصلة بين الجهاز المناعي والدماغ يجري تمييزها ولكن قلَّما يجري فهمها. فالاجهاد العقلي، الفاجعة، الوحدة، والكآبة تؤثر في اعمال الكريَّات البيض، او الخلايا اللمفاوية، وهذا يقلِّل من نشاط الخلايا التائية. «ان الاساس الحيوي لهذه الصلات المتبادلة يبقى غامضا الى حد بعيد. ولكن من الواضح ان الجهازين العصبي والمناعي مترابطان بطريقة معقَّدة، تشريحيا وكيميائيا.» — الآلة المذهلة، الصفحتان ٢١٧، ٢١٩.
«ان الجهاز المناعي . . . ينافس الجهاز العصبي المركزي في الحساسية، النوعية، التعقيد.» — علم المناعة، الصفحة ٢٨٣.
وأخبرت مجلة العلم عن الرابطة بين الدماغ والجهاز المناعي: «ان مقدارا كبيرا من الدليل يُظهر ان الجهازين متصلان احدهما بالآخر بطريقة معقَّدة. . . . والصورة البارزة تُظهر ان الجهازين المناعي والعصبي متكاملان الى حد بعيد، قادران على التحدث ذهابا وايابا لتنسيق نشاطاتهما.» — ٨ آذار ١٩٨٥، الصفحات ١١٩٠-١١٩٢.
كل ذلك يعكس الحكمة اللامتناهية لخالق الجهاز المناعي والدماغ كليهما. وهذا، بدوره، يجعلنا نتساءل عما اذا كان خالقنا، بعد بناء مثل هذه العجائب المذهلة فينا كالدماغ والجهاز المناعي، سيبرمجنا بعدئذ لنموت. وفي الواقع، لم يفعل ذلك؛ فالعالِم هو الذي يقول اننا مصنوعون على هذا النحو. ويُقال لنا ان الخلايا تنقسم — يُخلق في اجسامنا اكثر من ٢٠٠ مليون كل دقيقة — لتحل محل الخلايا المصابة بضرر والتالفة. ولكنّ خلايانا، يقول العلماء، تنقسم ليس اكثر من ٥٠ مرة. وبسرعة نخسر اكثر مما نستبدل، تبدأ الشيخوخة، ويتبع الموت.
لكنّ هذه ليست الطريقة التي خُلق بها الانسان؛ فالانسان جلب هذه الامور على نفسه. لقد خُلق ليحيا، يُثمر، يكثر، يملأ الارض، ويعتني بالارض — ما دام طائعا لخالقه. لكنه حُذِّر: ان لم تُطع «موتا تموت.» والانسان الاول لم يُطع، حصل على مشاعر الذنب، واختبأ. من تلك اللحظة فصاعدا، صارت البشرية تحت حكم عملية الموت. — تكوين ١:٢٦-٢٨؛ ٢:١٥-١٧، ترجمة العالم الجديد بشواهد، الحاشية؛ ٣:٨-١٠ .
وعلى مر الوقت فان المشاعر السلبية القوية ‹تنخر العظام،› و «الروح المنسحقة تجفف العظم.» وتكون النتيجة جهازا مناعيا بمقدرة ناقصة، لان نِقْي العظم الرطب السليم لازم لانتاج وفرة من الكريَّات البيض المقاتلة للمرض. — امثال ١٤:٣٠؛ ١٧:٢٢.
لكنّ عملية الموت ستُستبدل بعملية الحياة، والجهاز المناعي الذي يعمل على نحو كامل سيكون عاملا مهما في المساهمة في ذلك. وقصد يهوه في حيازة ارض فردوسية ملآنة بجنس بشري بار وطائع سيجري انجازه بواسطة الذبيحة الفدائية للمسيح يسوع. حينئذ لا احد سيمرض، والموت سيُباد، واللحم كله سيصير «اغض من لحم الصبي.» (ايوب ٣٣:٢٥؛ اشعياء ٣٣:٢٤؛ متى ٢٠:٢٨؛ يوحنا ١٧:٣؛ رؤيا ٢١:٤) وحينئذ لن يخسر الجهاز المناعي المدهش المصمَّم من يهوه معركة ضد اية عوامل غازية.
وحتى الآن، فان جهازنا المناعي، بنقائصه، هو اعجوبة الخلق. وكلما تعلَّمنا عنه اكثر، وقفنا اكثر في رهبة من خالقه العظيم، يهوه اللّٰه. ونحن ننضم الى صاحب المزمور داود في تعبيره الموحى به: «احمدك من اجل اني قد امتزت عجبا. عجيبة هي اعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا.» — مزمور ١٣٩:١٤.
