الاعتناء بالكبار السن — مشكلة متزايدة
تُروى القصة عن فتاة صغيرة سألت امها: «لماذا تأكل جدتي في وعاء خشبي لكنّ الباقين منا يأكلون في صحوننا الجميلة؟» فأوضحت امها: «ان يدَي والدتي ترتعشان، وقد تُسقِط صحوننا الجيدة وتكسرها، لذلك تستعمل الوعاء الخشبي عوضا عنها.» بعد التفكير في ذلك لحظة، سألت الفتاة الصغيرة: «اذًا هل ستحفظين الوعاء الخشبي لي كي استعمله من اجلك عندما اكبر؟» ان هذه النظرة المسبقة الى الحوادث القادمة ربما افزعت الام، وحتى ارعشتها قليلا. ولكن عند اعادة النظر، ربما طمأنها ذلك ايضا — ففتاتها الصغيرة كانت تخطط للاعتناء بها!
ان الامر المتوقَّع للكثير من المسنين ربما لا يكون ساطعا جدا. فقد صاروا القسم الاسرع نموا من السكان في اجزاء كثيرة من العالم. اخبرت وورلد پرِس ريڤيو عدد آب ١٩٨٧ ان حوالي ٦٠٠ مليون شخص، ١٢ في المئة من عدد سكان الكوكب في ذلك الوقت، هم آنذاك بعمر يتجاوز الـ ٦٠.
في الولايات المتحدة، يتجاوز المسنون عدد السكان المراهقين لاول مرة في زمنها. اخبر محرر علمي لصحيفة في مدينة نيويورك: «ان ثلاثين مليون اميركي الآن هم بعمر ٦٥ او اكبر — بنسبة واحد من كل ثمانية منا، اكثر من اي وقت سابق، وعدد السكان الاكبر سنا يتزايد بسرعة تبلغ ضعف سرعة تزايد باقي عدد السكان. . . . كان متوسط العمر المتوقَّع للاميركيين ٣٥ في السنة ١٧٨٦. اما لطفل اميركي وُلد سنة ١٩٨٩، فهو ٧٥.»
وفي كندا يُتوقع ان يتضاعف عدد المسنين جدا، بعمر ٨٥ وما فوق، اكثر من ثلاث مرات بحلول نهاية القرن.
ومنذ مئة سنة في اوروپا، شكّل المسنون ١ في المئة فقط من مجموع عدد سكانها. واليوم ارتفعت اعدادهم الى ١٧ في المئة.
وثمة تقرير مكتب للاحصاء في الولايات المتحدة عن «الشيخوخة في العالم الثالث» قال: «ان اربعة اخماس الزيادة في الناس الاكبر سنا تحدث في العالم الثالث.»
ومنذ اربعة عقود كان متوسط العمر المتوقَّع للشعب الصيني نحو ٣٥ سنة. وبحلول سنة ١٩٨٢ ارتفع الرقم الى ٦٨ سنة. واليوم فان اكثر من ٩٠ مليون صيني يُعتبرون مسنين، ويُقدَّر انه بحلول نهاية القرن، سيزيد الرقم الى ١٣٠ مليونا، او ١١ في المئة من عدد السكان.
جهد خصوصي للاعتناء بخاصتكم
فيما يتصاعد عالميا عدد المسنين جدا، تصير المسألة المربكة لكيفية الاعتناء بهم ضرورية اكثر. في ازمنة الكتاب المقدس لم تكن المشكلة بمثل هذه الصعوبة. فقد كانت لديهم عائلة ممتدَّة، حيث كان يعيش الاولاد، الوالدون، والاجداد معا. وتفاعل الاولاد والاجداد بفائدة واحدهم للآخر، وتمكن الوالدون من صنع التدابير المادية الضرورية وايضا التأكُّد من جعل اية عناية خصوصية يحتاج اليها المسنون في الاسرة متوافرة. ومثل هذه العائلات الممتدَّة التي تعتني بالمسنين لا تزال قاعدة في بعض البلدان اليوم. (من اجل الامثلة، من فضلكم انظروا الاطار في الصفحة ٨.) ولكن الحال ليست كذلك في الامم الغنية اكثر حيث تقتصر الدائرة العائلية على الوالدين والاولاد. وعندما يكبر الاولاد ويتزوجون ويكون لهم اولاد، غالبا ما تواجههم مشكلة الاعتناء بوالديهم الكبار السن، الضعفاء، والمرضى على نحو مزمن في الغالب.
في نظام الاشياء الحاضر هذا، يمكن ان يكون فعل ذلك مشكلة مثقِلة حقا! وبقدر ما يكون ذلك غير مرغوب فيه، ففي ظل الظروف الاقتصادية الحاضرة، قد يكون من الضروري لكلا الوالدين ان يعملا. فالطعام غالٍ، الايجارات عالية، الفواتير ترتفع. ويمكن حتى لراتبَين ان يختفيا بسرعة. واذا كانت امرأة المنزل لا تعمل خارجا، فقد تكون مشغولة بالاولاد، التسوُّق، التنظيف — عمل كامل الوقت بحد ذاته. لا يعني ذلك انه لا يجب الاعتناء بوالد او والدَين مسنين في المنزل. فما يعنيه ذلك هو انه يمكن ان يكون تعيينا صعبا جدا. والمسنون لديهم آلامهم واوجاعهم، ومن المفهوم انه يمكن ان يكونوا احيانا متذمرين غريبي الاطوار، ليس دائما اجتماعيين وبمزاج مرح. ولا يعني اي من هذه الامور انه لا يجب القيام بجهد شاق للاعتناء بوالد مسنّ في المنزل.
وغالبا ما تقع المسؤولية على عاتق البنات الاحياء. كشفت دراسة بعد دراسة انه على الرغم من تزويد الرجال العون المالي، فان النساء هنّ مَن يزوِّدن بصورة رئيسية العناية الشخصية العملية المباشرة. فيطبخن وجبات الطعام للكبار السن — اذ غالبا ما يُلقمنهم الطعام بالملعقة — يغسلنهم ويلبسنهم، يبدِّلن ثيابهم، يأخذنهم بالسيارة الى الاطباء والمستشفيات، يُعنَين بمخزونهم الطبي. وكثيرا ما يكنّ عيني، اذني، وعقل والديهن المسنين. فعملهن عمل هائل، وطوعيتهن للقيام به على الرغم من مشقاته هي حقا جديرة بالثناء ومرضية عند يهوه اللّٰه.
والاعتقاد ان معظم الاولاد الراشدين يرسلون والديهم المسنين لكي يقضوا سنواتهم الاخيرة في دار للرعاية ليس صحيحا تماما، وفقا لكارل آيزدورفِر، دكتور في الطب، حائز شهادة دكتوراة، مدير مركز نمو الراشدين والشيخوخة في جامعة ميامي، فلوريدا، الولايات المتحدة الاميركية. «اظهرت الدراسات ان المقدار الاكبر من العناية بالناس الاكبر سنا تزوِّده عائلاتهم الخاصة،» قال.
وتدعم الاحصاءات ادعاءه. ففي الولايات المتحدة، مثلا، قال ٧٥ في المئة من الذين جرى استطلاع رأيهم انهم يريدون ان يعيش والدوهم معهم، إن لم يعودوا قادرين على العيش وحدهم. «هذا يؤكد ان العائلات تريد ان تعتني بخاصتها،» قال الدكتور آيزدورفِر. وقال تقرير في مجلة .Ms: «ان ٥ في المئة فقط من اولئك الذين يتجاوز عمرهم الـ ٦٥ هم في دور الرعاية في اي وقت لان المسنين ومعظم اقربائهم على السواء يفضلون البيت على عناية المؤسسات.»
والحالة التالية تُظهر الجهد الذي يقوم به البعض للاعتناء بوالد مسنّ. والتقرير هو من ممثل جائل من شهود يهوه يزور الجماعات في كل مكان من الولايات المتحدة. يشرح كيف صمَّم هو وزوجته على ابقاء والدتها البالغة من العمر ٨٣ سنة معهما عوضا عن وضعها في دار للرعاية. «تذكرتُ القول،» علَّق، «ان امّا واحدة يمكنها ان تعتني بـ ١١ ولدا، لكنّ ١١ ولدا لا يمكنهم الاعتناء بأم واحدة. حسنا، كنا كلانا مصمِّمَين على الاعتناء بأم مسنَّة واحدة. وعلى الرغم من انها كانت في المرحلة الاولية لمرض الزهيمر، سافرت معنا بالمقطورة.