[الاطار/الرسومات في الصفحتين ٨، ٩]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
المدافعات في القوات المسلَّحة للجهاز المناعي
١- الخلايا البُلعمية الخلايا المتغذية، نوعان: العَدِلات والبلاعم الكبيرة. وكلتاهما كاسحات تلتهم القمامة العديمة الحياة، الخلايا الميتة والنفايات الاخرى، وأعدادا ضخمة من الميكروبات الغازية. والبلاعم الكبيرة اكبر، امتن، اقوى من العَدِلات، اذ تعيش فترة اطول وتأكل مقدارا اكبر من العضويات الدقيقة. واذ تكون اكثر بكثير من وحدات للتخلص من النفايات، تصنِّع الانزيمات المختلفة والعميلات المضادة للميكروبات، وتعمل كحلقات اتصال بين الخلايا الاخرى للجهاز المناعي وأيضا الدماغ.
٢- MHC (مركَّب التلاؤم النسيجي الرئيسي) جزَيْئات على سطح الخلايا تحدِّد هوية الخلايا كجزء من الجسم. وعلى البلاعم الكبيرة، يَعرض الـ MHC مقدارا ضئيلا من مولدات الضد الخاصة بالضحايا التي جعلتها البلاعم الكبيرة طعاما، مما يثير الخلية التائية المساعِدة والبُلعمة الكبيرة على السواء لتتكاثرا على نحو استثنائي من اجل زيادة قواتهما المسلَّحة لمحاربة العدوى.
٣- الخلايا التائية المساعِدة انها رؤساء العمليات للجهاز المناعي، اذ تحدِّد هوية الاعداء وتثير عملية انتاج المحاربين الآخرين للجهاز المناعي، حاشدة قواهم لينضموا الى المعركة ضد الغزاة. وهي تستدعي الامدادات العسكرية في صفوف البلاعم الكبيرة، الخلايا التائية والخلايا البائية الاخرى، وتثير عملية انتاج الخلايا الپلازمية.
٤- اللِمفوكينات پروتينات شبيهة بالهرمونات، بما في ذلك الانترلوكينات وڠاما انترفرون، بواسطتها تتصل الخلايا المناعية احداها بالاخرى. انها تنشِّط تفاعلات حيوية كثيرة للجهاز المناعي، معزِّزة بذلك استجابته للجراثيم المَرَضية.
٥- الخلايا التائية الفاتكة هذه الخلايا التائية تدمِّر الخلايا التي اختبأت فيها الڤيروسات والميكروبات. فهي توجِّه پروتينات مهلكة نحو هذه الخلايا، جاعلة ثقوبا في اغشيتها ومسبِّبة تمزيق الخلايا. وهي ايضا تتخلص من الخلايا التي تحوَّلت الى سرطانية.
٦- الخلايا البائية تحت تأثير الخلايا التائية المساعِدة، فان الخلايا البائية تزداد في العدد، والبعض ينقسم وينضج ليصير خلايا پلازمية.
٧- الخلايا الپلازمية تُنتج هذه الخلايا الاجسام المضادة بالملايين، التي، مثل الصواريخ الموجَّهة، تدور بعد ذلك في كل الجسم.
٨- الاجسام المضادة عند التقاء الاجسام المضادة بمولدات الضد يمكن لمستقبِلاتها ان تدركها، تقبض عليها، تبطِّئها، تسبِّب تجمُّعها معا لتصير طبق طعام مغريا تلتهمه الخلايا البُلعمية. او تقوم بالمهمة هي نفسها، بمساعدة عوامل المتمِّمة.
٩- پروتينات المتمِّمة حالما تقتفي الاجسام المضادة سطح العضوية الدقيقة، فان الپروتينات التي تدعى المتمِّمة تندفع اليها وتحقن سائلا فيها، جاعلة اياها تنفجر وتموت.
١٠- الخلية التائية الكابتة عندما تُكبح العدوى ويربح الجهاز المناعي، تبدأ الخلايا التائية الكابتة بالعمل وتستخدم اشارات كيميائية لتوقف سلسلة الاستجابات المناعية بكاملها. ويجري ربح المعركة.
١١- الخلايا الذاكرة بحلول هذا الوقت تكون الخلايا التائية والخلايا البائية قد انتجت وتركت وراءها الخلايا الذاكرة التي تدور في مجرى الدم والجهاز اللمفاوي طوال سنوات، وحتى طوال العمر. فاذا جرى شنّ غزو آخر من قبل النوع نفسه للعضوية التي هُزمت سابقا، تشنّ هذه الخلايا الذاكرة هجوما ساحقا، ويجري قهر هذا الغزو الجديد بسرعة. فالجسم الآن في مناعة من هذه العضوية الدقيقة الخصوصية. هذه هي الآلية التي تجعل عمليات التلقيح فعّالة في التخلص من الامراض التي كانت ذات مرة اسبابا لألم كبير — الحَصْبة، الجُدَريّ، التيفوئيد، الخانوق، وأمراض اخرى.