«في بادئ الامر كانت تذهب معنا عندما كنا نكرز برسالة الملكوت من باب الى باب. وفي ما بعد، كان علينا ان نأخذها في كرسيّ ذي دواليب. وبدا ان اصحاب البيوت يقدِّرون كيفية تولّي الاعتناء بها. احيانا كانت تقول اشياء غير صحيحة، لكننا لم نكن نربكها قط بالتصحيح لها. ومع ذلك كانت لا تزال تتمتع بروحها الفكاهية. كنت احذِّرها واقول، ‹انتبهي لسيركِ يا امي،› فتجيب، ‹ليس لحذائي سير.› لقد اعتنينا بها حتى ماتت، بعمر ٩٠ سنة.»
عندما تكون دور الرعاية لازمة
ان حوالي مليوني مسنّ يعيشون في دور الرعاية في الولايات المتحدة. ولكن في معظم الحالات لا يكون ذلك مسألة «خزن قاس للمسنين في مستودع،» كما دعا البعض وضعَهم في دور الرعاية. وبالاحرى غالبا ما يكون ذلك الخيار الوحيد للاعتناء الملائم بأولئك العاجزين عن الاعتناء بأنفسهم. وفي اغلب الاحوال، لا يكون اولاد المسنين في وضع ليعتنوا بوالديهم الكبار السن، الذين قد يكون الكثير منهم مصابين على نحو خطير بمرض الزهيمر او طريحي الفراش بمرض ما آخر مضعِف يتطلب عناية متواصلة خصوصية. في حالات كهذه يمكن ان تكون دور الرعاية الاماكن الوحيدة القادرة على تزويد هذه الحاجات الخصوصية.
اخبر مرسل لجمعية برج المراقبة في سييرا ليون، افريقيا، عن الالم الذي اختبرته امه عندما كان عليها ان تضع والدتها في دار للرعاية: «مؤخرا، وضعتْ امي في فلوريدا والدتها، هيلين، في دار للرعاية. وكان ذلك قرارا صعبا جدا عليها. لقد اعتنت بهيلين طوال اربع سنوات، لكنّ هيلين احتاجت الآن الى عناية من ممرضة كامل الوقت. واصدقاء امي، العائلة، والعديد من العمّال الاجتماعيين والاطباء جميعهم ايَّدوا قرار وضع هيلين في دار الرعاية، لكنه مع ذلك كان قرارا صعبا جدا لاتخاذه. فقد شعرت امي بأنه نظرا الى اعتناء والدتها بها كطفلة، إنما يكون من الصواب الآن ان تعتني بوالدتها في سنها المتقدمة — المجازاة، او ‹المكافأة،› التي تكلم عنها الرسول بولس. ولكن الواقع انه جرى الاعتناء بهيلين في دار الرعاية بطريقة افضل مما كان يمكن الاعتناء بها في منزل امي.» — ١ تيموثاوس ٥:٤.
اخبر شاهد آخر، يعمل في المركز الرئيسي العالمي لشهود يهوه، عن صراع ابيه مع السرطان. «كان ابي شاهدا غيورا طوال اكثر من ٣٠ سنة. وفي السنوات التسع الاخيرة من حياته، عانى من السرطان. قضينا زوجتي وانا عطلنا معه واخذنا اجازات غياب طويلة لنكون معه ونقدم المساعدة. وساعد اقرباء آخرون بطرائق مختلفة. ولكن في معظم ذلك الوقت، اعتنت به زوجته وابنة متزوجة تقيم في المنزل المجاور. كان يزوره ايضا اعضاء من جماعة الشهود حيث كان يحضر. وفي السنتين الاخيرتين، دخل وخرج مرارا عديدة الى ومن المستشفى، وقضى الاشهر الخمسة الاخيرة في تسهيل للعناية المكثَّفة حيث امكنه الحصول على العناية المتخصصة التي احتاج اليها.
«كان قرار نقله من البيت الى التسهيل قرارا عائليا، بالاشتراك معه. لقد جزم ان العناية به صارت شاقة جدا، بل مستحيلة، على العائلة في المنزل. ‹سيقتلكم ذلك جميعا!› اعلن بقوة. ‹حان الوقت للذهاب الى هذا التسهيل للعناية المكثَّفة. فذلك افضل لكم؛ وافضل لي.›
«وهكذا ذهب. فطوال تسع سنوات تقريبا، اعتنت العائلة به، ولما كان ذلك الحل الوحيد الاخير دخل الى تسهيل العناية المكثَّفة من اجل العناية المتخصصة المتواصلة التي كانت لازمة.»
عندما، كحلّ اخير، تصير دار الرعاية لازمة من اجل العناية الملائمة، يجب على العائلة ان تبحث عن دار نظيفة ومزوَّدة بمانحي عناية لطفاء ومؤهلين. واذا كان ذلك ممكنا دائما، رتبوا من اجل زائر كل يوم — عضو في العائلة، شخص ما من الجماعة، وعلى الاقل مخابرة هاتفية — كي لا يشعر الشخص المسنّ بأنه متروك، منسيّ، وحيد تماما، ويعتقد ان لا احد يهتم. وعندما يكون لدى الآخرين في دار الرعاية زائرون، ولكن ما من احد يأتي لرؤية محبوبكم — يمكن ان يكون ذلك مثبطا جدا. لذلك حاولوا ان تروا الشخص قانونيا. تحدثوا معه. اصغوا إليه. صلّوا معه. فهذا الامر الاخير مهم جدا. وحتى اذا بدا انه في غيبوبة، صلّوا مهما كان الامر. فلا تعلمون ابدا الى اية درجة يمكن ان يسمع شيئا ما!
وعندما تتخذون القرارات في ما يتعلق بالوالدين، حاولوا ان تقوموا بذلك معهم بدلا من ان تقوموا به عنهم. دعوهم يشعرون بأنهم لا يزالون يتحكمون في حياتهم. قدِّموا العون اللازم مع كل ما يمكن من المحبة والصبر والتفهم. فذلك هو الوقت لايفاء، كما كتب الرسول بولس، ما نحن مدينون به لوالدينا واجدادنا.
«التزام الانسان كله»
في زحام وضوضاء هذا العالم العصري، من السهل ان يُدفع المسنون الى المواضع الخلفية المعزولة للحياة. وخصوصا الاحداث الذين يدخلون الآن السباق ويسرعون الى احراز تقدم في حياتهم يميلون الى الشعور بأن المسنين هم عائق، انهم عمّروا اكثر من ان يُنتفع منهم. فربما يجب علينا جميعا ان نتوقف ونفكر مليا: ماذا يميِّز الحياة بأنها نافعة على اي حال؟ من السهل ان يقلِّل الاحداث من قيمة حياة المتقدمين في السن ويعلِّقوا قيمة مبالغا فيها على حياتهم.
ومع ذلك، ليس مجرد المتقدمين في السن والضعفاء هم الذين يمكن ان يساهموا قليلا او لا يساهموا في ما يبدو انه ذو اهمية. فالملك سليمان في سفر الجامعة اشار تكرارا الى ان نشاطات الناس عموما هي باطلة. وتكلم عن الاحداث وقوتهم الوقتية واظهر كيف ستُهلِك السنون العابرة اجسادهم تماما كما اهلكت قبلا اجساد الملايين الآخرين. الجميع ينتهون الى تراب ويستحقون هذا التقييم: «باطل الاباطيل،» قال سليمان. «الكل باطل.» — جامعة ١٢:٨.
لكنه مجّد كلام الحكماء ولخّص تعليقاته على الحياة بهذه الكلمات: «وختام الامر، كل ما قد سُمع، هو: اخشَ الاله الحقيقي واحفظ وصاياه. لانّ هذا هو التزام الانسان كله.» (جامعة ١٢:١٣، عج) هذه هي الصيغة لحياة نافعة، لا الى اي حد انتم شبان او الى اي حد انتم متقدمون في السن او اي نوع من الاهداف تضعونه في هذا العالم القديم المادي الزائل.
ومن اجل ضبط علاقاتنا البشرية، اعطى يسوع المبدأ المرشِد الذي صار يُعرف بالقاعدة الذهبية: «فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم.» (متى ٧:١٢) ومن اجل تطبيق هذه القاعدة، لا بد ان نكون قادرين على وضع انفسنا في مكان الشخص الآخَر، لنرى الطريقة التي نرغب ان نعامَل بها اذا كنا في مكانه. فاذا كنا متقدمين في السن وضعفاء وفي حاجة الى المساعدة، فكيف نرغب ان يعاملنا احد اولادنا؟ هل نوفي والدينا ثمن الـ ٢٠ سنة من العناية والدعم الذي انفقوه علينا عندما كنا اطفالا عاجزين بالاعتناء الآن بهم عندما يكونون عاجزين في سنهم المتقدمة؟
اذ ننظر الى والدينا المسنين في حاجتهم، ربما نعيد النظر في طفولتنا ونتذكر كل ما فعلوه لاجلنا عندما كنا اطفالا، اولادا، اذ عالجونا في وقت امراض الطفولة، أطعمونا وألبسونا، أخذونا في نُزَه من اجل بهجتنا الطفولية. اذًا، باهتمام حبي بخيرهم، فكروا في ما هو افضل لسدّ حاجاتهم.