[الاطار في الصفحة ١٠]
زيادة انفجارية في المعرفة، لكنّ اللغز يبقى
بما ان ڤيروس الأيدز ضرب وركَّز انتباهه على الجهاز المناعي لتعطيله، انطلق البحث بسرعة. والمعرفة ازدادت على نحو هائل. على الرغم من ذلك، فان الجهاز المناعي معقَّد بطريقة مذهلة حتى ان الكثير عنه يبقى لغزا، كما تُظهر الاقتباسات التالية من علماء المناعة.
يقول عالم المناعة جون كاپلر: «ان الحقل يتقدم بسرعة كبيرة حتى ان المجلات تكون قديمة في الوقت الذي تصدر فيه.» — تايم، ٢٣ ايار ١٩٨٨، الصفحة ٥٦.
وعالم المناعة ليرويْ هود، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يقول: «لقد نلنا فهما جيدا لعتاد الجهاز المناعي، لكننا تقريبا لا نعرف شيئا بعدُ عن البرنامج الذي يسيِّر الجهاز — المورِّثات التي تقول لخلايانا ما يجب ان تفعل.» وفي ما يتعلق بالاشارات الكيميائية الشبيهة بالهرمونات التي تثير ردود الفعل، اللِمفوكينات، يقول هود ان التي اكتُشفت حتى الآن هي «مجرد رأس الجبل الجليدي.» — ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، الصفحة ٧٣٢؛ تايم، ٢٣ ايار ١٩٨٨، الصفحة ٦٤.
والباحث ادوَرد برادلي: «من المحتمل اننا نعرف القليل عن الجهاز المناعي الآن كما كان كولومبس يعرف عن الاميركيتين بعد رحلته الاولى.» — ناشنال جيوڠرافيك، حزيران ١٩٨٦، الصفحة ٧٣٢.
[الاطار في الصفحة ١١]
ان تدخين الماريجوانا «يقوم بدور حاسم في إضعاف الجهاز المناعي اذ يحدّ من نموّ كريَّات بيض معيَّنة.» — الكيميائي الصناعي، تشرين الثاني ١٩٨٧، الصفحة ١٤.
[الاطار في الصفحة ١١]
عندما تصير الحرب حربا اهلية
«ان المقدرة على التمييز بين الذات واللاذات هي السمة المميِّزة للجهاز المناعي.» (علم المناعة، الصفحة ٣٦٨) ولكن عندما يخفق الجهاز — كما يفعل في بعض الاحيان — يفشل في التمييز بين الذات واللاذات وينتهي به الامر الى حرب اهلية، مقاتلا نفسه. والاسقام التي تصيبنا آنذاك تُدعى امراض المناعة الذاتية autoimmune diseases. ويُعتقد ان يكون بينها الحمّى الروماتزمية، التهاب المفاصل شبه الرَّثْييّ، التصلُّب المتعدِّد، داء السكري من النوع ١، الوهن العضليّ الوخيم، والذَّأَب الحُمامي الجهازي.
وبالاضافة الى ذلك، يخطئ الجهاز المناعي احيانا عندما يعتبر الدخلاء العديمي الاذى اعداء خطرين. فيمكن ان يسبِّب مقدار ضئيل من اللقاح، جُسَيْم من الغبار، قشور الرأس الحيوانية، او عضَّة سلطعون ردَّ فعل ارجيّا allergic. فيجري انتاج كميات زائدة من المواد الكيميائية الفعّالة، كالهستامينات، لتقاتل اجزاء هي غير مؤذية بحد ذاتها. وأعراض ردود الفعل الارجيّة هذه يمكن ان تكون مزعجة جدا — الازيز، العُطاس، الزكام الانفي، انف سيّال، اعين دامعة. واذا كانت متطرفة فان ردود الفعل هذه يمكن ان تؤدي الى حالة شبيهة بالصدمة تدعى تحساسا anaphylaxis ويمكن ايضا ان تسبب الموت.
[الاطار في الصفحة ١٢]
يزداد الدليل على ان نقل الدم مؤذ للجهاز المناعي. ومئات المقالات العلمية على مرّ السنوات العديدة الماضية ربطت نقل الدم بالكبت المناعي. «ان وحدة واحدة من الدم الكامل كانت كافية لرؤية كبت المناعة،» ذكر احد التقارير. — اخبار العالم الطبية، ١١ كانون الاول ١٩٨٩، الصفحة ٢٨.