يمكن ان يكون ذلك بصنع الترتيبات الضرورية لابقائهم في المنزل اذا كان ذلك بأي حال ممكنا. ومن جهة ثانية، فان الترتيب الافضل لجميع ذوي العلاقة، بمن فيهم الوالدون المسنون، قد يكون تسهيل العناية المكثَّفة او دار الرعاية. ومهما كان القرار الذي يُتخذ، يجب ان يحترمه الآخرون. وكما يقال لنا: «لماذا تدين اخاك. او انت ايضا لماذا تزدري بأخيك.» ومرة ثانية: «مَن انت يا مَن تدين غيرك.» — رومية ١٤:١٠؛ يعقوب ٤:١٢.
ومهما كان الامر الذي يمكن ان ينجح بالنسبة الى الوالدين المسنين، سواء العيش مع اولادهم او في دار للرعاية، فاذا كانت قدراتهم العقلية سليمة، يمكن ان تكون لديهم بعدُ حياة ذات معنى. فقد يتعلمون عن قصد يهوه ان يعيش كل الجنس البشري الطائع الى الابد بصحة في ارض فردوسية. وقد يجدون مهنة جديدة، مهنة مفرحة ومانحة الاكتفاء في خدمة خالقهم، يهوه اللّٰه. ويصير ذلك حينئذ اكثر وقت ذي معنى وسعادة في حياتهم. والبعض في سنواتهم المتقدمة، في الوقت الذي تخلّى فيه آخرون عن الحياة نفسها، اتوا الى معرفة وعود يهوه بحياة ابدية في عالم جديد من البر لا نهاية له ووجدوا فرحا جديدا في التكلم مع الآخرين عن هذا الرجاء.
ونختتم بحادثة وثيقة الصلة بالموضوع. فقد جرى إطلاع امرأة من كاليفورنيا، بعمر ١٠٠ سنة، على هذه البركات الموعود بها بواسطة ممرضة في دار الرعاية، وبعمر متقدِّم كثيرا يبلغ ١٠٢، اعتمدت كواحدة من شهود يهوه. ولم تكمل حياتها بنهاية دون جدوى كشيء «باطل الاباطيل،» بل باتمام ‹التزامها للحياة كله،› اي، ‹خشية الاله الحقيقي وحفظ وصاياه.›
[النبذة في الصفحة ٦]
قيل انه منذ سنين كان بامكان ام واحدة ان تعتني بـ ١١ ولدا؛ والآن فان ١١ ولدا لا يمكنهم الاعتناء بأم واحدة
[الاطار في الصفحة ٨]
اظهار الاكرام بالاعتناء بالمسنين — تعليقات من حول العالم
«في افريقيا يوجد القليل او لا شيء من التدابير الحكومية للمسنين — لا دور للرعاية، لا مساعدات عناية طبية او ضمان اجتماعي، ولا معاشات شيخوخة. فأولاد الاشخاص المتقدمين في السن هم الذين يتولّون امر الاعتناء بهم.
«ان السبب الرئيسي لاهمية انجاب الاولاد عند الناس في البلدان النامية هو ان اولادهم يتولّون امر الاعتناء بهم في المستقبل. وحتى الناس الفقراء ينجبون اولادا كثيرين، اذ يفكرون انه كلما كان لديهم اولاد اكثر كثرت فرص بقاء البعض على قيد الحياة وتولّي امر الاعتناء بهم.
«وعلى الرغم من ان المقاييس تتغير في افريقيا، بشكل عام، تتحمل العائلات بجدّ مسؤولية تولّي الاعتناء بمسنيهم. وإن لم يكن هنالك اولاد، يتولّى اعضاء آخرون في العائلة امر الاعتناء بهم. وغالبا ما يكون اولئك الذين يزوِّدون العناية في وضع مالي ضعيف، لكنهم يتقاسمون ما يملكون.
«وثمة طريقة اخرى يعتني بها الاولاد بوالديهم وهي بتقديم اولادهم لهم. والحفداء غالبا هم الذين يقومون بالعمل في كل المنزل.
«في البلدان المتطورة، يعيش الناس مدة اطول بسبب التقدم الطبي. والحال ليست كذلك في البلدان النامية. فالناس الفقراء يموتون لانهم لا يستطيعون تحمّل ثمن حتى المساعدة الطبية المحدودة المتوافرة. وثمة مثل يقال في سييرا ليون: ‹ما من شخص فقير مريض.› مما يعني انه نظرا الى كون الشخص الفقير لا يملك المال من اجل المعالجة، فهو إما في صحة جيدة او ميت.» — روبرت لاندِس، مرسل في افريقيا.
«في المكسيك يملك الناس احتراما شديدا للوالدين المسنين. يعيش الوالدون وحدهم في منازلهم عندما يتزوج ابناؤهم، ولكن حين يصير الوالدون اكبر سنا وفي حاجة، يأخذهم الاولاد الى منزلهم ويعتنون بهم. وهم يشعرون بأن ذلك واجب.
«من الشائع رؤية الاجداد يعيشون في المنزل نفسه الذي لابنائهم وحفدائهم. والحفداء يحبون ويحترمون اجدادهم. فالعائلة حميمة جدا.
«وفي المكسيك، ان الدور من اجل الاشخاص المسنين نادرة لان الابناء والبنات يعتنون بالمسنين. واذا كان هنالك ابناء عديدون، يبقى احيانا آخِر مَن يتزوج في المنزل ويعيش مع الوالدين.» — إِسا ألِيْمان، من المكسيك.
«في كوريا يجري تعليمنا في المنزل وفي المدرسة ان نكرم الناس المسنين. ويُفترض ان يعتني الابن الاكبر سنا في العائلة بوالديه المتقدمين في السن. واذا كان غير قادر على دعمهما، سيفعل ذلك ابن آخر او ابنة اخرى. ويعيش ازواج كثيرون مع والديهم المتقدمين في السن ويعتنون بهم تحت سقف واحد. ويتوقع الوالدون ان يعيشوا مع اولادهم، ويرغبون في ارشاد حفدائهم والاعتناء بهم. ويُعتبر مخجلا ان يرسل زوجان شابان والديهما المتقدمين في السن الى دار للرعاية.
«كان والدي الابن الاكبر سنا، فعشنا مع جدَّينا في البيت نفسه. وكلما غادرنا المنزل، كنا نعلمهما بالمكان الذي نذهب اليه وبوقت عودتنا. وعندما نعود الى المنزل، كنا نقوم بزيارة قصيرة لغرفتهما ونحييهما ورأسنا منحنٍ ونخبرهما بأننا عدنا لانهما معنيان بخير العائلة بكاملها.
«وعندما نناولهما شيئا ما، كنا نمسكه باليدين الاثنتين. فانه غير ادبي تمرير اي شيء بيد واحدة لاشخاص هم موضع احترام، كالوالدين، الاجداد، المعلمين، او الموظفين الاعلى في الخدمة العامة. وعندما يكون لدينا طعام خصوصي، كنا نقدمه الى جدَّينا اولا.
«ان اكرام المسنين لا يقتصر على اعضاء العائلة فقط بل يمتد الى كل المسنين. ومن المدرسة الابتدائية حتى المدرسة الثانوية، هنالك صفوف في علم الاخلاق. وفي هذا الصف، كنا نتعلّم من خلال الحكايات الخرافية او المحاضرات كيفية احترام واكرام المسنين.
«وعندما يدخل الى الغرفة شخص متقدم في السن، يُتوقع من الاشخاص الصغار السن ان يقفوا. واذا كان شخص صغير السن جالسا في باص وليس لدى رجل مسنّ او امرأة مسنّة مقعد، فمن المعتاد ان يتخلى الشخص الاصغر سنا عن مقعده. واذا كان رجل متقدم في السن يحمل حزمة تبدو ثقيلة، تتوقفون وتسألون عما اذا كان يحتاج الى مساعدة ام لا. واذا قال نعم، تحملون الحزمة الى مكانه المقصود.
«وكما تنبأ الكتاب المقدس، في هذه الايام الاخيرة من نظام الاشياء سينحطّ المقياس الادبي يوما بعد يوم. وليست كوريا معفاة من هذا التأثير. ومع ذلك، يبقى هذا النوع من الموقف المتسم بالاحترام تجاه الناس المسنين في قلوب الكثير من الكوريين.» (٢ تيموثاوس ٣:١-٥) — كاي كيم، من كوريا.
[الصورة في الصفحة ٧]
زيارة المسنين وقت يجري قضاؤه على نحو جيد